أفضل 27 فيلماً خلال العِقد الماضي… ماهي؟
يُعَدّ العقد الماضي، من زاويةٍ فنّيّة، عقد أفلام “مامبلكور” mumblecore. قلب السينما الأميركيّة النابض، أصبح حركة الأعمال الدراميّة والكوميديّة ذات الميزانيّة المنخفضة، الموجَّهة بعمق والمرتجَلة غالباً، التي اجتذبَت ممثّليها من حَيَوات وبيئات صنّاع الأفلام الذين يُقِيمون قصصهم حول تجاربهم الخاصّة. طوال العقد الماضي، وبعيداً من الأعمال البارزة المدهشة بشكلٍ أكيد، التي أنتجَها صنّاع أفلام كِبار مثل مارتن سكورسيزي وكلينت إيستوود وسبايك لي وصوفيا كوبولا وويس أندرسون وجيم جارموش وفريدريك وايزمان وبول توماس أندرسون، كانت هناك وَفرة من الأفلام الجريئة لصنّاع أفلام شباب هم جزءٌ من حركة أفلام “مامبلكور” مع مجموعة من الممثّلين (والمصوِّرين السينمائيّين وغيرهم من الفنّانين) الذين برزوا مع ظهور تلك الأفلام.
اقتحمَ اليوم جيلُ حركة “مامبلكور”، بل وغيَّر، التيّارَ الرئيسيّ الأصيل في صناعة الأفلام. من هذا الجيل إن أردنا تسمية القليلين فحسب: غريتا غيروغ، وتيرينس نانس، وجوزفين ديكر، وأندرو بوجالسكي، وإيمي سيميتز، وباري جينكينز، وجو سوانبرغ، ولينا دونهام، وآدم درايفر، وصوفيا تاكال، وناثان سيلفر، وشين كاروث، وديفيد لواري، وكيت لين شيل، وأليكس روس بيري، وكنتوكر أودلي، ولين شيلتون، وروبرت غريني، ورونالد برونشتاین، والأخوان سافْدي. ربّما ملأتُ قائمةَ العقد كاملةً بأفلامِهم، ولكن بدافعٍ من نشر الحبّ والإقرار به، أدرجتُ فقط بعضَ أعمالِهم.
بالطبع ما هو مهمّ للغاية بالنسبة إلى الأفلام في هذا العقد يمتدّ إلى ما هو أبعد بكثير من الأفلام نفسها. أهمّ شيء هو عقد الإقرار العلنيّ بفساد القاعدة التي قام عليها قطاع السينما، بل المجتمع نفسه ككلّ، وذلك بفضل النشاطات والدعاية التي قامت بها حركات #أنا_أيضاً #MeToo و”انتهى الوقت” Time’s Up و”حياة السود مهمّة” Black Lives Matter و”جوائز الأوسكار حكرٌ على البِيض” #OscarsSoWhite، إلى جانب الاتّهامات التي طاولَت هارفي وينشتاين وغيره من الرجال في المجال الإعلاميّ. لقد بدأت تنكشّف علانيةً عمليّات التزييف وتحسين الصورة والابتذال والتهميش التي ساهمت في استمرار نظام هوليوود، وأثمرَ عواقب على بعض الجُناة.
لم تكن استجابة قطاع السينما لتلك الأنشطة البطوليّة المشبَّعة بالألم على قدر الموقف إطلاقاً. فقد اتّخذت “أكاديميّة فنون وعلوم الصور المتحرِّكة” خطواتٍ واسعة، وإن كانت قاصرة، من أجل تنويع عضويّتها (التي لا تزال تمنح “جائزةَ أوسكار لأفضل فيلم” فيلماً يقوم على فكرة المنقِذ الأبيض، مثل فيلم “الكتاب الأخضر” Green Book). يعاد إطلاق تلك الأنماط المتوسّطة الجودة ممّا يسمّى كلاسيكيّات مع نسوة يشغلن الأدوار الرئيسيّة، وغالباً بتوجيهات من الرجال وبإشراف من شركات الإنتاج العملاقة، ما يؤدّي إلى تحسين المواد الأوليّة السيّئة تدريجيّاً. تقدِّم عمليّات الإنتاج البطوليّة ثلاثَ نساءٍ يقطعن في المعركة خطواتٍ واسعة بصمتٍ، بدلاً من عدم وجود أيّ أحد، وأحياناً تضمّ ممثّلين من أعراق غير البيض، في أدوار غير تاريخيّة وغير شخصيّة. هناك استثناءات بارزة، مثل فيلم “النمر الأسود” Black Panther، الذي مع جودته يظلّ فيلماً يقدِّمه المدافعون عن النظام كأحد مبرّرات استمراره.
