سورية: سباق ثلاثي على ولاء عشائر شرقي الفرات/ أمين العاصي
تتسابق أطراف الصراع في سورية لاستمالة القبائل والعشائر العربية في شرقي نهر الفرات وغربه، لإدراكها للدور الكبير الذي تؤديه في حياة غالبية سكان المنطقة، في ظل تراجع كبير للدولة، وتسيّد الفوضى الأمنية والعسكرية التي دفعت الجانب العشائري إلى واجهة المشهد من جديد. وانقسم ولاء شيوخ ووجهاء هذه العشائر إلى ثلاثة أقسام، إذ يوالي عدد منهم النظام، فيما اتجه البعض إلى التعاون مع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بعد طردها لتنظيم “داعش” من المنطقة، واختار قسم منهم التنسيق مع الجانب التركي، حيث ظهر أخيراً “المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية” الذي ضم رداؤه الواسع قبائل عربية وتركمانية وكردية.
وعقدت ما يُسمّى بـ”الإدارة الذاتية”، التي تنشط في المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، يوم الجمعة الماضي، اجتماعاً ضم العديد من الشخصيات العشائرية الموالية لها في منطقة شرقي نهر الفرات، تحت شعار “العشائر السورية تحمي المجتمع السوري وتصون عقده الاجتماعي”. وأصدر المجتمعون، في بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، بياناً يدعم “العملية السياسية والعسكرية” التي تقودها “قوات سورية الديمقراطية”، التي تشكل “وحدات حماية الشعب” الكردية عمودها الفقري، وتعتبر بمثابة ذراع برية للتحالف الدولي بقيادة واشنطن. ومن الواضح أن هذه القوات تحاول الحصول على شرعية شعبية في منطقة شرقي الفرات من خلال حشد تأييد عشائري في شمال شرقي سورية، الذي ينتمي جل سكانه إلى عشائر عربية عريقة. كما تحاول هذه القوات تبرير بقائها عقب القضاء على تنظيم “داعش”، إذ أشار البيان إلى أن “خطر الإرهاب ما زال محدقاً بالجميع طالما أن الخلايا النائمة موجودة، وما زالت بنيته الثقافية مؤثرة في المناطق التي كان داعش يحتلها”. كما يأتي الاجتماع في سياق محاولات أحزاب كردية، في مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية له، فرض رؤيتها لمصير منطقة شرقي الفرات، إذ أكد المجتمعون “العزم على تأسيس سورية تتسع لجميع أبنائها، ومن مختلف فسيفسائها في ظل دولة لامركزية ونظام سياسي مستقر ديمقراطي، والتأكيد على دستور سوري ديمقراطي توافقي يمثل جميع القوى والفعاليات المجتمعية السورية”، وفق البيان.
وفي الوقت الذي كان فيه “شيوخ الديمقراطي” (تسمية محلية لشيوخ العشائر الموالين إلى “قسد”) يعقدون اجتماعهم في بلدة عين عيسى، دفع النظام السوري بالشيوخ الموالين له إلى عقد اجتماع مماثل في ريف الحسكة أقصى شمال شرقي سورية لـ”رفض مشاريع الانفصال والتقسيم التي يروج لها أعوان المحتل الأميركي”، وفق بيان صدر عن الاجتماع، دعا “من انخرطوا في الصف الآخر ويقودهم الاحتلال الأميركي للعودة إلى حضن الوطن والانضمام للجيش العربي السوري”. كما دعا “شيوخ النظام” العشائر إلى “الانخراط في المقاومة الشعبية ضد المحتلين، وعلى رأسهم الأميركي والتركي، وتحرير الجولان وإسكندرون”. كما اعتبر أن كل من يشارك في مؤتمر أو ملتقى تحت راية غير راية النظام السوري “خائن وعميل”، وفق البيان. كما شن النظام هجوماً على المشاركين في مؤتمر “قسد” ووصفهم بـ”الخونة”. ونقلت وكالة “سانا” التابعة للنظام عن “مصدر مسؤول في وزارة الخارجية” قوله إن “المؤتمر الذي عقد في منطقة تسيطر عليها مليشيات مسلحة تابعة للولايات المتحدة الأميركية ودول غربية أخرى مني بالفشل بعد مقاطعة معظم العشائر العربية الأصيلة له”. ووصف المؤتمر بأنه “التقاء العمالة والخيانة والارتهان”. وأضاف أن “مثل هذه التجمعات تجسّد بشكل لا يقبل الشك خيانة منظميها، مهما حملوا من انتماءات سياسية أو إثنية أو عرقية”.
