رواية «بنت من شاتيلا»/ أكرم مسلّم
رواية “بنت من شاتيلا”: الانتصار للضحايا كائناً من كانوا/ هوشنك أوسي
غالباً ما يكون المدنيّون أبزر ضحايا الثورات والحروب. وهؤلاء، إمّا يسقطون فرادى أو جماعات في مجازر أقلّ ما يقال فيها بأنها بشعة وجرائم حرب ضد الإنسانيّة، علماً أن الحرب، أيّ حرب، هي جريمة ضد الإنسانيّة. وصحيحٌ أن بقاء الشعوب والمجتمعات أسرى ورهن ذاكرة الحروب والمجازر يجعل من حاضر ومستقبل تلك الشعوب والمجتمعات مسمومة، ومقيّدة بأغلال الأحقاد والثارات التاريخيّة المزمنة والضغائن والكراهية المتناسلة والمتوارثة جيلاً إثر آخر. لكن الصحيح أيضاً، أن بعض المراجعات الفنيّة والإبداعيّة لمآسي الحروب الأهليّة والإقليميّة والعالميّة ومجازرها، تندرج ضمن مناهضة ومعاداة ولعن تلك الحروب وكوارثها ومذابحها، في مسعى تجنّب تكرارها.
قبل 37 سنة، حدثت مذابح مروّعة في لبنان استهدفت اللاجئين الفلسطينيين في مخيّمات صبرا وشاتيلا. تلك المذابح جرى تناولها في أفلام وثائقيّة، وتقارير إعلاميّة، وبيانات سياسيّة، ومقالات رأي، وبحوث ودراسات ونصوص إبداعيّة. وربما ليس آخر هذه التناولات لتلك المجزرة التي حدثت سنة 1982، هي رواية “بنت من شاتيلا” للروائي والصحافي الفلسطيني أكرم مسلّم، الصادرة عن دار “الأهليّة” في الأردن هذا العام.
مسلّم المولود سنة 1971 في قرية “تلفيت” التابعة لقضاء نابلس، حين حدثت المجزرة كان عمره 11 سنة، وغالب الظنّ أنه لم يكن شاهداً عليها. ومن هنا، تبرز فرادة “بنت من شاتيلا” كعمل إبداعي سردي تجريبي غاية في الأهميّة والحساسيّة، أطلّ من خلالها أكرم مسلّم من خارج المكان (ألمانيا – هامبورغ) على مذبحة شاتيلا (لبنان)، وعلى بُعد 37 سنة من المجزرة! اتخذ مسلّم هذا السياق الزماني – المكاني لرؤيته وسرديّته للحدث، وهو المقيم في فلسطين. فأتت فكرة العمل وبؤره المتناثرة مصاغة بشكل فنّي تداخلت في السرد الأمكنة والأزمنة مع تداخل واشتباك الماضي بذاكرته المريرة مع الحاضر وتفاصيله المؤلمة والبائسة! وعليه، لكأنّ أكرم مسلّم في “بنت من شاتيلا” يريد التأكّد على فكرة مفادها أنه يمكن للأديب والأديبة الكتابة عن مجزرة حتى لو لم يكونا شاهدين عليها.
صحيح أن الروائي استخدم تقنيّات المسرح في البناء السردي، وظهر ذلك في فاتحة وخاتمة العمل، وأتى على ذكر ذلك الكاتب فراس حج محمد في مقاله النقدي عن الرواية، ونشرته جريدة “القدس العربي” يوم 15/8/2019 تحت عنوان: “… تروية المسرح لخلق رواية تجريبية ممسرحة”[1]، إلاّ أن الصحيح أيضاً أن الكاتب استفاد من تقنيّات العمل الصحافي والصورة الصحافيّة، والمشهديّة الثابتة؛ المتحرّكة في السياق السردي. وذلك بأن جرى الحديث في أماكن عدّة من الرواية عن صورة الطفلة الناجية من المذبحة، والتي التقطها المراسل الصحافي ذو العين الواحدة. تلك الصورة – البؤرة الثابتة، كانت في الوقت عينهِ متحرّكة ضمن النصّ، وإحدى أبرز الركائز أو التقنيات الفنيّة في البناء الروائي.
مصادفات الحياة
ولأن الكتابة الروائيّة تنطوي كثيراً على الفعل العمد، بخلاف الشعر الأقرب إلى الارتجال والعفويّة، فالصدفة والأقدار التي رسمها أكرم مسلم كي يجمع ببن الشاب والفتاة الفلسطينيّين، وفي ألمانيا، فيها الكثير من التعمّد المفتوح على الدلالات. ذلك أن الكاتب كان بإمكانه اختيار فتاتين أو شابّين، واختيار مكان آخر غير ألمانيا، كشرفة روائيّة يطلّ منها على مجزرة شهدها لبنان سنة 1982. اختيار ألمانيا والحديث عن الدمار الذي خلّفته الحرب العالميّة الثانيّة في مدنها (هامبورغ ودرسدن نموذجاً) وكيف أن بعض ضحايا تلك الحرب المجنونة من اليهود، تحوّلوا إلى “جلاّدين” في مكان آخر، يقترفون الجرائم بحقّ ضحايا آخرين. وبالتالي، تعاقب الأدوار وتناقضها ضمن مفارقات الحروب والحياة، عبّرت عن نفسها، على أكثر من صعيد في “بنت من شاتيلا” بطريقة فنيّة وحساسّة.
شاب فلسطيني أنيق، طالب دراسات عليا في جامعة “بير زيت” مدعو لندوة أكاديمية حول التبادل الثقافي في ألمانيا، يلتقي بمحض “الصدفة” الروائيّة – السرديّة بفتاة فلسطينيّة جميلة وجذّابة؛ عضو في فرقة مسرحيّة، جالسة على مقعد إسمنتي بالقرب من بحيرة “ألستا” في مدينة “هامبورغ” الألمانية سنة 2004. من هذا المشهد أو “الصدفة” المختلقة، تبدأ خرزات سبحة الحكايات المتشابكة تكرّ خرزةً إثر أخرى، ورويداً وتباعاً تبدأ تفاصيل السرديّات بالظهور؛ سرديّة مجزرة شاتيلا، عبر استحضار ذكريات الفتاة الناجية منها، وسرديّة الشاب الفلسطيني الأكاديمي الأنيق الآتي من فلسطين، وسردية “الرجل الدائري” الألماني، وسرديّة “العجوز الألمانيّة” التي يبقى موتها لغزاً ينكشف في الفصل السابع، وسرديّة المناضل والفدائي؛ والد الفتاة… وسرديّات أخرى، صغرى، كلها تندغم وتتشابك وتشترك في صوغ السرديّة الكبرى لـ”بنت من شاتيلا” التي في الأصل والفصل والجذر، هي سرديّة فلسطين ومأساتها ماضياً وراهناً ومستقبلاً أيضاً. بحيث يمكن استشفاف إحدى مقولات هذه الرواية على أن آلام البشر في الحروب والمجازر، لا تسقط بالتقادم.
