حوارات تناولت قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين متجدد باستمرار
============================
—————————–
برهان غليون متحدثاً حول قضايا الساعة: “سيزر”، السويداء، الأكراد وخيارات نظام الأسد
شهدت الساحة السورية في الأسابيع والأيام الماضية، تحريكا للعديد من الملفات بعد أشهر من الجمود، وسط توقعات بتغيرات، وربما اختراقات، قد تشهدها عدة المسائل مرتبطة بالقضية السورية. صحيفة “جسر” حاورت المفكر السوري، الدكتور برهان غليون، واستطلعت رأيه وتصوراته بخصوص هذه الملفات التي تشغل بال غالبية المهتمين والمتابعين للشأن السوري.
شهدت الساحة السورية في الأسابيع والأيام الماضية، تحريكاً للعديد من الملفات بعد أشهر من الجمود، وسط توقعات بتغيرات، وربما اختراقات، قد تشهدها عدة مسائل مرتبطة بالقضية السورية. صحيفة “جسر” حاورت المفكر السوري، الدكتور برهان غليون، واستطلعت رأيه وتصوراته بخصوص هذه الملفات التي تشغل بال غالبية المهتمين والمتابعين للشأن السوري.
المفكر السوري برهان غليون
ـ نبدأ بالوضع الأكثر إلحاحاً، وهو الانهيار الاقتصادي في مجمل سوريا، خاصة المناطق الواقعة تحت سيطرة نظام الأسد، وذلك على الرغم من عدم البدء بتنفيذ قانون قيصر، ما هو السياق التاريخي لهذا الانهيار، وما هو أفقه السياسي وعقابيله الاجتماعية المحتملة؟
من الواضح ان قانون قيصر جاء بعد تسع سنوات من محاولات المجتمع الدولي اليائسة لوضع حد للمأساة السورية وبدء مرحلة جديدة تنهي الحكم الدموي لبشار الأسد وبطانته المافيوية. والهدف منه وضع الأسد، الرافض دائما للخروج من السلطة، بعد أن دمر فرص أي حل وسط، أمام خيارين: البدء بترتيب رحيله مع الممثل الشخصي لبوتين، الذي عين في منصب ما يشبه الوصاية على قاصر، أو التردد والإنتظار حتى يسقط تحت ضربات أقدام وأحذية الجائعين والمشردين، في بلد جفت فيه كلّ منابع الحياة والأمل. وما نشهده اليوم هو جزء تمهيدي من مفاعيل أو تفاعلات قانون قيصر، أي هو من آثار الاعلان عن بداية تطبيقه القريبة. وربما ينهار الوضع الاقتصادي تماما وتخرج الناس إلى الشوارع مطالبة برحيل “بطل” هذه المأساة الدموية، غير المسبوقة في التاريخ قبل أن يصار إلى تطبيقه عمليا. وكل ذلك، أي ما نعيشه ونشهده الآن، يقع في إطار انهاء اسطورة الأسد السوداوية، ونظامه الكابوسي.
ـ انطلقت في السويداء مؤخراً حركة احتجاجية، عالية السقف، كيف تنظر إلى الظاهرة في سياقها السوري، وفي سياق ما سعى إليه النظام من خلال اصطناع “حلف الأقليات”، وما توقعاتك المستقبلية حيال هذا الحراك، وتحركات أخرى قد تنشأ على خلفية تدهور الوضع الداخلي في سوريا؟
قلت في أحاديث سابقة إن الثورة قد انتصرت في الوقت ذاته الذي نجحت فيه في الاستمرار وتحدي نظام القهر الأسدي، لأن نزول الشعب إلى الساحات والشوارع كان لوحده، بصرف النظر عما حصل فيما بعد وما يمكن أن يحصل، تجسيدا لإنكسار سيف الترويع والإرهاب، الذي اقام عليه الأسد سلطته، من خارج السياسة وبدفنها. بمعنى آخر كانت الثورة وتظاهرات المخاض الذي اعلن عن ولادة الشعب كقوة مستقلة وحرة وقادرة على الفعل. ومنذ ذلك الوقت، ولدت السياسة المغتالة من جديد، وتغيرت معادلة القوة، ولم تعد هناك سلطة مطلقة واحدة، تفرض إرادتها بقوة السلاح وأجهزة القمع، وإنما برزت في مواجهتها قوة جديدة ثانية غيرت قواعد اللعبة السياسية الى الأبد. منذ الآن تشكل الاحتجاجات الشعبية والتظاهرات والمسيرات لغة الشعب السياسية الأولى والأساسية في مواجهة اي سلطة، وللتعبير عن إرادته الحرة التي قامت الديكتاتورية الدموية على إلغائها. وهذه هي في الواقع، حتى الآن على الأقل، هي الثمرة الوحيدة الناضجة للربيع العربي بأكمله. دخول الشعب إلى المسرح واكتشافه لغة السياسية، الابسط والأوضح والاقوى معا، أي التظاهرات الحاشدة، للتعبير عن إرادته الطالعة من تحت الارض. ومنذ الآن ولفترة طويلة قادمة ستكون هذه التظاهرات الجماعية والمسيرات الحاشدة، مصطلحات السياسة الأقوى تعبيراً عن التغيير الذي احدثته الثورة، وبشكل ما عن استمرارها أيضا، عبر قنوات النضالات السياسية المدوية. وعلى جميع من يتطلع إلى العمل السياسي في سورية المستقبل، وفي بلاد العرب جميعا، بعد اليوم، أن يتعلم الإنصات إلى أنغام هذه التظاهرات والحشود ووقع اقدام صناعها. فهنا تكمن السياسة، ومن هنا سيولد المستقبل. ستظل الشعوب تقاتل بأقدامها، حتى تحقيق جل مطالبها، بصرف النظر عن طبيعتها، أكانت مطالب سياسية، أو اجتماعية أو اقتصادية.
ـ وقعت مؤخراً على بيان يرفض انفراد قوات سوريا الديمقراطية بتقرير مصير ومستقبل الجزيرة السورية، من خلال اقتسام السلطة والثروات بين أحزاب كردية مختلفة، ووضع مبادئ دائمة لعملية صنع القرار، تستثنى بقية مكونات الشعب السوري، ما هي برأيك الطريقة الأفضل للتعامل مع المسألة الكردية في سوريا؟
ـ الكرد جزء لا يتجزأ من الشعب السوري، وضمهم الى مسيرة التغيير الثوري المنشود، والقادم، لا محالة مهمة رئيسية أيضا، تقع على عاتقنا وعاتق أي وطني سوري، بصرف النظر عن الخلافات التي برزت أو يمكن أن تبرز مع بعض التشكيلات السياسية الحزبية أو الحركات أو التيارات القومية المتشددة هنا وهناك. وكما أن علينا أن نتفهم تطلعات الكرد القومية عموما، أعني في سورية وغيرها من بلدان الجوار، علينا أيضا أن نصارح الكرد فيما يمكن للسوريين أن يقدموه من مساعدة لهم، وما لا يمكنهم فعله. وكما قلت في محادثاتي مع بعض ممثلي أحزابهم، إن الحل العادل للقضية الكردية العامة هو اقامة دولتهم القومية الواحدة، التي تعبر عن هويتهم وإرادتهم الجماعية.
لكن ليس بإمكان سورية والسوريين أن يجعلوا من تحقيق هذا الهدف أجندة سياسة وطنية سورية، أو أن يشاركوا فيها في الوقت الذي تتعرض سورية نفسها لانتهاك صارخ لسيادتها وتقاوم، كالعين في مواجهة المخرز، قوى الاحتلال المتعدد، وتكافح من أجل وحدتها واستقلالها وحرية شعبها. كما أنني لا أعتقد أن كرد سورية قادرين أن يحملوا عبء القضية القومية الكردية بأكملها، كما يحاول بعضهم أن يفعل الآن، لأن ذلك سيكبدهم خسائر لا طاقة لهم بها، من دون أن يكون هناك في المقابل أي أمل بتحقيق تقدم مهما كان. ما تستطيع أن تقدمه سورية الحرة، القادمة لا محالة، هو حل عادل للقضية الكردية السورية، أي لمواطنيها الكرد السوريين، سواء برفع الغبن الذي كان واقعا عليهم، كما كان عليه الحال، في الواقع، على كل سكان المحافظات الشرقية، أو بتحقيق أمانيهم في أن يكون لهم حكم محلي ذاتي في المناطق التي يشكل فيها الناطقون بالكردية أكثرية بين السكان، بحيث يمكنهم إدارة شؤونهم وتعليم لغتهم والتفاعل مع ابناء جلدتهم. وترجمة هذا الحل في سياق العمل المشترك بين جميع السوريين للخروج من المحرقة واعادة بناء سورية ديمقراطية تعددية هو أن يميز الكرد بين القضية الكردية، التي تعنى بمصير كرد سورية، وقضية الإدارة الذاتية الحالية التي تغطي مناطق واسعة، ليس ولا يمكن للكرد السوريين أن يكون لهم طموحات لضمها الى مناطقهم الذاتية. فالحل العادل الذي يضمن حقوق الكرد هو نفسه الذي ينبغي أن يضمن ايضا حقوق القوميات والجماعات الوطنية الأخرى.
بمعنى آخر مثلما يتوجب على السوريين الاعتراف بحقوق الكرد كمجموعة قومية متميزة في سورية، على الكرد السوريين أن يعترفوا أيضا بحقوق المجموعات الأخرى. وفي هذه الحالة لا يمكن اعتبار الوضع الراهن الناجم عن أزمة الدولة السورية حلا نهائيا، ينبغي تكريسه وانما هو تعبير عن سلطة امر واقع، ينتهي مفعولها حالما تستعيد سورية سيادتها، ويقرر الشعب السوري كشعب واحد مصيره، عبر مؤسساتها الشرعية التي يقرها باجتماع كلمة أطيافه القومية والدينية والمذهبية والمناطقية كافة، ويحدد شكل الدولة التي يريد انشاءها، مركزية أو شبه مركزية، أو اتحادية أو فدرالية. هذا حقه وهو صاحب قراره، ولا يمكن لأحد، جماعة او دولة أجنبية، أن ينتزعه منه، أو يتخذه مسبقا بدله. وبعبارة واحدة: مستقبل الكرد يقرره الكرد أنفسهم، أما مستقبل سورية والسوريين فحسمه من حق السوريين جميعهم.
ـ قال جيمس جيفري، المبعوث الأميركي إلى سوريا، قبل يومين من الآن، إن بلاده قدمت عرضاً لبشار الأسد للخروج من الأزمة الحالية، ماهو بتقديرك هذا العرض؟ وهل سيقبل النظام به لتخفيف عقابيل الضغط الأميركي على الشعب السوري؟
ليس لدي أي فكرة عن هذا العرض، لكنني أتوقع أنه يحمل تطمينات للأسد إذا قبل بالتخلي عن الحكم والرحيل الارادي. لكنني لا أعتقد أن الأسد يمكن أن يثق بأحد، بعد ما ارتكبه من جرائم لم يسبق لحاكم أن ارتكبها من قبل، في التاريخ. حصل أن دمرت جيوش الغزاة بلادا أجنبية لضمها إليها، لكن لم يحصل أن دمر حاكم بلاده على رؤوس سكانها. حتى المحتلين.
أعتقد أننا مقبلون على أحداث جسام، وأن ما بدأ بكارثة، أعني الحرب على الشعب للإبقاء على النظام، لن ينتهي إلا بكارثة ثانية، هذه المرة بخصوص النظام نفسه.
سيدرك العالم الذي تعامل مع بشار الأسد حسب فرضية الضغط عليه من أجل الإصلاح، ثم من أجل تعديل سياساته، أنه ليس أمام شخص قادر على المحاكمة العقلانية، والأخذ والرد وتبادل المصالح، وإنما أمام كتلة صلدة من الغرائز والأهواء، لا تترك لصاحبها إلا منطق رد الفعل والعناد والإنكار، ومع ذلك ادعو واتمنى وارجو، أن أكون مخطئا، وأن ينجح بشار في التغلب على مخاوفه وأوهامه واحقاده، ويقبل بعرض من يشاء، من الروس أو الامريكيين ويقرر أن يكتب فصل الختام بأقل ما يمكن من الدماء.
الجسر
————————–
حوار مع معاذ مصطفى المتحدث باسم فريق قيصر وعضو المنظمة السورية للطوارئ عن قرب تطبيق قانون قيصر
حوار: مصطفى النعيمي- حرية برس:
تدخل في غضون أيام حزمة العقوبات الأميركية الجديدة المعنية بحماية المدنيين السوريين والمعروفة باسم “قانون قيصر” حيز التنفيذ، والقانون هو اسم للعديد من مشاريع القوانين المقترحة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي لمعاقبة النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد ومعاونوه في ظل استمرارهم بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب السوري.
83358188 1601079280056897 748767040558333952 n – حرية برس Horrya pressمعاذ مصطفى المتحدث باسم فريق قيصر
“حرية برس” أجرى حوارا مع معاذ مصطفى المتحدث باسم فريق قيصر وعضو المنظمة السورية للطوارئ، ليجيب عن أبرز الأسئلة المتعلقة بالعقوبات المرتقبة.
* متى يبدأ تطبيق قانون قيصر وهل سيتطلب آليات تنفيذية مشروطة بموافقة مجلس الأمن حال عدم التزام النظام السوري بتطبيق مخرجاته؟
** يبدأ تطبيق قانون قيصر عبر عدة مراحل وهو بمثابة إنذار لكل شخص يفكر التعامل مع النظام السوري وإيران وروسيا وحزب الله والميليشيات الرديفة، في 17 من حزيران/ يونيو سيعلن عن أول حقيبة عقوبات والتي ستشمل بشكل أولي أشخاصاً في نظام الحكم وستطبق تلك العقوبات الولايات المتحدة والغاية من العقوبات خنق النظام كمرحلة أولية من سلة العقوبات التي ستطاله.
* هل يتضمن فرض القانون استخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد؟
** قانون قيصر يتضمن عدة بنود وأهمها سيأتي بعد التقرير الذي سيقدم للإدارة الأمريكية إلى اللجان المعنية في مجلسي النواب والشيوخ الأميركي التي تسلط الضوء على التقرير الكامل حول جدول العقوبات ومن ضمنها العسكرية المتاحة أمام الولايات المتحدة التي من الممكن أن تستخدم لحماية المدنيين.
* هناك معلومات تتحدث عن عقوبات إقتصادية ستشمل بعض أصحاب رؤوس الأموال النافذين في السلطة السورية، من تشمل؟
** نعم هنالك قائمة قد تم تحضيرها من أبرز تلك الشخصيات، على سبيل المثال لا الحصر سامر فوز ورامي مخلوف، وستشمل العقوبات الثانوية كل من يتعامل مع شخصيات في النظام السوري فرض عليها عقوبات وستشمل كبار مسؤولي النظام وسيلحق بهم أضراراً كبيرة.
* هل تشمل العقوبات الحجز على أموال النظام السوري المودعة في البنوك الدولية؟
** من الممكن أن يعاقب النظام السوري تحت هذا القانون ومن أهمها أموال النظام السوري المودعة في البنوك الدولية، فعلى سبيل المثال: أحد البنوك اللبنانية قد استلمت بعض الأموال التي تعود لبشار الأسد وهذا البنك يقدم المساعدة له ويستخدم تلك الأموال لتمويل حملته ضد الشعب السوري والأشخاص النافذين في دوائر القرار بالحكومة السورية، لكن العقوبات ستكون عبر مراحل وسيتم تقديم مقترحات جديدة للعقوبات وفقا لتطورات المشهد في سوريا وذلك عبر تقصي المعلومات وتأكيدها وتأمينها عبر وزارة الخارجية الامريكية وأخذ الموافقة من وزارة المالية وهذا سيحصل ونحن قائمين كمنظمة السورية للطوارئ وفريق قيصر والذي يضم الشاهد قيصر ومجموعته تعمل بشكل يومي على تقديم مقترحات للعقوبات ونتواصل مباشرة مع الخارجية الأمريكية، وعملنا على صياغة القانون على خمس سنوات متواصلة.
