الأسطورة تهيمن على القائمة القصيرة لـ”جائزة الكاتبات 2019″/ سناء عبد العزيز
كانت الهيمنة الذكورية على الجوائز الأدبية وراء فكرة تخصيص جائزة للكاتبات، بعد أن أثبتت الإحصائيات أن نصيب المرأة الكاتبة من الجوائز لا يتعدى نسبة 10 في المئة من مجموع الجوائز المقدمة، وبخاصة بعد تصريح سارة تشورشويل، إحدى المحكمات في جائزة البوكر، حول ضآلة عدد الروايات النسائية التي تقدمها دور النشر ودلالة ذلك على التحيز المؤسسي في ثقافتنا.
ومنذ العام 1996 تم إطلاق الجائزة التي تغير اسمها عدة مرات بتغيير الشركة الراعية، وتُمنح سنويًا لكاتبة من أي جنسية عن أفضل رواية مكتوبة باللغة الإنكليزية، تم نشرها في المملكة المتحدة في العام السابق. وهي تعتبر واحدة من الجوائز الأدبية المرموقة في المملكة المتحدة. يحصل الفائز بالجائزة على 30000 جنيه إسترليني، إلى جانب تمثال برونزي يدعى Bessie صممه الفنان غريزل نيفن، وشقيقة الممثل والكاتب ديفيد نيفن. وعلى الرغم من ذلك فقد أثير حول الجائزة الكثير من الجدل، حيث أطلق عليها الصحافي الكبير أوبرون ووه لقب “جائزة الليمون”، في حين زعم جيرمان جرير أنه سيكون هناك قريباً جائزة “للكتاب من ذوي الشعر الأحمر” كما أطلقت عليها الكاتبة أنتونيا سوزان بيات، الحائزة على البوكر عام 1990، اسم “جائزة التحيز الجنسي”، مدعية أن “مثل هذه الجائزة لم تكن مطلوبة على الإطلاق”.
القائمة القصيرة لهذا العام:
تواريخ مكررة…
بدا مهيمنا على العناوين التي وردت في القائمة القصيرة لهذا العام 2019 إعادة إحياء التاريخ فيما يخص المرأة، باستنطاق الشخصيات النسائية التاريخية، بدءاً من البريطانية بات باركر في روايتها “صمت الفتيات” The Silence of the Girls، إلى “بائع الحليب” Milkman للإيرلندية آنا بيرنز الحائزة على مان بوكر.
باركر التي ذاع صيتها بـ”ثلاثية التجديد” The Regeneration Trilogy التي بدأتها في عام 2012 عن الحرب العالمية الأولى، وتم تصنيفها من “أفضل 10 روايات تاريخية”، تتنافس بـ”صمت الفتيات”على الجائزة بعد روايتيها “العين السحرية في الباب” The Eye in the Door، الحائزة على جائزة الغارديان للأدب، و”طريق الأشباح” The Ghost Road، الحائزة على جائزة البوكر.
وتدور “صمت الفتيات” عن قصة بريسيس، الأميرة التي أصبحت أمَة لأخيل، قاتل زوجها وإخوانها، في حرب طروادة القديمة من أجل المرأة المخطوفة هيلين. وبريسيس هي واحدة من بين آلاف النساء اللائي يعشن وراء الكواليس في هذه الحرب – المحظيات والمستعبدات والممرضات ومن طواهن الموت وتم محوهن من التاريخ. لقد كانت ملكة قبل أن يحظى بها أخيل كغنيمة حرب، وحين يطالب أغاممنون، القائد السياسي الوحشي للقوات اليونانية، بها لنفسه، تجد نفسها بين أقوى قوتين في الإغريق. ويرفض أخيل القتال، ويبدأ الإغريق في الخسارة أمام خصومهم الطرواديين. فتجد بريسيس نفسها في وضع غير مسبوق، تراقب مآل الرجلين اللذين يقودان الجيش اليوناني في مواجهتهما النهائية، والتي لن تقرر مصير شعب بريسيس فحسب، بل أيضًا مصير العالم القديم.