ويشكل العرب غالبية سكان منطقة شرقي الفرات، وهم ينتمون إلى قبائل عربية عريقة تتفرع إلى عشرات العشائر التي تنتشر على طول نهر الفرات وفي الجزيرة السورية. وتشكل قبائل شمّر، والجبور، وطي، والبقارة، والعقيدات، والعدوان، والبوشعبان، والبوبنّا، وبني صخر (الخريشة)، وعنزة، أبرز قبائل شمال سورية وشرقها، إذ تضم كل قبيلة عشرات العشائر الكبيرة والمتوسطة والصغيرة في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور في شرقي الفرات، إضافة إلى جزء كبير من أرياف حلب وحماة وحمص في غربه. ولم يتوقف الاهتمام بالقبائل والعشائر السورية العربية وغير العربية عند حدود النظام والجانب الكردي السوري، إذ دفعت الحكومة التركية لظهور “المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية”، في محاولة واضحة لاستمالتها في سياق حشد التأييد الشعبي لعملية عسكرية تستهدف القضاء على “الوحدات” الكردية ومن يواليها من فصائل مقاتلة. وانبثق المجلس من اجتماع كبير عقد أواخر العام الماضي في مدينة إعزاز شمال سورية، ضم ممثلين عن 125 قبيلة وعشيرة سورية، بما في ذلك العشائر العربية والتركمانية والكردية والسريانية والدرزية والعلوية والإسماعيلية وغيرها. ويدعم هذا المجلس الوليد السياسة التركية في شمال سورية، ويطالب بالحفاظ على وحدة البلاد أرضاً وشعباً، ورفض أي طرح يؤدي إلى تقسيمها. كما يدعو إلى بناء جيش وطني قوي وموحد على أسس غير طائفية.
وأعرب المتحدث باسم المجلس مضر الأسعد عن اعتقاده بأن تسابق أطراف الصراع في سورية لنيل تأييد القبائل والعشائر في شرق الفرات مرده إلى عدة أسباب، منها “أن سمعة القبائل والعشائر العربية لم تتلطخ بالإرهاب”، إضافة الى كونها أكبر حاضن اجتماعي يضم آلاف الشباب القادرين على حمل السلاح. وأشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “أغلب موارد البلاد البترولية والزراعية موجودة في المنطقة التي تنتشر فيها القبائل والعشائر، وهذا سبب رئيسي لتودد جميع أطراف الصراع لهذه القبائل”. وأعرب عن قناعته بأن “عدم ظهور تيارات سياسية فاعلة وشخصيات لها تأثير حقيقي في الشارع السوري المعارض، دفع بالقبيلة إلى واجهة المشهد، لتقوم بدور سياسي واقتصادي”، مضيفاً أنه “في ظل الفوضى الأمنية والعسكرية عادت القبيلة لتلعب دور الحامي لأبنائها”. وقلل الأسعد من أهمية الاجتماع العشائري الذي عقدته “قوات سورية الديمقراطية” يوم الجمعة الماضي، موضحاً أن أغلب الموجودين من الصفوف الخلفية للمشيخات الموجودة في منطقة شرقي الفرات، معتبراً أن عدداً كبيراً من شيوخ القبائل والعشائر المعترف بمشيختهم هم إما خارج سورية منذ سنوات، أو لم يحضروا الاجتماع لأسباب متعددة. واعتبر الأسعد أن “قسد غطاء لحزب العمال الكردستاني في سورية”، لافتاً إلى أن هذا الحزب يبحث عن غطاء شعبي في البلاد ولهذا يحاول استمالة القبائل والعشائر. وقال الأسعد: “دفع هذا الحزب آلاف الشباب المنتمي إلى القبائل إلى الصفوف الأمامية أثناء الحرب مع تنظيم داعش، ما أدى إلى مقتل الآلاف منهم، في سياق محاولة هذا الحزب تفريغ المنطقة من الكوادر العربية الشابة لفرض الهيمنة الكاملة عليها”. وأوضح أن “هناك ما يزيد على مليوني شخص في شرقي الفرات وغربه من أبناء القبائل رفضوا الخنوع للنظام ومليشياته أو لقسد، وهم اليوم إما نازحون داخل سورية، أو مهجرون خارجها”.