لكن هذا العقد شهد أيضاً، وبطرائق مدهِشة، التقاء هذَين التيّارَين من النشاط والجماليّات بأساليب أرجو أن تستمرّ في العقود المقبلة. كثير من التغييرات الجوهريّة في قطاع السينما جاءت على يد الجيل الجديد من صنّاع الأفلام، أي جيل حركة “مامبلكور”. يضع صنّاع تلك الأفلام في حركةٍ فنّيّة جريئة تلك الفرضيّةَ الجوهريّةَ التي تُبشر بتحويل التغييرات الطفيفة في المجال إلى تغييرات عميقة: ألا وهي الفكرة القائلة أنّ التجارب الشخصيّة لصنّاع الأفلام والمشاركين في الفيلم لا ينفصلان عن عمليّة إنتاج الفيلم وموضوعه ومحتواه ونمطه (ولهذه الفكرة تأثيرها أيضاً في الأفلام الوثائقيّة). لا تنفكّ ضرورة وإلحاح تنويع طبقات المخرجين عن تنويع أطياف التجارب والإلهام الفنّيّ التي يمكن لقطاع السينما تقديمها. ما يقوم به صنّاع الأفلام من التوصيفات الأوّليّة والبراعة الفنية الأصليّة والوعي الذاتيّ والأنشطة الموجّهة إلى المجموع يفتح قطاع السينما على أصوات وأفكار أكثر تنوّعاً بكثير.
تصادَفَ صعود هذا الجيل من صنّاع الأفلام مع بروز الإنتاج المستقلّ، الذي حلَّ محلَّ الاستوديوهات بالنسبة إلى الأفلام المرتبطة بالمخرجين. في الوقت ذاتِه، لم يُساعد هذا التغيُّر كثراً من صنّاع الأفلام المستقلّين الذين برزوا في سنواتٍ سابقة، والذين تُعَدّ مهاراتهم من كنوز ذلك الزمن، مع أنّ قطاع السينما تجاهَلَ مواهِبَهم. كان هذا العقد هو أيضاً العقد الذي لم يستطِع فيه كلٌّ من جولي داش، وويندل هاريس، وراشيل أموديو، وليزلي هاريس، وزينبو إيرين ديفيس، وبيلي وودبيري، تحقيقَ دور بطولةٍ ثانٍ. منذ زمنٍ طويل وجدَ سبايك لي نفسَه مستبعَداً حتّى من التمويل المستقلّ، مستخدِماً موارِدَه الخاصّة لتمويل فيلم “صيف الخطاف الأحمر”Red Hook Summer، ثم انتقلَ إلى منصّة Kickstarter (للتمويل) قبل أن يعيد ترسيخ قدمَيه، في وقتٍ كان بالفعل قد ثبَّتَ قدمَيه منذ زمن وكان ينبغي لمشاريعه أن تعَدَّ من أبرز الأعمال.
إلّا أنّ الإنتاجَ المستقلّ -بما فيه صنّاع الأفلام الجدد وأجيال الخبراء- قد أثبتَ في غالبِه أنّه مصدر تحرّر لصنّاع الأفلام. وهذا النظام هو أحد الأسباب التي جعلَت صناعة الأفلام الأميركيّة مبدعة جدّاً من الناحية الفنّيّة على مدى العقد، مع كون الكثير من تلك الأفلام يقع اقتصاديّاً على هامش إنتاجات هوليوود.