صحيح أن الفصل الأوّل والأخير من “بنت من شاتيلا” عنوانهما يتعلّقان بالأمكنة “حورية ألستا – هامبورغ 2004″ و”غزّة 2007” إلاّ أن أغلب عناوين الفصول الأخرى تتعلّق بالأشخاص وحيواتهم. بحيث أتى عنوان الفصل الثاني والفصول التي تلته على هذا النحو: “رجل دائري تماماً”، “الخالة”، “الأم/ الابن”، “الأب/ البنت”، “ملصق لشهيد بلا اسم”، “سيدة الانقاض”، “لسان جديد لجثّة قديمة”، “الشاب الأنيق ينجو من محاولة اغتيال”، “عازفة الكمان” والفصل الحادي عشر “سيّدات الحنّاء”. زد على هذا وذاك، عنوان الرواية، أو العتبة الرئيسة لها “بنت من شاتيلا” يؤكد أن العمل سيكون عن أحد ضحايا مكان شهدة مجزرة مروّعة، وليس عن المجزرة بحدّ ذاتها، تفصيلاً وتمثيلاً وتوثيقاً. ما يعني أن الأولويّة هي للضحايا وليس للمكان والحدث المروّع الذي شهدهُ. وعليه، اختار مسلّم أن تكون عمارته الروائيّة في “بنت من شاتيلا” مؤلّفة من 12 فصلاً. ومعلوم دلالة هذا الرقم في حساب الأزمنة، ناهيكم عن محاولة اختزاله السرديّة الفلسطينيّة من سنة 1948 ولغاية 2007، وبل لغاية 2019 أيضاً، مروراً بمحطّات الأردن، لبنان، تونس، وصولاً لغزّة ورام الله! كل ذلك، عبر 150 صفحة من القطع المتوسّط.
“بنت من شاتيلا” هي الخطوة الرابعة لأكرم مسلّم في عالم الحكي والسرد، بعد “هواجس الأسكندر (مركز أوغاريت – رام الله 2003)” و”سيرة العقرب الذي يتصبب عرقاً (دار الآداب – بيروت 2008)” و”التبس الأمر على اللقلق (دار الأهليّة – عمّان 2013)”. ولأنني لم أقرأ محاولاته الثلاث الآنفة الذكر، لا يمكنني معرفة الفروق بينها، ومدى تطوّر التجربة، واختلاف تقنيّات الكتابة بين هذه الروايات الأربع. لكن أستطيع القول، وبثقة: “بنت من شاتيلا” هي رواية جوائز، وبل تستحق أن تتحوّل إلى فيلم سينمائي أيضاً، ليس فقط لأن منسوب التجريب فيها يستفزّ النقّاد والناقدات ويفتح الأفق أمامهم، ويثير الأسئلة لديهم، علاوة عن أن جودة اللغة وسلاستها، وفنيّات وتقنيّات الكتابة، والمهارة والخبرة الصحافيّة والسياسيّة التي يمتلكها مسلّم، كل ذلك، ساهم في أن تكون “بنت من شاتيلا” خطوة روائيّة واثقة ورصينة وممتعة للقارئ.
مواضيع أخرى
لم يكتفِ مسلّم بإعادة قراءة المجزرة واستحضارها إبداعيّاً، لكنه في سياق ذلك، تناول مواضيع أخرى منها؛ اختلاف الأفكار وزاوية الرؤية إلى التجربة النضاليّة الفلسطينيّة بين الأجيال. وظهر ذلك في الفصل السابع “الأب / البنت” من خلال الحوار الذي دار بين الفتاة ووالدها الفدائي، حين قالت الفتاة في الصفحة 70: “لكننا ارتكبنا بشاعات أيضاً”، ليردّ عليها والدها مخففاً كلمة بشاعات ومحوّلاً إيّاها إلى “أخطاء” بقوله: “ارتكبنا أخطاء، وانجرفنا وراء ردود فعل، لكننا لم نسوّق بؤسنا على أنه ثقافة أو قيمة أخلاقيّة علينا. لم نكن طائفيين، ولم نكن جزءاً من مشروع طائفي. وهذا جوهري جداً. يرتاح البعض في تسوية حسابه مع تاريخه بمراجعة تاريخنا نحن، وتضمينه ما ليس لنا، وخلط أداء ثورتنا بأدوار مرتزقة من بيننا. هؤلاء تحديداً يستبعدون إسرائيل من أي تحليل لشرور المنطقة، وخاصّة الشر الديموغرافي. ويبدؤون التحليل من منفانا وليس مما حدث لوطننا”[2]. وفي ردّ الأب على ابنته، تظهر شخصيّة ولسان ووعي الروائي المنحاز لرأي وموقف الأب، رغم إيحائه بموقف الراوي المحايد بقوله: “لم يكن من الممكن زعزعة قناعته بعدالة الطريق، وليس هذا ما كانت تبحث عنه، فهي تفرّق بين تجربة الثورة وبين بؤس النموذج الذي قدّمته في تحوّلها إلى سلطة انتقاليّة” والكلام للراوي.
مراجعات نقديّة
في سياق المراجعة النقديّة للتجربة الفلسطينيّة في رواية “بنت من شاتيلا” بحيث لا يمكن اعتبار هذا النسق الروائي من صنف البروباغندا والدعاية السياسيّة التقليديّة والشعاراتيّة للقضيّة الفلسطينيّة الموجود بكثرة في الأدب الفلسطيني منذ الستينيات وصولاً لأيّامنا هذه، حيث تناول مسلّم جزئيّة صغيرة، ولكنها غاية في الأهميّة، لجهة ممارسة التعتيم والتضليل الذي يظن به أصحابه أنه يصبّ في خدمة القضيّة، وهو تجاهل الحديث عن ظهور شقيق الفتاة الناجية من المجزرة، لئلا تُخدش المروية أو السردية المتداولة عن الفتاة على أنها الناجية الوحيدة، لكأنّ ظهور شقيقها بوصفه الناجي الثاني من المجزرة، سيسيء إلى عدالة القضيّة الفلسطينيّة، وسيكون في خدمة القتلة الجناة، ويخفف من هول وبشاعة المذبحة المرتكبة في شاتيلا!؟ وهنا أراد مسلّم القول: تضخيمُ بعض الأمور، أو التعتيم على بعض الحقائق، لا ولن يخدم القضيّة الفلسطينيّة!
أيضاً في سياق المراجعة النقديّة، يوجّه مسلّم انتقادات طفيفة للزعيم، وغالب الظنّ أنه يقصد الراحل ياسر عرفات، دون ذكر اسمه، في الفصل السادس، أثناء إثارة ملفّ المفقودين الفلسطينيين في السجون السوريّة أو العربيّة. وذلك على لسان حالة الفتاة الناجية حين تسأل الزعيم عن مصير زوجها المفقود، وأن الزعيم ردّ عليها، عبر التلاعب بالكلمات، وأن كلامه لم يقنعها: “اقتربت من القائد العام في أحد المهرجانات وسألته عن زوجها بكلمات فيها تأنيب واضح، وسألته؛ كيف يستطيع المواصلة إلى الأمام ويترك رجاله وراءه؟ قال لها “إنهم في الثورة لا يرجعون إلى الوراء، إنما يواصلون السير إلى الأمام حتى يلتقوا بالرفاق أمامهم مع الشهداء والصدّيقين (…) صَمَتْ. ليس هذا الجواب الذي بحثت عنه. لكنه غير قابل للنقاش. كانت عاتبة على القائد العام. وبعد ذلك اليوم، لم تعد تحبّه”[3].