وطرأ تطور كبير في البنية العشائرية الفكرية في سورية منذ بداية الألفية الجديدة، إذ وجد الجيل الجديد أن القيم القبلية القديمة لم تعد تناسب نمط تفكيره، وهو ما أفقد “الشيخ” المكانة التوجيهية والاجتماعية التي كان يحظى بها سابقاً، فتحولت المشيخة إلى مجرد واجهة اجتماعية تتدخل أحياناً لفض نزاعات فردية بين أبناء القبيلة الواحدة، أو مع قبيلة أخرى. من جانبه، رأى الكاتب والباحث السياسي مناف الحمد، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “في ظل التشظي وتمزيق النسيج الاجتماعي السوري، عاد كثيرون إلى مرحلة ما قبل البنى الوطنية، أي إلى ثقافة القبيلة والعشيرة، في ظل غياب تام للحياة الحزبية والحالة المدنية”. وأشار إلى “أن نظام (بشار) الأسد حطّم القيم الأصيلة للقبيلة في سورية واستثمر فيها بشكل بشع من خلال ربطها بالأجهزة الأمنية”، مستدركاً: “لكن حصول عدد كبير من أبناء القبائل على شهادات علمية عالية، وخروجهم للعمل خارج البلاد، خصوصاً في بلدان الخليج، أدى إلى نقلة نوعية في الوعي لجهة العلاقة مع القبيلة والنظام والوطن بسبب شعور هؤلاء بالفجوة الحضارية الكبيرة ما بين سورية وهذه البلدان”. وأوضح أنه “حدث شرخ كبير في بنية القبيلة في سورية ما بين قسم حافظ على ولائه للنظام، وآخر ناقم عليه”. ولفت الحمد إلى أنه “تكرس استقطاب حاد بعد اندلاع الثورة، إذ تضاعف الولاء لدى القسم الأول، وازدادت النقمة لدى القسم الثاني، وما بينهما هناك حياديون استثمر الطرفان فيهم”. وتابع الحمد أن “الأطراف الثلاثة قابلة للاستثمار، فالمعارض يمكن أن يصبح حليفاً لجهة تناصب النظام العداء، والموالي بطبيعة الحال تابع للنظام، ولكن هذين الطرفين لا يمكن أن يوضعا في درجة واحدة على السلم القيمي، لان التحالف بين معارضة النظام، وجهات معينة، تفرضه ظروف المواجهة مع نظام قاتل مستبد، بينما لا تعدو التبعية للنظام وصف الانتهازية والخنوع والسكوت على الظلم. أما الطرف الثالث فهو يقدم ولاءه لمن يخدم مصلحته أكثر”.
