مشاهد من بلاد مستباحة/ بسام يوسف
المشهد الأول:
حديث مع رجل أعمال سوري:
ما يحدث لا يصدق.
ما هو الذي لا يصدق؟
كل ما يحصل غير معقول، ولا يمكنك أبداً أن تفهم ما يدور.
لم أفهم شيئاً حتى الآن.
حسناً، سأشرح لك، هل سمعت يوماً عن “سياسة مالية تنفذها جهات أمنية وجنائية”، أو هل سمعت يوماً عن “اقتصاد يدار بقرارات جوهرها العقوبات والسجن”؛ إذ نُطلب للاجتماع مع الحكومة بما أننا رجال أعمال، وعلى أننا أشخاص وطنيون وحريصون على الوطن، لكننا أثناء الاجتماع لا نسمع إلا لغة الأوامر والتهديد والوعيد، ثم نخرج من الاجتماع ونحن نردد التوجيهات؛ لكي نحفظ ما يجب علينا تنفيذه فقط… إذاً، أي مال هذا الذي سيعمل في هكذا أجواء…؟!
وأي اقتصاد هذا الذي سينمو تحت رحمة بوط وأوامر؟
والحل؟
لا أدري … ربما لم يبق أي حل.
المشهد الثاني:
حديث مع شاب سوري:
تعاقدوا معي على ألف دولار، بينما تعاقدوا مع أخي على 800 دولار فقط.
من الذي تعاقد معك؟
الروس… الروس هم من تعاقدوا معي، كنت ممن بقوا في “دوما”، ولأنني بلا عمل ومطلوب للجيش؛ فقد قبلت أن أتعاقد مع الروس للقتال في ليبيا.
ما هي مدة العقد، وهل هناك شروط أخرى في العقد؟
لا أعرف بالضبط ماذا يحوي العقد، ما أعرفه أنني سأقبض ألف دولار عن كل شهر، وأني سأقبض شهراً مقدماً قبل سفري إلى ليبيا، وأني سأبقى ثلاثة أشهر متواصلة، ثم أعود شهراً إجازة. كنت مطلوباً للخدمة في الجيش، الآن تم إلغاء قرار سحبي إلى الجيش، ولم أعد مطلوباً للحواجز، هنا قد أموت، وهناك قد أموت، لكنني هنا أقاتل ب 60 دولاراً، بينما هناك أقاتل ب 1000 دولار.
ولماذا كان عقد أخيك 800 دولار فقط؟
لأن أخي خرج من دوما وذهب إلى إدلب، هناك تعاقد مع الأتراك، الأتراك لا يعطون إلا 800 دولار.
في هذه الحالة قد تتواجه أنت وأخوك في ليبيا، وقد يقتل أحدكم الآخر.
يصمت، ثم يطرق رأسه، وعندما
السيد ابن السيد الرئيس الحالي، وحفيد السيد الرئيس السابق، يتواضع، ويزور بشكل مفاجئ مدرسة تحمل اسم شخص، قد كان سيداً أيضاً، وكان سيصبح السيد الرئيس؛ لولا أن صباحاً جميلاً قد أودى به إلى غير رجعة
يرفعه أرى الدمع في عينيه.
الله يذل اللي ذلنا، مارح قول غير هيك.
المشهد الثالث:
زيارة تاريخية مفاجئة.
السيد ابن السيد الرئيس الحالي، وحفيد السيد الرئيس السابق، يتواضع، ويزور بشكل مفاجئ مدرسة تحمل اسم شخص، قد كان سيداً أيضاً، وكان سيصبح السيد الرئيس؛ لولا أن صباحاً جميلاً قد أودى به إلى غير رجعة.
مدير المدرسة الذي استنفر مدرسته بكل ما فيها، واستنفر هيئتها التدريسية كاملة، واستنفر الطلاب كافة، بنين وبنات، قد كان بالغ السعادة بهذه الزيارة؛ حتى أنه كتب عنها، كما لو أنها اللحظة النادرة المعجزة في عمر هذه المدرسة، وكما لو أنها المفصل المهم في تاريخها، وستبقى؛ لأن المعنى عاقر قبلها وعاقر بعدها.
ومع ذلك، وعلى الرغم من ذلك: هل لهذا الزائر أي صفة علمية، أو أي صفة أدبية، أو أي صفة رسمية؛ لكي يكون لزيارته هذه الأهمية كلها؟
لا، فهو لا يزال طالباً.
هل له صفة رسمية تخوله القيام بهذه الزيارة، وتعطيها كل هذه الأهمية؟
لا، ليس له صفة رسمية، لكنه ابن السيد الرئيس!
