من يقف وراء الهجمات على السوريين في تركيا؟/ وائل عصام
لعل الهجوم الجماعي على محلات ومناطق السوريين في حي أكيتلي في اسطنبول، هو آخر هجوم من هذا الطراز «الغوغائي» على محلات ومناطق سكن السوريين في اسطنبول، وقد يكون تسلسله الثامن أو التاسع من سلسلة هجمات حصلت في عدة محافظات تركية، على مساكن ومحلات السوريين مثل هاتاي «أنطاكيا»، غازي عنتاب، مرعش، وكذلك في عدة أحياء باسطنبول مثل اسنيورت ومؤخرا أكتلي .
في الهجوم الأخير، في أكتلي، أشاعت غرف واتس آب للسكان المحليين، عن وقوع حادثة تحرش بفتاة تركية من قبل فتى سوري، وراجت حينها الأنباء عن اغتصاب طفلة تركية من قبل سوري، والاثنان بعمر 12 سنة، وبعد تكسير عدد من المحلات وضرب بعض السوريين، الذين صادف وجودهم أثناء التظاهرة، تبين أن الحادثة التي وقعت بين الطفلين كانت «لفظية» ولم تتضمن أي تحرش جسدي، كما أعلنت مديرية الأمن في إسطنبول ببيان رسمي، وليتم بعدها اعتقال عدة أتراك في أكتلي، تبين أنهم كانوا وراء التحريض على هذه الهجمات، باستخدام غرفة واتس آب للسكان في هذا الحي .لكن، ما هو انتماء هؤلاء؟ وما هو الدافع الذي يجعلهم متحمسين أكثر من غيرهم للهجوم على السوريين بهذه الطريقة العنيفة؟ صحيح أن التذمر من تصرفات بعض اللاجئين السوريين بات حالة عامة بين الكثير من الأتراك، بمختلف انتماءاتهم العرقية والمذهبية، لكن ردات الفعل تتفاوت من منطقة لأخرى، ومن الملاحظ أن أشد ردات الفعل المتمثلة بالهجمات الجماعية، أو التعرض لمحلات السوريين واستهدافهم بشكل غوغائي، حصلت في مناطق يسكنها إما علويون أو أكراد .
في منطقة أكتلي الواقعة قرب مول إسطنبول الشهير، يعمل السوريون هناك في معامل وورش في هذه المنطقة الصناعية، كما تنتشر عدة محلات لتصليح أجهزة الهاتف يملكها سوريون، نسبة منهم ينتمون لدير الزور والرقة، أما سكانها من الأتراك، فبعضهم من العلويين الأتراك، وهم معبأون مسبقا ضد النازحين السوريين وقبلهم، ضد حكومة أردوغان، وكذلك الحال في مرعش، المحافظة الجنوبية المجاورة لعنتاب، ولعل الظاهرة كانت أشد في أنطاكيا، حيث مركز للعلويين من أصول عربية، وفي خلال سنوات النزوح الأولى، كانت أنطاكيا مقصدا للنازحين الأوائل، وحينها حصلت المشادات والهجمات الأولى على السوريين، إذ كانوا يتعرضون لهجمات على سياراتهم التي تحمل لوحات سورية في ذلك الوقت، وقد يتعرض بعض الركاب للضرب، إذا كانوا ملتحين، وفي منطقة مغلقة للعلويين كحربيات أو سمندغ، وفي إحدى الحالات تعرضوا للقذف بالحجارة من تجمهر سكاني ليضطروا لمغادرة الحي، وما زلت أتذكر الهجوم المنظم الذي كان يتعرض له مقر لهيئة اجتماعية للنازحين السوريين يدعى «بيت قامشلو»، كان يديره معارض كردي شهير في أوساط الناشطين الأكراد، هو أبو رامان، كان المقر عبارة عن بيت يستقبل النازحين غير القادرين على تأمين مسكن، ويمنحهم مسكنا مجانيا، وتحول بعد ذلك لمركز للنشاطات الاجتماعية والثقافية المعارضة، وفي تلك الأثناء، كان المقر يتعرض لهجمات من شبان علويين، تطورت إحداها لمحاولة الاعتداء بالسكاكين، اللافت أن كل هذا كان يتم أمام أنظار رجال الشرطة الذين جاءوا لمنع تطور الهجوم، وعندما أقول تطور الهجوم أعني ان الشرطة كانت، في معظم الأحيان، لا تتدخل بشكل حاسم إلا قبل أن تصل الأمور للطعن بالسكين ربما، ليس من باب التواطؤ، بل من باب سياسة أمنية كانت تخشى التصدي بشكل حازم لمنفذي الاعتداءات، حرصا على عدم استفزاز المواطنين الاتراك من أصول عرقية أو مذهبية مختلفة. وفي الهجوم قبل الاخير في إسطنبول، كان للأكراد دور كبير في المظاهرات الجماعية في بلدة أسنيورت غرب اسطنبول، وهي منطقة تسكنها أعداد كبيرة من السوريين، وكانت تشهد حوادث اعتداء مستمرة، ولكن محدودة وفردية من السكان الأكراد ضد السوريين .