“التيار المستقل” شرقي سورية: تعويم “قسد” بغطاء عربي؟/ عدنان أحمد
في ظلّ انقسام سورية إلى أكثر من منطقة نفوذ، موزعة بشكل رئيسي بين النظام السوري، وقوات المعارضة و”هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقاً)، إضافة إلى “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، بدأت تبرز في الآونة الأخيرة أحزاب وهيئات تمثيلية على أساس مناطقي، منها “مجلس الشورى” في إدلب، الذي تشكّل مطلع شهر إبريل/نيسان الحالي، ليتولى كما يبدو تشكيل حكومة بديلة من “حكومة الإنقاذ” (التابعة للنصرة) والتي تدير المنطقة اليوم على أساس مناطقي أيضاً. وعلى المنوال ذاته، برزت يوم الأربعاء الماضي، مبادرة تشكيل “التيار العربي المستقل” في منطقة شرق سورية التي تسيطر على أغلبها “قسد”، “للوقوف عند واقع المكّون العربي في المنطقة الشرقية، انطلاقاً من شرق الفرات”، كما أعلن التيار الجديد، والذي دارت تساؤلات كثيرة حول من يدعمه ويقف خلفه، إضافة إلى أهداف إطلاقه.
واختار التيار في الهيئة السياسية التابعة له، مجموعة من الشخصيات السورية المعارضة من محافظة دير الزور، أبرزها محمد خالد الشاكر الذي تولى مهمة رئاسة “التيار العربي المستقلّ”. ومن الواضح أنّ التيار الجديد سيعمل مع “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) المسيطرة على المنطقة، وهو ما لا يخفيه قادته. غير أنّ مراقبين يشيرون إلى أنّ إنشاء التشكيل الجديد يستهدف إظهار وجود نشاط سياسي عربي في منطقة خاضعة لـ”قسد”، التي تشكّل “وحدات حماية الشعب” الكردية عامودها الفقري وتتولى قيادتها.
لكنّ رئيس التيار محمد خالد الشاكر، اعتبر في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ ولادة هذا التيار “ضرورة في الوقت الراهن، لكسر حالة السلبية في المنطقة”، منتقداً المعارضة السورية “التي لم تولِها الأهمية التي تستحقها”، بحسب قوله. وأشار إلى أنّ “منطقة الشرق مدمرة اليوم، وهناك أكثر من 500 ألف شخص من أهلها ينزحون في المخيمات في ظلّ ظروف إنسانية قاسية”. وحذر من أن تفريغها من سكانها العرب هو “أمر كارثي، فتح المجال لإيران لمحاولة استغلال أوضاع المنطقة لمحو هويتها على أساس طائفي”.
ولفت الشاكر إلى أنّ التيار يضم “شخصيات مستقلة تملك ثقلاً اجتماعياً، وسبق لها العمل في المجالات الإدارية، كما تملك خبرات في مجال العمل الخدمي والإنساني والسياسي”، مشيراً إلى أنّ التشكيل الجديد سيولي الاهتمام في مرحلته الأولى لمحافظة دير الزور، قبل أن يشمل عمله كامل المنطقة الشرقية من سورية. ورأى الشاكر أنّ العرب في منطقة شرقي الفرات وغربه “دفعوا الضريبة الأكبر من جراء ما حدث في المنطقة منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، إذ فتك النظام بها قبل أن تعم فوضى السلاح، وصولاً إلى استيلاء تنظيم داعش على جزء كبير منها”، مشيراً إلى أنّ “العربي المستقل” هو “تيار وطني، ولدينا الرغبة في فتح مكاتب له في المحافظات السورية كافة”.
