مقالات مختارة تناولت تطبيق قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين وتأثيراته المحتملة على سورية والسوريين متجدد باستمرار
===============================
——————————-
غضب قيصر/ خضر خضّور
بعد حوالى عقدين من تربّع رامي مخلوف، ابن خال الرئيس بشار الأسد، على عرش إمبراطورية الأعمال في سورية، يبدو أننا نشهد اليوم أفول هذه الهيمنة. ففي 19 أيار/مايو، حجزت السلطات على أصوله هو وأفراد أسرته، فيما تسري تكهّنات بأن سقوط مخلوف سيُحدث شقاقاً سريعاً قد لا يمكن رأبه في أوساط الدوائر الداعمة للنظام، ولاسيما في صفوف العلويين.
لكن هذا الأمر مستبعد على ما يبدو. فشقيق مخلوف كتب مؤخراً منشوراً على فايسبوك انتقد فيه رامي، مؤكّداً على ولائه للأسد. إذن، يشي تصرّف شقيق رامي بأن حدوث انشقاق جماعي للعلويين عن الأسد أمرٌ بعيد المنال. بل السؤال الأهم ما يمكن أن يكشفه مصير رامي مخلوف حول المشهد الاقتصادي وبيئة الأعمال في سورية، خصوصاً مع اقتراب تطبيق قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية،والذي يشكّل جزءاً من قانون إقرار الدفاع الوطني للسنة المالية 2020. إذ يفرض هذا القانون عقوبات على النظام السوري لارتكابه جرائم حرب، كما يفرض عقوبات على الجهات التي تتعاون اقتصادياً مع النظام والهيئات التابعة له. ومن المتوقع أن يدخل هذا القانون حيّز التنفيذ هذا الشهر.
سيفاقم قانون قيصر عزلة النظام. فثمة جهات عدة، من بينها رجال أعمال ودول في الشرق الأوسط، قد تعيد النظر بشأن مواصلة التعامل مع النظام على ضوء المخاطر الكبيرة التي تُحدق بها. وواقع الحال أن هذا القانون سيقسم سورية إلى منطقتين: الأولى تضم المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام، والثانية يمكن تسميتها “المنطقة الشمالية”. تتضمن المنطقة الشمالية الشمال الغربي الخاضع إلى سيطرة قوات المعارضة المدعومة من تركيا، إضافةً إلى الشمال الشرقي الخاضع إلى قبضة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد وتحظى بحماية الولايات المتحدة. ونظراً إلى أن قانون قيصر يسمّي تحديداً الحكومة السورية، ستُستثنى من العقوبات المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. وبالتالي، مع دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، يبدو أن وطأة الضغوط الاقتصادية ستدفع النظام إلى الاعتماد أكثر على المناطق الشمالية.
قد يتمكّن التجار المحليون من استخدام شبكة اتصالاتهم وعلاقاتهم ليكونوا وسطاء مع العالم الخارجي من أجل إمداد المناطق السورية الخاضعة إلى سيطرة الحكومة بالحاجات اللازمة عبر تركيا والعراق. بالنسبة إلى شمال شرق البلاد، حيث يستخدم معظم السكان الليرة السورية، سيشمل ذلك بشكل أساسي منتجات محلية مثل النفط والقمح. وبالنسبة إلى شمال غرب البلاد، حيث الليرة التركية والدولار الأميركي أكثر شيوعاً، ستشمل الحركة بمعظمها صناعات رخيصة مستوردة من تركيا.
ترتدي الضغوط التي ستدفع النظام إلى الاعتماد على هذه المناطق طابعاً أكثر إلحاحاً نظراً إلى خسارة لبنان، الذي يرزح منذ تشرين الأول/أكتوبر 2019 تحت وطأة أزمة مالية وسياسية حادة. فمنذ الستينيات، أتاح لبنان، وخصوصاً القطاع المصرفي اللبناني، المجال أمام سورية لإجراء معاملاتها التجارية والمالية الدولية متفاديةً العقوبات الغربية. كذلك، شكّل لبنان نافذة سورية نحو الخارج. لا شكّ إذاً أن عجز لبنان عن لعب هذا الدور سيؤدّي إلى مضاعفات كبرى تلقي بثقلها على الاقتصاد السوري.
طيلة سنوات النزاع في سورية، هيمنت على اقتصاد البلاد فئتان من اللاعبين الاقتصاديين البارزين: تتألّف الأولى من نخب تتمتّع بشبكة واسعة من العلاقات وتتحكّم بحصص كبيرة في قطاعات رئيسة مثل السلع الأساسية والطاقة والاتصالات. كان مخلوف سابقاً الشخصية المهيمنة في قطاع الاتصالات، لكنه الآن يواجه بمنافسة من رجال أعمال جدد مثل سامر فوز والأخوة قاطرجي، الذين اكتسبوا نفوذاً خلال فترة النزاع.
أما الفئة الثانية فتتألف من مروحة واسعة من الوسطاء المحليين وأمراء الحرب وغيرهم ممن تمكّنوا من تحقيق الأرباح والاستفادة من سيطرتهم على قطاعات اقتصادية محدّدة من خلال احتكار أنشطة معيّنة، من بينها السيطرة على نقاط التفتيش وطرق التهريب. وفي حين تتحكّم الفئة الأولى بقطاعات كبيرة، تنشط الفئة الثانية على مستوى محلي أكثر، فتعمد إلى استغلال الاحتياجات الأساسية للسكان وتحقق ربحها من الفتات الذي يخلّفه كبار رجال الأعمال.
في هذا الإطار، يُرجّح أن يدفع قانون قيصر هاتين الفئتين إلى إقامة علاقات مع المناطق الشمالية، وبالتالي العمل كوسطاء في العمليات التجارية مستقبلاً. بعبارة أخرى، قد يساهم هذا القانون في جعل الاقتصاد السوري أكثر فساداً مما هو عليه الآن، لأن التعاملات الاقتصادية ستعتمد بشكل أكبر على الشبكات الشخصية، في ظلّ إشراف رسمي محدود أو حتى معدوم.
مع ذلك، تسبّب سقوط مخلوف بصدمة أخرى للنظام. إذ يُرجّح أن يستقي العديد من اللاعبين الاقتصاديين البارزين الدروس والعبر من سقوط مخلوف، ويستنتجوا أنه إذا تمكّن الأسد من إزالة ابن خاله، فهذا يعني أن أياً منهم قد يلقى المصير نفسه. وهذا قد يحفزّهم أكثر على تحقيق عائدات وأرباح سريعة، ويدفعهم على الأرجح إلى نقل أموالهم خارج سورية. تجدر الإشارة هنا إلى أن التخطيط والتطوير اللذين تحتاج إليهما البلاد على المدى الطويل سيصبحان أبعد منالاً. وإن دلّت قضية مخلوف على شيء، فهو أن نظام الأسد ليس شريكاً أو حليفًا يعوّل عليه، ولا حتى لأولئك الأكثر ولاءً له والأقرب إلى أوساطه الداخلية.
بينما يزداد شعور الأوليغارشية واللاعبين الاقتصاديين البارزين بانعدام الأمان، سيواجه المشهد الاقتصادي السوري جملةً من الصعوبات والتحديات، قد تدفع الوضع إلى الانفجار في أية لحظة، ما قد يؤدّي إلى انهيار مدمّر للغاية. وفيما تنكبّ هذه النخب على مصالحها الخاصة، حتى على حساب تماسك النظام، قد يبدأ المسؤولون في القصر الرئاسي بفقدان السيطرة على قراراتهم، أي أنهم قد يصدرون الأوامر، لكن لن يكون من الواضح إلى أي مدى سيتم الامتثال لها أو تنفيذها.
وما يزيد الطين بلّة أن كل هذا يحدث فيما التدهور الاقتصادي السريع في سورية يتطلّب اتّخاذ قرارات متّسقة أكثر إلحاحاً، ولاسيما أن حوالى 80 في المئة من السوريين يعيشون الآن تحت خط الفقر. إذن، بات الشعار المؤيد للأسد للعام 2011 “الأسد أو لا أحد” نبوءة ذاتية التحقق، إذ تقف سورية الآن أمام احتمال أن تصبح دولةً لا يسيطر عليها أحدٌ بالكامل.
قال أحد المقرّبين من النظام مؤخراً، وهو يصف الانهيار المحتمل في سورية: “سترى مثلاً كيف أن قائد مطار عسكري لن يفرّ مع عائلته وحسب، بل سيأخذ معه أيضاً سرباً من الطائرات”.
مركز كارينغي للشرق الأوسط
قانون قيصر و”الأزمة” السورية/ معن طلّاع
تبحث الورقة في تداعيات قانون قيصر على الأزمة السورية، وترى أنه سيغير في قواعد اللعبة السورية لتكون ضد النظام بعد أن كانت تصب لصالحه بطريقة أو أخرى؛ إذ يشير هذا القانون إلى عودة نوعية للولايات المتحدة الأميركية إلى الملف السوري عبر العقوبات، لتضمن تأخيرًا في شرعنة الأسد في محيطه العربي والإقليمي، ولتعزز من فرضيات الفشل الوظيفي له ومواجهته لأزماته المتراكمة والمتلاحقة، ولتزيد من خنق إيران و”أذرعها الإقليمية” وتجعل من التدخل الروسي تدخلًا ذا كلفة سياسية عالية.
مقدمة
بعد سلسلة من حزم العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على شخصيات وشركات سورية وأجنبية، ستبدأ الإدارة الأميركية، في 17 يونيو/حزيران 2020، سلسلة جديدة من العقوبات تحت اسم “قانون قيصر”، وتطول هذه العقوبات كافة الشركات والشخصيات السورية والأجنبية التي تبيع أو تزود حكومة النظام ببضائع أو خدمات أو تقنيات للقطاعات العسكرية والنفطية ولكل ما يمت بإعادة الإعمار بصلة.
حظي “قانون قيصر” الأميركي بتأييد الجمهوريين والديمقراطيين؛ ويأتي كعقاب لنظام الرئيس، بشار الأسد، جرَّاء الانتهاكات الانسانية التي ظهرت في 55 ألف صورة توثِّق جرائم الأسد في السجون والمعتقلات في سوريا، سربها المصور العسكري المنشق عن النظام المعروف بالاسم المستعار “قيصر”. وقد تردد هذا الأخير على الكونغرس الأميركي باستمرار على مدى الأعوام الماضية، وعرض صوره على المشرِّعين، لحثهم على ضرورة الضغط على نظام الأسد لوقف “جرائمه”.
تتزامن هذه العقوبات مع مشهد محلي متأزم على المستوى الاقتصادي بالنسبة للنظام، الذي يواجه سلسلة من التحديات بعضها مرتبط بإعادة تشكيل شبكات تحكُّم النظام، من جهة، وتتعلق بأسئلة التسوية وما بعد الحرب، من جهة ثانية. لذا، سيحاول هذا التقرير ابتداءً تقديم استعراض موجز لتاريخ العقوبات على النظام السوري وسياقاته السياسية، كما سيسعى إلى تبيان ماهية قانون قيصر وغاياته الأميركية، المباشرة منها وغير المباشرة، ثم يبحث في تداعيات هذا القانون على طرفي الصراع السوري (النظام والمعارضة)؛ ليقف في ختامه على مجمل صورة المشهد السوري وسيناريوهات المسار الذي سيسلكه هذا المشهد بعد قانون قيصر.
تاريخ العقوبات الأميركية على النظام السوري
يعود تاريخ أول حزمة عقوبات أميركية على النظام السوري لعام 1979 وذلك على خلفية تصنيفها ضمن فئة الدول “الراعية للإرهاب”، ثم تجددت تلك العقوبات من قبل إدارة ريغان، 1986، وقد شملت العقوبات حظر تصدير السلع أو التجهيزات التي تحتوي على مكوِّن أميركي بنسبة 10% فأكثر، كما استمرت العقوبات بأشكال أخرى في عهد إدارتي جورج بوش الأب (1989-1993)، وبيل كلينتون (1993-2001) كتخفيض الصادرات الأميركية إلى سوريا(1).
وتجددت العقوبات الأميركية في ظل إدارة بوش الابن بإقرارها لقانون محاسبة سوريا واسترداد سيادة لبنان (2003) وما لحقه من مجموعة قرارات تنفيذية تضمنت منع التعامل الاقتصادي والاستثماري بين البلدين ومنع الشركات الأميركية من دخول السوق السورية -باستثناء الأنشطة المتعلقة بالدواء والغذاء- وتجميد أرصدة الحكومة السورية في البنوك الأميركية وتخفيض التمثيل الدبلوماسي وتقييد حركة الدبلوماسيين السوريين(2).
على خلفية حملات القمع التي انتهجها النظام حيال الحراك الثوري في سوريا؛ وفي أول خطوة ملموسة لواشنطن للرد على حملة القمع، فرضت الولايات المتحدة، في 29 أبريل/نيسان 2011، حزمة من العقوبات على النظام السوري تضمنت تجميدًا للأصول وحظرًا للتعاملات التجارية الأميركية، وفي 18 مايو/أيار 2011، أضافت واشنطن بشار الأسد ورئيس الوزراء ووزيري الداخلية والدفاع ومدير المخابرات العسكرية ومدير فرع الأمن السياسي إلى قائمة العقوبات؛ وفي 29 يونيو/حزيران 2011، ذكرت وزارة الخزانة الأميركية أنها ستفرض عقوبات على الأجهزة الأمنية الأربعة (إدارة المخابرات العامة وشعبة المخابرات العسكرية وإدارة المخابرات الجوية وشعبة الأمن السياسي) وستجمِّد أي أصول تقع تحت السلطة القضائية الأميركية وحظرت على الأميركيين أي تعامل مع تلك الأفرع(3).
ووسَّعت وزارة الخزانة الأميركية نطاق العقوبات ضد النظام، في 10 أغسطس/آب 2011، إذ جمدت أصول المصرف التجاري السوري واستهدفت العقوبات شركة سيريتل للهاتف المحمول، والتي تعود ملكيتها لرامي مخلوف؛ وبعد أسبوع فرضت واشنطن عقوبات جديدة شملت فيما شملت تجميد كل أصول لحكومة النظام الموجودة في الولايات المتحدة أو الخاضعة للاختصاص القضائي للولايات المتحدة. وتحظر العقوبات على الأميركيين أيضًا القيام باستثمارات جديدة أو تقديم خدمات لسوريا كما حظرت استيراد المنتجات النفطية السورية. وأضيفت شركات أخرى الى القائمة السوداء منها شركة تسويق النفط السورية (سيترول) والشركة السورية للنفط. وأضافت الوزارة، في 1 ديسمبر/كانون الأول 2011، اسم محمد مخلوف، خال الرئيس الأسد، واللواء أوس أصلان والمصرف العقاري ومؤسسة الإسكان العسكرية. وتتابعت هذه العقوبات في عام 2012 على خلفية تعاطي النظام العنيف مع الحراك الثوري وتركزت العقوبات على غلق السفارة ومنع استيراد وتصدير النفط من وإلى سوريا وكذلك على القطاع المالي والنقدي بمنع تعزيز الاعتمادات المستندية وتجميد جميع الأصول المالية في أوروبا وغيرها(4).
عمومًا، منذ تاريخ 2004 وحتى تاريخ نهاية عام 2012 شملت العقوبات الأميركية (تجميد أصول ومنع تعامل)، وفقًا لتصنيف المكتب الأميركي لمراقبة الأصول الأجنبية OFAC، حوالي 25 شخصًا شملوا رئيس النظام وأقاربه وقيادات حزبية ووزراء وقادة أمنيين وعسكريين وسفراء؛ وقرابة 25 مصرفًا حكوميًّا وخاصًّا وهيئة حكومية وأمنية وعسكرية وشركات اقتصادية(5).
وفي قرار يؤكد على التعامل التجاري -غير المباشر- للنظام مع تنظيم الدولة، فرضت وزارة الخزانة الأميركية، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، عقوبات على أربع شخصيات وست هيئات سورية وروسية وقبرصية، بتهمة تشكيل شبكة تقوم على تسهيل عملية شراء النفط من منشآت يُسيطر عليها تنظيم “داعش”(6).
وفي يوليو/تموز 2016، أدرجت الولايات المتحدة الأميركية 8 أشخاص و7 شركات على القائمة السوداء لمساندتهم نظام الرئيس الأسد وتقديم المساعدة لبرنامجه التسليحي ومعاونة من هم مدرجون على قائمة العقوبات الأميركية سابقًا. في عام 2016، تقدمت مجموعة من النواب الجمهوريين بمشروع قانون لفرض عقوبات على النظام تحت اسم (قانون سيزر-القيصر) وهو منشق عسكري عن النظام، قدَّم عشرات الآلاف من الصور الدالَّة على التعذيب داخل السجون السورية(7)، لكنه غاب في الأدراج نظرًا لعدم رغبة أوباما في إصدار قانون “عقوبات قاس” على النظام خشية تأثير ذلك على مفاوضات الملف النووي الإيراني(8).
وعلى خلفية إعلان لجنة آلية “التحقيق المشتركة” التابعة لمنظمتي حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة، عن ضلوع نظام الأسد في 3 هجمات بأسلحة كيماوية في سوريا في عام 2016 ؛ فرضت الولايات المتحدة، في مطلع عام 2017، عقوبات على مركز الدراسات والبحوث العلمية و5 مؤسسات عسكرية و18 مسؤولًا رفيع المستوى جرَّاء تورطهم في برنامج أسلحة النظام السوري للدمار الشامل، كما شملت مؤسسات “القوى الجوية” و”قوى الدفاع الجوي” و”البحرية” و”الحرس الجمهوري” و”منظمة الصناعات التكنولوجية السورية” (الأناضول)(9). وفي أبريل/نيسان 2017، جرى فرض عقوبات على 271 موظفًا في مركز الدراسات والبحوث العلمية كانوا قد عملوا في برامج الأسلحة الكيماوية السورية لأكثر من خمس سنوات(10).
ولأسباب مرتبطة بالتسهيل المالي والتجاري واللوجستي لمن شملتهم العقوبات الأميركية، فرضت وزارة الخزانة الأميركية، في 17 مايو/أيار 2017، على محمد عباس، المسؤول عن إدارة شركتي “الأجنحة” بدمشق، و”بارلي أوف شور” في بيروت، وهما شركتان مستخدَمتان في نقل الواردات المالية لرامي مخلوف إلى خارج سوريا، ومنظمة “البستان” الخيرية ومديرها سمير درويش وإياد وإيهاب مخلوف (إخوة رامي). كما شملت العقوبات “بنك الشام” الإسلامي لتقديمه الدعم لحكومة النظام؛ ومدير العقود في “مركز البحوث والدراسات العلمية”، محمد بن محمد بن فارس قويدر(11).
وفي أواخر عام 2019، وبعد سلسلة من التعديلات والتغييرات والتأجيلات؛ وقَّع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، قانون موازنة الدفاع الذي يتضمن “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا لعام 2019″ بعد موافقة مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس عليه. وسُمي التشريع بـ”قانون قيصر” والذي اعتبرته الإدارة الأميركية “خطوة مهمة لتعزيز المحاسبة عن الفظائع التي ارتكبها النظام”(12).
قراءة في القانون وغاياته الأميركية
بدأت مجموعات ناشطة في الجالية السورية الأميركية منذ عام 2014 بتسهيل مهمة قيصر والتأثير على إدارة أوباما آنذاك لاستصدار قانون عقوبات ضد النظام السوري، كما حاولت نقل هذا التأثير للصحافة الأميركية وبدأت بتقديم طلبات مساعدة من أعضاء الكونغرس بطرح القانون أولًا والتصويت عليه تاليًا؛ إلا أن جهودها لم تثمر آنذاك؛ وفي إدارة ترامب تلاقت مصالح تلك المجموعات مع مصالح إدارة ترامب وتم اصدار القانون في نهاية العام المنصرم (2019)(13).
يسعى “قانون قيصر” إلى توسيع نظام العقوبات التي كانت تستهدف النظام خلال سِنِي الصراع (تجميد أصول وإضافة إلى القوائم السوداء) عبر استهداف المؤسسات الحكومية السورية والأفراد، من مدنيين ومسؤولين، الذين يمولون النظام السوري وروسيا وإيران، سواء أكان هذا التمويل متعلقًا بأنشطتهم العسكرية أو جهود إعادة الإعمار أو انتهاكات حقوق الإنسان. كما يفتح الباب أمام فرض عقوبات على أصحاب الشركات الأجنبية التي تجمعها صلات بالأسد وحلفائه؛ والجدير بالذكر أن القانون يستثني ببعض بنوده المساعدات الإنسانية من العقوبات، وذلك عبر إعطاء الرئيس الأميركي صلاحية عدم فرض العقوبات على المنظمات غير الحكومية التي توفر المساعدات الإنسانية لسوريا(14).
تستند منهجية القانون، التي أُدرجت ضمن ميزانية وزارة الدفاع، على إجراءات وعقوبات وشروط لرفعها؛ إذ بيَّن القانون أنه خلال مدة أقصاها 180 يومًا يُجري وزير الخزانة الأميركي دراسة حول عمليات غسل أموال يقوم بها مصرف سوريا المركزي؛ بالإضافة إلى تقديم أي شخص أو جهة على علم بسريان “القانون دعمًا ماليًّا أو ماديًّا أو تقنيًّا أو ينخرط بصفقات مع نظام الأسد، بما في ذلك أية جهة تابعة للنظام أو أي مسؤول رفيع المستوى ضمن النظام؛ كما أوضح القانون أيضًا أنه عند مرور 90 يومًا من تاريخ سريان “قانون قيصر” يتوجب على رئيس الولايات المتحدة الأميركية إنزال العقوبات بحق أي شخص يتعامل مع النظام، كما تنزل العقوبات أيضًا على أي شخص يقدم بضائع أو معلومات تسهِّل على النظام التوسع في سيطرته على الإنتاج النفطي من البترول والغاز النفطي ومشتقاتهما. كما تطول العقوبات أية جهة تقدم قطع غيار أو بضائع تتعلق بالطائرات التابعة للنظام وخاصةً التي تُستخدم عسكريًّا مهما كانت جنسيتها. كما يتيح القانون فرض عقوبات على أية جهة تقوم بشكل مباشر أو غير مباشر بتقديم خدمات للنظام فيما يتعلق بإعادة الإعمار.
أما فيما يتعلق بشروط رفع العقوبات ضمن هذا القانون، وهو ما يمكن اعتباره تعبيرًا رسميًّا عن غايات واشنطن؛ فهي متمثلة بستة شروط موضحة بما يلي(15):
وقف عمليات القصف بالطيران من قبل النظام أو روسيا للمدنيين.
التزام القوات السورية والروسية والإيرانية والكيانات المرتبطة بها وقف قصف المنشآت الطبية والاستشفائية ودور التعليم والمجمعات السكنية أو التجارية.
وقف القيود التي تضعها القوات السورية والروسية والإيرانية وكل الكيانات المرتبطة بها، على وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق والمدن والقرى المحاصرة، والسماح للمدنيين بحرية الانتقال.
إطلاق المعتقلين السياسيين المحتجزين قسرًا، ومنح المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حق الوصول إلى السجون ومراكز الاعتقال في سوريا.
تأمين العودة الآمنة والطوعية الكريمة للسوريين اللاجئين بسبب الحرب في سوريا.
محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا، وتقديمهم إلى العدالة، وتأمين الدخول في عملية المصالحة والحوار.
عمومًا، تتعدد الغايات الأميركية وراء هذا القانون وتتموضع في مستويات مرتبطة بحلفاء النظام ومستويات متعلقة بسياسات واشنطن نفسها ومستويات متعلقة باستراتيجية الولايات المتحدة الأميركية في سوريا.
أما المستويات المتعلقة بحلفاء النظام؛ فتستمر الولايات المتحدة بسياسة عرقلة جهود الروس وجعل تدخلهم في سوريا “ورطة” عبر تعظيم كلف استحقاقات النظام بعد الحرب وربط الروس بنظام غير قادر على إدارة الدولة وغير مسموح له بالتعويم؛ كما يُفهم هذا القانون بأنه سلسلة جديدة من سلاسل محاصرة إيران اقتصاديًّا وتقليص أوراق قوتها التفاوضية خاصة بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الذي وقَّعته طهران مع إدارة أوباما. إذن، تسعى واشنطن من وراء هذا القانون إلى جعل الروس متورطين و”شركاء تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة”، كما تُعزز من العقوبات المفروضة على إيران لتشمل المؤسسات والهيئات ذات الصلة، وعلى وجه الخصوص حزب الله اللبناني.
ولا شك في أن هذا القانون لا ينفك عن أنه استمرار لتبني الإدارة الأميركية بقيادة “دونالد ترامب” العقوبات كإحدى أدوات سياساتها الاقتصادية، وهي من أهم أنواع السياسات التي تندرج في إطار السياسات الدولية الردعية الهادفة لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية محددة، من خلال ممارسة الضغط على الدول المستهدفة بالعقوبات بهدف تغيير مواقفها في الاتجاه الذي تريده الدولة التي تفرضها؛ حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على العديد من الدول، مثل: روسيا، والصين، وكوريا الشمالية، وإيران، وتركيا، وقديمًا ليبيا وكوبا.
أما فيما يتعلق بالمستوى المرتبط باستراتيجية الولايات المتحدة في سوريا؛ فهي تهدف من استصدار هذا القانون بمنهجية مختلفة، العودة النوعية للملف السوري عبر تعزيز مبدأ المساءلة (كما صرَّح مايك بومبيو في بيان لوزارة الخارجية الأميركية)(16)، ويوفر لأميركا “أدوات للمساعدة في إنهاء الصراع” والعودة بشروط تفاوض قوية والضغط على النظام وحلفائه لجرِّه للعملية السياسية، وإجباره على الرضوخ للقرارات الدولية؛ إذ تؤكد قراءة القانون اتساقه إلى حد كبير مع قراري مجلس الأمن 2118 و2254، مع إمكانية تعليق العقوبات في حال تخلى عن سياساته الحالية.
تداعيات قانون قيصر على أطراف الصراع المحلية
فضلًا عن أن القانون أداة ضغط شديدة على النظام، فإنه يأتي في ظل أزمات محلية (خلاف رامي مخلوف مع نظام الأسد وجائحة كورونا)(17)، وبالتوازي مع أزمات في مجاله الحيوي، لبنان والعراق، ما يجعل الاقتصاد السوري -المعتل أساسًا- في أضعف مستوياته(18)؛ وليضع النظام في عزلة مستدامة؛ لأنه سيدفع دولًا عربية وأجنبية بالإضافة إلى العديد من الشركات التي بدأت تفكر بامتيازات في سوريا، إلى إعادة النظر بشأن مواصلة التعامل مع النظام تفاديًا للمخاطر الكبيرة المتوقعة بموجب قانون قيصر.
يوسِّع قانون قيصر مساحات الشلل في بنية النظام الاقتصادية؛ لاسيما أن واشنطن تتحكم بنسب عالية من نظام التحويلات المالية عبر العالم، لذا فإن مقاطعتها للنظام المصرفي بما ذلك البنك المركزي وفرض عقوبات عليه في بلد مثل سوريا، تعني شلَّ التجارة والصناعة والخدمات فيه، كما تعني أن القسم الأكبر من الدولار والعملات الصعبة الأخرى اللازمة لاستيراد الأغذية والأدوية ومستلزمات الإنتاج لا يمكن توفيرها. ومن شأن هذا الحرمان أن يقود إلى انهيار الليرة السورية -فقدت 40 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء منذ شهر يونيو/حزيران لعام 2020(19)- وارتفاع جنوني في الأسعار وزيادة نسبة الفقر التي يعاني منها حاليًّا 90 بالمئة من السوريين، بينما يعاني أكثر من الثلثين منهم من الفقر الشديد.
ويمكن لهذا القول: إن النظام بين خطرين وجوديين: الأول: تعاظم الضغوط المحلية المتأتية من ارتفاع مستوى الفقر العام في سوريا وما ستفرضه من حركات احتجاجية كما هو الشأن في السويداء، أو المتأتية من عدم قدرته على ضبط أزمة مخلوف وتداعياتها المحتملة على الاقتصاد بشكل عام أو على طبقة المنتفعين المتحكمين بالاقتصاد وخشيتهم من مصير مشابه لمخلوف(20)؛ والخطر الثاني هو عدم قدرة الحلفاء على تقديم دعم مادي نوعي واكتفائهم بالدعم السياسي الذي بنهاية المطاف هو متحصل ومستمر.
على الرغم من استثناء مناطق الإدارة الذاتية من قانون قيصر فإن الأخيرة لن تغامر باستمرار العلاقات التجارية مع النظام لاسيما في مجال النفط؛ ما يضيِّق هوامش الحركة للنظام؛ وستنتهز قنوات النظام الرسمية فرصة بدء تطبيق القانون في سبيل تخفيف آثاره بطرح شعار مواجهة “الحرب الاقتصادية ضد الشعب السوري”، واستخدامه مجالًا للنشاط الدبلوماسي في أروقة الأمم المتحدة؛ وأداة قمع في وجه الحراك الاحتجاجي الناشئ(21)، ومبررًا لتهمة أمنية يطارد بموجبها النظام التجار والصيارفة، ولتكون قرارات النظام حيال هؤلاء أشبه بما قام به مع رامي مخلوف.
وعلى الرغم من وجود مؤشرات على أن النظام مستمر في عزمه على إجراء الانتخابات النيابية، في 19 يوليو/تموز 2020، في اتجاه مخالف لمسار جنيف وقرار 2254 وأجندته المتعلقة بالانتخابات؛ فإنه لا يُستبعد أن يجري وضع خطة روسية تقوم على مبدأ التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل شراء الوقت؛ تقدِّم من خلالها -بالاتفاق مع النظام- طرحًا يفيد بولوج النظام بأعمال اللجنة الدستورية وتأجيل الانتخابات واعتبارها مؤشرًا على الاستجابة.
أما فيما يتعلق بتداعيات قانون قيصر على المعارضة، فإنها تتجه على المستوى الاقتصادي وبالتضافر مع حليفها التركي، نحو استبدال التعاملات التجارية والمعاشية من الليرة السورية إلى الليرة التركية كخطوة استتباقية لتفادي تبعات انهيار الليرة. أما على المستوى السياسي، فإن القانون والعودة النوعية لواشنطن إلى الملف السوري يعطيان فرصة للمعارضة للفاعلية السياسية واستثمار ذلك لزيادة الخناق على النظام، إلا أن الخلافات التي تشهدها هيئة التفاوض السوري حول تمثيل بعض الكتل فيها، لاسيما كتلة المستقلين، جعلتها مشغولة بنفسها. وبالمقابل، شكَّل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية فريقًا خاصًّا لمتابعة تطبيق وتنفيذ “قانون قيصر” والقيام بسلسلة نشاطات دبلوماسية مع الدول الداعمة لها، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، لما أسماه بيان الائتلاف بـ”تفعيل القانون والاستفادة منه لأقصى درجة” بالإضافة إلى وضع آليات العمل لتحديد الجهات التي تعمل مع النظام وتساعده في الالتفاف على العقوبات، وتساهم في إمداده بالمقاتلين والأسلحة(22).
السيناريوهات المحتملة للمشهد السوري بعد قيصر
على الرغم من شدة التداعيات المتوقعة للقانون على النظام، إلا أن اعتقادًا بعدم جدوى العقوبات كمبدأ في تقويض سلطة النظام، يتعزز في مخيال النظام؛ مستندًا على أن هذا النهج ليس بجديد، وأن الدول التي تتعرض لعقوبات مثل روسيا وإيران بنت سياساتها وعلاقاتها على أساس تلك العقوبات، وعملت على سياسات البدائل سواء في علاقاتها الدولية أو في سياساتها الداخلية، كما حدث في المشروعين، النووي والصاروخي، الإيرانيين اللذين تأسسا وتطورا في ظل العقوبات، كما خاضت في ظل العقوبات حرب الثماني سنوات ضد العراق، وخاض نظام الأسد -وإلى جانبه إيران وروسيا- الحرب على السوريين في السنوات التسعة الماضية(23). وفي حين تبدو هذه المقاربة هي النهج الأكثر توقعًا لتعاطي النظام؛ فإنها تجعل سير المشهد العام باتجاه السيناريوهات التالية:
السيناريو الأول: تجميد الصراع في إدلب بعد أن بدت مؤشرات بعودته يرافقه تجميد في المسار السياسي؛ والتفاف كافة الأطراف المحلية وحلفائهم إلى استحقاقاتهم المحلية، ومما يدعم هذا التوقع حركية النظام السابقة وعدم اهتمامه بالضغط الاقتصادي والاستمرار قدمًا باتجاه الحلول الصفرية. وستكون تكلفة هذا السيناريو عالية على النظام إذ ستزداد وتيرة التصدعات الاقتصادية والاجتماعية.
السيناريو الثاني: المواجهة المحلية؛ ربما يشكِّل القانون دافعًا للنظام باتجاه إعادة السيطرة على إدلب لتحسين أوراقه التفاوضية والتفكير في كسر قواعد الاشتباك في شرق النهر (مناطق الإدارة الذاتية) وما ستشكله من فرصة محتملة للسيطرة على مناطق مهمة بالمعنى الاقتصادي؛ وهذا ما يعزز شروطه التفاوضية ويتيح له القدرة على التحكم بمسار التسوية.
السيناريو الثالث: محاولة الالتفاف لكسب الوقت عبر دفع النظام وحلفائه باتجاه إنعاش شكلي للعملية السياسية، مستفيدين من أجواء التفاوض التي ستتيحها شروط القانون والتي أعاد ذكرها مرة أخرى جيمس جيفري، المبعوث الأميركي في تصريحاته الصحفية؛ وهذا ما يجعل تكرار اللقاءات الروسية-الأميركية عنوان المرحلة المقبلة على المدى المنظور؛ والذي يُرتجى منه التوصل إلى تفاهمٍ ما يعيد لموسكو ومن خلفها النظام القدرة على الوقوف والتقاط الأنفاس اقتصاديًّا إلا أنه لا نتائج مضمونة في هذا الاتجاه خاصة أن ملامح عدم الرضوخ هي الملمح الأكثر وضوحًا، وإنْ أبدى النظام رغبة شكلية بالانخراط في العملية الدستورية.
السيناريو الرابع: إنتاج صفقة روسية-أميركية تزيح الأسد عن المشهد السوري وتفاعلاته؛ إلا أنه وعلى الرغم من أن الاستثمار الروسي برأس النظام لم يعد مجديًا بالمعنى الاستراتيجي؛ فإن هذا السيناريو مرتبط بتحول الإشارات غير الرسمية التي طرحها الروس في هذا الصدد (أي التخلي عن الأسد واستبدال آخر به)، عبر مراكز دراسات وشخصيات روسية إلى طاولة الحوار مع الفاعل الأميركي، وهو أمر لم يحدث بعد.
خاتمة
بنهاية المطاف؛ من المتوقع أن يغيِّر قانون قيصر في كثير من قواعد اللعبة السورية لتكون ضد النظام بعد أن كانت تصب لصالحه بطريقة أو أخرى؛ ويشير هذا القانون إلى عودة نوعية للولايات المتحدة الأميركية عبر أداة العقوبات النوعية لتضمن أولًا تأخيرًا في شرعنة الأسد في محيطه العربي والإقليمي، ولتعزز من فرضيات الفشل الوظيفي له ومواجهته لأزمات اقتصادية واجتماعية متلاحقة؛ ولتزيد من خنق إيران وأذرعها الإقليمية وتجعل من التدخل الروسي تدخلًا مزمنًا وذا كلف سياسية عالية.
نبذة عن الكاتب
معن طلّاع
باحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية.
مراجع
(1) العقوبات وأثرها على الأنظمة الشمولية: النموذج السوري دوام السلطوية وتحولها، مدونة نصح، تاريخ 28 أغسطس/آب 2017، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://2u.pw/xBEFf
(2) شادي أحمد، أصل عقوبات “سيزر” الأميركية ضد سوريا وما هو تأثيرها وهدفها، مركز أبحاث كاتيخون، 1 يناير/كانون الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://2u.pw/EBArv
(3) حقائق- العقوبات المفروضة على سوريا، رويترز، 23 مارس/آذار 2012، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://2u.pw/6dZHl
(4) المصدر السابق.
(5) العقوبات الأميركية على سورية، مركز كارينغي للشرق الأوسط، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://2u.pw/1pmiQ
(6) وإذا كان اسم حاكم مصرف سوريا المركزي السابق، أديب ميالة، وُضع في مرحلة سابقة ومتقدمة على قائمة العقوبات في 2012 فإن اسمه لمع مجددًا في هذا القرار نظرًا لشموله لشخصية مقربة منه، وهي: مدلل خوري، حيث تبين لوزارة الخزانة الأميركية قيامه بتمثيل كلٍّ من ميالة وموظفته (بتول رضا) في أنشطة مالية وتجارية داعمة لحكومة النظام ومصرف سوريا المركزي. للمزيد، انظر: عبد المنعم الحلبي، الخزانة الأميركية وضوء جديد على دور أديب ميالة، موقع اقتصاد، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://2u.pw/RCv1n
(7) عقوبات أميركية تطول 8 أشخاص و7 شركات ساعدوا “نظام الأسد”، موقع أورينت، 22 يوليو/تموز 2016، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://2u.pw/FsMH5
(8) مقابلة هاتفية أجراها الباحث مع قتيبة إدلبي، ناشط سياسي مقيم في الولايات المتحدة في تاريخ 11 يونيو/حزيران 2020.
(9) كما شملت العقوبات مدير شعبة الأمن السياسي، محمد خالد رحمون، ومدير الاستخبارات العسكرية، اللواء محمد محمود محلا، والعميد ياسين أحمد ضاحي. كما طالت: قائد القوى الجوية السورية والدفاع الجوي السوري، اللواء أحمد بلول، واللواء طيار، ساجي جميل درويش، والعميد طيار، بديع ملا، وكلاهما من كبار المسؤولين في القوات الجوية السورية؛ “وقائد الحرس الجمهوري السوري، اللواء طلال شفيق مخلوف، والعميد طيار محمد إبراهيم، وهو ضابط في القوات الجوية السورية، بالإضافة إلى اللواء رفيق شحادة، وهو مدير سابق للاستخبارات العسكرية السورية. وكذلك شملت مدير “مركز الدراسات والبحوث العلمية”، العميد غسان عباس، وكادره الإداري كالعميد علي ونوس والعميد سمير دبول والعقيد زهير حيدر والعقيد حبيب حوراني والعقيد فراس أحمد. وفرضت الوزارة الأميركية أيضًا عقوبات على بيان بيطار، المدير الإداري لمنظمة الصناعات التكنولوجية السورية، وهي شركة تابعة لوزارة دفاع النظام السوري. للمزيد، انظر: الخزانة الأميركية تفرض عقوبات على 6 مؤسسات و18 مسؤولًا بنظام “الأسد” جرَّاء تورطهم في هجمات بالأسلحة الكيماوية ضد الشعب السوري، الأناضول، 12 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/eeP5J
(10) بالأسماء.. عقوبات أميركية على 271 موظفًا في مركز البحوث العلمية بدمشق، عنب بلدي، 24 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/p6rne
(11) واشنطن تفرض عقوبات على أشخاص ومؤسسات سورية تدعم الأسد، الخليج أونلاين، 17 مايو/أيار 2017، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/up21z
(12) إبراهيم حميدي، ماذا يعني توقيع ترمب «قانون قيصر» السوري سياسيًّا وعمليًّا؟، الشرق الأوسط، 21 ديسمبر/كانون الأول 2019، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/NXa8w
(13) وذلك وفقًا لما رواه الناشط الحقوقي “محمد غانم” حول الجهود التي بذلتها الجالية السورية في واشنطن للوصول إلى إقرار “قانون قيصر”؛ للمزيد، انظر: هكذا ساهمت جهود الجالية السورية في إقرار قانون “قيصر”، زمان الوصل، 5 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/hMArs
(14) للاطلاع على النسخة المترجمة للغة العربية من قانون قيصر، انظر: النص الكامل لقانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019 – إصدار يناير/كانون الثاني 2019، مركز إدراك للدراسات والاستشارات، 24 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/TzxeQ
(15) المصدر السابق.
(16) Passage of the Caesar Syria Civilian Protection Act of 2019. U.S. Department of state. 20/12/2019 https://cutt.us/PIvGJ
(17) خلاف رامي مخلوف والأسد ظاهره يتعلق بالتهرب الضريبي والإثراء غير القانوني. ظهرت بوادر الخلافات بينهما صيف عام 2019، وتطورت في الشهر المنصرم حتى قامت “الحكومة السورية” بالحجز الاحتياطي على كافة أموال مخلوف كضمان لتسديد المبالغ المستحقة على شركة سيريتل (التي يملكها مخلوف) لهيئة تنظيم الاتصالات في سوريا.
(18) للاطلاع على الواقع الاقتصادي في مناطق النظام، انظر: مناف قومان، الاقتصاد في مناطق النظام.. مؤشرات متدنية عام 2019 وسيناريوهات الهبوط خلال 2020، مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، 10 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/GGkpj
(19) تحليل: من هو السوري الأكثر تضررًا من قانون قيصر الأميركي؟، موقع DW، 14 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/WLZs9
(20) خضر خضور، غضب قيصر، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 3 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/Feufg
(21) أكدت “وزارة الخارجية السورية” أن تصريحات الموفد الأميركي إلى سوريا، جيمس جيفري، بخصوص تفعيل قانون قيصر تشكِّل اعترافًا صريحًا من الإدارة الأميركية بمسؤوليتها المباشرة عن معاناة السوريين. وأوضح مصدر رسمي في وزارة الخارجية أن هذه التصريحات تؤكد مجددًا أن الولايات المتحدة تنظر إلى المنطقة بعيون إسرائيلية لأن المطالب التي يتحدث عنها جيفري هي مطالب إسرائيلية قديمة متجددة لفرض سيطرتها على المنطقة. يُنظر: روسيا اليوم، الخارجية السورية: تصريحات جيفري اعتراف بالمسؤولية الأميركية عن معاناة السوريين، 9 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://bit.ly/2ACigMf . كما أشار العضو السابق في وفد نظام الأسد المفاوض في جنيف، أسامة دنورة أن “الولايات المتحدة لجأت إلى خطة (ب) لديها، وهي سيناريو الخنق الاقتصادي لتحقيق ذات الهدف المتمثل في تطويع الشعب السوري، وليس حكومته فحسب”، موضحًا أن العقوبات الأميركية هي إجراءات اقتصادية أحادية الجانب من خارج إرادة المجتمع الدولي تمثِّل سلوكًا منافيًا للشرعية الدولية، وتجعل منها واحدة من أكثر مظاهر الإرهاب الاقتصادي تجليًا على الساحة الدولية. روسيا اليوم، دخل حيز التنفيذ… ما تأثير “قانون قيصر” على سوريا في ظل العقوبات الاقتصادية المتكررة؟، 3 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://bit.ly/3frt0ff
(22) الائتلاف الوطني يشكِّل فريق عمل قانون “قيصر” لمتابعة تنفيذ القانون وتطبيقه كاملًا، موقع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، 12 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://bit.ly/2B8O4bw
(23) فايز سارة، قانون قيصر والمشهد السوري، موقع جسر، 3 يونيو/حزيران 2020، (تاريخ الدخول: 15 يونيو/حزيران 2020): https://cutt.us/G6Npa
———————————–
كي لا نستعجل تنحية بشار/ عمر قدور
موجة من التفاؤل انتشرت في أوساط المعارضين السوريين، ساهمت في إنعاشها المظاهرات التي انطلقت في السويداء ودرعا، على قلة عددها وأحياناً القلة النسبية للمشاركين فيها، حيث لا يصعب ردّ قلتهم إلى إرهاب الأسد الماثل بقوة. تدهور سعر الليرة مع التدهور المعيشي، رغم ما تنقله الأخبار من بؤس متزايد، ساهما في دعم تلك الفرضية المتفائلة عن انهيار الأسد الذي لا يملك فعل شيء للباقين تحت سيطرته قسراً أو بإراداتهم. بالطبع، شبح قانون قيصر يخيّم على سلطة بشار، مثلما يحضر بقوة في كافة التحليلات، قبل صدور وتطبيق التعليمات التنفيذية في موعدها الأول المفترض غداً.
موجة التفاؤل الجديدة قد تنسينا محطات عديدة سابقة ظهرت فيها سلطة بشار على وشك الانهيار، وأُسعفت من قبل قوى إقليمية ودولية، برضا من قوى دولية وإقليمية أخرى تزعم “أو كانت تزعم” العمل على تنحيته. في المحطات السابقة درسٌ ربما يجب عدم إغفاله الآن، وعدم الظن بأن نهاية بشار صارت قريبة جداً، وإن كان المنطق يؤدي إلى القول باقترابها، أو بحتميتها عندما تحين لحظة التسوية بما أن وجوده باعتراف الجميع “علناً أو ضمناً” وصفة للحرب.
لا ينص قانون قيصر على تنحية بشار، ولا ينص على العكس أيضاً، أي أن هذه مساحة متروكة للتفاوض. إلا أن التزام بشار “الذي لن يحدث” بكافة مقتضياته سيوصله تلقائياً إلى السقوط، لتبقى العبرة في تطبيق القانون، وفي ما منحه للإدارة الأمريكية من مرونة في تطبيق بنوده بناء على تقديراتها. تلك المرونة تتطلب “مرونة” مقابلة من بشار، من نوع التوقف عن قصف المدنيين أو الدخول في المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة، حيث تقرر الإدارة ما إذا كانت العودة إلى المفاوضات تضييعاً للوقت كالمعتاد أو عودة جدية.
في كل الأحوال، الأنظار متجهة إلى حلفاء بشار لأن لهم اليد الطولى في تقرير الموقف من العقوبات، ونصوص القانون المشددة تجاه المتعاملين مع سلطته كأنما موجهة لهم بسبب قدرتهم على اتخاذ المبادرة، لا لفرض حصار تام على النحو الذي فرضته واشنطن سابقاً على صدام حسين. ونخطئ غالباً إذا لم نأخذ في الحسبان طريقة تعامل موسكو وطهران مع العقوبات الاقتصادية الغربية، فالبلدان يخضعان أصلاً للعقوبات بسبب التدخل الروسي في أوكرانيا وبسبب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، ولم تفضِ العقوبات عليهما إلى تغيير في نهجهما السياسي رغم تأثيراتها على اقتصادي البلدين.
لطهران قصة طويلة مع عدم الانصياع للعقوبات الأمريكية، وطوال سنوات كانت سياستها التوسعية في المنطقة طريقاً ناجعاً للتعويض، بل للتفاوض مع الأمريكيين وأحياناً التنسيق معهم في أكثر من ملف. طبيعة نظام الملالي تجعله قليل الاكتراث بآثار العقوبات التي تمس مواطنيه، وتجعله يراهن على قوته وأذرعه العسكرية في الخارج كما في الداخل، حيث لا يرغب العديد من القوى في استفزازه إلى حد يهدد استقرار المنطقة.