الترشيح الثاني لمادلين ميلر
لم تفز أي امرأة بجائزة الكاتبات أكثر من مرة منذ إطلاقها في العام 1996، لكن الكاتبة مارغريت أتوود تم ترشيحها ثلاث مرات من دون أن تفوز بها فعلياً. أما الأميركية مادلين ميلر، التي ولدت في بوسطن في 24 يوليو عام 1978، فقد فازت بالجائزة بالفعل عام 2012 عن روايتها الأولى “أغنية أخيل”، ما يثير سؤالاً حول إمكانية حصولها على الجائزة هذا العام، حيث سيصبح حدثاً غير مسبوق في تاريخ الجائزة.
ميلر بدورها تعود أيضاً إلى الأسطورة اليونانية في روايتها “سيرس” Circe، بإعادة صياغة حكاية الساحرة التي تغوي أوديسيوس هوميروس. وسيرس طفلة غريبة ولدت في منزل هيليوس، إله الشمس وأقوى الجبابرة، ليست قوية مثل أبيها، ولا فاتنة مثل أمها. تنتقل إلى عالم البشر بحثا عن الرفقة، فتكتشف أنها تمتلك قوة السحر، التي يمكن أن تحول المنافسين إلى وحوش وتهدد الآلهة أنفسهم. فيهددها زيوس بإبعادها إلى جزيرة مهجورة، حيث تقوم بصقل موهبتها السحرية وترويض الوحوش البرية وعبور الطرق مع العديد من الشخصيات الأكثر شهرة في جميع الأساطير، بما في ذلك مينوتور ودايدالوس وإيكاروس، وميديا القاتلة، وبطبيعة الحال أوديسيوس المخادع. ولكن تحيق بها الأخطار لأنها امرأة تقف بمفردها، وتستجلب عن غير قصد غضب كل من الرجال والآلهة، فتجد نفسها في النهاية تقف ضد واحد من أكثر الأوليمبيين رعباً وانتقامًا، لحماية أكثر ما تحب، وعليها أن تستجمع كل قوتها وأن تختار، مرة واحدة وإلى الأبد، ما إذا كانت تنتمي إلى الآلهة التي ولدت منهم، أم البشر الذين تعلقت بهم.
هل تفوز “بائع الحليب” بجائزة أخرى؟
حين فازت الإيرلندية آنا بيرنز بجائزة مان بوكر عن روايتها التجريبية “بائع الحليب”، كانت أول مؤلفة من إيرلندا الشمالية تفوز بالجائزة التي تبلغ قيمتها 50 ألف جنيه إسترليني، كما كانت الرواية الثالثة لبيرنز بعد روايتيها “بدون عظام”- 2001، و”منشآت قليلة”- 2007، بالإضافة إلى نوفيلا صدرت لها عام 2014 بعنوان “بطل على الأغلب”.
وفي “بائع الحليب”، التي وصفها رئيس لجنة التحكيم كوامي أنتوني أبيا الفيلسوف الأميركي بريطاني المولد، بأنها رواية “بديعة بشكل لا يصدق.. لم يقرأ أحد منا شيئا من هذا القبيل من قبل”، تروي فتاة تبلغ من العمر 18 عاما معاناتها ومتاعبها حين تتعرض للتحرش الجنسي من قبل رجل كبير السن، يتسم بالقوة والسلطة هو بائع الحليب. كما تحدث أبيا عن صوت بيرنز المميز على مستوى الشكل والمضمون وطريقة السرد خفيفة الظل.
تقول رئيسة التحكيم، كيت ويليامز، إن الرمزين الأزليين اللذين يردان باستمرار في الأساطير والحكايات القديمة هما الأميرة الجميلة الأسيرة، والساحرة الشريرة المكروهة من الذكر وبالتالي تسعى لمحاولة قتل الرجال. هنا نجد رؤية مغايرة لكائنات حية كتب لهن النظام الأبوي
قصصهن وما يمكن أن تكون عليه الحقيقة. وتكمل: “على حين فجأة نسأل أين النساء، ماذا يدور في خلدهن بشأن هذا، ما تم تجاهله إلى حد ما حتى 20 عامًا مضت. آنا بيرنز في ’بائع الحليب’ فعلت ذلك أيضًا. لقد تم معالجة معظم القضايا بشكل كبير ولكن لم يتحدث أي شخص عما كانت تفعله النساء. يعلم الجميع أن التاريخ يكتبه المنتصرون. هؤلاء الكاتبات أشرن إلى أن المنتصرين هم الرجال، حتى لو كانت المرأة في الجانب الرابح، لأن حكايتهن قد كتبت لهن”.