وأكد الشاكر أنّ التيار الجديد سيتعامل مع “مجلس سورية الديمقراطية” (مسد) الذي يُعد الذراع السياسية لـ”قوات سورية الديمقراطية”، معتبراً أنّ هذا المجلس “يؤمن بوحدة سورية، واللامركزية التي تعدّ أسلوباً ديمقراطياً عصرياً”. واعتبر أنّ “عدم ملء الفراغ في شرق سورية، يعني تمدداً إيرانياً جديداً في المنطقة، والدفع باتجاه حدوث فتنة قومية بين العرب والأكراد”. ونفى الشاكر وجود أي علاقة لرئيس “الائتلاف الوطني السوري” السابق أحمد الجربا بالتيار، مؤكداً أنّ “العربي المستقل مبادرة فردية من قبل شخصيات عدة من أبناء المنطقة الشرقية من سورية”، وأنه “سيعتمد على موارد هذه المنطقة لإعادة تأهيلها اقتصادياً وخدمياً”. كما أشار إلى وجود شخصيات في التيار “لديها مؤسسات خدمية وخيرية تحاول تأهيل المدارس والمستشفيات، قبيل دعوة النازحين للعودة إلى مناطقهم من المخيمات المنتشرة في منطقة شرقي الفرات”.
في المقابل، يرى مراقبون أنّ هذا التشكيل الجديد ربما يندرج في إطار إعادة تعويم تنظيم “قسد”، والذي أخفقت ادعاءاته السابقة بأنه ممثل لجميع سكان المنطقة، إذ استمرّ الأكراد في السيطرة عليه، بتكويناته العسكرية والأمنية والإدارية.
وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي، شادي العبدالله، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “وبغضّ النظر عن النيّات الحسنة للكثير من المنخرطين في هذا المشروع، لكن ربما يخدم في النتيجة جهوداً أميركية وعربية لإنشاء هياكل سياسية وعسكرية في منطقة شرق الفرات تكون مناوئة لتركيا، ويكون العرب في واجهتها لا الأكراد”، خصوصاً مع إشارة هذا التيار إلى أنه ينسق مع “مسد”. ولفت إلى أن “الأخير ما كان ليسمح بولادة إطار أو تيار سياسي عربي في المناطق التي يسيطر عليها، من دون أن يكون هدفه توظيف هذا التيار لإضفاء مشروعية على إدارته للمنطقة، عن طريق طرح شراكات مستقبلية بين الطرفين فيها، بحيث تظلّ قسد هي المهيمنة، كونها المسيطرة عسكرياً، وتتمتع بالدعم الأميركي العسكري والسياسي والمالي، فضلاً عن دعم خفي من بعض الأطراف العربية التي تسعى إلى مناكفة تركيا”.
وأوضح العبدالله أنّ منطقة شرق الفرات قد تكون مقبلة على أشكال جديدة من الصراع تتداخل فيها أطراف عدة؛ محلية تتمثّل في العنصرين العربي والكردي، فضلاً عن النظام السوري، وخارجية تقوم بدعم أحد الأطراف المحلية، مثل الولايات المتحدة وإيران وروسيا وبعض الدول العربية، مشيراً إلى أنّ رئيس التيار محمد خالد الشاكر، هو المتحدث الرسمي باسم “قوات النخبة” السورية التابعة لأحمد الجربا، والمدعومة من السعودية والإمارات. ورأى العبدالله أنّ المهم لأي مبادرات محلية، التركيز على الجانب الخدمي وإعادة الإعمار بهدف تمكين سكان المنطقة من العودة إليها، وقطع الطريق على محاولات التغيير الديمغرافي، سواء من جانب “قسد”، أو إيران ومليشياتها.
وتتشكل “المنطقة الشرقية” من ثلاث محافظات سورية هي دير الزور والرقة والحسكة وتبلغ مساحتها نحو 75 ألف كيلومتر مربع أي أكثر من ثلث مساحة سورية، وهي تضم أغلب ثروات البلاد من نفط ومياه وزراعة. ويُعَد العرب أغلبية سكان المنطقة، إذ تكاد تخلو محافظة دير الزور من أي وجود كردي، بينما تضم محافظة الرقة عدة قرى كردية في منطقة تل أبيض في ريفها الشمالي. وينتشر الأكراد السوريون في محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سورية، ولكنهم مع السريان والآشوريين لا يشكلون سوى 30 في المائة وفق مصادر مطلعة، من نسبة سكان المحافظة.