أيضاً لروسيا تاريخ طويل مع العقوبات، وحتى مع الانغلاق الذاتي الذي استمر في فترة حكم السوفييت. يُضاف إلى ذلك ما يمكن تسميته بالعقيدة البوتينية المناوئة للغرب وأدواته، ومنها رفض مبدأ العقوبات كوسيلة لتحقيق مآرب سياسية، والرفض المزعوم لانتهاك سيادات الدول وتغيير الأنظمة الحاكمة. من مصلحة بوتين التسفيه والتقليل من أثر العقوبات عموماً، من أجل تسفيه السياسات الغربية عموماً، ومن مصلحته الحفاظ على بعض الأنظمة لا حباً بها وإنما فقط من موقع إفشال سياسات الغرب والنيل من ديموقراطيته.
ما نعرفه عن طبيعة بشار وحلفائه يرجّح عدم الانصياع للعقوبات الأمريكية، وعدم الاكتراث بمعاناة السوريين الذين سيزداد بؤسهم مع تطبيقها، مع التذكير بأن تدني الحساسية إزاء المأساة السورية لا يقتصر عليهم. ومن المستحسن أن نكون حذرين تجاه فرضية الثورة على بشار بسبب الظروف المعيشية المتدهورة، فهو حتى إشعار آخر لديه فائض القوة لقمع الاحتجاجات حال وقوعها، خاصة إذا كان لديه الضوء الأخضر من موسكو وطهران لممارسة البطش الذي يستهويه. إذا لم تحدث مفاجآت، ما يجدر ملاحظته أن المظاهرات الأخيرة انطلقت في السويداء ودرعا حيث كانت تتواتر بين الحين والآخر مظاهر الاحتجاج، ولم نشهد في أماكن أخرى مظاهرات تعكس التذمر والغضب المتزايدين.
لو شئنا تخيّل أفضل سيناريو للمعطيات الحالية فلن يكون الحل قبل سنة، على افتراض تغليب موسكو الاعتبارات العقلانية. مع نهاية السنة تقريباً يكون بشار قد أنهى ولايته “الدستورية”، ما يمنحها ذريعة استبداله بالطرق الدستورية لا انصياعاً للعقوبات الأمريكية. من جهة أخرى، مهلة السنة كافية نظرياً لاستنزاف بشار بتنازلات جديدة يقدّمها لموسكو، وتؤسس من خلالها حضوراً مستداماً. لكن ذلك يستلزم تفاهماً روسياً-أمريكياً “ولو ضمنياً” للتمهيد والوصول إلى هذه النتيجة، ويقتضي العمل على الحد من نفوذ طهران التي ستعرقل أية تسوية لا تلحظ مصالحها، وستعمد إلى مساندة بشار كي يرفض التنحي.
ولأن التسويات “حتى تلك المتفق عليها مسبقاً” قد يتطلب تظهيرها تغييراً في المواقع؛ من المرجح أن نشهد مزيداً من العنف، سواء بسبب سعي طرف أو أطراف لتقوية مواقعها التفاوضية، أو بسبب ما تتفق عليه الأطراف لإخلاء الساحة من المعوقات. الساحة السورية مكتظة بقوى متباينة بالأهداف، وقد يكون من المطلوب تحجيم البعض منها، وإخراج أو سحق البعض الآخر، لأن خريطة تقاسم النفوذ لصيقة بالوضع الحالي وصفقاته الصغيرة، لا بالصفقة الكبرى المحتملة وبالمنضمين إليها من بوابة تمويل إعادة الإعمار. ثم ينبغي عدم نسيان اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، وانتظار الأطراف الأخرى ما سيسفر عنه مزاج ساكن البيت الأبيض الحالي، أو التوجهات المختلفة لخلفه.
السوريون وحدهم من يحسب الوقت بالأيام أو الساعات، ويستعجلون خلاصهم في حين تعمل السياسات الدولية بإيقاعها الذي لا يرحم. ربما، هذه المرة، ينضم إليهم اللبنانيون إذا طُبّق قانون قيصر بقسوة، ما يجعل المعركة أشد لأنها تستهدف الرأس والذنب معاً. غني عن القول أن بشار الأسد ليس في مرتبة الرأس.
المدن
———————————
فورين بوليسي: الحرب تصل إلى عائلة الأسد فهل بدأ الخلاف على الغنائم بين بشار وطائفته؟
إبراهيم درويش
لندن – “القدس العربي”: تحت عنوان “الحرب وصلت إلى داخل عائلة الأسد” نشرت مجلة “فورين بوليسي” تقريرا أعدته أنشال فوهرا قالت فيه إن الديكتاتور السوري ربما سحق الانتفاضة ولكن الأرض باتت تهتز من تحت قدميه.
وبدأت فيه بالقول إن علي سليمان الوحش نال لقب “الأسد” في العشرينات من القرن الماضي لأنه ناشد الفرنسيين حماية الطائفة العلوية في سوريا ذات الغالبية السنية. وقرر اتخاذ لقب “الأسد” بدلا من اسم العائلة الوحش، ولم يكن يعرف أن أبناءه وأحفاده سيحكمون يوما سوريا بل وسيختلفون على غنائم الدولة. وكان الصدع في العائلة واضحا في الثمانينات من القرن الماضي عندما حاول رفعت الأسد الإطاحة بشقيقه الرئيس حافظ الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب قبل عقد من الزمان. واستطاع حافظ تهميش شقيقه وعلم ابنه بشار كيفية قمع التمرد في مهده، عائليا كان أم غير ذلك. وتعلم بشار الدرس كما يظهر من طريقة قصفه للمدن السورية وقتله وتشريده الملايين من شعبه الذين وقفوا ضده. وفعل نفس الأمر مع عائلته، أبناء العم والخال، حيث شدد قبضته عليهم من خلال حوافز مالية أو التهديد. وفي الشهر الماضي حدث ما لم يتوقعه أحد، فقد تحدى رامي مخلوف، ابن خال الرئيس وأغنى رجل في العائلة، الرئيس الذي طالبه بدفع 230 مليون دولار عن ضرائب متأخرة بشكل مزق مظهر التضامن داخل العائلة. ومنذ ذلك الوقت صدرت أصوات من داخل العائلة تثير أسئلة حول فعالية حكومة الرئيس، موجهين أسهم النقد وإن بطريقة غير مباشرة له. ويعتبر نقد مخلوف لنظام الأسد نقطة محورية، لأن بشار لو خسر دعم وتضامن عائلته وأبناء طائفته فهناك أسئلة حول قدرته على النجاة والبقاء في الحكم. وفي الوقت الذي تعامل فيه مخلوف مع طلب دفع أموال كاستفزاز نظر إليه الأسد عبر منظور تبادل المصالح. فثروة مخلوف التي تقدر بـ 5 مليارات دولار وتضم شركات كبرى مثل سيرياتل لم يكن ليحصل عليها لولا علاقته مع النظام ومباركته. وتواجه سوريا اليوم أزمة اقتصادية خانقة حيث هبط سعر الليرة السورية من 50 ليرة للدولار قبل عام 2011 إلى 3.000 ليرة للدولار عام 2020. وتبلغ نسبة السكان الذين يعيشون في الفقر 90%، والدولة والحالة هذه بحاجة إلى مساعدة من مخلوف. إلا أن هذا المنطق لم يكن مقنعا له. ففي أيار/مايو نشر عددا من لقطات الفيديو على صفحته في “فيسبوك” والتي وإن كانت حافلة بالمجاملات إلا أنها حذرت من خسارة الأسد قطاعا واسعا من أبناء الطائفة العلوية، بما في ذلك الميليشيا التي يدفع لها رجل الأعمال.
وحاول مخلوف استغلال خطوط التوتر الطائفي من خلال التلميح لوجود صدع مع زوجة الرئيس، أسماء، والذي لمح إلى أنها تحاول سرقة أموال الطائفة العلوية، بشكل شكك من التزام الرئيس بحماية الطائفة. ومن هنا منح الخلاف أملا لمعارضي الأسد داخل النظام الذين يأملون أن يخرج ضعيفا من المواجهة داخل العائلة والنظام، حتى لو قاوم الأسد أي تحد له بالقوة. وتشير الكاتبة إلى ريبال الأسد، 45 عاما، وهو ابن رفعت الأسد، الذي دخل عام 1994 بمواجهة مع بشار أمام فندق شيراتون. وطلب منه والده مغادرة البلاد. وعندما حاول ركوب الطائرة أوقفه رجال مسلحون و احتجزوه لساعة أو أكثر وأفرج عنه بعد تهديد رفعت شقيقه حافظ أنه سيدخل معه معركة شوارع لو “مس شعرة من رأس ابنه”. ويعيش ريبال في إسبانيا اليوم ووصف لقطات فيديو مخلوف بأنها مجرد “حيلة تهديد” وضحك عندما شاهدها. وقال: “أعرف شخصيا رامي، فهو جبان ولن يواجه النظام وهو لا شيء بدون بشار” و”يمكنك خسارة حياة بطريقة أقل علاوة على تحدي بشار عبر منصات التواصل، هذا مجرد عرض. ويحاول بشار استخدام رامي لكي يخبر الروس أنه سيخسر الدعم داخل العلويين وستؤثر على مصالحهم في المناطق الساحلية حيث تقع قاعدتهم البحرية والجوية”. وتذكر ريبال أحداث 20 تشرين الأول/أكتوبر 1999 عندما تعرض بيت عائلته في اللاذقية لهجوم عسكري، وذلك للتأكد من خلافة بشار لا رفعت لحافظ الأسد. وقال: “كان عمي حافظ مريضا وخلافته مسألة وقت. وكان النظام يريد تمرير الحكم لبشار والتأكد من عدم وجود معارضة له وسحق أي شخص يعارضه، ولهذا السبب هاجموا بيتنا وأنصارنا”. ولا يزال عدد من أبناء رفعت يعيشون في سوريا وأعلنوا ولاءهم للأسد. ولدى بعضهم شعور بالظلم، ومنهم دريد الأسد الذي لم يعارض النظام وظل يمدح بشار إلا أنه كتب تغريدة بعد لقطات فيديو مخلوف دعا فيها بشار لمقابلة عدد من أبناء العائلة الذين يحملون اسم الأسد ولكنهم لم يروه إلا على التلفزيون. وجاء في التغريدة التي نشرها يوم 7 أيار/مايو: “يقولون إن سوريا تحكمها عائلة الأسد، ولدي طلب، هناك 100-200 من أفراد العائلة لم يقابلوك ويريدون رؤيتك، وعدد منهم كبار في العمر ولديهم أولاد ولكنهم لم يروك إلا على التلفزيون”.
ويرى بسام بربندي، الدبلوماسي السابق المقيم في أمريكا، أن جرأة دريد تحمل مصالح خفية “فهذه الصراحة لا يمكن التسامح معها”. و”الآن يتحدى دريد بشار بوضوح لكي يقدم والده، رفعت، كبديل. ولو لم يكن يعرف أن الطائفة غير غاضبة من الأسد لما تجرأ على هذا”. وتعلق فوهرا هنا بالقول إن ريبال ودريد، في جزء من معارضتهما للنظام، مدفوعان بمزاعم عائلتهما في الزعامة السياسية. إلا أن أفرادا آخرين مثل الجنرال عدنان الأسد، همشوا من العائلة وحرموا من الثروة كتلك التي حصل عليها مخلوف. وقاد عدنان مليشيا سرايا الدفاع التي قاتلت مع الأسد الإخوان المسلمين عام 1982 في “مذبحة حماة” التي قتل فيها آلاف من الإخوان والمدنيين. وفي رسالة كتبها إلى مخلوف قبل فترة اقترح فيها أنه لم يعوض بما فيه الكفاية عن ولائه. وفي الوقت الذي عارض فيه الأصوات التي يطلقها رجل الأعمال ووصفه بـ “الحوت الأزرق بين حيتان المال” فقد صور نفسه بالضحية الحقيقية لفساد النظام ولمح ناقدا وإن بحذر لابن أخيه الرئيس. واشتكى عدنان الأسد قائلا: “أقوم ببيع ممتلكاتي لتأمين احتياجات عائلتي. ولا يتجاوز راتبي 50 دولارا بعد 42 عاما من الخدمة في الجيش”. وتقرأ الرسالة كقصيدة متملقة تتخللها قائمة من الشكاوى حول استغلال النظام له. وفي تشرين الأول/أكتوبر نشرت صحف عربية تقارير عن تحد لحكومة الأسد من عائلة عمته بهيجة والتي قتل ابنها غيدق مروان ديب الذي قاتل مع الأسد في دير الزور بداية الانتفاضة، عندما حاول الجيش اعتقاله في بيته باللاذقية بجرائم غامضة. وبتردي الأوضاع الاقتصادية بدأ أنصار النظام يتساءلون عن التضحيات التي قدموها خلال الحرب. وتوقعوا قطف ثمار ما قدموه مع تراجع القتال من خلال المكافآت والترفيعات والعقود التفضيلية وغير ذلك. وبدلا من ذلك أصبحوا أكثر جوعا وفقرا بسبب إفلاس الحكومة. ويقول بربندي إن الطائفة العلوية مندهشة من قصة مخلوف و”يعتقدون أنهم ضحوا كثيرا بدون مكافأة في النهاية”. و”هم غاضبون عندما يرون أن أولاد الخال يتقاتلون حول المليارات في وقت لا يجد فيه الإنسان العادي قرشا واحدا”. ويرى خبراء أن الأسد يخسر دعم طائفته ولكنه من الباكر الحديث عن نهايته. صحيح أن ريبال ودريد رغبا بأن يكون والدهما الرئيس لا بشار، لكن ماضي رفعت ملطخ بالدم في حماة وعمره 83 عاما ومضى الوقت لكي يخوض معركة من أجل الزعامة. ولكن ريبال شاب ويرغب بأنه يكون له دور في السياسة بسوريا: “طبعا أريد ولكن كمعارض وليس جزءا من الحكومة في هذه المرحلة”. أما العائلة الأخرى التي تحاول العودة فهي عائلة وزير الدفاع السابق مصطفى طلاس. وكان ابنه مناف من دائرة بشار المقربة قبل انشقاقه عن النظام. وهو يقيم الآن في باريس. وأشار مناف في تصريحات لصحف روسية إلى أن هناك بدائل عن الأسد لو كانت موسكو مهتمة. ويعتقد فراس طلاس، رجل الأعمال المقيم في الإمارات العربية المتحدة، أن شقيقه هو بديل عن بشار ولكنه لن يعود إلى سوريا إلا “عندما يغادر بشار”. وفي الوقت الحالي تبدو روسيا مهتمة بالسيطرة على بشار لا استبداله. ومن السهل عليها السيطرة عليه في قابل الأيام أكثر من قدرته على التحكم بالبلاد.
القدس العربي
عائلة الأسد تتفكك..وبعضها يتطلع الى وراثة بشار
لم يعد الدعم الذي حظي به رئيس النظام السوري بشار الأسد، طوال عشرين سنة من حكمه، هو نفسه داخل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها. الخلافات داخل عائلته تتمدد، وفعاليات من آل الأسد باتوا ينتقدونه علناً، بعد خلافه الشهير مع ابن خاله، رجل الأعمال رامي مخلوف، الذي تجرأ وانتقده علناً في رسائل مكتوبة ومصورة عبر حساب “فايسبوك”.
وتقول مجلة “فورين بوليسي” في تقرير بعنوان: “الحرب وصلت إلى داخل عائلة الأسد”، إنه “في عشرينيات القرن الماضي، حصل علي سليمان الوحش على لقب الأسد، بسبب استدعائه الفرنسيين لحماية الأقلية العلوية في سوريا التي يهيمن عليها المسلمون السنة. لم يكن الوحش يعلم أن نسله لن يحكم البلاد فحسب، بل سيتشاجر يوماً ما على غنائم دولة ترزح تحت الأنقاض”.
كان الخلاف مرئياً في أوائل الثمانينيات حين حاول نجل علي، رفعت، الإطاحة بشقيقه الأكبر والرئيس آنذاك حافظ الأسد، الذي اغتصب السلطة في انقلاب قبل عقد من الزمان. نجح حافظ في تهميش رفعت وعلّم ابنه بشار الأسد كيف يوقف التمرد، العائلي وغير العائلي، في مساره.
أولى بشار اهتماماً وثيقاً بنصائح والده، كما يشهد على ذلك، قصفه للمدن في جميع أنحاء سوريا وقتل وتشريد الملايين الذين وقفوا ضده في الانتفاضة التي بدأت في عام 2011. كما حافظ على قبضة شديدة على عشرات أبناء عمومته من خلال الترغيب والترهيب عبر مجموعة من الحوافز النقدية، بجانب التهديد الدائم لحياتهم.
استمر ذلك إلى أن حصل ما ليس متوقعاً. خرج رامي مخلوف لينتقد بشار علناً ممزقاً القشرة الضعيفة لتضامن الأسرة الحاكمة. منذ ذلك الحين، شكك العديد من أبناء عمومة الأسد علانية في فعالية حكومة بشار، واستهدفوه بشكل غير مباشر. يبدو أن انتقاد مخلوف هو نقطة انعطاف لنظام الأسد. إذا فقد بشار ولاء عائلته وغيرها من العلويين، فمن الإنصاف أن نتساءل ما إذا كان بقاؤه في السلطة مطلقاً.
في حين يبدو أن مخلوف قد فسّر فرض ضرائب جديدة على شركة الاتصالات التي يملكها “سيريتل” على أنه استفزاز، ربما يكون بشار قد اعتبره طلباً للمعاملة بالمثل، بعد الامتيازات التي حصل عليها مخلوف، والتي أوصلت ثروته إلى حوالي 5 مليارات دولار، بحسب التقديرات. يريد الأسد من مخلوف أن يساعده ليبقى واقفاً على قدميه. لكن هذا الأساس “المنطقي” لم يثبت أنه أقنع مخلوف.
أعطى النزاع أملاً جديداً لمنافسي بشار داخل النظام. يأمل هؤلاء أن يكون مخلوف قد أضعفه بين العلويين، بشكل لا يمكن إصلاحه، وفتح مساحة لتحدي دوره على رأس النظام، رغم أنه من المسلم به على نطاق واسع أن بشار سيقاوم بعنف أي معارضة مباشرة من داخل عائلته، وهذا كان نمطاً ثابتاً في أدائه.
رئبال الأسد، البالغ من العمر 45 عاماً، نجل رفعت، عم بشار، هو واحد من الذين كانوا في الطرف الآخر. في عام 1994، خارج فندق الشيراتون في دمشق، تشاجر مع بشار. خاف والد رئبال وحجز له رحلة وطلب منه المغادرة. في المطار، أطلق حراس رئاسيون مسلحون النار وحاولوا لمدة ساعتين ونصف اعتقال رئبال. تم القبض عليه ولكن تُرك بعد أن هدد رفعت، حافظ الأسد، بأنه سيقاتل في كل شارع في دمشق “إذا أصيبت شعرة من جسد ابنه”، بحسب ما يقول رئبال ل”فورين بوليسي”.
يقول رئبال إن تسجيلات رامي مخلوف “وسيلة للتحايل فيها مخاطرة” وإنه ضحك عندما رآها لأول مرة. ويضيف “أنا شخصياً أعرف رامي. إنه جبان. لن يعارض النظام. هو لا شيء بدون بشار”. وتابع: “يمكنك أن تخسر حياتك بأقل من ذلك بكثير، ناهيك عن تحدي بشار على وسائل التواصل الاجتماعي. هذا مجرد عرض يستخدم خلاله بشار، رامي، لإخبار الروس أنه سيفقد الدعم بين العلويين ما سيؤثر على مصالحهم في المنطقة الساحلية”.
دريد الأسد، شقيق رئبال، كان معروفاً باتباع خط النظام وكيل المديح لبشار، حتى وقت قريب. في تغريدة لاذعة في 7 أيار/مايو، طلب دوريد من بشار مقابلة مئات من الأقارب الذين يشاركونه إسمه الأخير ولكنهم لا يتمتعون بحياته المتميزة. وأضاف: “يقولون إن سوريا هي التي تحكمها عائلة الأسد.. لدي طلب. 100 إلى 200 فرد من العائلة لم يلتقوا بك مطلقاً ويريدون رؤيتك. لقد نشأ الكثيرون منهم ولديهم أطفال لكنهم لم يروك إلا على شاشة التلفزيون”.
وتنقل “فورين بوليسي” عن بسام باربندي، وهو دبلوماسي سوري سابق مقيم الآن في الولايات المتحدة، إن شجاعة دريد المكتشفة الجديدة لها دوافع خفية. ويقول: “لم يكن بشار ليتسامح مع مثل هذه الوقاحة أبداً.. الآن تحدى دريد بشار علانية ليقدم والده كبديل. لو لم يشعر دريد بأن المجتمع غاضب من بشار، فلم يكن ليجرؤ على قول ذلك”.
مع تعثر الاقتصاد السوري، بدأ أنصار الأسد العاديين يتساءلون عما إذا كانت تضحياتهم تستحق ذلك. الموالون دفعوا ثمن بقاء بشار بالدم، وفقدوا آلاف الرجال خلال الانتفاضة. في نهاية الحرب، توقعوا أن يجنوا بعض الأرباح المادية: المزيد من الوظائف، الترقيات أو المعاملة التفضيلية في العقود التجارية الممنوحة من الحكومة. وبدلاً من ذلك، تركتهم الحكومة المفلسة أكثر فقراً وجوعاً.
ويقول باربندي إن العلويين يشعرون بالذهول في ملحمة مخلوف-بشار. “يعتقدون أنهم خسروا الكثير ولم تكن هناك مكافأة في النهاية.. إنهم غاضبون عندما يرون هذين القريبين يتقاتلان حول المليارات بينما يكافح الرجل العادي مقابل بضع ليرات”.
ويقول عدد من الخبراء السوريين ل”فورين بوليسي”، إنه ليس هناك شك في أن بشار الأسد يفقد الدعم بين العلويين. لكنهم يقولون أيضاً إن النظام لا يزال يسيطر على البلاد بقبضة حديدية ومن السابق لأوانه الاعتماد على ضعف بشار.
ليس سراً أن رئبال ودريد الأسد يتمنيان لو أن أباههما رفعت وليس بشار هو من خلف حافظ. لكن ماضي الرجل العجوز ملطخ بمزاعم المشاركة في مذبحة حماة. والآن في عمر 82 سنة، من المحتمل أن يكون قد فات الأوان ليسير عبر طريق دموي إلى دمشق. ومع ذلك، فإن رئبال شاب ويعترف بأنه يود أن يكون نشطًا في السياسة السورية. ويقول ل”فورين بوليسي”: “أريد ذلك بالطبع، ولكن كمعارضة وألا أكون جزءاً من أي حكومة في هذه المرحلة”.
في الوقت الحالي، تبدو روسيا أكثر اهتماماً بالسيطرة على بشار الأسد بدلاً من استبداله. من الآن فصاعداً، سيجد صعوبة أكبر في السيطرة على البلاد، ولكن سيكون من الأسهل على روسيا التحكم به.
—————————————–
“قانون قيصر” والمشهد السوري/ فايز سارة
يبدأ بعد أيام العمل بقانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019 الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 20 كانون اﻷول/ديسمبر 2019، بعد أن وافق على مشروع القانون أكثرية أعضاء الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس الأميركي، في خطوة كرست رغبة مشتركة لدى النواب لإحداث تحول في سياسة حكومتهم في الملف السوري وحوله.
القانون المستند إلى جرائم قتل المدنيين تحت التعذيب كما هو معروف، يتضمن فرض عقوبات أولها يطال كيانات وأفراداً في نظام الأسد، وثانيها يصيب المتعاملين بطريقة أو بأخرى مع النظام بادئاً بمن يشاركونه، وصولاً إلى من يقدمون له مساعدات أو دعماً مالياً أو تقنياً أو عسكرياً أو خدمات، مما يعني أن العقوبات سوف تطال دولاً وهيئات ومنظمات وشركات وأفراد، لكن أهم من ستصيبه المروحة الواسعة من العقوبات روسيا وإيران الغارقتين في العلاقة مع النظام.
وتراهن الإدارة الأميركية على تطبيق العقوبات لإحداث تحولات سياسية في القضية السورية، وهو ما أشار إليه السفير الأميركي المتابع للملف السوري جيمس جيفري بتأكيد أن العقوبات ستدفع النظام للذهاب إلى حل سياسي في سوريا، يستند إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254. انطلاقاً من الوقائع القائمة حالياً عبر دعم وقف إطلاق النار في إدلب، ودفع اللجنة الدستورية للمضي في عملها، وتمهيد الطريق لانتخابات جديدة بإشراف الأمم المتحدة. والتي يتطلع الأميركيون، أن لا يكون بشار الأسد بنتيجتها في الرئاسة السورية.
وللحقيقة، فإن هناك انقساماً في تقدير النتيجة العملية لما تمثله تطبيقات قانون قيصر من تطور في السياسة الأميركية حيال القضية السورية. فقسم رئيس من السوريين ومتابعي الملف السوري، يبالغون بما يمكن أن تحمله تلك التطبيقات مستندين إلى ما يتضمنه القانون في محتوياته ودلالاته، وما حظي به من اهتمام المشرعين والرئيس ورجالات الإدارة، ويضيفون إلى ذلك، أن القانون يفتح باب تعامل أميركي أكثر جدية في القضية السورية بعيدا عن أي إعاقات يملكها الروس وحلفاؤهم الصينيون في مجلس الأمن للاعتراض بالفيتو على أي قرار دولي يخص القضية السورية أو يتصل بها، وهو أمر لا يملكه أحد بصدد تطبيقات قانون قيصر الذي لا شك أنه سيوقع عقوبات بداعمي نظام الأسد والمتعاملين معه من دول وكيانات وأفراد، مما سيدفع كثيرين للسعي نحو التفاهم مع الأميركيين في القضية السورية وحولها، وبالتالي إحداث تحولات في المشهد السوري، تكسر صورته الراهنة، إن لم نقل بأنها سوف تبدله نحو الأفضل.
غير أن فريقاً آخر من السوريين ومتابعين للقضية السورية، يبدون تفاؤلاً أقل بما يمكن أن تفعله عقوبات قانون قيصر، ويرون أنها مجرد إضافة جديدة لسيرة أميركية طويلة من عقوبات، دأبت الولايات المتحدة بفرضها على دول وكيانات وأفراد كثيرين في العالم من بينها الأطراف الحاضرة والمتدخلة في القضية السورية وفي مقدمتها نظام الأسد وروسيا وإيران، ويشدد هؤلاء على أن إيران ونظام الأسد خاضعان للعقوبات الأميركية منذ أربعة عقود، وبدل أن يسقط أي منهما، فإنه تابع سياساته مظهراً المزيد من التشدد، ويتوقف هؤلاء عند عقوبات فرضها الأميركيون على إيران وبدل أن تتوقف عن ذلك، فقد أصبحت داعمة للإرهاب على نطاق أوسع، وتمارس إرهاب الدولة. ويضيف أصحاب هذا الموقف إلى ما سبق قوله، أن الدول التي تتعرض لعقوبات مثل روسيا وإيران وسوريا بنت سياستها وعلاقاتها على أساس تلك العقوبات، وعملت على سياسات البدائل سواء في علاقاتها الدولية أو في سياساتها الداخلية، الأمر الذي فتح بوابات تطور في مجالات معينة، كما حدث في المشروعين النووي والصاروخي الإيرانيين اللذين تأسسا وتطورا في ظل العقوبات، كما خاضت في ظل العقوبات حرب الثماني سنوات ضد العراق، وخاض نظام الأسد وإلى جانبه إيران وروسيا الحرب على السوريين في السنوات التسع الماضية، مما يجعل هذا الفريق من متابعي القضية السورية، يؤكدون أن احتمالات التأثير الإيجابي لقانون قيصر في الملف السوري طبقاً لما هو معروف وشائع في نظام العقوبات الأميركية سيكون محدوداً، وأن نتائجه السلبية سوف تظهر على الشعوب لا على الأنظمة التي ستجد بوابات هروب وتجاوز للعقوبات، وهو ما سوف تفعله بعض الشركات والأفراد أيضاً.
إن الأطراف التي يمكن أن تصيبها عقوبات قانون قيصر، سوف تسعى قدر إمكانها وعبر كل الطرق ومنها التخفي والكذب والغش، حتى لا تقع عليها العقوبات بشكل أو بآخر، وهو أمر بديهي، وهي ستسعى للتهرب من العقوبات، طالما أمكن ذلك، وجميعها بدأت موجة إعلامية – دعاوية ضد عقوبات قيصر بإعلان رفض العقوبات وعدم شرعيتها، ووصفتها بأنها تندرج في إطار سياسة عدوانية، وأنها لن تكون ذات جدوى وستفشل، وقد ظهرت الموجة عند الإيرانيين ونظام الأسد في خطوة استباقية لبدء تنفيذ قانون قيصر.
وسط كل الوقائع، التي تحمل وتؤشر إلى تناقضات حول النتائج المرتقبة لقانون قيصر، فإنه لا يمكن التسليم بعدم تأثير العقوبات على المشهد السوري الحالي نظراً للبيئة الدولية المحيطة، ولحالة الأطراف ذات العلاقة المتردية وخاصة إيران ونظام الأسد، التي باتت غارقة في أزمات سياسية وانهيارات اقتصادية واجتماعية عميقة، بالتزامن مع تصاعد في رغبة واشنطن وإسرائيل لإخراج إيران من سوريا، ولجم تمددها على الخط الواصل بين طهران والبحر المتوسط، الأمر الذي يعطي واشنطن فرصة تأثير يمكن أن يتصاعد إذا شددت الأخيرة من سياساتها وعقوباتها لتغيير المشهد السوري، خاصة أن موسكو لن تمانع التبدلات في سوريا، طالما تم الاحتفاظ بدورها الذي لا تمانعه واشنطن، وتوافق عليه إسرائيل.
————————————-
هل يتلمس بوتين سيف قانون قيصر؟/ عمار ديوب
تسع سنوات هي عمر المأساة السورية؛ تكفلت روسيا فيها بحماية النظام، وحوّلت حياة السوريين إلى تراجيديا سوداء؛ الموت ثم الموت. لم يستطع الرئيس بوتين إيقاف الحرب ودحر الإرهاب، بل أصبحت سورية دولة فاشلة بامتياز. للدقة، الإدارة الروسية لم تحارب الإرهاب، وهي من شن الحرب على المدن السورية، وبإشرافها دمرت بلادنا أكثر فأكثر. بوتين هذا، ورجاله الفاعلون في سلطته، لم يقاتلهم أحد على سورية. لا الأميركان ولا الأتراك ولا الإيرانيون ولا الإسرائيليون، ولا سواهم. الجميع أعطوها الحق باحتلال سورية، ولكنها رفضت ذلك كله، وأرادت احتلالها بطريقتها: حروباً واتفاقيات. وفي النهاية، عادت الدول المتدخلة، وأصبحت لها مصالح وجيوش في سورية؛ وها هي أميركا وتركيا وإيران تفرض سيطرة على مناطق واسعة من سورية.
حاولت أميركا، بكل السبل، مساعدة الروس في إخضاع سورية لها، وهذا هو المعنى المطابق لترك روسيا تختط طرقاً أخرى غير اتفاق جنيف 2012، أي وبدءاً من قرار مجلس الأمن 2254، واتفاقيات خفض التصعيد وأستانة وسوتشي واللجنة الدستورية وسواها. أميركا هذه، اكتفت بمنطقة محدّدة في سورية، ولم تمدّ نفوذها إلى سواها، وتخلّت عن درعا مثلاً، ولكن روسيا لم تفهم أنَّ عليها ملاقاتها وعقد تسوية، تخص سورية. يحق لروسيا أن تطمح إلى تقاسم العالم، فهي ترى نفسها دولة عظمى، ولكن ذلك يتطلب أن تكون كالاتحاد السوفييتي أو أميركا أو الصين، ولكنها ليست كذلك؛ فهي دولة أكبر من إقليميةٍ وأقلّ من عظمى وتقودها مافيا تسلطية. روسيا لا تعي ذاتها العميقة هذه، وهذا ما ورّطها في مشكلات في محيطها الأوراسي وفي سورية، وبالتالي تجاهلت كل المحاولات الدولية للخلاص من الموضوع السوري، والآن تتورّط في ليبيا.
تم إقرار قانون روسيا في 2019، ولم تعط روسيا أهمية تذكر، لم تول أهمية حقيقية لتدهور الوضع السوري برمته، فليس فقط تركيا وإيران وأميركا في سورية وتعمل من أجل مصالحها، بل وهناك تفكك عائلات السلطة الحاكمة وفسادها ونهبها. ذلك كله، ومع التحذيرات الأميركية المستمرّة بضرورة إخراج إيران من سورية، بل وموافقتها على إخراج قواتها إن خرجت إيران. على الرغم من ذلك، تابعت روسيا تجاهلها، وكأن بوتين مجرّد دكتاتور غبي، ولا يعرف مصلحته، ويقود نفسه إلى التهلكة. نهاية استخفاف الروس كانت مع اقتراب موعد تطبيق قانون قيصر غدا (17/6/2020) والذي يضع معايير محدّدة، لإيقاف تطبيقه، وكلّها، تتوافق مع القوانين الدولية الخاصة بسورية، وإيقاف الحروب والانتقال إلى حكومةٍ ذات مصداقية، وقد كرّر الأمر ذاته الساسة الأميركان بعد إقرار القانون، ولكن عبثاً.
سيدخل القانون حيز التنفيذ الآن، وسيكون عصا غليظة بيد الأميركان، وسيحاصر كل حلفاء النظام السوري، وبدءاً بروسيا وإيران وحزب الله، وسيلاحق كل أشكال العلاقات مع النظام، العلنية والخفية؛ فأميركا أصبحت لديها خبرة كافية، عن تلك العلاقات، وهي ترصدها جيداً، وبالتالي سيتدهور الوضع السوري برمته، المتأزم أصلاً، وبدأت تباشير ذلك بمظاهراتٍ مطلبيةٍ في سببها الرئيسي، وتتضمن شعاراتٍ تطالب بإخراج القوات الأجنبية، ولا سيما الإيرانية والروسية. روسيا بذلك تتحوّل إلى عدوٍ للسوريين، وغداً ستزداد المظاهر الاحتجاجية ضدها، وقد تتخذ أشكالاً عنفية، خصوصاً أن قواتها ومصالحها أصبحت واسعة وممتدة، ويسهل استنزافها.
تشمل بنود قانون قيصر، بصفة خاصة، التشدّد إزاء التمويل لمشاريع إعادة الإعمار، وطبعاً ستتوقف أموال المساعدات البسيطة للأهالي، والتي كان النظام يصادرها، وطبعاً تتشدّد ضد مختلف أوجه الحياة الاقتصادية، ولن تشمل فقط المؤسسات التابعة للنظام أو أعوانه، وطبعاً ستتأثر بها كذلك المواد الغذائية والدوائية، والتي لا يشملها القانون؛ حيث من غير الممكن أن تُستثنَى بشكلٍ دقيق، وليس من موظفين أميركان على الحدود السورية لمراقبة عمليات التجارة، وسواها، وبالتالي أغلب الظن أن تلك المعفية ستتعرّض للعقوبات بدورها.
خطورة هذا القانون أنه يأتي في لحظةٍ حساسةٍ في تاريخ النظام، وروسيا وإيران، فالدولتان محاصرتان ومعاقبتان، ولديهما أزمات اقتصادية واجتماعية كبيرة، والنظام أَفرغ خزائن بلاده من المال والثروات، والاقتصاد شبه متوقف فيه، بفعل سياساته الفاشلة منذ 2011، وقبل ذلك. وبالتالي ستكون للقانون آثار كبيرة على مختلف أوجه النظام، وكل منها سيؤثر على الوجه الآخر، وسيكون النظام أمام انهيار عام. وحتى شعبياً، وهناك مؤشرات على تمرّدٍ أوسع، وهذا يعني أن الوضع في أزمة كبيرة، ويتطلب تسوية كبيرة أو حلاً، يتجاوز النظام الحالي بالضرورة.
لا تعني الإشارة هنا إلى وضع النظام أنه ما زال فاعلاً، بل القضية تكمن عند الروس. وسعوا أخيرا من سيطرتهم العسكرية والاقتصادية، وأرسلوا مبعوثاً رئاسياً بمثابة مندوبٍ سامٍ، ولكن ذلك لم يوقف قانون قيصر، وربما ستجد نفسها “عاريةً” على الرغم من كل وجودها في سورية، فهي لا تستطيع الاستفادة من مناطق سيطرتها في سورية، ولا تشغيل استثماراتها، وحتى إخضاعها النظام السوري، لن تستفيد منه. إذاً سيكون عليها، وحينما يدخل القانون حيز التنفيذ، وتتالى حزم العقوبات ومراقبة التطبيق، أن ترى بأم العين أنها أضاعت فرصاً كثيرة للتسوية من قبل، وتعقدت التسوية ذاتها، وقد أصبحت أميركا تشرف، وبشكل مباشر على كل ما يخص علاقات النظام السوري مع العالم، وكذلك في شكل سيطرته على الشعب السوري.
لا ريب في أن النظام هو من أتى بقانون قيصر، بتجاهله، لحظة إقراره، ولحظة تطبيقه، وهو المسؤول عن كل مآلات الوضع السوري، قبل 2011 وبعدها. هذا ما لا جدال فيه، وهو يتحمّل مسؤولية وجود هذا القانون وإقراره، بل ونتائج تطبيقه. ولكن أيضاً، لا يمكننا إشاحة العقل والعين عن آثاره التي ستكون بأغلبيتها من نصيب الشعب. ربما سيستطيع النظام تفادي الآثار عليه، ولكنه، وباعتباره أصبح تابعاً، سينتظر قرار الروس بخصوصه، وهذا أكثر ما يخيفه، وسيتضاعف الأمر في المستقبل. قرار بوتين هو الحاسم في كل تطورات الوضع السوري. من هنا، علينا التدقيق في آثار “قيصر”، حيث ستكون نتائجه كارثية، وبالتالي سيحاول الروس في مقبل الأيام والأشهر البحث عن تسويةٍ، تضمن مصالحهم، وسيكون المحور فيها إخراج الأسد من السلطة.
الآن، ماذا تفعل المعارضة السورية؟ وفقاً للمتداول في وسائل التواصل الاجتماعي، وآراء هنا وهناك، فهي لا تعي خطورة القانون على الشعب، وتتوهم أن جمعية خيرية اسمها أميركا، ستنفذ القانون ضد النظام ولصالح الشعب بطريقة “شيل الشعر من العجين”، فالآثار على النظام والفوائد للشعب، وعدم إيقاع الظلم عليه. هذا التفكير بائس بامتياز، ولا يعي مصالح الدولة الأميركية، والتي لا تُقرأ من زاوية مصالح الشعوب، لا من قريب ولا بعيد؛ ولو كانت كذلك، لأجبرت النظام وروسيا على عقد تسويةٍ وتطبيق القرارات الدولية الكثيرة من قبل.
القانون سيطبق، ولن يتمكّن النظام من الالتفاف عليه عبر لبنان أو إدلب ومناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكذلك لن تتمكّن روسيا وإيران المتوقفتان عن إمداده من قبل بالمال أو الغذاء والنفط، مساعدته في مواجهة آثار القانون. في كل الأحوال، آثار القانون، وقبله سياسات النظام والروس الفاشلة، بدأت تظهر، فهناك تفكّك في العائلات الحاكمة، وهناك انهيار للعملة، وكذلك اندلاع التظاهرات، وسيكون الأمر أعقد فأعقد في الأشهر المقبلة.
تطبيق القانون يجب أن يترافق مع حملة مناهضة له، ودفع الأمور نحو تسويةٍ سياسية، ومحاولة إعفاء الأغذية والأدوية وأموال التحويلات للوصول إلى أغلبية الناس. هذا ليس سهلاً، ولكنه أيضاً مهمة تقع على عاتق السوريين. النظام لن يهتم بهذه المهمات، فهو معني بالتمديد لنفسه عبر الروس فقط، ولن ينجح هذه المرّة كما يبدو.
الأساسي، في لحظتنا الراهنة، تقديم مبادرات للخروج من الوضع السوري، وهي مهمة الفئات المنشغلة بالهم الوطني، وبكيفية الخروج من الأزمات التي أصبحت عليها سورية، والتي تبدأ بالاحتلالات وبقانون قيصر وبأزمات معقدة، تتناول كل أوجه الحياة السورية، فهل تعي الإدارة الروسية حجم تلك الأزمات، وإمكانية ان تُدخِل نفسها بالمستنقع، بدلاً من السير بتسويةٍ. كل تأخير في إجراء التسوية سيقود نحو مواجهاتٍ عنفية، وسترسل بموجبها جنودها قتلى إلى بلادها.
نعم الوضع السوري يمر بمرحلةٍ جديدة، وهو قابلٌ للحل وقابل للتفاقم. بوتين هو المايسترو في ذلك كله… تأييد المظاهرات المتجدّدة قضية أساسية حالياً، وتأييد البعد الوطني فيها بالتحديد، وأيضاً دعمها لتتجذر وطنياً واجتماعياً وسياسياً؛ هي واحدة من القضايا التي لم تفهمها الفئات المتنفذة في المعارضة، وصار عليها أن تتعلم أن الشعب لا يطالب بالحرية فقط، بل يطالب بها، وبوطنٍ حر، وبعدالة اجتماعية، وبديموقراطية مواطنية، وبرفض كل شكل من أشكال التمييز، فكيف لا نرفض “قيصر”، وكل أشكال التدخل في سورية، وقد رفضنا قبلهما النظام ذاته؟!
العربي الجديد
——————————-
سوريا بين قيصرين/ عمر قدور
تنبئنا الأخبار القادمة من مناطق سيطرة الأسد بأن المأساة السورية تدخل طوراً جديداً، أدوية ضرورية جداً مثل أدوية الضغط والسكري لم تعد متوافرة في الصيدليات، وربما سيعزّ شراؤها على المحتاجين قريباً. الليرة السورية تتهاوى مجدداً أمام الدولار، والأخير قد يصبح وجوده شحيحاً جداً بالقياس إلى المستوردات الأساسية، بما فيها تلك المستثناة من العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر. القانون لم يصبح نافذاً بحيث نرى تأثيراته السريعة اليوم، ولا يندرج هبوط قرابة مليون ونصف مليون سوري جديد تحت خط الفقر، في الشهر الأخير فقط، ضمنها.
بدءاً من هذا الشهر قد تصبح العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر مشجباً تُعلّق عليه الكارثة السورية بكافة مظاهرها، والدعاية الأسدية نفسها ستواجه العقوبات بمنحيين متناقضين، الأول يستهتر بها رسمياً ويقلل من مفاعيلها، بينما تتولى القنوات الجانبية أو المخفية تحميلها المسؤولية عن التدهور المنتظر. هذه الدعاية بوجهيها لن تكون كاذبة، فالعصابة الحاكمة لن تتأثر حقاً بالعقوبات وستستهتر بها كما كان سلوكها إزاء كل القرارات الدولية والعقوبات الغربية، بينما ستستغلها للتنصل من مسؤولياتها إزاء الواقعين تحت سيطرتها.
لقد رأينا في الأيام الأخيرة مثلاً كيف تزيد العصابة الوضع سوءاً، من خلال القرارات التي أصدرها مصرفها المركزي في ما يخص ملاحقة مكاتب تحويل العملات، والتي تنشط أساساً على الأموال التي يرسلها السوريون من الخارج إلى أهاليهم. السيطرة على هذا النشاط، وفرض سعرٍ متدنٍ للدولار مع استرداده لصالح الخزينة، لن يؤديا فحسب إلى خسارة مستلمي الأموال معظم قيمتها الحقيقية، بل للسبب نفسه سيتقلص بشكل كبير حجم الأموال المرسلة من الخارج، وفي المحصلة سيتناقص ما هو موجود من الدولار في السوق السورية، ما يعني ارتفاعاً جديداً في سعره قياساً إلى الليرة.
التسبب في شحّ المعروض من الدولار، في ما يُسمى السوق السوداء، ستتأذى منه “فضلاً عن متلقي المساعدات” الطبقة الأضعف من التجار والصناعيين، وهي التي تقوم بالنشاط الاقتصادي الفعلي، لا ذاك الاحتكاري الذي تهيمن عليه حيتان السلطة. هناك صناعات مهددة بالانهيار بسبب جشع الطغمة الحاكمة في أسوأ الظروف، فأصحاب العديد من الصناعات “ومنها الدوائية” سيصعب عليهم الحصول على العملات الصعبة لتمويل مستورداتهم من المواد الأولية، وسيكون البديل هو المواد المصنعة الجاهزة بأثمان مضاعفة، والتي من المرجح قدومها تهريباً لصالح مافيات السلطة وللشرائح الضيقة جداً القادرة على الدفع، مع التنويه بالبطالة المتزايدة جراء تدهور ما تبقى من صناعات خفيفة.
تدهور سعر صرف الليرة “إلى حوالى 2000 مقابل الدولار” يعكس فقط حصيلة الأسابيع الماضية، وخلالها إنعكس سلباً إستقرار الوضع المالي والمصرفي اللبناني على حالة من الانهيار وازدياد القناعة بأنه باقٍ هكذا ضمن المدى القريب. للخلاف بين بشار الأسد ورامي مخلوف نصيب من التسبب بتدهور الليرة، لا لأن الثاني يتمتع بذاك الثقل الاقتصادي المؤثر، بل لأن استهدافه من المحتمل أن يكون قد أرهب العديد من الأثرياء على قاعدة أن من يستهدف شريكه وأقرب أقربائه لن يكون أرحم بهم. وسيكون من شأن أي استعراض إعلامي، بذريعة مكافحة الفساد أو ارتفاع الأسعار، أن يزيد من حجم التدهور لأنه سيستهدف الفئات الأضعف، وستكون حصيلته ضئيلة ولن تذهب لصالح من سيزدادون فقراً.
واحد من الإجراءات التقليدية المنتظرة هو رفع أجور العاملين الذين باتت كتلتهم العظمى في القطاع العام، هذا أشبه بسكب البنزين على النار، لأنه سيؤدي إلى مزيد من التضخم. كما نعلم، كانت زيادة الرواتب خلال عقودٍ مناسَبةً لإفقار الموظفين لا لتحسين معيشتهم، وفي العديد من الحالات كانت تعويضاً بسيطاً عن تضخم حاصل سلفاً، ووفق المعطيات الحالية ستعمل الآلية ذاتها بتسارع أشد. أما الديون المستحقة لموسكو وطهران فهي بالدولار، ولا يُستبعد الإلحاح على المطالبة بها في أسوأ ظرف تمر به سلطة الأسد، فأحوالهما الاقتصادية ليست بخير، ومعرفتهما بالثروات الشخصية لآل الأسد تشجع على المطالبة، إن لم يكن لتحصيل المبالغ فللحصول على مواقع استراتيجية أو ذات مردود اقتصادي مجزٍ ومضمون.