“مارفل”
لم يتوازَ عقد الإنتاجات المستقلّة مصادفةً مع عِقد صعود شركة “مارفل”، التي برزَت عامَ 2008 مع إطلاق شخصيّة “الرجل الحديديّ” Iron Man، ثم سيطرت لاحقاً على شبّاك التذاكر ومواعيد إطلاق الأفلام وشاشات المجمّعات السينمائيّة، وهي العوامل الثلاثة المهمّة في قطاع السينما والأفلام. ما يجعل ظاهرة “مارفل” مهمّةً هي أنّها سيطرت على ما يسمّى “الخطاب”، وكانت علامةً في التاريخ المهنيّ للمخرجين والممثّلين. ربّما قدَّمَت أفلامُ البطولة الخارقة نفسُها قليلاً من المتعة، وفي حالاتٍ نادرة ما هو أكثر من هذا. كان لبعضها تأثيرات مبهِجة، ولحظات من الصدى الرمزيّ، وفكاهة هزليّة، بل حتّى تشخيصات مبهِرة تتناغَم جيّداً مع الكتابات الصارخة (أو بالأحرى كتابات توني ستارك، بطل “الرجل الحديديّ”). غير أنّ لحظات المُتَعة تلك -وإن كانت سينمائيّة أصيلة- تظلّ ثانويّة بالنسبة إلى مجمَل الانطباع الذي تحاول تلك الأفلام نقله: وهو إنتاج مُدار بحرفيّة ودقّة تصل إلى درجة اللاإنسانيّة. نادراً ما تنقل أفلام البطولة الخارقة أكثرَ من ومضة من الحساسيّة الشخصيّة، وهي تكاد لا تفعل هذا من خلال لبّ الفيلم نفسه: أي الصوت والصورة؛ وإنّما تكون الأسبقيّة للشاشة الخضراء والرسوميّات الحاسوبيّة. ولهذا السبب عيّنت “مارفل” كثراً من المخرجين ذوي الحساسيّات البصريّة غير المتميّزة لإخراج أفلام البطولة الخارقة، فدورهم في الإخراج سينصبّ أساساً على أفعال الممثّلين، أمّا “الجوانب البصريّة” فيُعهَد بها إلى التقنيّين والمتخصّصين. ولهذا السبب أيضاً تُعد أفلام “مارفل”، إجمَالاً، في طريقها إلى الأفول.
أبدى كثر من النقّاد حسرتَهم على ما آلَت إليه بعض الاتجاهات الأخرى في هذا العقد، وهي اتجاهات لا تنفَكّ عن سابقتها: فنظراً إلى أن شركات الإنتاج العملاقة اتجهت إلى إنتاج أفلام البطولة الخارقة وأفلام الأطفال وسلاسل الأفلام وغير ذلك من العروض المتنوّعة المنمَّقة، توقّفَ صنّاع الأفلام عن إنتاج ما يُسمَّى “الدراما المتوسطة المدى للبالغين” (أو في واقع الأمر، قلّلوا الدعم المُقدَّم لها بشكل كبير). وأجد أن هذه الشكوى في غير محلّها: فهناك أفلام جيّدة ومهمّة كثيرة يتم إنتاجها، وغالباً ليس من قِبَل تلك الاستوديوهات، لكن من قِبَل المنتجين المستقلّين، ومن قِبَل خدمات البثّ والفيديو بحسب الطلب أيضاً. وفي الوقت نفسه سيطرت المسلسلات التلفزيونية التي تتّسم بالجِدّيّة على مكانة هذه الفئة في الاتجاه السائد، وباستثناء عدد قليل منها فقط، فجميعها تنطوي على الخصائص ذاتها تقريباً: فما هي إلا منظومات لعرض السيناريوات تنقصها الأصالة الإخراجية الواضحة أو القدرة على الإبداع.