فوائد موت حافظ الأسد
“بنت من شاتيلا” من الروايات الفلسطينيّة القليلة التي تناولت بشاعة وقذارة نظام حافظ الأسد وسجونه ومعتقلاته وزجّ الفدائيين الفلسطينيين فيها. وأشارت إلى استثمار نظام الاسد الأب الورقة الفلسطينيّة وكيف أن هذا النظام ملطّخة أيديه بدماء الفلسطينيين. وهذه جرأة تسجّل لأكرم مسلّم، إلى جانب روائيين وروائيّات كـ ليانة بدر في روايتها “عين المرأة” التي تناولت مجزرة تل الزعتر. وهؤلاء الروائيون والروائيّات الفلسطينيون هم قلّة ممن تجرّؤوا إبداعيّاً وروائيّاً على فضح ونقد نظام الطاغوت الأسدي، في وقت انزلق العديد من الكتّاب والأدباء الفلسطينيين مؤخّراً برخص وإسفاف وتهافت نحو التطبيل والتزمير لنظام الأسد الأب والابن، والتشبيح والتسبيح بحمد جرائم هذا النظام الأسدي البراميلي الكيماوي.
ومما ذكره مسلّم في “بنت من شاتيلا”: “هزم الموت حافظ الأسد، وتقرر تسريح عدد كبير من المعتقلين، من ضمن جهود تبييض نقل السلطة. كان زوج الخالة واحداً من بضع عشرات لهم خصوصية. لقد كرههم أحد ما، في مرحلة ما، كراهية استثنائيّة، وأراد أن يفعل بهم شيئاً استثنائيّاً؛ أن يخرجهم من التاريخ والجغرافيا. أراد تحنيطهم ليكونوا أقرب ما يكونون إلى الموت، معلقين بين الوجود واللاوجود”[4]. ويواصل مسلّم نقد دولة حافظ الأسد، بلغة ساخرة، عبر تكرار عبارات على لسان مدير السجن البعثي الأسدي، من قبيل: “الدولة المحترمة لا تسرق مقتنيات سجنائها”، “الدولة المحترمة تحافظ على حياة سجنائها”، “الدولة المحترمة لا ترث مقتنيات سجنائها”، “الدولة المحترمة تراعي رغبة سجنائها، ولا تلقي بهم عراة في الشوارع”[5].
كنموذج على الخسارات الفلسطينيّة المتتالية، وتبدد الأحلام الفرديّة الصغرى والأحلام الثوريّة الكبرى، أتى مسلّم على تجربة زوج الخالة، السجين السابق لدى نظام حافظ الأسد، العائد من الموت إلى الحياة، حياة السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، ليجد نفسه قد فقد كل شيء؛ بيته وزوجته: “أفاق من نومة السجن، لكن ما تقترحه صحوة الحرية مريع؛ لا زوجة، لا بيت”، “خسر الرجل كل شيء، حتى قدرته على تحويل الخسارة إلى حكاية”[6].
الانتصار للضحايا
في الفصل العاشر (عازفة الكمان) يطرح الراوي (مسلّم) أفكاره على لسان الفتاة الفلسطينيّة التي تسكن شقّة كانت تملكها عائلة يهوديّة كانت من ضحايا النظام النازي. وذلك عبر إجابة الفتاة على سؤال حول مشاعرها كضحيّة تسكن شقّة كانت تملكها أسرة يهوديّة، هربت من ألمانيا، وربما تمارس القمع بحق الفلسطينيين؟ فقالت: “لا يوجد شيء اسمه ضحايا الضحايا. الضحايا ضحايا فقط. يجب عدم الخلط بين الضحايا والناجين. قد يتحوّل الناجون إلى قتلة. هناك ضحايا للناجين، هذا صحيح تماماً. المجزرة ببساطة، هويّة بحدّ ذاتها. أما الناجون فخياراتهم هي التي تحدد هويّاتهم”. وأضافت أن الضحايا اليهود، أصحاب الشقة، هم “فصل من حكايتها، وليسوا فصلاً من حكاية الصهيونيّة. وأنه عندما تتراخى قبضة المختطفين، سيختار الضحايا الجلوس معاً، سواء سقطوا في دير ياسين، أو اللد، أو كفر قاسم، أو شاتيلا، أو تل الزعتر،… أو أوشفتيس أو في بورما”[7]. وهكذا ينتصر أكرم مسلّم في رائعته “بنت من شاتيلا” للضحايا؛ كائناً من كانوا.
[1] https://www.alquds.co.uk/في-رواية-بنت-من-شاتيلا-تروية-المسرح/?fbclid=IwAR2DOcqaWS11fjOt_fQMYZRzz3m4Kggd9MT8DWdW4M2ykstqkXXZIl6MmAM
[2] الصفحة 70 – 71
[3] الصفحة 77 – 78
[4] الصفحة 82 – 83
[5] الصفحة 83 – 84
[6] الصفحة 85 – 89
[7] صفحة 141
كلمات مفتاحية
تلفزيون سوريا
في رواية «بنت من شاتيلا»… تروية المسرح لخلق رواية تجريبية ممسرحة/ فراس حج محمد
يفتتح الناقد الفلسطيني فيصل دراج كتابه «ذاكرة المغلوبين- الهزيمة والصهيونية في الخطاب الثقافي» بهذا المقطع من شهادة فلسطيني نجا صدفة من مجزرة صبرا وشاتيلا: «امرأة شابة مالت إلى جانبها الأيسر، وثديها الأيمن عارٍ، على فمها دم جاف يدل على أنها قتلت من ساعات. إلى جانبها طفل يصدر صوتا أقرب إلى الأنين، ويمد يده باتجاه ثدي أمه القتيلة. يقول مهاجم أول: هذا طفل حيّ، ويمد يده إلى مسدسه، يرد عليه مهاجم ثان: اتركه سيموت من الجفاف. بعد قليل يمر مهاجم ثالث يمسك بالطفل ويرميه عاليا في الهواء، يأتي صوت السقوط أصم، ويتدحرج شيء بلا صوت». (وزارة الثقافة الفلسطينية، ط 3، 2019)
يبدو المقطع حادا في بلاغته، يغني عن كثير من الشرح، مسرح الجريمة يخيم عليه السكون، وشبح الموت يتجول بسهولة ويسر كأنه امتلك الحياة والموت، والتأرجح بينهما، كما يبدو في هذا الجزء من الشهادة عمق الخلل الإنساني الكافي لإحداث مجزرة، تقتل النساء والأطفال، باعتبارهما حسب القانون الدولي الإنساني المعطل في الحالة الفلسطينية من أكثر الفئات الضعيفة، التي يجب ألا تقتل ويجب أن يحافظ على حياتها. تبدو المفارقة عارية كالحقيقة تماما، يقتل الأطفال والنساء والمدنيون بدم بارد، وهكذا اكتملت عناصر جريمة بشعة صورتها شهادة الناجين من المجزرة.