ما يخشاه السوريون، بمن فيهم بعض الموالين على الأقل، هو استعداد سلطة الأسد المستمر للتفريط بمعيشتهم وبمستقبلهم من أجل بقائها. هذا الفهم هو ما يعمق المخاوف من قانون قيصر، ويستأنس بتجارب مماثلة سابقة دفعت فيها الشعوب أثمان العقوبات التي لم تبال بها الأنظمة. الخوف الحقيقي هو من سلطة الأسد لا من العقوبات، ومن المؤسف أن الأخيرة لن تجعل السلطة أكثر رأفة بالواقعين تحت سيطرتها، وتوحشها المالي الاستباقي قد يعقبه توحش مخابراتي لمحاصرة التذمر المتوقع صدوره في الأيام المقبلة، رغم أنه لن يزيد عن كونه تذمر الضحية العاجزة.
بالطبع تعرف واشنطن كل ما سبق، وعليه لا يبدو قانون قيصر موجهاً إلى سلطة الأسد بقدر ما هو موجه إلى شركائها الذين يُطلب منهم التحلي بقليل من العقل، وهذا ليس امتداحاً للسياسة الأمريكية في سوريا التي تسببت بدورها بقسط من الدمار. المطلوب بموجب القانون “تنازلات” من سلطة الأسد، ومن المعيب أن تُطلق عليها هذه الصفة، فالتوقف عن قصف المدنيين مثلاً لا ينبغي أن يكون في مقام التنازل الذي تقدّمه أية سلطة. على العموم، أقصى ما تصل إليه “التنازلات” المطلوبة لا يطرح إسقاط الأسد، وإنما ينص على الدخول في تسوية سياسية ضمن الحد الأدنى المقبول دولياً. مرة أخرى، خوف السوريين هو من طبيعة الأسدية التي لن تقبل التسوية، ولو قبلت أصلاً مبدأ المشاركة لما وصلوا إلى هذا الحال وما كان هناك قانون قيصر أو غيره من العقوبات.
الجهة الوحيدة المعوَّل عليها لتلافي الأسوأ هي موسكو، ومصدر التعويل ما ستقتضيه مصالحها الاقتصادية بعد تحقيق نظيرتها الاستراتيجية. يجوز لنا هنا تجاهل تصريحات أخيرة لمسؤولين أمريكيين صغار حول الوجود الروسي في سوريا، فواشنطن خلال عهدي أوباما وترامب لم تبذل أدنى جهد لعرقلة أو كبح التوسع الروسي. بعبارة أخرى، المطلوب من موسكو، بعد أن تفرغ من ابتزاز الأسد، التصرف كقوة تريد جني مكاسب الاستقرار وإعادة الإعمار. هذا لن يحدث في القريب، أي قبل أن تحصل من بشار على كافة المكاسب أو الامتيازات التي تدعم بقاءها استراتيجياً واقتصادياً. حتى تحين تلك اللحظة، في وسعنا القول أن سوريا ستبقى واقعة بين قيصرين، القيصر بوتين وقيصر”نا” الذي صادف أن كان اسماً مستعاراً لمأساة المعتقلين المقتولين تحت التعذيب، وضمن مسار يتوخى العدالة لا المزيد من المآسي.
المدن
——————————–
حقائق حول «قانون قيصر»!/ أكرم البني
بعيداً عن المبالغة والاندفاع إلى حد اعتبار «قانون قيصر» بمثابة إعلان حرب لإطاحة النظام السوري، وبعيداً عن التقزيم والاستهتار بتأثير هذا القانون على نظام منهك ومأزوم اقتصادياً وسياسياً، واعتاد ألا يقيم وزناً للعقوبات، ثمة خمس حقائق تستحق الوقوف عندها لفهم حدود هذا القانون، وما يثار عن أسبابه ونتائجه.
الحقيقة الأولى، هي الدور الجديد والمثابر الذي لعبته الجالية السورية في الولايات المتحدة، على اختلاف مكوناتها، لنصرة هذا القانون، بدءاً بمساهمتها في صياغته والترويج له قبل أكثر من ثلاث سنوات، حتى إقراره، منذ شهور، في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين؛ حيث لم يبخل أبناؤها من فتيات وفتيان عانوا الأمرين من اضطهاد السلطة أو شخصيات سورية نافذة ذات مكانة في الحياة الأميركية، يدعمهم عدد غير قليل من منظمات المجتمع المدني الأميركية – السورية، لم يبخلوا في بذل المال والوقت والجهد لإشهار مشروعية هذا القانون، متوسلين الصور الفظيعة والمرعبة التي سُربت لآلاف المعتقلين السوريين الذين قضوا تحت تعذيب وحشي في سجون ومعتقلات النظام، ثم دعمها بقرائن وجرائم جديدة ارتُكبت بحق المدنيين السوريين، إلى أن تمكنوا من حفز مزيد من المؤيدين له في الهيئات التشريعية والتنفيذية الأميركية، الأمر الذي شكَّل فاجعة ومفاجأة لنظام يعتقد بأنه لا يزال بمنأى عن هذا المستوى من فتح النار الأميركية عليه، ولا يقيم وزناً لأولئك الذين شرَّدهم في شتى بقاع الأرض، بأنهم قادرون على المبادرة وتشكيل مركز قوة مؤثر في مواقف وسياسات الحكومات الغربية، لمساندة أهلهم ووطنهم.
الحقيقة الثانية، هي القيمة الوازنة لنصرة العدالة؛ حين يمنح «قانون قيصر» سلطات واسعة لوزارة الخارجية الأميركية، من أجل دعم المؤسسات التي تقوم بجمع الأدلة، وتتابع الملاحقات القضائية، ضد من ارتكبوا جرائم حرب في سوريا، محفوفاً بمطالبة صريحة بوقف الاعتقالات وإطلاق سراح السجناء، وكشف مصير المفقودين، وتمكين مراقبين دوليين من إجراء جولات في المعتقلات والسجون السورية. ولعل الإشارة إلى أن مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية لا تموت ولا تخضع لمبدأ التقادم، تضع كافة المرتكبين، مهما طال الزمن، تحت سيف المساءلة والمحاسبة، وتنذرهم بأنهم مهما تمادوا في غيهم وجبروتهم، وحاولوا إخفاء جرائمهم، فلا بد من أن يخضعوا للعقاب، ويحصدوا ما زرعوه من آثام، ليبدو الأمر كأنه استمرار لجهود حقوقيين سوريين تعاونوا مع مؤسسات قضائية أوروبية، في ألمانيا وفرنسا والنمسا، لمتابعة ومحاكمة مرتكبي جرائم ضد الإنسانية في سوريا، وإنزال القصاص بمن مارسوا التعذيب والاغتصاب والقتل بحق المدنيين.
الحقيقة الثالثة، أن هذا القانون يحبط بصورة حاسمة شهية السلطة لإعادة الإعمار بعد ادعائها الانتصار، ويجهض تالياً مختلف الخطط والمشروعات التي كانت تعد على نار حامية، من قبل مستثمرين سوريين أو غير سوريين، ومن شركات أوروبية وأميركية وصينية وروسية وإيرانية، وضعت نصب أعينها تقاسم ملف إعادة الإعمار؛ حيث إن عقوبات «قانون قيصر» تطال كل الشخصيات والمؤسسات الأجنبية التي تتطلع لتمكين النظام أو أي جهة تقدم دعماً مالياً أو تقنياً أو بضائع، أو تنخرط بصفقات مع السلطة السورية لتساعدها في استعادة سيطرتها على البلاد والعباد، هذا فضلاً عن أنه يوجه تحذيراً لدول عديدة نشطت في الآونة الأخيرة للتطبيع السياسي والدبلوماسي مع النظام السوري، كالمجر وقبرص وإيطاليا، بما في ذلك ردع انفتاح السلطة اللبنانية على حكام دمشق، وتعميق أزمتها بحكم التداخل بين الاقتصادين، وتراجع رهان الرساميل اللبنانية على المساهمة في إعادة إعمار سوريا.
الحقيقة الرابعة: يساهم «قانون قيصر» في تفعيل الدور الأميركي في الملف السوري، بعد قرارات متعجلة للبيت الأبيض بتركه لمصيره، والانسحاب من تبعاته، ليغدو هذا القانون اليوم أشبه بورقة ضغط بيد واشنطن ضد التفرد الروسي، وللمشاركة في رسم المستقبل السوري، وما يزيد الأمر وضوحاً عودة القوات الأميركية لتثبيت مواقعها في شرق سوريا وشمالها، فارضة استمرار وجود التحالف الدولي بقيادتها في شرق الفرات، واستمرار سيطرتها على الموارد الاستراتيجية من نفط وغاز، وكأنها تخطط للبقاء هناك فترة طويلة الأمد.
وإذ نعترف بأن الإدارة الأميركية قد تلكأت كثيراً في حماية المدنيين السوريين، وأنها أهملت وتنصلت من «قانون قيصر» الذي صيغ في عهد الرئيس أوباما، مثلما تنصلت وأهملت الخط الأحمر الشهير الذي أنذرت فيه النظام السوري برد حاسم، في حال تكرار استخدام السلاح الكيماوي، نعترف أيضاً بأن مثل هذا القانون لم تتبنَّه القيادة الأميركية لدوافع إنسانية أو أخلاقية فقط؛ بل خضع أساساً لحسابات المصالح ولغايات سياسية، بدليل أنه منح الرئيس الأميركي هامشاً من المناورة في تطبيقه، وحتى تجميده في حال وجد جدية من قبل المتحكمين في الوضع السوري في التعاطي مع الحل السياسي، تاركاً الباب مفتوحاً لتمرير تسوية للصراع السوري وفق مقررات جنيف، تحاصر النفوذ الإيراني، وتضمن لواشنطن حصة وازنة فيها.
الحقيقة الخامسة: صحيح أن عقوبات «قانون قيصر» لا بد من أن تنعكس بمزيد من الضرر والأذى للشعب السوري المتضرر أصلاً من قهر السلطة القائمة وفسادها، وصحيح أنها لن تكون مؤذية كثيراً لنظام لا توجد صلات اقتصادية أو مالية مباشرة بينه وبين واشنطن، ولا يخجل وحاشيته من التنعم بحياة الرخاء والرفاهية، وتحميل الدول الغربية مسؤولية تجويع السوريين وإفقارهم؛ لكن الصحيح أيضاً أن تداعيات هذا القانون سوف تضعف بلا شك المصادر المتنوعة التي كانت تساعد أهل الحكم في الالتفاف على مختلف العقوبات التي اتخذت ضدهم، كما تضعف من قدراتهم على إعادة إنتاج قاعدتهم الاجتماعية، ولملمة المخلفات السلبية لحربهم الدموية، ويرجح أن تساهم في تشديد التوتر والخلاف بين مراكز القوى السلطوية، في ظل تجميد إعادة الإعمار، وما تشهده الليرة السورية من تدهور، وأحد وجوهه تنامي الخلافات والاتهامات بين رأس النظام ورامي مخلوف، هذا عداكم عن أنها قد تشجع غالبية السوريين الجوعى والمنكوبين على التمرد، وتحفز هممهم للوقوف في وجه نظام حكم أوصلهم إلى هذا الدرك من الفقر والعوز، وربما تكون أخبار عودة المظاهرات السلمية المطالبة بإسقاط النظام في مدينتي السويداء ودرعا، هي بداية الغيث.
الشرق الأوسط
————————
قانون قيصر .. نهاية وبداية/ بيار عقيقي
عادةً كل نهاية لأي شيء في العالم هي بداية جديدة لشيء آخر. الطبيعة بماديّتها وما ورائياتها ترفض الفراغ. قانون قيصر كذلك، حدٌّ فاصل بين نهاية وبداية. يُمكن تصنيفه بحدّ ذاته نهايةً لوضعية ما نشأت جرّاء تراكماتٍ سلبيةٍ متلاحقة، وعلى عجل، بطريقةٍ لا يُمكن إصلاحها أو تعديلها، وبداية لمرحلة جديدة لن تكون سهلة، لا على النظام السوري المعني مباشرة بالقانون ولا على حلفائه من لبنان غرباً إلى الصين شرقاً، وما بينهما من العراق وروسيا وإيران. كان يُمكن للقانون أن يشابه قراراتٍ صادرة عن الأمم المتحدة، أي لا تُطبّق بمعزلٍ عن رغبة طرفٍ قويٍّ في تطبيقها، ولو كرّرتها المنظومة الأممية آلاف المرّات. الشواهد كثيرة من الشرق الأوسط إلى كل الكوكب، غير أن هذا القانون ليس قراراً أممياً.
بدءاً من يوم الأربعاء المقبل، تاريخ سريان “قانون قيصر”، سيلمس كثيرون مفاعيله، وسيتأثر كثر به اقتصادياً واجتماعياً. وكل من لم ينزح أو يلجأ سيُصبح مشروع نازح أو لاجئ. هل تقتضي الحتمية ذلك؟ التاريخ لعينٌ في الشرق، دائماً يحضر العقل بعد وقوع الواقعة، على اعتبار أن حضوره قبلها يعني “تنازلاً”، وهو ما يلامس غضب “الإيغو” الشرقي عموماً. يدرك بعضهم أن الواقعية، غير المقترنة بالرفض والنكران، بل بمحاولة “إنقاذ ما تبقّى”، هي مفهوم ناقص في الشرق الأوسط. الجميع يحيا على وقع مبدأ “القوة” التي قد تكون فخاً في أحيانٍ كثيرة. لا قوة تأتي من فوق، بل تولد من أرحام التكتلات البشرية وتعاضدها، فإذا فرّقت هذه التكتلات تضعف القوة من فوق، مهما أوحيت بوجودها. لذلك، ستبدو المواجهات، في مرحلة ما، بعد وقوع الواقعة وكأنها ردود أفعال متلاحقة وعشوائية، غير قادرة على تلبية متطلبات المواجهة بحدّ ذاتها، خصوصاً إذا كان منطق “قانون قيصر” يتجاوز مفهوم الحروب العسكرية، سواء الحروب التقليدية بين الجيوش أو حرب العصابات أو العمليات الخاطفة، إلى مفهوم الحروب الاقتصادية.
المسألة لا تتعلق بتأييد القانون الأميركي أو رفضه. يفترض أن يكون امتياز هذا النقاش غير مطروح، خصوصاً أن الوقت ليس في صالح المعنيين بالقانون. بالتالي، يُمكن طرح سؤال وحيد: كيف ستتعامل الأطراف المعنية مع القانون وانعكاسه على الناس؟ العقوبات عادة لا تؤثر بالأنظمة بشكل محدّد، لكنها تضرب عمقها البشري، خصوصاً العصب المؤيد لها، سواء باختياره أو خشية منها. يكفي النظر إلى لبنان مثلاً، الذي بدا وكأنه مرتبك إزاء التعامل مع مفاعيل “قانون قيصر”. لا قضية المعابر مع سورية حُلّت، ولا خطة موضوعة لحماية الناس من تداعيات القانون، فضلاً عن أن لبنان بالذات يعاني أزمةً اقتصادية غير مسبوقة، أدّت إلى ارتفاع نِسَب البطالة والفقر بشكل غير مألوف في تاريخ البلاد. حتى إن “فشّة الخلق” الأخيرة مساء الخميس ـ الجمعة لم تكن كافيةً لدفع السلطة إلى إجراء تعديلاتٍ جذرية على ملفها الاقتصادي. لا بل تكمن الخشية في ترك الأمور على غاربها.
أما في العراق، فيبدو أن الحوار أو المفاوضات بين العراقيين والأميركيين ستفتح باباً ما لحكومة مصطفى الكاظمي، لاستيلاد حالة توازنٍ مفقودة منذ الاجتياح الأميركي ـ البريطاني للعراق عام 2003. توازن قد يفضي إلى ترك الحرية للكاظمي للعمل ضمن مفهوم “العراق أولاً”. صحيحٌ أنه عنوان مطاط، ويحمل معاني كثيرة، إلا أنه قد يرتبط بمطالب المتظاهرين العراقيين الذين باشروا انتفاضتهم منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. قد يكون هذا التوازن بالذات مطلوباً في لبنان، خصوصاً أن الوفد الأميركي في بغداد يضمّ ثنائياً يعرفه اللبنانيون جيداً، وهما ديفيد هيل وديفيد شينكر. إلا أن المعضلة تكمن في مدى قدرة السلطة في لبنان على تمهيد الأرضية اللازمة لإجراء مثل هذا التفاوض، تحت عنوان “لبنان أولاً”. غير ذلك، فإن البداية الجديدة ستُفرض على اللبنانيين فرضاً.
العربي الجديد
—————————————-
إسرائيل وقانون “قيصر”: المهم إيران وليس الأسد/ أدهم مناصرة
تراقب إسرائيل باهتمام بالغ التطورات الاقتصادية الأخيرة في سوريا خاصة الإنخفاض الحاد في الليرة السورية المتهاوية قبيل أيام من تطبيق القانون الأميركي المسمى “قيصر” الذي يسمح بتوسيع العقوبات المفروضة على النظام السوري.
الحال، أن نظرة إسرائيل إلى قانون قيصر لا تخلو من الازدواجية ، وهي لا تخفي في أروقتها الضيقة وجود مصلحة لها من قانون “قيصر” مختلفة عن الإدارة الأميركية.
وتقول محللة الشؤون العربية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية سيمدار بيري، في مقالها، إن الغرض من القانون إلحاق الأذى بشركات دولية ورجال أعمال أجانب يتعاونون اقتصادياً مع سوريا، والمسّ بالقيادة العسكرية-الاقتصادية في دمشق، لكنها اعتبرت أن الرئيس دونالد ترامب أبقى مخرجاً لروسيا عندما أبدى استعداد واشنطن للتراجع عن الخطة إذا أمسكت موسكو بزمام الأمور وقادت سوريا إلى مفاوضات “حقيقية” لمصلحة سكانها الذين يعيش نحو 80 في المئة منهم حالياً تحت خط الفقر… وكأنّ ترامب قصد الضغط على روسيا أيضاً من خلال القول إن مصالحها ستنهار إذا لم تستجب لمفاوضات جدية تؤول إلى حل سياسي في سوريا يراعي المصلحة الأميركية.
وتطرقت سميدار إلى التباين بين الإدارتين الأميركيتين السابقة والحالية إزاء جدوى القانون والفئة الأكثر تضرراً في سوريا، فبينما انساق الرئيس السابق باراك أوباما إلى رأي مستشاريه الذين رأوا أن القانون سيُلحق الضرر قبل كل شيء بمواطني سوريا وليس بالقيادة، سارع الرئيس دونالد ترامب إلى تبني قانون “قيصر”، ثم وقعه في كانون الأول/ديسمبر الماضي.
وتوضح سيمدار صلاحيات الحكم لدى النظام السوري: الأسد هو الحاكم السياسي، شقيقه الأصغر ماهر يسيطر على الجيش، وابن خاله رامي مخلوف يحتفظ بأكثر من 60 في المئة من اقتصاد سوريا ويُجري الصفقات مع العالم الخارجي.
بيدَ أنّ الدوائر الإستراتيجية في تل أبيب ليست متحمسة كثيراً لتحقيق غاية “قيصر” الكاملة التي يريدها ترامب.. فإسرائيل أدخلت في وقت مبكّر إلى سر الخطة الأميركية، وأبدت عدم اكتراث وعدم إزعاج لترامب في تطبيق القانون. في هذا الإطار، من المفيد تذكّر الرسالة التي حملها وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو خلال زيارته الأخيرة إلى تل ابيب، والمتعلقة بالامتناع عن التعاون الاقتصادي مع الصين. إسرائيل تبتعد عن الشركات الدولية التي تستهدفها واشنطن بسبب علاقاتها مع سوريا.
وذهبت أقلام إسرائيلية إلى القول “إن ترامب هو الذي أدخلنا عن قصد في قضية العقوبات الجديدة على سوريا. لكن لا يهم إسرائيل إذا بقي بشار الأسد في السلطة ما دام تحت (الجزمة) الروسية. (الجزمة) الثانية الإيرانية تقلقها أكثر بكثير. تعمل الطائرات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في داخل سوريا. الأسد لا يزعج. هذا جزء من اللعبة”، وفق صحيفة “يديعوت احرونوت”.
بالنسبة إلى إسرائيل، هذه مقاربة منفردة: “ما دام الجيش السوري لا يفتح جبهة مباشرة، يجب عدم التدخل. فليصدع ترامب رأسه”.
بكل الأحوال، لم يختلف مركز “القدس للشؤون العامة والسياسة” الإسرائيلية في شرح غاية قانون “قيصر” الهادفة إلى شل الاقتصاد السوري، لكن التباين تمحور حول ماهية الهدف النهائي من العقوبات المنتظرة.
وفي السياق، يؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي بن مناحيم، أن بشار الأسد دخل في مرحلة صعبة سيضطر فيها إلى مواجهة الوضع الاقتصادي المتدهور وعقوبات أميركية، بينما نزاعه مع ابن خاله رامي مخلوف في ذروته.
ويستعرض بن مناحيم ما جرى في الأيام الأخيرة، من تدهور في سعر صرف الليرة السورية مرة أُخرى وارتفاع سعر الدولار، موضحاً أن تأرجح سعرها في الأسابيع الأخيرة كان بسبب الخلاف بين عائلة الأسد وعائلة مخلوف، لكن التدهور في سعر الليرة في آخر أسبوع رُبط بقرب تطبيق قانون “قيصر” الأميركي.
وتشدد إسرائيل على أن قانون قيصر” الذي تعرّفه ب “قانون الدفاع عن المدنيين السوريين” يتيح فرض عقوبات على نظام بشار الأسد وكل من يتعاون معه، أي إيران وروسيا، ومعهم حزب الله اللبناني.
ولأنّ لبنان ليس ببعيد عن “قيصر”، ترى إسرائيل أنّ لبنان يقف بين “المطرقة والسندان”، وذلك مع ورود تلميحات مكثفة أرسلتها واشنطن إلى شركات اقتصادية في بيروت تتعاون مع مخلوف ووكلاء الأسد.. وتقول إن “رئيس الحكومة اللبنانية ألغى زيارة رسمية الى الأسد من دون توضيح. فآخر شيء بحاجة إليه الآن هو الاشتباك مع ترامب”، بحسب الإعلام العبري.
ولعلّ سؤال الصحافة الأبرز في إسرائيل مفاده: “هل سيصمد بشار الأسد أمام القانون؟”. ثم تجيب: “جهاتٌ أميركية تقدّر أنه سيكون له تأثير كبير في الخطوات التي سيعلنها بشار الأسد، وسيضعف كثيراً حكمه”. غير أنّ قراءات إسرائيلية أخرى تقول إن لدى النظام السوري وإيران خبرة في تجاوز هذه العقوبات، مشيرة إلى ثغرة تمكنهما من ذلك، وتتمثل بوجود جسر بري بين إيران ولبنان يمر بالعراق وسوريا، وهو ما يسمح بتهريب أموال نقدية وبضائع.
وتخلص إسرائيل إلى الاستنتاج بأن “بقاء الأسد الذي يريد الحصول على دعم من إيران وروسيا في الحكم، مرتبط أيضاً بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة”.
المدن
——————————————-
أين بشار الأسد؟/ د. فيصل القاسم
لم تمر سوريا في تاريخها بهذا الوضع الكارثي المأساوي حتى في أعتى أيام الثورة والصراع بين النظام وقوى المعارضة والشعب السوري. لا عجب إذاً أن النظام كان يحاول على الدوام أن يؤخر نهاية الأحداث أقصى المستطاع، لأن الحرب تناسبه أكثر بكثير من السلم ولأنها تطيل في عمره. وقد قلناها مرات ومرات أن الوضع السوري الذي سيواجهه النظام أو غيره بعد أن يبرد الحدث السوري سيكون أصعب وأخطر بعشرات المرات من وقت الحرب. لماذا؟ لأن الجرح لا يؤلم صاحبه كثيراً وهو ساخن، لكنه يكون في غاية الوجع والإيلام بعد أن يبرد. وهذا ما يلاحظه السوريون الآن وفي مقدمتهم العصابة الحاكمة. سوريا الآن في وضع جهنمي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وخاصة بالنسبة للمؤيدين الذي دعموا النظام وساعدوه على مدى التسع سنوات الماضية في تدمير سوريا وتشريد شركائهم في الوطن، ويبلغ عددهم أكثر من نصف الشعب السوري.
لقد ضحك بشار الأسد وزبانيته على مؤيديه قبل سنوات ووعدهم بعد انتهاء الحرب بتطهير سوريا من العملاء والخونة وهم في الغالب أكثر من ثلاثة أرباع الشعب السوري، وبأنه سيصنع بعد ذلك مجتمعاً متجانسا خالياً مما أسماهم طاغية الشام في أحد خطاباته بالجراثيم والبكتريا، ويقصد طبعاً كل من يعارضه أو لا يقبل به من السوريين حتى لو كانوا يشكلون تسعة وتسعين بالمائة من الشعب السوري. لكن العتمة، كما يقول المثل الشعبي لم تأت على قد يد الحرامي، فها هي الحرب قد وضعت أوزارها تقريباً بفضل الدعم العسكري الروسي والإيراني المدفوع إسرائيلياً وأمريكياً، لكم عصابة الأسد تشعر الآن بغصة كبرى لأنها لم تعد قادرة على التسويف وتأجيل مطالب واستحقاقات المؤيدين إلى وقت أطول، فها هم المؤيدون وأبناء الأقليات الذين إما وقفوا مع النظام أو على الأقل وقفوا على الحياد، ها هم الآن يرفعون أصواتهم ويرددون نفس الشعارات التي أطلقها الثوار قبل تسع سنوات. ولو نظرت إلى شعارات انتفاضة السويداء الآن لوجدت أنها أكثر حدة من شعارات الثورة الماضية، لا بل إن المحتجين تحدوا الأسد بشكل شخصي في إحدى المظاهرات قبل أيام ورفعوا له الأصبع الوسطى، وهددوه باستخدام الرصاص إذا اقتضى الأمر لأول مرة بعد أن كان الأسد يعتبرهم من حلفه، خاصة وأنه يرفع منذ سنوات شعار حماية الأقليات، لكن الأقليات الآن باتت أكبر خطر يهدد النظام، فالوضع المعيشي الكارثي في ظل انهيار الليرة السورية، بات أكبر خازوق يواجه النظام ويهز أركانه. وكما يقول المعلق السوري الشهير فراس الأسد ابن رفعت، وهو من الأصوات الثورية الصادقة والنظيفة رغم انتمائه لعائلة الأسد، يقول في آخر منشور له على صفحته في مواقع التواصل: «هل المنتفضون في السويداء داعشيون؟ هل خرجوا من الجوامع؟ هل يحملون فكر العرعور؟ هل يؤمنون بفتوى ابن تيمية؟ هل ينشدون «بالذبح جيناكم»؟ هل يريدون قيام دولة إسلامية؟» بالطبع لا، ولهذا من الصعب جداً الانقضاض عليهم وتبرير البراميل المتفجرة بأنها تستهدف الدواعش والمتطرفين. النظام يواجه الآن الأقليات التي ادعى أنه حاميها من الدواعش والإسلامجيين التكفيريين.
ولا يختلف وضع الأقليات في الساحل السوري معقل النظام عن وضعهم في السويداء، فالجوع كافر، وبدل أن يحقق بشار الأسد المجتمع المتجانس لمؤيديه، ها هو اليوم يواجه أخطر قانون أمريكي يهدد سوريا في تاريخها، ألا وهو قانون قيصر الذي بدأ يخنق النظام اقتصادياً قبل أن يبدأ تنفيذه بعد أيام. لقد بات الوضع في سوريا على كف عفريت فعلاً، لا بل إن المعارضين الذي فشلوا في تغيير النظام يشعرون الآن وكأنهم قد حققوا من خلال قانون قيصر الأمريكي أكبر نصر على الأسد في تاريخه. لهذا تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بالشماتة مما وصل إليه وضع النظام ومؤيديه داخل سوريا، حيث بات أقرب المقربين يستهدف رأس النظام شخصياً بالشتائم بعد أن طفح بهم الكيل ولم يعودوا قادرين على شراء رأس بصل، وبعد أن صارت سندويشة الفلافل طعام الفقراء في سوريا حلماً بعيد المنال بسبب انهيار الليرة السورية أمام الدولار ليصل سعرها قبل أيام أربعة آلاف ليرة للدولار الواحد علماً أن أفضل راتب في سوريا لا يتجاوز الخمسين ألف ليرة، أي ما يعادل أربعة عشر دولاراً فقط لا غير.
وبالرغم من أن سوريا تواجه كارثة معيشية لم تشهدها منذ تأسيسها، إلا أن بشار الأسد لم يكلف نفسه للحظة واحدة بتطمين السوريين أو على الأقل شرح الكارثة أو حتى تبريرها، فقد ترك المهمة للشمطاء الشهيرة مستشارته بثينة شعبان لتطلب من السوريين أن يصمدوا في وجه المؤامرة الكونية، مما أثار غضب واستهجان المؤيدين قبل المعارضين. وقد وصل الأمر بالسفير السوري السابق في بريطانيا سامي الخيمي المحسوب على النظام إلى السخرية من النظام وشعاراته البالية في مواجهة أخطر أزمة تهدد البلاد. وقال الخيمي في منشوره: «بس يخبرك ابنك أنه جوعان ومشتهي اللحمة أو الموز، احكيلو عن المؤامرة الكونية، احكيلو عن الصمود والتصدي، احكيلو عن تحــرير القدس ومحاربة الرأسمالية والإمبريالية، واذا ما اقتنع بيكون ابنك منــدس عميل للصــهيونية، اقتــلوا وريح الوطن منه».
واضح تماماً أن الثورة الآن تشتعل في صفوف المؤيدين للنظام، بينما بشار وزوجته منشغلان هذه الأيام فقط في الاستحواذ على مليارات رامي مخلوف والتكويش على ثروات الحيتان الكبار.
وقبل أسابيع قليلة دفع بشار ثلاثين مليون دولار حسب صحيفة روسية ثمن لوحة فنية قدمها هدية لأسماء الأسد «ماري انطوانيت الشام»، بينما مؤيدوه في الساحل السوري يأكلون من الزبالة بعد أن قدموا له مئات الألوف من شبابهم كي يبقى على عرشه الذليل. لا أحد يسمع صوت الرئيس المزعوم في أخطر مرحلة تمر بها سوريا ومؤيدوه كي لا نقول معارضيه. أين بشار الأسد؟ ألا يستحق مؤيدوه الجائعون الآن كلمة مواساة على الأقل عبر سكايب؟
البعض يزعم أن بشار يمضي معظم وقته وهو يلعب البلي ستيشن. وكثيرون من السوريين لا يستبعدون ذلك.
القدس العربي
—————————–
“قانون قيصر”: الشعب ضحية والنظام باحة خلفية/ صبحي حديدي
من حيث منطوق الحيثيات ونطاق التطبيق، يختلف “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” عن كثير من أنساق العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، سواء بقرار من البيت الأبيض أو بتشريع من الكونغرس، على العديد من الأنظمة؛ في الشرق الأوسط بصفة خاصة، ولكن أيضاً على قوى عظمى مثل روسيا على سبيل المثال. ذلك لأنه يستكمل، في المقام الأوّل أغلب الظن، سلسلة سياسات استهداف إيران عبر أذرعها في المنطقة؛ وهذه خيارات اعتمدتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ البدء، وصادق عليها بقوّة صقور الحزب الجمهوري في الكونغرس. كما يتابع القانون، على نحو أو آخر، تلك “الفلسفة” التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، ولم ينقضها تماماً خَلَفه ترامب، حول دفع الكرملين إلى مزيد من الغرق في أوحال “المستنقع السوري”.
في عبارة أخرى، صحيح أنّ القانون يسمّي سوريا البلد، ويعلن حماية “المدنيين السوريين” على وجه التحديد، إلا أنّ النظام السوري ليس سوى الباحة الخلفية التي تتصدرها ستراتيجيات واشنطن ضدّ باحتَيْ طهران وموسكو في قلب المعادلة السورية؛ التي لا تنفصل، إلا عند السذّج، عن باحات لبنان والعراق، وربما اليمن وليبيا استطراداً. وصحيح، من جهة ثانية، أنّ الضغط على النظام عبر بوّابة الاقتصاد هو العنوان الإجرائي المعلَن للقانون، مثل غالبية العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة هنا وهناك؛ إلا أنّ اقتصاد النظام، في حالته الراهنة، لا يتطلب المزيد من التركيع لأنه راكع أصلاً وشبه منهار، خاصة في الآونة الأخيرة حين فقدت العملة الوطنية نحو 70 في المئة من قيمتها أمام غالبية العملات الصعبة.
وأمّا من حيث مقادير الأذى التي يُلحقها القانون بالشعب السوري ذاته، أو بالأحرى “المدنيين” الذين يزعم حمايتهم، فإنّ “قانون قيصر” لا يختلف كثيراً عن أيّ طراز من العقوبات التي تٌفرض للضغط على الأنظمة؛ فتؤذي ــ بالدرجات الأولى والثانية والعاشرة ــ الشعوب ذاتها، قبل إيذاء رؤوس الأنظمة ومجرمي الحرب ومؤسساتهم الأمنية والعسكرية. وفي مثال الشعب السوري تحديداً، وربما أكثر من الشعب الإيراني اليوم، أو الشعب العراقي في زمن صدّام حسين؛ ثمة في “قانون قيصر” ابتداع لطرائق جديدة من حشر المواطن السوري بين مطرقة نظام الاستبداد والفساد والتبعية للخارج وأهوال احتلالات متعددة الأطراف والجبهات، وسندان الغلاء وجنون الأسعار والبطالة القصوى وعطالة الاقتصاد وانهيار العملة وانسداد سُبُل العيش الأبسط…
ولا يُدهش المرء إزاء تصريحات جيمس جيفري، مبعوث الإدارة الأمريكية الخاصّ إلى سوريا، من أنّ انهيار الليرة السورية “يثبت أنّ روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على تعويم نظام الأسد”؛ متناسياً أنّ وكالات الأمم المتحدة ذاتها، بعلم الولايات المتحدة والسادة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، مكّنت النظام السوري من التنعّم بما قيمته 30 مليار دولار من “المساعدات الإنسانية”؛ وتلك كانت واحدة من أكثر عمليات القرصنة الدولية وضوحاً وانكشافاً و… صفاقة! تلك المليارات لم تقدّم رغيف الخبز أو علبة الدواء للمواطن السوري، بل ضخّت المزيد من الملايين في جيوب رؤوس النظام وفاسديه وصيارفته، وأمدّت أجهزته الأمنية والعسكرية بأكثر من شريان حياة.
وفي نهاية المطاف، ألا يتواصل تعويم نظام الأسد منذ بدء الانتفاضة الشعبية السورية، في ربيع 2011؛ ليس من جانب إيران وروسيا وحدهما، بل كذلك في أكثر من عاصمة على نطاق العالم، في واشنطن كما في تل أبيب، وفي الرياض أسوة بالقاهرة؟ وأيّ نظام ذاك الذي أسقطته العقوبات الاقتصادية، أممية كانت أم أمريكية، و”ذكية” قاسية كانت أم “غبية” متسامحة؟ ألم يحدث العكس في الواقع، إذْ أتقنت الأنظمة المعاقَبة استغلال تلك العقوبات من أجل فساد أكثر واستبداد أشدّ، فضلاً عن انتهاج نفاق أعلى وقاحة في ادعاء دور الضحية؟
القدس العربي
———————————-
“قانون قيصر”… تدمير نظام الأسد أم إجباره على التفاوض؟/ أحمد الأحمد
حتّى الآن، هناك أسئلة كثيرة لم يُجب عليها “قانون قيصر”، الموجه ضد النظام السوري، ومن أبرز هذه الأسئلة: “هل يتمكّن قانون قيصر من تعطيل الآلة العسكرية والقبضة الأمنية للنظام السوري طالما أنّه سُمّي قانون حماية المدنيين؟”.
على مدار السنوات الماضية، فُرضت على نظام الأسد سلسلة عقوبات اقتصادية أممية، رداً على انتهاكات النظام السوري بحق المدنيين، ولكن اليوم بعد 9 سنوات من عمر الثورة السورية، يتضح أن هذه العقوبات لم تؤثّر في النظام السوري، بل زادت من وحشيته سواء على جبهات القتال أو داخل أقبية الأفرع الأمنية.
الآن يدخل قانون قيصر لحماية المدنيين حيز التنفيذ، بعد أربع سنوات من طرحه كمشروع قانون. مرَّ هذا القانون بمراحل كثيرة ومعقّدة حتّى أقرّته الولايات المتّحدة رسمياً، وبدأت هذه المراحل مذ غامر أحد الضبّاط السوريين بحياته لمحاولة الهروب بـ55 ألف صورة تعود إلى 11 آلاف معتقل قضوا في سجون النظام السوري، وانتهت المراحل مع اعتماده من مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين.
يُفترض أن يشكّل القانون علامة فارقة في تاريخ العقوبات على النظام السوري، كما أن علامته الفارقة سوف تنعكس سلباً على المدنيين في داخل سوريا.
في هذا التقرير، يطرح “درج” سؤالاً، حول مدى قدرة هذا القانون على تجميد الآلة العسكرية للنظام السورية، وإرهاق أفرعه الأمنية اقتصادياً، وهذا السؤال يشكّل روح القانون الجديد وهدفه الأساسي.
نتائج غير مضمونة
الدكتور في الاقتصاد، كرم شعّار والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، يرى أن آلية تطبيق القانون هي وحدها التي تحدّد نتائجه. ويلفت الشعار الى دراسات أكاديمية سابقة حللت نتائج العقوبات الاقتصادية على سياسات البلدان التي عوقبت، مثل كوريا الشمالية والسودان، ودول أخرى، ورصدت مدى قدرة العقوبات على تغيير سلوك الحكومات.
الدراسات وجدت أن العقوبات لا تؤثر في سلوك الحكومات وهذا الحال ينطبق على قانون النظام السوري أمام قانون قيصر، ولكن القانون قد يجعل النظام مثل “القط المحشور في زاوية حين يتحوّل إلى نمر”.
كرم الشعار
ويقول شعّار لـ”درج”: “العبرة بقانون قيصر ليست في القانون بحد ذاته بل في آلية تطبيقه، فهناك الكثير من القوانين التي وُضعت بصيغةٍ ما وتم تطبيقها بصيغة أخرى”.
ويضيف أن الولايات المتحدة، إذا أرادت تطبيق القانون بشكل صارم فإن عواقبه سوف تكون مهولة على النظام في سوريا، ويرى أن الأمل الأكبر من هذه العقوبات هو إجبار النظام على الجلوس على طاولة التفاوض، “من وضع العقوبات لا يريد انهيار النظام الحاكم في سوريا، ثم إعادة بنائه لأن ذلك سيكون مكلفاً لذلك من الأفضل إصلاحه من الداخل ودفعه نحو التفاوض”.
أما عن مدى قدرة هذه العقوبات على الدفع نحو التفاوض فيعتبر شعار، أنّه إذا كان هدفها دفع النظام نحو الانهيار فلن تنجح.
دفع النظام إلى التفاوض
يقول المستشار الاقتصادي والباحث الدكتور أسامة القاضي: “إن قانون قيصر قد لا يستطيع وحده إيقاف الآلة العسكرية ولكنه محفز لحلفاء النظام لإيقاف هذا الدعم حتى يدخل في حل سياسي”.
ويرى القاضي، أن القانون يشكل نوعاً من الضغط من أجل الدخول في حل سياسي ولكنه لن يوقف بالضرورة الآلة العسكرية للنظام السوري، وهو بالمقابل يضغط على روسيا على الأقل كي تجبر النظام على الدخول في حل سياسي من أجل دخول بقية الدول في مسألة إعادة الإعمار والحصول على ثروة اقتصادية طال انتظارها من قبل الروس على مدى خمس سنوات منذ دخولهم المعركة في أيلول/ سبتمبر 2015.
ويكمل: “إذا تصرف النظام السوري كما يتصرف دائماً برعونة سياسية وعدم اكتراث لعذابات السوريين يمكن أن يستمر بآلة القتل بدعم إيراني ولكن حلفاءه يجب أن يجبروه على الدخول في حل سياسي، لا سيما أن الروس يبحثون عن صفقة سياسية للخروج من الرمال المتحركة السورية”.
ولكن ماذا تعني كلمة “تفاوض” في الحالة السورية؟ منذ اليوم الأول للثورة، عمد النظام السوري إلى إقامة “حلقات حوار وطني” جمع فيها مؤيديه وفتح بينهم حلقات نقاش حول قضايا غير سيادية، لا تتطرّق إلى المعتقلين ولا حالة الحريات العامة، ولا انتهاكات الجيش أو ضرورة تفكيك أفرع الأمن، ولم تشارك في تلك الحوارات شخصية معارضة واحدة.
وفي المقابل، يتمسّك الأسد منذ اليوم الأول للثورة حتّى الآن بخطاب موحّد لا يبدو أنّه يريد تغييره، يتمثّل في ضخ العداء المطلق لتركيا ودول الخليج وأوروبا وأميركا ومجلس الأمن والمجتمع الدولي، ويروّج نفسه على أنّه ماضٍ في خوض المعارك حتّى “استرجاع آخر شبر من سوريا” وعدم تهديم ما يسمّيها “قلعة المقاومة والممانعة”.
هذا الخطاب ملَّ منه مؤيدو النظام قبل معارضيه، وملّت منه الدول الحليفة للنظام مثل روسيا قبل الدول التي ترغب في سقوطه، كما أنّ هذه الشعارات لم تعد قابلة للصرف أمام نظامٍ يتآكل باستمرار.
يبدو قانون قيصر الأمل الوحيد في دفع النظام نحو اختيار طريقه، إمّا الاستمرار في التآكل وفي نهاية المطاف سينتهي النظام ولكن سيُنهي معه أي “عافية” اقتصادية لسوريا، أو الاعتراف على الأقل بأنّ هناك معارضة لديها مطالب تنادي فيها منذ 10 سنوات، والجلوس على طاولة لمناقشة هذه المطالب بضغطٍ من حلفائه.
ويوضح القاضي، أن الاقتصاد السوري بات من الهشاشة بمكان بحيث أن أي عارض خارجي سيزيد بؤسه، فقانون قيصر سيؤثر طبعاً في الاقتصاد السوري ولكن الأثر الأكبر بسبب شلل معظم القطاعات الاقتصادية السورية منذ أكثر من 9 سنوات.
والتحرّك نحو حل سياسي سريع ليس من سياسة النظام الذي لا يأبه لآلام السوريين ويعتقد أنّه يحارب الإمبريالية العالمية، كما أنّه من المستبعد بعد تطبيق القانون أن يكون عاجزاً عن خوض المزيد من المعارك، ويوضح القاضي أن وتيرة المعارك ستتراجع لأن النظام لن يعود قادراً على خوض حروب ضخمة كما كان سابقاً، وبالتالي قد يبقى في حالة مناورة وكر وفر لسنوات، ضمن معارك فاشلة لا تثمر إلا قتل المزيد من السوريين وترهيبهم وتهجيرهم.
كما لفت إلى أن الشيء الوحيد القادر على إيقاف العمليات العسكرية هو ضغط الروس إذا اقتنعوا بذلك.
عملياً، يتشابه قانون قيصر مع العقوبات السابقة، ولكنّه أشد قسوة، فإذا تم تصنيف البنك المركزي السوري على أنّه يدعم الإرهاب أو يغسل الأموال فإن ذلك سيؤدّي إلى شلل المركزي بحيث يصبح غير قادر على تعاملات باليورو والدولار وسيكتفي بالعملات الروسية والصينية والكورية الشمالية وهذا صعب جداً، ويؤدي إلى شلل كامل لما تبقى من نظام اقتصادي.
ويعتقد القاضي، أن قانون قيصر، يؤدي إلى تضييق الخناق أكثر على النظام، ما يمنعه من خلق واجهات اقتصادية للتحايل على هذه العقوبات، موضحاً أن هذا القانون سيكون أكثر تعقيداً وأكثر مراقبةً على تطبيقه للضغط على النظام وحلفائه.
الالتفاف على القانون؟
خلال السنوات الماضية، كان المجتمع الدولي في كل مرّة يفرض عقوباتٍ ما على النظام السوري، كان الأخير بالمقابل يطوّر أدواته وسبل حلوله لتقليل أثرها إلى الصفر.
من خلال تحليل سلوك النظام السوري في التعامل مع العقوبات الاقتصادية على مدى السنوات السابقة، يتّضح أنّه يعمل على جهتين، الأولى هي فهم مسار هذه العقوبات لإيجاد حلول غير قانونية لتجاوزها، والثانية محاولة توجيه أضرار هذه العقوبات على السوريين الذين يعيشون في مناطقه، في مقابل تخفيف أثرها على مؤسّساته العسكرية والأمنية، والتي لا تزال حتّى كتابة هذا التقرير، تقصف المدن السورية وتحتجز أكثر من 100 ألف مدني في معتقلات سيئة السمعة.
وفقاً للدكتور كرم شعّار، فبعد العقوبات على إيران عام 2015 كانت إيران قادرة على الالتفاف على هذه العقوبات عبر استخدام بواخر نفط وسيطة لتفريغ النفط الإيراني فيها داخل البحر ثم بيعها من طريق السفن الوسيطة، ولكن أخيراً باتت جميع هذه الأعمال مكشوفة من قبل صور الأقمار الصناعية، وهو ما سينطبق على سوريا الآن، فقدرة الدول التي تفرض عقوبات، على مراقبة تطبيق هذه العقوبات أصبحت متطوّرة وباتت بإمكانها معرفة أي محاولات لكسر هذه العقوبات.
ويرى أيضاً أن قدرة النظام على التهرّب من العقوبات تنعدم يوماً بعد يوم وخصوصاً أن الهامش الربحي من السوق السورية أصبح ضئيلاً بالنسبة إلى الشركات الأجنبية، التي باتت تفضّل الانسحاب وعدم مجابهة العقوبات.
هذا الأمر انسحب أيضاً على محلات التجزئة، حيث بدأ كثر من تجار المفرق في سوريا يغلقون متاجرهم، لأنّهم محاصرون بين اتهامات المواطنين بالغش وبين الضغط من مؤسسات حماية المستهلك.