* هل ستشمل العقوبات الإقتصادية على النظام السوري تجميد أو إلغاء العملة الصعبة الدولار التي تحمل أرقام تسلسلية بحوزة النظام السوري؟
** ربما قد يشمل تجميد الأموال التي بحوزة النظام السوري لكن من الصعب إلغاؤها.
* هل هناك خطة زمنية لتطبيق القانون وماهو الوقت المتوقع للانتهاء من تطبيق الخطوات الأخيرة من القانون؟
بخصوص تطبيق القانون هناك عدة فترات زمنية لتحقيق الأهداف والانتقال من مرحلة إلى أخرى بعضها مفصل في القانون لتنفيذ بنود مختلفة في القانون، على سبيل المثال هناك بند خاص بالبنك السوري المركزي ومن الممكن أن تستخدم الولايات المتحدة القوة العسكرية لتنفيذ بنود القانون لحماية المدنيين وربما قد يستمر لعشر سنوات لتطبيقه ما لم يستجد أي إضافة على القانون، وفي حال موافقة النظام على تطبيق كافة الشروط ستؤدي إلى سقوطه وهذا القانون بمثابة وسيلة مهمة جدا وتعتبر من أكبر الأعمال التي قدمت وأكثرها أهمية لكن يجب أن نعرف كيفية توظيفه بطريقة صحيحة سياسيا وإقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا وهذا سيؤدي حتما إلى إيصال سوريا إلى بر الأمان.
* يتطلع السوريون إلى القصاص العادل من منتهكي حقوق الإنسان والتعذيب الممنهج داخل الأفرع الأمنية، ماذا يقدم قانون قيصر في هذا الشأن؟
** هناك بند من القانون يطلب من الإدارة ووزارة الخارجية الأمريكية دعم وتمويل ومساعدة أي عمل يوصل للعدالة في سوريا والمسائلة عن الجرائم المرتكبة، والقانون هو خطوة قائمة وستستمر لعشر سنوات ومن خلال الصلاحيات الممنوحة لنا خلال فترة تنفيذ القانون سنستهدف أي شخص له علاقة بممارسة التعذيب داخل المعتقلات السورية، وعلى سبيل المثال فيما لو أن أحد المحال التجارية بدمشق باعت مادة الإسمنت لفرع المخابرات الجوية ستفرض عليه عقوبات، وهي وسيلة من ممارسة أقصى الضغوط على النظام السوري والغاية منها تحرير كافة المعتقلين والمغيبين قسريا في سجون النظام وسيتم ملاحقة المتورطين بإرتكاب جرائم بحقوق المدنيين في سوريا وخارجها، وهذا يتطلب جهدا سياسيا مضاعفا لإيصال الصورة لأميركا وباقي دول العالم بضرورة تطبيق القانون ضد نظام الأسد مع الأخذ بعين الإعتبار أن النظام السوري بات ضعيفا جدا ولا بد من إنهاء نظام الحكم القائم.
* هل سيستمر تنفيذ القانون في حال ترك بشار الأسد السلطة؟
** نحن فكرنا في هذا الأمر منذ تقديم سيزر لشهادته قبل خمس سنوات أمام لجنة الشؤون الدولية لمجلس النواب الأميركي وأدلى بشهادته أيضا أمام مجلس الشيوخ الاميركي قبل عدة أشهر، قمنا بالتفكير بأمرين أولهما أن لا يلحق الضرر بالمدنيين دون الأخذ بانتماءاتهم السياسية والأمر الثاني ما هي الأمور التي من الممكن أن تحدث لوقف القانون، فيما لو ترك بشار الأسد السلطة وذهب ستتوقف كافة العقوبات عن سوريا كدولة وعمر القانون عشر سنوات لكن من الممكن إيقافه في الوقت المناسب.
* يجري الحديث عن طرح عدة مشاريع لإدارة سوريا المستقبل ضمن مجلس عسكري انتقالي مشترك لإدارة البلاد لمرحلة مابعد الأسد .. هل يمكن تطبيق هذا الطرح؟
** لا يوجد أي مشروع جدي بخصوص إدارة سوريا المستقبل وفقا للمعلومات التي أمتلكها، لكن هنالك أمر هام على العالم أن ينتبه له وعلى السوريين العمل عليه أن نظام بشار الأسد ضعيف وخائف وهذا النظام الذي كان يستخدم إرهابه على مدار 9 سنوات على الشعب السوري، الآن أصبح هو الذي يرتعب من هول المصاب الذي سيلحق به ونظامه المتهالك تجلت تلك المشاكل بين بشار ورامي مخلوف، على كل السوريين والعالم أن يعرف أن طريق النجاة لسوريا الانتقال السياسي يطيح ببشار الأسد وأعوانه ممن تلوثت أيديهم بالدم السوري ويوصله للعدالة وسوريا التي تمثل شعبها ولا توجد أي معلومات عن فرضية إنشاء مجلس عسكري انتقالي مشترك.
حرية برس
======================
تحديث 19 حزيران 2020
——————-
جلسة حوارية حول قانون قيصر تداعياته و أثاره على النظام السوري وحلفائه -1-
جلسة حوارية حول قانون قيصر تداعياته و أثاره على النظام السوري وحلفائه -2-
=========================
========================
تحديث 20 حزيران 2020
————————-
قانون قيصر يغير معالم سوريا في خطوة نحو تحقيق العدالة المنشودة
————————————–
مقابلة مع الاقتصادي السوري- الدولي سمير العيطة حول تداعيات قيصر الاقتصادية
زيد العظم: (كلنا شركاء)
في دردشة مع رجل السياسة والاقتصاد المحنك سمير العيطة لمعرفة وجهة نظره حول قانون قيصر الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على النظام السوري للقبول بالقرار الدولي 2254………
رأى العيطة بأن قانون قيصر هو قانون سياسي بالدرجة الأولى بميكانيك اقتصادي للضغط على سوريا.
لكنّ هدفه السياسيّ ليس واضحاً في ظلّ مشهد هيئة التفاوض السوريّة اليوم وغياب حوار حقيقيّ أمريكي روسي حول مستقبل سوريا ووحدة أراضيها.
نصّ البند الأوّل في قانون قيصر يشترط بناء علاقات سلام مع جميع دول الجوار، والمقصود هو اسرائيل. أضف أنّ آليّاته ستؤدّي إلى أمور كاستبدال الليرة السورية بالليرة التركية في الشمال الغربي وبالدولار في الشمال الشرقي ما يدفع للتقسيم.
كما اعتبر العيطة، بأن أهم مايميز قانون قيصر عن سلسلة العقوبات الأمريكية التي فرضت على سوريا منذ عام 1979 وعيى غيرها من الدول، هي شمولها للأطراف الثالثة، أي أيّة دولة أو مؤسسة غير سورية تتعامل مع أيّة مؤسسة سورية, حتّى التي لم تسمّى الأمس. وهذه سابقة تاريخيّة. إذ أنّ شركة صينيّة أو هندية ستتخوّف من أن يصدر اسم من تتعامل معه في قائمة معاقبين قادمة وستوقف احترازياً هذا التعامل. وهي أوقفت فعلاً حتى قبل أن تصدر الأسماء.
الجميع سيتوّقف عن التعامل حتّى مع القطاع الخاص السوري، ما يمكن أن يؤديّ إلى كارثة معيشيّة للمواطنين وليس فعلأً إلى اسقاط نظام. وبما أنّ العقوبات الأحادية الجانب هي شكل جديد من أشكال الحروب التي تشنها دولة قوية على دولة أخرى أضعف منها، ما تدينه الجمعيّة العامّ’ للأمم المتحدة، المستهدف الأساسي هو دول الجوار أي لبنان والاردن والعراق ومصر، الأضعف من روسيا والصين. خاصّة لبنان الغارق في أزمته، إمّا أن يقطع علاقاته مع سوريا أو يطال قيصر مؤسساته العامّة والخاصّة.
وليس صحيحاً أنّ العقوبات لا تطال الغذاء والدواء في سوريا. لقد انهار الأمن الغذائي في سوريا حتى قبل قيصر لأنّه دون نفط لا تعمل محطات ضخ، ودون الضخ لا يمكن ريّ المحاصيل, ودون ريّ لا مردود زراعي.
سوريا اليوم عادت لتعتمد على المطر، ويكفي سنة جفاف حتّى يموت الناس جوعاً. والصناعة الدوائية التي كانت تلبي 80% من احتياجات السوريين لم تقم إلاّ عبر تصدير جزء من انتاجها إلى دول أخرى. ما توقف وأصبح ميزان الدواء في سوريا سلبيّاً منذ عقوبات 2011.
وعندما تضيف الولايات المتحدة قيصر على العقوبات السابقة هذا يعني أنّها تريد أن تسرع من حصول الكارثة المعيشية، في حين أضحى أغلب سكان سوريا تحت خطّ الفقر. وما سينتج عن ذلك هو فوضى… في سوريا وكذلك في لبنان. حتّى الأوروبيوّن أخذوا موقفاً ضد قيصر، راجع صحيفة لوموند البارحة، رغم أنّها الأكثر معارضة لبشار الأسد وهي التي وثقت استخدام الكيماوي. ولكن قيصر سيطالهم حتّى لو رؤوا أنّ العقوبات ستضرّ الشعب السوري ويجب أن يخففوا تلك التي يفرضونها.
—————————-
============================
=========================
تحديث 30 حزيران 2020
——————————
ممثل السياسة الخارجية والأمنية الأوروبي جوزيف بوريل: النظام مسؤول عن معاناة السوريين… والتطبيع رهن تنفيذ 2254 يؤكد على دعم الحوار الأميركي ـ الروسي
لندن: إبراهيم حميدي أعرب جوزيف بوريل الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي في حديث إلى «الشرق الأوسط» أمس، عن أمله بتقديم الجهات والدول المشاركة في مؤتمر بروكسل للمانحين الذي يعقد اليوم، التزامات توازي ما كان في العام الماضي وقدرها حوالي ستة مليارات يورو، لافتا إلى أن الأوروبيين قدموا حوالي 20 مليار يورو إلى سوريا والدول المجاورة منذ 2011. وقال بوريل، الذي يشغل أيضا نائب رئيس المفوضية منذ تسلمه منصبه نهاية العام الماضي خلفا لفيدريكا موغريني، إنه «لم تتم دعوة النظام السوري أو المعارضة السورية» إلى المؤتمر على غرار السنوات السابقة، مضيفا «ربما تجري إعادة النظر في هذه المسألة فقط، وشرط انطلاق العملية السياسية بكل جدية وخطوات ثابتة، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة على النحو المتصور لها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254». وأشار إلى «ترحيب الاتحاد الأوروبي بمشاركة الاتحاد الروسي في المؤتمر». وأوضح ردا على سؤال أن «العقوبات الاقتصادية» الصادرة عن الاتحاد الأوروبي «تستهدف في المقام الأول الشخصيات والكيانات التي تواصل دعم وإسناد القمع والنظام السوري، وتوفر لهم التمويل أو تستفيد من اقتصاد الحرب»، مؤكدا أنها «لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك الدعم الحيوي واللازم الخاص بكارثة وباء (كورونا) في الآونة الراهنة»، مضيفا «يتحمل النظام السوري الحاكم المسؤولية عن الأزمات الإنسانية، والاقتصادية، والصحية التي تشهدها سوريا، وليست العقوبات الاقتصادية». وأشار بوريل إلى أن قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي تضم حاليا 273 شخصية و70 كيانا بـ«هدف ممارسة الضغوط على النظام السوري لوقف أعمال القمع، والتفاوض بشأن التسوية السلمية الدائمة للأزمة السورية بموجب القرار الدولي 2254 تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة». وزاد: «من دون تغيير واضح في سلوك والتزام جاد وبناء وحقيقي بشأن العملية السياسية، فإن العقوبات ستبقى مفروضة»، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي «سيشارك في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي حقيقي وثابت بموجب 2254». وهنا نص الحديث الذي أجرته «الشرق الأوسط» عن بعد وتناول أيضا الحوار الروسي – الأميركي و«الانتخابات السورية»، عشية مؤتمر بروكسل اليوم: > ما الذي تتوقعونه من مؤتمر المانحين في بروكسل المقرر انعقاده اليوم 30 يونيو (حزيران) الجاري؟ وكيف يختلف هذا المؤتمر عن مؤتمرات الجهات المانحة السابقة؟ – دخلت سوريا عامها العاشر من الحرب. وعلى مدار الأعوام التسعة الماضية، كان على نصف سكان البلاد النزوح من منازلهم. وتوفي أكثر من نصف مليون سوري. ولدينا جيل كامل من الأطفال السوريين الذين لم يعرفوا سوى الحرب. وجميعهم يستحقون مستقبلا أفضل ينعمون فيه بالسلام. وإننا نعتبر مؤتمر بروكسل المقبل من الأدوات الأكثر فاعلية في جذب انتباه العالم والمحافظة على اهتمامه بالحاجة الماسة إلى حل هذا النزاع المستمر ومواصلة تعبئة المجتمع الدولي بشأن الحل السياسي على النحو الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، وهذه الطريقة هي السبيل الوحيد لاستعادة السلام والاستقرار إلى السوريين. وإن المؤتمر المقبل، سيكون الحدث الأهم في العام 2020 من حيث التعهدات لأجل سوريا والمنطقة بأسرها، ومن حيث التعامل مع الاحتياجات بالغة الأهمية التي تمخضت عنها الأزمة الراهنة، لكنه يتجاوز مجرد كونه مؤتمرا اعتياديا للجهات المانحة، إذ إنه يتعلق بمواصلة الدعم، على المحاور السياسية والمالية، للبلدان والشعوب المجاورة لسوريا، الذين أظهروا قدرا كبيرا واستثنائيا من التضامن مع اللاجئين السوريين النازحين قسرا من ديارهم. والمؤتمر، أيضا تحول إلى فرصة سانحة وفريدة من نوعها بالنسبة إلى المجتمع المدني السوري بغية الدخول في حوار مفتوح ومباشر مع مجتمع الجهات المانحة ومع البلدان المضيفة للاجئين السوريين. لم نتمكن من حشد الناس بصورة شخصية ومباشرة خلال العام الحالي، لكننا استطعنا ترتيب أسبوعا من الفعاليات المهمة، حيث تمكن الشباب السوري، والنساء السوريات، فضلا عن منظمات المجتمع المدني المختلفة من التفاعل والتشارك فيما بينها مع مختلف مكونات المجتمع الدولي. وهذا من الأمور بالغة الأهمية، ليس لأنهم يمثلون الأصوات الحقيقية الناطقة باسم الشعب السوري فحسب، وإنما لأنهم يحملون في طيات أنفسهم المفتاح في مستقبل أفضل لسوريا. > يأتي مؤتمر هذه السنة في وقت هناك أزمة اقتصادية و«كورونا» في سوريا؟ – هناك جملة من العوامل التي تثير المخاوف بشأن مؤتمر العام الحالي. ومن بينها التدهور الخطير للغاية في الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في البلاد، والهجوم العسكري الأخير الذي شنه النظام السوري وداعموه، وتدمير وانهيار البنية التحتية المدنية في البلاد، فضلا عن كارثة وباء «كورونا» المستجد التي اجتاحت البلاد ولا تزال. هذه كلها من العوامل التي تزيد من تفاقم الظروف المعيشية بالنسبة للمواطنين السوريين. لقد فاض بهم الكيل بالفعل. وبالتشارك الفعال مع منظمة الأمم المتحدة، التي تضطلع بدور حاسم وحيوي وكبير، فإننا لا ندخر جهدا في الوقوف إلى جانبهم والعمل على تحقيق آمالهم وأحلامهم في مستقبل أكثر سلاما وإشراقا. > قدمت الجهات المانحة في مؤتمر العام الماضي مساعدات مالية بقيمة بلغت 6.2 مليار يورو. هل تعتقدون أنه يمكن تأمين نفس التعهدات في مؤتمر العام الحالي؟ وهل بإمكانكم الاستجابة لنداءات منظمة الأمم المتحدة من أجل المساعدات الإنسانية؟ – من المستحيل قبل المؤتمر، تقديم رقم محتمل بشأن التعهدات المالية من جانب الجهات المانحة خلال مؤتمر العام الحالي. كما أن المبالغ المالية الملتزم بها تتغير حتما من عام إلى آخر، ذلك حسب المقاربات المعتمدة لدى الجهات المانحة. لكننا، على غرار كل عام، يحدونا طموح كبير في دعم وإسناد الشعب السوري والمجتمعات المضيفة للاجئين السوريين في البلدان المجاورة. وإننا جميعا نواصل العمل سويا، وليس أقلها التفاعل المستمر مع الرئيس المشارك من الأمم المتحدة، ذلك بهدف ضمان أن المواطنين السوريين في كافة أنحاء سوريا، فضلا عن اللاجئين النازحين إلى بلدان الجوار في الأردن، ولبنان، وتركيا، يحصلون جميعا على الدعم والحماية المناسبة من المجتمع الدولي على مدى السنة القادمة بأكملها. وهذا هو أقل ما يمكن أن يتوقعوه، وأقل ما يمكننا القيام به لأجلهم. > ماذا عن الاتحاد الأوروبي؟ – بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، لقد قدمنا أكثر من 20 مليار يورو منذ بداية الأزمة السورية في صورة المساعدات الإنسانية، والاستقرار، والتنمية، والمساعدات الاقتصادية المختلفة. وإننا نُعتبر أكبر الجهات المانحة بالنسبة إلى الشعب السوري، من واقع ثُلثي الأموال التي جرى إنفاقها في مساعدة الشعب السوري والبلدان المجاورة لسوريا التي جاءت من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء. وسنواصل الاضطلاع بدورنا في هذا المسار. ومما يُضاف إلى الأزمة الإنسانية والاقتصادية غير المسبوقة، وكافة المآسي والمعاناة التي يكابدها الشعب السوري، فإن السوريين يعانون في الآونة الراهنة أيضا من عواقب وباء «كورونا». ومن شأن المؤتمر، أن يتطرق إلى هذه المسألة المهمة والملحة ضمن جدول الأعمال. وفي الاتحاد الأوروبي، لقد عملنا على تهيئة المساعدات الحالية كي تتسق وفق الاستجابة المطلوبة لهذه التحديات الجديدة والإضافية، فضلا عن العمل الجاد والمستمر لضمان وصول المعدات المنقذة للحياة إلى المحتاجين لها في سوريا. > لماذا لم توجه الدعوة إلى الحكومة السورية لحضور مؤتمر؟ – على غرار ما خبرناه في مؤتمرات بروكسل الماضية ذات الصلة بالشأن السوري، لم تتم دعوة النظام السوري أو المعارضة السورية. وربما تجري إعادة النظر في هذه المسألة فقط وشرط انطلاق العملية السياسية بكل جدية وخطوات ثابتة، بما في ذلك إجراء انتخابات حرة ونزيهة على النحو المتصور لها بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. ونص قرار مجلس الأمن بكل وضوح على أن «الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبل سوريا». وهذه ليست من كلمات المجاملات اللطيفة من زاوية الاتحاد الأوروبي، بل إنها البوصلة التي تحدد اتجاهات مساراتنا إزاء القضية. ولا يحق لأحد أن يأخذ مستقبل سوريا رهينة. ولأجل هذا السبب، فإننا نضمن المساهمات ذات الفائدة مع المشاركة الكبيرة والفعالة من جانب المجتمع المدني السوري، استمرارا مع المشاورات المكثفة عبر الإنترنت في سوريا وفي المنطقة قبل عقد المؤتمر. كما جرى ترتيب أيام من الحوار بصورة افتراضية في تاريخ 22 و23 يونيو الجاري، وكانت تتألف من مناقشات بين المجتمع المدني، والوزراء، وصناع القرار السياسي من البلدان المضيفة للاجئين، ومن الاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمم المتحدة، وغير ذلك من الشركاء الدوليين المعنيين. ومن شأن هذه الإسهامات الجادة، أن تندرج ضمن الاجتماع الوزاري الخاص بالمؤتمر في 30 يونيو، إذ إننا نعتبر المجتمع المدني السوري، وعمال الإغاثة على أرض الواقع، والمنظمات النسائية والشبابية السورية، الممثلين الحقيقيين لمستقبل البلاد. > كيف تفسرون المشاركة الروسية في المؤتمر المقبل رغم انتقاد موسكو المعلن لعدم توجيه الدعوة إلى الحكومة السورية؟ – على غرار ما تقدم في السنوات الماضية، جرى توجيه الدعوة إلى كافة أعضاء المجتمع الدولي ممن يملكون النفوذ القائم والتأثير الواضح في مجريات النزاع السوري الراهن، وممن أعربوا عن رغبتهم في دعم الجهود الدبلوماسية، اتساقا على نحو كامل مع قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالقضية. وعلى هذا النحو، يرحب الاتحاد الأوروبي بمشاركة الاتحاد الروسي في المؤتمر المقبل. > يأتي المؤتمر المقبل إثر تجديد الاتحاد الأوروبي لحزمة العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، ومع بدء دخول «قانون قيصر» الأميركي في حيز التنفيذ الفعلي. فهل لذلك من تأثير يُذكر على مجريات المؤتمر؟ – إن من بين الأهداف الرئيسية لمؤتمر بروكسل القادم هو إجماع المجتمع الدولي وراء العملية السياسية التي تهيئ منظمة الأمم المتحدة الأجواء لأجلها تحت قيادة سورية واضحة. الضغوط الدولية الممارسة على دمشق (ترمي) للضغط عليها للمشاركة الكاملة والصادقة في إطار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، الأمر الذي نحاوله راهنا من خلال حزمة العقوبات المفروضة، التي هي بالطبع جزء من هذه الجهود (الضغوط). > أعلنت الحكومتان الروسية والسورية أن هذه العقوبات الاقتصادية من شأنها إلحاق الأضرار بتدفقات المساعدات الإنسانية والطبية إلى البلاد، فما هو ردكم على ذلك؟ – ليست العقوبات الاقتصادية الصادرة عن الاتحاد الأوروبي بالأمر الجديد ولا هي موجهة لاستهداف المدنيين في سوريا. بل إنها تستهدف في المقام الأول الشخصيات والكيانات التي تواصل دعم وإسناد القمع والنظام السوري، وتوفر لهم التمويل أو تستفيد من اقتصاد الحرب. والعقوبات الاقتصادية الأوروبية مصممة بحيث إنها لا تعيق وصول المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك الدعم الحيوي واللازم الخاص بكارثة وباء «كورونا» في الآونة الراهنة. ولا تحظر العقوبات الأوروبية تصدير المواد الغذائية أو الأدوية أو المعدات الطبية. وحتى بالنسبة إلى السلع ذات الاستخدام المزدوج التي من الممكن أن تحمل قدرا من المخاطر، مثل المواد الكيماوية الضرورية في الاستخدامات الدوائية، فهناك قدر متصور من الاستثناءات ذات الصلة بالأغراض الإنسانية. > لكن دمشق حملت العقوبات مسؤولية المعاناة. من يتحمل المسؤولية؟ – لقد كان الاتحاد الأوروبي – ولا يزال – أكبر الجهات المانحة على الصعيد الإنساني للأزمة السورية، مع جمع أكثر من 20 مليار يورو لهذه الأغراض منذ عام 2011 وحتى اليوم. وطوال كل هذه السنوات، وصل دعمنا الحيوي والمهم إلى الشعب السوري. يتحمل النظام السوري الحاكم المسؤولية عن الأزمات الإنسانية، والاقتصادية، والصحية التي تشهدها سوريا، وليست العقوبات الاقتصادية. بل على العكس من ذلك، يرجع كل الفضل إلى المساعدات الدولية، إذ لا يزال من الممكن توفير خدمات الرعاية الصحية، أو الغذاء، أو التعليم، أو الحماية للأشخاص المعوزين في داخل سوريا. كما يمكنني أن أضيف أيضا، أن النشاط التجاري ما زال مستمرا طوال فترة الحرب الماضية بين الاتحاد الأوروبي وبين سوريا. ولم يفرض الاتحاد الأوروبي أي نوع من أنواع الحظر أو الحصار على سوريا طيلة تلك الفترة. > ما الشروط التي يمكن للاتحاد الأوروبي بموجبها رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق؟ – دخلت عقوبات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بسوريا حيز التنفيذ الفعلي اعتبارا من 9 مايو (أيار) في العام 2011 ردا على أعمال القمع العنيفة التي مارسها النظام السوري ضد شعبه، بما في ذلك انتهاكات حقوق الإنسان، واستخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين السلميين، وانتشار واستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب السوري. ولم تفرض العقوبات ببساطة، وإنما كانت نتيجة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب المحتملة، والجرائم ضد الإنسانية، والتي ينبغي أن تؤخذ في الحسبان. > هناك قائمة طويلة من العقوبات؟ – تضم قائمة العقوبات الخاصة بالاتحاد الأوروبي حاليا 273 شخصية و70 كيانا. والهدف المقصود من وراء هذه التدابير هو ممارسة الضغوط على النظام السوري لوقف أعمال القمع، والتفاوض بشأن التسوية السلمية الدائمة للأزمة السورية بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة. من دون تغيير واضح في سلوك والتزام جاد وبناء وحقيقي بشأن العملية السياسية، فإن العقوبات ستبقى (مفروضة)، إذ إنها تُعتبر جزءا أصيلا لا يتجزأ من منهج الاتحاد الأوروبي الأوسع نطاقا إزاء الأزمة السورية. كما أن العقوبات محل المراجعة المستمرة من جانبنا بغية تقدير ما يتمخض عنها – ضمن أمور أخرى – من آثار وتطورات على أرض الواقع. > ربط الاتحاد الأوروبي سابقاً أي مساهمة في إعادة إعمار سوريا بنجاح العملية السياسية هناك. ما موقفكم الحالي من إعمار سوريا؟ – كان موقف الاتحاد الأوروبي – وما زال – واضحا للغاية في هذا الشأن. الأوروبيون على استعداد تام لدعم مستقبل الشعب السوري ومساعدتهم في إعادة إعمار بلادهم، لكن هناك معايير لانخراط الاتحاد الأوروبي في ذلك. سيُشارك الاتحاد الأوروبي في إعادة إعمار سوريا فقط عندما يكون هناك انتقال سياسي حقيقي وثابت بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، فإذا لم يكن الأمر على هذا النحو، فمن شأن كافة الجهود المبذولة على هذا المسار أن تذهب هباء. إذ تستلزم إعادة الإعمار توفر الحد الأدنى من شروط الاستقرار، والحوكمة، والمساءلة العامة، والتمثيل في السلطات الحاكمة. ولا تتوافر حالياً أي من هذه المعايير لدى سوريا. > إذن، المساهمة تنتظر هذه المعايير؟ – لا يمكن على الإطلاق استثمار دعم الاتحاد الأوروبي لإعادة الإعمار في سوريا، في سياق من شأنه تأجيج عدم المساواة وما سواه من المظالم التي كانت موجودة قبل الحرب ولا تؤدي إلى المصالحة وبناء السلام والاستقرار. ولا تقتصر جهود إعادة الإعمار على مجرد إعادة بناء البنية التحتية والإسكان في البلاد – وإنما هي تتعلق باستعادة وصون النسيج الاجتماعي داخل سوريا، وإعادة بناء الثقة، مع تهيئة الظروف والأجواء التي من شأنها التخفيف أو الحيلولة دون تكرار أعمال العنف، فضلا عن الاستجابة للمظالم التي أطلقت شرارة النزاع في المقام الأول. ويستحق الشعب السوري أن يعيش في بلد يشعر فيه بالأمان، والحماية من قبل قضاء محايد، وتحت سيادة القانون، وحيث يمكن ضمان الكرامة الإنسانية. > تشارك الأمم المتحدة في رئاسة المؤتمر. فما موقفكم بشأن جهود غير بيدرسن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا؟ – موقفنا لا يزال على حاله من أنه فقط الحل السياسي الذي يتحقق ضمن إطار مفاوضات جنيف برعاية منظمة الأمم المتحدة هو الذي من شأنه ضمان المستقبل السلمي لسوريا. وإننا نؤيد بالكامل أعمال الأمم المتحدة وجهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة، السيد غير بيدرسن، في هذا الصدد. هذا، ويهدف مؤتمر بروكسل المقبل أيضا إلى حشد المجتمع الدولي وراء جهود الأمم المتحدة بغية التقدم في الحل السياسي. ومن شأن المؤتمر أيضا أن يدعم ويؤيد دعوات الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريس، والمبعوث الخاص، السيد غير بيدرسن، من أجل وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني في سوريا، مع إطلاق سراح المعتقلين، لا سيما في ضوء جائحة فيروس «كورونا» الراهنة. الحوار الاميركي – الروسي < أعلن الجانب الروسي استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة بغرض التوصل إلى حل سياسي في سوريا. فما موقفكم من الحوار الأميركي – الروسي بشأن القضية السورية؟ – أي تقدم يُحرز في مسار الوصول إلى حل سياسي للنزاع السوري، هو موضع ترحيب من قبلنا. إننا نصر ونؤكد على أنه لا تنبغي المساومة بشأن مبادئ محددة. وتساند كل من روسيا والولايات المتحدة الأميركية قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وأي حل يُطرح للصراع السوري لا بد أن يتسق مع هذا القرار. بالنسبة إلينا في الاتحاد الأوروبي، لا يمكن أن يكون هناك تطبيع للعلاقات مع النظام السوري، ومن ثم، لا يوجد التزام من جانبنا بتوفير التمويل الدولي لإعادة الإعمار، حتى يكون هناك انخراط حقيقي في عملية سياسية صادقة وشاملة وجامعة (تمثيلية). كذلك، لا يمكن للمجتمع الدولي دعم عودة اللاجئين إلى سوريا إلا بشرط ضمان سلامتهم، وكرامتهم، وأن تكون العودة من جانبهم طوعية غير قسرية. < هل تعتقدون أن صفقة أميركية – روسية حول سوريا ستكون كافية؟ وكيف ترون ملامح هذه الصفقة؟ – مرة أخرى أقول إن الشعب السوري وحده هو من يقرر مستقبل سوريا، وهذا بالضبط ما ينص عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، ولا بد للمفاوضات السياسية بشأن مستقبل سوريا أن تكون ملكا للسوريين وتحت القيادة السورية. ولقد أعلنت الولايات المتحدة وروسيا، بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، عن دعم وإسناد العملية السياسية الحقيقية والشاملة والجامعة (التمثيلية)، على النحو المقرر والمنصوص عليه في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254. < توجد لدى سوريا، في الآونة الراهنة، ثلاث مناطق من النفوذ: في شمال شرقي البلاد، وفي شمال غربي البلاد، وفي بقية أرجاء البلاد. فهل يملك الاتحاد الأوروبي نفس الرؤية فيما يتعلق بهذه المناطق الثلاث؟ – الاتحاد الأوروبي لن يتراجع أو يتردد فيما يتعلق بالتزامه بشأن السيادة الكاملة، ووحدة الأراضي السورية وسلامتها. أما الترتيبات الدقيقة للحوكمة في سوريا، فهي مسألة يتخذ السوريون القرار فيها. < ماذا عن الانتخابات الرئاسية السورية التي ستعقد في العام 2021 كيف ترون هذا الأمر؟ – الانتخابات ذات المغزى في سوريا، هي فقط تلك التي تُجرى على أساس دستور سوري جديد، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2254، ومن شأن تلك الانتخابات أن تكون بمثابة فصل افتتاحي جديد بالنسبة للبلد وشعبه. < لكن هناك انتخابات ستجري؟ – إذا ما أُجريت الانتخابات من قبل ذلك (ما ذكر سابقا)، فإنني أحض النظام السوري على أن يظهر التزامه بالانفتاح السياسي الحقيقي والأصيل، من خلال التأكد، على سبيل المثال، من إتاحة الانتخابات إلى كافة فئات الشعب السوري، بما في ذلك أولئك الموجودين في خارج البلاد، وأن تتسم الانتخابات بالحرية والنزاهة المطلوبة. ومع ذلك، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقوم ذلك مقام الحاجة الماسة إلى الانخراط الحقيقي في العملية السياسية مع التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. < كيف ترون سوريا بعد مرور عام من الآن؟ – أما بالنسبة إلى كيف ستبدو سوريا في عام من الآن، فإن هذا يتوقف بالأساس على مدى التزام النظام السوري بتنفيذ قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على اعتبار أنه السبيل الوحيد والمقبول للمضي قدما. وليس ذلك لفائدتنا، أو لمصلحة داعميه (النظام)، وإنما هو لصالح جميع السوريين.
الشرق الأوسط
———————————-
جوزيف ضاهر يتحدث عن تداعيات الدمار وعن العوامل المتعددة التي تسببت بانهيار الاقتصاد السوري.
مايكل يونغ
جوزيف ضاهر أستاذ في جامعة لوزان في سويسرا وأستاذ مشارك بدوام جزئي في المعهد الجامعي الأوروبي في فلورنسا في إيطاليا حيث يعمل على مشروع “زمن الحرب ومرحلة مابعد النزاع في سورية”. ضاهر حائز على دكتوراه في دراسات التنمية من كلية الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن في العام 2015، وعلى دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة لوزان في العام 2018. هو مؤلّف كتاب Syria After the Uprisings: The Political Economy of State Resilience (سورية بعد الانتفاضات: الاقتصاد السياسي لقدرة مرونة الدولة) (منشورات بلوتو وهاي ماركت، 2019) وكتابHezbollah: The Political Economy of Lebanon’s Party of God (حزب الله: الاقتصاد السياسي لحزب الله اللبناني) (منشورات بلوتو، 2016). هو أيضاً مؤسّس مدوّنة “سوريا الحرية للأبد”.
أجرت ديوان مقابلة مع ضاهر في منتصف حزيران/يونيو لمناقشة انهيار الاقتصاد السوري وتأثيرات قانون قيصر الأميركي الذي ينص على فرض عقوبات على نظام الأسد وشبكاته، وعلى الجهات المتعاونة معه.