ويحيل هذا المقتبس إلى استحضار عناصر مسرحية فيه، بدون أن يقصد الشاهد الحيّ أن يقدم عرضا مسرحيا، لقد كانت شهادته تلك مشهدية مسرحية، كأنها جزء من مسرح تجريبي، خشبته أرض المجزرة، وينفذ الجنود أدوارهم بتصاعد الحركات الدرامية، وصولا إلى النتيجة، إن النتيجة بحد ذاتها مشهد مسرحي تراجيدي، خالٍ من الرحمة. ويقود إلى الحديث عن الكراهية المنفذة بسيناريو ممسرح جيدا، وتبدو مشهديته التي لا تحتاج إلى بلاغة إضافية ليدل على المجزرة، والبحث في ذاكرة المغلوبين الذين يتخذون صفة الضحايا، ومن بين الضحايا ثمة ناجون أيضا يوثقون الحدث، هذا الحدث الذي يتنمذج في صورة أخرى في رواية «بنت من شاتيلا» للكاتب أكرم مسلم، هذه النمذجة التي صارت دليلا وليس شاهدا على جريمة محكمة في مسرح جريمة امتدت إلى ثلاث وأربعين ساعة معبأة بمشاهد متصلة من القتل الوحشي العنيف. ما بين مسرح الجريمة الفعلي والرواية صلة كبيرة، وتتخذ الرواية من المسرح ومفرداته متكأ فنيا، فتتم «تروية المسرح»، جعله رواية، لتخلق الرواية شكلها الفني الذي يحمل المضمون، فثمة أبطال ومسرح ومشاهَد ومشاهدون، لتتبادل المسرحية والرواية حمل الرسالة وتكون بليغة في حمل هذا المضمون التراجيدي. لقد بنيت الرواية بناء مسرحيا، فتفتتح بمشهد افتتاحي: «مسرح معتم بدون جمهور أو ممثلين»، عدا صوت أنثوي ممزق يتحدث، هذا المشهد الافتتاحي يستمر ليظهر في نهاية الرواية بالمواصفات نفسها: «مسرح معتم بدون جمهور، تظهر على الخشبة أنثى». وما بين المشهدين ثمة أحداث ومشاهد أخرى مسرحية، تعتمد على المفارقة اعتمادا كليا.
ثمة وعي لدى الكاتب على توظيف الأدوات المسرحية في الرواية، عدا عن المشاهد واللقطات التي ترسمها الرواية، هناك إثبات لمفردات الفن المسرحي، وقد أشار الكاتب إلى ذلك في شهادته الإبداعية التي قدمها في «ملتقى فلسطين الثاني للرواية العربية» الذي انعقد في شهر يوليو/تموز 2019، فيعنون تلك الشهادة بهذا العنوان اللافت للانتباه «الرواية عندما تغري المَسرح»، وبعد أن تحدث عن تجربته مع المسرح من خلال روايته «التبس الأمر على اللقلق» التي تحولت إلى مسرحية تحت عنوان «رائحة حرب»، ختم أكرم شهادته تلك بقوله: «في بنت من شاتيلا صرت أكثر انتباها للمشهدية المسرحية، وفيها تستحدث الناجية «الوحيدة» خشبة مسرح في مخيلتها كفضاء مفترض ومفتوح لقول الإحداثيات الأبشع عن المجزرة البشعة، خشبة مؤهلة ليتناوب على صعودها ضحايا المجزرة الـ4 آلاف، واحداً بعد آخر». (نشرت في موقع منصة الاستقلال الثقافية الإلكتروني، بتاريخ: 17-7-2019). وهنا تبرز أسئلة مهمة تسائل البنية الروائية التي جاءت مزيجا من الرواية ومن المسرح، أخذت من المسرح عناصر وتخلت عن عناصر أخرى، كأن الكاتب في هذه النص عمل مزيجا عبر تروية المسرح، وإخضاعه لشروط السرد الروائي، بالقدر الذي جعله يقوم بمسرحة الأحداث الروائية.
يرسم أكرم في روايته مشاهد افتتاحية لفصول الرواية، وعند النظر إليها وتحليلها فإنها تشتمل على كثير من عناصر المسرح، المكان والضوء والستارة والعدسة والمصورين. (المشهد الأول)، وفي المشهد الثاني يبدو الصوت أوضح تلك العناصر، مع استحضار مشهد صلاة الجنازة، وينتقل في المشهد الثالث إلى رسم مشهديّ قائم على تمثيل مسرح الجريمة في الوقت والمكان، وفي المشهد الرابع «مشهد بالأبيض والأسود يتسيده فدائي جريح (1968)»، والمكان «الكرامة» والحدث يحيل إلى معركة الكرامة. ولهذا المشهد رؤيتان وليس رؤية واحدة، هنا تختلف طبيعة المشهد وتفسيره، وبالتالي ما تدل عليه. رؤيا يفصح عنها الفصل الخامس المخصص للحوار بين البنت والأب الفدائي، فثمة التباس في الفعل الروائي لذلك اقتضى تقديم مشهدين مسرحيين لشخصية واحدة.
ينتقل الروائي في مشاهده إلى عام 2000، والمشهد ملون والتغيرات الحادثة على المشهد المسرحي الأصلي «صار الباب الخشبي حديديا، وبدل الجثث، يلهو في الخلفية أطفال كثيرون أنجبهم من زواج مبكر»، يربط أكرم هذا المشهد بالمشاهد السابقة، ويلفت نظر المشاهد/ القارئ إلى هذا التحول الحادث. وقد سبق ذكره في المشهد الثالث. وفي المشهد السادس في هامبورغ، «مشهد قصير متكرر (يتغير فقط لون البلوزة)، ثمة عناصر مميزة في هذا المشهد، الكابوس المتكرر، وساعة المنبه، والشخصية التي تحاول أن توقف المشهد المتكرر بساعة المنبه المضبوطة على وقت محدد. (السادسة إلا أربع عشرة دقيقة).
وتعود الأحلام مرة أخرى في المشهد السابع ويستحضر الروائي شخصية الخطاط ابن مقلة من القرن التاسع الميلادي، وفي هذا المشهد العجيب ثمة غموض كثيف، يشبه غرابة الحلم نفسه، كما عبّر عن ذلك المؤلف نفسه في تذييل المشهد بعنوان فرعي «حيرة المؤلف»، وهو الفصل الذي يسرد فيه الروائي كيف حدث ما حدث بين الضابط وزوجة المقاتل، حيث رآها «خارجة من الحمام ملتفة بمنشفة برتقالية يانعة»، يلتحم الجسدان، ثم ينطفآن في دقائق. لقد استبق الروائي الحكم عليه وربما لومه وتعنيفه عندما بيّن في المشهد المسرحي الافتتاحي بطريقة الإيحاء والحلم: «أقسم المؤلف لابن مقلة أنه لم يدبر شيئا، وأن الأمر خرج عن سيطرته تماما. قال: لقد جمعهما الباب، كان من المفترض أن يعطيها مغلفا ويمضي، وفي رمشة عين التحما مثل جيشين، مثل جيشين كاملين يا رجل! أتريد مني أن أفصل بين جيشين ملتحمين؟». في هذا المشهد ربما يحاكم الروائي نفسه قبل أن يحاكمه القارئ والناقد، ففكرة سقوط الفدائي والمقاتل فكرة غريبة، ولكنه أراد أن يسير وراء السرد ومتعته المبررة، وصدفته المواتية، فكأنه يقول لم تطاوعني الشخصية وفرّت من السرد، فحدث ما حدث. إنها طريقة طريفة في تأمل العمل والمشهد ككل. ولكن يبقى السؤال: ما شأن خطاط ميت من القرن التاسع الميلادي ليحشر أنفه في تفصيل روائي في القرن الواحد والعشرين؟ ربما يجد القارئ إجابة لامنطقية في استحضار ابن مقلة، ولكن من قال إن حدوث مجزرة بهذه البشاعة هو أمر منطقي مبرر؟ رمى الروائي أكرم السؤال في المشهد وترك الإجابة على لسان التاريخ.
