الإسلاميون الخاطفون للثورة: هل حانت ساعة العدالة؟/ هنادي زحلوط
إذا كان من الممكن أن يصنّف الشعب السوري الثائر أعداءه، فإنّ الإسلاميين يحتلون المرتبة الثانية بكل تأكيد، بعد نظام الأسد، وربما ينازعونه المرتبة الأولى مناصفة في الحقد، والرغبة بالنيل من حلم السوريين بالعيش بحرية وكرامة.
كان العام الأول من عمر الثورة السورية زاخراً بإبداعٍ سلمي منقطع النظير، لطالما حاول نظام الأسد حرفه باتجاه السلاح، فيما كان الإسلاميون وعبر منابر عدّة يحاولون حرفه باتجاه الطائفية والتعصب القومي.
كان حلم السوريين بالمساواة، كما بالحرية والكرامة يقضّ مضجع هاتين السلطتين المستبدّتين _النظام والمتدينين، مدعي الإسلام_ فكانوا يرون في مدنيّة شعارات الثورة وطموح السوريين لصناعة فضاء عام مشترك بينهم، تحدّياً لهاتين السلطتين الفاسدتين.
غير إنّ خطر الإسلاميين كان أكبر من خطر النظام، فقد عرّفوا أنفسهم على أنّهم جزء من الثورة، وبأنّ عدوّهم هو هذا النظام، فيما كانوا يعملون طوال الوقت ضد الثورة، وخدمة للنظام.
استغلّ الإسلاميون حاجة الناس مرات، وقهرهم دوماً، ليدسّوا بشعاراتهم وأدعيتهم، ساحبين من التداول شعارات ثورتنا العظيمة، في محاولة حثيثة لطمسها وحصارها.
تلوّن هذا الخطر الإسلامي الذي أمسك بتلابيب الثورة، فتارة كان داعش، ومرات النصرة، وفي مرات كان لجيوش ثورية، كجيش الإسلام، وهيئة تحرير الشام، و التي دخلت لاحقا لتكون ما سمي زوراً “الجيش الوطني”.
فأيّ وطنية يستطيع جيش الإسلام على سبيل المثال ادّعاءها، وعن أي قيم إسلامية يتحدث دعاته حين يقومون بتهديد ناشطات انضممن لمنطقة ثائرة تحت الحصار هي دوما، فهددوهنَّ، ثم اختطفوهنَّ، والحديث هنا نعم، عن رزان زيتونة وسميرة الخليل، اللتين غُيّبتا من قبل جيش الإسلام مع رفاقهم وائل الحمادة، وناظم حمادي.
تلك كانت البداية فقط، جريمة بهذا الحجم أتبعت بكثير من الهمجية والعنجهية بالتعامل مع سكان دوما عبر احتكار ممرات الغذاء والدواء الموصلة لها، اقتصّوا خلالها من كلّ من حاول أن يعترض على ظلمهم، بل ودخلوا في حروب جانبيّة مع باقي فصائل الجيش الحر.
وامتداد للنهج ذاته كانت داعش تطبق خناقها على الرقة وترغم سكانها على فكر موحد وزيّ موحّد، وقامعة معذبة لكل نشطاء الرقة من مدنيين وإعلاميين وحقوقيين، كل ذلك كان يتمّ تحت راية الدين وتغييب كامل لراية الثورة وكل قيمها التعددية والسلمية، وانفتاحها على الآخر في الوطن.
ذاقت كفرنبل من كأس الإسلاميين ذاته، ومن خلفها كل ريف إدلب، سراقب، والمعرة وغيرها، فتمّ تدمير تمثال أبي العلاء، رمز الحكمة والعلم من قبل دعاة الظلام والجهل، وطاردت قوى الظلام ذاتها حيطان سراقب التي بنيت للحرية ورفعت كلمتها، وكان اغتيال خالد العيسى، ويد الغدر التي امتدّت لتغتال ناجي الجرف، الخال الذي مدّ يده للإعلاميين السوريين صحفيين ومواطنين، وفضح جرائم داعش، اليد القذرة ذاتها لاحقت بسكاكينها رائد الفارس وحمود الجنيد إلى أن غيّبهما العام الفائت الموت في جريمة اغتيال وحشيّة يعرف أهالي كفرنبل مرتكبيها جيداً.
الخطّ الغادر امتدّ مكملاً مسيره صوب عفرين ليحتلّ بيوتها وزيتونها بعد أن باع غوطة دمشق وتاجر بدماء سكانها، ولم يكُ تحطيم تمثال كاوا الحدّاد رمز التحرر لدى القومية الكردية سوى ضرب للمشروع الوطني السوري، كما كانت الفتنة المزروعة في عفرين.
حتّى أتانا أمس خبر محاولة اغتيال المقاتل الشرس سهيل أبو التاو، الذي استمات في الدفاع عن ريف إدلب مقاوماً لقصفه، مشهد اكتمل منذ حين لكل مراقب، ثورة اختطفت وعذبت وشرب دماءها إسلاميون باعوا المقاتلين لتركيا وسواها من اللاعبين الإقليميين، على حساب المشروع الثوري الوطني، الذي حلم به وعمل له كل سوريّ حرّ.
ربما تكون استعادة الثورة السورية تبدأ بمحاسبة هؤلاء، وإعادة الحقوق لأهلها، من أبناء الغوطة والرقة وريف إدلب، كما لأبناء عفرين وزارعي زيتونها وسقاته.
ليفانت