وبحسب شعّار، فإن التخوّف الأساسي لدى النظام هو عدم توفّر القطع الأجنبي، ما يؤدّي إلى انخفاض القدرة على استيراد السلع الأساسية المطلوبة يومياً من المواطنين، وهو ما يؤدّي إلى خلق زعزعة وحالة حقد لدى المدنيين، لافتاً إلى أن الحرب لم تدفع المدنيين في المدن التي تقطنها أقليات نحو درجةٍ كهذه من الغليان، علماً أن السيطرة العسكرية مُحقّقة.
درجة
——————————–
بين شهبور بختيار وحسين عرنوس/ وائل السواح
في يناير/ كانون الثاني 1979، كانت الثورة الإيرانية ضدّ حكم الشاه قد بلغت أوجها، فلعب الشاه آخر سهمٍ في جعبته، وعيّن محاميا وأكاديميا محترما، كان له دور في تاريخ إيران من خلال عمله مع السياسي الإيراني الوطني محمد مصدق، خلال الحكومة القصيرة التي شكلها بين 1951 و1953: إنه شهبور بختيار. وحين عاد الشاه بعد انقلاب عسكري دموي على حكومة مصدّق، عاد بختيار إلى الحياة الخاصة وعمل في المحاماة، قبل أن يعتقله الشاه بسبب نشاطاته السياسية المعارضة لحكم الشاه، وسجن ست سنوات، أفرج عنه بعدها، ورقّي إلى منصب نائب رئيس الجبهة القومية، كما كان عضوا قياديا في حزب إيران.
كان شهبور بختيار رجلا محترما، مثقفا وسياسيا حكيما. وعلى الرغم من أنه كان معارضا للشاه، ودفع ثمن معارضته سنوات في السجن، فإنه لم يؤيّد الثورة الإيرانية، لأنه لم يرَ فيها تجسيدا لطموحاته الليبرالية والعلمانية. وفي الفترة القصيرة قبل سقوط حكومته، بوصول آية الله روح الله الخميني من منفاه في باريس، قام بإجراءاتٍ إصلاحيةٍ، كان يمكن أن تؤسس لإيران بديلة، تتخلّص من الحكم البغيض للشاه من دون أن تقع في مطب الطائفية البغيضة والحكم الديني الظلامي، الذي صدّر الثورات والآلام في كلّ المنطقة. من إصلاحاته حلَ “السافاك”، جهاز البوليس السري الأشد فتكا ورعبا في تلك المرحلة وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع الرقابة عن الصحافة، والترخيص لصحف معارضة عديدة. غير أن آية الله الخميني أبى، حين عاد من منفاه في فرنسا، في أول فبراير/ شباط فبراير 1979، السير في خطّ معتدل ومتدرّج، وهو الذي دخل طهران دخول الفاتحين، حاملا برنامجا راديكاليا لم يكن يحاول أن يخفيه أو حتّى أن يزيّنه بألوان برّاقة. ورفض الخميني التعامل مع رجلٍ علماني، ما أدّى إلى انهيار حكومة بختيار. وفي يوم من أيام إبريل/ نيسان 1979، اختفى بختيار، وتبيّن أنه استطاع الفرار إلى فرنسا، كما سيفعل بعد ذلك ليبرالي معتدل آخر، هو أبو الحسن بني الصدر، أول رئيس جمهورية لإيران، بعد أقلّ من سنتين.
سيؤسّس شهبور بختيار في باريس حركة المقاومة الوطنية في المنفى، وسينجو من محاولتي اغتيال، قبل أن يستطيع العميل الإيراني علي وكيلي راد (بأوامر من مرشد الثورة الإيرانية) أن يرديه قتيلا بعدّة طعناتٍ في صدره في بيته في ضاحية سورسين بباريس. حُكِم على راد بالسجن المؤبّد، ولكن الحكومة الفرنسية ستطلق سراحه في 1994 وتسلّمه إلى إيران في مقابل إطلاق سراح أكاديمية فرنسية اتهمت بالتجسّس على إيران.
في 10 يونيو/ حزيران الحالي، لعب دكتاتور آخر لعبة مشابهة. إنه بشّار الأسد الذي أعفى رئيس وزرائه، عماد خميس، بحركة مسرحية قبل شهر واحد فقط من انتخابات مجلس الشعب، ثم أخرج من جعبته رئيس وزراء جديدا، هو حسين عرنوس، وكلّفه برئاسة الحكومة نفسها حتى انعقاد الانتخابات.
ثمّة بين المثَلين أوجه شبه. كان الشاه يريد لعب آخر سهمٍ في جعبته ليحافظ على ما يمكّن هيكلية حكمه. كان يعرف أن أيامه تقترب من نهايتها، ولسوف يغادر بالفعل بعد أيام إلى مصر حيث سيقيم بضيافة صديقه أنور السادات حتى وفاته. وقد قدّم تنازله الأخير أملا في أن ينقذ هذا التنازل بقايا حكمه، أو يضمن له ربما عودة قريبة إذا ما غادر البلاد.
لا يتمتّع بشّار الأسد بذكاء شاه إيران، ولا بقوّة شخصيته، ولعلّه لا يدرك بعد حجم الكارثة الذي أوصل نفسه إليها بعد أن دمّر بلده وقتل وهجّر وشرّد الملايين منه. ولكن سورية ليست إيران، وبينما كان شاه إيران صاحب قرار، فإن الأسد ليس كذلك، وثمّة من يخطّط سياسة البلاد نيابة عنه.
وجه الشبه برأيي أن حسين عرنوس مثل بختيار، سيكون آخر رئيس وزراء لسورية الأسد، ولسوف يبحث عن منفى له، لن يكون فرنسا بالتأكيد، ولا أحد يعلم كيف ستكون نهايته، ولكنها قد لا تكون بعيدة جدا عن نهاية بختيار. وفي المقابل، ثمة اختلافات كثيرة بين المثلين. والاختلاف الأساس يأتي من الفرق بين شخصيتي رضا بهلوي وبشّار الأسد. وإذا صدّقنا دروس التاريخ، فإن الأسد ليس سوى نسخة هزلية من مأساة البهلوي. ولذلك، بينما أتى الأصل برجل محترم، أكاديمي ومحامٍ وله تاريخ طويل في العمل السياسي المعارض له، جاء الأسد بكاريكاتور ليس له، في الأوضاع الطبيعية، من القدرة ما يمكّنه من تسيير الأمور في بلد طبيعي، فيه اقتصاد عادي وحياة طبيعية وأسواق ووزراء ومسؤولون، حتى لو لم يكن فيه انتخابات وصحافة حرّة وتداول للسلطة، فكيف سيستطيع هذا الرجل الضعيف أن ينقذ بلدا من قاع الهاوية الذي رماه فيه رئيسه وعائلته وحلفاؤه وداعموه الدوليون والإقليميون؟
لقد أراد الأسد أن يوحي أن سبب المشكلة هي رئيس وزرائه عماد خميس، فأقاله ووضع مكانه حسين عرنوس. لم يكن لخميس حوْل ولا طول في قيادة البلاد، سياسيا واقتصاديا وأمنيا، فذلك كله كان في أيدي العائلة الحاكمة وقادة الأجهزة الأمنية وحكومتي روسيا وإيران، فطرده الأسد ووضع مكانه دمية أخرى، لا حوْل لها ولا طَول، وسيكون مصيرها أسوأ من مصير خميس.
ليس لحسين عرنوس، برأي من تحدّثت معهم من خبراء ببواطن الأمور ودواخل النفوس، تاريخ في الفساد، ولكنه لا يتمتّع بأي حسّ قيادي، وليس له، مثل معظم أسلافه، أي كاريزما يمكن أن يستغلها في الخروج من عنق الزجاجة. ويكفي أنه كان وزيرا في حكومة الأسد حين كان معلّمه يقصف أهله وإخوته في محافظة إدلب، من دون أن يحرّك فيه ذلك عضلةً واحدة. مثله في ذلك مثل سلفه الذي جاء من بلدة سقبا في غوطة دمشق، وكان وزيرا في حكومة وائل الحلقي حين كان الأسد يدمّر أهل بلدته والبلدات المجاورة في ريف دمشق. وحين اعتقل ابن أخت له أول أيام الثورة، رفض حتى أن يتوسّط من أجله في زيارة.
بصراحة، أشعر ببعض التعاطف مع حسين عرنوس، على الرغم من أنْ لا شيء فيه يستدعي التعاطف، فأن تختار شخصا لتعيّنه رئيسا لوزراء سورية في اليوم الذي سيدخل فيه قانون قيصر حيّز التنفيذ، لا يشبه شيئا أكثر من أن تختار رجلا لتضعه أمامك، حين يوجّه أحدهم مسدّسه صوبك. يعتقد بشّار الأسد أنه باختيار دريئةٍ جديدةٍ قد يؤجّل حكم التاريخ عليه، ولكنْ لاتَ ذاتَ مناص، أو كما يقول أهلنا في سورية “كان غيرك أشطر”!
العربي الجديد
———————————–
ثلاثة أيام لبداية جحيم جديد في سوريا/ يوسف بزي
بعد ثلاثة أيام، يدخل “قانون قيصر” حيز التنفيذ. إنه الموعد المخيف للنظام السوري. لكنه أيضاً الموعد المشؤوم للمواطنين السوريين المقيمين داخل بلدهم، في المناطق التي يسيطر عليها جيش الأسد. فالحظ التعس للمواطن السوري هذا، يجعله ينوء تحت عبء تحمل الانهيار الاقتصادي الحاصل منذ سنوات، والذي سيتحول مع “قانون قيصر” إلى إفلاس اقتصادي شامل إلى حد الجوع.
الحصار الأميركي والعقوبات الفعالة نسبياً في السنوات الفائتة، مضاف إليها حجم الدمار والخسائر البشرية والمادية الفادحة والكلفة الهائلة للحرب، كان كل هذا بمثابة كارثة للأحياء الذين فقدوا مقومات العيش اليومي والقدرة الشرائية. ورغم قساوة كل ذلك، فإن الأسوأ والأقسى سيأتي تباعاً مع “قانون قيصر”، الذي سيستهدف مالية “الدولة السورية” ومواردها واقتصادها على نحو متشدد وخانق.
المعروف سلفاً أن ليس لـ سوريا اليوم علاقات اقتصادية مع العالم، لا تجارة ولا استثماراً ولا سياحة. واليوم، أكمل الأميركيون الطوق الذي عملوا عليه بهدوء وصمت. وكانت إشارته الأولى الظاهرة، حين لجمت تلك الاندفاعة الطائشة لدولة الإمارات في محاولتها تطبيع العلاقات مع الأسد والبدء بمشاريع استثمارية عقارية وتجارية. حينها أدركت الدول العربية أنه غير مسموح لها بمدّ النظام السوري بأي جرعة أوكسيجين.
التحول المهم حدث في العراق. عادت أميركا لتفرض نفوذاً سياسياً وأمنياً على بغداد وعلى قرارات الحكومة العراقية. فالدولة التي كانت مفتوحة لـ سوريا باتت حدودها مغلقة بأمر أميركي. وبالتزامن، عمل الأميركيون مع الأردن على خفض كل الصلات الاقتصادية، استيراداً وتصديراً مع “الدولة السورية” إلى أدنى مستوى ممكن، وبالكاد يقتصر على بعض المبادلات عبر معبر “نصيب”.
الضربة الكبيرة كانت في لبنان، المنفذ الشرعي وغير الشرعي الذي يستفيد منه النظام السوري ويشكل له أحد أهم شرايين الحياة، هو أيضاً بات مشمولاً على نحو شبه علني بالعقوبات. القنوات المالية السرية عبر المصارف والتحويلات غير المباشرة والاستيراد بالوكالة عبر مرفأ بيروت ومطارها.. كل هذا بات بالغ الصعوبة وشبه مستحيل. فلبنان نفسه فقد احتياطاته من العملة الصعبة، وانهياره الاقتصادي يشابه تقريباً الحال السورية. والمصارف اللبنانية تحت مجهر الرقابة الأميركية اللصيقة.
الدولة اللبنانية، وهي رهينة حزب الله، لا يمكنها تحدي الأميركيين وكذلك لا يمكنها عصيان حزب الله. إنها في عجز تام. والمصرف المركزي الذي كان يموّل استيراد القمح والمحروقات ويضخ السيولة الدولارية في السوق، يعاني اليوم من شح في النقد. لذا، لم يعد بمستطاع النظام السوري تأمين القمح والمشتقات النفطية والنقد الدولاري عبر لبنان. وكان واضحاً أن أزمة “المازوت” في لبنان سببها التدقيق الصارم في الكمية التي يحتاجها لبنان فلا يستورد ما يفيض حاجته ليتسرب تهريباً إلى سوريا.
المصرف المركزي اللبناني والمصارف الخاصة أبدت تجاوباً مع متطلبات “قانون قيصر” منذ نحو الشهر. ولذا، يمكن القول إن كل محاولات حزب الله في السنتين الأخيرتين لتجيير إمكانات لبنان لصالح دعم النظام السوري، أصبحت اليوم مستعصية بعدما كانت إحدى الأسباب المباشرة في الأزمة المالية اللبنانية. والحيلة الأخيرة التي كان يعتمدها الحزب ونظام الأسد، باستغلال شركات التحويل الإلكتروني (“ويسترن يونيون” مثلاً) للحصول على الدولارات، أضحت غير فعالة بعدما أجبر المصرف المركزي تلك الشركات على تسليم الحوالات فقط بالليرة اللبنانية على أن يشتري المصرف بنفسه تلك الدولارات.
ولكي ندرك دهاء الخطة الأميركية في خنق النظام السوري، ننتبه الآن لماذا الأميركيون كانوا شديدي الإصرار على الحضور الميداني العسكري وفرض سيطرتهم على الشمال الشرقي وأنحاء أساسية من منطقة الجزيرة في سوريا، وحيث تسيطر الميليشيات الكردية على مساحات زراعية شاسعة بالغة الحيوية لـ”الأمن الغذائي” السوري. فهناك تقريباً السلة الغذاية الزراعية، وأولها القمح. والأميركيون الآن فرضوا عدم التعامل مع النظام أو إمداده بالحبوب والقمح.
بالطبع، إلى جانب القمح، هناك في تلك المنطقة أيضاً آبار النفط، التي كانت تؤمن للنظام السوري مورداً أساسياً وعملة صعبة ومدداً للاستهلاك المحلي من الطاقة. وهذا ما هو محروم منه.
الحصار المطبق، وقطع شرايين الاقتصاد والمال سيكون مع “قانون قيصر” بالغ الشدة والفعالية. خصوصاً أن الدول الحليفة أو الداعمة للأسد، هي نفسها تعاني من أزمات اقتصادية ومن عقوبات أميركية، تجعلها عاجزة عن تأمين ما ينقذ الأسد من الحصار. بل إن إيران وروسيا يلحّان عليه تسديد الديون المليارية وبالدولار!
تقريباً، لم يعد في الخزينة السورية احتياطات مالية تكفيها لأشهر قليلة، وحتى ولو استولى الأسد على ما تبقى من أرصدة لأمثال رامي مخلوف داخل سوريا، فإن مليارات الدولارات “المهربة” لن تعود إلى سوريا.
وكل هذا يقود إلى نتيجة واحدة: إفلاس وضيق اقتصادي غير مسبوق. وستقع إدارة الأسد في عجز عن تأمين الغذاء والدواء والطاقة. فيما العملة السورية ستتجه أكثر فأكثر إلى تسجيل المزيد من الأرقام القياسية هبوطاً. هذه الحرب ليس فيها جندي أميركي واحد. حرب بلا أدنى خسائر للأميركيين. صفر إصابات.
المأساة أن الأسد لن يحتار أبداً. لن يعتل همّ الخيارات والحلول الممكنة. لن يفكر لحظة بكيفية تجنيب السوريين تجرع كأس السم. الأسد الذي “يؤمن” أن سوريا أرضاً وشعباً وُجدت من أجله وعائلته هي أرخص من كرسيه. أن سوريا الدولة ما هي إلا ملكية شخصية، يحوزها ويتصرف بها كما يشاء، هي من يموت من أجل “رئاسته”. هي التي ستضحي بنفسها طوعاً أو قسراً من أجل بقائه.
بهذا “الإيمان” الأسدي، وقراره أن يذهب بسوريا إلى الجحيم، سيتحول “قانون قيصر” إلى كابوس جوع لكل مواطن سوري. هذا ما اختبرناه سابقاً مع أنظمة شبيهة، كحال كوريا الشمالية وفنزويلا والعراق في التسعينات.
تلفزيون سوريا
——————————
سوريا وترسيخ الفشل.. لاحاجة لقانون قيصر!/ أسامة منير ابراهيم
منذ توليه السلطة عمد بشار الأسد للتحرك بما يتناسب مع عقلية وسلوك شاب درس في الغرب -كما كنّا نسمع ولم نر شيئًا من ذلك- ومضى للاستعانة بترسيخ ذلك على استعراض ودمج البلد في مشروع إصلاحي كبير يستمد معاييره مما هو متداول في برامج التنمية حول العالم، ذلك وفق السلم الذي إذا ما أرادت دولة ما أن تصعد بنفسها وشعبها حول العالم أن تصعد درجاته.
فمما جاء بجعبة بشار الأسد منذ وصوله للسلطة صيف عام 2000 مصطلحات فضفاضة جدًا ولا تتناسب بنيويًا مع تفاصيل وأسس قامت عليها الدولة السورية منذ نيسان 1962 وما تلاه، فكان طرحه لحملة ” الحرب على الفساد”، ومن بعدها الإصلاح الإداري والإصلاح القضائي والشراكة مع الاتحاد الأوروبي إلخ، وهنا سنقف قليلا عند مطالب الشراكة هذه التي كانت من جملتها مستوى الديمقراطية والأداء الحكومي والمشاركة السياسية والتعددية، والتي لم يتوافر حينها في سوريا من هذه المعايير شيء، فما كان نصيبنا سوى أننا سمعنا شفهيًا صوت تلك المصطلحات ولم يكن لنا نصيب من ذلك كله ولو حسب الدارج في المثل السوري “من هالدبس مصة إصبع”.
دخلت البلد بعد ذلك مرحلة ركود يدعوها كثر “أمن وأمان”، فلم تفلح لأسباب كثيرة منذ 2007 وما تلاها مساعي أردوغان وساركوزي بإنعاش عملية السلام التي كان يُؤمل منها إنعاش سوريا اقتصاديًا وإدخالها في عصر نهوض يناسب إمكانياتها، لنصل أو بالأحرى لتصل البلد إلى ما ليس بحسبانها وإلى ما لم يتوافر لها لاستقباله والتفاعل معه، ألا وهي الثورة، التي لم تكن بحسبان أهم مراكز البحث التي كان النظام يعتمد عليها لاستشراف أثر سياساته المرعية الإجراء مع شعبه ولإدارة البلد وفقها، مناسبة الحديث عن هذه المؤشرات والمعايير اليوم هو اطلاعي على تقرير هو من الأكاديمية والحرفية والعلمية والدقة والعالمية بمكان، التقرير السنوي الذي تصدره صحيفة الإيكونوميست العالمية الغنية عن التعريف المعنون (مؤشر الديمقراطية، Democracy Index)، وتعتمد في تقريرها هذا على تطبيق خمسة معايير رئيسة لاستشراف حال الديمقراطية في دول العالم المستقلة التي بلغت هذا العام 167 دولة ومقاطعتين.
يأتي على رأس هذه المعايير العملية الانتخابية والتعددية السياسية، يليها الأداء الحكومي والمشاركة السياسية والثقافة السياسية والحرّيات المدنية مبوبًا كل تلك البلدان المصنفة تحت نوع النظام السياسي الحاكم والتي اعتمد التقرير فيها تصنيفًا من أربعة مستويات يعلوها دول الديمقراطيات الراسخة، وبعدها الديمقراطيات المعيبة المشوبة أو التي تحتاج إصلاح، والنظم الديمقراطية الهجينة، وآخرها النظم الاستبدادية والتي تقع سوريا في آخرها بجدارة حسب المؤشر.
يعطي المؤشر درجات على سلم من واحد إلى عشرة، يبدأ التقييم من الأعلى بدرجة عشرة ويستمر نزولًا، ولنا بمقارنة حال سوريا مثلا بين عامي 2007 و 2018 أن نقرأ الكثير ولكن بشرط أن نضع عنوانًا لهذه القراءة وهو “الفشل الراسخ”، ففي 2007 أيام الاستقرار السياسي المفترض والتطور الذي تعتزم البلد نهجه والانفتاح إليه احتلت سوريا المرتبة 153/167 بمعدل عام 2.36/10 مع درجة الصفر في معيار العملية الانتخابية والتعددية السياسية، لتسجل أعلى درجة في معيار الثقافة السياسية، متزعمة ذيل القائمة بتفوقها على دول من مثل إريتريا وغينيا وميانمار وتشاد وكوريا الشمالية، وبالقفز للمؤشر الصادر مؤخرًا ليقول تفاصيل فاجعة ولكن ليس بالكثير عن تلك عام 2007، وتحتل سوريا المرتبة 166/167 هذا العام متزعمة بجدارة ذيل التقرير مرتين تسبقها بالفشل فقط كوريا الشمالية، مرة بحلولها في المرتبة قبل الأخيرة على المستوى الإقليمي للتصنيف بين دول الشرق الأوسط والأخرى لحلولها في المركز ما قبل الأخير في التصنيف العالمي، بواقع ثلاثة أصفار في معايير العملية الانتخابية والتعددية السياسية، والأداء الحكومي والحرّيات المدنية.
وللختام تدعونا المفارقة والحصافة لاختبار حرفية التقرير ومصداقيته والتزامه بالمعايير العالمية لهذا النوع من التقارير، فنأخذ مثالا تصنيف الجارة إسرائيل في باب النظم السياسية المعيبة أو التي يحتاج تطبيقها للديمقراطية إلى الإصلاح، كما ولا يغيب عنّا ارتقاء الجارة من المرتبة 47 عام 2007 إلى المرتبة 30 هذا العام بتقدم 17 مركزا، محرزة التقدم الأبرز في مؤشر العملية الانتخابية والتعددية السياسية ومؤشر المشاركة السياسية، ولم تتقدم بشكل ملحوظ مثلا في مؤشر الحرّيات المدنية، هذه الجارة التي كنا نعدها يومًا وهمًا وليس لها وزن واعتبار في لحظة مشرئبة من الزمن العربي الحديث.
يقول التقرير أشياء كثيرة، كلها تدعو للحزن والمرارة على حال بلدنا سوريا، التي زارها مرة مهاتير محمد في خمسينيات القرن الماضي وقال : “أتمنى أن تكون يومًا كوالامبور مثل دمشق اليوم”. هذا البلد الذي لم تؤخره الحرب كثيرًا عن السباق نحو المزيد من الفشل، والواضح أن الحرب والمؤامرة الكونية على السيد الرئيس لم تكن ذات أثر، فالفشل قبل ذلك يدقُ أطنابه في بلدنا ولا حاجة لنا بحرب لنفشل أكثر، ولن يكون قانون قيصر الذي يسوق موظفو النظام في واشنطن أنه سيهلك الشعب من الفقر والحاجة وكأنّهم لم يقرؤوا نتائج مؤشر World By Map العالمي، الذي صنّف سوريا الأفقر عالميًا بنسبة %82.5 حيث سبقت دولة الممانعة- التي أعلنت إحدى سيّداتها أمس نهج الصمود في مواجهة عقوبات قانون قيصر- مدغشقر وزيمبابوي!! تلك الدول التي ليس بينها وبين سوريا أي مشترك حضاري في التاريخ الحديث. وأن العقوبات ستقضي على اقتصاد سوريا التي فقدت ليرتها 90% من قيمتها منذ 2015 ، ولو استخدمنا طريقة حساب سعر الليرة بالنسبة للدولار بشكل صحيح، لظهر أنه ذو أثرٍ بتخلف البلد وفقرها وفشلها الراسخ، أكثر مما فعل النظام عبر تاريخه في حكم البلد.
وفي كل مرة أشرع فيها بمقايسة ومقاربة تقرير عالمي لتصنيف أسأل نفسي بدمعٍ لا يتأخر، ما ردده يومًا شاعر العربية الكبير عمر أبو ريشة:
أمَّتـي هلْ َلكِ بـيـنَ الأُمَمِ مِـنــبـرٌ للسيـفِ أو لـلـقـلَـمِ؟
————————————-
قانون سيزر حقوقيا وسياسياً/ غسان المفلح
من المفترض ان يتم العمل بقانون سيزر الامريكي منذ بداية حزران الحالي. القاضي بمعاقبة نظام الاسد كمجرم حرب ومرتكب جرائم ضد الانسانية، اضافة لمعقابة ومحاسبة كل الدول والمؤسسات التي تدعمه في ذلك.
مع اقرار هذا القانون دخلت القضية السورية منعطفاً جديداً يمكن البناء عليه. يطال القانون كل من يدعم هذا النظام، دولاً ومؤسسات وأفراداً. النقطة المهمة أيضاً، أن القانون جعل من سورية قضية أمريكية داخلية. لأن قانون سيزر قانوناً أمريكياً. بغض النظر عن آليات استخدامه من قبل السياسة الأمريكية. بغض النظر أيضاً عن قيام السياسة الأمريكية بتطبيقه الآن أم لا. لكن قوننة القضية السورية أمريكياً، هي الخطوة الأولى التي يمكن البناء عليها من أجل جعلها قضية إنسانية عالمية مقوننة. ربما على طريقة تطور قضية الهولوكست منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. صار للقضية سنداً قانونياً.
كما قلت بغض النظر عن كيفية تعامل السياسة الأمريكية معه. هذه السياسة التي حمت الإبادة الأسدية بحق شعبنا السوري منذ انطلاق الثورة السورية آذار 2011 وحتى اللحظة. مشكورة الجهود التي عملت على إقراره والعمل من أجل ذلك. سواء كانت سورية أم أمريكية. لكن هذا يتطلب منا جميعاً العمل أكثر من ذي قبل، لجعل هذا القانون دولياً من جهة وعالمياً بالمعنى الإنساني من جهة أخرى، أو على نفس الوتيرة وفي نفس السياق الإنساني.
هذا بالطبع يلقي مسؤولية إضافية على كل من ساهم من إخراج هذا القانون للنور أمريكياً أيضاً. إذا كانوا معنيين بجدوى عملهم حتى النهاية. صحيح أيضاً أن القانون أقر نتيجة لمساومات كثيرة بين الفاعلين السياسيين في أمريكا، والكونغرس خصوصاً. إلا أن هذا لا يلغي أن هنالك جهات داخل هذه النخب تريد فعلاً العمل من أجل القضية السورية، كما تراها هي ووفقاً لمصلحة أمريكا كما تراها ايضاً. لكن بالنسبة لنا كسوريين. هي خطوة أولى، يجب العمل عليها. إلا أنه في الوقت التي تم القيام بخطوات إقراره في الكونغرس وتوقيع الرئيس ترامب عليه وحتى اللحظة إدلب تباد من قبل الروسي والأسدي. مجازر كانت ترتكب هناك بفضل الطيران والصواريخ الروسية. مما يخلق جواً من عدم رؤية أية شمعة في آخر نفق قانون سيزر. خاصة أن الإدارات الأمريكية لم تكترث يوماً بضحايا الأسد والروس والإيرانيين من أبناء وأطفال شعبنا. إنها خلفية سيئة لقانون سيزر!! في ذاكرة السوريين.
هذه القضية يجب تناولها من جانبين الاول حقوقي وقانوني، ويجب الاستفادة منه كما ذكرت اعلاه في جعل القضية السورية قضية انسانية عامة. هذه مهمة المنظمات الحقوقية الدولية والسورية. الجانب الثاني هو الجانب السياسي. على طريقة” إننا لم نر منك يا أمريكا سوى الموافقة على قتلنا كسوريين منذ تسع سنوات”. حيث القانون نفسه يؤكد، مشاركة كل دول العالم في دفن ثورة السوريين، حلمهم بالتخلص من نظام طائفي مجرم، والعيش بسلام وحرية. هل كانت تحتاج النخب الأمريكية كل هذا الدم السوري لتقر هذا القانون؟
الأخطر أن الإبادة لاتزال مستمرة في إدلب والجرائم في عفرين والاعتقالات وكم الافواه في مناطق قسد، والقمع والقتل والافقار في مفسدة الاسد. على ماذا يدل ذلك؟ سياسيا النتيجة التي يمكن ان نخلص لها وفقا للمعطى الامريكي هي: ازعم أن امريكا لا تحتاج لقانون سيزر فيما لو ارادت الا تكون الاسدية جزء من مستقبل سورية. كلنا يتذكر القوانين التي صدرت بحق عمر البشير الرئيس السوداني المخلوع، وكيف تعهدت له ادارة اوباما بجعل هذه القوانين في جره لمحكمة الجنايات الدولية حبرا على ورق. بقي في السلطة قرابة العقد حتى اسقطته ثورة السودان بمساعدة الجيش السوداني!!
هذا تعامل سياسي امريكي مع القوانين الحقوقية الدولية. فهل سيكون سيزر مختلفا؟ على المستوى الحقوقي الامل قائم لكن سياسيا باختصار شديد ستستخدمه الادارة الامريكية من اجل بقاء الاسدية جزء من مستقبل سورية، وفق صيغة امريكية لا أحد يعرف حتى الان تفاصيلها. او ربما هذه الصيغة لم تنوجد بعد. كعادة الامريكان. لا رهان سياسي لي على هذا القانون.
النقطة الاخيرة هي تأثير هذا القانون على الاحوال المعيشية للشعب السوري. اولا القانون لا يمنع استيراد الاغذية والادوية. كل ما يقال غير ذلك من ابواق الاسد غير صحيح. بالتأكيد من يتحمل المسؤولية هنا فيما لو أثر” سيزر” على الشعب السوري وفي كل ما يحدث في سورية، هي هذه الاسدية القاتلة المزمنة. مع العمل على الموقف الامريكي سياسيا وحقوقيا من اجل تفعيل يستهدف الاسد وبأقصى سرعة ممكنة. بغير ذلك حتى لو استفدنا كشعب سوري حقوقيا، لن يكون مفيدا كثيرا في حال بقاء الاسدية جزء من مستقبل سورية.
قانون سيزر يفتح المجال لمفاوضات امريكية مع روسيا وإيران ونظام الاسد.
أخير:
حتى نتعرف على الجانب الاهم والمغفل من هذا القانون ومفاعيله، يجب ان نعرف الموقف الاسرائيلي الداعم للأسد شخصا ونظاما. سيتضح في الايام القادمة.
ايلاف
———————————
ما لقيصر/ ممدوح عزام
يتقدّم القانون الأميركي الذي أطلقوا عليه اسم ” قيصر” نحو البلاد بخُطىً حثيثة في الزمن، يبدو مثل تسونامي ساحق مدمّر يأخذ في طريقه كلّ شيء. لم يُطبَّق القانون بعد، ولكنَّ موعد تطبيقه على سورية بات قريباً جدّاً. ويتباهى الأميركيون، ومن أعانهم علينا به من السوريّين، في الفرجة على ما يؤول إليه حال السوري الذي يعيش في الداخل، قبل أن يبدأ قانونهم بالتطبيق الفعلي على الأرض.
غير أنَّ القانون بات ذريعة لقول أي شيء، أو لفعل أي شيء في الداخل أيضاً. وكلّما حاولت أن تسأل، أو تستفسر، سيُقال لك قانون قيصر، وهو اليوم القانون الأكثر شهرة، لا في التفاصيل، فهي تلك التي لا يعرفها إلّا القليل المعدود من الناس، بل في الاسم، قيصر بالطبع هو الأكثر شهرة، وليس سيزر، أمّا في الأفعال فالأمر هو الذي يهدّد حياة الناس. لا تنفع الكتابة عن الجوع أحداً اليوم، فالكتابة عن الجوع لا تُقرأ إلّا في زمن الشبع. ويمكن أن يسأل جورج آمادو نفسه: من قرأ روايتك “دروب الجوع”؟ هل هم أولئك الذين أكلهم الجوع كما قال جيرونيمو في نهاية الرواية عن عائلته؟ هل هو جيرونيمو نفسه؟ وسيقول له: “لا”.
يمكن للكاتب أن يستغرب من أن الناس لم يستمعوا بعد لنداء أبي ذرّ الغفاري عن الجائع الذي يخرج حاملاً سيفه، وها هي الكارثة تحدق بالجميع. به وبأهله وأصدقائه وأبناء وطنه. فالجوع (الجوع الحقيقي الخالي من أي مجاز روائي أو شعري) يهدّد الناس. ولا يعرف الناس ماذا يفعلون. وهم يجرون حائرين في السؤال عمّا يمكن أن يسرعوا في شرائه قبل أن ينفد أو قبل أن يرتفع سعره. ترتفع الأسعار هنا كل ساعة تقريباً، يصرخون لكن الصراخ لا ينفعهم. يصمتون وهم يتتبّعون أسعار السوق، فيأتي من يشتمهم ويشتم صمتهم. ينسى هؤلاء أنَّ المطالب من أجل العيش الكريم لم تتوقّف البتّة، وأنَّ من يطلب الحرية وينالها قد يخرج متظاهراً في اليوم التالي من أجل الخبز.
يبدو الأمر مفارقاً، كأنّ قيصر قد فتح الباب على مصراعيه، للتحرّر من الضوابط الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية. وكأن السوري الموجود في أي ريف ناءٍ بعيدٍ معزولٍ مسؤولٌ عن صياغة هذا القانون. يدير الجميع ظهورهم للجميع، وكلُّ واحد يضع المسؤولية على عاتق الآخر، يغلق كثير من التجّار أبواب محالّهم، ويراقبون أسعار الدولار من ثقب المفتاح. ولم يعد بوسعك أن تعرف التاجر من الفاجر.
يربط الجميع سعر كلّ شيء بقيصر وبقانون قيصر: زجاجة ماء، علبة حليب، محارم ورقية، شاي، قهوة، خيار، بندورة باذنجان، بقدونس، بيض، حتى لو كان البيض آتياً من طرف دجاجاتنا: إنه قانون قيصر. بينما يقول أولئك الذين صاغوه من وراء البحار إنه عدالة قيصر. غير أنَّ قيصر لم يكن عادلاً في أي يوم، وإذا كان يريد أن يأخذ ما له، أي ما لقيصر، فليس السوري هو الذي أخذ حصّته، ولا يمكن لهذا المقهور المنكوب أن يعُطي ما لقيصر لقيصر.
* روائي من سورية
العربي الجديد
————————————–
قانون قيصر و”قيصر لبنان”/ عصام الجردي
لبنان في طريقه إلى تجاوز مرحلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي، التي لم تبدأ جِديًا طالما الخلاف على تقدير الخسائر بين أرقام مصرف لبنان وبين الخطة الحكومية أكثر من 100 تريليون ليرة لبنانية. الخشية أن يكون لبنان بعد قانون العقوبات على سوريا (قانون قيصر) قد دخل في صورة أشمل سياسة واقتصادًا في الصراع الإقليمي بين واشنطن وطهران. استهداف النظام السوري من خلال القانون لا يخرج عن المعادلة نفسها. بالإضافة إلى أن واشنطن تعتبر سوريا رواقًا (كوريدور) للمشروع الفارسي في المنطقة يشمل العراق وسوريا ولبنان. وتعلم أن تداعيات تنفيذ القانون لا يمكن أن تبقى بعيدة من لبنان، الذي يتعاطى نظام دمشق معه بوصفه باحته المالية والمصرفية والتجارية الخلفية. ويبدو أن الإدارة الأميركية باتت تتعاطى مع لبنان وحكومته رهينة في يد “حزب الله”. وما يسري على الحزب يسري على الدولة. الكلام العالي عن المطالبة بوقف المساعدات عن الجيش اللبناني يمكن تفسيره في الإطار المذكور. وكذلك توصية لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري بإصدار قانون يفرض عقوبات على رئيس مجلس النواب نبيه برّي والنائب جبران باسيل بصفتيهما داعمين لـ”حزب الله” بالإضافة إلى كل وزراء الحزب في الحكومة اللبنانية.
لا يحتاج قانون قيصر إلى عناء لتوصيفه من بين أخطر قوانين العقوبات الأميركية. لكونه لا يحدد سلفًا الكيانات والقطاعات والأشخاص التي يستهدفها، بمقدار ما يخوّل الإدارة “صلاحيات استنسابية بأوامر تنفيذية من الرئيس فرض العقوبات تبعًا للمصالح الأميركية”.. ولا يتصل الأمر بطهران وداعميها فقط، بل بانصياع نظام بشّار الأسد للقرارات الدولية في شأن سوريا على ما أبلغه المبعوث الأميركي إلى سوريا جيمس جيفري إلى الجالية السورية في الولايات المتحدة بأن “النظام لم يعد قادرًا على إدارة سياسة اقتصادية فاعلة، وعلى تبييض الأموال في المصارف اللبنانية، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان أيضًا”.
في حلقة العلاقات الاقتصادية والمالية اللبنانية السورية المعقّدة التي تدركها واشنطن، وتدرك أنها ازدادت تعقيدًا بعد الحرب السورية وخرجت من إطارها النظامي بين دولتين، سيتشظّى لبنان بقانون قيصر لو استمرت الفوضى التي تحكم التجارة بين لبنان وبين سوريا من خارج اللوائح التنظيمية. لاسيما منها المعابر الشرعية وغير الشرعية التي عجزت الحكومة اللبنانية عن ضبطها بضغط من “حزب الله”. وسيبقى الموقف الأميركي من مساعدات الجيش اللبناني معيارًا دقيقًا لمعرفة ما إذا كانت واشنطن تعتقد بوجود حكومة في لبنان أم أن البلد سقط نهائيًا في دائرة سيطرة الحزب ونفوذه. ويُنظر بريبة إلى الموقف الأميركي من برنامج قروض ميسّرة للبنان من صندوق النقد الدولي. ولئن كانت واشنطن والأمم المتحدة والوكالات الدولية تلحّ على الحكومة البدء بإصلاحات قوية لفتح الباب على القروض والمساعدات، فليس مستبعدًا أن تكون واشنطن والمجتمع الدولي أقرب من الاعتقاد في عجز لبنان عن الإصلاحات، في ظل الواقع السياسي المأزوم محليًا وإقليميًا ودور “حزب الله” على هذا الصعيد.
عجائب حكم وحكومة
صندوق النقد الدولي الذي يشهد فرائد بلد ذي سيادة في ممارسة السلطة وإدارة بلاده في طور الانهيار، لم يعد متحمسًا كثيرًا لنتائج ترجى من المفاوضات مع حكومة لبنان. فلبنان ليس مؤهلًا لمفاوضات جِديّة. ولا يملك قراره الداخلي في السياسة العامة. ولا إشارات توحي بالتصدي للفساد المتأصل في السلطة السياسية. الصندوق لا يعمل مع الحكومة في ظروف طبيعية بكل جوانبها. الذين عارضوا في البداية طلب مساعدة الصندوق بدعوى شروط التقشف خلدوا إلى الراحة الآن. لكن الصورة انقلبت. الصندوق هو من يطلب إلى الحكومة الإصلاح الاقتصادي وفقًا للخطة التي وضعتها، على نحو يضمن “عدم وقوع عبء التصحيح على كاهل الفقراء والطبقة المتوسطة، مع النجاح في تنفيذ استراتيجيا التصحيح المالي المقترحة”. على ما قال الناطق باسم الصندوق جيري رايس. لكن لنسأل ماذا قصد الأخير بهذا النوع من التصحيح؟ واضح إنه يشير إلى إمكان إسهام الموسورين وأصحاب الثروات قبل غيرهم في قيادة مسار الإنقاذ. وهذا ما لم يقله زعيم سياسي ولا “حزب الله” ولا 14 آذار أو 8. يقوله الصندوق لأنه يدرك بالأرقام مدى تركز الثروة الشديد في يد القلّة القليلة في لبنان. ويعلم كما لا يفعل غيره بتفاصيل يجمعها كل سنة من وزارة المال ومصرف لبنان والشركات والقطاع الخاص.
ملفات ثلاثة أساسية يطلب الصندوق الشروع بها بالأولوية. وهي في يد رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره. مؤسسة الكهرباء. التشكيلات القضائية للانتقال واستقلال القضاء خطوات ضرورية لمحاربة الفساد، والمعابر الشرعية وغير الشرعية. نصف الانهيار المالي من كهرباء لبنان. الرئيس وتياره همومهم في معمل سلعاتا. التشكيلات القضائية مجمّدة. والمعابر تنتظر تنفيذ حزمة قرارات من الحكومة ومجلس الدفاع الأعلى. ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش كان عطوفًا رحيمًا. حذّر من “عدم إحراز تقدم في التعيينات القضائية وغيرها، والتأخير في إصلاح الكهرباء. كلها عوامل تضعف موقف لبنان في المناقشات مع صندوق النقد الدولي ولا يمكن للبلد أو الشعب تحمل ذلك”. كثيرون من بلدان النجوم الخمسة الحضارية يعجبون لقدرة الشعب اللبناني على التحمّل. وعلى طول أناته وصبره. التماسيح وعصابة الأشرار السياسية تضيق ذرعًا بالناس العاطلين من العمل والجائعين والمرضى بلا رعاية.
الملف في مكان آخر
نعم، لبنان ليس مؤهلًا لمفاوضات مع الصندوق أو مع غيره تفضي إلى نتيجة. لا المصارف التي استجمعت قواها وتقود مع حاكم مصرف لبنان هجومًا على الحكومة وخطتها، قالت ما هو مصير حقوق الناس الذين يتعرضون كل يوم للمهانة كي يحصلوا عليها. ولا الحكومة قالت ما إذا كانت خطتها كفيلة باستعادة المودعين حقوقهم. الثابت الوحيد قاله رئيس الحكومة حسّان دياب أن ودائع اللبنانيين تبخّرت. ولم يثبت مصرف لبنان والمصارف عكس ما قاله دياب بعد. وصندوق النقد لا يمكن أن يعمل في أجواء حكومية ومصرفية يسودها الإنكار، وعلى كتفه مفاوضون من بلد واحد يكيد بعضهم للبعض الآخر، ويكذبون بالأرقام ويراوغون بها للوصول إلى خيارات معدّة سلفًا.
لم نعد نخشى فشل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بمقدار الخشية من خسارة الأهم وهو 10.8 مليار دولار أميركي تعهدات سيدر. مع قانون قيصر وتوسيع دائرة العقوبات على طهران وقيصر “حزب الله”، لبنان وملفه في مكان آخر.
المدن
————————————
قانون قيصر… الممانعة تعيد إنتاج إنسانها بمساعدة معارضين/ إيلي عبدو
وزعت الممانعة فهمها لناسها، على مدار المعتقلون الذين صور قيصر جثثهم الهزيلة والموشومة بآثار التعذيب الوحشي، هم تكثيف لإنسان الممانعة الذي إن خرج عن ترسيمة “الأداة” أو “الشهيد”، اقتلعت عيناه أو انتزع عضوه الذكري أو شويت يداه أو أو أو…
تستأنف الممانعة، دعاية واختلاقاً واستغلالاً، في تلقيها قانون قيصر المفروض على النظام السوري وداعميه، تقليداً عربياً في التعامل مع العقوبات الغربية التي تُفرَض على الأنظمة الاستبدادية للضغط عليها وإجبارها على تقديم تنازلات.
والتقليد المقصود يقوم على ذرائع السيادة وتدخّل الغرب في شؤوننا ونظريات المركز والأطراف والاستعمار وتركيع الشعوب المقاومة وإهانة الكرامة الوطنية، أي، خلطة يأخذ صنّاعها من كل نظرية جزءاً ما، ينتزعونه من سياقه، ويضخّمونه مسقطين إياه على أحوالنا، بحيث يخدم النظام موضوع العقوبات.
وهذا النظام يصبح بطلاً يواجه بـ”صموده” و”التفاف شعبه حوله”، “الشر الاستعماري”. والمواجهة غالباً ما تحشد تعاطفاً وتضامناً من شخصيات “عالمثالثية”، هوايتها المفضلة الوقوف إلى جانب “المستضعف”، من دون الانتباه، إلى ضعيف آخر (الشعب) يبتلعه هذا المستضعف (النظام). والممانعة لا تكتفي بالخلطة التلفيقية المذكورة بل تضيف المقاومة إليها، فالنظام الأسدي موضوع العقوبات، جزء من محور مقاوم يريد الغرب إضعافه ومحاصرته ودفعه للاستسلام كي تنعم إسرائيل بالهدوء.
والتقليد العربي المدافع عن المعاقبين غربياً، يمحو الشعوب ويبتلعها، لمصلحة قيم، تستورد من مستودعات النضال “العالمثالثية”، فالبشر جنوداً ومقاتلين، مستنفرون دائماً للحرب، ومستعدون للصمود في الحصار، وإحالة هؤلاء إلى أدوات ووظائف ووسائل، أي تجريدهم من حيواتهم، بما ينسجم مع نظرة المستبد للإنسان، لكنه يتنافى مع إعادة إنتاج الأخير بوصفه “مجوّعاً”، وفق ما تقترح علينا الدعاية الغوبلزية للممانعة. والتنافي يتسع أكثر فأكثر، عند أدوات دعاية “حزب لله” التي غالباً ما ترفع فردها الصالح، إلى مصاف “الشهيد” حيث الجوع والعطش وكل ما هو إنساني، يذوب في الغيبي ويكتسب معاني أخرى، لا تبالي بالمعاناة والألم.
بين الأدوات الأيديولوجية و”الشهداء” الميتافيزيقية، وزعت الممانعة فهمها ناسها، على مدار سنوات، ماحية إياهم، وراسمة وجودهم، دوراً وفعلاً في قضايا كبرى، ما يحوّل شعار “تجويع الشعب”، إلى دعاية ركيكة لا تتسق مع تاريخ الممانعة مع إنسانها.
فالأخير، يعاد إنتاجه بالضد من هذا التاريخ، بوصفه ضحية العقوبات التي يتم بشكل متعمد فصلها عن سببها، والتركيز على نتائجها. فالمعتقلون الذين صور قيصر جثثهم الهزيلة والموشومة بآثار التعذيب الوحشي، هم تكثيف لإنسان الممانعة الذي إن خرج عن ترسيمة “الأداة” أو “الشهيد”، اقتلعت عيناه أو انتزع عضوه الذكري أو شويت يداه أو أو أو… ما يعني أن الهولوكوست هو جواب الممانعة عن خروج إنسانها عما تريده، والتباكي على تجويعه بسبب العقوبات، هو ليس سوى توسيع للترسيمة الوظائفية، بحيث تشمل “الأداة” و”الشهيد” و”المجوّع”. إذاً، سيزيد استخدام مصطلح “المجوّع” في عالم الممانعة من الآن فصاعداً، بعدما اعتدنا “المقاوم” و”الصامد” و”الشهيد”.