عندما كانت شركات الإنتاج العملاقة هي الخيار الوحيد المتاح، توجَّه إليها المخرجون بتواضع، مدركين تماماً أنه مع وجود ميزانيات كبيرة مهدَّدة بالضياع، يجب أن يطغى على أفلامهم الطابع التجاري. بيد أن أفضل تلك الأفلام على الإطلاق لم تُحقّق رواجاً تجارياً (ومن أبرز الأمثلة على ذلك: فيلم “ملك الكوميديا” The King of Comedy من إخراج مارتن سكورسيزي عام 1983، والذي وصلَت تكلفة إنتاجه 19 مليون دولار، ولم يُحقّق إيراداً سوى 2.5 مليون دولار في شباك التذاكر). ونتيجة لذلك تعرَّضَت للخطر المسيراتُ المهنية لأفضل المخرجين، وغالباً ما واجهت عثرات جمة، بل الأدهى من ذلك أنّ بعضَهم توقّف تماماً عن العمل.
في الوقت الراهن، نادراً ما تُقدِم شركات الإنتاج العملاقة على إنتاج مثل هذه الأفلام الطموحة التي تحمل مضامينَ جوهريّةً، بل يقتصر معظم إنتاجها على المنتجين المستقلّين، فضلاً عن أن إنتاجها يقوم على ميزانيات منخفضة، لا متوسطة. ولكن في المقابل تمتّع المخرجون بقدر كبير من الحرية أكثر من قَبل في صناعة الأفلام بمنأى عن الانحرافات والابتذالات التي يفرضها النفوذ الذي يتمتّع به المسؤولون التنفيذيّون في تلك الشركات. وصار صنّاع الأفلام أنفسُهم، ورؤاهم الشخصية، هي ما يروِّج له هؤلاء المنتجون المستقّلون. نتيجةً لذلك، استطاعوا صناعةَ أفلامٍ على النحو الذي يرونه مناسباً، وهذا هو سبب وجود الكثير من الأفلام الأميركية ضمن قائمة العِقد، أكثر مما توقّعتُ خلال إعدادها.
في الوقت نفسه، وبينما تمتّع المخرجون بقدرٍ أكبر من الحرية مكّنَهم من التعبير عن أنفسهم، فإنّ ذلك ينطبق أيضاً على شركات الإنتاج العملاقة. فمن خلال التركيز على إنتاج سلاسل الأفلام وأفلام البطولة الخارقة، صارت هذه الاستوديوهات الآن أقرب ما يكون إلى مجرد آلات نقود سافرة، مثلما كانت تُتّهَم دوماً، فضلاً عن أن الأعمال الفنية العظيمة ذات الميزانيات الضخمة التي اعتادت إنتاجها من حين إلى آخر تناقضَت مع ظاهرها. فقد كشفَت تلك الشركات عن حقيقتها بطريقة مُخيفة لكنها مناسبة، لتوازيها مع ما حدث في هذا العقد من كشف الأقنعة السياسية على المستوى الوطنيّ. وتماماً مثلما تحرر “الحزب الجمهوري” في عهد دونالد ترامب، ليُظهِر علانية هُويّته الحقيقيّة التي حاول إخفاءَها طيلةَ نصف القرن الماضي، وهي أنه حزب عنصريّ متحيز للأشخاص ذوي البشرة البيضاء، فقد تحرَّرت هوليوود أيضاً من خلال ترسيخ ثقافة فرعية قائمة على إثارة الحماس تجاه شخصية البطل الخارق وسلاسل الأفلام، لتَحيدَ بذلك عن التزامها ببذل الجهد في سبيل صناعة أفلام سينمائية تتمتع بقدر كبير من الأهمية والتميُّز واستحقاق الصدارة. وأصبحت شركات الإنتاج العملاقة في معظم الأحيان تلاحق غايتها التجارية وتبيع أوهامَها بلا خجل.