مايكل يونغ: ما الأسباب الرئيسة لانهيار الاقتصاد السوري؟ جوزيف ضاهر: إضافةً إلى تداعيات الحرب ومانتج عنها من دمار، تُعتبر أسباب انهيار الاقتصاد السوري بنيوية وجذورها أكثر ارتباطاً بالوضع الراهن. يعكس التدهور الشديد في قيمة الليرة السورية، من نواحٍ عدة، الدمار الذي لحق بالاقتصاد السوري. بصورة عامة، تراجعت إيرادات الحكومة السورية إلى حد كبير في الأعوام القليلة الماضية. أولاً، تكبّدت الصناعة النفطية والقطاع السياحي، اللذان كانا يُعتبَران مصدرَين أساسيين لتدفق العملات الأجنبية قبل انتفاضة 2011، خسائر فادحة. ثانياً، الاستثمارات الخارجية المباشرة التي بلغ مجموعها أكثر من 8 مليارات دولار بين عامَي 2005 و2011، توقّفت بعد العام 2011، ما فاقم تدهور قيمة العملة السورية. أخيراً، أدّى الدمار الواسع في قطاعَي الصناعة والزراعة إلى تبدُّد الإمكانيات الإنتاجية المحلية وتراجع حجم الصادرات، فخسرت البلاد مصدر الإيرادات هذا واضطُرَّت إلى زيادة وارداتها لتلبية الطلب المحلي. فضلاً عن ذلك، ليس لدى سورية راهناً سوى وسائل محدودة للوصول إلى الأسواق الخارجية، على الرغم من إعادة فتح معبر نصيب الحدودي مع الأردن في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2018 ومعبر البوكمال مع العراق في الأول من تشرين الأول/أكتوبر 2019. وقد ظلّ الميزان التجاربي سلبياً إلى حد كبير، ما أدّى إلى تهافت مستمر على شراء الدولار، ولاسيما في السوق السوداء، وأفضى إلى زيادة الضغوط على الليرة السورية. لكذلك، تُعزى بعض النتائج المباشرة أكثر إلى الأزمة المالية اللبنانية. فطوال فترة الحرب، شهدت سورية هروباً للرساميل على نطاق واسع، وربما وصل حجم الأموال التي خرجت من البلاد إلى مليارات الدولارات. يصعب تحديد المبالغ نظراً إلى وجود رؤوس أموال سورية خارج إطار المنظومة المصرفية النظامية منذ ماقبل اندلاع الحرب. وفي هذا الصدد، ساهمت الأزمة اللبنانية منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 في زيادة تدهور قيمة الليرة السورية، خصوصاً بعدما فرضت المصارف اللبنانية قيوداً شديدة على الحصول على الدولار وسحوباته. ونظراً إلى العقوبات التي فرضها الغرب على سورية، اعتمد رجال الأعمال والتجّار السوريون على لبنان المجاور ومنظومته المصرفية لمواصلة أنشطتهم الاقتصادية، ولاسيما التجارة والتهريب. أخيراً، وبعد دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ في 17 حزيران/يونيو، باتت البلدان أكثر إحجاماً عن التعامل مع كل ما له علاقة بسورية، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفاقمت العقوبات المعمّمة، بما في ذلك قانون قيصر (خلافاً للعقوبات التي استهدفت جهات قمعية محددة في سورية) الصعوبات الاقتصادية. تُعدّ آفاق تحقيق عائدات وأرباح سريعة ومتوسطة المدى من الاستثمار في سورية محدودة جدّاً في الوقت الراهن لأسباب سياسية واقتصادية، ما لا يولّد أي حوافز لإطلاق مشاريع استثمارية، سواء من داخل البلاد أو خارجها. يونغ: ما النتائج المحتملة لقانون قيصر الذي يفرض عقوبات على الحكومة السورية ومَن يتعامل معها؟ ضاهر: خلافاً للمزاعم التي تتكرّر بصورة شبه يومية على ألسنة المسؤولين في الحكومة السورية، ليست العقوبات ومايُسمّى بـ”المتآمرين الخارجيين” الأسباب الرئيسة للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد. فنظام الأسد هو المسؤول الأساسي عن هذا الوضع جرّاء السياسات الاقتصادية التي انتهجها والدمار الذي تسبّب به خلال الحرب، إلى جانب حليفتَيه روسيا وإيران. في الوقت نفسه، وفي حين أن من المهم إعادة التأكيد على دور النظام السوري، لابد لنا أيضاً من الإقرار بأن قانون قيصر والعقوبات العامة قد تساهم ربما – لا بل على الأرجح – في تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية في سورية. وهذا قد يؤدّي إلى مزيد من الإفقار لبعض الشرائح السكانية، ويضع عائقاً إضافياً أمام التعافي الاقتصادي. على سبيل المثال، لاتمتلك سورية كميات كافية من النفط والغاز للاستهلاك المحلي. على ضوء ذلك، فإن فرض عقوبات على أي كيان يدعم توسيع إنتاج البلاد للنفط والغاز، وعرقلة الاستيراد، سوف يتسببان بمزيد من النقص في هذين الموردَين وفي ارتفاع أسعارهما. وسوف تنجم عن ذلك تداعيات وخيمة على المواطنين السوريين العاديين، إضافةً إلى ارتفاع التكاليف الإنتاجية للصناعة والزراعة، نظراً إلى أن القطاعَين يعتمدان إلى حد كبير على النفط والغاز. تبعاً لذلك، سوف يكون لزيادة العقوبات الواسعة والعامة من خلال قانون قيصر أثرٌ كبير على تعافي هذين القطاعَين اللذين سبق أن استهدفتهما عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. تُطبَّق إعفاءات إنسانية بموجب العقوبات الراهنة. ولكن نظراً إلى غياب الوضوح، تفضّل المصارف الراغبة في تفادي المخاطر، وشركات التأمين والشحن، إضافةً إلى تجّار السلع المخصّصة لغايات إنسانية، عدم التعامل مع أي شخص أو جهة على ارتباط بسورية. علاوةً على ذلك، ولّدت أنظمة العقوبات المتداخلة قدراً كبيراً من الشكوك والالتباس على مستوى الامتثال، بحيث إن المصارف والمصدِّرين وشركات النقل والتأمين رفضت رفضاً شبه تام القيام بالأعمال في سورية – بما في ذلك مع المنظمات غير الحكومية، المحلية والدولية على السواء، التي تقدّم المساعدات للمدنيين السوريين. وسوف يؤدّي قانون قيصر إلى زيادة هذا التوجّس من التعامل مع سورية. في الوقت نفسه، ما من مؤشّرات على أن هذه العقوبات ستدفع الحكومة السورية إلى التفاوض أو تقديم تنازلات في المسائل السياسية، حتى لو كان لها تأثير حاد على إمكاناتها الاقتصادية والسياسية. ولكن هذا لايمنع رأسماليو المحسوبية و شبكات رجال العمل مرتبطة مع النظام من الاستمرار في الإفادة من الاتفاقات الاقتصادية مع السلطات ومن الخصخصة في إطار السياسات النيوليبرالية التي تزداد رسوخاً، وفي ممارسة نفوذهم أو تعزيزه من خلال توسيع السوق السوداء والتهريب، مايؤدّي إلى إحكام سيطرتهم على الاقتصاد باطّراد. تاريخياً، نادراً مانجحت العقوبات في تغيير سلوك الدولة، ولاسيما أنه في هذه الحالة لن تتوقف روسيا وإيران عن دعم النظام السوري. يونغ: كيف ترَوْن مستقبل العلاقات الاقتصادية السورية-اللبنانية عقب الأزمة المالية اللبنانية، وعلى ضوء قانون قيصر؟ ضاهر: مستقبل العلاقات الاقتصادية السورية-اللبنانية مبهم. صحيحٌ أن لبنان وسيط مهم لسورية في مجالات التجارة والتهريب والمال، لكن جميع هذه العناصر مهدّدة اليوم. فقد أثّرت الأزمة الاقتصادية اللبنانية والقيود التي فرضتها المصارف اللبنانية على حركة رؤوس الأموال، بشكل سلبي على الاقتصاد والأعمال السورية وعلى السوريين الذين يملكون حسابات مصرفية في لبنان. فضلاً عن ذلك، قد يتسبب قانون قيصر بمشكلات إضافية وأوسع نطاقاً، إذ قد تصبح المصارف اللبنانية أقل استعداداً بعد لقبول مودعين سوريين، خشية أن يكونوا مرتبطين بالنظام السوري أو مشاركين في عمليات متعلقة بالنظام. يجب أيضاً على القطاع المصرفي اللبناني وفروعه في سورية توخّي الحذر. فمنذ العام 2011، أصبحت المصارف اللبنانية في سورية كيانات مختلفة رسمياً عن المصارف الأم في لبنان، بحيث تتولى إدارتها شركات خاصة ومجالس إدارة مستقلة. ولكن هذه المصارف الأم لاتزال تملك أسهماً في الفروع السورية، لذا عليها توخّي الحذر في علاقاتها مع المصرف المركزي السوري المشمول بالعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر. وغالب الظن أيضاً أن قانون قيصر سيدفع الحكومة اللبنانية إلى وقف استيراد الكهرباء من سورية، في حين أن التهريب سيزداد حكماً على حساب التجارة الرسمية التي تسجّل أيضاً مستويات متدنّية نسبياً. يُشار في هذا الصدد إلى أن حجم التجارة النظامية تراجع منذ العام 2011، مقابل توسّع التجارة غير النظامية. حتى إن سورية لاترد بين البلدان العشرة الأولى في قائمة الواردات اللبنانية. أخيراً، سوف يمنع قانون قيصر الشركات الخاصة اللبنانية من الإفادة من عملية إعادة إعمار محتملة في سورية، علماً بأنها لاتزال متأخرة على مايبدو. بصورة عامة، ونظراً إلى غياب الوضوح وطبيعة العقوبات الأميركية، يمكن أن تطال العقوبات تقريباً كل جهة تبيع منتجاً ما إلى سورية – حتى لو لم يكن المنتَج مدرجاً على لائحة العقوبات أو حتى لو كان التاجر يملك ترخيصاً. لقد تجنّب كثرٌ التعامل مع سورية خوفاً من التداعيات المحتملة. يونغ: هل تستطيع روسيا وإيران، الحليفتان الأساسيتان لنظام الأسد، اتخاذ خطوات معينة لتحسين الأوضاع الاقتصادية؟ ضاهر: هما عاجزتان عملياً عن تحسين الأوضاع الاقتصادية في سورية. فكلتاهما تواجهان مشاكل اقتصادية كبيرة جدّاً في الداخل، وقد تفاقمت هذه المشاكل بسبب انهيار أسعار النفط، وتأثيرات جائحة “كوفيد 19″، والعقوبات. لقد واجهت الدولتان صعوبات متزايدة في الحفاظ على مستويات الدعم المالي والمادّي لسورية، وسيستمر الوضع على هذا المنوال. فقد عمدت إيران إلى خفض مساعداتها الاقتصادية للنظام السوري، وانخفض الريال الإيراني إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار الأميركي في منتصف حزيران/يونيو 2020، في حين أن إيرادات النفط الإيرانية بلغت فقط 7.9 مليارات دولار بين آذار/مارس 2019 وآذار/مارس 2020، بعدما كانت سجّلت رقماً قياسياً وصل إلى 105.6 مليارات دولار بين آذار/مارس 2011 وآذار/مارس 2012. لكن ذلك لن يمنع الدولتَين من مواصلة دعم نظام الأسد سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً. فسورية ترتدي أهمية كبيرة لهما على المستوى الجيوسياسي، ولن تتخلّيا عن الرئيس بشار الأسد بعد سنوات من الدعم. لقد قامت موسكو وطهران بنشر قواتهما لإنقاذ نظام الأسد وحماية مصالحهما وتعزيزها في سورية. في الوقت نفسه، ونظراً إلى انخراطهما العميق، يبدو أن مصلحتهما في بقاء النظام باتت الآن أكبر مما كانت عليه في بداية الانتفاضة. يونغ: كيف يمكن أن يؤثّر الوضع الاقتصادي السوري على مستقبل الرئيس بشار الأسد؟ ضاهر: نظراً إلى التدهور المستمر للأوضاع الاقتصادية، سوف تزداد الانتقادات الموجّهة إلى السلطة، وكذلك أشكال المعارضة المختلفة. هذا ما لمسناه من التظاهرات التي تشهدها مدينة السويداء منذ 7 حزيران/يونيو، حيث يتظاهر الناس رفضاً لتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وارتفاع كلفة المعيشة. ولكنهم رفعوا هذه المرة شعارات يهاجمون فيها الأسد مباشرةً، مطالبين إياه بالتنحي، وطالبوا كذلك برحيل إيران وروسيا. واندلعت أيضاً احتجاجات في مدينة درعا والعديد من البلدات المحيطة بها، وكذلك في بلدة جرمانا، جنوب شرق دمشق، حيث عبّر المتظاهرون عن تظلّمات مماثلة حيال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وطريقة تعاطي الحكومة السورية معها. وقد تواصلت التظاهرات في محافظة درعا، وإلى درجة معيّنة في السويداء. في غضون ذلك، أفضى الإلغاء التدريجي لمختلف البدائل السياسية والاجتماعية للنظام السوري، مقروناً بدمار قطاعات اقتصادية واسعة، إلى تعزيز دور مؤسسات الدولة باعتبارها الجهات الأساسية التي تؤمّن الخدمات وتوظّف العدد الأكبر من الأشخاص. إذًا، لا تزال شرائح واسعة من السوريين تعوّل على الدولة للحصول على الأجور أو المساعدات. لم تضع مرونة نظام الأسد على الصمود بمساعدة حلفائه الخارجيين حدّاً للمشاكل التي تواجهها دمشق. بل على النقيض، فالحكومة السورية مضطرّة لمعالجة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، غالباً من دون امتلاك الموارد الكافية للقيام بذلك. صحيحٌ أن النظام استطاع أن يضمن بقاءه نوعاً ما، مدعوماً من حلفائه الخارجيين، بيد أن قدرته على الحفاظ على هيمنة شكلية على شرائح واسعة من الشعب السوري ليست مضمونة. وهذا يولّد حالة دائمة من اللااستقرار. مركز كارنيغي للشرق الأوسط ——————————- =========================
======================
تحديث 02 حزيران 2020
—————————–
مريم الحلاّق مديرة رابطة عائلات قيصر: النضال من أجل قبر يُزار
ياسين السويحة
شكّلت «صور قيصر» صدمة قاسية للرأي العام السوري منذ بدء ظهورها قبل نحو ستة أعوام، صدمةً كان وقعها شديداً على أهالي المغيّبين قسراً في سجون النظام، لا سيما أولئك الذين تمكنوا من التعرّف على صور أحبابهم. كان بعضهم يعرفون مصير أبنائهم مسبقاً، فيما اكتشف آخرون المصاب الصاعق عبر الصور، التي نُشرت إعلامياً وتم تداولها بشكل واسع حينها، وتعود للبروز والتداول على وسائل التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى، تفاعلاً مع أحداث أو أخبار تخصّ «قيصر»، أو أوضاع السجون السورية، أو معلومات جديدة عن معتقل أو مُغيّب.
أصبح لـ «صور قيصر» موقع مهم في ملفات قضائية عديدة تعمل جهات حقوقية مختلفة على المضيّ فيها لمحاسبة النظام السوري، وشغلت موقعاً مهماً في النشاطات الباحثة عن تضييق الخناق على النظام في السنوات الأخيرة، تكللت بتسمية حزمة العقوبات الأميركية الأخيرة، الأشد حتى تاريخه، باسم «قيصر».
بدأت عائلات كثيرة لمفقودين وُجدت صورهم في تسريبات قيصر بالتواصل منذ فترة عديدة، وأفضت الرغبة بإنجاز إطار جامع لهذه العائلات، يسعى لتنسيق جهود الدعم النفسي المتبادل، والعمل على المطالبة بحقوق الضحايا وعلى صون ذاكرتهم ومكانتهم، إلى إنشاء رابطة عائلات قيصر في شباط (فبراير) 2018، وتم تسجيل الرابطة في العاصمة الألمانية برلين بشكل رسمي على إثرها. تدير السيّدة مريم الحلاّق الرابطة من مقر عملها في برلين. وكما أخبرتنا في حوارها مع الجمهورية عن الرابطة وصور قيصر والنضال من أجل المحاسبة والذاكرة، تنطلق السيدة الحلاّق من طاقة أمومتها للشهيد أيهم غزّول، لتحاول تمثيل كل الأمهات اللواتي رأتهنّ يبحثنَ عن مصير أبنائهنّ حين كانت تسعى لمعرفة أخبار أيهم خلال فترة تغييبه، وحمل صوتهنّ وصون حقوق وذاكرة كل الشهداء من ضحايا التغييب القسري والتعذيب في سجون النظام.