لكن هذه ليست صفة رسمية، ولا تعطي أي أهمية للزيارة.
يفتح عينيه مندهشاً، ويتأتئ مستغرباً… ويجيل النظر فيمن حوله حذراً:
هل أنت أحمق! أقول لك إنه: ابن السيد الرئيس، وتقول لي: إن هذه ليست صفة رسمية، ولا تعطي أدنى أهمية للزيارة…! إذاً، كيف تكون الصفة الرسمية، ومن أين تأتي الأهمية إن لم تأت من هذا!! وهل بعد هذا بعد!!
وأنت من تكون حتى تقرر أهمية هذه الزيارة، وتقرر وقف التعليم، وتحشد المدرسين لاستقبال هذا الزائر؟! ثم تقرر ما هو القبل وما هو البعد؟!
تزداد دهشته… ثم فجأة ينفجر قهقهة مدوية:
– ألم أقل لك إنك أحمق! أنا المدير! ألست المدير!! إذا لم أكن المدير، فمن أكون!! من أنا!!
المشهد الرابع:
اتصال خارجي.
(الاتصال منقول بالحرف)
…
….
يا مووو وين كنتِ، شغلتيلي بالي إلي عشر ساعات بدقلك.
وين بدي كون يا ابني، والله ما تحركت من البيت، ليش وين فيك تروح، والله البرد بيقص البسمار… بس كانت الكهرباء مقطوعة، وما في نت.
مقطوعة من عشر ساعات؟
أي والله، إلها مقطوعة 14 ساعة.
الله يكون معكم، وكيف عم تتدفي؟
دفا شو يا ابني!! مازوت ما في لشغل صوبية المازوت، وصوبية الغاز اللي جبتها بناء على نصيحتك كمان ما في غاز لشغلها.
يا أمي قلتلك دبري مازوت أو غاز، حتى من السوق السودا، وشو ما كان السعر.
يا ابني، والله نحنا مو قد السوق السودا، والله جرة الغاز بـ 15 ألفاً ولتر المازوت رح يوصل 500… هلق صارت السوق السودا لناس وناس، نحنا هالمعترين بدنا ننتظر هالبطاقة الغبية، بنت الكلب، أو يبعتولنا رسالة، وبعدها منروح منستلم الجرة.
وكيف عم تتدفي؟
والله بضل ادعيلك… بقول بيني وبين حالي أنت أفهم واحد بولادي.
خير… لتكوني بدك تتمسخري علي؟
لا والله، بس والله جبت صوبة حطب، وركبتها بدل صوبة المازوت، شو بلاقي حطب بحرق، وإذا ما لاقيت بروح ع مكتبتك، والله لولا مكتبتك يمكن كنت متت من البرد.
عم تحرقي الكتب؟!
أي والله… صرت حارقة نص مكتبتك… يا ابني، وشو نفع الكتب يعيوني أنت!
أي نعم! بالله، حياتك أهم من كل الكتب…
المشهد الخامس:
المشهد الأخير تقوله اليونيسيف:
عدد الأطفال النازحين في سوريا تجاوز 300 ألف طفل منذ بداية كانون الأول الماضي.
وحسب اليونيسيف، فإن هناك مليوناً ومئتي ألف طفل سوري هم بحاجة ماسة للطعام والشراب والدواء.
وفي الأسبوعين الماضيين فقط أجبرت الحرب
لا ينتبه الأب الذي يغذ خطاه في الليل والعتمة والثلج أن طفلته التي ترتجف من البرد ويحملها على كتفه، ويحدثها بكل ما يستطيع من حنان ودفء؛ ليصل بها إلى المشفى… لا ينتبه أنها ماتت.
ما يزيد على 6500 طفل على الفرار يومياً.
وفي العام الماضي قتل ما يزيد على 900 طفل، معظمهم من شمال غرب سوريا، والأطفال هم الذين يدفعون الثمن الأعلى في هذه الحرب.
اليونيسيف تناشد الأطراف جميعها وقف القتال فوراً؛ هناك ضرورة ملحة لإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية إلى الأطفال المحتاجين.
المشهد الأخير.
لا ينتبه الأب الذي يغذ خطاه في الليل والعتمة والثلج أن طفلته التي ترتجف من البرد ويحملها على كتفه، ويحدثها بكل ما يستطيع من حنان ودفء؛ ليصل بها إلى المشفى… لا ينتبه أنها ماتت.
وفي المشفى … يخبرونه… أنها ماتت منذ ساعة.
تلفزيون سوريا