الأدهى من ذلك أنّ إدارة ترامب تبذل جهوداً سافرة مماثلة لدعم شركات الإنتاج العملاقة وسحق معارضة المنتجين وعارضي الأفلام المستقلين، من خلال التحرك لإلغاء الحكم المصيري المُتعلق بمكافحة الاحتكار، الصادر عام 1948، الذي أفضى حينها إلى ظهور المنتجين وعارضي الأفلام المستقلين (وفيضٍ واسع من صناعة الأفلام القائمة على الإبداع). سنعود لمناقشة الآثار المترتبة على هذا التلاعب والاحتيال بعد عشرة أعوام من الآن.
ماذا عن السياسة؟
ومع ذلك، يُعَدّ التأثير السياسي الذي تشهده عملية إنتاج وتوزيع أفلام هوليوود ضئيلاً بالمقارنة مع الاضطهاد الذي يحدث في أماكن أخرى، بما في ذلك اعتقال وسَجن صنّاع الأفلام في إيران وروسيا، فضلاً عن القمع الذي تمارسه الصين للقضاء على المشهد السينمائي المستقل الذي شهد نجاحاً وبروزاً كبيراً في السابق. ووفقَ ما ذكرت ريبيكا ديفيس في مقال لها في مجلة “فارايتي”، فإنّ ما يُنتظر أن يظهر تباعاً في الصين هو “الأفلام التي تتّسم بأسلوب مستقل، وتطغَى على مظهرها ملامح الاستقلاليّ، مع كَونِها تُموَّل من قِبل شركات الإنتاج العملاقة، وتخضع للنظام الرقابيّ الصارم في الصين”.
بيد أن انتشار دور السينما -واستيراد أفلام هوليوود- في الصين، إضافةً إلى استثمار المنتجين الصينيين في هوليوود، يُبشّر بحدوث تحوُّل خطير آخر. إذ لا يقتصر الأمر على أن صناعَ الأفلام الصينيين غيرُ قادرين على إنتاج أفلام صادقة تتناوَل المجتمع الصيني، بل إن شركات الإنتاج الأميركية أيضاً لا ترغَب في المجازفة وإثارة استياء السلطات الصينية (لا يُعرَض أي فيلم هناك من دون موافقة الحكومة). ولذا من غير المتوقَّع أن تُعرَض مذبحة ساحة تيانانمن -وسياسات الإبادة الجماعية التي تنتهجها الصين حالياً في التعامل مع شعب الأويغور- في أيِّ فيلم من أفلام هوليوود قريباً. وأعتقد أن ذلك ينطبق أيضاً على ريتشارد غِير، الذي أودَى به دعمُه الحرية الثقافية للشعب التِّبْتيّ إلى إدراجه بالفعل في القائمة السوداء.
إذا لم تَسعَ شركات الإنتاج العملاقة في هوليوود إلى الحفاظ على أقل قدر من الاحترام الذي يتأتّى من صناعة الأفلام التي تؤكد القيمة المعنويّة للفرد، والتي لا تهدف من خلالها -بلا أدنى شك- إلى جَني الكثير من الأرباح، فذلك دليل على أن المسؤولين التنفيذيين المُكلَّفين بتلك المهمة غير عابئين بها على الإطلاق. والآن أصبحت خدمات البث والفيديو بحسب الطلب -وعلى رأسها “نتفليكس” و”أمازون برايم”، وهي الخدمات التي تُعَدّ المنافس الرئيسي للتوزيع المسرحيّ- هي التي تسعى إلى إثبات نفسها على أنها أكثر من مجرد عراقيل في الاقتصاد السينمائي، بل باعتبارها عنصراً مهمّاً يساهم إيجابيّاً في الوسط السينمائي.