وللممانعة، كالعادة، امتداد داخل المعارضة السورية، التي وجد بعضها في القانون معاقبة للشعب وليس للسلطة الحاكمة في دمشق، على ما دلت التجارب، لا سيما العراق، فضلاً عن أن العقوبات تصعب إزالتها بعد سقوط النظام ما يعني استهدافها الدولة أكثر من العائلة الأسدية ومتفرعاتها. والمقاربة الأولى، تتعمد عدم التمييز بين الطرفين، الشعب والنظام، لا سيما أن الأول أو سواده الأعظم ثائر على الثاني ويسعى إلى إسقاطه، كما أن الثاني مسبب رئيسي لمأساة الأول بما يشمل البعد الاقتصادي. بمعنى أن بدهية شعب معارض لنظام، ونظام يجوّع شعب ويقتله، معادلة أساسية لفهم عقوبات قيصر. فالشعب السوري يعاني من ضائقة اقتصادية وسعر صرف الليرة مقابل الدولار مرتفع، قبل فرض العقوبات. ثمة مسار يتعلق بالضغوط على محور الممانعة بكامله وانحسار سيطرة الأسد على الثروات، وأيضاً بالصراعات داخل العائلة الحاكمة. مؤكد أن العقوبات ستزيد الأوضاع تدهوراً، لأن الغرب المتمثل هنا بالولايات المتحدة، يتعامل مع أنظمة ابتلعت الدول، وأفرغت المؤسسات من مضامينها، وأحالتها إلى أدوات سلطوية، فصار التمييز مستحيلاً بين مصالح الشعب ومصالح النظام، الذي وضع خصومه بين خيارين، إما تركه يستفيد من الاقتصاد ليقتل ويشرّد ويعذب ويمول آلة الحرب، أو يُفرض عليه عقوبات تحرمه من الموارد، ويكون لها أثر على وضع معيشي هو بطبيعة الحال سيئ ورديء بفعل ممارسات النظام نفسه. والمأساة التي سترسم لاحقاً من نقص أدوية ومواد تموينية سيتحمل مسؤوليتها صاحب هذه المعادلة، وليس من يريد المساعدة في إسقاطه أو محاصرته، من دول غربية.
والقلق المعارض، على أثر العقوبات على الدولة ما بعد سقوط النظام، يكشف عن التمسك بوهم وجود دولة، لم يبقَ منها حقيقة، ومنذ زمن، سوى هياكل تدار من أجهزة الأمن. بدل التطلع إلى تأسيس لجديدٍ، يعيد بناء علاقة متينة مع العالم، يصبح إزالة العقوبات حيالها مجرد تفصيل.
هكذا تلتقي الوجهة المعارضة تلك مع الممانعة في النظر إلى قانون قيصر عبر، الالتباس في مفهوم الشعب، المحال إلى الصمود والشهادة وزمن ما قبل الثورة وحسم الانحياز ضد النظام، وكذلك عبر استبقاء النظام بذريعة الدولة المفرّغة من مضامينها. وما استحضار المثال العراقي والعقوبات على نظام صدام حسين، سوى تكثيف للالتباس (الشعب) والاستبقاء (النظام) المذكورين. فالشعب العراقي، كان “بطلاً” و”صامداً” و”مجوعاً” في دعاية السلطة المعاقبة والتي ظلت خمس سنوات تماطل قبل أن تقبل بمعادلة “النفط مقابل الغذاء”. أما النظام فاستبقي 13 سنة إضافية، مات خلالها عشرات الآلاف من نقص الغذاء والدواء، وكانت صورهم تغزو العالم، وتؤمن دعاية للبعث وتريحه من اللوم الأخلاقي، فالعقوبات على العراق لا على نظامه الذي يمحو الشعب، هي المسؤولة عن المأساة. والبشر يعاد إنتاجهم على ما تفعل الممانعة اليوم بوصفهم “أدوات” و”شهداء و”مجوعين”.
خلال العقوبات على نظامه، أعاد صدام ترميم قصوره وتقصد الظهور بمظاهر الترف، وعلى المنوال ذاته يسير بشار الأسد، مشترياً لزوجته لوحة بمبلغ ضخم.
وبين المستبدين، يتبدى الكثير من توزيع الأدوار قسراً على البشر، ومحوهم في وظائف مصيرية، تحيل المعترض منهم إلى جثة متعفنة في معتقل، والخاضع إلى “مجوّع” يخدم دعاية النظام، والموالي إلى “شهيد”، تضاف نعوته إلى آلاف النعوات المنثورة على الجدران.
درج
——————————
قانون قيصر وإمكانية التسوية السياسية في سورية/ حسين عبد العزيز
لم يعد الملف السوري، بكل حمولاته الثقيلة، يخضع لاعتبارات السلاح العسكري، فما عادت الترسانة الروسية قادرةً على حسم الصراع، وإنْ نجحت في ترتيب ساحته. وما كان أداة للانتصار العسكري في الأمس القريب لم يعد اليوم أداة للانتصار السياسي والاقتصادي، فقد اختلفت أدوات الضغط. ومع “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” الذي تم إقراره في الولايات المتحدة، سيكون الملف السوري على موعد مع استحقاق جديد، بحيث يكون 17 يونيو/ حزيران الجاري تاريخا له ما قبله وله ما بعده.
وقد بدأت عوامل الاختلاف تظهر على السطح، قبل حتى أن يدخل القانون حيز التنفيذ، سواء على صعيد روسيا التي بدأت خطوات عملية في سورية للتخفيف قدر الإمكان من وطأة العقوبات الجديدة، أو على صعيد النظام السوري، حيث بدأ صراع العائلة الحاكمة يأخذ مسارا جديدا، وحيث طرق الالتفاف على العقوبات ستكون باهظة الثمن. وأهمية قانون قيصر في أنه ينقل العقوبات الاقتصادية ضد النظام السوري وإيران وروسيا من مستوىً إلى مستوى آخر مختلف، فما كان عقوباتٍ فردية منتقاة تحول عقوبات جماعية مسيجة بسياج المصلحة القومية الأميركية العليا.
لهذا السبب، أدرج القانون في ميزانية الدفاع، باعتبار أن العقوبات موجهة ضد أطرافٍ تهدد المصلحة القومية الأميركية العليا ومصالح حلفائها، وبالتالي كان لا بد من إبعاد القانون عن مماحكات اللعبة السياسية الأميركية الداخلية بين البيت الأبيض والكونغرس. كما أن وضع القانون في ميزانية الدفاع سيجعل الإدارة الأميركية في منأى عن ممارسة دبلوماسية القوة لردع بعض الدول الساعية إلى الانفتاح الاقتصادي على النظام السوري، وأي محاولة بهذا الشأن أصبحت جريمة قانونية. ويفرض القانون عقوبات على أي شخص أو جهة تتعامل مع النظام السوري، أو توفر له التمويل في مجالات البناء والهندسة والطاقة، والنقل الجوي، وهي المجالات التي يعول عليها النظام وحلفاؤه لإعادة إحياء المنظومة الاقتصادية، بما ينعكس إيجابا على النظام وروسيا وإيران. ووفقا لذلك، سيكون البنك المركزي السوري لأول مرة داخل دائرة العقوبات، وستكون الدول والشركات الخارجية مقيدة وغير قادرة على التعامل مع النظام السوري، مع ما يعني ذلك من توجيه ضربة قوية لإيران وروسيا من الاستثمار داخل سورية، فضلا عن طي صفحة إعادة الأعمار إلى أن تحين اللحظة السياسية المناسبة، وفق شروط الإمكان التي يطالب بها المجتمع الدولي: وقف قصف المدنيين والمراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية، رفع الحصار عن المناطق المحاصرة والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والسماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى المعتقلات، عودة المهجرين بطريقة آمنة وإرادية، محاسبة مرتكبي جرائم الحرب.
هذه المطالب محددة بدقة، لأنها مرتبطة بالجانبين، الإنساني والحقوقي، ولكن عندما يتم الانتقال إلى الجانب السياسي، فإن المطالب المدرجة في قانون قيصر عامة فضفاضة، تخضع للتقييم السياسي للإدارة الأميركية، ففي القسم 401 الخاص بتعليق العقوبات، ثمّة شروط وضعها القانون لرفع العقوبات مبدئيا، منها، في حالة انخراط النظام السوري ولجنة المباحثات العليا السورية أو ما يخلفها، والأطراف الدولية المناسبة في مباحثات مباشرة وجها لوجه: التزام النظام علنا بمباحثات حول حكومة انتقالية، واستمر في إثبات هذا الالتزام عبر انخراط مستدام في محادثات وتقدم كبير ومؤكد باتجاه تنفيذ مثل هذا الاتفاق.
غياب آليات للحل السياسي في منطوق القانون، كما جاء في الورقة الخماسية (اللاورقة) التي قدمها وزير الخارجية الأميركي السابق، ريكس تيلرسون، بداية 2018 على سبيل المثال، مؤشر على أن الحل السياسي في سورية يخضع لاعتبارات دولية متغيرة، ويخضع أيضا لمتطلبات الواقع السوري المتغير، فما يهم الإدارة الأميركية هو دفع النظام نحو القبول بالحل السياسي، وقانون قيصر إحدى الأدوات القوية التي أرادت واشنطن استخدامها.
ومع أن النظام السوري مقبل على أزمة اقتصادية متصاعدة، إلا أن هذه الأزمة لن تكون بمثابة المقتل له كما يعتقد بعضهم، لأسباب عدة: النظام خاضع لعقوبات منذ عقود طويلة، ولديه خبرة عالية في التعامل مع العقوبات الدولية، وبالتالي لا توجد منظومة اقتصادية ذات تشبيك مع الاقتصاد العالمي أو الاقتصاد الإقليمي. منظومة النظام الاقتصادية قائمة على مبدأ العمل المافيوي، بما يسمح لكثيرين بالاستفادة من الفساد وعمليات النهب والسرقة، فضلا عن تدوير رجال الأعمال وإدخال رجال أعمال محليين جدد في منظومة التشبيك المافيوية. وجود دول مجاورة قادرة على إمداد النظام بالحاجات الأساسية وفق أساليب ملتوية. على الرغم من ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، إلا أن التحويلات المالية بالعملة الصعبة من السوريين في الخليج العربي وأوروبا والولايات المتحدة وكندا وبعض دول أميركا اللاتينية ودول أخرى في آسيا وأفريقيا، تسمح لفئة واسعة من المجتمع السوري بتحمل تبعات الغلاء، وحتى الطبقات المعدومة، فإنها تعتمد على عمل جميع أفراد الأسرة الواحدة، بما يحول دون حصول مجاعة.
سيدفع هذا الواقع المحلي النظام إلى التشدد السياسي أكثر، وليس إلى المرونة، وسيلجأ النظام، كالعادة، إلى لعبة الوقت، على أمل حدوث متغيرات دولية، تعيد النظر إلى الأزمة السورية من منظار آخر. وربط التنازلات السياسية بالعقوبات السياسية والاقتصادية لا يجدي نفعا مع النظام السوري، حتى وإن طال الزمن، وبدون حل جدّي قائم على التهديد العسكري المباشر، سيبقى الوضع على ما هو عليه.
العربي الجديد
—————————
“قانون قيصر” لخنق الأسد ومطاردة حزب الله/ منير الربيع
حددت الولايات المتحدة الأميركية السابع عشر من حزيران، موعداً لبدء المرحلة الأولى من تطبيق مندرجات “قانون قيصر”. وبحسب المعطيات يطبق القانون على أربع مراحل، تتحدد مواعيدها وفق ما تقرره الإدارة الأميركية، أي عند الحاجة السياسية إليه.
القانون الأقسى
يندرج القانون – وهو أقسى من العقوبات على النظام السوري ومن يتعاون معه – في خانة الضغط لإجبار نظام الأسد على التنازل، ودفع داعميه إلى التراجع. وللمرة الأولى يصدر قانون بهذا الحجم من اتساع نوعية الأشخاص والشركات والمؤسسات الرسمية والخاصة التي يشملها برنامج العقوبات.
المرحلة الأولى من القانون، تشمل فرض عقوبات على النظام السوري ومؤسساته والمسؤولين فيه، سواء كانوا عسكريين أم أمنيين. ويطال كل المتعاونين معهم. ستكون تداعيات القانون قاسية جداً على النظام السوري، وعلى سوريا ككل. وسيفاقم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية. بهدف خلخلة البنية الحاضنة للنظام والمؤيدة له، والتي ستشعر بسيف العقوبات على عنقها. فتندفع إلى الانفضاض عن النظام. وإذا ما ربط هذا القانون بما يجري بين آل الأسد وآل مخلوف، فيفترض أن ينعكس على البيئة العلوية التي ستشهد المزيد من الإنقسامات.
شركات روسية وصينية
قسوة القانون، لا يقتصر على سوريا، بل تطال كل الدول أو الأشخاص أو الشركات والمؤسسات التي توفر الدعم للنظام السوري. أي كل شركة عاملة في سوريا، أو لديها استثمارات، أو تطمح لإعادة الإعمار. والشركات هذه افتتحت مراكز، وتتحضر للدخول في مشاريع ستطالها العقوبات. وهذا يعني أنها ستطال شركات روسية وصينية، وإدراجها على لائحة العقوبات الخاضعة لمقتضيات سياسية. ومن خلال هذا القانون، تقول الولايات المتحدة إنه لا يمكن الوصول إلى حلّ للأزمة السورية بدونها، ولا يمكن الشروع في مشاريع إعادة الإعمار قبل التوافق معها على المرحلة السياسية.
ويفترض بالقانون أن يؤسس لمفاوضات جدية مع القوى الداعمة للنظام، لإجباره وإجبارها على تقديم تنازلات لم يكن متوافقاً على تقديمها من قبل، سواء في ما يتعلق بالدستور الجديد أو بالانتخابات، أو بكل المسار السياسي الذي يفترض أن ينطلق.
لإسقاط الاندفاعة اللبنانية
ويأتي القانون متزامناً مع تصعيد الضغوط الأميركية ضد ايران وحلفائها في المنطقة. ولبنان لن يكون بعيداً عن تداعياته ومندرجاته، ولا عن تأثيره. خصوصاً أن هناك شركات كثيرة وقوى سياسية متعددة كانت قد استعجلت الذهاب إلى سوريا وحجز، مواقع لها في إعادة الإعمار. والذهاب اللبناني المبكر إلى سوريا، واندفاعه بعملية دعائية قادها النظام وحلفاؤه، على قاعدة أنه انتصر وحان وقت الإعمار ولا بد للبنان من أن يستفيد منه، سيسقطها القانون.
وبحسب ما تكشف مصادر أميركية متابعة لتطبيق “قانون قيصر”، يبدأ تنفيذ المرحلة الثانية من القانون، بين شهري تموز وآب المقبلين. وهذه المرحلة مخصصة لفرض عقوبات على كل من يتعاون مع النظام السوري، عسكرياً، مالياً، وإستثمارياً، كمجموعة فاغنر الروسية مثلاً، وحزب الله، وكل الألوية المتحالفة مع إيران. وتخصص هذه المرحلة لفرض عقوبات على الدول المجاورة التي تتعاون مع النظام السوري. ويشمل الشركات أو الشخصيات اللبنانية التي تتعاون مع النظام السوري.
العسكرية والاقتصادية
وتكشف المعلومات، أن الإعداد الحالي للقانون يتولاه فريق يعدُّ لائحة شاملة بأسماء الأشخاص أو المؤسسات أو الشركات أو الفرق العسكرية التي تدعم النظام السوري، أو لديها استثمارات في سوريا. وذلك بغية وضعها على لائحة العقوبات في الأشهر المقبلة. لذلك، تشير المعطيات إلى انسحابات كبيرة لشركات كانت قد افتتحت فروعاً أو مكاتب لها في سوريا. ومن بينها شركات هندسية لبنانية، وشركات لصناعة الإسمنت، وقطاعات أخرى.
هناك خوف لبناني من تداعيات قانون قيصر، الذي سينعكس على الوضع اللبناني مباشرة، ويؤدي إلى مزيد من الانهيار. وهو لا ينفصل أبداً عن سياق الضغط السياسي الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية على لبنان، ويشهد اللبنانيون تداعياته الاقتصادية بشكل جليّ. خصوصاً أن آلية فرض العقوبات قابلة للتطوير والتعديل، لدى توفر معطيات جديدة حول شركات أو أشخاص يقدمون الدعم للنظام السوري. وبحسب ما تكشف المعلومات هناك مشاركة لبنانية في الشركات والمؤسسات والأشخاص الذين يدعمون النظام السوري أو يتعاونون معه. وهناك تجديد مستمر للمعطيات في هذا الشأن. وستشمل العقوبات الكثير من المؤسسات اللبنانية والشخصيات على نحو مفاجئ.
المدن
————————————
ما بعد عائلة الأسد.. سوريا إلى أين؟/ بسام يوسف
عندما كان حافظ الأسد ينتهك القانون السوري من ألفه إلى يائه، بعد أن جعل من القضاء السوري محض واجهة، حتى إن أدنى عنصر مخابرات كان يمكنه أن يجرجر أكبر مرجع حقوقي وقضائي إلى أقبية السجون بلا أي سبب ومن دون أي تبرير، لم يكن يخجل أبدا من أن يخرج على السوريين مطالباً إياهم بأن ينظروا نظرة ازدراء إلى من يخالف قانون السير!
وعندما كان يعتقل من يقوم بفعل حقيقي من أجل الجولان السوري المحتل، وكان يحمي اتفاقه مع إسرائيل وحدودها بكل بسالة، لم يخجل أبدا من أن يخرج متبجحاً ليقول بعد إعلان إسرائيل قرار ضم الجولان عام 1981: أنه قادر على جعل الجولان في منتصف سوريا.
هكذا كان حافظ الأسد، وهكذا هو- ببساطة شديدة- مجرد كاذب يتقن إخفاء الحقيقة بشعارات تناقضها. وهو ذاته الذي في مقابلة أخرى، وعند سؤاله عن سوريا من دون حكمه ومن دون حكم البعث، كان قد أجاب بما يستحق التوقف عنده:
لن تكون هناك سوريا…!
واليوم، يكثر حديث السوريين- وغيرهم- عن مستقبل سوريا من دون عائلة الأسد، فهل من الممكن أن تغيب هذه العائلة عن حكم سوريا التي حكمتها ما يزيد على نصف قرن؟ وبالرغم من هذا السؤال، وبغض النظر عن اقتراب وقت هذا الرحيل أو تباعده، فإن السؤال الملح الذي يسأله السوريون اليوم كثيراً، هو:
سوريا إلى أين؟
إذاً، هل ستتحقق نتيجة حافظ الأسد التي قالها في جوابه ذاك، بأن سوريا لن تكون؟ أم أن هناك ما سوف يقوله السوريون، وهو بالضرورة يجب أن يناقض ما خططه حافظ الأسد وما عمله، إضافة إلى أنه يجب أن يناقض أيضا ما كرسه ابنه القاصر على الأرض، أقصد: دمار سوريا، ونهايتها؟
أما الأرقام التي تتناقلها جهات عديدة معنية بالشأن السوري، فهي تبعث إحساساً عميقاً بالصدمة، وتعمق يأساً قاتلاً، ففي هذه السورية لم تعد مفردة الكارثة كافية لوصف الحال الذي أوصلتنا إليه عائلة الضباع؛ لأن ما دمره حكم هذه العائلة ليس الدولة السورية فقط، ولا بنيتها التحتية فقط، ولا اقتصادها فقط، ولا نسيجها الاجتماعي فقط، لقد دمر- عن سابق تقصد وتعمد- ما هو أفدح بكثير، لقد دمر إمكانات نهوضها، ودمر ركائز بقائها، وفخخ مستقبلها بكوارث قابلة دائماً للانفجار في أي لحظة.
لن أعيد الحديث عن التقديرات الاقتصادية التي تتحدث عن حاجة سوريا إلى 600 مليار دولار لإعادة إعمارها، ولا الحديث عن تداعيات الظلم الاجتماعي الهائل الذي مورس على السوريين والذي سيلقي بظلاله الثقيلة على سوريا في عقودها القادمة، ولا الحديث عما يقارب مليون ضحية، وعشرات المجازر الوحشية، ومئات آلاف المعذبين حتى الموت، والمختفين في سجون هذه الطغمة. وفوق كل هذا يقوم بشار الأسد برهن سوريا واقتصادها لجهات خارجية عبر اتفاقيات مجحفة وقعها ليحمي كرسيه، رغم أنها تسلب الشعب السوري حريته وثرواته… إلخ.
ولكني سأحاول مقاربة مؤشرين فقط، وهما مؤشران شديدا الأهمية، مع أنهما لا يلقيان ما يكفي من الانتباه والاهتمام، وهما المؤشران اللذان ينشغل عنهما السوريون الغارقون في مواجهة الموت اليومي الذي يحاصرهم، واللذان لا بد أن يتكشفا ما إن يصمت زعيق الموت، وما إن ينجلي غبار هذه الحرب، فيتلمس السوريون بما يشبه الفاجعة، أن وجهاً آخر لا بد من مواجهته، ولا بد من دفع استحقاقاته، وهو الوجه الأشد قسوة لهذا الخراب الذي يعصف بسوريا.
المؤشر الأول، هو: التعليم، والذي أشارت دراسة أعدها “المركز السوري لبحوث السياسات” إلى فاجعة ستواجهها سوريا لعقود قادمة، يمكن تكثيفها بالعبارة الواردة في البحث:
“لقد ضاعت 24 مليون سنة دراسية على السوريين، وهذا يعقد فرص النهوض في المستقبل”.
نعم إن الكارثة هنا، كارثة ثلاثة ملايين طفل سوري خارج المدارس منذ سنوات، هذا يعني أن جيلاً قادماً سيشكل بنية القوة العاملة الأساس في سوريا، جيل سيعاني من نقص المهارات ونقص المعرفة، وفقر بالعلوم التي أصبحت اليوم محرك الاقتصاد الأهم، هذا إذا تجاهلنا- كمن يكذب على نفسه- أن هذا الجيل لن يعاني من عدم التعليم فقط، بل سيضاف إلى معاناته ما خلفته هذه الحرب، إضافة إلى آثار ظروف التشرد والفقر على بنيته النفسية.
وما يزيد هذه الكارثة الفادحة، هو: أن من يذهبون إلى المدارس في سوريا، ليسوا أحسن حالاً بكثير أيضاً؛ ففي سوريا هناك ستة مناهج تعليمية تدرس، وهي المناهج التي تفرضها القوة الحاكمة في كل منطقة، وهي مناهج تشوه الأطفال السوريين نفسياً وعقلياً؛ لأن الأيديولوجيا والدين هما اللذان تشكل مرجعياتهما الأساس، في الوقت الذي تغيب تماماً عن هذه المناهج أي معايير علمية أو نفسية أو حقوقية التي ليس أقلها حقوق الطفل.
أما المؤشر الثاني، فهو المؤشر الذي يشكل تحدياً كبيراً للسوريين في دولتهم القادمة، وهو ملف الإعاقة الذي ذكرته منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة، في تقرير نشرته في شهر آذار عام 2018، وقد جاء فيه: أن في سوريا ما يزيد على مليون ونصف المليون إعاقة دائمة.
إذاً، كيف سيتمكن بلد مدمر بكامله، بلد يخرج مكلوماً من حرب طويلة، بلد منهوب الاقتصاد، وما تبقى منه مرهون لجهات خارجية، كيف سيتمكن من النهوض بأعباء مليون ونصف معاق على أقل تقدير؟
لا أدري إن كانت منظمة اليونيسيف قد لحظت في تقريرها الأمراض النفسية التي تسببت بها الحرب، والتي تصنف من ضمن الإعاقات أيضاً، وهي التي ترصد لها الدول ميزانيات ضخمة لمعالجتها، مع أن الأعداد لا يمكن مقارنتها- كيفما كانت- بأعداد الكارثة السورية.
إن ما أوصلنا إليه نصف قرن من حكم عائلة الأسد يفوق بكثير شعار “الأسد أو نحرق البلد”، لأنه قد يكون ترجمة غير دقيقة لجواب حافظ الأسد: لن تكون هناك سوريا. هذا الجواب الذي لم يتمكن حتى أتباع الأسد الممسوسين من استيعابه، ولا من مقاربته.
فهل- بعد هذا- سيتمكن السوريون، بعد أن يقتلعوا هذه العائلة المجرمة، من أن يقتلعوا ما خططته لسوريا ولهم، وأن يطووا صفحتها بكل ما فيها وبما يترتب عليها، وبكل ما تحمل كلمة طي من معنى؟
إنه سؤال برسم السوريين كلهم دون استثناء.
تلفزيون سوريا
—————————
من “قانون محاسبة سوريا” إلى “قانون قيصر”/ يوسف بزي
في الرابع من كانون الثاني من العام 2000، كان اللقاء الأخير الذي عقده كلينتون مع كل من فاروق الشرع وإيهود باراك. كانت المحادثات تتناول تفاصيل الانسحاب من الجولان والتطبيع والأمن. وكشف كلينتون أن “الولايات المتحدة وحلفاءها في أوروبا وآسيا يريدون الإسهام في تطوير الاقتصاد الإقليمي في الشرق الأوسط”. بمعنى أن السلام المنتظر كان يجب تدعيمه بخطة اقتصادية تضمن استقرار دول المنطقة، وبالأخص تهيئة الاقتصاد السوري للانتقال إلى اقتصاد السوق المفتوح.
لكن وبعد تسع سنوات تقريباً من المفاوضات الشاقة المبتدئة من مؤتمر مدريد 1991، تعثرت وانتهت على نحو مفاجئ. أصر الجانب الإسرائيلي على أن تكون الحدود بعيدة بين 400 – 500 متر عن شواطئ بحيرة طبريا، بينما حافظ الأسد كان يريد مشاطأة البحيرة. وهو بالأصل خلاف بين “الانسحاب إلى الحدود الدولية” أو “الانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران 1967”. هذا عدا عن تفاصيل أخرى (محطات الإنذار المبكر، مستوى التطبيع، المياه..).
على هذا الفشل، تغير مصير سوريا. مات الأسد الأب بعد أشهر قليلة. وبدأ عهد الإبن، الذي سريعاً ما ارتمى بالكامل في الحضن الإيراني. وسيتحول بشار الأسد إلى شخصية عدوانية. في الداخل سيسحق “ربيع دمشق” الأول. في لبنان، سيفرض الضابطَ إميل لحود رئيساً، ويستشرس في لجم تداعيات الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وأهمها استحقاق انسحاب جيشه من هذا البلد. العداوة الفورية سيظهرها للرئيس رفيق الحريري، بوصفه صاحب مشروع سياسي اقتصادي يتلاءم مع خطط السلام في المنطقة. كما خابت آخر الرهانات التي عبّر عنها الرئيس الفرنسي حينها جاك شيراك لإقناع النظام بسياسة الانفتاح.
هذا المسار أبعد سوريا كلياً عن الغرب والمجتمع الدولي. والحصاد الأول لذلك سيظهر عام 2003، بعد أشهر من غزو العراق واشتداد التوتر بين النظام والولايات المتحدة، حين يُصدر الكونغرس الأميركي “قانون محاسبة سوريا” بتهمة دعم الإرهاب ورفض الانسحاب من لبنان. منذ ذلك الحين، بدأ عهد العقوبات والحصار وشبه القطيعة بين سوريا والعالم. وسيثأر المحور الوليد، “الممانعة”، باغتيال رفيق الحريري بشباط 2005 رداً على كل ما سبق وعلى القرار الدولي 1559 الصادر في أيلول 2004، الذي طمح إلى إخراج الجيش السوري من لبنان وتفكيك ميليشيات حزب الله.
مع هذا الاغتيال، ستتزايد العقوبات الدولية على سوريا ونظامها، الذي سيدخل أيضاً في عزلة وقطيعة مع المنظومة العربية التي لطالما أمدّت سوريا بالمعونات المالية والاقتصادية. وستكون حرب تموز 2006 تتويجاً لخيار الأسد مع حزب الله وإيران، بالذهاب في طريق النكبات والمآسي التي ستنزل بالمشرق العربي.
بين العام 2006 و2011، خسر النظام بالتدريج كل علاقاته مع العالم ودول المنطقة باستثناء إيران وروسيا. وتحول إلى نظام مارق بكل ما للكلمة من معنى. وفي الأثناء، كان التغير الاقتصادي الملموس هو إنهاء اقتصاد الدولة لصالح اقتصاد العصابة. وترافق هذا، مع تدهور ثابت في مستوى المعيشة والدخل وتحلل القطاعات المنتجة، وانهيار في الزراعة وهجرات واسعة من الأرياف بضغط تفاقم الفقر. كانت سوريا تعاني في آن معاً من وطأة العقوبات الخارجية ومن لصوصية حاكمة تنهب ثروات البلد وخيراته.
أما ما فعله الأسد منذ انطلاقة الثورة حتى اليوم، فهو تقريباً غير قابل للوصف. عدوانية إجرامية دمرت سوريا كبلد وكشعب.
كل المآسي التي أصابت سوريا منذ مطلع العام 2000 وحتى اليوم، كانت بسبب إصرار النظام على إبقاء سوريا مصادرة له أرضاً وشعباً، وفي حالة حرب مع العالم.
كان الدولار يساوي خمسين ليرة سورية، وهو اليوم يتجاوز 2200 ليرة. وهذا ليس مجرد رقم. إنه حياة السوريين وشقاؤهم وتعبهم وأرزاقهم وقُوْتهم. إنه ثرواتهم التي تبخرت، أمنهم الغذائي (كرامتهم دون الجوع) وقد تلاشى. إنه ليس رقماً بل ملايين الأطفال الذين سيحرمون من فرصة العيش اللائق، المرضى الذين لن يجدوا دواء، الرجال الذين لن يُطعموا عائلاتهم.
ليست الليرة التي انهارت بل تعب أجيال تبدد.
بهذا المعنى، لم يدفع فقط مئات الآلاف حياتهم رغماً عنهم “كي لا يسقط الأسد”، بل إن الأحياء كلهم وغصباً عنهم سيظلون إلى أمد طويل يدفعون ثمن بقاء هذا النظام من شحّ مالهم وغذائهم وطبابتهم وسكنهم وأبسط شروط عيشهم.
يأتي اليوم “قانون قيصر” للاقتصاص من المجرمين. لكن هؤلاء الأخيرين سيُدفِّعون السوريين الثمن. والقانون الذي يرمي إلى حرمان النظام من موارده، سيحوله هذا النظام إلى علّة لامتصاص ما تبقى بين أيدي السوريين من مصادر قوت. سيخطف منهم آخر أنفاس عيشهم. بل هو تحضير لما سيأتي به قانون قيصر، سطا ويسطو اليوم على أموال شركائه في العصابة، التي هي أصلاً أموال السوريين المسروقة.
المسار الجهنمي الذي ابتدأ عام 2000 بحرمان السوريين من تحول بلدهم إلى دولة طبيعية، (بل بإهدار فرصة استعادة الجولان كي لا يتزعزع النظام)، ثم بمعاقبتهم إلى حد الإبادة، أوصلهم اليوم بشار الأسد ومع “قانون قيصر” إلى البؤس المطلق.
فإذا كان هذا كله بلغة “الممانعة” انتصاراً على المؤامرات الصهيونية الأمبريالية، فما كانت نتيجة المؤامرة لو نجحت؟!
تلفزيون سوريا
—————————
«قيصر» ينتصر لقصير.. ولبنان يسأل بأي ذنب يُقتل؟!/ ياسين شبلي
في بداية هذا الشهر بدأ سريان مفعول قانون “قيصر” الذي أصدره الكونغرس الأميركي في العام 2016 ووقعه الرئيس دونالد ترامب في العام 2019 على أن تبدأ المرحلة الأولى منه في 17 حزيران الجاري لمعاقبة الأطراف التي دعمت وتدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد عسكريا وإقتصاديا وذلك بفرض العقوبات عليها سواء كانت دولا أو كيانات أو أفراداً. وللتذكير فإن هذا القانون سمي قانون قيصر نسبة لإسم مستعار لمصور عسكري سوري منشق عن الشرطة العسكرية لنظام بشار الأسد، خرج من سوريا مع وثائق وصور تثبت تعذيب وتصفية حوالي 11 ألف معتقل في السجون والمعتقلات السورية. اقرأ أيضاً: «قيصر» يحاصر الأسد.. إفلاتٌ محدود الأفق وسيطرة روسية كاملة! وللمفارقة تتزامن بداية تطبيق هذا القانون مع إحياء لبنان الذي لطالما تأثر سلباً بالأحداث والتطورات في سوريا بسبب طبيعة النظام السوري العدوانية تجاهه ، للذكرى الخامسة عشرة لإغتيال الكاتب والمفكر اللبناني – الفلسطيني سمير قصير – لاحظ المفارقة أيضاً بين قصير وقيصر – الذي يعتبر بحق أول شهيد للثورة السورية التي إندلعت بعد إغتياله بأقل من 6 سنوات وهو القائل بأن ربيع العرب عندما يزهر في بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمشق. التأثير على لبنان من هنا نقول بأنه لا داعي لشرح وتقديم الدلائل عن مدى تأثر لبنان هذه المرة أيضا بهذا القانون خاصة مع وجود فريق لبناني مسلح هو حزب الله يقاتل في سوريا مع ما يستدعيه هذا القتال من علاقات لوجستية وإقتصادية ومالية بين هذا الفريق الذي له اليد الطولى في تركيبة السلطة اللبنانية وبين النظام السوري المستهدف – نظرياً – على الأقل بالقانون موضوع الحديث ، الأمر الذي يجعل التخوف من التداعيات على الوضع في لبنان أمرا طبيعيا ومنطقيا ومشروعا خاصة وأن النظام السوري الذي هو جزء لا يتجزأ من محور الممانعة في المنطقة الذي يضمه إلى جانب إيران وحلفاءها وعلى رأسهم حزب الله أضعف من أن يُستهدف أو يواجه هكذا قانون بمفرده فيكون بالتالي المستهدف الحقيقي هو هذا المحور بمجمله وخاصة الأطراف ذات الحضور العسكري المباشر على الأرض السورية – وطبعا ليس المقصود هنا القوات الروسية أو التركية – بل وبالأخص الطرف الإيراني وأذرعته العسكرية من لبنانية وعراقية وغيرها بشكل يذكرنا بالقرار 1559 الخاص بلبنان الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في شهر أيلول من العام 2004 وقضى بخروج القوات الأجنبية من لبنان وحصرية حمل السلاح بالجيش اللبناني وإنتخاب رئيس جديد للبلاد بعيدا عن الضغوطات، وما جرى على لبنان صدور هذا القرار من تداعيات خطيرة ما زلنا نعيشها ونعاني من تبعاتها حتى اليوم جراء أخذ لبنان رهينة لهذا المحور منذ حوالي 30 عاما بدأت بالوصاية السورية وإستمرت بوصاية إيرانية مقنعة، هذا المحور بجناحيه السوري بداية ومن ثم الإيراني اليوم الذي عادة لا يواجه بالمباشر بل غالبا ما كان ولا يزال يواجه بالواسطة عبر أفرقاء لبنانيين وفلسطينيين وعراقيين، واجه يومها القرار 1559 في لبنان عبر التحدي بالتمديد للرئيس إميل لحود وهو التمديد الذي كان مرفوضا من شريحة كبيرة من اللبنانيين وأصدقاءهم في العالم، فكانت المواجهة التي بدأت بمحاولة إغتيال مروان حمادة ومن ثم إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد أن أتهم بأنه من سعى لإقرار القرار 1559 وكان ما كان من أحداث وتطورات أودت بنا إلى ما نحن عليه اليوم من إنهيار إقتصادي ومالي وإفلاس وطني وفشل سياسي ودبلوماسي بحيث يبدو لبنان وكأنه بلد بات يعيش على هامش الأحداث الإقليمية والدولية ومن الذين يدفعون ثمن حروبها أو تسوياتها بعد أن بات بلدا ملحقا منزوع السيادة ومشلول الإرادة وهو ما يدفع للقول ما أشبه اليوم بالبارحة ويدفع للتوجس مما يحمله قادم الأيام إذا ما أضيف لقانون قيصر وتداعياته القرار الإتهامي المتوقع صدوره عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قريبا أيضا، خاصة وأن شيطنة التحركات في الشارع التي إستعادت البعض من حيويتها قد بدأت وهو ما بدا واضحا من الإتهامات والتهديدات بحق مسيرة 6/6 المنتظرة، بذريعة أنها تستحضر وتدعو لتطبيق القرار 1559 وهو الأمر الذي يتماهى حسب زعمهم مع مقتضيات تطبيق قانون قيصر لما للأمرين من ترابط بحكم ترابط الساحات، وكذلك من الممارسات الأمنية القاسية ضد الناشطين بحجة التطاول على المقامات والقامات الوطنية والتهجم على بيوت السياسيين، والدعوات وكان أغربها بالأمس للنائب جميل السيد وهو من هو في حقبة القرار 1559 الذي دعا للتعامل مع المتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم من “الشباك” وعلى مسؤوليته بدعوى أن القانون يمنع التعرض للبيوت. المفارقة أيضاً بين قصير وقيصر – الذي يعتبر بحق أول شهيد للثورة السورية وهو القائل بأن ربيع العرب عندما يزهر في بيروت إنما يعلن أوان الورد في دمشق. كل هذه التطورات معطوفة على الوضع السياسي المحتقن داخليا جراء تخبط الحكومة وضعفها نتيجة غياب مكون سياسي وطائفي أساسي ومهم عنها وكذلك عجزها عن ممارسة دورها بسبب الخلافات بين مكوناتها وهو ما تجلى في طريقة معالجة قضية معمل سلعاتا والإرجاء المتكرر للتعيينات الإدارية، كل هذا ينبئ بأننا قد نشهد صيفا ساخنا على كل المستويات وهو طبعا ما سيترك آثاره على المحادثات مع صندوق النقد الدولي التي بدأت أصلا بأرقام متضاربة ما بين الحكومة ومصرف لبنان وهي بداية بالقطع غير مشجعة. اقرأ أيضاً: محمود درويش حين رثى سمير قصير هل بقي للبنان ما يدفعه؟ في هذه الأجواء وإذا كان من شبه المؤكد بأن لبنان كالعادة سيدفع ثمن القرارات والقوانين والإتفاقيات في المنطقة، لكن السؤال المطروح هل بقي للبنان ما يدفعه بعد أن دفع الأثمان غالية من أمنه وحريته وإقتصاده وسيادته وإستقلاله؟ إذ لم يبق من لبنان إلا نظامه السياسي المتمثل بإتفاق الطائف الذي على علاته كفيل بحماية لبنان ووحدته إذا ما تم إحترام بنوده والعمل على حُسن تنفيذها بعيدا عن الدعوات المتطرفة والمشبوهة في أهدافها وتوقيتها تارة بالدعوة لنسف النظام من أساسه، وأخرى بالحديث عن المثالثة، وثالثة بطرح حديث الفيدرالية التي أطلت برأسها من جديد، وكلها مشاريع فتنة سواء عن قصد أو عن غير قصد ما يطرح شكوكا حول الخلفيات، أولاً لأن هذا ليس أوان طرحها وثانيا لأن الكيفية التي طرحت بها غير كفيلة بوصولها إلى مبتغاها فهل المقصود هو تهيئة الأرضية والنفوس لما هو قادم؟ بينما المطلوب أولا لملمة الصفوف والإلتزام بالطائف نصا وروحا ولا يمنع هذا أن يكون هناك بعدها حوار جدي من ضمن المؤسسات بروية وهدوء بعيدا عن الإستفزاز والتلطي وراء فائض القوة لفرض الرأي لأن الحديث بهكذا مشاريع في ظل الوضع المعيشي والإقتصادي والإجتماعي الصعب الذي يعيشه البلد والشعب، وفي ظل إعادة رسم الخرائط في المنطقة الذي يتطلب أقصى درجات التضامن والتماسك، هو كالخلاف على جنس الملائكة بينما البلد على شفير الهاوية، عندها يصح فينا المثل القائل “يطعمكم الحجة والناس راجعة”، فهل يعود الوعي للبعض المغامر ويعود قبل فوات الأوان إلى حضن الوطن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وللبعض الآخر في الداخل ليتحرر من نزقه وشوفينيته، أم أن الثمن هذه المرة سيكون لبنان نفسه الذي عرفناه بنظامه ووحدته بحيث نشهد موته في ذكرى مئويته؟
جنوبية
———————————-
خيارات الأسد معدومة للإفلات من مقصلة قيصر/ صابرة دوح
قانون قيصر يهدف بالأساس إلى تحييد الآلة العسكرية للنظام السوري وإجباره على الذهاب في الحل السياسي وسط تجاهل من روسيا لتبعات هذا القانون.
خيارات النظام السوري في مواجهة قانون قيصر أو محاولة الالتفاف عليه تبدو معدومة في ظل صعوبة الرهان على الحلفاء الإيرانيين وحتى الروس الذين يسابقون الزمن لتعويض خسائرهم من التدخل المباشر في الحرب السورية.
دخل قانون قيصر الذي أقره الكونغرس الأميركي ضد النظام السوري الاثنين حيز التنفيذ، وينص هذا القانون على فرض أقصى العقوبات على النظام وكل المتعاونين معه، وسط تساؤلات عن مدى قدرة الرئيس بشار الأسد وطاقمه على الالتفاف عليه لاسيما مع انهيار دراماتيكي للوضع المالي والاقتصادي داخل سوريا، نتيجة حرب التسع سنوات والخلافات المستمرة داخل عائلة الأسد، والتي باتت تضغط بشدة لاسيما على وضع الليرة السورية.
ويلتزم مسؤولو النظام الصمت، وليست هناك معالم خطة واضحة لمواجهة تبعات القانون الذي تم تسميته بالقيصر أو “سيزر” نسبة لضابط سوري منشق قام بتسريب الآلاف من الصور التي توثق عمليات تعذيب لنشطاء ومدنيين داخل السجون السورية.
ويضع قانون قيصر الذي صدر في 15 نوفمبر 2016، ووقّع عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 21 من ديسمبر 2019، وأدرج ضمن موازنة الدفاع الأميركية لسنة 2020 الاقتصاد السوري ككل تحت مقصلة العقوبات، ويستهدف القانون كل شركة أو كيان أو فرد في الداخل السوري وخارجه لهم علاقات تجارية مع النظام أو قدّموا الدعم العسكري والمالي له.
ويواجه النظام السوري منذ العام 2012 سلسلة متلاحقة من العقوبات فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون في محاولة لإجباره على تغيير سياساته، بيد أنه نجح نسبيا في الالتفاف على تلك العقوبات بفضل دعم حلفائه الإيرانيين والروس.
ويبدو الوضع مختلفا اليوم، فطهران تواجه أزمة مالية غير مسبوقة نتيجة الحصار الأميركي فاقمها تفشي وباء كورونا، والوضع ليس أفضل بالنسبة لموسكو التي بات شغلها الشاغل اليوم تعويض خسائرها من الداخل السوري.
ويقول الدكتور أسامة قاضي، وهو مستشار اقتصادي ورئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا “في الحقيقة لا يوجد أي خيار أمام النظام السوري سوى الذهاب في خيار الحل السياسي من أجل تسهيل عملية إعادة إعمار سوريا وإطلاق ورشة عمل هائلة لانتشال الاقتصاد الذي قد تكلف إعادة ترميمه ما بين 300 إلى 500 مليار دولار وذلك بوجود حكومة إنقاذ تستطيع إزالة ما خلفته الكارثة السورية على مدى 10 سنوات”.
ويوضح الخبير في الشأن الاقتصادي في تصريحات لـ”العرب” أن قانون سيزر ليس قانون عقوبات عاديا وهو يهدف بالأساس إلى إجبار الأسد على السير في خيار التسوية من خلال تطرقه للقرار رقم “22 45”، مشيرا إلى أن روسيا التقطت بالواضح هذه الرسالة وهي تعمل على وضع يدها على سوريا ليس فقط عسكريا بل وأيضا سياسيا واقتصاديا.
وتتجه أنظار روسيا في الفترة الأخيرة إلى الإمساك بكل مفاتيح الاقتصاد السوري، فبعد قرارها تعيين السفير الروسي لدى دمشق ألكسندر يفيموف مبعوثا خاصا للكرملين، أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي مرسوما يفوض وزارتي الدفاع والخارجية لإجراء مفاوضات مع الحكومة السورية بغية تسليم الجيش الروسي منشآت ومناطق بحرية إضافية في سوريا.
وفي المرسوم الذي نشر على موقع البوابة الرسمية للمعلومات القانونية وافق بوتين على اقتراح الحكومة الروسية بشأن التوقيع على البروتوكول رقم 1 والذي يقضي بـ”تسليم ممتلكات غير منقولة ومناطق بحرية إضافية” للاتفاقية المبرمة في أغسطس 2015 بين موسكو ودمشق بشأن نشر مجموعة من سلاح الجو الروسي في سوريا.
وأوكل المرسوم إلى وزارة الدفاع بالتعاون مع وزارة الخارجية “إجراء مفاوضات مع الجانب السوري، والتوقيع عليه لدى التوصل إلى اتفاق بين الجانبين نيابة عن روسيا الاتحادية”. ويسمح المرسوم للوزارتين بإدخال “تغييرات لا تحمل طابعا مبدئيا” في مسودة البروتوكول التي صادقت عليها الحكومة الروسية.
ورغم أن الخطوة لا تخلو من أبعاد سياسية في علاقة بقطع الطريق على مساعي إيران تثبيت قدمها على الشريط الساحلي بما يضمن لها حضورا على المتوسط، إلا أنها تعكس أيضا رغبة روسية في تعزيز استثماراتها في الداخل السوري لتعويض التكلفة الباهضة من جراء تدخلها المباشر في الصراع في العام 2015.
واعتبر قاضي أن الروس بدأوا في وضع أيديهم على الاقتصاد السوري منذ سنوات حيث وقع معهم النظام عقودا طويلة الأمد تصل إلى حوالي نصف قرن من أجل حق التنقيب على النفط والغاز كما منحهم الشركة العامة للفوسفات وأيضا ميناء طرطوس، وآخر قرارت لبوتين في هذا السياق والذي اتخذ قبل أيام هو السيطرة على ما تبقى من موانئ لقطع الطريق على إيران التي وقعت اتفاقية مع النظام السوري من أجل وضع يدها على مرفأ اللاذقية، وتريد روسيا اليوم الحصول على مرفئي بانياس واللاذقية معا بعد أن أخذت مرفأ طرطوس لمدة 49 عاما في إطار اتفاقية تمدد بشكل تلقائي لمدة 25 سنة.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن موسكو تريد الحصول على ما تبقى من مفاصل الاقتصاد السوري وربما تدخل قريبا المشغل الثالث الخلوي بعدما وضعت يدها على منظومة ابن خال بشار الأسد رامي مخلوف الاقتصادية بما فيها أسهم وشركات وملاحقة كل رجال الأعمال المحيطين به.