يُلاحظ أن أغلب الجهات التي تقدمها رابطة عائلات قيصر كشريكة في وثائقها هي منظمات ضحايا/ ناجين (مبادرة تعافي، عائلات من أجل الحرية، رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا). هل يعني هذا أن هناك عملاً على توسيع مساحة العمل والنشاط من وجهة نظر الضحايا وذويهم؟
بالضبط، رابطة عائلات قيصر هي إحدى مجموعات الضحايا السوريّة، وقد انضم مؤخراً إلينا تحالف أسر الأشخاص المختطفين لدى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فصِرنا خمس مجموعات. نحن نُعرِّفُ عن أنفسنا كروابط ضحايا، لأننا فقدنا أحداً يخصنا، أو لدينا أحد في المعتقل، أو ناجٍ من الاعتقال. نحن أصحاب قضية، وسنبقى مستمرين فيها حتى النهاية إن شاء الله.
هناك منظمات، مثل المركز السوري للإعلام وحرية التعبير (وهو يشرف على رابطتنا)، والمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، والمركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وغيرها، تعمل بشكل حقوقي ومختص، وعلى مستويات مختلفة. ونتعاون معهم ونعمل سويةً، لا سيما على مستوى رابطتنا، إذ لدينا طموح وهدف خاص في المحاسبة، ولذلك نعمل الآن على بناء ملف قضائي وإعداده بشكل متكامل، مبني على الدليل الواضح الذي تمثّله الصور التي سرّبها «قيصر» لأبنائنا وأحبائنا.
هل هناك سعي لمزيد من العمل المشترك ضمن مساحات النشاط الحقوقي من منطلق الضحايا وذويهم؟
على مستوانا نحن، المنظمات الخمسة الشريكة، نسعى لتكوين علاقات وشراكات مع جهات ذات نفوذ وقرار. نسعى مثلاً لأن نكون جزءاً من مجموعة غير بيدرسون، أو جزءاً من مجموعة العمل المعنية بالإفراج عن المعتقلين والمفقودين. ولكي نصل إلى هذا المستوى من التنسيق، لا بد من التواصل والتعاون والتلاقي مع تجمعات ضحايا أخرى.
هل لدى الرابطة علاقات وتواصل مع مجموعات ضحايا من سياقات ودول مختلفة؟
نعم، مع مجموعات من دول عديدة في أميركا الجنوبية وغيرها. على سبيل المثال، نظّم البرنامج السوري للتطوير القانوني ورشات للتواصل مع مجموعات ضحايا من عدة دول، مثل البيرو، والأرجنتين، وتشيلي. ومن جهتنا كرابطة، لدينا أيضاً علاقات مع مجموعات من كولومبيا ونيبال. نهتم بوجود هذا النوع من التواصل، ونسعى باهتمام للاستفادة من التجارب الأخرى.
كيف ترى الرابطة دورها في الشأن العام السوري، وأين تدخلاتها وتأثيراتها الممكنة في القضية السورية، وفي الجهود السياسية؟
في الوقت الحالي، وضمن الوضع الراهن ذي الملامح غير الواضحة، تركّز الرابطة على العمل على أهدافها فقط. في المستقبل، إن حصل تغيير سياسي ما، أو مرحلة انتقالية، فبالتأكيد سيكون للرابطة، ولكل مجموعات الضحايا، دور مساهم في العدالة الانتقالية، وفي المرافعة عن حقوق الضحايا وعائلاتهم. لكن هذا حديث مستقبلي. أما في المرحلة الحالية، فقد عملنا نحن مجموعات الضحايا على إعداد ميثاق يحوي رؤيتنا فيما يخص قضية المعتقلين، وقد تم العمل على هذا الميثاق على مستوىً عالٍ، واعتُمد في العمل عليه على آراء مختصين قانونيين ذوي خبرة بالقانون الدولي. وسيتم نشر الميثاق قريباً، إذ تأخر إطلاقه بسبب الظروف التي فرضتها جائحة كورونا.
الرابطة تضم الذين عرفوا مصير أبنائهم المعتقلين عبر صور قيصر، وهذا منبع رضّ وصدم. هل جرى تفكير حول كيف كان يجب أن يتم التعامل مع الصور حينها، عوضاً نشرها على العلن؟
كان لظهور صور قيصر إيجابية من حيث أنها فضحت ممارسة إجرامية، وسمحت لعدد كبير من الناس بأن يعرفوا مصير أبنائهم المعتقلين بعد غياب معلومات وغياب إمكانية الوصول إليها، لكن هذا حصل بطريقة سيئة، وفجّة للغاية. من المؤلم أن أفتح موبايلي في صباحات كثيرة وأجد صورة ابني لأن أحداً قد قرَّرَ وضعها. كان يمكن على الأقل وضع رابط يشير إلى فحواه ويدعو أصحاب الشأن للبحث فيه، كما فعلت الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي مؤخراً، لكن هذا الإجراء أتى متأخراً جداً، بعد أن كانت الصور منشورة ومنتشرة، وساهمت الجمعية ذاتها بنشر الصور، حينها عام 2015، ومؤخراً قبل فترة وجيزة.
أفهم لهفة الأهل للبحث. من المؤلم والمُحطِّم أن تعيش على أمل غير واقعي. أرى ذلك في نفسي بالمقارنة مع صديقة لي، زوجها وابنها معتقلون. بالطبع لا أقول إنني أشعر أنني مرتاحة؛ لكنني على الأقل أعرف مصير ابني، في حين تنتظر صديقتي هذه كل يوم، وكل لحظة. هكذا حال يوقف الحياة. كأم لا يمكن لابنها أن يغيب عن بالها، لكن ماذا كزوجة؟ كم تنتظر؟ تسع سنوات؟ عشر سنوات؟ أليس من حقها أن تفكر بمستقبلها؟ هناك آلاف الحالات لشابات حياتهنّ مجمّدة، أبناء ينتظرون، أملاك ومصالح… إلخ. أمور كثيرة واقفة، وقد تسير نحو وضع أفضل لو عُرِفَ مصير المعتقل المفقود. طبعاً نتمنى أن يكون الكلّ أحياء. حتى أنا، ورغم كل شيء، ورغم أنني رأيت صورة ابني، ورغم أن لدي معلومات أخرى تؤكد أنه قُتل، إلا أني أحمل أملاً دائماً، ولو واحد بالمليون، ألا يكون ما أعرفه صحيحاً. لكن بغض النظر عن ذلك، أن تمتلك معلومة ما وتتصرف على أساسها وتتحرك باتجاه وضع جديد هو ضرورة حياتية، سواء كنت أباً أم أماً أم زوجاً أو زوجة أو ابناً، أياً يكن.
لذلك، لهفة الأهالي وسعيهم للبحث ومعرفة مصير أبنائهم مفهومة بالطبع. لكن طريقة نشر الصور كانت مزعجة، مزعجة جداً. كرابطة، طلبنا مِراراً من الناس ألا يُساهموا في نشر الصور، بل سعينا لأن تكون الصور مجموعة في مكانٍ، أن يكون هناك رابط يلجأ إليه الناس، وأن تكون في متناول من يُساعد الأهالي على البحث عن أبنائهم. نحن نعمل، ويعمل آخرون على ذلك، وقد تلقينا مؤخراً حوالي 250 طلب للمساعدة، ونسعى للعمل على مساعدة الأهالي على التوثّق من مصير أبنائهم وفق ما هو موجود من صور ومن معلومات، في حالتنا عبر شخص له خبرة في التعامل مع هكذا وثائق، وليس لديه علاقة شخصية مباشرة ولا لديه مفقودون يبحث عنهم. ينبغي أن يحصل هذا دون أن يضطر أب أو أم لمشاهدة الصور والبحث فيها عن أبنائهم، ولا أن تظهر أمامهم بهذا الشكل.
كيف ترى الرابطة التعاطي الإعلامي المستمر مع صور الضحايا، لا سيما مع إعادة نشرها كل فترة وأخرى تبعاً لأخبار أو أحداث معينة، مثلما حصل قبل نحو أسبوعين؟
في الحقيقة كان التعامل الإعلامي مع الصور سيئاً، وتعاطي السوشيال ميديا خصوصاً كان بالغ السوء، وخصوصاً في موضوعين، عدم احترام مشاعر ذوي الضحايا عند تعريضهم لرؤية هكذا صور مؤلمة وقاسية في كل وقت، وفي التعاطي غير المسؤول مع تعرّفات غير دقيقة أو متعجلة على أشخاص، دون إمكانية التأكد. حصل منذ فترة أن سيدة عضوة في الرابطة وجدت أنه تم عرض الصورة الموثّق أنها لأخيها على أنها صورة لشخص آخر على وسائل التواصل الاجتماعي، ما سبب لها أذيّة نفسية كبيرة.
لقد آذى هذا التعامل المتعجل والانفعالي مصداقية ما يجب أن يتم التعامل معه احترافياً كأدلة. رأينا كيف أُعلن عن إيجاد صورة عدنان الزراعي ثم نفيها، ثم صورة حسين الهرموش ثم نفيها… هذه الغوغائية خطيرة، وتؤذي مصداقية ووضوحاً مهمّين، و تُسيء لقدسية الصور، ولخصوصية هؤلاء الضحايا، شهدائنا.
هل هناك رسالة تحبين توجيهها بخصوص التعاطي مع صور الضحايا التي سرّبها «قيصر»؟
أجل. أود أن أطلب من الناس ألا يتعاملوا مع الصور على أنها مادة للنشر بهذا الشكل المتّبع حالياً. بل أن يتعاونوا مع جهات ذات مصداقية وخبرة. أن يكون لهذه الجهات روابط ووسائل اتصال تسمح للأهالي بأن يتواصلوا معها وأن تساعدهم على البحث ضمن المعلومات الموجودة دون أن يتعرّضوا لأذية البحث بأنفسهم بين الصور. هناك عوامل عديدة يمكن للناس أن يساعدوا فيها، مثل تقديم معلومات أو التعاون مع جهود التعرّف أو مطابقة البيانات.
أرجو من الأهالي أن يتواصلوا مع الجهات والجمعيات المتخصصة، وألا يبحثوا بأنفسهم ضمن هذه الصور.
عدا الأهالي، ماذا عن الناس الذين ينشرون الصور ويتداولونها على أنها مادة إعلامية؟
جيد. حصل منذ فترة سجال مع أحد الأصدقاء، إذ وجهت إليه ملاحظة بأن يتوقف عن نشر الصور، وعن أن يؤكد من عنده أن هذا فلان وهذا فلان، فهذا مؤذي. فدافع هذا الصديق عن نفسه بأنه لا ينشر للسوريين، بل كي يرى الألمان الصور ويعرفوا إجرام النظام. طيب. أرسل لهم على الخاص إن كان لا يوجد لديك غير هذه الطريقة، ودون أن تؤكد من عندك هويات الضحايا. وسبق أن حصل معي أن تظهر أمامي على السوشيال ميديا صورة ابني مراراً وتكراراً، ينشرها أشخاص يعرفونني، بدون أي اعتبارات. أعرف أن صورة ابني تظهر في تقارير حقوقية، لكن ما هو مبرر أن أراها على فيسبوك هكذا فجأة؟ هذا خطأ، وهذا مؤلم جداً للأهالي. ربما نحن في الرابطة قادرون على التعاطي بشكل أكثر تماسكاً كوننا نعمل في المجال، لكن ثمة أهالي آخرين لا يحتملون هذا الألم المتواصل.
إذاً يمكننا أن نقول إن هناك حاجة للتعامل مع الصور كقرائن حقوقية بحتة، وأن نقول إن الأهالي وأصحاب الشأن في موضوع المعتقلين المفقودين يُتاح لهم أن يتواصلوا مع الجهات القادرة على التعاون معهم في عملية كشف المصير، ضمن أسس إنسانية وكريمة قدر الإمكان.
بالضبط.
وغير أصحاب الشأن المباشر، وغير الأهالي. الجمهور العام، بخصوص هذه الصور..
يرتاحوا. يا ليت يرتاحوا.
الرابطة مسجلة في برلين، كيف تتعامل مع الانتشار الجغرافي الكبير للسوريين اليوم؟
لدينا مجموعات في هولندا والسويد وسويسرا، وهنا في ألمانيا طبعاً. هناك أيضاً عائلات في لبنان والأردن بطبيعة الحال، لكن التواصل معهم أكثر صعوبة. في تركيا لدينا تواجد، خصوصاً في غازي عنتاب والريحانية واسطنبول. ونحن نسعى لتشكيل مجموعات ولتمدد وجودنا، ولذلك نخطط في الفترة المقبلة لعقد لقاء في لبنان أو الأردن وفي تركيا إن أمكن، لمحاولة التواصل مع عائلات المعتقلين المفقودين والعمل على تقديم المعلومات والأدوات التي تساعدهم على معرفة حقوقهم أكثر، ولنرى كيف يمكننا أن نساعد، مادياً أم معنوياً… أن نتعرف على عائلات أكثر، وأن نعرف أكثر عن أوضاعهم.
هذا بحاجة لأن نكون موجودين على الأرض. التواصل على الانترنت لا يكفي، ولا يحقق الاستمرارية والقرب المطلوبين للتعامل مع هكذا قضايا.
ما هي البرامج التي تعمل عليها الرابطة الآن مع كل التعقيدات التي جلبتها أزمة كورونا؟ وما هي خططها على المدى المنظور؟
تم تأجيل العديد من المشاريع خلال هذه السنة. كنا قد خططنا لورشة دعم نفسي لأعضاء الرابطة الذين يعملون على تماس متواصل مع أهالي الضحايا، لمساعدتنا على الحديث مع الأهالي والتمكّن من الاستماع إليهم بشكل آمن قدر الإمكان نفسياً لهم، وكان من المقرر أن تُعقد في باريس برعاية الصليب الأحمر، لكنها تأجلت. لكننا عانينا مؤخراً الكثير من الضغط النفسي مع إعادة نشر صور قيصر، فكل يوم نتلقى اتصالات من أشخاص يخبروننا عن اعتقادهم أنهم وجدوا أحبابهم في الصور المنشورة، وحالات من هذا القبيل.. لذلك رأينا أن عقد هذه الورشة هو حاجة أساسية لنا، وسنحاول عقدها في أوائل الخريف في باريس إن جرت الأمور على ما يُرام، وإذا لم نتمكن من السفر، سنعقدها ولو كان بشكل افتراضي.
نود المشاركة في مؤتمر حقوق الإنسان في جنيف إن عُقد بشكل فيزيائي، ولا معلومات لدينا حتى الآن إن كان ذلك سيحصل.
في الفترة الماضية أسسنا المكتب في برلين، وقد صار هناك عضوة في الجمعية راكمت خبرة جيدة في تقنيات الدعم النفسي، ونسعى لأن يكون هناك تواجد في المكتب من هذا النوع لمساندة الأعضاء المحتاجين للدعم النفسي. وأيضاً نستكمل العمل على الملف القضائي الذي ذكرناه سابقاً بالتعاون مع المتخصصين في المجال.
برنامجنا حافل بالحقيقة. نحن الآن ننطلق. صحيح أن الرابطة تأسست منذ سنتين، لكن أعمالنا تبدأ الآن بالانتظام. الموضوع كبير، ونحن منتشرون في دول العالم -دول الشتات السوري-.
نواة الرابطة هي اجتماع أولئك الذين أصيبوا بفقد أقربائهم وأحبابهم على يد الآلة الوحشية للنظام، وعملهم، انطلاقاً من مصابهم الذاتي، للتأثير في الشأن العام. أي ترجمة أخرى، مختلفة، لشعار «الشخصي هو سياسي» في هذه الحالة. لا يمكن لأي أحد أن يتوقع أن هذا ليس صعباً أو مجهداً على المدى الطويل. كيف تعيشونه في الرابطة؟ كيف تعيشينه؟
يجب أن تنظر إلى هذا الموضوع من زاوية أخرى، وهي أن هذه قد أصبحت رسالتنا. متابعة قضية الضحايا وعائلاتهم، ومتابعة أوضاع المعتقلين -الذين أرى أن أولويتنا تكمن في السعي للإفراج عنهم ومساندتهم للعودة إلى الحياة، قبل أن نبحث لهم عن قبور جماعية-. شخصياً أعتبر أن هذه رسالتي، التي يجب أن أتمسك بها، وسأستمر في العمل عليها للحصول على حقّ ابني، ولكن ليس فقط ابني.