العربي الجديد
حراك أميركي جديد نحو سوريا.. من بوابة الأكراد
يبدو أن المقاربة الأميركية الجديدة للقضية السورية، باتت تتخذ من المسألة الكردية منطلقاً رئيسياً لها. فاللقاءات المطولة للوفد الأميركي إلى تركيا، وما أعقبه عن تصريحات حول ليونة في المواقف وتفهم للمخاوف التركية، ليست إلا بداية التحرك الأميركي الجديد.
المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري، التقى الخميس في جنيف، رئيس وفد “هيئة التفاوض العليا” نصر الحريري، والمبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن، وأبلغهما بخطة أميركية جديدة تقضي بإشراك الأكراد في العملية التفاوضية، كشرط لدفع العملية السياسية قدماً.
كما التقى جيفري، بحسب صحيفة “جسر”، الجمعة، بممثلين عن مصر وفرنسا والمانيا والأردن والسعودية والمملكة المتحدة، اضافة لوفد “هيئة التفاوض” السورية، لابلاغهم بعقد مؤتمر جديد للمعارضة السورية، ينضم إليه الأكراد لأول مرة وسيعقد في العاصمة السعودية الرياض تحت اسم “الرياض-3″، والذي سينتج عنه تشكيل وفد تفاوضي جديد للمعارضة، يتسق مع الرؤية الجديدة للعملية السياسية في سوريا.
وتزامنت تلك التحركات الدبلوماسية، مع انعقاد مؤتمر عشائري كبير دعت إليه “قوات سوريا الديموقراطية”، الجمعة، وحضره نحو 5 آلاف ممثل عن عشائر المنطقة، لتحقيق هدفين؛ إعلان رؤية وطنية واضحة لـ”قسد”، وإبراز حجم التأييد الشعبي العربي لها، بحسب “جسر”.
من جهة أخرى، أكدت وزارة الخارجية السورية أن مؤتمر العشائر السورية هو “التقاء العمالة والخيانة والارتهان وأن مثل هذه التجمعات تجسد بشكل لا يقبل الشك خيانة منظميها وأنهم لا يعبرون عن أي من المكونات السورية الوطنية الشريفة”.
وقال مصدر مسؤول في الوزارة، لوكالة “سانا”: “ستعرف هذه التنظيمات المليشياوية أن قبولها بما يمليه عليها المنظمون الحقيقيون لمثل هذه المسرحيات من أميركيين وغيرهم لن يجلب لها إلا الخزي والعار ولعنة الوطن والشعب وأرواح الشهداء الذين ارتقوا دفاعا عن وطنهم وكرامة شعبه ووحدة أراضيه”.
من جهته، رفض القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، خلال المؤتمر، الجمعة، أسلوب “المصالحات الذي تقترحه دمشق من أجل تحديد مصير مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرق سوريا”، بحسب ما نقلت وكالة “فرانس برس”.
وأكد عبدي الاستعداد “للحوار مع النظام السوري” للتوصل إلى “حل شامل”. وشدد على انه لا يمكن بلوغ أي “حل حقيقي” من “دون الاعتراف بحقوق الشعب الكردي كاملة دستورياً.. ومن دون الاعتراف بالإدارات الذاتية”، فضلاً عن القبول بدور “قسد” في حماية المنطقة الواقعة تحت سيطرتها مستقبلاً.
ودافع عبدي عن بقاء قوات التحالف في سوريا وكذلك القوات الروسية، وقال إن وجود القوتين “مشروع حتى تطهير كافة الأراضي السورية من رجس الإرهاب”. وأضاف “ما دام الإرهاب موجوداً (…) فإن دور قوات التحالف والقوات الروسية ما زال مطلوباً وما زال ضرورياً”.
المدن