ينتقل العرض المسرحي مرة أخرى في المشهد الثامن إلى هامبورغ، وتحديدا في «قصر الثقافة»، حيث يقدّم الشاب الأنيق محاضرته، ثمة عناصر مسرحية بارزة كثيرة في الفصل التاسع من الرواية، العرض الذي تؤديه فرقة (فن- شرق) التي تعمل فيها حورية «بنت من شاتيلا»، عرض مسرحي رمزي يقوم على التراث الفلسطيني، ومن ثم محاضرة الشاب الأنيق أمام الجمهور، وتدخل السيدة ومحادثتها، وتدخل «الظلّ» المعترض على ما قال الشاب الأنيق، واللغة المتوترة التي رد بها الشاب الأنيق عليه. في هذا الفصل يندمج الروائي بالمسرحي، ويصبحا لحمة واحدة. وتختتم الرواية في المشهد التاسع بعرض مونودرامي للمرأة المغتصبة، وهي إحدى ضحايا المجزرة.
وهكذا يكون الروائي قد أغلق الدائرة، يفتتح الرواية بمشهد مسرحي وينهيها بمشهد مسرحي. والملاحظ على كل تلك المشاهد المسرحية توظيفها لمفردات المسرح التجريبي، وكسر القواعد التقليدية للمسرح. فيظهر البطل الواحد الواقف على المنصة ليتحدث حديثا طويلا، كما أظهر في المشهد الخاص بابن مقلة أنه «لا سلطة للمؤلف على الشخصيات»، كما أن التداخل بين الجمهور والممثل المسرحي، وارتجال النص كما جاء في الفصل التاسع، كلها تحيل إلى مميزات المسرح التجريبي، وتعيد هذه الرواية التذكير بالجهود المسرحية العربية التجريبية، خاصة تجربة الكاتب المسرحي السوري سعد الله ونوس في رائعتيه: «مغامرة رأس المملوك جابر» و»الفيل يا ملك الزمان». عدا هذه المشاهد المسرحية في مفتتح تسعة فصول من الرواية الاثني عشر فصلا، لم يتخلص المتن الروائي من المفردات المسرحية، فكانت حاضرة لفظا وسردا، وأحب أن أشير إلى ملمح ظاهر في لغة الرواية القائمة على المفارقة، هذه المفارقة التي أكسبت أيضا المتن الروائي بعدا مسرحيا لتتعمق الرواية في «تروية المسرح»، وإعطائه شهادة ميلاد نص مهجّن بكيمياء اللغة والعناصر الفنية المسرحية والروائية ليقف النص بين الرواية والمسرحية أو ربما يخلق اسما له وحده من بين كل تلك العناصر. ولعل الدارس يرضيه، إلى حين، أن الرواية فن يستطيع استيعاب كل الفنون الأخرى بما فيها المسرحية، ولكنني لست مطمئنا إلى هذا الاستسهال في الحكم.
ربما تؤكد تلك المشهدية التي افتتحت بها هذا الحديث والمنقولة من كتاب الدكتور فيصل دراج عظم الجريمة، أي جريمة، ليكون مجرّد حدوثها مسرحية كبيرة، تستدعي تخطيطا وتنفيذا لسيناريو محكم و»سينوغرافيا» كاملة العناصر، وتلتقي في ذلك المتون الإبداعية السردية مع الوثائقية في ملاحظة مثل هذا الربط ما بين الجرائم والمسرح التي قد تسللت إلى مفردات الجريمة، فصار «مسرح الجريمة» التعبير الحقيقي البعيد عن المجاز حاضر ورجال العدالة يعاينون مسارح الجرائم المختلفة، فما بالكم بجريمة بهذا الحجم ومسرحها الفضاء المتسع الممتد؟ فلا شك في أنها تحيل إلى المسرح العبثي الذي مهما تمادى في عبثيته لن يصل إلى بشاعة الحقيقة وعبثية وجودها كما هو في تلك الشهادة التي يفتتح بها الدكتور درّاج كتابه السالف الذكر.
٭ رواية للروائي الفلسطيني أكرم مسلم، صدرت مؤخرا عن دار الأهلية في عمان.
٭ كاتب فلسطيني
القدس العربي
أكرم مسلّم: “بنت من شاتيلا” رحلة في حقل ألغام/ فاتنة الغرة
هذه رواية موضوعها التراجيديا؛ الكثير من القتل المادي والمجازي: قتل المخيم، قتل الأب، قتل الابن، قتل البنت، قتل الأخ. المسرح عموماً كان خيار “الحورية”، هي التي دفعت به إليّ، ولست من دفع بها إليه، لقد كتبت المشهد الافتتاحي بعدما تعرفت إليها جيداً -كشخصية داخل النص أقصد- كتبت هذا المشهد بعد كتابة أكثر من نصف الرواية،
بهدوء يؤسس الروائي الفلسطيني أكرم مسلّم معالم تجربته الروائية التي لم تنفصل عن واقعها الفلسطيني لكنه لا يعتمد عليه ركيزة لجذب القارئ بدءاً من روايته “هواجس الإسكندر” عام 2003 والتي كانت فيها فلسطين بقعة جغرافية قد تتقاطع مع غيرها ومرورًا بروايته “سيرة العقرب الذي يتصبب عرقًا عام 2008 ” التي أكد فيها على خصوصيته سواءً على مستوى اللغة التي لا تميل إلى الثرثرة وواقعه الذي ينهل منه حكاياته وشخوصه، ووصولًا إلى روايته “التبس الأمر على اللقلق” عام 2013، وانتهاءً بروايته “بنت من شاتيلا” هذا العام، والتي نحاوره بمناسبة صدورها.