وفي سبيل ذلك، تسعى تلك الخدمات إلى إنتاج أفلام فريدة من نوعها، لا تُقدِم شركات الإنتاج العملاقة على إنتاجها ولا تستطيع جهات الإنتاج المستقلّة الأخرى تحمُّلَ تكاليفها، مثل أفلام: “الأيرلندي” The Irishman و”قصة الزواج” Marriage Story و”تشي راك” Chi-Raq و”باترسون” Paterson و”روح الأطلنطي” Atlantics و”مانشستر باي ذا سي” Manchester by the Sea. إضافةً إلى ذلك فإنّ الكثير من أفضل الأفلام الجديدة يتم إنتاجها أو إصدارها من خلال خدمات البثّ، ما يعني أنها متاحة على نطاقٍ واسع، ولا سِيَّما للمشاهدة في المنزل، مقارنةً بالأفلام المستقلة أو الدولية التي ركّزت في ما سبق على التوزيع المسرحي. ومع ذلك يحظى قليلٌ من تلك الأفلام بالاهتمام الذي تستحقّه، وذلك لأنها لا تتلقّى غالباً القدرَ الكافي من الدعاية.
هنا يبرز دور النقّاد. فقد ساهم التحول الديموقراطي الملحوظ على مدى العقد الماضي، وتنوُّع سبل النقد السينمائي الناجمة عن النشر على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، في ظهورِ طيفٍ من الكُتّاب الذين يُعرِبون عن تقديرهم الكبير لمثل هذه الأفلام، ويدعون إلى الاهتمام بها والتعرُّف إليها. ومع ذلك، أدى هذا النشاط عبر الإنترنت أيضاً -على نحوٍ غير مقصود قد ينطوي على سوء نية- إلى ظهور انتقادات غير عادلة، الأمر الذي أثّر في تغطية الأفلام. يبدو ذلك النوعُ الخبيث من الانتقادات شديدَ الوضوح، إذ يتفاعل المعجَبون المتعصِّبون بغضبٍ يتفاوت ما بين توجيه الإهانات والافتراءات العرقية إلى التهديد بالاغتصاب والقتل، حين تُذَكر مساوئ الأشخاص الذين يبجِّلونهم (سواء كانوا أبطالاً خارقين أو سياسيين). وغنيٌّ عن القول أن مثل هذه الأفعال العدائية تجعل النقاد متردِّدين في التعبير عن أنفسهم بحرية، فضلاً عن أنها تستهدف الكَاتِبات والكُتاب من ذوي الأصول العرقية المختلفة.
أما النوع الآخر فغير المقصود من الانتقادات غير العادلة فهو ناتج ثانوي سلبي للشهرة، إذ لا يهيمن ذلك العدد القليل من الأفلام الضخمة الناجحة على اقتصاد صناعة السينما وحسب، بل تتزايَد أيضاً ظاهرة الشهرة (وما يرتبط بها من مشاهير) ويزداد تأثيرها في شبكة الإنترنت. ونتيجةً لذلك، يسعى المحرِّرون إلى تغطية المزيد والمزيد من تلك الظواهر الضخمة، الأمر الذي يؤدي إلى إقصاء تغطية الأفلام الأقلّ شهرةً، وإنْ كانت أكثر أهميّةً. في ذلك الوقت بالتحديد، تصبح ضرورةُ إيلاء اهتمام أكبر بهذه الأفلام أمراً بالغ الأهمية من أجل أن تحظى بالتقدير الذي تستحقّه، نظراً إلى أنها لا تلقى سوى قدرٍ ضئيل من التوزيع، وغالباً ما تكون مخفيّة على مواقع خدمات البث. يحاكي النقدُ الإلكترونيّ -بصورةٍ كبيرة- الاستقطابَ الذي تشهده صناعة الأفلام وتوزيعها، إذ تركِّز المناقشات على عدد قليل من الأفلام التي سيَثبُت على الأرجح أنها أفلام تافهة في تاريخ السينما، في حين أنها تطغى -في وقت صدورِها- على الأفلام المهمّة التي ستظل خالدة لاحقاً.