الاحتقان بدأ ينتشر بنسبة كبيرة بين أتراك بينهم محافظون سنة، عرفوا بتعاطفهم مع السوريين، والحقيقة ان تعاطف هذه الشريحة مع السوريين وتعاطف حزب العدالة الحاكم سياسيا معهم، كان نابعا من مشاعر إسلامية تشكل هوية المحافظين الاتراك، وليس مجرد مصالح او استثمار سياسي، كما يقال .ولكن يبدو أن الاستياء العام وصل حدودا دفعت قيادات حزب العدالة لتعديل خطابها، من الحديث عن المهاجرين والأنصار، إلى التوعد بإعادة النازحين السوريين لبلادهم، وأكثر من ذلك، ذهب رئيس الوزراء السابق يلديريم للحديث عن خوف العائلات من التنزه في بعض أحياء إسطنبول خوفا من التحرش من قبل السوريين، في مقابلة إذاعية عشية انتخابات إسطنبول التي خسرها، وكان مضمون حديث يلديريم في هذا اللقاء غير مسبوق وحاد تجاه السوريين وبشكل تعميمي، ما دعى بعض الناشطين السوريين، لتبرير حديثه، بل نفي صحته، بدون أن يكلفوا انفسهم عناء قراءة النص الأصلي لحديثه المطابق لما نشر بالإعلام التركي، ليخرج بعدها أردوغان في خطاب لحزب العدالة، ويكرر الحديث والوعود عن إعادة السوريين لبلادهم، بل إنه ذكر أن 300 ألف سوري تمت إعادتهم للان، ودائما ما يجري التأكيد من قبل المسؤولين الاتراك، بدءا من وزير الداخلية ونائبه وصولا لأردوغان، على أن السوريين سيعودون لبلادهم بعد تحقق «الاستقرار»، ولا يبدو أن هناك معنى آخر لحدوث الاستقرار شمال سوريا سوى بسيطرة النظام على إدلب وشمال سوريا، لأن الوجود الكردي لا يمكن ان يعني «الاستقرار» بالنسبة لأنقرة !
على العموم، هذه التصريحات هي صدى لسياسات عملية للتخفيف من وجود النازحين السوريين، تطبقها الحكومة التركية منذ نحو خمس سنوات، بدءا بمنع دخول اللاجئين عبر الحدود، وقتل من يحاول العبور قنصا، حتى وصلت أعداد القتلى لأرقام كبيرة انتقدتها المنظمات الحقوقية الدولية، ومن ينجح في العبور ويعتقل يتم سجنه، ومن ثم ترحيله لسوريا مجددا، أضف لذلك أن السلطات في معظم الولايات أوقفت منح (الكملك) أي الوثيقة الخاصة بالنازحين منذ سنوات، كما أوقفت معظم الولايات مؤخرا منح أذون سفر للنازحين، كما تم ترحيل نحو 300 سوري، ارتكبوا مخالفات وصفت بالبسيطة خلال الأسابيع القليلة الفائتة، لكن لحد الآن لم تقع حالات ترحيل جماعية للسوريين النازحين، وهم ما زالوا يتلقون خدمات صحية وتعليمية مجانية في تركيا .
القدس العربي»