بالعنوان “بنت من شاتيلا” (الصادرة عن الدار الأهلية في عمّان)، قد يتهيأ القارئ لدخول الرواية من زاوية “الكليشيه” الخاص بمعاناة الفلسطيني، خاصة أنه عنوان مغاير لعناوين رواياتك السابقة، ألا تجد أن هذا العنوان قد يعطي القارئ استنتاجاً استباقياً غير مشجع، خصوصاً مع وضع القضية الفلسطينية في العالم العربي الآن؟
في العادة، لا أستغرق في البحث عن اسم العمل، يولد الاسم تماماً من رحم المُسمّى، في رواياتي جميعها تتبدل اقتراحات الأسماء التي تبدأ مع بداية العملية الكتابية عدة مرات، إلى أن تنضج التسمية وتستقر في منتصف الطريق. يختلف “بنت من شاتيلا” عن عناوين رواياتي المتسمة بالغرابة فعلاً: “هواجس الإسكندر”، “سيرة العقرب الذي يتصبب عرقاً”، و”التبس الأمر على اللقلق”، كلّها عناوين تستوقف القارئ وتثير أسئلة محرّضة، وتوحي بغرائبية، لكنني تبعت إحساسي في أن “بنت من شاتيلا” اسم محرّض أيضاً ومراوغ، على الرغم من تقشفه ووقاره ومباشرته. يختزل العنوان ركيزتين تقوم عليهما الرواية: البنت والمجزرة. أردت لشاتيلا أن تكون العنوان لأنها القضية ولأن هذا حقّها، وأحببت البنت لأنها تؤشر إلى مدخل شخصي للتناول، مدخل حياة بشر يركبون قارب موت، البنت في العنوان تحرر المجزرة من شبهة البلاغة والبكائيات النازلة “من فوق” لصالح بكاء شخصي عميق متقطّع يستدرج التفاصيل ويضيء حولها.
معاناة الفلسطيني ليست “كليشيه”، وتكمن المشكلة في استمرارية المأساة منذ نحو قرن، وليس في الحديث المكرر عنها، التحدي: كيف نتحدث عنها فنّياً؟ لا توجد طريقة واحدة، توجد عدة طرق، الضمانة التي أحاولها شخصياً تحرير التعاطي مع الموضوع السياسي من البلاغة اليابسة لصالح لغة قادمة من الحياة/ الموت، هذا يحتاج إلى أشياء كثيرة أحاولها ولا أدعى بلوغ أقصاها، أهمها: “ديمقراطية” الكاتب مع الشخصيات؛ يحتاج الكاتب إلى شيء من التواضع تجاه شخصياته فلا يخنقها بخبرته ولغته وحكمته هو، أن يدعها تتجاوزه وتحلق بعيداً عنه، لتتحول الكتابة إلى لعب، وفق القواعد أولاً، وبعدها لعب بالقواعد نفسها، وبعدها لعب بلا قواعد.
إذا كان هناك من يرى خلاصه السياسي في إسقاط فلسطين من حساباته، فبئس الرؤية وبئس الخلاص. وإذا كان هناك من يرى أن النص “النظيف” من فلسطين هو نص أجمل، فهذا لا يعرف شيئاً عن فلسطين ولا عن الجمال ولا عن النظافة، هكذا ببساطة؛ غياب فلسطين أو تغييبها ليس شرطاً جمالياً ولا معياراً فنيّاً!
هناك من سيختار دائماً كتابة نصوص ذاتية، وهذا حقّه تماماً، وهذا ضروري وله دوره ومتعته وجمهوره ومادته التي يرفد بها المشهد، لكن اعتبار تناول الكوارث السياسية الجماعية شأناً غير أدبي، فهذا انحياز سياسي ضد فلسطين، وضد الأدب.
في العام 1982، حدثت مجزرة في منتهى الغدر، عجزنا عن التعامل معها ثورياً، وعجزنا عن محاكمة مرتكبيها جنائياً، وحتى أن تعاطينا السياسي مع مرتكبيها “ارتجف” في محطات عديدة، ممكننا الوحيد الآن محاكمة مرتكبيها أخلاقياً وجمالياً، وهذا ليس فقط في صلب الأدب، إنما من دوافع اجتراح الإنسان للسرد كفعل إنساني يتولى نبش الأرض لاستخراج ما دفنته القوة الغاشمة من حكايات وجثث.
يبدو أن أبطالك عادة هي الأماكن والأحداث وليس الأشخاص، ولهذا لا نجد أسماء شخصية إلا نادرًا، لكنك تمنح كل شخصية لقباً يعبر عنها مثل “الحورية” و”المناضل” وغيرها، هل أردت التأكيد على عمومية التجربة، وأنها قد تكون قصة أي شخص وجد بالصدفة في هذه الإحداثيات؟ أم أن الأسماء هنا لا تهم؟
في هذه الرواية كل الشخصيات أبطال، كلّ على طريقته، هناك بطولة الفدائي في المشي على حافة الموت في مواجهة القَدر الكولونيالي، وهناك بطولات البقاء وهي الأكثر والأوضح. تُوسّع الرواية مفهوم البطولة وتحررها من تفرّد المقاتل دون إلحاق الغبن به. نعم، الأمكنة تتقاسم البطولة مع شخوصها، فالشخوص من طينة الأمكنة، والمكان كما في سائر رواياتي متورط في الحكاية عبر انقساماته والهيمنة التي في هندسته، وثقله على الشخصيات لغة وأجساداً، وأحياناً انسحابه من تحت أقدامها. المكان الفلسطيني غير مُطمئن، وهذا لا يمكن إخفاؤه عند كتابة رواية واقعية.
بشأن الأسماء، أنا فعلاً أتجنب استخدام أسماء، وفي كل رواياتي قليلاً ما تجدين اسماً، أُفضّل الألقاب التي تنبت مع الشخصية أثناء الكتابة، تماماً كما ينبت اسم الرواية أثناء كتابتها، هذا أولاً يعفي الشخصية من التحليلات حول مغزى التسمية، ويفتح للشخصية آفاقاً إنسانية لتتحرك في فضاءات غير متوقعة. لا يعني هذا أنني أقسمت ألا أسمي شخصياتي؛ فأحياناً أتسامح مع وجود أسماء عندما أحس أن الاسم بلا حمولات، وأنه لا مناص منه.
بلغة محكمة لا تشبه الصخب في شيء وكتابة متأملة رائقة يتمحور العالم الداخلي للرواية، وهو الأمر الملفت، خاصة حينما تكون قصة العمل سلعة عند الكثيرين لاستدرار التعاطف والدعم، فكيف استطعت النجاة من فخ الوقوع في رثاء الذات؟
دعيني أقول بداية: إن الرواية هنا رحلة في حقل ألغام، وليس فقط فخاً أو فخاخاً… نحن نتحدث عن مكانين بالغيّ التعقيد بالنسبة للفلسطيني: لبنان وألمانيا. ونتحدث عن مجزرة حيّة وإن كانت ابتعدت قليلاً بالمعنى الزمني، لكن بيئتها وروافع تكرارها تقترب باستمرار، وتفريخاتها في المنطقة العربية تتناسل، هذا لأنها لم تُحاكم كمجزرة، ولا حوكمت كفكرة، لقد جرت تسويات لتجاوزها، أو أن التواطؤ على تجاوزها كان شرطاً لتسويات لا علاقة للضحايا بها. ما حمى الرواية من كمائن الرثاء وشبهة استدرار العطف، روحية المحكمة التي وجهت الشخصيات، والوعي الموجّه بأن المجزرة ليست حدثاً عابراً، إنما سياق عميق، وأنها ليست حادث سير، إنما حدث مدبر ومنهجي ناجم عن وعي كامل. وأن الحدث ليس قَدَراً إلهياً يشبه زلزالاً، إنما قدر سياسي دولي، لا يمكن عزله عما سبقه وعما لحق به. بهذا الوعي قررت ككاتب ألا أساوم في محاولتي تبصّر ألم الضحية وقول جملتها المغيبة، حتى أنني كنت مرعوباً من فكرة أن أصادر صوتها ككاتب.