في سوريا، قضيت فترة سنة وخمسة أشهر وأنا أسعى بشكل يومي عند القضاء العسكري لتبيان إن كان ابني على قيد الحياة أم لا. كان قد وصلنا خبر استشهاده بعد ثلاثة أشهر من اعتقاله -عرفنا لاحقاً أنه استشهد بعد خمسة أيام-، وبعد أن تلقينا العزاء فيه، أتى من يكذّب الخبر ويقول لنا إن ابني موجود وحي. بقيت سنة وخمسة أشهر وأنا فقط أحاول تبيان هذه المعلومة، لدى اللجنة المركزية للمصالحة، وزارة المصالحة، القضاء العسكري، الشرطة العسكرية، الفروع الأمنية. لقد كان ذلك عملاً يومياً لي، ويومياً كنت ألتقي عند هذه الجهات بخمسين أو ستين أمّ. كان هناك زوجات وآباء أحياناً، لكن الأغلبية الساحقة كنّ أمهات دوماً. كلهم كانوا يبحثون عن مصير أبنائهم، وفي الوقت نفسه كان الخوف يستهلكهم. حاولت حينها اقتراح أن نتجمع بشكل ما، أن نُسمِعَ صوتنا بشكل جماعي، فرفضوا بشكل قاطع، «الله يخليكي، راحلنا واحد ما بدنا يروح تاني» أو «ضل عنا بيت وما بدنا يروح».. بهذا المعنى. سمعنا في هذه اللقاءات قصصاً مؤلمة جداً. كان هناك أم فقدت خمس شباب، وأخرى شهدت وزوجها اغتصاب ابنتهم، وحين صرخ الزوج رموه من البلكون. شيء مؤلم للغاية.
حين خرجتُ من سوريا، قرّرتُ أنني وقد أصبحت خارج دائرة الخطر أن أحمل صوت أولئك الأمهات اللواتي كنّ يبحثن عن أبنائهن، أن أمثّلهن بشكل ما. أغلبهنَّ عُرف أن أبناءهنّ قد استشهدوا. عرفت ذلك حين استطعت، بعد سنة وخمسة أشهر، أن أحصل على شهادة وفاة ابني من مشفى تشرين العسكري. يومها، وجدت هناك حوالي خمسين امرأة وثلاثة رجال ينتظرون، وقالت إحدى النساء: «الحمد لله العدد مو كبير اليوم». سمعت هذا الكلام وأرعبني. كل يوم يُصرّح عن مقتل هذا العدد من شبابنا، وأقول شبابنا نحن. شباب النظام الموتى كانوا هناك، كنا نرى كيف يكفنون جثثهم ويجهزونهم كي تأتي السيارات لنقلهم. لكن جثامين شبابنا كانت مجهولة المكان، وكنا ممنوعين من معرفة مكان دفن أبنائنا. ذهبت إلى فرع 248 (فرع التحقيق العسكري) وسألت ضابطاً هناك إن كان من الممكن أن أعرف أين دُفن ابني، فأجابني غاضباً: «لولا إنك ست مقدّرة كان ما طلعتي بعد فوتتك عالفرع» وأمرني بالخروج.
أشعرُ أنني أحمل معاناة الناس الذين رأيتهم وسمعت قصصهم أثناء البحث عن مصير ابني، وحين بدأت بالعمل شعرت حقاً أنني أعمل بأصواتهم هم، بقلوب أولئك الأمهات. حين أتحدث عن أيهم لا أتحدث عن ابني أنا فقط، بل أتحدث عنهم جميعاً. كنت في السابق مديرة مدرسة، وأعرف شعور أن يكون هناك محبة تجاه مجموعة كبيرة لها عمر ابني. كلهم أبنائي.
في عزاء أيهم، الذي اعتُقل من الجامعة، أتى زملاؤه ليُعَزّوني، وكانوا قد اقترحوا محاولة تنظيم وقفة احتجاجية في الجامعة، فطلبت منهم ألا يفعلوا، وقلت لهم: «ابني قد استشهد، ولا أريد لأي منكم أن يُصاب بمكروه. كلكم أولادي، وحين تحافظون على حياتكم فإنكم بشكل ما تحافظون على حياة أيهم».
حين تمتلك هذا الشعور، بأنك تحمل رسالة كبيرة، فإنك قادر على أن تندفع بالعمل. هذا شعوري، وأعتقد أنه شعور عام بين أعضاء الرابطة: كيف نوصل معاناة آلاف الأسر السورية، كيف نُري العالم أجمع بشاعة هذا النظام المجرم. هذا دافعنا، وهذا أساس عملنا. كلنا متطوعون هنا، ولا نتلقى مقابلاً مادياً لنا كأفراد عن عملنا. دافعنا الأول والأوحد هو رسالتنا، أن نصون حقوق أولادنا الضحايا. بالتأكيد، للأسف، أننا لا نستطيع المطالبة بأن يكونوا على قيد الحياة، لكن أن نحاسب من أجرم بحقهم وبحق كل السوريين، وأن نصون ذاكرتهم. قبل أيام، قلت في مؤتمر للرابطة أنني أتمنى أن يُبنى في دمشق يوماً ما متحف للفظاعات التي ارتكبها النظام، ومنها صور قيصر، ليزوره الزوار الرسميون للبلد، ويعرفوا ما عشناه على يد النظام الذي سُكت عن إجرامه بحقنا.
مثل جهود صون الذاكرة التاريخية التي بُذلت في سياقات عديدة، ومنها الألماني؟
بالضبط. كثيراً ما أقف عند فكرة أن يكون القبر حلماً. حضرتُ منذ فترة معرضاً حول ضحايا الهولوكوست، وشُرِحَ لنا أن الجهود الأساسية لصون الذاكرة قام بها المجتمع المدني. وزرنا مقبرة رمزية للضحايا ورأينا متطوعين يرعونها ويزورونها ويضعون الورود عليها. وسألتُ نفسي، يا ترى متى سيكون لدينا هكذا في سوريا، متى سيكون هناك قبر ولو رمزي يمكن لي، لنا، أن نزوره.
كيف يمكن لمناصري قضية الرابطة، سوريين كانوا أم غير سوريين، وسواء كانوا مقيمين في برلين أم لا، أن يساهموا في عمل الرابطة أو أن يساعدوا على عملها واستمراريتها؟
نحن نرحب بشدة بكل عروض المساعدة والتطوّع، وأرجو لمن يجد نفسه راغباً بالمساهمة أن يتواصل معنا. نحتاج لعون على عدة مستويات، في مساعدة أعضاء الرابطة على تحسين مهاراتهم التقنية والمعلوماتية، الترجمة من وإلى الإنكليزية والألمانية، المساعدة في تقنيات النشر والترويج على وسائل التواصل الاجتماعي. ليس لدينا متخصصون في هذه الشؤون، وكثيراً ما نحتاج لعون حتى على مستوى الأشياء البسيطة، ورأينا ذلك مؤخراً مع أزمة كورونا حين تحولت كل الاجتماعات واللقاءات إلى العالم الافتراضي، وكل اجتماع كان ينبغي أن تتعامل فيه مع برنامج جديد للمكالمات والتواصل، وبعضنا كان يُعاني فعلاً مع ذلك لأن خبرته التقنية ضعيفة. نرحب بشدة بكل عروض المساعدة والتطوع، ونرجو ممن يستطيع ويود المساعدة أن يتواصل معنا عبر الموقع.
موقع الجمهورية
—————————————-
جمال سليمان: “قانون قيصر أسقط وهم انتصار الأسد”
نسرين أنابلي
إلى جانب شهرته كممثل ومخرج مسرحي، برز اسم الفنان المعارض جمال سليمان في صفوف المعارضة، على إثر تأييده للثورة السورية التي انطلقت عام 2011، وقد تسبب ذلك في فصله من “نقابة الفنانين”. بدأ سليمان عمله السياسي كعضو في الائتلاف السوري المعارض، في تشرين الأول/ أكتوبر 2013، وغادره بعد مدة ليصبح عضوًا في منصة القاهرة التي أُعلن تأسيسها عام 2014، ثم اختير نائبًا لرئيس وفد المعارضة السورية إلى مفاوضات جنيف، في الولاية السابقة لهيئة التفاوض التي كان يترأسها نصر الحريري.
لطالما آمن جمال سليمان بأن الحل في سورية هو سياسي فقط، عبر التفاوض وفق المرجعيات الدولية، على الرغم من تمسك النظام بسلطاته الاستبدادية، وتفضيله الصراع العسكري على التفاوض السياسي مع القوى الوطنية. وهو يرى أن الحل السياسي سيؤدي إلى ولادة مشهد جديد في سورية، لا على صعيد النظام فقط، بل على صعيد المعارضة أيضًا.
في هذا الحوار، تحدّث جمال سليمان لمركز حرمون للدراسات المعاصرة عن تصوراته للمرحلة المقبلة في تاريخ سورية، في ظل تشابك خيوط المشهد السوري حاليًا، الذي بات منفتحًا على العديد من الاحتمالات، وعن وجهة نظره في قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ منذ أيام، وعن الحراك الثوري في محافظة السويداء، إلى جانب العديد من المواضيع الأخرى.
نصّ الحوار:
– نبدأ من هيئة التفاوض للمعارضة السورية، والانتخابات التي أجرتها أخيرًا، فبعد أن خرج الحلّ من يد السوريين، ما هو المرجو من هذه الهيئة؟ وما الذي يمكن أن يعوّل عليه أعضاؤها؟
كما هو معلوم، إن هيئة التفاوض -كما يدلّ اسمها- لديها مهمة واحدة هي التفاوض مع النظام برعاية الأمم المتحدة، على الانتقال السياسي في سورية، ومرجعية هذا التفاوض المأمول هي الوثائق الدولية ذات الشأن، وعلى رأسها وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن 2254، التي أقرت رفض الحلول العسكرية، وأن السبيل الوحيد هو إنجاز حلّ سياسي يفضي إلى “عملية سياسية جامعة بقيادة سورية، تلبّي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف”.
وكما هو معلوم أيضًا، بعد أن رفض النظام الدخول في حوار وطني سوري، يقوم على تفهّم صادق وموضوعي لأسباب انفجار الثورة السورية السلمية، وقاد الصراع نحو العنف الذي أدى إلى نشوء التطرف وانتشار الجماعات المسلحة الإرهابية، فإن المجتمع الدولي، بقيادة روسية – أميركية، هو من صاغ وثيقة جنيف، وكذلك القرار 2254 وكل القرارات الأخرى ذات الصلة، أي إن القضية السورية خرجت من يد السوريين -كما جاء في سؤالك- إلى يد المجتمع الدولي.
وعلى ذلك؛ فإن المرجو من هذه الهيئة أن تتابع نضالها في المحافل الدولية برعاية الأمم المتحدة، من أجل تطبيق القرارات الدولية، لا لأنها قرارات دولية فقط بل لأنها تلبّي المصلحة الوطنية السورية وتُوقف الحرب وتُعيد سورية إلى الحياة. هل هيئة التفاوض قادرة على تحقيق ذلك؟ نعم. هي قادرة على تحقيق ذلك، إذا اجتمعت الإرادة الدولية بالفعل على تطبيق هذه القرارات، وهو ما تعوّل عليه هيئة التفاوض والمعارضة السورية على وجه العموم.
– كلامك ينطوي على أن الإرادة الدولية لم تجتمع بعدُ على تطبيق هذه القرارات
استنتاجك في مكانه. سيرورة الأحداث تقول ذلك وليس أنا. إن الدول المنخرطة في الصراع على الساحة السورية لديها أهداف متضادة تتجاوز سورية، وقد أدى هذا الأمر دورًا كبيرًا في استمرار الصراع وتقديم مقاربات وتفسيرات لمضامين القرارات الدولية، دون الدخول إلى مرحلة التطبيق الفعلي.
– آخر هذه المقاربات كانت اللجنة الدستورية؟
نعم. على الرغم من أن وثيقة جنيف والقرار 2254 يقولان إن عملية صياغة الدستور تأتي خلال المرحلة الانتقالية التي يقودها “جسم حكم انتقالي ذي صلاحيات تنفيذية كاملة”، دون تحديد مصدر الصلاحيات التشريعية، وهذا طبعًا -بالإضافة إلى تعنّت النظام وامتناعه عن خوض أي مفاوضات فعلية- خلق إشكالية كبيرة، ومن هذا الباب، جاءت فكرة الدخول إلى الانتقال السياسي عبر البوابة الدستورية.
– ما توقعاتك لمفاوضات اللجنة الدستورية المرتقبة في جنيف؟ وهل النظام في وضعه الحالي اليوم قادرٌ على الاستمرار في عرقلة المفاوضات في ضوء تغيّر الموقف الروسي منه أخيرًا؟ ونحن نعلم أن رفض النظام للتفاوض والانتقال السياسي والانتخابات يمسّ بالتعهدات التي قدمتها موسكو لواشنطن بموجب القرار 2254.
الشعار الوحيد الذي أخلص له النظام، حتى يومنا هذا، هو “الأسد أو نحرق البلد”، وبصيغة أخرى تحمل نفس المضمون: “الأسد أو لا أحد”. ولا أظن أن الروسي غافل عن ذلك، أو أنه لم يرَ طريقة تعاطي النظام مع كل العملية التفاوضية، وآخرها تعاطيه مع اللجنة الدستورية التي هي أصلًا فكرة روسية، حيث رفض الاعتراف بمشاركته الرسمية في أعمالها، وذلك من خلال تسمية الوفد باسم “وفد مدعوم من الحكومة السورية” أو “الوفد الوطني”، بدلًا من “وفد حكومة الجمهورية العربية السورية”، كما جاء في إعلان اللجنة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة.
في مناسبات عديدة، استحضر الروس المثال العراقي بعد انهيار النظام، على أنه المثال الذي يجب أن نتجنب وقوعه، وتقييم الروس للمشهد في سورية يركز على انتشار الجماعات الإرهابية، وعلى الخشية من وجود الفوضى وتمزق البلاد، في حال انهيار النظام وحدوث فراغ، وهم يؤكدون على سلامة الدولة ومؤسساتها. وهي نقاط محقة، ولا شك في أنها تصبّ في المصلحة الوطنية السورية، وهي متضمنة في القرارات الدولية التي نعترف بها ونعمل بموجبها، لكننا في المقابل نجد أن السلوك السلبي للنظام يعزز هذه المخاوف، ويعرّض الدولة ومؤسساتها للضرر الجسيم، ويفسح المجال لمزيد من العنف والفوضى. حيث يحاول النظام أن يستثمر الانتصارات العسكرية التي ساعده الروس في تحقيقها، بتعزيز حلمه بتجديد ذاته، بدلًا من تفهم الواقع، وإعلاء شأن البلاد على كرسي الحكم، والانخراط في العملية التفاوضية. هذا معناه تقويض رؤية الروس والتزاماتهم تجاه المجتمع الدولي، ونتيجة ذلك؛ بدأنا نرى مؤشرات ذات معنى على استياء الروس من سلوك النظام، وليس آخرها الحملة الإعلامية التي شنتها وسائل إعلامية روسية على رأس النظام ذاته. ومهما قيل إن هذه المقالات لا تمثل الرأي الروسي الرسمي؛ فإنها -برأيي- حملت رسالة إلى بشار الأسد، كان يجب أن تصل، مفادها (لا تجبرنا على أن نريك الوجه الآخر).
– يعيش النظام حالة إفلاس وانهيار اقتصادي كبير، تزامنت مع حدوث خلافات داخل العائلة الحاكمة، برأيك؛ هل خلفيات صراع الأسد ورامي مخلوف اقتصادية فقط؟ أم أن هناك أبعادًا أخرى ساهمت في حدوث هذا الصراع وخروجه للعلن؟ وهل من الممكن أن تؤثر هذه الخلافات في موقف حاضنة النظام من الطائفة العلوية؟
فيديوهات رامي مخلوف تدلّنا على أن الصراع القائم ليس صراع الأسد ورامي فقط، بل هناك عنصر ثالث في هذا الصراع وهو أسماء الأخرس التي تعاظم دورها بشكل كبير في سورية، وهذا معطًى مهم له ما بعده، ولذلك سعت الإدارة الأميركية لوضعها في مقدمة لائحة عقوبات قيصر. إن الصراع ذو وجهين: وجه اقتصادي يتعلق بمآل الأموال المنهوبة من خزينة الشعب السوري، حيث تريدها أسماء الأسد في خزينتها هي وتحت إدارتها؛ ووجه سياسي يتمثل في تحميل رامي مخلوف لعنة الفساد، والادعاء بأن مشيئة “الدولة السورية” والقانون فوق الجميع حتى رامي مخلوف، وكأن النظام لا يدرك أنه حتى الموالون يعتبرون ذلك نكتة سمجة، لأنهم يعرفون منذ سنوات طويلة أنه لا وزير المالية ولا رئيس الوزراء يجرؤان على مجرد التفكير في الحجز على رامي مخلوف.