هنا يأتي دورُ هذه القائمة. فقد كانت محاولةُ انتقاء الأفلام من أعلى القوائم السنوية للأفلام المفضلة لديَّ على مدى العقد الماضي مملّةً وغيرَ دقيقة. فعند إعادة النظر في الأفلام التي شاهدتها خلال هذا العقد، وجدت أن بعض أولوياتي وشغفي قد تغيَّر، وانقسم في اتجاهَين متعاكسَين: نحو الشعور الفريد بالخبرة الذي يبثّه ويصوغه صانعو الأفلام، ونحو الشعور بالأصالة وإمعان التفكير في طبيعة السينما وإعادة تشكيلها على هذا النحو. وجدت أيضاً أن هناك مخرجين سينمائيين عظماء ومهمّين مثل غيرهم ممن تضمنتهم هذه القائمة، ولكن مجموع أعمالهم الإبداعية يفوق أيّ فيلم فردي قاموا بإخراجه (نذكر منهم بدايةً: تيرينس ماليك، وهونغ سانغ سو، وآفا دوفيرناي، وجو سوانبرغ، وروبرت غرين، وجيمس غراي، والراحلتين شانتال أكرمان وأنييس فاردا).
نستعرض معاً أفضل 27 فيلماً
نستعرض معاً أفضل 27 فيلماً -ولم أستطع تقليص العدد أكثر من ذلك- بحسب ترتيبها العددي (ومع ذلك، باستثناء الأفلام القليلة الأولى، فهذا الترتيب ينطوي على قدر من التخمين، وتعكس خصائصه رغبة محددة في اللحظة التي انتهيت فيها من إعداد هذا المقال). تضم تلك القائمة عن قصد فيلماً واحداً فقط من إنتاج عام 2019، وقريباً سأستعرض الأفلام التي صدرت هذا العام بمزيد من التفصيل.
“ذئب وول ستريت” (2013) The Wolf of Wall Street، مارتن سكورسيزي
“مادلين مادلين” (2018) Madeline’s Madeline، جوزفين ديكر
“اخرُج” (2017) Get Out، جوردان بيل
“الفيل الذي يجلس ساكناً” (2017) An Elephant Sitting Still، هو بو
“هل تساءلت عمن أطلق النار؟” (2018) Did You Wonder Who Fired the Gun، ترافيس ويلكيرسون
“المستقبل” (2011) The Future، ميرندا جولي
“مارغريت” (2011) Margaret، كينيث لونيرغان
“فندق بودابست الكبير” (2014) The Grand Budapest Hotel، ويس أندرسون
“مكان ما” (2010) Somewhere، صوفيا كوبولا
“لي كينكوين” (2015) Li’l Quinquin، برونو دومون
“فيلم الاشتراكية” (2011) Film Socialisme، جان-لوك غودار
“تبسيط مُفرِط لجمالها” (2013) An Oversimplification of Her Beauty، تيرانسي نانسي
“هولي موتورز” (2012) Holy Motors، ليوس كاراكس
“الغيبوبة” (2016) Coma، سارة فتاحي
“صيف الخطاف الأحمر” (2012) Red Hook Summer، سبايك لي
“زاما” (2018) Zama، لوكريثيا مارتيل
“ضوء القمر” (2016) Moonlight، باري جينكينز
“مُهرِّب المخدرات” (2018) The Mule، كلينت إيستوود
“لقد بَدَا كأنه حب” (2014) It Felt Like Love، إليزا هيتمان
“آخر الظالمين” (2014) The Last of the Unjust، كلود لانزمان
“في جاكسون هايتس” (2015) In Jackson Heights، فريدريك وايزمان
“قصة شبح” (2017) A Ghost Story، ديفيد لوري
“الرجل الصارخ” (2011) A Screaming Man، محمد الصالح هارون
“الشغف الهادئ” (2017) A Quiet Passion، تيرينس ديفيز
“تاكسي” (2015) Taxi، جعفر بناهي
“دع ضوء الشمس يدخل” (2018) Let the Sunshine In، كلير دينيس
“كرة القدم اللانهائية” (2018) Infinite Football، مارسيلا أورسو
هذه المقال مترجم عن newyorker.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي
درج