ويتعرض آل مخلوف الذين يمسكون منذ عقود بمفاصل الاقتصاد السوري لحملة كبيرة من قبل النظام وسط حديث متزايد عن ضغوط روسية تقف خلف تلك الحملة الشرسة.
ويقول كبير المفاوضين في وفد المعارضة السابق محمد صبرا إن روسيا تحاول تسديد جزء من فاتورة تدخلها العسكري في سوريا، ويوضح صبرا في تصريحات لـ”العرب” أن موسكو كانت تعول في البداية على ملف إعادة الإعمار بيد أن الموقف الغربي اضطرها لإعادة النظر في ذلك، وهي تسعى اليوم جاهدة لاستباق التحرك الأميركي ووضع يدها على المجالات الحيوية للاقتصاد السوري من موانئ واتصالات ومطارات لاستعادة جزء من خسائرها.
ويلفت صبرا إلى أن “روسيا لا تبدي اهتماما بتبعات قانون قيصر وما قد يفرضه من عقوبات عليها لسبب هو أن الأوليغارشية الممسكة بالبلاد لا تهتم بما يخلفه ذلك على الشعب الروسي من معاناة فهدفها الأساس هو مصالحها ومراكمة الأرباح”.
ويشير صبرا إلى أن قانون قيصر ليس المستهدف منه الشعب السوري بل الهدف الأساس هو تحييد الآلة العسكرية للنظام وحلفائه، وإجباره على الذهاب في الحل السياسي.
كاتبة تونسية
العرب
———————————-
“قيصر”… الاقتصاص الأميركي من الأسد وروسيا وإيران و”حزب الله”/ باسكال صوما
يبدو “قانون قيصر” كأنه الضربة الأخيرة للنظام السوري وداعميه ومموليه، مع استمرار الشكوك حول إذا ما كانت بالفعل ضربة قاتلة، أم أنها ستدخل تاريخ المساومات والمراوغات…
ليس “قانون قيصر” الأول في تاريخ العقوبات على سوريا، فالقصة بدأت عام 1979 حين صنفتها الولايات المتحدة الأميركية دولة إرهابية، ثم طاولتها عقوبات جديدة عام 2004 بعد الغزو الأميركي على العراق، ودخول قانون “محاسبة سوريا وإعادة السيادة اللبنانية” حيّز التنفيذ، من ثم فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية عقوبات أوسع على النظام السوري بعد عام 2011.
و”قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019″، الذي بدأ العمل به في حزيران/ يونيو 2020، ينفّذ على 4 مراحل، ومن شأنه معاقبة النظام السوري والمتعاونين معه ومموليه وداعميه، وبالتالي شدّ الخناق على بشار الأسد، الذي بقي رئيساً في سوريا على رغم كل الدم الذي سفك، وإن كان ذلك بفضل القوة الروسية والقوة الإيرانية وأتباعهما.
وبحسب نص القانون، ستُفرض هذه العقوبات على أي شركة عالمية أو فرد يستثمر في قطاعي الطاقة أو الطيران، وكل من يزوّد الخطوط الجويّة السورية بقطع غيار وصيانة، إضافة إلى كل من يقدم ديوناً للنظام. وستشمل العقوبات مصرف سوريا المركزي، إذا ما ثبت أنه يشارك في عمليّات غسل أموال. وتتراوح العقوبات على الأفراد بين تجميد الأصول ومنع دخولهم إلى الولايات المتحدة.
واللافت في القانون الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2019، أنه حصل على تأييد نادر من الجمهوريين والديموقراطيين، ليتم تنفيذه ضمن الموازنة الدفاعية الأميركية المُقدّر إنفاقها بـ738 مليار دولار. وهو دخل حيّز التنفيذ في ظل وضع اقتصادي معقّد في سوريا وانهيار ليرتها وشح المواد الأساسية، وهو مشهد ينسحب على لبنان أيضاً حيث للنظام السوري حلفاء وأصدقاء، على رأسهم “حزب الله” الذي انخرط علناً في الصراع السوري لمساندة الأسد. ولم تعد النية الأميركية في تحجيم الحزب أو تجريده من سلاحه مضمرة، بل بات واضحاً أن لبنان سيبقى يعاني من شبه حصار اقتصادي ما دامت حكوماته موالية لـ”حزب الله” وسلاحه.
من جهة ثانية، على طاولة النقاش في الكونغرس الأميركي، هناك تشريع مقترح جديد يهدف إلى وقف مساعدات دأبت الولايات المتحدة الأميركية على إرسالها إلى لبنان منذ فترة طويلة، إثر مخاوف من أن يكون «حزب الله»، المدعوم من إيران، هو المستفيد من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.
والتشريع الجديد الذي اقترحه، السيناتور تيد كروز، النائب عن ولاية تكساس، قد يوقف أكثر من 100 مليون دولار، كانت تذهب سنوياً إلى لبنان، طالما أن “حزب الله” مسيطر على مقدرات الأمور في البلاد.
من يشمل العقاب؟
أُخذ اسم “مشروع قيصر” من اسم مستعار لمصور سوري منشقّ من الشرطة السورية يُدعى “قيصر”، هرّب أكثر من 50 ألف صورة لضحايا التعذيب، ووثّق الوفيات في السجون من عام 2011 إلى حين انشقاقه عام 2013.
الباحث الاقتصادي السوري خالد التركاوي يرى أن “القانون يأتي في ظل 4 مسائل أساسية، أولاً أن هذه العقوبات أتت بعد 9 سنوات من الحرب كان النظام خلالها ينشر قواته على أرض سوريا ويتكبّد مصاريف عالية، وبالتالي أتى القانون هذا بعد حالة الاستنزاف وليس قبلها كالحالة العراقية. ثانياً القانون أقرّ في ظل وجود انشقاقات داخل النظام وحكومته بخاصة من جهة داعميه ولا سيما بعد قضية رامي مخلوف. ثالثاً شمولية العقوبات، فهذه العقوبات لا تستهدف أشخاصاً أو مؤسسات فقط، بل تستهدف الحكومة السورية وكل من يتعامل مع النظام، وذكرت إيران وروسيا صراحة. رابعاً علينا أن نشير إلى الضغط الكبير الذي يتعرّض له حلفاء النظام، فإيران وروسيا مثلاً تعانيان مالياً واقتصادياً ودولياً، وبالتالي لن تكونا قادرتين على دعم النظام كما في السابق”.
ويتابع التركاوي لـ”درج”: “وبالتالي أثر القانون سيمتد إلى الجميع بما في ذلك لبنان أيضاً، القانون سيكون فعالاً، وتمكن قراءة ذلك من خلال الصراخ الكبير الذي يتعالى من أروقة النظام منذ أشهر والحراك الديبلوماسي لمحاولة كسر العقوبات، كما أن الوضع في سوريا على المستوى المالي والاقتصادي كارثي”.
ويضيف: “قانون قيصر الذي أتى بعد 9 سنوات من الصراع السوري رسالة للنظام بأنه لن يحصل على التعويم الذي يحلم به. القانون يمنع أي جهة أو منظمة من التقارب مع النظام، وقد رأينا محاولات إماراتية مثلاً لفتح علاقات معه، لكن أميركا اليوم تقول كلمتها، الهادفة إلى إلى تقويض أي محاولات تعويم من هذا النوع، وأيضاً إنهاء مشاريع إعادة الإعمار في سوريا”.
وينصّ القانون صراحةً على معاقبة النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد ومعاونيه مالياً، طالما أن نظامه يرتكب جرائم حرب ضد شعبه. ويستهدف القانون الشركات والأفراد الذين يقدمون التمويل أو المساعدة للأسد، كما يستهدف عدداً من الصناعات السورية ومؤسسات إيرانية وروسية تدعم النظام، منذ عام 2011.
“قيصر” ولبنان
تداعيات قانون “قيصر” تنسحب من دون شكّ على لبنان، لناحية حلفاء النظام وداعميه، إضافة إلى الارتباط الاقتصادي الكبير بين البلدين، وكون لبنان معنياً بمسألة اللاجئين، فقد استقبل أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري منذ بدء الصراع، وكثر منهم لا يستطيعون الآن العودة إلى سوريا بهذه البساطة. وقانون “قيصر” يفترض أن يؤمن لهم عودة آمنة وطوعية، بعد محاسبة النظام ومن يحوم حوله.
في هذا السياق، يوضح الخبير الاقتصادي جهاد الحكيّم لـ”درج” أن “لبنان سيتأثر في أكثر من ناحية في قانون قيصر. وإن كان الموقف الرسمي اللبناني سيتماشى ويتماهى مع القانون، فلا بدّ أن يحاول كثيرون الالتفاف على القانون عبر شركات وهمية من أجل التبادل التجاري وأمور أخرى”. ويتابع: “التبادل التجاري الرسمي بين سوريا ولبنان ضعيف أصلاً لأن الجانب السوري يرهن ذلك بإجراءات غير سهلة، ولكننا نعرف التهريب وأساليبه وقانون قيصر الذي من شأنه أولاً تضييق الخناق على النظام، سيزيد التهريب لا سيما المواد الغذائية والأدوية، فضلاً عن المحروقات والطحين، وسنشهد ارتفاعاً في أسعار السلع في لبنان والمزيد من الانهيار في الاقتصاد السوري المتهالك أصلاً”.
ويتابع: “ستزداد الرقابة على مصرف لبنان وتدفقاته واعتماداته للتأكّد من أنها لا تذهب لمصلحة الجانب السوري”، مردفاً: “إضافة إلى ذلك، سيكون لبنان خاضعاً للمزيد من التدقيق المالي والمصرفي، وسيكون عرضة لعقوبات محتملة، سيعمل على تجنبها، لا سيما أنه يمرّ بوضع اقتصادي ومالي معقّد”. كما يشير الحكيّم إلى أنّ قانون “قيصر” من شأنه الحدّ من مشاريع إعادة الإعمار في سوريا.
وقانون “قيصر” يشدد صراحةً على وقف عمليات إعادة الإعمار، باعتبار أنها طريقة لتعويم الأسد، وتعزيز سلطته ومصادرة الأملاك وإعادة رسم التركيبة السكانية عبر انتزاع ممتلكات الفقراء. إلا أن هذا الأمر مقلق بخصوص المدنيين ومصيرهم في دولة تخضع للقصاص بعد سنوات حرب طويلة، فوقف عمليات إعادة الإعمار يعني حكماً وقف إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمات الأساسية، ما يؤثر بطبيعة الحال في حياة المواطنين.
ويأتي “قيصر” قبيل الانتخابات الرئاسية السورية، وأيضاً في ظل مفاوضات الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي ومناقشة مجلس الأمن القرار 1701، حين دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الحكومة اللبنانية إلى نزع سلاح “حزب الله”، محذّراً من مخاطر تدخّله في سوريا، وذلك في بداية مناقشة التقرير الخاص بتنفيذ القرار 1701 في جلسة مغلقة. وفتح نقاش حول تعديل دور قوات الطوارئ الدولية ومهماتها وصلاحياتها، لتمتلك نفوذاً على الحدود الشرقية، بالتالي مراقبة المعابر غير الشرعية، بوصفها باباً للفساد وهدراً للمال العام.
الحل الديبلوماسي؟
في مقابل لهجة القانون القاسية، تترك واشنطن شعرة معاوية مع النظام، مؤكدة في بنود من القانون انفتاحها على الحل الديبلوماسي، لكن بشروط، شبه تعجيزية. فمن الواضح أن التسوية ستتعثّر من دون تنحّي نظام الأسد، ووقف دعم روسيا وإيران له، إذ يضع القانون شروطاً لرفع العقوبات الأميركية، وهي:
-وقف قصف المدنيين بالطائرات الروسية والسورية.
– رفع الحصار عن المناطق المحاصرة من قبل القوات الإيرانية والروسية والسورية.
– السماح بمرور المساعدات الإنسانية وتحرّك المدنيين بحرّية.
– إطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
-السماح بدخول منظمات حقوق الإنسان إلى السجون والمعتقلات السورية.
– وقف قصف المراكز الطبية والمدارس والمناطق السكنية والتجمعات المدنية كالأسواق من قبل القوات السورية والإيرانية والروسية، والمجموعات التابعة لها.
– عودة المهجّرين السوريين بطريقة آمنة طوعية محترمة ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا وإحقاق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري.
درج”
———————————-
“قيصر”يفتح باب اللجوء السوري مجدداً/ مهند الحاج علي
انشغل كثيرون في لبنان خلال الأيام الماضية، في تتبع آثار عقوبات قانون “قيصر” على لبنان ومسؤولين ورجال أعمال فيه على صلة بالنظام السوري. هذا صحيح. الأرجح أن يطال القانون من يُواصل العمل في لبنان مع النظام السوري أو مسؤولين فيه في المجالات المذكورة في “قيصر”، من الهندسة والانشاءات وموادها ومجال النفط، إلى الشراكات المالية المختلفة وعمليات الدعم العسكري.
وما نراه في العلن لبنانياً لجهة مراجعة الحكومة اللبنانية العلاقات الاقتصادية القائمة حالياً مثل شراء الكهرباء من سوريا، ينطبق على دول كثيرة في المنطقة وخارجها تُعيد النظر في روابطها المالية. وتماماً كما حصل مع المصارف اللبنانية في تنفيذ العقوبات الأميركية، سنرى إجراءات احترازية من قبيل الغاء كل التعاملات لتجنب الوقوع في أفخاخ مستقبلية. ذلك أن دولاً عربية استأنفت علاقاتها التجارية مع سوريا خلال السنتين الماضيتين، لن تُخصص موارد بشرية ومالية للتدقيق في الشركات السورية المتعاملة معها، بل الأرجح أنها ستُقفل هذه البوابة تماماً. من الحتمي أن يُؤدي القانون الى تراجع في الصادرات السورية بعدما سجلت ارتفاعاً بنسبة 21 في المئة العام الماضي، وفقاً لأرقام النظام السوري. بيد أن النسبة الضئيلة لهذا التبادل مع العالم الخارجي والمجاور، لن تُحفز أحداً على المخاطرة بل ستدفع الدول الى المقاطعة التامة تجنباً لأي إجراءات عقابية.
كيف سينعكس ذلك على الاقتصاد السوري؟
سيرتفع سعر صرف الدولار (الى الليرة السورية)، وستصير القدرة الشرائية للمواطن السوري شبه معدومة. عملياً، سيُعاني السوريون بنسبة عالية، في حين يبقى النظام على حاله، تماماً كما حصل في فنزويلا وكل الدول الخاضعة للعقوبات الأميركية. المواطنون يعانون، والأنظمة تستمر. سعر صرف الليرة السورية (تماماً كاللبنانية) مرتبط بغياب العملات الصعبة لدعمها، وأيضاً بالعجز في الميزان التجاري، وهو انخفض العام الماضي مقارنة بالسنة السابقة (من 5.9 إلى 4.6 مليارات يورو). بالمحصلة، كان يخرج من سوريا حوالى 6 مليارات يورو عام 2018، وانخفض ذلك الى 4.6 مليارات عام 2019. الأرجح أن الرقم سيعاود الهبوط بعد قانون قيصر ووقف الصادرات السورية. ذلك أن العقوبات أشد وقعاً من الحرب على الاقتصاد السوري. والدليل أن سنوات الحرب (2011-2017) شهدت خسائر أقل في قيمة الليرة السورية من فترة الأزمة الممتدة من كانون الثاني (يناير) الماضي وحتى اليوم. خلال الشهور الماضية، خسرت الليرة السورية 120 في المئة من قيمتها. واحتياطي العملات الصعبة أيضاً تقلص من عشرين ملياراً قبل الحرب، إلى مئات الملايين، وهذه أيضاً في طريقها إلى التبخر.
قانون قيصر سيُكمل هذا المسار. يتوهم من يعقد بأن الأزمة في العلاقات الأميركية-الصينية ستدفع بكين إلى تحدي واشنطن اقتصادياً في هذا المجال. ما زال التبادل التجاري بين هاتين القوتين في أعلى قائمة شركاء الصين في العالم.
الأرجح أن القانون سيُساهم في خفض قيمة الليرة السورية بشكل أكبر، وربما بوتيرة متسارعة مقارنة بالشهور الماضية. حينها، قد يشهد الاقتصاد السوري انهياراً أكبر وأسرع مما حصل خلال السنوات الماضية. والتدخل الخارجي لمساعدة النظام السوري مستبعد حالياً، إذ لا الصين تبدو مستعدة لمواجهة مع واشنطن على هذا المستوى، ولا إيران قادرة مالياً في ظل تراجع صادراتها وأسعار النفط معاً.
على لبنان ألا يكون قلقاً على عقوبات تطال فرداً هنا أو حزباً هناك. هذه نتيجة حتمية، وحُسمت خلال نقاش القانون نفسه في واشنطن. يجب أن يتركز القلق على احتمال وفود أعداد متزايدة من اللاجئين الى بلد مُفلس وعلى شفير الانهيار.
فنزويلا، وتحت وطأة العقوبات والإدارة المالية السيئة والفساد (والنظام السوري يجمع هذه السمات أيضاً)، دفعت أزمتها المالية والاقتصادية والسياسية خمسة ملايين مواطن فنزويلي إلى الهجرة. الأرجح أن الأزمة السورية في طورها الاقتصادي، ستصنع موجة جديدة من اللاجئين، وسيكون على لبنان إضافتها إلى كومة من الأزمات المتفاقمة يصعب مع ارتفاعها رؤية الضوء.
المدن
———————————–
الكل يكاتب الديكتاتور/ ثائر الزعزوع
توالت في الآونة الأخيرة الرسائل التي يوجّهها نشطاء وسياسيون، وكتّاب مقالات إلى رأس النظام في دمشق، يطالبونه فيها، وبلغة لا تخلو من الشتائم أحياناً، بأن يكتفي بما فعله بسوريا وأن ينصرف، لأنّ الأمور وصلت إلى حدود اللامعقول، والحالة المعاشية للمواطن السوري _كما بات معروفاً_ تنخفض كل يوم أكثر فأكثر، مع تدني قيمة العملة المحلية، وانعدام الموارد، وقد تخلّى النظام لحليفه الروسي عن مينائين سوريين على الأقلّ، وعدد لا بأس به من الشركات الاستراتيجية، والمؤسسات العامة، والحبل على الجرار، وخاصة بعد أن أوعز الرئيس الروسي إلى وزرائه للاستيلاء على المزيد.
وقد خرج النفط، منذ القضاء على تنظيم داعش، من المعادلة الاقتصادية السورية، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب لن يسمح للنظام بالاستفادة من عائدات النفط، سواء بشكل شرعي، أو تهريباً، كما كان يحدث إبان سيطرة التنظيم الأسود على الحقول النفطية، طبعاً.
وقد دخل قانون سيزر منذ أيام حيّز التنفيذ، وبانتظار ما سيخلّفه من تداعيات اقتصادية إضافية، ودون أن ننسى الاستنزاف الكبير الذي تسببه الآلة العسكرية المتهالكة، وهي تحاول تحقيق “الانتصار الكبير” الذي يحلم به رأس النظام. كل هذه التفاصيل، وتفاصيل إضافيّة تمسّ بيت السلطة نفسه، طفت على السطح في الآونة الأخيرة، خلافات وتقاسم نفوذ، وانشقاقات ربما تأخذ شكلاً أكثر حدّة في الأيام المقبلة، وقد كتب الكثير فيها وعنها، تنبؤات وتكهنات. أقول، إنّ كل هذا يدفع الأمور إلى التدهور أكثر فأكثر، ويبني بعض المتفائلين توقعات بأن ينفجر الشعب السوري، ما تبقى منه تحت حكم النظام، في ثورة جياع، تكمل ثورة بدأت منذ تسع سنوات تطالب بالحرية والكرامة، نظرياً، هذا الأمر ليس مستبعداً على الإطلاق، لكن عملياً، يبدو الأمر في غاية الصعوبة والتعقيد، فأجهزة السلطة الأمنية ما زالت قادرة على بثّ الرعب في نفوس الناس، ومازلنا نسمع أخبار الاعتقالات، كل يوم تقريباً، بل إنّ السلطة نفسها لم تتغير قيد أنملة، رغم أنّها باتت هشّة جداً، ومثار سخرية، إلا أنّها ما زالت تسير على نهجها نفسه، متكبرة، غبية، قادرة على تسويق الأكاذيب، والشعارات البالية نفسها، التي ترددها منذ خمسة عقود.
تبدو الرسائل المتعددة، التي وجّهت إلى رأس النظام شخصياً، باسمه الصريح، مع إسقاط الصفة الرئاسية عنه، كما فعلت الدكتورة وفاء سلطان، على سبيل المثال، ودون مواربة، جريئة وانفعالية، لكنها لا تخلو من جانب عاطفي، فهي إذن ليست رسائل سياسية، وأشك أنا شخصياً أن يطلع عليها رأس النظام، لمجرد الاطلاع لا أكثر، بل إنّ “حاشيته” سوف تعتبرها، في أحسن الأحوال، جزءاً لا يتجزأ من المؤامرة الكونية، وسوف تصنّف مرسليها، على أنهم عملاء، مأجورون، مرتزقة… كذا كما تفعل دائماً.
ما جدوى تلك الرسائل إذاً، ولماذا ظهرت الآن؟، طبعاً كيلا نتجنّى على التاريخ، فإنّ الرئيس الأسبق للائتلاف السوري معاذ الخطيب كان قد وجّه، منذ أكثر من عام، رسالة إلى رأس النظام، أثارت وقتها ردود أفعال مستهجنة بسبب اللغة التصالحية التي استعملها الخطيب، والأقرب إلى الاستجداء، كما وصفها أحد المعلقين، وهي تصلح كثيراً لمخاطبة رئيس غربي منتخب ديمقراطياً، ولا تصلح لمخاطبة ديكتاتور مستبد، ودائماً، حسب آراء معلقين على رسالة الخطيب.
هل ثمّة اتفاق على إرسال تلك الرسائل؟، لا ندري صراحة، وبانتظار أن يكشف لنا أحد المرسلين، السبب الذي دفعه لتوجيه “رسالة” تحديداً، سوف تظلّ الأمور بالنسبة لنا تقليداً لا أكثر، وقد نقرأ أو نستمع، خلال الأيام المقبلة، رسائل أخرى، قد يستفيد مرسلوها من رسائل سابقيهم. ولكن هل اقتصرت الرسائل على المعارضين فقط؟ سيكون مفاجئاً أن يكون رامي مخلوف، وهو أحد أركان النظام البارزين، هو أيضاً خاطب “ابن عمته” برسائل مؤدبة جداً، بل ومتذللة بعض الأحيان، وقد انشغل الشارع السوري برسائل “مخلوف” أكثر مما انشغل برسائل المعارضين، لأنّه رأى فيها إشارات إلى أنّ “العائلة الحاكمة” تترنّح، وأنّ الشقاق في داخلها، ينبئ بأكثر مما يظهر، من خلال رسائل “مخلوف”، فرجل الأعمال الأبرز سورياً، وصاحب بيت مال النظام، بدا ليناً جداً، وعلى عكس رسائل المعارضين، المليئة بالتسفيه لرأس النظام، فإنّ “مخلوف” استعان بمخزون رديء من المصطلحات الدينية العاطفية، وحشر آيات قرآنية، بين جمله غير المترابطة، كي يكون مؤثراً في المتلقي المتابع، وفي المرسل إليه، على عكس رسائل المعارضين التي أهملها رأس النظام، فإنّ رسائل مخلوف شغلت حيّزاً لا بأس به من تفكيره، ومن تفكير حاشيته المقربة، فالرجل، في كل ظهور أو رسالة مكتوبة، يقطع حبال الودّ، ويعلن الحرب على النظام، وصولاً إلى بيانه أو رسالته الأخيرة التي ختمها بتهديد واضح وصريح ولا لبس فيه، مستعيناً، كما كل مرة، بلغة دينية، وبآيات قرآنية ليعلن أنّه “وبعزته و بجلاله ستذهلون” وسوف يتساءل الشارع: ماذا سوف يحدث بعدها؟.
في رسائل المعارضين، سوف أنقل حرفياً تعليقاً على إحداها قرأته: “بعد قليل سوف يوجّه السوريون كلهم رسائل له، وسوف يوجّه لهم طائراته لتلقي عليهم براميله المتفجرة، لكنه لن يغادر كرسيه”. فيما تعلق إحدى الصحف الغربية على رسائل رامي مخلوف، قائلة: “هل بدأ مركب الأسد بالغرق؟”. فأيّ الرسائل سوف نتذكّر مستقبلاً، هذا هو المهم؟.
ليفانت – ثائر الزعزوع
—————————
سباق بين مصائب السوريين ومصائر النظام/ موفق نيربية
يمتزج لدى السوريين شعوران حالياً: يتركز أحدهما في أوساط المهجرين المنكوبين المشردين، ويقوم على أن رأس النظام السوري يهتز بعنف، وقد يذهب قريباً أو في المدى المتوسط؛ وثانيهما بين المقيمين، بغض النظر عن موقفهم من النظام، يكاد عَوَزُهم وحاجتهم يخنقانهم، ولم يعودوا يطيقون صبراً على حياتهم التي تشمل كل الشعب السوري، تحت خط الفقر، وفي حالة قريبة من العجز الكامل.
لم يأت الإحساس باقتراب مصير الأسد من فراغ، بل مما أصبح علنياً من ضياع وتشتت مثبتاته الخارجية والداخلية. ولا يأتي إحساس الطاغية بالخلود من عدم، بل من إمساكه بمفاصل وروابط تتعلق بحمايته من الأخطار الخارجية عن طريق الجيش والتحالفات الإقليمية والدولية، ومن الأخطار الداخلية عن طريق قوى الأمن، وضمانه لدائرة متينة من الداعمين والمحاسيب والإداريين، عن طريق الرشوة والإفساد، وتقديم فرص الاستثمار بشروط خاصة ومحمية. وهذه كلها، مع بعض الإبداع في التنوع والتطوير، كانت من مواهب الأسد الأب، التي ورثها الابن من دون الموهبة ذاتها، وأجرى عليها عملية» تحديث» فاشلة.
وفي البداية هنا، لا بد من ذكر أنه في حين لم يكن ممكناً للثورة عام 2011 أن تنجح بسلاسة ويسر، ما لم تترافق مع فشل قاطعٍ النظام، فإن الأخير يفشل حالياً على جميع جبهاته، من دون أن تكون هنالك حركة شعبية وسياسية منظمة قادرة على أن تكون البديل المقنع له. لذلك يبدو أن التغيير المحتمل في هذه المرحلة سوف ينحصر في رأس النظام، أو بعض رؤوسه، وليس في النظام ذاته، الذي يتحفظ الكثيرون دولياً على موضوع سقوطه، على الأقل في هذه المرحلة. ولطالما اعتمد النظام وداعموه على مقولة، إن مفاتيح استحواذ الطاغية على السلطة، ليست مفاتيح الاستمرار فيها ذاتها، ما لم ترض سلطته نسبةً معقولة من مواقف داخلية وخارجية، أو ما لم يكن أفضل من البديل المحتمل، بالنسبة إلى الجهات التي تشكل تلك المفاتيح، شعباً وسلطةً وقوى خارجية. وقد تجمعت مؤخراً نُذُرٌ ربما تتحول إلى وقائع عاصفة بعد استكمالها، وصل فيها النظام إلى الحضيض، ووصل فيها طاغية الشام إلى حدود نهايته المنطقية.
كان الجيش السوري مثلاً في المرتبة 19 عالمياً على قائمة «غلوبال فاير باور» عام 2005، وتراجع في قائمة هذا العام إلى الرقم 55، بما في ذلك تخلفه عن خمسة جيوش عربية، ومجاورته في التقييم لأنغولا. وهذا مجرد تقييم يأخذ الأرقام المجردة للقوة النارية خصوصاً، بعين الاعتبار، من دون حسابٍ لما هو جامدٌ من تلك القوة، ولا لما هو تحت القيادة الروسية، أو التأثير الإيراني، وكذلك لما تحول منه إلى مجرد ميليشيات، لا تجتمع دائماً على استراتيجية واحدة. وقد أصبحت قدرات النظام النارية بالفعل أقرب إلى مجموعات تابعة لقوى فوقه، أو لعصابات متعددة الولاء تحته.
أما البنية الأمنية الهائلة التي بناها الطاغية الوالد قبيل وبعد استيلائه على السلطة في عام 1970، والتي أصبحت أخطبوطاً ضخماً يضم إلى الأمن السياسي وأمن الدولة أو المخابرات العامة، كلاً من الأمن العسكري وأمن القوى الجوية، وأمن القصر، وعدة مراكز أخرى، تنشغل كلها بالحفاظ على أمن النظام داخلياً، وكانت رأس الحربة في الحرب على ثوار 2011 الشباب. هذه المؤسسات أصبحت قياداتها عموماً طريدة العدالة الدولية، وتحولت كما حصل مع الجيش إلى ميليشيات خاصة، تتبارى في خدمة النظام وتقديم أقصى ما يمكنها من وحشية مع الناس، ومن تجارة حرب ونهب لا تستثني شيئاً، وفي كل مكان تدخله. أصبحت هذه القوى كلها منهكة تخبط خبط عشواء، وتتعرض لتدخلات متنوعة روسية وإيرانية، وهي جاهزة للمزيد من التدهور، أو الخروج عن سيطرة الطاغية نفسه.
وحين يهتز النظام، أي نظام، لن يكون حوله إلا المنتفعون منه ومن استمراره. وهؤلاء تغيرت بنيتهم مراراً في الأعوام الأخيرة، وغلب عليهم طابع جديد مختلف عن السابق، تحولوا فيه إلى تجار حرب من أسوأ النماذج، كما تحول قادة الجيش والأمن إلى أمراء حرب مع غيرهم من قادة الميليشيات التي ملأت البلاد وتم تنظيمها داخلياً، أو استيرادها من الخارج من كل حدبٍ وصوب.
والظاهرة الأكثر أهمية في الباب الأخير هي تمرد رامي مخلوف سيد الاقتصاد والفساد في البلاد، على رغبة الأسد باستعادة الأموال الطائلة التي استحوذ عليها عن طريق وكيله – ابن خاله- ومؤسساته، ولم يستطع حتى الآن أن يفعل شيئاً، فلجأ إلى قدراته في سلطاته، وصادر شركته الكبرى للاتصالات مباشرة، في حين ما زالت المليارات المخزونة في الخارج بعيدةً عن يده حتى الآن. وها هي الليرة السورية تتابع تدهور قيمتها بشكل دراماتيكي، منذ بداية مسلسل رامي في أوائل ديسمبر الماضي، لتقترب من نسبة الزيادة 500% ، في ترابط لافت قد يتأكد لاحقاً. سوف تكون هذه التجربة ذات تأثير على شكل علاقة الأسد مع شريحة المحاسيب الجدد، الذين يستند بعضهم إلى مساند خارجية وبنى خاصة متحركة. باختصار: لقد انفتق عقد الهيمنة عن طريق شراء الأعوان والعملاء، وخسر النظام شيئاً على هذا الصعيد، سيزيد من حرارة المتغيرات وسرعتها، أراد الأسد أم لم يُرد. لأن شبكة التنفيع التي أقامها كانت تمتح من موارد الاقتصاد، التي شحت كثيراً، والداعمون المستفيدون سوف يتوترون، لأن الطاغية لم يعد مصدراً لثرواتهم، وربما ينفضون من حوله ببطء، أو سرعة، بحسب تطورات الأمور.
لقد كانت هنالك ديكتاتوريات «مستدامة» في الشرق الأوسط، وتلك السورية منها خصوصاً، كانت قد أتقنت عملها إلى حد الكمال، مستفيدة من أن ديمقراطيات العالم الفاعلة لم تكن ذات مصلحة في التغيير الديمقراطي، ما دامت تحصل على الاستقرار المرغوب من قبلها، فتصرفه إلى موارد استقرارٍ للطغيان والاستبداد.
لقد استهلك النظام ورأسه صبرَ داعميه في الخارج بفشله المتكرر، الذي أصبح أصيلاً فيه. فابتدأ تغيرٌ غامض المآلات- إلا أنه مؤكد- من جهة روسيا الاتحادية، التي يبدو أن الأسد لم يعد بضاعة رابحة بالنسبة إليها، فتحولت إلى تثبيت ما استحوذت عليه، وتسجيل ملكيته، وضمان استدامته بالقانون الدولي والقدرات العسكرية والمادية مباشرة على الأرض. وربما يؤثر في هذا الأمر دخولُ مشروع إعادة الإعمار الروسي في طورٍ صعب وخانق، عن طريق عقوبات «قانون قيصر» الذي يربطها بعملية سياسية جدية، بحيث لم يعد من كرةٍ في يد بوتين إلا مشروع الحل الموازي المعتمد على استحقاق الانتخابات في العام المقبل، الذي سقط بشار الأسد أيضاً في امتحاناته التحضيرية.
إضافةً إلى مشروع قيصر، الذي ربما يعجل دخوله في حقل التنفيذ هذا الشهر بمصير الأسد من دون نظامه؛ هنالك حملة العدالة الدولية المتعددة الوجوه، التي تحاصر أيضاً مصائر الديكتاتور وحظوظه، وتسد عليه المنافذ إلى المستقبل. كل ذلك يجعل من التدهور الداخلي عاملاً حاسماً في تلك المصائر. وهناك عاملان يبعثان على الأسى، ويدفعان باتجاه التحرك من قبل السوريين جميعاً: أولهما ما يمكن لهذه التطورات أن تخلقه من حالة عجز إضافي، وصعوبات حياة يومية لأولئك الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام، وهذا ما ينبغي لكل معارضيه أن يتنبهوا إليه ويواجهوه بموضوعية وروح وطنية شاملة؛ وثانيهما حالة الضعف القاتل في العمل المعارض المنظم الرسمي، التي تجعل ممن يجلس على مقاعد تمثيل السوريين حالياً، في أي عملية سياسية، مجرد خيالات واهية لا دور حقيقي لها ولا فاعلية. وحتى لو كان مصير الأسد قد لاح في المدى القريب أو المتوسط، فإن مصير النظام بذاته ما زال مجمداً، والدولة والمجتمع السوريان كلاهما قد تهشما إلى مستوى سيتطلب طريقاً طويلاً، والطاغية بذاته هو العقبة الأولى، ونهاية صفحته الصفراء هي الخطوة الأولى.
كاتب سوري
القدس العربي
——————————
كيف تفاوض عصابة تسرق بنكاً وتحتجز رهائن؟/ علي سفر
لم يتأخر النظام كثيراً بالرد على المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا (جيمس جيفري)، الذي قال قبل أيام “إن بلاده قدمت للأسد طريقة للخروج من هذه الأزمة، وإنه إذا كان مهتما بشعبه فسيقبل العرض”.
إذ رد مصدر رسمي في وزارة الخارجية والمغتربين التابعة للنظام قائلاً: إن “تصريحات جيمس جيفري بخصوص الأوضاع الراهنة في سوريا تشكل اعترافاً صريحاً من الإدارة الأميركية بمسؤوليتها المباشرة عن معاناة السوريين”.
سياق كلام جيفري الذي أحال تدهور قيمة الليرة السورية أمام الدولار إلى إجراءاتٍ تريد إدارته منها منع تعويم الأسد وزمرته، مكّن كتبة الرد عليه من حشر القصة كلها في خانة تحميل الأميركيين مسؤولية ما يجري! لا سيما على مستوى معيشة السوريين الذي بلغ هذه الأيام أسوأ درجة يعرفها تاريخهم الحديث!
الملفت فعلياً، فيما قاله جيفري لا يتعلق باعتقاد الأميركيين أنهم يتعاملون مع رئيس شرعي، وأنهم يأملون من هذا الرئيس الذي تلوثت يديه بدماء السوريين أن يفعل شيئاً!
ولا يتعلق بأن المبعوث الأميركي يربك إدارته بتحميلها كامل وزر قضية تدهور سعر الليرة وقبل أن تبدأ تطبيق قانون قيصر، فالجمهور السوري يعرف أن عوامل الانهيار الاقتصادي قائمة منذ سنين ولكن النظام كان طيلة الوقت يجد منافذ لنفسه عبر الاعتماد على حليفيه الإيراني والروسي، ولكنهما باتا أكثر طمعاً، وهما يريدان منه أن يدفع تكاليف حمايتهما له نقداً (كاش)، وإن جاء شكل هذا (الكاش) على شكل عقود سريعة تبتلع ثروات البلد كلها! الأسد مستعد للدفع دائماً ولكنه في هذه الأيام يعاني من مشاكل في بيته (أزمة عائلة مخلوف) ويحتاج لبعض الوقت لترتيبها، وقد زاد من وضعه السيء إغلاق حنفية سيولة نقدية مثلتها البنوك اللبنانية وهي تعاني حالياً من فقدانها بدورها للعملات الصعبة.
ما يلفت الانتباه حقاً هي فكرة أن ثمة “عرض” مقدم للأسد يجب ألّا يرفضه! وكأن سياق علاقة القوى الدولية المناهضة له، وطيلة سنوات الثورة السورية، كان مليئاً بالهجمات عليه! وأن الوقت قد حان للتهدئة وتقديم العروض!
الفكرة مضحكة ومؤلمة في الوقت ذاته، لقد أتيح للأسد طيلة تسع سنوات أن يقتل مئات آلاف السوريين دون أن يحاسبه أحد، وقد جرت وقائع المجزرة السورية تحت بصر العالم كله، ولم تقدم أي قوة عالمية يحسب لها حساب على أي خطوات فعلية تستهدف إسقاط هذا النظام، بل إن الجميع حفظ ما يمكن أن يصل إليه أي إجراء يتعلق بأفعال النظام، إذ لم تتم إدانته على أي من جرائمه، بسبب وضع البيض الدولي كله في سلة إجراءات أممية تنتهي عند حدود رفع الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن!
وحتى حين سنحت للإدارة الأميركية ذاتها أن تلجأ إلى التصرف وحدها عقب استخدام النظام للأسلحة الكيميائية فإن كل ما فعلته كان أشبه بخطوات مخجلة تبتغي رفع اللوم!
وإذا ما راجعنا سياق مشاريع التسوية التي قدمت لحل “الأزمة السورية”، إن كانت سورية داخلية أو عربية أو أممية، سنرى أنها كلها كانت تقوم على تقديم عرض ما للنظام! فهو المشكلة الأولى والأخيرة في الحكاية برمتها، والأمر هنا لا يحتاج لأي شيء كي تتم البرهنة عليه! حيث لا يستطيع أحد أن ينكر أنه هو صاحب القوة الأساسي على الأرض.
فمنذ البداية قمع المتظاهرين وقتلهم وسحل أجسادهم في الشوارع وأخفى جثامينهم، وهو من اعتقل وصفى عشرات الآلاف من السوريين، وكل الأعمال العسكرية التي جرت في سوريا كانت تستند على هذه الحقيقة، وهو أصلاً من تحكم بخيوط “اللعبة”، وقاد الثائرين المدنيين إلى حفرة التسلح، حيث يتقن هو تاريخياً لعبة العنف واستخدام فائض القوة! وهو من أخلى مناطق سورية شاسعة من سيطرته بسبب فقدانه التدريجي لهذه القوة ثم عاد إليها ليأخذها بعد أن حصل على دعم الحلفاء!
هل سمعنا بعرض ما قدمه العالم للمعارضة السياسية، كي يتوقف سيل الدم السوري، ورفضته؟ ألم يتم جرها إلى جلسات جنيف، وإلى سوتشي، كما تم جر القوى العسكرية إلى أستانة!؟ ألم يتم شحن سياسيي المعارضة للذهاب من أجل التفاهم مع النظام على دستور جديد للبلاد فتخرص عليهم بطلبات لإثبات وطنيتهم وفق فهمه هو للوطنية؟
لقد تحدث جيمس جيفري بسذاجة -أو ربما أراد أن يظهر الموضوع على هذا الشكل-عن “عرض أميركي” للنظام، فهو يعرف قبل غيره أن سياق التسوية السورية كان ومنذ البداية يقوم على عروض مقدمة للنظام، قام برفضها كلها، وبتسويف ما اضطر لقبوله منها!
وهنا يمكن لنا أن نغلب ظننا بأن جيفري، أراد إظهار الأمر بهذه السذاجة، فخلفيات الرجل العلمية والتقنية لا تجعله يرتكب مثل هذه الهفوات، ولكنه في الوقت نفسه، يعجز عن التفكير بالقوة كأداة لتسوية المشكلة في سوريا طالما أن ترامب ومن قبله أوباما لا يملكان حوافز تدفعهما للتصرف من خلالها، وهما لا يستطيعان التخلي عن فرصة توريط الروس بهذا المستنقع، فضلاً عن عدم رغبتهما بمخالفة الحليف الإسرائيلي تقديراته بشأن سوريا، حيث ترى بالأسد نظاماً يجب الإبقاء عليه طالما قام بوظيفته الموكلة إليه تاريخياً وهي حماية إسرائيل!
جيمس جيفري لا يستطيع أن يصيغ شكلاً مختلفاً لحوار إدارته التي ترى نفسها مسؤولة عن أمن العالم كله مع عصابة تسرق البنوك وقد سطت على بلد بثرواته وبمقدراته وبسكانه قبل أي شيء آخر، وهي تبتز العالم بهؤلاء الذي حولتهم إلى رهائن! وطالما كانت الولايات المتحدة وغيرها تضيق على هذه العصابة وزعيهما السبل وتشدد الإجراءات ضدهما فإن على الرهائن دفع الثمن قتلاً وتشريداً وقمعاً وتجويعاً!
إن إدارته التي حاولت ألّا تقدم على خطوات فعالة ضد محتجزي الرهائن هؤلاء، وجدت نفسها محرجة أمام صور قيصر، والحراك القانوني والأخلاقي الذي خلق قانونه، ولهذا ستبقي القوة مؤجلة، وتترك للعقوبات -حتى وإن امتدت لسنوات- أن تبلغ أشدها على هؤلاء ومن يدعمهم، حتى تقضي الظروف الذاتية والموضوعية السورية أمراً كان مفعولاً!
تلفزيون سوريا
——————————–
هل الأسد على وشك السقوط
ترجمة راتب شعبو
“وعدناكم أن نبقي الأمور سلمية .. ولكن إذا أردتم الرصاص، سوف تنالونه”.
هذه هي الرسالة التي وجهتها الطائفة الدرزية في محافظة السويداء جنوبي سورية، إلى بشار الأسد، بعد ثلاثة أيام من الاحتجاجات الكثيفة. ومنذ ذلك الحين، اشتدت معارضتها لنظام الأسد. ورغم خروج مسيرات مؤيدة للنظام يوم الأربعاء، فقد تم تهديد موظفي الدولة من قبل المخابرات ما لم يشاركوا، نزل المتظاهرون إلى الشوارع ضد الأسد مرة أخرى يومي الأربعاء والخميس، حمل بعضهم أعلام الثورة السورية.
حتى الآونة الأخيرة، نأى الدروز، وهم أقلية طائفية في سورية، بنفسها عن الصراع السوري المرير المندلع منذ تسع سنوات، غير أن الأزمة الاقتصادية العامة دفعتهم إلى التظاهر في الشوارع. وتوجه المتظاهرون إلى الأسد مباشرة بالقول “يلعن روحك، نحن قادمون”، وعبروا عن تضامنهم مع إدلب، المعقل الأخير للتمرد المسلح ضد الأسد.
على روعتها، فإن احتجاجات السويداء مجرد عرض لأزمة أكبر بكثير تعصف بقلب نظام الأسد وآفاقه في البقاء. شكل قرار الأسد بإقالة رئيس وزرائه عماد خميس مؤشراً واضحاً على أن الانهيار الاقتصادي والمظاهرات السلمية الأخيرة تشكل تحدياً حقيقياً لشرعيته.
شاع، لبعض الوقت، إعلان الأسد بوصفه المنتصر في سوريا، (الأسد هو ديكتاتور نجح في الاحتفاظ بسلطته في وجه ثورة من خلال القمع الوحشي والاستفادة من الدعم الذي وفرتها له إيران وروسيا). لكن هذا الإعلان لم يكن دقيقاً أبداً. ربما نجح الأسد في سحق معارضي حكمه الديكتاتوري في 60 في المئة من البلاد، ولكن في عام 2020، فإن كل الأسباب العميقة لانتفاضة 2011 ليست قائمة فحسب، بل وتفاقمت.
التحديات التي تواجه انتعاش النظام ومصداقيته وبقاءه، لا تزال قائمة في كل ركن من أركان البلاد. للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقد من الزمان، بدأ ملايين السوريين الذين يدعمون الأسد ظاهرياً أو الذين ظلّوا مستسلمين لحكمه، يتبادلون الهمسات الساخطة. بالنسبة لمعظم السوريين، فإن الحياة في عام 2020، أسوأ بكثير منها في ذروة الصراع المسلح على الصعيد الوطني في 2014 و2015. لقد دمّر الأسد بلاده واقتصادها، بسبب تمسكه بالسلطة.
تشكل هذه اللحظة الجديدة وغير المسبوقة تقريباً فرصة لأميريكا. على الرغم مما يبدو من إهمال إدارة ترامب، والبيت الأبيض بوجه خاص، للشأن السوري، فإن لديها فرصة الآن. فرصة أن تستخدم أميريكا أوراقها المتبقية لاستغلال ضعف الأسد الآن، في جهد دبلوماسي نشط، بالتنسيق مع العديد من حلفائها في أوروبا والشرق الأوسط وأماكن أخرى، لفرض تغييرات حقيقية، وإلا فإن سورية يمكن أن تصبح مصدر حرائق عالمية.
في الوقت الحالي، مع الأخذ في الاعتبار كل الظروف الحالية، يبدو أن هناك ثلاثة سيناريوهات في الأفق. من ناحية، يمكن للأسد أن يسير بسوريا على طريق كوريا الشمالية، ويعزل البلاد عن الاقتصاد العالمي، ويرسخها كدولة منبوذة عالمياً، ويحاول توحيد الموالين عبر تحفيزهم باتخاذ دور الضحية. خلال السنوات التسع المنصرمة، جهز الأسد، بطرق عدة، قاعدته الموالية، ولا سيما الأقليات الكثيرة في سوريا، رغم أنه من المشكوك فيه اليوم أن يتمكن من بناء عبادة شخصية مستقرة.
يمكن للوضع في سوريا أيضاً أن يتخذ مساراً أسوأ، حيث يمكن أن تدخل في أزمة منهكة تمزق نسيج البلاد، مخلفة مستويات أعلى من العوز والمجاعة وتفاقم الإجرام و أعمال السلب. في هذا السيناريو، ستتفكك وحدة الموالين بالكامل، وسنكون أمام دولة فاشلة من نوع الصومال تمثل كارثة لحقوق الإنسان وأرضاً خصبة للمتطرفين الخطرين ولعدم الاستقرار في المنطقة.