وبهذا صارت الرواية تكتبني، صارت الشخصيات تعلّمني، احتكمت حركة الشخصيات وخياراتها إلى روح المحكمة، لذا لم يكن البكاء وارداً، فالرواية ككل غير محايدة، ولا تقترح الحياد، لا المؤلف محايد ولا الشخوص، ودعيني أقول: إنه حتى لا يوجد مقعد يجلس عليه القارئ المحايد، ثم إن الرواية لا تترك متنفساً لشبهة جلوس الضحية على مقعد المتهم، وترفض الاكتفاء بالجلوس في موقع الشاهد، بل تركل مقعد القاضي عندما يلزم الأمر. حررت هذه الروح الرواية من البكاء على أكتاف من لا يستحقون أن نبكي على أكتافهم، كل أولئك “القضاة” الذين اختاروا الوقوف على مسافة واحدة، بينهم وبين القتلة، وبينهم وبين المقتولين.
ولكن المحاكمة لم تتكئ على جمل قانونية، لقد استعادت الموت عبر حكايات حياة، حياة مفككة تجرّ موتاها، يبدو فيها المستحيل ممكناً والبديهي مستحيلاً، حياة مرتبكة ومربكة مشاهدها “زائغة”، شبحية أحياناً، وأحياناً لها ملمس ورائحة وملامح، “أبطال” بحمولات تراجيدية يتجولون على خشبة تاريخ يشبه مسرح اللامعقول.
تنقلت بين العديد من التواريخ، وكأنك كنت تمسك حبلاً يأخذك إلى الماضي القريب أو البعيد أو الحاضر، إلى أي مدى أرهقك هذا التنقل، خاصة أنه يحتاج إلى البحث الدؤوب؟ وهل كانت كل الأزمنة تصبّ في صالح الرواية؟
الرواية كلّها -كما أعيها على الأقل- قصة تأرجح -ما دمت تتحدثين عن حبل- تأرجح بين الأشكال الفنّية: الشعرية، المسرح، المشهد السينمائي، تأرجح بين التقنيات السردية، بين القسوة واللين، بين التراجيديا والسخرية المرة، بين البطولة ونقيضها، بين الأمكنة، بين الأزمنة، يحدث هذا ضمن محاولة تطوير أدوات للإمساك بعمومية المجزرة، وتمثيل فواجعها، والتغلب على استعصائها كحالة تهشيم لنظام الحياة بما فيها من موت، وبالتالي تهشيم لأداء الحواس وقدرتها على تلقي التهشيم، ومن ثم هيئة السرد ولغته. ثم هناك تأرجح بين الغرائبي والواقعي يكبّر مع فقدان الثقة بالحواس بعد خراب الهندسة: الذبابة أكثر شيء موجود في حياة الحورية لكن وجود الذبابة موضع شك. جثة العجوز هي الأكثر حضوراً في حياة “الرجل الدائري” لكن اثنين من رجال الشرطة يقولون: إنه لا وجود لرائحة أصلاً. وعازفة الكمان شبحيتها أكثر حضوراً من الحضور ذاته.
لم يرهقني التنقل، فهذه إستراتيجيتي عموماً في الكتابة، استدراج القارئ، المهم أن يتبعني إلى المحطة التالية، يتم هذا بتخطيط، وبرشاوى، وبلا حبكة بالمعنى التقليدي، إنما عبر ما أسميه في سرّي “الحبكة/ السراب”؛ مُغريات سرعان ما تكتشف كقارئ أنها ليست الموضوع، وأنها ليست مهمة تماماً، ويحدث أن أتناساها إذا شعرت أنها أدت غرضها، ويحدث أن يلعنني القارئ، أعرف ذلك، لكنه لا يلغي العقد بيني وبينه، ولا يلقي بالرواية جانباً، وفي النهاية ينظر إلى الخلف ويقول: يااااه لقد قطعت كل هذا الطريق، حتى لو لم تعجبه أشياء كثيرة فيها. رحلة القارئ هي الرواية وليست مضامينها، ولتكن الرحلة عابرة للأزمنة وللأمكنة، لم لا؟
طبعاً أعتقد أن هذا التقافز لصالح العمل، فالفواصل بين الأزمنة -فلسفياً- مجرد وهم، الأزمنة متجاورة وإن تباعدت، نحن وأمكنتنا قِطع على خط الزمن، ونتوهم أن الزمن هو المقطّع.
وعن الزمن السياسي، لا يمكن الحديث عن أيلول 2001 دون الحديث عن أيلول 82، ولا الحديث عن 82 دون الـ 48، وقبلها 1917، وبعده الانتداب، ولا يمكن الحديث عن ديموغرافيا لبنان بمغزل عن ديموغرافيا فلسطين، ولا عن ديموغرافيا فلسطين بلا الهولوكوست. الزمن الكولونيالي واحد.
تعمدت تكرار بعض الثيمات الجملية على امتداد الرواية وكأنك تحاول من خلالها إيصال رسالة ما إلى القارئ، مثل “لقد خبرت هذا جيداً” لم كان كل هذا الإصرار؟
نعم أنا أحب الثيمات، الثيمات البصرية والصوتية، وأيضاً المقولات المتكررة بحساب، لأنها تشدّ العمل إلى بنية واحدة، شرط ألا ترهقه، وهي قد تخفف من ضرورة الاعتماد على الحبكة بمعناها التقليدي.
بشأن ثيمة “خبرت ذلك جيداً” راهنت أن تثري التأرجح بين البساطة والقسوة وتكشف بداهة الحصول على الفجيعة لطفلة؛ وتؤثث لفكرة أساسية في العمل مفادها أن خبرة المجزرة لا تشبه السماع عنها أو محاولة كتابتها، فلا أحد “يعرف” مثل الضحية ولا يمكن لأحد أن يعرف مثلها، ثم إنها تأكيد على القسوة، فالأصل أن تَخبُر طفلة في السابعة أشياء أخرى غير سلوك ذباب الموت وسيرة الروائح وتقنيات القتل وتكتيكات النجاة.
من الواضح أن هذه الرواية تحمل مجازفات مختلفة، بدءاً من العنوان ومروراً بلعبة المسرح، وانتهاء بتضمين جزء من مخطوط فوينيتش القديم، ربما كان بالإمكان الاستغناء عنه، هل ترى الآن أن خيارك بالمجازفة هنا كان في محله؟
وأضيف لك أيضاً مغامرة الابتعاد عن اعتمادي السرد البارد في رواياتي الثلاث السابقة، إلى سرد لا يتحرج من رفع الحرارة عندما يقتضي الأمر.
لست نادماً على المجازفة، وإن كانت المجازفة ليست هدفاً بحدّ ذاتها، مجازفتي محسوبة في جزء منها، واقترح الموضوع جزأها الآخر مع تطوّر التناول؛ المجزرة أياً كان اسمها أو موقعها، تجربة فوق طاقة اللغة، وفوق طاقة الأشكال الأدبية، وفوق طاقة التقنيات السردية، ربما لذلك اختارت الرواية شكلها على هذا النحو.