لا شك في أن هذا الصراع ترك أثره على حاضنة النظام، لأنه أخرج المسكوت عنه إلى العلن وأسقط ورقة التوت الأخيرة، ولا شك في أن المركب أصبح من الضعف بحيث لا يحمل رامي مخلوف، وأن القادم مختلف عمّا مضى، ولا بدّ من الاستعداد له، والأموال ركن أساسي في ذلك.
– بالحديث عن عقوبات قانون قيصر، هناك من يرى أن تطبيقه سينعكس سلبًا على المدنيين، وهناك من يرى أنه سيكون بداية نهاية الأسد، خاصة أنه يشمل حلفاءَ الأسد وداعميه، كميليشيا حزب الله والميليشيات الإيرانية، كيف ترى الأمر من وجهة نظرك؟
سيكون لهذا القانون انعكاس كبير على النظام وزبانيته، ولكنه لن يمنعهم من يستمتعوا بعشاء فاخر قبل النوم، بينما الإنسان العادي قد لا يجد ما يسدّ رمقه ورمق عائلته. صحيح أن القانون يقول إنه يستهدف النظام لا الناس العاديين، ولكن التجربة أثبتت أن كل قوانين العقوبات تنعكس أولًا، بقسوة، على المواطن البسيط الذي لا ناقة له ولا جمل عند النظام. ويجب أن نتذكر أن انهيار الاقتصاد الذي تجسد بانهيار قيمة الليرة السورية وتصاعد بؤس المواطن السوري كان قبل التلويح بقانون قيصر. إن مسارًا طويلًا، كانت فيديوهات رامي مخلوف من آخر حلقاته، كان سببًا في بؤس الاقتصاد السوري وانهيار سعر الصرف، وقانون قيصر سيأتي ليكمل هذا الانهيار، ولكن في المقابل فإن هذا القانون سيحرم كل أولئك الذي يستثمرون في النظام أو الذين يرغبون في ذلك ويأملون بجني المكاسب السياسية والاقتصادية من ورائه من تحقيق هدفهم. لقد ساد انطباع واهم، في الفترة الأخيرة، مفاده أن النظام قد انتصر وأنه لا بد من الاعتراف بذلك والتعامل معه، فجاء هذا القانون ليقول لا، إن المعركة ما تزال مفتوحة.
– صرّحتَ في أحد لقاءاتك التلفزيونية بأن صفحة النظام سوف تنقلب في سورية قريبًا، وأيضًا هناك حديث عن تسوية سياسية أميركية – روسية في سورية، ما هي رؤيتك السياسية للمرحلة القادمة في سورية؟ وهل سيكون من السهل ترتيب إجراءات رحيل الأسد في ظل وجود إيران؟
مجموعة المعطيات التي تحدثنا عنها تعطي الانطباع بأننا في الفصل الأخير من هذا الصراع، وذلك لأسباب عدة:
1 ــ لم يعد في سورية ما تحارب من أجله باقي الأطراف.
2- كل الأطراف المتصارعة وصلت إلى أقصى ما تستطيع الحصول عليه في سورية.
3- انتشار الإرهاب وموجات الهجرة الواسعة خلقا حالة ذعر سياسي في الغرب، أثرت كثيرًا في الخارطة السياسية وعززت صعود اليمين والشعبوية.
4- انحسار العمل المسلح وضعف الجماعات الإرهابية والمتطرفة أعادا القضية السورية إلى أصلها، وهي أن غالبية الشعب السوري لا تقبل هذا النظام، وما تظاهرات السويداء الأخيرة إلا دليل ساطع على ذلك.
بعد تسع سنوات من تمسك النظام بسلطاته الاستبدادية، وتفضيله الصراع العسكري على التفاوض السياسي مع القوى الوطنية؛ بات من غير الممكن أن نرى مستقبلًا لسورية مع هذا النظام، وأتوقع أن هذه القناعة أصبحت في ذهن صانع القرار الروسي، وعلى الرغم من أن مثل هذا التوقع وارد، ستبقى هناك تحديات كبيرة أمام الانتقال السياسي في سورية. ليست روسيا وحدها التي تستخدم المسرح السوري لإعادة تموضعها الدولي كقطب ثان، بل إن هناك أيضًا قوتين إقليميتين كبيرتين هما إيران وتركيا اللتان انخرطتا في الصراع بشكل مباشر ومكثف، حاملتين طموحات ترتكز على الإرث التاريخي والديني، بهدف إعادة رسم الإقليم بأكمله بما يناسب مصالحهما.
تصريحات المسؤولين الروحيين والسياسيين الإيرانيين لا تحتاج إلى تفسير، وآخرها فاتورة العشرين مليار دولار التي تحدث عنها النائب الإيراني والتي أنفقتها بلاده في سورية. إيران ستستخدم كل الوسائل للحفاظ على النظام، لأنها استثمرت كثيرًا في الدفاع عن بقائه، ولأنها لا يمكن أن تحصل على نظام يخدم مصالحها أكثر منه، تركيا كذلك التي اتسعت معاركها الإقليمية ووصلت إلى ليبيا، لم يعد سرًا أنها تسعى لاستعادة زعامة العالم الإسلامي السنّي، ولو أن بشار الأسد قبِل عرض داوود أوغلو في 2011 للاعتراف بالإخوان المسلمين وإشراكهم في السلطة؛ لكانت تركيا الآن في مكان آخر، هي تريد وتسعى لرحيل النظام، ولكنها تريد أيضًا أن تضمن في مكانه نظامًا يوافق تطلعاتها. هذا التشابك في المصالح والتطلعات ما زال يعقّد القضية السورية ولا حلّ له إلا في توافق روسي – أميركي، بدأنا نسمع أنه في طور الظهور، تدعمه أوروبا بقوة ويكون موضع قبول غالبية السوريين.
– بالحديث عن إمكانية التوصل إلى حل سياسي في سورية، برأيك، ما هي آليات الحل التي تضمن تحقيق سلام مستدام في سورية المستقبل؟
هذا هو مربط الفرس “الآليات”، وهو ما يجب أن يقوم عليه التوافق الروسي – الأميركي. القرار 2254 يتحدث بوضوح عن “عملية سياسية جامعة بقيادة سورية تلبّي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جنيف، وذلك بسبلٍ منها إنشاء هيئة حكم انتقالية”، وطالما أننا تحدثنا عن الآليات فإن عبارة “بسُبلٍ منها” قد تفتح الباب للبحث عن سبل أخرى غير هيئة الحكم الانتقالية، وهذا أمر يحتاج إلى التوافق الروسي – الأميركي، ولكن في غضون الشهرين القادمين، وقبل أن تبدأ الانتخابات الأميركية. ترامب يحتاج إلى ذلك، كأحد إنجازاته، وبوتين أيضًا يحتاج إلى ذلك، لأن استطلاعات الرأي تشير إلى أن نجاح ترامب في الانتخابات القادمة ليس مضمونًا، وهذا يعني الكثير لروسيا ولغيرها.
– بالعودة إلى حراك السويداء الذي أشرتَ إليه قبل قليل، برأيك ما هي رمزية هذا الحراك، بعد أن تحولت سورية إلى ساحة مواجهة عسكرية بين أطراف متعددة؟ وهل من الممكن أن نعتبر أن النظام فشل في إخماد ثورة الشعب السوري، على الرغم من كل أساليب القمع والإجرام التي اتبعها منذ 10 سنوات؟
لم يفشل النظام في إخماد الثورة وحسب، بل في حماية الوطن والدولة، حيث سخرهما ليدفعا ثمن بقائه، وكان ثمنًا باهظًا. وما شهدته مدينة السويداء هو دليل على ذلك، ودليل على أن النظام لم ينتصر ولن ينتصر، إلا إذا اعتبرنا أن حكم بلد مدمر ومنقسم ومعزول فيه ملايين الأيتام هو نصرٌ!
– هل تعتقد أن بشار الأسد سيرشح نفسه للانتخابات القادمة؟ وفي حال ترشحه، ما هي الأسس التي يرتكز عليها وتدفعه للترشح وسط هذا الانهيار الذي تعيشه سورية؟
لا شك في أنه يطمح إلى أن يحكم سورية حتى آخر يوم في حياته أو في حياة سورية، ولا شك أنه وزوجته ينظران إلى ابنهما حافظ على أنه حاكم سورية القادم. أسماء الأخرس باتت تلعب دورًا بارزًا في حكم سورية، وهو دور يتصاعد بنصيحة واستشارات من طرف خارجي، وهناك تكهنات بأنها قد تتقدم لتحتل منصب الرئاسة، من خلال انتخابات صورية، لكني استبعد نجاح ذلك، بالرغم من معرفتي بأن كل شيء بات ممكنًا في سورية. في كل الأحوال، هي ستسعى -إن بقي النظام- لتكون في مركز القرار وتحكم من وراء ستار. أما الأساس الذي تقوم عليه هذه الطموحات فهو -مرة ثانية- الشعار الذي عنون استراتيجيتهم “الأسد أو لا أحد”، وكأن لسان حالهم يقول: “لن تأخذوا سورية منّا، وإذا أردتم أن تأخذوها فخذوها محطمة”.
– وسط هذا التعقيد الذي يعكسه المشهد السوري المنفتح على العديد من الاحتمالات والتوقعات، هل تعتقد أن المعارضة السورية قادرة على تحمّل تحديات المرحلة المقبلة؟
عندما نقول معارضة، فماذا نعني بذلك؟ هل نعني هيئة التفاوض واللجنة الدستورية؟ أم نعني التجمعات السياسية المختلفة؟ أم نعني فرسان مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي؟ بسبب طول مدة الصراع وحدّة الاستقطاب والطرق الملتوية التي انتهجتها سياسات الدول المؤثرة، صار بين هذه الكتل والكيانات والجماعات تباينات كبيرة، تدفع أحيانًا إلى اليأس والإحباط. اقرئي التعليقات على أي بيان أو تصريح، لأي كيان معارض أو أي شخصية معارضة، وستجدين أنها تتجاوز حدود شتم النظام، وتدخل بالمسائل الجوهرية، وستجدين ما أعنيه. ولكن إذا تحركت المياه الراكدة واكتمل التوافق الروسي الأميركي وتبلور الأمور؛ فإن الحلّ سيأتي مع آلياته، وهذا سيؤدي إلى ولادة مشهد جديد في سورية لا على صعيد النظام فقط، بل على صعيد المعارضة أيضًا.
– بالانتقال إلى شأن مختلف، ما رأيك في انتخابات نقابة الفنانين التي حصلت أخيرًا وفاز بها الممثل زهير رمضان بالتزكية، خاصة أن بعض الفنانين وصحف النظام وجدوا أن فوزه أثار جدلًا كبيرًا، خاصة بعد منع وسائل الإعلام من تغطية عملية الانتخاب.
رأيي معروف، منذ زمن بعيد، ولكن ما رأي أولئك الذين يدافعون عن النظام بدعوى أنهم يدافعون عن الوطن؟!! ثم لماذا أثار جدلًا؟!! ما الجديد في الأمر؟! ما جرى ويجري في انتخابات نقابة الفنانين هو صورة دقيقة ولكنها مصغرة عما جرى ويجري في سورية، وهذا هو جوهر الموضوع، أما زهير رمضان فهو تفصيل تافه في هذا المشهد المأساوي.
– على الرغم من وقوف عدد كبير من صناع الدراما السورية إلى جانب المعارضة، ووجودهم خارج سورية، فقد كان هناك شحّ في الأعمال الدرامية التي تخص المعارضة وتصوّر واقع السوريين في دول اللجوء، في المقابل استمر النظام في إنتاج أعمال درامية، واستخدمها لتمرير رسائله السياسية، فما رأيك في ذلك؟
النظام أعطى أوامره بالاستمرار في إنتاج الأعمال التلفزيونية، لأنه يعرف أن الدراما السورية كانت رسول سورية الوحيد إلى كل بيت في العالم العربي، طوال العقود الثلاثة المنصرمة. لذلك هو استغلها ليخلق انطباعًا بأن سورية بخير، وأن كل شيء على ما يرام.
أما بالنسبة إلى الدراما السورية المنفية أو المهاجرة، فقد رأينا بعض الأعمال التي تصوّر حال السوريين في دول اللجوء، ولكنها كانت محدودة. لقد استطاع صناعها -وهم أبطال حقيقيون- جمع ميزانياتها الإنتاجية المتواضعة من مؤسسات عدة معظمها ليست عربية، على الرغم من أن في حكايات اللاجئين السوريين كثيرًا من التشويق والمغامرة والعواطف والحب والخوف والإخلاص والخيانة والإصرار والضعف والأمل بعد يأس أو اليأس بعد أمل والانقلابات والتحولات النفسية والاجتماعية، وهي كلها من أجمل العناصر التي تقوم عليها الدراما، من زمن الإغريق إلى زمن هوليوود، فحكاية السباحة يسرا مارديني، وحكاية السيدة السورية التي جاءت لاجئة إلى مصر قبل ثماني سنوات، واستغلت خبرتها بصناعة “البرازق والغرَيبة”، وأعطتها إلى طفلها كي يبيعها في شوارع القاهرة (وهو اليوم يدرس في كلية الطب)، هي بعض من مئات الحكايات التي إذا أُنجزت بشكل لائق على أيدي أهل المهنة الحقيقيين، فستحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، ولكن -مع الأسف- لا أحد في العالم العربي يريد أن ينتج أعمالًا عن السوريين في منافيهم، وإذا وُجد من ينتج أعمالًا كهذه، فلن نجد المحطات التي تريد عرضها.
__________
ولد جمال سليمان عام 1959 في مدينة دمشق، وهو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية – قسم التمثيل، اتبع دورة للفنون المسرحية في بريطانيا، ثم أكمل الماجستير في الإخراج المسرحي في جامعة ليدز في بريطانيا.
بدأ سليمان مسيرته المهنية بعد تخرجه في عام 1981. كانت بدايته في المسرح القومي السوري، حيث قدّم العديد من الأعمال، منها مشاركته في مسرحية “أربوزوف” بشخصية مارات، وفي مسرحية “قصة موت معلن” المُقتبسة من رواية ماركيز التي تحمل الاسم نفسه، وجسّد شخصية سانتياغو.
أمّا في السينما، فقد كانت لديه العديد من المشاركات البارزة، ولا سيّما في فيلم “المتبقي” عام 1985 الذي يحكي قصة اغتصاب “إسرائيل” لأرض فلسطين، وحصل على شهادة تقدير من لجنة تحكيم مهرجان دمشق السينمائي، ونال هذه الجائزة أيضًا عن أدائه في فيلم “الترحال” الذي صدر في عام 1997.
وفي التلفزيون، قدّم كثيرًا من الأعمال المميزة، كان أولها في عام 1989 بمسلسل “طرفة بن العبد”. ثم تتالت أعماله وتنوعت بين المسلسلات التاريخية والاجتماعية والدراما السورية والمصرية.
مركز حرمزن
—————————————
رياض نعسان آغا: “قانون قيصر” سيدفع روسيا وإيران إلى مراجعة حساباتهما
غسان ناصر
ضيف (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) في هذا الحوار هو المعارض السوري وزير الثقافة الأسبق، الكاتب والمثقّف البارز الدكتور رياض نعسان آغا، الذي تولى على مدار العقود الثلاثة الماضية مناصب سياسية ودبلوماسية عدّة، وكان عضوًا سابقًا في مجلس الشعب السوري. كما كان الناطق باسم الهيئة العليا للمفاوضات السورية، حتّى تاريخ استقالته في كانون الثاني/ نوفمبر 2017.
السياسي السوري المعارض يؤكّد دومًا، في خطاباته الموجهة إلى كلّ السوريين، أن لا مخرج من هذه المحنة الطاغية التي تدمر سورية إلّا باستعادة روح المواطنة، والكف عن التقسيم الطائفي في الفعل وفي ردّة الفعل، كلّنا سوريون مهما تكن انتماءاتنا الدينية أو المذهبية، لا بدّ من التمسك بالهوية الوطنية، وإلّا صار الشعب السوري شعوبًا متناحرة متحاربة تعيش على فتات أحقاد التاريخ.
هنا نص الحوار
هل تعتقدون أنّ العقوبات الأميركية والأوروبية التي توّجت في 17 حزيران/ يونيو الماضي بدخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ، قد تُجبر نظام بشار الأسد على الجلوس إلى طاولة المفاوضات والقبول بالقرارات الدولية الخاصّة بالحلّ السياسي في سورية، وفي المقدّمة منها قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015؟
أعتقد أنّه ليس أمام النظام السوري غير أن يقبل بالحلّ السياسي، كما حدّده القرار الدولي، وآن للنظام بعد عشر سنوات من طوفان الدم أن يقتنع بأنّ اختياره للقمع العسكري لم يحقّق سوى دمار سورية ومقتل وهجرة ملايين من أبنائها، وبات من المحال أن يحكم هذا النظام سورية مستقبلًا، فقد اهترأت دعائمه، وإن استمر في رفض الحلّ السياسي مماطلًا، فسيبقى معزولًا، وسيحكم على مواليه وعلى الشعب كلّه بتحمل المزيد من الانهيارات والفواجع، لقد باتت سورية مهددة بالزوال بسبب تعنت النظام وإصراره على رفض مطالب الشعب بالكرامة والحرّية والديمقراطية.