أو في النهاية، كما قال لي، في الأيام الأخيرة، العديد من الموالين الدائمين للنظام في جلسات خاصة، يمكن لهذه الأزمة الداخلية غير العادية أن تؤدي إلى تغيير في القمة. قد تمثل هذه اللحظة، في نظر هؤلاء الموالين، تهديداً لبقاء الأسد في السلطة يتخطى كل التهديد الذي فرضته المعارضة في ذروة قوتها في السنوات الماضية. وفق هذا السيناريو، قد يبدو أن استمرار الأسد خيار مقيت جداً للسوريين لدرجة أن الغضب وعدم الاستقرار وخيبة الأمل، مع بعض الدفع الروسي، قد ينتهي بإقصاء الأسد لصالح شخصية أخرى راسخة في النظام.
ولكن يوجد سيناريو آخر، يمكن لأميريكا أن تلعب فيه دوراً مهماً مع حلفائها في أوروبا وفي الشرق الأوسط نفسه.
الوضع في سورية يثير قلق روسيا، وهي مع إيران المصدر الأساسي للدعم الخارجي للأسد. في موسكو، نقرأ نقداً (في الإعلام وفي المجالس الخاصة) لم يسبق أن كان بهذه الحدة. التدهور الاقتصادي المتسارع وربما غير القابل للعلاج في سورية، إضافة إلى تفاقم العزلة السياسية عن المجتمع الدولي، قد يحفز، إن لم يكن قد حفّز بالفعل، شعوراً عميقاً بعدم الارتياح في روسيا وإيران، ما يجعلهم عرضة للخطر. ومن المحتمل حينها أن يكونا منفتحين على النظر في شكل من أشكال التسوية الدولية التي تفتح الباب أمام التدرج في عودة الاندماج وتخفيف العقوبات.
ربما عانى النفوذ الأميركي في سوريا، من قرارات الرئيس دونالد ترامب المتقلبة، لكن الولايات المتحدة لا تزال مهمة في المنطقة والعالم، ولديها فرصة في صياغة النتيجة. في الواقع، يوفر الضعف الذي يعانيه الأسد اليوم فرصاً مهمة أكثر من أي وقت سابق.
في الشهور الأخيرة، انهار الاقتصاد السوري، ما أدى إلى التضخم وإغلاق واسع في الأعمال، ونقص المواد الغذائية وزيادة البطالة. أصبح سعر الدولار 2400 إلى 3000 ليرة سورية. 85% من السوريون يعيشون تحت خط الفقر، ولم ينجح النظام في الحصول على ما يكفي من القمح لما تبقى من 2020، ما يعني أن السوريون سيعانون من نقص الخبز مع الأيام. تحذر بعض المنظمات غير الحكومية من المجاعة التي يمكن أن تحل بسورية في وقت لاحق من هذا العام أو في 2021. وما يزيد الطين بلة، تزايد بطيء في حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19.
في غضون ذلك، تقرر تركيا تحويل الاقتصاد في شمالي حلب (منطقة تسيطر عليها تركيا عسكريا عبر وكلاء سوريين معارضين لنظام الأسد) للتعامل بالليرة التركية، ما يخرج حوالي 10% من السوريين من دائرة التعامل بالليرة السورية، ويقال أن هناك خطة لفعل الشيء نفسه في إدلب، حيث يقطن حوالي 18% من السوريين. إن خروج ما يقارب 30% من السوريين من التعامل بعملتهم الوطنية قد يكون مسماراً في نعش الاقتصاد السوري. عملياً، لا يملك حليفا الأسد الرئيسيين، روسيا وإيران، ما يفعلانه من الناحية الاقتصادية لإخراج سورية من هذه الأزمة.
وقد فتح الأسد، تحت ضغط حاجته الملحة للمال، جبهات فوضى جديدة في بيت الحكم الداخلي. أبرز هذه الجبهات كان مع ابن خاله وصديقه القديم وأغنى رجل أعمال في سورية، الملياردير العلوي رامي مخلوف، الذي يُعتقد أن أمواله قد ساهمت في إنقاذ النظام خلال السنوات التسع المنصرمة، أكثر من اي عامل آخر. فقد دعمت المخابرات السورية جهود منسقة للاستيلاء على ممتلكات مخلوف الثمينة، بما في ذلك شبكة الهاتف الجوال الرئيسية (سيريتل)، التي يزعم مخلوف أنها كانت تقدم خدمة مجانية للجيش والمخابرات. وتم وضع مخلوف تحت الإقامة الجبرية. لكن مخلوف لم يسكت، فقد نشر فيديوهات تصف خيانة النظام وإجرامه، وقد ولد هذا النزاع قلقاً في مجتمع الأعمال في سورية. ومن الواضح أن مخلوف لن يكون الهدف الأخير للأسد المتعطش للسلطة، ولاسيما أنه يلهث اليوم طلباً للمال، وسط الانهيار المالي الذي تعيشه سورية.
من المهم أن نشير هنا إلى أن الأزمة الاقتصادية السورية ليست ناجمة فقط عن العقوبات التي تفرضها أميريكا وأوروبا، وهي أساساً عقوبات ضد أفراد ومؤسسات تعتبر شريكة في جرائم حرب، رغم أن العقوبات زادت من مفاعيل التدهور. الحقيقة أن سورية عانت أساساً من الأزمة الاقتصادية في لبنان، إضافة إلى مستويات الفساد العالية وانعدام الكفاءة في النظام وفي كل المؤسسات الحكومية. فرغم المكاسب العسكرية المتلاحقة منذ 2018، ثابر الأسد بعناد على إعطاء الأولوية لحملاته العسكرية المكلفة والوحشية ضد مواطنيه في إدلب، حيث تسبب في تهجير حوالي مليون منهم في 2019.
وما يزيد من عدم الاستقرار، خارج المجال الاقتصادي، فشل الأسد في فرض الاستقرار في المناطق التي استعادها من المعارضة. فإضافة إلى الانتفاضة في السويداء، شهدت درعا (مهد الثورة) عصياناً مسلحاً متزايداً تجسد في مئات الهجمات وقتل مئات الأرواح في السنة الماضية. كما تظهر داعش اليوم في الصحراء الوسطى التي يسيطر عليها النظام. فوق هذا، ضاعفت تركيا من وجودها لحماية ما تبقى من معارضة في الشمال الغربي، وقد شنت حملة جوية غير مسبوقة ضد القوات العسكرية السورية في آذار الماضي. وفي غضون ذلك، تواصل اسرائيل الاستخفاف بالسيادة السورية في ضرب أهداف إيرانية حين تشاء، ومن المؤكد أن تركيا توطد لنفسها وجوداً دائماً في شمال حلب.
لا يوجد حل سحري للمشاكل الكثيرة في سورية، وإذا كان هناك من حل، فإن أميريكا لا تقدمه في سياستها الحالية. سورية مهمة للأمن الوطني الأميريكي ولمصالحها في الشرق الأوسط. إن التأثيرات المخلة بالاستقرار التي نجمت عن الأزمة السورية ومست العالم خلال العقد المنصرم، هي دليل ملموس على أهمية سورية. فموجات الهجرة التي وصلت إلى أوروبا، ساهمت في صعود الشعبوية وسياسات اليمين المتطرف في كل العالم، إلى جانب البريكسيت وضعف الاتحاد الأوروبي. كما أن الصعود الصاعق لداعش والرد العسكري العالمي الواسع، هو من تبعات الحرب الأهلية السورية. ولا نبالغ إذا قلنا إن الفوز الدراماتيكي لترامب في انتخابات 2016، يعود، في جزء منه، إلى الفوضى السورية.
بقائمة طويلة من جرائم الحرب، تشمل أكثر من 350 هجوماً بالأسلحة الكيماوية، حطم الأسد المعايير الدولية، كما لم يفعل أحد آخر في التاريخ الحديث. وقد عادت روسيا، بتحد، إلى الشرق الأوسط، وسحبت إلى صفها ثاني أكبر جيش في حلف الناتو (تركيا)، مضعفة الفاعلية والمصداقية الأميريكية في كل المنطقة. كما استثمرت إيران في المشاكل السورية لتحقيق الهدف الذي تحلم به وهو إنشاء قوس من الفاعلية يمتد من طهران إلى بيروت وفلسطين، معيدة تشكيل ديناميات القوى في المنطقة. وأخيراً، فإن صمت العالم عن جرائم الحرب التي ارتكبها الأسد، إضافة إلى 700 ألف قتيل وحوالي 12 مليون مهجر، غذى حقبة من الانعزالية العالمية يزدهر فيها الديكتاتوريون.
لأميريكا دائماً مصلحة في المساعدة على حل الأزمات السورية، ولكن من النادر أن تتاح لنا فرصة مناسبة كالفرصة المتاحة الآن. فلنا وجود عسكري، وإن كان محدوداً، في شرق سورية، حيث نساعد في السيطرة على حوالي 25% من مساحة البلد تحوي معظم موارد سورية من النفط، وهذا الوجود يعطينا مكاناً هاماً على الطاولة، فضلاً عن أوراق النفوذ الأخرى المستمدة من نفوذنا الديبلوماسي ومن الضغوط التي تشكلها العقوبات الاميريكية والأوروبية. يمكن أن يتكشف السبيل الوحيد المتاح لسوريا من أجل الخروج من هذه الأزمة التي تفاقمت مؤخراً، عندما تفتح أبواب الديبلوماسية الدولية وإعادة الاندماج الاقتصادي، غير أننا لا نزال مصرين اليوم على إغلاق هذه الأبواب.
سوف يصبح فتح هذه الأبواب أكثر صعوبة عندما يدخل، في غضون أيام، أصعب نظام عقوبات واجهته سورية (قانون قيصر)، حيز التنفيذ، ما سيمنع الجميع، صديق أو عدو، من أي تعامل اقتصادي مع نظام الأسد. هذه خطوة مهمة وفي التوقيت المناسب، ولكنها تفتقد على نحو غريب، لمسار ديبلوماسي جدي للعمل، مسار يمكن أميريكا الاستفادة من اللحظة الأضعف التي يمر بها نظام الأسد خلال تسع سنوات.
في الأسابيع الأخيرة، دخلت وزارة الخارجية الأميريكية في مشاورات سرية مع موسكو حول جدوى اطلاق مسار ديبلوماسي سوري جديد، وهذا هو الوقت المناسب لتفعيل ذلك. صحيح أن روسيا فعلت الكثير في سورية بثمن بخس، عاملة على إخضاع المعارضة بوحشية، وعلى خداع المجتمع الدولي في لعبة بوكر عالية المخاطر، إلا أن الكرملين لا يستطيع أن يتحمل البقاء بالأوراق المتوفرة في سورية اليوم. الإنذار الذي ينبغي أن تقدمه واشنطن لموسكو بسيط: من السهل أن نحافظ على العزلة الاقتصادية لنظام الأسد، وهذا أمر مكلف وخطير بالنسبة لكم، ولكن من السهل فك العزلة مقابل تنازلات سياسية مهمة من دمشق. مثلاً، عملية سياسية حقيقية تقود إلى التشارك في السلطة، ووقف إطلاق نار شامل، والإفراج عن آلاف السجناء السياسيين، وإصلاح دستوري، وقبول اللامركزية وإجراء انتخابات تحت مراقبة دولية تشمل المهجرين.
صحيح أن هناك قنوات خلفية مع موسكو، وحوار مع أوروبا، لكن هذا غير كاف. من مصلحة واشنطن أن تدفع الكرة الديبلوماسية الآن. إذا فشلنا في العمل الحازم والمنسق مع حلفائنا في هذه الفرصة السانحة، فسوف نندم.
رابط المقال :
طبيب وكاتب سوري من مواليد 1963. قضى 16 عامًا متّصلة في السجون السوريّة. صدر له كتاب “دنيا الدين الإسلامي الأوّلَ” (دراسة) و”ماذا وراء هذه الجدران” (رواية)، وله مساهمات في الترجمة عن الإنكليزيّة.
موقع نواة
—————————–
حصاد الرماد، بداية تطبيق قانون سيزر/ د. سميرة مبيض
لم ينتهي السوريون بعد من حصاد زؤان وعلقم اجتاحت تُربتنا في حقبة الأسد وقبل زوال مرارتها في الأجواف علينا الاستعداد لحصاد الرماد، فهل من ثمار اوفى توصيفاً لشعار ‘الأسد أو يحرقون البلد‘
حصاد عقد من النيران في سوريا، بدءاً من المحارق البشرية في المعتقلات، مروراً بحرائق أبنية وبلدات ومدن بصواريخ وبقنابل من كافة الأنواع، ودون نسيان حرائق الأسلحة الكيماوية على الأجساد البشرية، انتهاء بحرائق النخيل والقمح والزيتون وكل مصدر خير في أرض سوريا.
هو أيضاً حصاد نصف قرن من حرق العقول في التجهيل وصناعة التطرف وانتاجه وتصديره، كفتيل اشتعال ذاتي وعامل إضافي للاحتراق في عهد الأسد، هو حصاد نصف قرن من حرق المال العام والموارد العامة وحقوق المواطن السوري، حرائق كامنة تظهر اليوم للعلن صراعاً على ثروات الفساد بين أعضاء العصابة الحاكمة.
حقبة متردية وكارثية لنظام الهمجية، ضحاياها السوريون يحمل كل منهم ندب حروق في جسده أو في روحه، جميعهم دون استثناء عدا القائمين على الحرائق، عائلة الأسد ودائرتهم التي تدفأت لعقود على نيران تلتهم البلد.
ليس قانون سيزر الذي يبدأ تطبيقه اليوم الا حصيلة عامة لهذا الرماد، تدهور في الاقتصاد السوري، توجس من مستقبل مجهول، عقوبات يستحقها كل من أجرم بحق السوريين وكل من أيّد هذا الاجرام، لكنها عقوبات سيعمل الأسد جاهداً على أن تصب في خانة معاناة الشعب السوري، وسيعمل على أن تتهرب منها حلقته الضيقة عبر حليفه النظام الإيراني المُتمرس في التلاعب والتهرب من العقوبات على حساب الشعب، سيعمل على بيع البلد ومرافقها الحيوية وحقول النفط والغاز والمرافئ ولن يتوانى عن التفريط بالمياه السورية وبالأراضي والمحاصيل لقاء بقائه.
فهل يستحق بقاءه أن يدفع السوريون هذا الثمن الباهظ، أن لا يبقى لهم الا رماد كل ما يُباع ويُحرق ويتم تدميره لقاء استمرارية متهم بجرائم ضد الإنسانية في السلطة، الى أن يقولوا ‘لا‘ هذا لم تقترفه أيدينا وليُعاقب من ارتكب الجرم ولتنجو سوريا.
لا بد للانتهاء من سلسلة الحرائق والرماد هذه أن نعوّل على ظهور نواة من السوريين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام لتدرك هذه الحقيقة ولتنفي عن شعب صفة الاجرام والإرهاب وتعيد الأمور لنصابها، أن نعوّل على ظهور نواة من السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام تعيد للقرار السوري استقلاليته وللسيادة السورية مكانتها ولجوهر مطالب الثورة السورية وجودها الجامع بين السوريين. سيدرك الطرفان حينها أن هناك سردية سورية مشتركة تعترف بالظلم الذي حل بالشعب السوري وتتطلع لبناء مستقبل يتجاوز مسبباته وتجريم من أجرم وعدم الانسياق في جرمه.
بالنظر لقانون سيزر والجغرافيا السورية اليوم، الشمال السوري يضم نسبة واسعة ممن أُلحقت بهم انتهاكات شديدة في عقود الأسد بناء على تمييز قومي أو مذهبي، من الاستحالة اليوم والجزم بالأمر لا يتطلب الكثير من الجدل، من الاستحالة أن يقبل سوري مُهجر في شمال غرب سوريا من أن يعود لهيمنة حكم الأسد، سيختار أي مسار آخر ولن يعود لحكم انتهك حقوقه وانسانيته بشكل مباشر. شمال شرق سوريا يضم تعددية قومية من عرب وكرد وسريان من أبناء هذه المناطق التي هُمشت طويلاً ومن المكونات التي تم انتهاك حقوقها بالمواطنة دون أدنى رادع طيلة عقود، من الاستحالة اليوم، والجزم بالأمر لا يتطلب الكثير من الجدل أيضاً، أن يقبل المعنيون ضمن هذه المناطق أن يعودوا لحكم شمولي مركزي تحت أي صفة أو مسمى، سيختارون أي مسار آخر ولن يعودوا لحكم انتهك حقوقهم وانسانيتهم بشكل مباشر.
هذه المناطق رغم خضوعها لحكومات الامر الواقع الفصائلية والميليشياوية والعسكرية التابعة لقوى خارجية، فقد اختار سكانها النجاة من حكم الأسد، الذي شكل حالة خلل وطني طويل المدى رأينا نتائجها اليوم بتفكك سريع عن الحالة الوطنية. هذه المناطق لن تخضع لعقوبات سيزار طالما لا تربطها صلات بالأسد. مما سيخلق مستقبلاً واقعاً معكوساً، يحيل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام لمناطق قوة اقتصادية على حساب ضعف سوريا كبلد واحد.
إدراك هذا الواقع، واقع سيزر وحصاد الرماد اليوم، يفترض أن يكون دافعاً لحل سوري ينهي حقبة الأسد والوجود الإيراني المرتبط به والعقوبات المتعلقة بهما دون تحميل وزرها لسوريا ولملايين السوريين. حل يأخذ بعين الاعتبار الانقسام المجتمعي الحاصل ولا يتجاوزه، حل لا يقوم على توظيف مصطلحات عاطفية هلامية، كالتعايش والمسامحة وغيرها بل يقوم على قانون صلب يضبط التواجد المشترك ويلجم أي انتهاكات له ضمن إطار مكاني واسع هو سوريا، بما يضمن حقوق الجميع في الأطر المكانية الأصغر ضمن المناطق الجغرافية التي باتت تشكل سمات تفرض نظم إدارة موافقة لها كنظم اللامركزية الجغرافية بما يتيح لنا الحفاظ على وحدة التراب السوري، الذي يهدده وجود الأسد، وحمايته وحماية حقوق الجميع ضمنه.
لنكن جذريين في الانضواء والدفاع عن هذا الهدف نابذين للجذرية القومية أو المذهبية والتي تنحرف بأصحابها بعيداً عن مصلحة سوريا بل على النقيض تنحرف بهم نحو الدفع بتقسيمها عن جهل وربما عن حسن نية التبست عليهم نتائجها.
——————————
“قيصر”… بوتين أمام استحقاق “مصير” الأسد/ عبدالوهاب بدرخان
دخلت الأزمة السورية مرحلتها الرابعة. في الأولى حاول النظام كسر انتفاضة الشعب. في الثانية ضاعفت إيران تدخلها لإنقاذ النظام بعدما أصبح في خطر. وفي الثالثة، بعد فشل الإيرانيين، جاءت روسيا فأنقذته وصنعت لها وله انتصارات تمثّلت باستعادة النظام سيطرته على مناطق كان خسرها. وفي الرابعة، الحالية، تدور حربٌ اقتصادية ضروس أفرغت كل الانتصارات من مضمونها، وسلّطت الضوء على دور أميركي تبيّن للروس والأسديّين والإيرانيين أنه استطاع، بتدخّل عسكري محدود، أن يضعهم في إرباكات ويخلط أوراق تحالفاتهم، إذ أنهم يهجسون اليوم جميعاً بانعكاسات عقوبات “قانون قيصر” عليهم. وفيما تعتمد حرب الاقتصاد على تسعة أعوام من العقوبات الأميركية والأوروبية، إلا أنها استندت منذ عامين ونيّف الى: 1) الحؤول دون استعادة النظام سيطرة كاملة وحرمانه من استغلال كامل للموارد الطبيعية، 2) انعدام أي دعم خارجي للنظام وتراكم ديونه لطهران التي جعلتها العقوبات تُقصِر تمويلها على ميليشياتها، 3) منع كل دعم مالي يمكن أن يتوفّر للنظام من أي تطبيع عربي معه، 4) وصول روسيا الى وضعية خاسرة في سورية فهي تتولّى منذ خمسة أعوام تكاليف عملياتها العسكرية ولا تبدو الاستثمارات التي تحصّلت عليها كافية ثم أنها تراهن على استثمار النفط السوري الذي أبقاه الاميركيون في أيدي الأكراد.
الهلع الاستباقي من تفعيل “قانون قيصر” ظهر خصوصاً في الخلاف الذي تفجّر علناً بين بشار الأسد ورامي مخلوف، وفي الهبوط اليومي لقيمة الليرة السورية، كما في تفاقم الأزمة المعيشية. كل ذلك انعكس على البيئة الموالية، سواء بناسها العاديين أو برجال أعمالها، فهي تحمّل النظام، تحديداً رئيسه، مسؤولية تدهور أحوالها. طوال الحرب لم يشعر النظام ولا بيئته الحاضنة بتداعيات مؤثرة للعقوبات، وعلى رغم أن الاقتصاد راح يسجّل تراجعاً مستمرّاً عاماً بعد عام، ظلّ النظام (وليس الدولة) قادراً على تكديس الأموال، بل استطاع تفريخ عدد من المليارديريين والمليونيريين الذين استفادوا من تسهيلاته وأفادوه بنسبة معتبرة من أرباحهم، لكن هؤلاء وجدوا أنفسهم أخيراً مرغمين على اقتطاع جزء من “أموالهم” لسد حاجات النظام من دون أن يعرفوا أين سقف هذه الحاجات وأين قاعها. أما رامي مخلوف فطولب بجلّ ما “يملك” لأنه “أموال آل الأسد” في الأساس، ويبدو أنه نسي ذلك أو تناساه حين وزّع “أمواله” في الخارج. في أي حال شكّلت المواجهة صدعاً داخل النظام بين الرئيس السياسي ووصيفه الاقتصادي، وشرخاً عائلياً بين بشار ابن العمة ورامي ابن الخال (انعكس أيضاً على الطائفة العَلَوية)، وبالتالي مؤشّراً الى تنامي الضعف في أوصال النظام، وهو ما يفتح مجالاً للاستغلال من جانب الروس (بحماية رامي) والايرانيين (باستتباع ماهر الأسد).
ما كشفه “قانون قيصر”، حتى قبل تطبيقه وبمعزل عمّن وعمّا سيمسّ من كيانات وأفراد، هو حجم النوافذ والثغر التي أبقتها منظومة العقوبات فمكّنت نظام الأسد من اختراقها خصوصاً عبر النظام المالي والاقتصادي اللبناني وبدرجة أقل عبر العراق، ولم يكن هذا الاختراق مجهولاً لدى الدول الغربية بل ساهم بعضٌ منها في تغذيته بذريعة إبقاء قنوات مفتوحة مع النظام طالما أن الأزمة لم تبرز أي “بديل” منه. أما المخاوف التي تعظم اليوم فمردّها الى أن “قانون قيصر” سيعمد الى سد كل النوافذ والثغر، مهما كبرت (دول) أو صغرت (شركات ومصارف وأفراد). ومع أن الاميركيين والأوروبيين يؤكّدون بل يقدمون براهين على أن أي عقوبات لا تشمل تلبية الحاجات الإنسانية، إلا أن أوجاع العقوبات ومفاعيلها تفتك بالشعب وبمعيشته، لأن النظام يستحوذ على أي مساعدات انسانية ليلبي أولاً متطلّبات تسلّطه. هذا ما أظهرته تجارب العقوبات على عراق صدّام وليبيا القذافي وإيران خامنئي وسورية الأسد ويمن الحوثيين، وصولاً الى لبنان “حزب الله”.
الهدف الاميركي المعلن لـ “قانون قيصر” وضع جميع داعمي النظام تحت ضغوط جديدة لإرغامهم والأسد على التعاون في انجاز حلّ سياسي، ولإرغامهم على إدراك أن الأزمة بلغت أخيراً مرحلة التنازلات. كانت سياسة الولايات المتحدة ملتبسة تجاه سورية وتحديداً حيال الأسد، ولعلها اعتمدت على التدخل الروسي لجعله ونظامه قابلين لإعادة التأهيل، لكن هذا المسعى فشل، وباستثناء تصريحات فقاعية عابرة لم تعلن واشنطن بوضوح أنها يمكن أن تتعايش مع نظام بات ملفه الاجرامي موثّقاً. مع ذلك استغرق “قانون قيصر” أعواماً طويلة قبل أن يقرّ ليصبح أقوى أدوات السياسة الأميركية رفضاً للأسد ونظامه، ولم يولد القانون إلا بعدما تأكّد أن الروس أخفقوا في ترجمة الحسم العسكري تفعيلاً للحل السياسي، وبعدما تبيّن أن قدرات الإيرانيين على التخريب (بالتنسيق مع النظام) أكبر من قدرة الروس على ضبطهم، كذلك بعدما انكشفت حدود فاعلية تفاهمات موسكو مع واشنطن وإسرائيل في الحدّ من النفوذ الإيراني الذي لا يزال يتنامى معتمداً في بعضٍ منه على بيئات سنّية مستضعفة ويجري ابتزازها بالترهيب والجوع بغية للحصول على تشيّعها.
بديهي أنه يصعب الوثوق بأميركا، كما بالنسبة الى روسيا وإيران، فضلاً عن تركيا وإسرائيل، لكن هذا هو الخيار المتاح: قيصر في مقابل الأسد… ولكي تنجو روسيا من عقوبات جديدة تضرب مكتسباتها وشركاتها في سورية سارعت الى تعيين مندوبها السامي ألكسندر يفيموف كمشرف سياسي واستثماري. وإذ حاولت أخيراً التمسّك بأوهامها في لعب “ورقة الأسد” فقد خرجت من اتصالاتها الأخيرة مع الاميركيين والأوروبيين بنتيجة مفادها من جهة أن هذه الورقة افلست واحترقت، ومن جهة أخرى أن على موسكو أن تنسى نهائياً أي دعم غربي، مالي أو سياسي في سورية، إذا أتاحت للأسد الاستمرار بالمماطلة حتى 2021 للحصول على ولاية رئاسية رابعة عبر مهزلة انتخابية جديدة. لذلك تحاول روسيا تعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة، مغدقةً الوعود بالتزام القرار 2254 حتى بما ينصّ عليه من “انتقال سياسي”، وبدفع الحلّ السياسي دستوراً وانتخاباتٍ وحتى بضمان “بيئة آمنة ومناسبة” لعودة النازحين الى مواطنهم.
قد يكون الروس بلغوا نهاية الطريق من الأسد، بعدما تضاءلت فائدته لمشروعهم، لكنهم بدّدوا وقتاً طويلاً كان يكفي لإنضاج حلّ سياسي متوازن. وقد يكون الهدف المعلن لـ “قانون قيصر” ملبياً طموح الشعب السوري بالتخلص من حكم دكتاتوري لم يعد له مستقبل، لكن شعاره الدعائي وما يرافقه من تطوّرات اقليمية قد يشكّلان نقلة جديدة في المساومات على مستقبل سورية وخريطة المنطقة.
عن صفحة الكاتب في الفيس بوك
———————————-
“قيصر” قد يؤتي ثماره!/ محمد العبد الله
العقوبات الأميركية قاسية بطبيعتها. لا مجال فيها للسخرية أو العنتريات التي تطلقها حكومة النظام السوري على مرأى ومسمع شعبها شبه الجائع. التوتر السياسي والاقتصادي الذي تشهده سوريا طبيعي ومتوقع، فالعقوبات المزمعة التطبيق ستكون الأقسى والأبعد مدىً وتأثيراً. ستطاول الحكومة السورية بمصرفها المركزي، قطاع النفط، إضافة للقطاع العسكري، لا سيما سلاح الجو. لكنها ستطاول أيضاً حلفاء النظام، أو أي من تسول له نفسه (حكومات أو أفراد) خرق العقوبات ودعم النظام السوري اقتصادياً أو عسكرياً.
الجو العام في الإدارة الأميركية اليوم يركز على “تكثيف” استخدام العقوبات بشكل عام. عقوبات على إيران وعلى حزب الله وعلى الصين وفنزويلا وسوريا وغيرها. التوجه الأميركي في تشدد عام في هذا الإطار. جوبهت رسالة الدول الثماني المُعاقبة أميركياً للأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة بتخفيف العقوبات مع بدء انتشار جائحة كورونا برفض أميركي قاطع. ردت وزارة الخزانة الأميركية بنشر ملخص عن “الاستثناءات الإنسانية والطبية” التي تتيحها أنظمة العقوبات هذه لتقطع أي طريق على مجرد طرح فكرة تخفيف العقوبات. العقوبات تروق الرئيس ترامب شخصياً. لا تكلفه الكثير، يملك فيها سلطة استنسابية كبيرة، حصادها الانتخابي (لا سيما عقوبات إيران والصين) ممتاز للرئيس الذي يمر في إحدى أكبر أزماته منذ تولي سدة الرئاسة.
لا يملك حلفاء النظام السوري أي حلول عملية، لا سيما أن الدولتين تخضعان لعقوبات أميركية مباشرة. ففيما تستمر روسيا وإيران بالسباق في ما بينهما لتقاسم ما بقي من مناطق نفوذ أو ثروات طبيعية سورية، سرعت روسيا تسليم طائرات “ميغ 29” للنظام السوري قبل بدء العقوبات الأميركية، وبدأت إيران عقد استكشاف البترول وإنتاجه في البلوك رقم (12) في منطقة البوكمال.
حكومة الأسد لا تملك بدورها، أي حلول بعيدة عن الهراء المعتاد الذي تترأسه مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان، والتي سبق أن أعلنت أن الاقتصاد السوري أصبح أفضل ب50 مرة مما كان عليه قبل عام 2011. تصريح شعبان الأخير بضرورة “الصمود والتصدي” لقانون قيصر يقدم فكرة واضحة عن خطة الحكومة السورية تجاه العقوبات المزمعة.
لا تنظر دمشق في “صمودها وتصديها” لقانون قيصر وتبعاته الى حلول للضائقة الاقتصادية والمعيشية التي ألمت بالمواطنين والتي ستساهم بشكل مباشر بضعف قدرتهم الشرائية. الاهتمام الوحيد كان دائماً وسيبقى المحافظة على السلطة والنظام وعلى المصالح الاقتصادية للعائلة، على الأغلب عبر الانخراط في أنشطة مشبوهة للالتفاف على العقوبات وتهريب الأموال.
وعلى الرغم من التصريحات الأميركية العلنية بأن الهدف من العقوبات ليس تغيير النظام وإنما الضغط على النظام لتغيير سلوكه والعودة لطاولة المفاوضات، فإن العقوبات القادمة تهدد وجود النظام أكثر من أي وقت مضى. النظام السوري اليوم ربما في أسوأ ورطة قد يواجهها منذ انطلاق ثورة الشعب السوري في آذار/مارس 2011. حالة التململ الشعبية العامة، وحالة الرفض والاستهجان الكبيرين في صفوف موالي النظام خاصة باتت أكثر وضوحاً، وأطلقت شرارة جديدة للتظاهرات في السويداء جنوب سوريا، مع كل ما سببه رامي مخلوف ومقاطعه المصورة من ضرر مباشر لشخص الأسد ولماهية “الصمود والتصدي” التي يرتب لها النظام السوري، كلها مجتمعة مع انهيار الليرة السورية السريع حتى قبل بدء سريان العقوبات الأميركية الجديدة، تقدم للمرة الأولى صورة واضحة عن هشاشة النظام من الداخل.
يحمل قانون قيصر في طياته مطالب أميركية واضحة يتوجب البدء في تنفيذها لإيقاف أو تخفيف العقوبات. تركز هذه المطالب في معظمها على حماية المدنيين وحقوق الإنسان (إطلاق سراح المعتقلين، وقف استهداف المشافي والمدارس، وقف استخدام سلاح الجو من قبل الطائرات السورية والروسية لقصف المدنيين، السماح بوصول المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة)، وصولاً إلى العودة لطاولة المفاوضات وفق قرار مجلس الأمن 2254.
الضغوط الروسية على النظام للقبول ببعض التنازلات والبدء بنقاش بعض الملفات المطروحة، لا سيما ملف المعتقلين السياسيين، قد تكون إحدى نقاط المناورة الوحيدة التي يملكها النظام الآن، لكنها ليست سهلة على الإطلاق. فمع إشتداد الضائقة الاقتصادية في سوريا وتسارع انهيار العملة وارتفاع الأصوات المطالبة بالتغيير (الذي أنتج تغيير رئيس الوزراء واستجلب موجة سخرية كبيرة حتى بين موالي النظام) أصبح النظام في سباق مع الليرة المنهارة، مع تخبط كبير وشائعات حول رفض شخصيات في النظام السوري الأوامر من الجانب الروسي الذي يقود المفاوضات مع الجانب الأميركي، والذي بدوره لا يبدو على عجلة من أمره في نقاش موضوع تخفيف العقوبات في أي وقت قريب.
تنفيذ المطالب أعلاه أو جزء منها، أمر لا يمكن أن يتحمل نظام “الصمود والتصدي” كلفته السياسية داخلياً. والبقاء على الوضع الحالي قد يفجر الوضع في سوريا وفي أوساط الموالين للنظام، بدعم أو تحريض غير مباشرين من رامي مخلوف. العقوبات القادمة قد تحمل مفاجآت للجميع؛ للسوريين حول هشاشة النظام المنتصر عسكرياً، وللأميركيين كونها العقوبات الأميركية الأولى التي قد تؤتي ثمارها بالفعل.
المدن
————————————-
«قانون قيصر» الأمريكي يحاصر سوريا ولبنان معاً كيف يكون الردّ؟/ عصام نعمان
جرى إقرار «قانون قيصر» في واشنطن مرتين، الأولى في عهد الرئيس باراك أوباما، لكن الرئيس الأمريكي الأقل عداء للعرب أهمله، معتمداً رأي مستشاريه الذين أكدوا على أن القانون الذي يُعرف ـ يا للسخرية ـ بأنه «قانون الدفاع عن المدنيين السوريين» يُلحق الضرر بمواطني سوريا، وليس بقيادتها السياسية والعسكرية.
الرئيس دونالد ترامب، الأشهر احتضانا للكيان الصهيوني العنصري، والأشد عداء للعرب، تولّى للمرة الثانية إقرار «قانون قيصر» ووقعه في كانون الاول /ديسمبر الماضي. من المنتظر أن تعلن إدارة ترامب في 17 حزيران/يونيو الجاري المباشرة في تنفيذ القانون، برزمة عقوبات اقتصادية ضد سوريا وحلفائها. العقوبات تستهدف الأفراد والحكومات، والشركات والمؤسسات، التي تتعامل أو تقدّم أي تمويل أو مساعدة لسوريا، وتستهدف بصورة خاصة الصناعات السورية، ولاسيما تلك المتعلقة بالبنية التحتية، والطاقة والصيانة العسكرية. كما يقضي القانون بملاحقة ومعاقبة كل الأفراد والكيانات التي تتعامل مع الحكومة السورية، وأجهزتها العسكرية والاستخبارية، إضافةً إلى كل من يقدّم لها الدعم المالي، بصيغة قروض أو إئتمانات تصدير أو توفير سلع و خدمات ومعلومات.
أحكام القانون تشمل، اذن، كل المتعاملين مع سوريا، حكومات وشعوباً وأفراداً. غير أن لبنان، حكومةً ومؤسسات وشعباً وأفرادا، يبدو أشد المتضررين. ذلك أن سوريا هي الدولة الوحيدة التي تحيط بلبنان من كل الجهات تقريباً، ويتعامل شعبا البلدين ويتبادلان المنافع والسلع والخدمات بوتيرة يومية، فضلاً عن أن معاناة لبنان من الانهيار الاقتصادي وتدني سعر صرف الليرة اللبنانية في الآونة الاخيرة، ضيّقا فرص تصدير منتجاته الصناعية والزراعية إلى سوريا كما الاستيراد منها بأسعار أفضل من سائر الدول.
فوق ذلك، ثبت من دراسة أجرتها الحكومة السورية بعد تدني سعر صرف الليرة السورية، أنه خلافاً لما يروّج له إعلامياً، فإن التهريب بين البلدين تميل كفته إلى الجانب اللبناني، من حيث قيمة وتوافر نقل البضائع والسلع ولاسيما بعد تدني سعر صرف الليرة اللبنانية، وشحّ الكثير من المستوردات من دول اجنبية. لماذا تمارس الولايات المتحدة كل هذه الضغوط على سوريا والمتعاملين معها؟ لأنها، بحسب حديث مبعوثها للشؤون الإيرانية براين هوك، تريد «رؤية جميع القوات الإيرانية، وجميع القوات الأخرى الخاضعة لقيادتها تخرج من سوريا». إنه، إذن مطلب «إسرائيل» القديم الجديد، فهي تحاول تحقيقه عسكرياً بغارات جوية وصاروخية تستهدف مواقع تواجد ضباط وفنيين استشاريين إيرانيين في سوريا، كما تستهدف مواقع عسكرية ومؤسسات علمية لا وجود لغير السوريين فيها. وبموازاة الجهد العسكري العدواني الإسرائيلي، تحاول امريكا بالعقوبات الاقتصادية محاصرة سوريا ومعاقبة حلفائها والمتعاملين معها لحملها، بحسب ما أعلنته السفارة الأمريكية في دمشق «اتخاذ خطوات لتنفيذ حل سياسي، وإلاّ تواجه المزيد من العقوبات والعزلة».
الحقيقة أن أمريكا، ومن ورائها «إسرائيل»، تريدان لسوريا اكثر من العقوبات والعزلة. انهما تبتغيان تفكيك سوريا إلى جمهوريات موز، على أساس إثني أو قبلي أو طائفي. وإذا تعذّر ذلك فهما تريدان، بحسب مبعوثها الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، «تغيير سلوك النظام بغية وقف تأمينه مأوى للمنظمات الإرهابية (أيّ تنظيمات المقاومة) وعدم تأمينه قاعدة لإيران لبسط هيمنتها على المنطقة». كيف يمكن أن يكون ردّ سوريا ولبنان على «قانون قيصر» وما يرافقه من تدابير عقابية؟
لسوريا تجربة قديمة في مقاومة الحصار والعقوبات الأمريكية المفروضة عليها بتعاونها الوثيق مع إيران وروسيا. صحيح أن إيران تعاني حصاراً وعقوبات أمريكية مزمنة، كما تداعيات جائحة كورونا، لكنها تبدو مع ذلك قادرة على مدّ يدّ العون لسوريا كما كانت تفعل دائماً. روسيا أعلنت أنها وإيران والصين تعارض خطوة ترامب العقابية الأخيرة، أكثر من ذلك، يبدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين معنياً باستقرار سياسي في سوريا يمكّن حكومتها من إعادة الإعمار والبناء، بعد حرب الغرب الأمريكي والاوروبي عليها المستمرة منذ اكثر من تسع سنوات. ويتردد في موسكو أن بوتين معنيٌ بتمكين سوريا من التغلّب على دفعة العقوبات الأمريكية الجديدة، لأنه مهتم بأن تكون لروسيا حصة الأسد في عملية إعادة إعمار سوريا، التي تبلغ تكلفتها اكثر من 400 مليار دولار.
لبنان يبدو أدنى استعداداً من جارته لمواجهة الهجمة الصهيوامريكية، ذلك أن انهياره الاقتصادي المريع، جرّه إلى التماس العون من صندوق النقد الدولي. هذا التوجّه نحو الصندوق يحدّ من هامش المناورة لديه، كما يحدّ من إمكانية اتخاذه مبادرات جريئة، مخافة إزعاج أمريكا ذات النفوذ الكبير في صندوق النقد الدولي، نتيجة مشاركتها بنسبة تقارب 16% من رأسماله. مع ذلك، فإن المتضررين من «قانون قيصر» وانعكاساته، ولا سيما حزب الله وحلفاءه الأقوياء سياسياً وشعبياً، والحريصين على حماية أنفسهم، سيضغطون على الحكم والحكومة لرفض الانصياع لأحكام «قانون قيصر» داخلياً، وتفادي تنفيذ أحكامه خارجياً، بسبب حاجة لبنان اقتصادياً إلى سوريا، أكثر مما هي بحاجة إليه. في هذا المنظور، يستطيع البلدان مجتمعَين أو منفردَين اعتماد المبادرات والتدابير الآتية:
*أولاً، التنسيق الهادف بينهما، لكونهما يواجهان الصعوبات والتحديات السياسية والاقتصادية نفسها، ولاسيما تلك النابعة من الولايات المتحدة المنحازة دائماً لـ»اسرائيل».
*ثانياً، تفاهم حكومات سوريا والعراق وإيران ولبنان، على فتح جسر بري من إيران إلى لبنان، لتسهيل النقل والتبادل والتعاون الاقتصادي، في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الصهيوامريكية.
*ثالثاً، تنظيم المعابر البرية بين لبنان وسوريا، على نحوٍ يخدم هدفيّ التعاون والتبادل بينهما، مع الحرص على قمع أعمال التهريب المخالفة للقوانين والأنظمة النافذة.
*رابعاً، الانفتاح الاقتصادي على الصين وروسيا وإيران، التي تبدو مستعدة للإسهام بكثافة في مشروعات الإعمار والإنماء في دول المشرق العربي.
*خامساً، تسريع مشروع إقامة سوق مشتركة بين لبنان وسوريا والعراق والاردن، وتنشيط توجّه الصين وروسيا والهند وجنوب افريقيا إلى إنشاء مصرف عالمي مختص بالتمويل الإنمائي، بغية التحرر من ضغوط الولايات المتحدة على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وتدخلها في قراراتهما.
يبقى أمل كبير بإخفاق ترامب في تجديد ولايته، علّ أمريكا تصبح أقلّ عداء للعرب والمستضعفين.
القدس العربي
———————————-
قانون «قيصر» وأولويات واشنطن الاستراتيجية/ سام منسى
يدخل قانون حماية المدنيين في سوريا الأميركي المعروف باسم «قانون قيصر» حيز التنفيذ هذا الأسبوع، وسط تشابك إقليمي – دولي شديد، يحتاج إلى كثير من الصبر والدراية لتفكيك عقده وتقييم مندرجاته. ويأتي في وقت تفاقم فيه الانهيار الاقتصادي والمالي في الداخل السوري، وخرجت مظاهرات عاصفة في منطقة السويداء، معقل الطائفة الدرزية، رافعة شعار «ارحل يا بشار» مع ما يعنيه ذلك من خلخلة أوهام يروّج لها النظام، كتحالف الأقليات المزعوم ضد الأكثرية السنية، وعودة أحلام المعارضة المفقودة.
لا بد من الإشارة بداية إلى أن الصور وراء إصدار القانون التي توثق فظاعات النظام وإرهابه المقزز وعنفه المتوحش، تؤكد مجدداً أنه كان يتعين على أميركا أن تكون، ومنذ سنوات خلت، أكثر حزماً وتشدداً مع النظام السوري. فهل يؤشر هذا القانون اليوم إلى تغيير جذري في «اللاسياسة» التي اعتمدتها الإدارتان الأميركيتان السابقة والحالية حيال الحرب السورية بعامة والنظام السوري بخاصة، بما قد يدغدغ آمال المعارضة السورية بقرب سقوطه؟ أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ وما هي أبعاد القانون السياسية وتأثيراته على سوريا وجارها لبنان؟
أقر القانون في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي بأغلبية جمهورية وديمقراطية، تحت اسم «قانون قيصر سوريا للحماية المدنية» نسبة إلى اسم مستعار استخدمه الشخص الذي انشق عن النظام، وسرب معلومات وصوراً لضحايا التعذيب في سوريا، بين عامي 2011 و2014 هزت العالم. وقد أعد في عهد الرئيس باراك أوباما، وخضع منذ ذاك الحين لأكثر من تعديل، حتى وصل إلى صيغته الحالية. تتناول معظم مندرجاته عقوبات اقتصادية ومالية ومصرفية؛ لكن مفارقته أنه يستهدف هذه المرة ليس الحكومة السورية فقط؛ بل كل الحكومات والشخصيات والهيئات الاقتصادية التي تتعاون مع النظام وتقدم الدعم له، ليطال دولاً مثل الصين وإيران وروسيا.
لا شك في أن «قانون قيصر» يبعث برسائل سياسية إلى الجهات والدول التي بدأت تهرول باتجاه تطبيع العلاقات مع النظام السوري؛ لكن ثمة أسئلة كثيرة تطرح حوله؛ أولها ما إذا كان مؤشراً لتغيير سياسة اللامبالاة التي انتهجتها أميركا حيال سوريا منذ اندلاع الحرب فيها. العارفون في تعقيدات صناعة القرار الاستراتيجي في الولايات المتحدة يدركون جيداً أن صدور مثل هذا القانون، لا يعني حكماً أن البلد المعني دخل ضمن خريطة اهتمامات واشنطن وأولوياتها. فسوريا – كسوريا – لا تتمتع بالنسبة إلى أميركا بأي ثقل جيواستراتيجي، وعلينا تالياً إعادة تقييم تصورنا لمصالحها وتفسيرنا لسلوكها. ومصلحتها في سوريا ليست في تغيير النظام، إنما تنحصر في أمن إسرائيل واحتواء النفوذ الإيراني، ومن الممكن تحقيق هذين الهدفين عبر تمكين إسرائيل والتنسيق مع روسيا.
سبق لوزيرة الخارجية في الإدارة السابقة، هيلاري كلينتون، أن أوضحت أن واشنطن لا تسعى إلى إسقاط النظام السوري؛ بل إلى زعزعته ودفعه إلى تغيير سلوكه وتقديم تنازلات. وكرر اليوم المندوب الأميركي لسوريا، جيمس جيفري، هذا الكلام أمام مجموعة من المعارضين السوريين، ومفاده أن الولايات المتحدة تسعى لتغيير سلوك النظام السوري ليس إلا. صحيح أن «قانون قيصر» يأتي جزءاً من آلية سارية لتشديد العقوبات على النظام، إنما الأصح أن المستهدف الأول منه هو إيران والرغبة في محاصرتها في مناطق تمددها الخارجية، كما حوصرت داخلياً. فالقانون ترك الباب مفتوحاً أمام الحل الدبلوماسي، إذ سمح للرئيس الأميركي برفع هذه العقوبات في حال لمس من النظام السوري جدية في التفاوض، والتزاماً بمحادثات حول حكومة انتقالية. وهو ما عبر عنه الممثل الأميركي الخاص لإيران برايان هوك الأسبوع الماضي، بأن لا إعمار مع الوجود الإيراني.