أنا راضٍ عن التلقي إلى الآن، ليس لأن المتلقي يصل إلى ما أردت قوله، إنما لأنه يقول أشياء نظرية وجمالية كثيرة لم أكن أعي الكثير منها، وتتم مقاربتها بإحالات لا أعرفها فعلاً. أحياناً أذهب لقراءة مواد تعينني على فهم كثير من المداخلات تشير إلى أسماء أعمال أو كتاب أو مخرجين سينمائيين أو مسرحيين، لا أعرفهم، هذا مهم لأنه يعني أن العمل مفتوح على طبقات من التأويلات، يعني أن فضاءاته مفتوحة للتحليق عالياً، وأنه مشدود إلى منجزات إنسانية مؤثرة وجادة.
طبعاً هناك بالمقابل أصدقاء همسوا في أذني، أو كتبوا بأناقة، أنني خيبت أملهم، وهذا متوقع، فالعقد بيني وبين القراء الذين يعرفونني هو عقد بينهم وبين أعمالي السابقة بعوالمها، وها أنا أذهب إلى عالم آخر لا يشبهني، أو لا يشبه سابقاتي. أقول دائماً: للكاتب ما يريده من كتابته، وللقارئ أن يجد فيها ما يشاء: هذه سُنّة اللغة.
بشأن جزئية مخطوطة فوينيتش، وهي واحدة من أكثر المخطوطات إلغازاً في التاريخ المعاصر، فقد جاء توظيفها كواحدة من لعب السرد الكثيرة. تحتاج رواية تفوح منها روائح الجثث أن تتنفس قليلاً، ولعبة المخطوط تمنحها شيئاً من الهواء، ثم إن هذه الجزئية ضرورية للتدليل على “لا عادية” “الجمل”؛ البطل الكامن في عوالم غامضة، والذي نفذ مهمات بالغة التعقيد، وأوصلتنا اللعبة أيضاً إلى يومياته لنقرأ شهادته عن نفسه بعدّة ضمائر، هناك قراء مرّوا عن هذه الجزئية وكأن لعبة المخطوط كلها شأن خيالي، وهذا جميل إذ يدل أنها ليست عبئاً على الرواية، وهذا ما يهمني، أما الحكم بشأن صوابية الحلّ المقترح، فهو متروك للزمن وللخبراء، وفي العموم، الرواية -أي رواية- هي صفقة تواطؤ متكاملة بين الكاتب والقارئ.
الصوت والرائحة، حضور الجسد بكل تجلياته، اللغة المعتنى بها، من مميزات “بنت من شاتيلا”، غير أن حضورها القوي كان بمثابة رسالة تريد إيصالها، هل توافقني الرأي؟
طبعاً، الجسد عمود هذه الرواية، هو الطبقة العميقة التي يتحرك ما فوقها، فالجسد موضوع المجزرة ومادتها، الإبادة في شاتيلا إبادة جسدية؛ يعني إبادة الإنسان الوحش لأخيه الإنسان، إبادة بدائية حتى في أدواتها؛ الأسلحة البيضاء بما يعنيه ذلك من تماس مقصود مع جسد الضحية. تبدأ الرواية بالأجساد، وتمر بتماس جسد الشاب الملتبس بجسد الحورية على البحيرة عندما يلفهما شال واحد، هناك الأجساد المنتفخة، وجسد الجثة العجوز الجالسة على كرسي، وهناك الجسد النقيض المصقول، جسد عازفة الكمان، حيث “يتبخر النعاس مع أول إشراقة لنهدين يقظين يبللهما الندى”.
وهناك تعمق في الاغتصاب كأحد تجليات العلاقة الإكراهية مع الجسد، والاستعارة الطقوسية للجسد في ذروة توحشها، عندما يطلب القاتل من الضحية أن ترقص.
سوف تعلمني الرواية أن القتل الجماعي له تقنيات متشابهة إلى حدّ كبير، في أبحاثي ظهرت دائماً آليات تجميع متشابهة، مسيرات جماعية نحو مذبح، هناك دائماً جدران موت، وهناك قتلة يطلبون من ضحاياهم إدارة الظهور ورفع الأيدي؛ هذه هندسة موت متكررة، هندسة مقصدها الأجساد، وحتى تقنيات الدفاع عند الضحايا على الجدران متكررة: السقوط متظاهراً أنك مصاب، نجاة قِصار القامة لأنهم دون مدى “الرش”.
ثم، المعضلة البيولوجية، معضلة الجسد، عندما يبزغ جسد جديد من جسد أم مغتصبة، “سيدة الحناء” فقدت معظم عائلتها على يد القاتل، ثم ترى ملامح الأب في وجه جنين تعمدت إجهاضه، فساعدت مولودها على الموت، يدفعها إلى ذلك الحبّ! هي أجهضته لأسبابها، لكنني أنا ككاتب نسيت أن أدفنه بلا سبب واضح؛ في مرحلة من مراحل الكتابة مرت في ذهني فكرة أن أدفنه، أو أترك “الخالة” تدفنه في مقبرة الشهداء، لكن الرواية كانت في المطبعة عندما تذكرت ذلك، وبقيت الجثة معلقة في فضاء الكون. أنا لا أمزح. أحس بالحزن كلما تذكرت أنني نسيت دفنه. أعرف أن بعضه من طينة القاتل المغتصب، لكن مكانه الحقيقي على الرغم من ذلك في مقبرة الشهداء، في المقبرة الجماعية على طرف المخيم تحديداً.
أوليت اهتماماً واضحاً للمسرح تحدثنا عنه سابقاً، هل كان الدافع هو الحمولة التراجيدية للمسرح وتاريخه والتي قد تكون الصورة الأبلغ لتوصيف حالة تراجيديا المذبحة، وبالتالي قصة الرواية؟
بشأن جزئية المسرح، هناك تساؤلات كان أول من أطلقها الصديق الروائي أنور حامد، على حسابه على “فيسبوك”، إذا حذفنا إشارة السؤال سنحصل على الجواب: “تكثيف المدلول التراجيدي لما حصل؟ إسقاط الشكل على المضمون؟ هل هي حيلة للخروج من عباءة السرد والتعلق بأستار المسرح للاقتراب من جوهر التراجيديا الأول ومقاربته بالتراجيديا موضوع الرواية؟”
هذه رواية موضوعها التراجيديا؛ الكثير من القتل المادي والمجازي: قتل المخيم، قتل الأب، قتل الابن، قتل البنت، قتل الأخ. المسرح عموماً كان خيار “الحورية”، هي التي دفعت به إليّ، ولست من دفع بها إليه، لقد كتبت المشهد الافتتاحي بعدما تعرفت إليها جيداً -كشخصية داخل النص أقصد- كتبت هذا المشهد بعد كتابة أكثر من نصف الرواية، الخشبة التي في الرواية منصوبة بمخيلة الحورية، والمقطعان المسرحيان الافتتاحي، والافتتاحي/الختامي، يحدثان في حلمها، تصعد هي إلى الخشبة، وتصعد المُغتصبة، وينفتح المسرح على 4 آلاف رواية/ شهادة ممكنة، أما اللغة المهشمة الملاحقة بالكوابيس، فربما يرممها جزئياً الحلم.
رمان