اللجوء السوري في البرلمان الفرنسي.. وماكرون “في فخ اليمين”؟/ حسن مراد
في العام 2016، وفي خضّم ما عرف بأزمة اللاجئين في أوروبا، أعلنت أنجيلا ميركل عن فتح باب اللجوء لأكثر من مليون شخص. بادر وزير الاقتصاد الفرنسي في حينها، إيمانويل ماكرون، وبشكل لافت، إلى توجيه تحية للمستشارة الألمانية على هذه الخطوة. لكن وعقب انتخاب ماكرون رئيساً لفرنسا، اختلفت مقاربته لهذا الملف، ليس فقط حيال اللاجئين بل أيضاً تجاه ما يتعلق بأوضاع الأجانب المقيمين في البلاد بصورة عامة، سواء كانوا لاجئين أم مهاجرين.
لم تعد الأزمة اليوم تحظى بالصخب الإعلامي نفسه الذي كان يرافقها قبل سنوات، رغم أن الملف لم يُغلق بالكامل، إذ عادة ما يقوم الإعلام بربط هذه الأزمة بتعقيدات المشهد السوري الملتهب. وفي حين أن السوريين لم يشكلوا يوماً أكثرية في عداد اللاجئين، إلا أن الكارثة الإنسانية التي تواجههم، تساهم في جعل ملف اللجوء والهجرة حاضراً في الخطاب السياسي الداخلي الفرنسي.
فبعد نحو عام على إقرار الجمعية الوطنية الفرنسية قانون الهجرة واللجوء المثير للجدل، التأمت السلطة التشريعية الفرنسية مجدداً لمناقشة هذا الملف تنفيذا لوعد قطعه ماكرون في وقت سابق. لكن الدعوة للنقاش قوبلت بتساؤلات جديّة حول المغزى منها.
وفيما حضر رئيس الوزراء الفرنسي، إدوارد فيليب، إلى الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ يومي الاثنين والأربعاء الماضيين، إلا أنه لم يحمل في جعبته أي اقتراح لأي تعديل على القانون السابق، بل كانت مجرد جلسات لاستمزاج الآراء، التي قد تترجم إلى إجراءات تشريعية، على حد قوله. لكن ليس خافياً أن ماكرون بات يتبنى سياسة أكثر تشدداً حيال دخول المهاجرين واللاجئين إلى بلاده، ما يشير إلى أنّ عملية جس النبض النيابية قد تفضي إلى اجراءات صارمة إضافية، مثل فرض نظام حصص سنوية، من شأنها أن تساهم بإضافة قواعد صارمة في التعاطي مع قضية اللاجئين.
في الشكل حاول فيليب تأطير النقاش من خلال ربطه بستة محاور، لكنه عملياً فتح المجال أمام النواب أن يدلوا بدلوهم في أي اتجاه يحلو لهم، سواء لناحية تناول موضوع اللجوء السياسي، إلى الهجرة غير الشرعية واستقبال الطلاب، مرورا باستيراد اليد العاملة وقانون التجنيس وآليات الاندماج ونظام الرعاية الاجتماعية، ما أدّى إلى تداخل العوامل السياسية والقانونية والاقتصادية والانسانية وتشابكها مع بعضها البعض.
النقاش الذي أجمع كثيرون على عشوائيته كونه تجاهل أي اقتراح قانوني كان يمكن الانطلاق منه، بدا أيضاً دون جدوى عملانية، الأمر الذي وضعه مراقبون في إطار التماهي مع الاستراتيجية الإعلامية للرئيس الفرنسي، مع تسليط الضوء على ما ورد في كلمتي جان لوك ميلانشون، زعيم حركة فرنسا الأبية (أقصى اليسار) ومارين لوبن رئيسة حزب التجمع الوطني (يمين متطرف)، حيث انتقد كلٌ منهما هذه الدعوة انسجاماً مع خلفيتهما السياسية. ففي حين رأى ميلانشون أن سياق النقاش يعكس فشل الحكومة في مجابهة المشكلات الاقتصادية ويحمّل مسؤوليتها للأجانب (من لاجئين ومهاجرين)، وجّهت لوبان في المقابل اتهاما لماكرون بالمشاركة، كما أسلافه، بتنظيم الهجرة الشرعية والتساهل مع تلك غير الشرعية، معتبرة أنه غير جاد في “إيجاد الحلول المناسبة” كما طالبت باستفتاء شعبي حول هذا الملف.
ولم تكتف الصحف بتغطية مجريات النقاش في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، بل ساهمت مقالات صحافييها وكتّابها بإثارة نقاشٍ أكثر جدوى من ذلك الذي شهدته أروقة البرلمان، وهو ما برز في تغطية صحيفتي “لوفيغارو” و”ليبيراسيون”، حيث اعتبرت الأولى، ذات الميول اليمينية، أن المشكلة في فرنسا ليست في مبدأ الهجرة بل في الإسلام، في إشارة إلى المسلمين الذين يستقرون في فرنسا والمتهمين بتغيير الثقافة والقيم الفرنسية. كما أثنت على سياسة ماكرون الذي “لا يخشى معالجة الملفات الملغومة لأجل الصالح العام”.
من جانبها، اتخذت صحيفة “ليبيراسيون” موقفاً مغايراً، حيث كانت الأكثر نشاطاً على جبهة المعارضة، حيث برز تعاطيها الملفت مع الحدث، إذ تبنّت الموقف الذي يعتبر أن “الثرثرة البرلمانية” لا تهدف سوى لتحقيق مآرب واهداف سياسية الابعاد. وفي هذا الإطار، نشرت الصحيفة مقالات عديدة صوّبت على الخيار الذي اعتمده ماكرون، وذلك تحت عناوين على شاكلة: ″من شيراك إلى ماكرون، رؤساء في فخ اليمين المتطرف″.
بموازاة ذلك، تساءل صحافيون في “لوموند” الفرنسية عن المستفيد من جلسة النقاش البرلمانية، واتفقوا جميعاً على أن الجواب واضح: “اليمين المتطرف”. أما صحيفة “لو باريسيان” فإنها حاولت إضفاء صبغة إنسانية على هذه القضية من خلال استعراض حال مخيمات تأوي مهاجرين، والتي تعيش في ظروف شديدة الصعوبة.
وكما في الإعلام، فإنّ الاستهجان من فوضى النقاش البرلماني طغى على معظم التعليقات في مواقع التواصل، في حين أجمع البعض على ضرورة عودة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية، كي ينعموا بحياة أفضل، في إشارة ضمنية إلى عجز فرنسا عن استقبالهم.
وأمام هذا الانقسام في الآراء يمكن القول إن السجال لم يحد عن المواقف والتطلعات السياسية لمختلف الأطراف، بين يمين يعتبر فتح النقاش ضرورياً، ويمين متطرف في موقع المزايد، ويسار يستهجن الخطوة ويعتبرها تأجيجاً لمشكلة مفتعلة. ومع النظر إلى ما خلصت إليه استطلاعات الرأي، يمكن فهم هذا الانقسام تجاه قضية تحتل المرتبة الخامسة في سلّم أولويات الفرنسيين بصورة عامة، في حين أنها تشكّل اهتماماً رئيسياً في الأوساط اليمينية.