القصص الثلاث لكل من باركر، وميلر، وآنا بيرنز، حدثت في الماضي، لكن ويليامز تجد لها صلة مباشرة بالعالم اليوم، حيث تجبرنا حركة #MeToo على إعادة تقييم الطريقة التي نرى بها المرأة والتي ترى هي بها حياتها الخاصة؛ “نحن نتغير. نحن نقول إن تصورات النساء وتاريخهن، حتى في بيئة ذكورية للغاية مثل الحرب، من الأهمية بمكان. ما أدهشنا حقًا في كتب باركر وميلر وبيرنز هو ما لم يتغير. فما زالت أجساد النساء تستخدم، وما زلن يتعرضن للهجوم، وما زلن يغتصبن كأداة عسكرية”.
ثلاث روايات مختلفة
استكملت القائمة القصيرة بثلاث روايات مختلفة تمامًا:
النيجيرية أويينكان بريثوايت بروايتها الأولى “أختي القاتلة المتسلسلة” My Sister, the Serial Killer، وهي كوميديا سوداء تتم في لاغوس، عن فتاة تعودت قتل أصدقائها الرجال دفاعا عن نفسها ثم الاستغاثة بأختها لإزالة آثار القتل حتى تتصاعد الأحداث ويأتي الدور على الطبيب الذي تعمل معه أختها وتكن له مشاعر حب ولم تكن مستعدة لرؤيته وينتهي بسكين في ظهره، لكن إنقاذ أحدهم يعني التضحية بالآخر … في عام 2014، تم إدراج بريثوايت في القائمة القصيرة لنيل جائزة Eko Poetry Slam، وفي عام 2016، وصلت إلى المرحلة النهائية لجائزة الكومنولث للقصة القصيرة. وتعيش بريثوايت في لاغوس، نيجيريا.
أما “الأشخاص العاديون” Ordinary People للبريطانية ديانا إيفانز، فتدور على خلفية فوز باراك أوباما التاريخي في الانتخابات الأميركية وهي دراسة عن الهوية والأبوة والجنس والحزن والصداقة والشيخوخة، والمعمار الهش للحب.
وأخيرا الأميركية تاياري جونز عن روايتها “زواج أميركي” American Marriage، عن زوجين شابين من أصول أفريقية تنهار حياتهما حين يُحكم على الزوج بالسجن لمدة 12 عامًا بسبب جريمة اغتصاب لم يرتكبها. تتناول الرواية ما يحدث لدى تعرض حياة الزوجين المتزوجين حديثًا سيليستيل وروي الطموحين للنهاية عندما يتهم روي زوراً بالاغتصاب. والزوجان هما تجسيد لكل من الحلم الأميركي والجنوب الجديد. فهو مدير تنفيذي شاب، وهي فنانة على وشك تحقيق نجاح في مسيرتها المهنية المثيرة. لكن بينما يستقران في حياتهما الروتينية معاً، فإنهما يتمزقان بسبب الظروف التي لم يكن من الممكن تخيلها. في هذا الاستكشاف الذكي للحب والولاء والعرق والعدالة وكل من الذكورة السوداء والأنوثة السوداء في أميركا في القرن الحادي والعشرين، حققت جونز هذا الهدف الأكثر مراوغة لجميع الأهداف الأدبية: الرواية الأميركية العظمى.
تصف وليامز للغارديان البريطانية الكتب الواردة في القائمة القصيرة بأنها من أفضل الروايات التي قرأتها: “رائعة جريئة وآسرة… لقد وقعنا في حب هذه الكتب وعوالمها المذهلة”. ومن بين الكتب التي وردت في العناوين الـ16 للقائمة الطويلة، ولم تتمكن من الوصول إلى القائمة القصيرة، الرواية الأكثر مبيعًا “الأشخاص الأسوياء” لسالي روني و”الماء العذب” لأكوايك إيمزي، أول مؤلفة متحولة جنسيًا ترشح للجائزة منذ تأسيسها في عام 1996. وانضم مع ويليامز، أستاذ التاريخ في جامعة ريدينغ، في لجنة التحكيم كل من أريفا أكبر، ودوللي ألدرتون، والمناضلة والمعالجة النفسية ليلى حسين، ورائدة الأعمال الرقمية سارة وود. وسيتم الإعلان عن الفائزة بالجائزة في 5 يونيو المقبل.
ضفة ثالثة