ما قراءتكم لما حدث ويحدث من صراع على الثروة والنفوذ بين أطراف العائلة الحاكمة في سورية (الأسد، مخلوف، والأخرس)؟
أذكر الحكمة القائلة “ما يبدأ خطأ، ينتهي خطأ”، لقد بُنيت هذه الإمبراطورية المالية على فساد كبير، وسرقت من أموال الشعب، ولا بدّ من أن يتخاصم اللصوص على اقتسام ما نهبوه، وأمر عادي أن تحدث هذه الصراعات الداخلية في تصفيات الدور النهائي.
- فشل المشروع الفارسي في كلّ الأرض العربية.
هل تتوقعون أن يحدث في الأفق المنظور توافق بين القوى العسكرية الموجودة على الأراضي السورية يسمح بانتقال سياسي مرجعيته بيان جنيف (2012) الذي من شأنه إنهاء حكم عائلة الأسد؟
لا أتوقّع أن يحدث التوافق بين الأضداد، لا بدّ من أن يُفرض هذا التوافق عبر القرار الدولي، لأنّ النظام صنع أيديولوجية لإقناع مواليه بأنّهم يخوضون صراع وجود، وأنّهم مهددون بالإبادة أو الانتقام، لذلك سيبقون متمترسين بمواقعهم في السلطة إلى آخر بشر أو حجر أو شجر، كما يقولون، وهذا ما يعقد الوصول إلى حلّ. ونحن نخاطب من تبقى من العقلاء أن يراجعوا أنفسهم، وأن يقتنعوا بأنّ بقاءهم في الحكم إلى الأبد أمر محال، فلو أنّها دامت لسواهم لما وصلت إليهم.
المرسوم الذي أصدره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في أيار/ مايو الماضي، المتعلق بتعيين ألكسندر يفيموف، السفير الروسي فوق العادة والمفوض لدى سورية، (ممثلًا خاصًّا للرئيس الروسي لتطوير العلاقات مع الجمهورية العربية السورية). ما الهدف الرئيس منه بحسب تقديرك؟ وهل يمكن اعتباره -كما ذهب البعض- بمنزلة “تعيين مندوب سامي لبوتين في دمشق وفرض وصاية روسية على سورية”؟
أفهم من تعيين يفيموف ممثلًا للرئيس بوتين في سورية أنّه يريد الإشراف المباشر على علاقة روسيا بسورية، بعد ما كان يحدث من تنافس بين الخارجية الروسية وبين وزارة الدفاع الروسية على الحظوة بمباشرة الإشراف، ولا أرى تفسيرًا له علاقة بحجم الوصاية، فهي موجودة على كل حال، وكائنًا من كان يمثلها من الروس، وقد سبق لبوتين أن عيّن ممثلين له في سورية.
بعد تزايد الضغط الأميركي وتتالي الضربات الجوية الإسرائيلية التي تترافق دومًا مع صمت روسي وعجز تامّ للنظام السوري، هل تتوقّعون انسحابًا إيرانيًا من الأراضي السورية في المستقبل المنظور؟
أتوقّع فشل المشروع الفارسي في كلّ الأرض العربية، وهو مشروع إمبراطوري عنصري، ومذهبي، وهناك رفض شعبي سوري كامل للاحتلال الفارسي، وقريبًا ستسوء العلاقات الروسية الإيرانية بشدة عبر تنافسها على اقتسام سورية، وسيجد الإيرانيون أنفسهم خاسرين، فضلًا عن حالة التهتك السياسي والاقتصادي داخل إيران. وإذا وصل السوريون إلى حلّ سياسي؛ فسينتهي حضور إيران فورًا، وستجد مقاومة شعبية ضارية.
- مخاوف من تقسيم سورية وظهور صراع كردي عربي
ما موقفكم ممّا يحدث حاليًا في شمال سورية في ظلِّ التفاهمات الروسية التركية، التي كان آخرها اتّفاق إدلب المبرم بين موسكو وأنقرة في الخامس من آذار/ مارس الماضي؟
ما حدث في الشمال هو إيقاف مؤقت لهجوم النظام على الشمال، وكان متوقعًا، وما يزال، حدوث مجازر إبادة لكلّ المعارضين، وإعلان النظام انتصاره الشامل على معارضيه، وقد حقّق الاتفاق الروسي التركي هدنة لمنع حدوث هذه الإبادة، ولرفض الحلّ العسكري والتوجه من جديد للمفاوضات.. وترغب تركيا في إقامة منطقة آمنة في الشمال، كي تتخلص من وجود ملايين اللاجئين السوريين في أراضيها وتعيدهم إلى سورية بأمان.
الحوار الكردي – الكردي الذي تقوم به الأحزاب والقوى الكردية في الجزيرة السورية، والذي يفتقر إلى الرؤية الوطنية الشاملة، ويتجاهل الأغلبية المستقلّة التي لا تشعر بالرضى عن سياسات الأحزاب الكردية وتوجهاتها. كيف تنظرون إليه؟ وما البديل السياسي لحلّ القضية الكردية في إطار الحلّ الديمقراطي العامّ في الدولة السورية في مرحلة ما بعد الأسد؟
القضية الكردية جزء من القضية السورية، ولا يجوز الفصل بينهما، لقد تعرض بعض الكرد لاضطهاد مثل بقية الشعب السوري، ومن حقّهم أن ينالوا كلّ حقوق المواطنة، بوصفهم سوريين، وأن تكون الإدارة المحلية واسعة الصلاحيات في سورية كلها، ولكن من يطالبون باقتسام سورية يهدّدون وحدة الوطن، وهذا ما نرفضه.
هل تخشون حدوث تجزئة أو تقسيم واضح ومعلن لسورية مثل ما حدث في يوغوسلافيا؟
هناك تخوف من أن يصرّ بعض الأكراد بدعم خارجي على تقرير المصير وإعلان مقاطعة مستقلّة، في ما يسمّونه (كردستان سورية) وسيفتح هذا شهية بعض الإثنيات على تصرف مشابه، فتضيع سورية، وستقع صراعات دموية بين شرائح المجتمع السوري ومكوّناته، لا سمح الله، إذا حاول أحد أن يقسم سورية. وأشدّ ما أخشاه أن يظهر صراع كردي عربي، وهو ما لم يحدث قط في تاريخنا المشترك كلّه، لأنّ العرب والكرد كانا أمة واحدة في التاريخ، منذ أن دخل الكرد في الإسلام ورفعوا رايته.
ما موقفكم من زجّ المقاتلين السوريين في الصراع الليبي المسلّح؟
السوريون أولى بقضيتهم، وأرفض أن يتحوّل أيّ سوري إلى مقاتل مرتزق في أيّ صراع خارج بلاده.
- المثقّفون الثوريون وثقافة الثورة
بعد كل ما عاينته من أحداث ولا سيما في العشرية الأخيرة، نسأل: ما رؤيتكم اليوم إلى مفهوم الوطن والهوية؟
الوطن ليس الجغرافيا فقط، وليس اللغة الواحدة فيه، وإنّما هو الأنا الجماعية التي تنتمي إليها مجموعة سكانية، بغض النظر عن اختلاف الأديان والأعراق، توافقت على العيش المشترك، فضلًا عن التوارث الجيني لهذا الانتماء، وكثير من السوريين يحملون اليوم جنسيات مختلفة، ويعيشون خارج سورية، ولكنّهم سوريون بالولادة وبالإرث الثقافي وبالرباط الحضاري والفكري والعاطفي أيضًا، حتى الذين ولدوا خارج سورية ينتمون إلى سورية، كانتمائهم إلى آبائهم وأجدادهم، حيث يشكّل التاريخ تدفقًا مستمرًّا في الأجيال الوارثة، وسيكبر الشعور بالمواطنة مع انتهاء القضية السورية إلى حلول ديمقراطية، تحقّق شيئًا من العدل يقوي الانتماء، لأنّ غياب العدل يدعو المواطنين إلى الهرب من أوطانهم بحثًا عن أمان من الجور والظلم. والهوية هي مفردات الشخصية، هي كيانه الداخلي، وهي أناه الفردية الملتصقة بمن هم أهله وسربه ومجموعته. وفيها تدرجات صاعدة، من القرية أو المدينة التي وُلد فيها، إلى المنطقة، إلى الوطن إلى الأمة، ثمّ إلى الإنسانية جمعاء.
من خلال تجربتكم، ككاتب ومثقّف بارز شغل مناصب سياسية في بلده، حدّثنا عن رؤيتك للمثقّف الذي يزاول العمل السياسي، وعن التقاطعات التي تنشأ بين ما هو سياسي وما هو ثقافي، وهل فعلًا لا يوجد تعارض بين السياسي والثقافي؟
المثقّفون ليسوا كتلة متشابهة في الرؤية والمعرفة والسلوك، هم كغيرهم من الناس يتفاوتون، ولا يمكن إطلاق سمات موحّدة عليهم، هناك مثقّفون التزموا بقضايا الشعب وناضلوا معه، وضحوا بكلّ ما يملكون دفاعًا عن حقّ شعبهم في الكرامة والحرّية، وإنهاء الاستبداد والطغيان، وهناك مثقّفون دافعوا عن الاستبداد ووجدوا له المبررات، وحافظوا على وظائفهم ومصالحهم، ومن عمل من المثقّفين في السياسة تعرّض لتلك المؤثرات، فمثقّفو السلطة نبذهم الشعب، ومثقّفو الثورة تصدروا المشهد السياسي المعارض، بعضهم نجح في التعبير عن القضية، وبعضهم أخفق، ولا توجد أحكام شاملة أو مطلقة، وعلينا أن نرى حجم الإنتاج الفكري والأدبي والفني الذي أثرى به المثقّفون الثوريون ثقافة الثورة، لقد تراكمت أدبيات ممتازة، شعرًا وقصة ورواية، بشكل لافت، والسياسيون المثقّفون باتوا محكومين بتدويل القضية السورية الذي سحب منهم القرار، ولهذا باتوا يتخبطون وقد خاب رجاؤهم بمن كان يدعم قضيتهم، وهم الآن يدفعون -مثل كلّ شعبنا- ثمن الصراعات الإقليمية حولهم.
رأى الراحل المفكّر الدكتور صادق جلال العظيم أنّ “في ثقافتنا ومجتمعاتنا ما يكفي من العناصر السلطوية والتسلطية والسلبطجية والأبوية والأبوية المحدثة والثأرية، بما يجعل إعادة إنتاج نظام الاستبداد مجددًا، بصورة أو أخرى، احتمالًا واردًا ومخيفًا”. ما تعليقكم؟
أرجو ألّا تقع سورية في مستنقعات الفوضى والصراعات مستقبلًا، كما حدث في العراق بعد انهيار الدولة، وكما يقع في ليبيا واليمن ولبنان، ولذلك ندعو إلى الانتقال السياسي الهادئ عبر مجلس عسكري مدني وهيئة حكم انتقالي، تمتلك كل الصلاحيات.
- الامتحان كشف عطب الكثير من المثقّفين
الحالة السياسية العربية تمرّ بحالة تردٍّ وتشظٍ؛ فماذا تقولون عن الحالة الثقافية الراهنة في وطننا العربي عامّة، وفي سورية على وجه الخصوص؟
المرحلة الراهنة التي تلت ثورات الربيع العربي شهدت حوارات فكرية غير مسبوقة، لأنّ الثورات أطلقت المخبوء في عقول الناس ونفوسهم، فضلًا عمّا أتاحته التقنيات في عالم الاتصالات، وقد أصبح بوسع كل شخص يحمل هاتفًا أن يجعل منه منبرًا إعلاميًا، ولئن ساهم ذلك في فوضى فكرية، فإنّه بالمقابل كشف المستور، وقد ظهرت كلّ الأيديولوجيات وعبرت عن نفسها كلّ الأقليات، ونشط الحوار الشعبي في وسائل الاتصال مثل “واتساب” و”فيسبوك” وسواهما، وطفا على السطح كلام غث كثير، لكن جزءًا مهمًا من الحواريات العميقة ظهر في كتابات ومقالات كثير من المثقّفين الكبار، فضلًا عن نشاط مهمّ في الإبداع الفني ، شعرًا ورواية ومسرحًا وسينما ودراما تلفزيونية، وهذا تفاعل جاد ومباشر مع ضخامة الأحداث التي مرّت على الأمة، وفي سورية ذروة من هذا الفيض الإبداعي الذي سينضج أكثر في السنوات القادمة، ولا سيما بعد ما أتيح للسوريين بخاصّة من تجارب مثاقفة مهمة مع العالم في تغريبتهم الراهنة، ويبدو أنّ الرواية هي الأكثر قدرة على التعبير عن المأساة ، كما أنّ المراجعات الفكرية بدت صريحة جدًا، ولأوّل مرّة تطرح كلّ العقائد والأفكار لحوار مفتوح.. ولا بدّ من تحمل تداعياته السلبية أيضًا، وقد سقط كثير من المثقّفين وأسميهم (المتعلمين) في مستنقع الدفاع عن الاستبداد، والمفارقة أنّ أغلبهم يساريون، لكن الامتحان كشف عطبهم النفسي الداخلي، وكذب شعاراتهم، كما أنّ الفكر المتطرف في كلّ الاتّجاهات سقط في مستنقع الدماء وكان من أسباب تفاقم البلاء.
برأيكم، هل بإمكان المرحلة التاريخية الدقيقة التي تمرُّ بها بلادنا العربية اليوم أن تُنتج فكرًا مغايرًا؟
بالطبع، سينتج الحوار الصاخب الآن حوارًا يميل إلى الهدوء والتروي مستقبلًا، وسيجد المثقّفون فضاء حرّية أوسع لمراجعاتهم، وسعيهم لتحقيق الحرّية المسؤولة وبناء عقد اجتماعي عادل ومتوازن، ولا بدّ من أن تكون الوسطية هي الحلّ، وأن تنتصر فكرة قبول الآخر وأسس العيش المشترك.
أخيرًا، بعد دخول “قانون قيصر” حيّز التطبيق، ووصول الاقتصاد السوري إلى حافة الانهيار، واتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية السلمية ضدّ الفساد والاستبداد، إلى أين نحن ماضون؟
أعتقد أنّ “قانون قيصر” سيدفع روسيا وإيران إلى مراجعة حساباتهما، فقد رفعت الولايات المتّحدة بهذا القانون إشارة حمراء في وجه روسيا وإيران، وحدّدت أنّ الطريق المفتوح هو القرار 2254 فقط، وليس المتابعة بالحلّ العسكري القمعي، وأتوقّع أن يتمّ الضغط على النظام حتى يقبل بالحلّ السياسي المرتقب.
رياض نعسان آغا في سطور
ولد د. رياض نعسان آغا في إدلب عام 1947، لأبٍ مقرئ هو الشيخ حكمت نعسان آغا، تخرّج في قسم الأدب العربي بكلية الآداب من جامعة دمشق. ثمّ تابع دراسة الفلسفة الإسلامية، وقدّم أطروحة الماجستير بعنوان «المساهمة العربية في عصر النهضة الأوروبية»، ثمّ قدّم أطروحته للدكتوراة في جامعة باكو في أذربجيان، بعنوان «الإعلام والعولمة»، وصدرت في كتاب بعنوان «بين السياسة والإعلام»، عن “دار الفكر” البيروتية عام 2001. كما نال دكتوراة شرف من جامعة روما.
كتب في عام 1972 مسرحية «تراجيديا أوليس» التي أخرجها مروان فنري، وفازت بجائزة “أفضل نص” و”أفضل عرض” في مهرجان المسرح التجريبي.
رشح نفسه مستقلًا لعضوية مجلس الشعب، وفاز في انتخابات الدور التشريعي الخامس 1990. وفي عام 2006 شغل منصب وزير الثقافة في الحكومة السورية.
عُيّن سفيرًا لسورية في سلطنة عُمان، ثم سفيرًا في دولة الإمارات العربية المتّحدة. ونال “وسام النعمان” من سلطان عُمان الراحل قابوس بن سعيد، و”وسام الاستحقاق” من رئيس دولة الإمارات.
أصدر العديد من الكتب في السياسة والفنون والفلسفة والآداب. كما كتب العديد من الأعمال الدرامية التلفزيونية والإذاعية، إضافة إلى عدد كبير من البرامج الثقافية والمنوّعة، التي ساهم في تقديمها على شاشات محلية وعربية عدّة.
مركز حرمون
=============================