السؤال الثاني هو ما إذا كانت العقوبات ستصيب النظام السوري في مقتل. في الواقع هي لن تفعل على خلاف ما يعتقده البعض، ولأسباب عدة تتصدرها الخبرة العالية التي يتمتع بها في التعامل مع العقوبات الدولية، وهو الخاضع لها منذ عقود، يليها أن المنظومة الاقتصادية القائمة حالياً في سوريا هي منظومة مافيوية لا تتأثر بالعقوبات؛ لأنها غير مرتبطة بالاقتصاد العالمي أو الإقليمي، ومن ثم وجود دول مجاورة قادرة على تأمين حاجات النظام عبر أساليب ملتوية. فكيف سيطبق القانون مع استمرار الحدود المفتوحة من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد؟ فهل بالمقدور ضبط هذه الحدود ومنع انتقال الأسلحة والميليشيات والمخابرات والمافيات وعمليات التهريب على أنواعها، لا سيما على الحدود اللبنانية – السورية التي كانت مؤخراً عواقبها وخيمة على الاقتصاد اللبناني؟
السؤال الثالث يتناول التناقض الفاضح الذي يسود العلاقات الأميركية الروسية في الملف السوري. فمن جهة، تبارك أميركا وجود روسيا في سوريا باعتبارها القوة الوحيدة التي ارتضت بقاءها في هذا البلد، وتفرض من جهة أخرى عبر القانون عقوبات على كل من يتعاون مع النظام السوري ويدعمه، وتتصدرهم روسيا.
على صعيد لبنان، سيضيف القانون عبئاً إضافياً عليه، وهو الذي يمر بأزمات كيانية ومفصلية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والمالية، بسبب هيمنة «حزب الله» عليه واستخدامه عنوة منصة لمساعدة النظام السوري بكل الوسائل المتاحة عسكرياً ومخابراتياً واقتصادياً، ولديه ترسانة اتفاقات اقتصادية مع دمشق ورثها من حقبة الاحتلال السوري.
من الصعب كما هو مرجو أن يكبح «قانون قيصر» اندفاع بعض حلفاء «حزب الله» اللبنانيين الممثلين في الحكومة للتطبيع مع النظام السوري. فبدلاً من الإفادة من القانون لاستعادة سيادة الدولة، خرجت فور صدوره معزوفات قديمة سارعت إلى اعتباره خدمة للإمبريالية والصهيونية، في منطق لطالما ساهم في إضعاف تأثير العقوبات الأميركية على الحزب المصنف إرهابياً في أكثر من دولة. المشكلة في لبنان هي في شبه الإجماع على تجنب إثارة قضية «حزب الله» ودوره وسلاحه، والتركيز على القضايا المعيشية والمالية والاقتصادية، كما ظهر في حراك الشارع الذي لم يجرؤ حتى الساعة على التصويب على أصل كل الأزمات ومسببها. وجاءت التعيينات الأخيرة في المناصب المالية خطوة للالتفاف على العقوبات و«قانون قيصر».
على الرغم من الجدل الأميركي حول الموقف من مساعدة لبنان، يظهر «قانون قيصر» توجه الإدارة الأميركية الجدي بأخذه بجريرة «حزب الله» وتشديد العقوبات عليه من دون مراعاة مصالحه ومصالح اللبنانيين. المطروح إذن في مقبل الأيام هو تشديد الخناق على النظام السوري وحلفائه، لدفعه نحو انتقال دستوري يخرجه من فلك إيران، والتضييق من لبنان يقضي على آماله بقرب ساعة الإعمار من دون تقديمه تنازلات سياسية ودستورية. في هذا الوقت العراب الإيراني ليس في أفضل حال، والعملة هناك في مسار انحداري، والضائقة الاقتصادية يعجز الحكم عن التستر عليها.
قصارى الكلام ولتجنب الصدمات المعهودة، نكرر أن سوريا – كسوريا – ليست ضمن أولويات واشنطن الاستراتيجية، والمقصود من «قانون قيصر» هو احتواء إيران وإعادتها إلى الداخل، عبر قطع أذرعها التمددية في الخارج، هذا إن بقي اتجاه الريح على ما هو عليه، ولم تنجح واشنطن في جر طهران إلى طاولة المفاوضات.
————————–
قانون قيصر.. نافذة أمل لعودة السوريين إلى السياسة/ مصلح مصلح
حين قرّر حافظ الأسد الاستئثار بالسلطة السياسية حكم عليها أن تتحول من أداة لإدارة الشأن العام للسوريين لتعظيم منافعهم العامة والشخصية إلى أداة لنهبهم. ولما كان نجاح النهب وإدامته متوقفًا على نفي السياسة من المجتمع، عمد إلى طردها منه وتجريم العمل بها. الأمر الذي قضى بدوره إلى طرد مفهوم الشعب من المجتمع، أي مجموع الأفراد الأحرار، المنوط بهم وحدهم إدراة شؤونهم اليومية على نحو رشيد وعقلاني، وتحويلهم إلى حشد من الرعايا الخانعين الخاضعين لسلطة خارجة عنهم، هي سلطة الزعيم الأوحد.
في سبيل تأمين الأسد لسلطته المطلقة كحاكم فرد ومن ثم تحويلها لسلالة حاكمة، كان عليه البحث عن عصبية أو جماعة أهلية متماسكة، لها القدرة على حماية سلطته وتأمين أسباب استمرارها واستقرارها إلى أبد الآبدين. فبدل أن يتوجه للبحث عنها في حزب البعث العقائدي، التي تتيح بنيته المركزية القائمة على فكرة القائد المهلم أو الفذ، رفعه إلى مستوى الزعيم المنزهة عن النقد والمساءلة، اختار أن يتوجه للبحث عنها في الطائفة الدينية التي ينحدر منها.
وهو أمر ما كان للمرء أن يجد تفسيرًا له إلا استنادًا لتجربة الأسد نفسه مع هذا الحزب. فالحزب الذي خبره الأسد، لم يكن له الدور المركزي والحاسم في منح السلطة المطلقة لزعيمه السياسي، بقدر ما كان ذلك متوقفًا على رضا القوة الإنقلابية التي أوصلته إلى سدة السلطة. ولقد أثبتت الوقائع أن الزعامة السياسية، لا تكون مضمونة وفاعلة النتائج إلا إذا كانت مدعومة بقوة العسكر. فحافظ الأسد نفسه لم يكن يتمتع قبل انقلابه على زملائه 1970 بأي قبول سياسي في اللجنة المركزية المؤلفة من 80 عضوًا، باستثناء صوته وصوتي عبد الحليم خدام ومصطفى طلاس. من هنا كانت استمرارية الأسد وترسيخ زعامته متوقفة على طبيعة العصبية أوالقوة البشرية التي ستمده بالولاء والطاعة، والتي لم تكن متوفرة في ذلك الوقت إلا في طائفته الدينية.
مثّل توجه الأسد الأب إلى الطائفة العلوية بقصد توظيفها في حماية سلطته العائلية المستحدثة تحولًا كبيرًا في طبيعة الاجتماع السوري، الذي بدل أن ينهض على فكرة الشعب الواحد، التي ظلّت اللبرالية السورية تؤمن وحدته، حتى انقلاب البعث 1963. وجد نفسه مرتدًا إلى مجموعة من الطوائف اللاسياسية، أو على نحو أدق الطوائف الأهلية (المذهبية)، مع تبدل كبير في مكانة تلك الطوائف، حيث نجح النظام في تحويل الطائفة العلوية إلى طائفة الرئيس، الذي يملك مشروعه الخاص ببناء سلالة حاكمة.
إن القول بأن الطائفة العلوية هي التي تستولي على السلطة، كما لو كان لديها بنية خاصة بإنتاج السلطة وإعادة توزيعها على أعضائها بعيدًا عن سلطة الأسد، فيه الكثير من التجني المعرفي. ذلك أن مشروع الأسد القاضي ببناء سلطنته الخاصة، أدى آليًا إلى طرد الشعب من المجتمع، كما أدى إلى تفكك المجتمع إلى بناه الأهلية، المؤلفة من مجموعة من العشائر والطوائف المذهبية.
الأمر الذي سمح له بالعودة لطائفته الخالية من أية سلطة اللهم سوى سلطة العرف، وإلحاقها بمشروعه الخاص. ولقد تولد عن هذا الإلحاق المتدرج للطائفة، التمييز بين نوعين من العلويين؛ العلويون الذين بقوا خارج السلطة الأسدية، والذين لاحول لهم ولا قوة، وبدون فعالية سياسية حالهم في ذلك حال بقية طوائف المجتمع السوري. والعلويون الملتحقون بسلطة الرئيس، والذين سيدخلون منذ ذلك التاريخ ما يدعى طائفة الرئيس أو “طائفة الأسد”، الذي سيعمل دون كلل أو ملل لإلحاق المزيد منهم في طائفته الجديدة، خاصة بعد عام 1982، ذلك العام الذي تسنى له البدء بالقضاء على “رابطة العمل الشيوعي” التي كان يشكل العلويون في بنيتها مايقارب الـ 30 %. وهكذا سيتم القضاء على العلويين أو على جزء كبير منهم وتحويلهم إلى “طائفة الرئيس” السلطوية التي ستظل تستغل انحدار معظم أعضائها من الطائفة العلوية لتوهمهم بأنها سلطتهم، فيما هي بالحقيقة سلطة آل الأسد ودولتهم، وما هم في حقيقتهم سوى أداة في يد تلك السلطة لحماية دولتها ونفوذها.
في ربط العلوية بسلطته الاستبداية قام حافظ الأسد بمسخ العلوية، وتحويلها من طائفة مذهبية أو أهلية، إلى طائفة سلطوية. فالعلوي الملتحق بصفوف الجيش العقائدي أو المخابرات، لم يعد علويًا إلا بالاسم، إذ تحول ليصبح سلطويًا أسديًا، لا مهمة له سوى تأبيد سلطة سيده، عبر إخضاع بقية السوريين والهيمنة عليهم.
إن دخول العلويين في خدمة الأسد سيحولهم رويدًا رويدًا إلى طفيليين اقتصاديين على شاكلته، حيث ستصبح السلطة الممنوحة لهم بفعل تداخلهم مع سلطته، المدخل الأساسي للثراء الاقتصادي والترقي الاجتماعي. دون أن يعني ذلك تعميم الوفرة على الجميع، ذلك أنه لن يمكن التعويل على عدالة السطلة الأسدية بسبب طبيعتها العائلية والهرمية، التي تعتمد في توزيع غنائمها على أنصارها، بمدى قربهم أو بعدهم العائلي عن الرئيس.
على عكس كل ما يقال في أروقة مثقفي السلطة الأسدية ومنظريها عن تسرب الطائفة السنية إلى الحزب العقائدي والجهاز الإدراي الاشتراكي لدولة الأسد وتفجيرها من الداخل. فإن الطائفة السنية، لم تختر ذلك الدخول وإنما أجبرت عليه جبرًا، حالها في ذلك حال الطوائف السورية الأخرى لسببين؛ تمثل الأول برغبة الأسد بإخفائها من حيز الوجود السياسي كجماعة أكثرية، فيما تمثل الثاني بتمويه عملية نهبها من جهة، كما إقناعها بقبول ذلك النهب والخضوع لقواعده من جهة أخرى.
إلا أن ما جهله الأسد في عملية التحول تلك، هو استحالة إخفاء أو تركيب الطوائف أو المذاهب الدينية، ذلك أن الطوائف الدينية في ظل السلطات الاستبدادية يزداد حضورها بدلًا من أن يبهت، حيث تصبح ملجأ وحيدًا لأعضائها المطرودين من دائرة الحق والقانون إلى دائرة القهر والعسف وفق رأي المفكر السوري برهان غليون. فالطائفة الدينية في هذه الحال، تتحول إلى نوع من التعويض عن المجتمع السياسي الذي طرد منه الفرد. ذلك أن الطائفة تثير في نفس أعضائها نفس ذلك الإحساس الذي يثيره في نفوسهم المجتمع القائم على مفهوم المواطنة، وما كل ذلك إلا لكون كل منهما يقوم على مبدأ الأخوة، الأخوة الإنسانية في حالة المجتمع، والإخوة الدينية في حالة الطائفة الدينية.
والحال أن الطائفة الدينية، وهي في مثالنا الآنف الطائفة السنية، نهضت بأدوار متناقضة، جراء الضغوط الذي تعرضت لها بفعل تدمير الأسد لفكرة المجتمع السياسي، القائم على مفهوم المواطنة والتعددية الحزبية وسيادة فكرة القانون. فقد قبل جزء كبير من أعضائها، سواء في مؤسسة الافتاء أو مؤسسة الأوقاف، القيام بدور المبرر لواقع الاستبداد، عبر دفع أنصارها للتعامل معه كنوع من الامتحان الإلهي الذي يجب الإقرار به والتحايل على آثاره، ما دام يوفر في حده الأدنى القدرة على الاستمرار في العبادة كما العقيدة. مع كل ذلك لم يبتعد هؤلاء الانتهازيون، شركاء الأسد في الغنيمة، عن أنصارهم ومريديهم، كي يبقوهم تحت دائرة نفوذهم. إذ كانوا يلجؤون إلى سياسة العمل الخيري، كي يمنحوهم أملًا كاذبًا بالأخوة الدينية التي يعتقدون بوجودها بينهم وبين مشايخهم.
أما البعض الآخر من ممثلي الطائفة السنية، فقد تعامل مع واقع سلطة آل الأسد، من زاوية الشعور بالفرح والسرور، على مثال الشيخ البوطي، الذي لم يخف قبوله وإذعانه للسطة المستبدة في دمشق، ليس جريًا على المبدأ الفقهي الذي يبرر الخضوع لولاية القاهر والمستبد، ما دام يقيم شعائر الله وعباداته. وإنما لتعامله مع هذا الوضع الضاغط على الناس من باب توظيفه لمنطقه الصوفي، الذي يفضل تعلق الناس بمبدأ الخلاص الآخروي على حساب المبدأ الدنيوي القاضي بتدبير أحوالهم ومعيشتهم من خلال الاشتغال بالسياسة. وهو وإن كان صادقًا في مسعاه الروحي هذا، فإن كان من حيث يدري يحض الناس على ترك الناس للسياسة والعمل بها، لأنها طريق لمزيد من الشرور التي تحرم صاحبها من الدخول إلى الجنة.
إذا كان موقف رجال الهيئة الدينية في الطائفة السنية ظل سلبيًا، لجهة علاقته مع السلطة الأسدية، فإن الطائفة أو دينها ظل ملجأ لكثيرمن حالات التمزق العاطفي الذي اضطر أنصارها لمكابدتها، عبر دفعهم للوشاية بأخوة الرابط الديني، بقصد تدمير جميع الروابط الإنسانية التي قد تشكل مدخلًا للعمل السياسي، الذي لا يمكن أن ينهض إلا على مبدأ الثقة المتبادلة. إلا أنها شكلت في الوقت نفسه، مكانًا لمقاومة الظلم سواء عبر التمسك بالأخلاق الفاضلة، أو عبر الانخراط في التنظيمات الجهادية، التي تهدف إلى تخطي حالة الاستبداد المستعصية هذه بأساليب عنفية، ما دامت السلطات الأسدية تسد عليهم الوسائل المدنية الموصلة إلى التغيير المنشود.
إذا كان هناك من قيمة عظمى لانتفاضة الشعب السوري في 2011، فهو إعلان مشاركيها رغبتهم العميقة بالعودة للسياسة، باعتبارها نشاطًا خاصًا بالناس الأحرار، وباعتبار الحرية أو إرادة الناس الحرة الشرط اللازم للمارسة أي نشاط سياسي، لذا لا غرو أن يتم التعبير عن ثورة الشعب السوري بأنها ثورة للحرية والكرامة الإنسانية. فبتعيين الناس عبر شرط الحرية، أي كأناس أحرار، يمكن فقط التعرف عليهم كشعب، أما ما دون ذلك فإنه لن يتم التعرف عليهم إلا كأبناء طوائف فاقدين لكرامتهم وعزتهم أي كرعايا.
في شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، تظهر للمرة الأولى إرادة الناس في الميدان، أصحاب الحق الأساسيين في إدارة شؤونهم اليومية استنادًا للحق والقانون، مقابل إرادة الأسد، المستندة إلى حكم البطش والقوة، التي ترفض الاعتراف لهم بأي حقوق سياسية. وعلى رأسها الحق في حرية التعبير، كما الحق في تأسيس الجمهورية، وتحديد الشروط الدستورية لفعاليتها.
أعادت الجدية الظاهرة لوضع “قانون قيصر” موضع التنفيذ، الأمل في عود السياسة لجميع السوريين مولاة ومعارضة، كونها حملت في خطها العريض الرغبة في إلزام النظام الاستبداي بالعودة إلى فكرة الانتقال السياسي، الأمر الذي أعطى الأمل بتحول السوريين إلى شعب سياسي من جديد.
ومع أن قابلية الرئاسة الأسدية للتسليم بحق السوريين باستعادة دولتهم التي عاثت بها فسادًا، فإن الأمل يظل معقودًا على إعلان مزيد من السوريين لإرادتهم الحرة،على خطى أهل السويداء. وإلا فإن المرء يظل يمني النفس بتصدع طائفة الرئيس ذاتها، وتحولها من جماعة خارج المجتمع إلى جزء حميمي منه. وأن تقتنع بأن المضي في الدفاع عن مثل هكذا نظام، لايتعدى الدفاع عن نظام مولد للحرب الأهلية، وإن الحرب التي يظل يفكر بشنها على خصومه المفترضين، ستأكل الأخضر واليابس بمن فيهم هم أنفسهم.
الترا صوت
—————–
قيصر ونظام الأسد: الانتقال أو الاختناق/ علي حسين باكير
يجادل كثيرون في أنّ العقوبات لم تغيّر يوماً من سلوك الأنظمة حتى وإن كانت الولايات المتّحدة هي من يطبّقها، وأنّ نسبة نجاحها إلى الحالات التي تمّ تطبيقها فيها تعدّ منخفضة للغاية. واستنادا إلى هذه المقدّمة، يستنتج البعض أنّ قانون قيصر لن يقدّم أو يؤخّر شيئاً فيما يتعلق بدفع النظام إلى إحداث تغيير جوهري في البلاد، وأنّ المتضرّر الوحيد سيكون المواطن السوري فقط لا غير. في حقيقة الأمر، هناك من بدأ يروّج أنّ سبب معاناة السوريين الاقتصادية هي هذا القانون، بالرغم من أنّه لم يُطبّق بعد!
يتجاهل هذا الاستنتاج أنّ قانون قيصر هو أداة وليس غاية وأنّه يأتي في ظروف صعبة جداً بالنسبة إلى نظام الأسد سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وأنّ السوريين عانوا لعقود طويلة من هذا النظام ويعانون منه بشكل رهيب دون أن يكون القيصر أو قانونه في المعادلة أًولاً، وأنّه ما لم يتم تغيير النظام، فإنّ معاناة السوريين ستفوق المعاناة المحتملة التي قد تنجم عن أي أضرار جانبية ناجمة عن أي عقوبات على النظام.
أمّا في التفاصيل، فقانون قيصر لا يستهدف المدنيين السوريين ولا تعاملاتهم، وإنما النظام والمتعاملين معه وعلى رأسهم روسيا وإيران وأي فرد أو جهة تساعد النظام على أن يعزز من قدرته على قمع الشعب السوري في أي مكان في العالم. كما يُثبّط القانون من عزيمة أي جهة تحاول التطبيع مع نظام الأسد، أو شرعنته، أو استغلال الوضع من أجل إطلاق عملية إعادة إعمار تثبّت أركانه، وذلك من خلال فرض عقوبات اقتصادية ومالية قاسية وفعّالة.
لفترة من الزمن، اعتمد نظام الأسد على الدعم الروسي – الإيراني الاقتصادي والمالي، واعتمد كذلك على لبنان الذي يسيطر عليه حزب الله كبوابة خلفية له. لكنّ هذه الأطراف لم تعد قادرة على التمويل. نظام الأسد يعاني اقتصادياً منذ مدّة، ومع تدهور أسعار النفط مؤخراً إلى مستوى غير مسبوق، فقدت روسيا قدرتها على الإنفاق الخارجي وأصبحت مهتمّة بتحصيل ما يترتب على النظام من ديون لها وذلك على شكل عقود اقتصادية وصفقات تملُّك مجانيّة لمنشآت ومرافق حيوية لعقود طويلة من الزمن.
أمّا بالنسبة إلى إيران، فبفضل حملة “الضغط القصوى” الأميركية التي طبّقها ترامب، فإنّ طهران بالكاد تجد من الدولارات ما يكفيها، ولذلك لم تعد قادرة على دعم وكلائها الإقليميين بالشكل الذي كان قائماً ويشمل ذلك بطبيعة الحال حزب الله والأسد. وفيما يتعلق بلبنان، فالبلد انهار مالياً واقتصادياً، وقد أدى ذلك أيضاً إلى خسارة نظام الأسد رئته الاقتصادية إلى العالم الخارجي وإلى تدهور أسعار سعر صرف العملة المحليّة في البلدين.
الغاية الأساسية من قانون قيصر هي رفع التكاليف إلى درجة لا تطاق ليس على النظام فقط بل على داعميه أيضاً. فإذا رغبت إيران في خوض هذا الاختبار ربما لا تكون روسيا مستعدة له، ففي نهاية المطاف، موسكو في سوريا للاستفادة من الوضع وليس لدفع تكاليفه. وعليه، فإنّ القانون قد يُعمّق في مكان ما من الفجوة في المواقف بين الأسد وروسيا وإيران، كما أنّه سيزيد من التناقضات في المصالح ومن الشكوك بين هذه الأطراف من إمكانية ذهاب أحدهم إلى تسوية دون إطلاع الطرف الآخر.
في هذه الظروف، فإنّ قانون قيصر يعتبر إحدى أهم أدوات الضغط الممكنة على النظام وحلفائه روسيا وإيران. وبالرغم من القوّة التي يمتلكها، فإنّه يَبقى منفتحاً على تسوية لكي يترك لنظام الأسد مخرجاً إذا ما أراد الخروج من الأزمة. أمّا شكل هذه التسوية وعناصرها ومخرجاتها فهي أمور لم يتم التطرق إليها بعد، لكن من المتوقّع أن تتعلق بالوجود الإيراني وتوابعه في سوريا.
وإذا ما استبعدنا أي تسوية، فإنّ الخيار الوحيد الذي سيكون مُتاحاً أمام نظام الأسد حينها، إمّا أن يُسهّل بنفسه عملية انتقال سياسي في البلاد وفقا لقرارات الأمم المتّحدة واتفاق جنيف وتنتهي بإخراجه من السلطة، وإمّا أنّ يتم خنق النظام اقتصادياً حتى الانهيار التام.
وفي السيناريو الأخير، فإنّ حلفاء النظام لن يستطيعوا مساعدته في وضعهم المالي الحالي، ولذلك فإذا قرر نظام الأسد أن يرفض الانتقال السياسي فهذا معناه أنّه يريد أن يراهن على الوقت على أمل أن يتم تغيير الرئيس الأميركي ترامب مع نهاية العام، أو أن يتم التوصل إلى صفقة أميركية- إيرانية تتيح لطهران أن تستعيد قدراتها المالية. لكن، في نهاية المطاف، لا أحد يستطيع أن يضمن للأسد بأنّ هذا المسلك أو الطريق سيُنجّيه هذه المرة.
تلفزيون سوريا
———————–
“قيصر”… القانون القاهر للفيتو/ بشار علي الحاج علي
مع اقتراب موعد تطبيق القانون الذي وافق الكونغرس الأميركي عليه وأُقرّت موازنته؛ هناك حالة جديدة من صيغ العلاقات الدولية، خاصة في ظل عجز المنظومة الأممية المتمثلة بالأمم المتحدة وجهازها السياسي التنفيذي (مجلس الأمن الدولي) الذي يمتلك الأدوات اللازمة لتطبيق قرارته، إلا أنه يعجز، في غالب الأحيان -مع الأسف- عن التنفيذ، بل عن الوصول إلى قرار منطقي، إذا لم يتمكن من الوصول إلى قرار عادل إلى حدّ ما.
ما هو قانون قيصر؟
هو قانون أقرّه الكونغرس الأميركي تحت مسمى (قانون حماية المدنيين في سورية)، ويعرف بقانون قيصر (سيزر) وهو الاسم الحركي الذي أُطلق على الشخص الذي استطاع تسريب آلاف الصور لضحايا التعذيب الذي مارسه النظام السوري ضد السوريين، داخل السجون والمعتقلات، ويهدف القانون إلى معاقبة النظام السوري ورموزه، بدءًا برأس النظام، وكل ما يدعم قوته العسكرية واستمرار نهجه القائم على سحق معارضيه، الأمر الذي أدى إلى مئات الآلاف من القتلى والمعتقلين ومئات الآلاف من المهجرين واللاجئين.
وينال القانون أيضًا الأفرادَ والكيانات التي تتعامل مع هذا النظام، حتى غير السورية، وهذا يشمل حلفاءه من الدول والأشخاص، وينصّ على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين في بعض المعاملات المالية أو التقنية، مع مؤسسات “الحكومة السورية” والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن النظام السوري أو روسيا أو إيران.
ويعرف كثيرٌ من المتابعين للشأن السوري والمختصين القانونيين مدى شمول هذا القانون للقطاعات المختلفة حتى المؤسسات السيادية، ومنها المصرف المركزي وتأثيره الواسع حقيقةً في الدولة المرتهنة أصلًا لنظام فاسد فاقد للسيادة وللشرعية الوطنية.
ولا بدّ هنا من إيضاح بعض الأمور والحقائق التي تسلّط الضوء على أهمية هذا القانون، سياسيًا وإنسانيًا، فتفعيل هذا القانون يحتلّ أهمية كبيرة في ضوء تعطُّل آلية مجلس الأمن، بسبب الفيتو الروسي والصيني، في ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ويشكل القانون تأكيدًا بالغ الأهمية، بشأن جدية الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في منع الإفلات من العقاب ومساءلة النظام بشأن استمراره في خرق الأعراف والقوانين، وخاصة القانون الدولي الإنساني، واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًا الكيميائية والبراميل المتفجرة ضد المدنيين، كما يضغط باتجاه تفعيل العملية السياسية والمرحلة الانتقالية، وفقًا لقرارت الأمم المتحدة والمرجعيات الدولية التي تقوم على حل سياسي، لا على فرض أمر واقع عسكري.
ومن النقاط المهمّة أيضًا أن القانون يستهدف الحلقـة المحيطة ببشار الأسد، وكل الأشخاص الذين يستخدمهم النظام كواجهات مالية، وكذلك الأشخاص المرتبطين بـ “حزب الله” والحرس الثوري الإيراني، وأفراد أُسرهم الذين يُستخدمون عادة للتغطية على حركة الأموال، ويستهدف الشركات والمؤسسات المالية، سواء أكانت عراقية أو لبنانية أو إيرانية أو سورية، لتهريب السلع والأموال لحساب النظام وحلفائه، وهو ما لمسنا تأثيره حتى قبل البدء بتطبيق القانون في لبنان وفي سورية، حيث انخفضت قيمة العملة الوطنية في البلدين انخفاضًا دراماتيكيًا.
ومن المنطقي القول إن هناك حاجة إنسانية ملحّة لتطبيق القانون، لكل الشعب السوري الذي يرى أن الخلاص من الطغمة المسيطرة على الاقتصاد السوري هو الحل للظروف المعيشية من جهة، وأن الخلاص من الدكتاتورية وإطلاق الحرية هو السبيل للوصول إلى العيش الكريم والأمان والاستقرار المنشود. حيث إن هذه العصابة المتحكمة في مقدرات الدولة الاقتصادية والخدمية تقوم -منذ إقرار قانون قيصر- بجمع وشراء العملات الصعبة، وتهريبها للخارج؛ وقد أدى ذلك إلى إفقار الغالبية الساحقة من السوريين، نتيجة جشع تلك العصابة وفسادها، وليس الأمر كما يصوّره النظام وحلفاؤه أن سبب الأزمة المعيشية هو القانون خاصة.
ومن يتابع آراء الشارع السوري يرَ أن القانون يمثل واقعًا جديدًا، بالنسبة إلى السوريين، وبارقة أمل، لكونه صادرًا عن الولايات المتحدة الأميركية الدولة التي تمتلك أدوات تنفيذه والأدوات اللازمة للضغط على الدول الأخرى للالتزام بذلك.
إن الصيغة التي أتى بها القانون والأسس الإنسانية التي استند إليها، والتي جمعت بين الدوافع القيمية الأخلاقية والمبررات الإنسانية بالرجوع إلى القانون الدولي الإنساني الذي يفرض على جميع الدول احترامه، تجعل من هذا القانون سابقة حميدة في السياسة الدولية، وبادرة ذات بعد حضاري يصبُّ في المصلحة المشتركة للمجتمع الدولي، ضمن أهداف ومبادئ الأمم المتحدة والاتحاد من أجل السلام ورد المعتدي، في ظل وجود تناقض في المصالح الدولية أدى إلى عجز المنظمة الدولية أمام أسوأ الكوارث والانتهاكات في عصر العولمة الذي يفترض أنه زاد حالة التضامن الإنساني وإمكانية الشراكة للرقي الإنساني وتحقيق التنمية المستدامة ومواجهة التحديات العالمية الأخرى.
ومن هنا أرى أن من الواجب على الجميع، أفرادًا ومؤسسات ومنظمات ودولًا، التعاون على تقديم المعلومات والدعم، لمعاقبة من أساء إلى الإنسانية جمعاء، ومن أجرم بحق الشعب السوري المسالم الذي كان كلّ ذنبه أنه أراد العيش بكرامة وأن يمارس حقه في التعبير عن رأيه بحرية وديمقراطية، كما الشعوب المتحضرة.
مركز حرمون
————————–
قانون “قيصر “.. ماذا سيقول نظام الأسد؟/ عبد الباسط عبد اللطيف
خمس سنوات بين تقديم قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للكونغرس الأمريكي وبين إقراره، حسابات السياسة أدت لأن يتوقف احتساب أعداد الضحايا في سوريا رسمياً كما سبق وأعلنت الأمم المتحدة نهاية العام 2013، حتى كاد النظام يعتقد أنه سينجو بفعلته منتشياً باستمرار إغلاق مجلس الأمن بالفيتو الروسي الصيني المزدوج، وبتقدم عسكري على أشلاء شعبنا السوري وحطام مدننا، وعلى أمل أن العالم في النهاية سيضطر للتفاوض مع من اختطف السوريين، ويهدد بقتل من تبقى منهم رهن أسره تحت التعذيب أو فرّ من أسره لكنه في مرمى براميله في المناطق المحررة، حتى يقبلوا به من جديد مع أو بدون عملية سياسية يريدها عملية تجميلية تعيد تأهيله في استخفاف كامل بعدالة الأرض ونكران تام لعدالة السماء.
وفي هذا الوقت الذي أوصل فيه النظام كل فرص وسيناريوهات الحل إلى طريق مسدود وأفرغها من أي مضمون أو أمل بتحقيق أي خرق يعيد الأمل لشعبنا السوري وآخرها تعطيله عمل اللجنة الدستورية، وفي وقت بدء البعض هنا وهناك يلمح علنا أو يبادر سراً بالاتصال به، ويتجاوب مع محاولة الترويج أنه بلغ مرحلة التعافي وإعادة الأعمار، ويمني النفس ويقطع الوعود للداخل والخارج بأن القادم سيكون أفضل بالنسبة له، وأنه قد حان الوقت لقطف ثمار الصمود أمام المؤامرة الكونية.
في هذا الوقت، يأتي قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا ليقول للجميع أن من زرع الدمار لن يحصد إلا العزل والحصار وأن لا إعادة إعمار ولا أي تعامل مع النظام قبل الحل السياسي وفق القرار 2245 ومحاسبة المسؤولين عن جرائم القتل تحت التعذيب التي لا تفارق صور ضحاياها كل ضمير حي في جميع أنحاء المعمورة!
إن عقلية التشبث والمماطلة والإنكار والانفصال عن الواقع التي لا يملك النظام سواها هي التي خاض بها سنوات حربه العشرة على شعبنا، وهو ينكر وجود الضحايا من عشرات الآلاف المغيبين في سجونه أصلاً، وينكر صورهم وأن هناك من انشق وحمل معه هذه الصور، كما ينكر البراميل والأسلحة الكيمائية، بل وينكر الثورة من أساسها وأن القضية ليست سوى صموده على كرسي السلطة والتصدي لكل من يقترب منه من أطراف المؤامرة الكونية.
فها هو بدأ يهيئ شعبنا العالق في مناطق سيطرته بأن القادم أسوأ وأن المؤامرة الخارجية تستهدف لقمة عيش السوريين، وأنه سيقاوم ويكافح الفساد وسينتصر في الاقتصاد كما يظن أنه انتصر في الحرب، وهو ما يعني للسوريين أن كوارث الحرب التي جرّها عليهم لن تقل عن كوارث الاقتصاد الذي لم يبق منه شيء إلا إذا كان سيسمي ما تبقى من مهربين وفاسدين حوله ومن عمليات تبييض أموال واحتكارات، اقتصاداً، كما يسمي ما تبقى من ميليشيات وشبيحة ولصوص بالجيش المنتصر.
سينكر أيضاً، و هو الذي لم يعد أمامه منذ سنوات سوى المضي في طريق الإنكار واللاعودة الذي اختاره من البداية، ينكر أن اليوم ليس كالأمس وأن الموارد القليلة التي يتيحها اقتصاد المحسوبيات والاحتكارات والفساد الممنهج قد استنزفتها سنوات حربه وسياساته الفاشلة وما تبقى منها يذهب لجيوب حلقات الفساد التي أحاط نفسه بها وتماهى معها.
وهو ينكر أيضاً أنه المتسبب في هذه العقوبات الجديدة وفي غيرها، وأن جرائمه المستمرة بحق السوريين هي السبب، وهو بالتأكيد سينكر أن إيقاف هذه المأساة ورفع العقوبات التي ستطبق تدريجياً يحتاج منه أن يمضي قدماً في الحل السياسي الحقيقي ويفتح الباب لتطبيق القرارات الدولية وهو ما يعني بالنسبة له أن تطوى صفحته ويحاسب مجرموه عما اقترفوه بحق الشعب السوري.
لكن القاصي والداني يعرفون جيداً أن هذا القانون يعني فيما يعني، أن أي محاولة لإعادة تأهيل هذا النظام أصبحت من الماضي، وأن هذه المعركة القادمة والتي بدأت بالفعل ستكون على الموارد القليلة المتبقية والممكنة فستبدأ عمليات تهريب الأموال ومصادرتها وانفكاك بعض حلقات الفساد القريبة منه، وتجفيف أي فرص وهوامش اقتصادية لتلك الأبعد، ولن يفلت هذه المرة عبر تغيير الواجهات التي يستخدمها للتهرب فقوائم المعاقبين سيتم تحديثها باستمرار بحيث تشمل كل يد تمد له أو يد يمدها لأحد.
سيقول النظام هذه المرة إن العقوبات ليست عليّ إنما على سوريا، وهذه المرة لن يسميها سوريا الأسد حتى لا يعترف بأنه من جلب لها كل هذه الكوارث وسيتجاهل أن القانون حدد العقوبات بالحكومة السورية ومن يتعاملون معها، مما يعني أن أجزاء سوريا الخارجة عن سيطرته ليست خاضعة لها، وبالطبع لن يأتي إعلامه ومتحدثوه على ذكر أي شيء يتعلق بأن القانون يستثني الدعم الإنساني والإغاثي والطبي للشعب السوري.
وسيقول إن الحليف الروسي سيقف إلى جانبي في الاقتصاد كما وقف في الحرب، وهو الذي يعلم جيداً أن روسيا ربما تغتنم الفرصة لتحصل على المزيد من التنازلات منه لكن ذلك لن يفيده هو في شيء.
وسيقول اصبروا واختبروا وجوهاً متجددة للمعاناة معي لكننا في النهاية سننتصر على المؤامرة، وإنه أعد العدة ووضع الخطط الاقتصادية التي تمكنه من الصمود، وهو الذي يتصدر قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم.
وسيقول ويقول الكثير، فجعبة أكاذيبه لن تنتهي إلا بانتهائه ولكنه لن يحصد سوى مزيد من العزلة والعار ولعنة التاريخ وهو لن يغير قدره ولا قدرنا، وكل ما يستطيعه ويتقنه هو زيادة معاناتنا وآلام مخاض ولادة حريتنا.
وسنقول نحن أيضاً لأهلنا اصبروا فالخلاص قادم وصور الضحايا ولعناتهم ولوعات ذويهم ستحاصره حتى يختنق، اصبروا فإن نظام الفساد والاستبداد إلى زوال والنتائج بدأت بالخلاص من مخلوف وسينتهي بالخلاص منه ومن كل مخلوف، وإن باب المستقبل الحر الكريم لسوريا سيفتح وصفحة الأسد وزبانيته ستطوى إلى الأبد.
عبد الباسط عبد اللطيف
الأمين العام للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة
—————————
===============================
========================
تحديث 17 حزيران 2020
مقالات مختارة تناولت تطبيق قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين وتأثيراته المحتملة على سورية والسوريين
—————————
فظائع الأسد دمرت سوريا… وليس العقوبات/ جيمس جيفري
أعلنت الولايات المتحدة اليوم، فرض عقوبات جديدة بموجب “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للعام 2019”. لذا من المهم أن نركز على المنطق الذي يقوم عليه هذا القانون.
تم تمرير هذا القانون بأغلبية ساحقة في كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب منذ ستة أشهر، ووقع الرئيس دونالد ترمب عليه ليدخل حيز التنفيذ. تمت تسمية هذا القانون تكريما لمصور سوري شجاع، اسمه السري “قيصر” ووثق بعدسته عشرات آلاف حوادث سوء معاملة وانتهاك لمواطنين سوريين على يد أتباع للرئيس السوري بشار الأسد. وثمة اهتمام متزايد ومشروع من الكونغرس بتنفيذ هذا القانون، إذ قام بيان مشترك صادر عن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ وكبير أعضائها ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب وكبير أعضائها في 8 يونيو (حزيران)، بتحديد أولوية الكونغرس، ألا وهي “إنفاذ قانون قيصر بشكل قوي ومستدام بغرض توجيه رسالة إلى النظام وممكنيه مفادها أن الأسد لا يزال شخصا منبوذا.”
يدعم تقريران صادران عن الأمم المتحدة مؤخرا وجهات نظر قادة الكونغرس، ويسلطان الضوء على أعمال نظام الأسد الوحشية التي دمرت سوريا واقتصادها وقدرتها على الاستجابة إلى فيروس “كوفيد-19”. فقد أصدرت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا بتاريخ 16 أبريل (نيسان)، تقريرا يحدد كيف أن الأدلة أشارت (إلى ما كنا نشتبه به جميعنا) أن نظام الأسد وحلفاءه قد شنوا هجمات تسببت بتدمير مستشفيات ومدارس وبنى تحتية مدنية أخرى، حتى في الحالات التي كانت فيها هذه المنشآت مدرجة على لائحة لمواقع لا يجب استهدافها وضعتها الأمم المتحدة لتحديد ركائز الحياة المدنية الأساسية هذه وحمايتها.
وفي الأسبوع عينه، أصدر فريق التحقيق والتحقق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية أول تقرير له وحمّل نظام الأسد مسؤولية استخدام السارين أو الكلور في ثلاث هجمات متفرقة في العام 2017. هذان التقريران ليسا إلا مثالين عن الحرب التي غالبا ما شنها نظام الأسد بمساعدة ممكنيه الإيرانيين والروس، والتي دمرت سوريا وشعبها وخلّفت حوالى 500 ألف قتيل.
تستهدف العقوبات الملزمة التي ينص عليها “قانون قيصر”من يسهلون إنتاج النفط لنظام الأسد، وكذلك من يسهلون حصولة على سلع أو خدمات أو تكنولوجيا ذات صلة بالطيران ويتم استخدامها لأغراض عسكرية. نسعى إلى وضع حد لعمليات الحصول على السلع هذه والتي تعزز من قدرة النظام على ارتكاب جرائمه المروعة. ويستهدف القانون أيضا، من يدعمون المرتزقة والجهات الاجنبية الفاعلة تديم الصراع بالنيابة عن النظام وحلفائه. ويستهدف أخيرا، من يشاركون في الاستفادة من الحرب ويوفرون خدمات مهمة في مجال الهندسة والبناء للنظام السوري.
وبات الأفراد والشركات في مختلف أنحاء العالم الآن تحت طائلة التعرض للمزيد من العقوبات إذا ما شاركوا في أنشطة إعادة الإعمار مع نظام الأسد.
ويتمتع “قانون قيصر” بتأثير طويل الأمد ويهدف إلى حرمان النظام وممكنيه من أي استفادة اقتصادية محتملة من أي انتصار عسكري.
تهدف الولايات المتحدة إلى تعزيز المساءلة بسعيها إلى تطبيق هذه العقوبات الهادفة الإضافية – باستخدام سلطات قائمة وأخرى ينص عليها “قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للعام 2019” – ضد النظام وممكنيه، كما تهدف إلى حرمانهم من الوصول إلى النظام المالي الدولي إلى حين التوصل إلى حل سياسي للنزاع في سوريا. وينبغي أن يتسق أي حل مماثل مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وخريطة الطريق المقبولة دوليا للتوصل إلى تسوية سياسية للحرب السورية. ينبغي أن يحاسب نظام الأسد المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب (وفظائع أخرى وانتهاكات لحقوق الإنسان) وأن يتوقف عن رعاية الإرهاب ويخلق الظروف المواتية لعودة اللاجئين بشكل آمن وكريم وطوعي قبل أن يسمح له بالانضمام إلى المجتمع الدولي والمشاركة في الاقتصاد الدولي. كما ينبغي أن يفكك النظام برنامج الأسلحة الكيماوية التابع له، بشكل دائم وقابل للتحقق، وقطع علاقاته مع القوات العسكرية الإيرانية والمجموعات التي تدعمها إيران.
خريطة الطريق هذه ليست حيوية للشعب السوري الذي طالت معاناته فحسب، بل أيضا للاستقرار الإقليمي. لقد جذب انعدام الاستقرار، بما في ذلك الإرهاب الذي يستفيد من الفراغ الأمني الذي خلفه النزاع السوري، قوى من الولايات المتحدة وأربع دول أخرى، وبات الصراع بين الدول خطرا قائماً ودائماً حتى تصبح السيطرة على النزاع السوري ممكنة.
ينبغي النظر إلى مطالبات الأسد وحلفائه الروس بتخفيف العقوبات استجابة لفيروس كوفيد-19 على أنها ليست سوى حيلة أنانية للسماح للنظام السوري بتحقيق انتصار عسكري ومنحه الغطاء اللازم لإثراء الأسد وممكنيه. وبخلاف الدعاية التي ينشرها النظام، لقد دمر تفضيل الأسد الحرب على السلام البلاد واقتصادها، وليست العقوبات الأميركية.
لقد اختار بشار الأسد استخدام الاحتياطات النقدية المتضائلة بسرعة لمواصلة حرب خبيثة ضد ملايين السوريين، ما دمر اقتصاد البلاد في وقت ينتشر فيه فيروس “كوفيد-19 ” بين المواطنين السوريين الضعفاء أصلا.
ان العقوبات الأميركية، تستهدف الأسد وثروة نظامه غير المشروعة، وليس المواطنين هؤلاء. ولقد قدمت الولايات المتحدة أكثر من 10,6 ملايين دولار من المساعدات الإنسانية لسوريا. هذا المبلغ، أكثر مما قدمته أي جهة مانحة أخرى منفردة. كما نعمل لتسهيل حصول الجميع على مجموعات فحص لفيروس “كوفيد-19” والمواد ذات الصلة.
الأمر المأساوي، أن هذه هي المساعدات عينها التي سرقها نظام الأسد تاريخيا ليعيد بيعها للشعب السوري بأسعار باهظة. ولزيادة الطين بلة، قام الروس، رعاة سوريا، في مجلس الأمن الدولي بإغلاق معبرين حدوديين من المعابر الأربعة المتاحة لتسهيل المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأمم المتحدة في يناير (كانون الثاني) الماضي مع تسارع انتشار فيروس “كوفيد-19”
ستواصل الولايات المتحدة تقديم المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري وتسهيل وصولها، وتعزيز محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الأهوال ومنع التوصل إلى حل سياسي. يستطيع الأسد وضع حد لهذه الحرب غير الضرورية بمجرد إعلان وقف إطلاق نار شامل على مستوى البلاد، والمشاركة في محادثات اللجنة الدستورية في جنيف بشكل بنّاء وتنفيذ رؤية سياسية تمنح الأولوية لتطلعات الشعب السوري الديمقراطية.
إن العالم يراقب، وكل من يجري صفقات مع النظام عرضة للعقوبات.
مقال خاص بـ«الشرق الأوسط» بالتزامن مع بدء عقوبات “قانون قيصر” على النظام السوري
الشرق الأوسط
——————————–
عن “قيصر”/ مروان قبلان
كما شأن كل تفصيلٍ يخصّ قضيتهم التي تزداد تعقيدًا، ينقسم السوريون (في المعارضة في حالتنا هنا خصوصاً) بشأن الموقف من “قانون قيصر”، بين مؤيد ومعارض ومتحفظ. يتمحور القانون الذي استغرق العمل عليه سنوات، وتم تمريره من الكونغرس الأميركي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ليكون جزءاً من قانون ميزانية وزارة الدفاع، حول فرض عقوبات شديدة على النظام السوري، بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين على مدى السنوات الماضية، ومنع كل أشكال التعامل معه ودعمه، ومعاقبة كل من يفعل ذلك أو يحاول. يأمل مؤيدو القانون أن يحقق ما عجزت عنه الوسائل الأخرى، بما فيها العسكرية، أي إسقاط النظام. كيف يتحقق ذلك؟ من خلال تضييق الخناق عليه، ومحاولة إحداث صدعٍ في بنيته، وخلخلة قاعدة دعمه الشعبية، ودفع السوريين الذين يعيشون تحت سلطته إلى الثورة عليه وإسقاطه. وفي معرض الدفاع عن موقفهم بشأن التأثير المحتمل للقانون على حياة الناس العاديين، يجادل المؤيدون أن القانون يستثني من العقوبات المواد الغذائية والدوائية والمساعدات الإنسانية، وهو لهذا لن يطاولهم.
تعاني هذه المقاربة من عطبٍ فكري وسياسي شديد، خلاف التناقض الكامن فيها بين النظر إلى القانون باعتباره وسيلة لدفع الناس إلى الثورة على النظام من جهة، والقول إنه لا يمس قوت يومهم واحتياجاتهم الأساسية من جهة أخرى. إذ إنها تنطلق أيضاً من تفكير رغبوي بشأن قدرة القانون على تحقيق أغراضه، وتظل أيضاً أسيرة تصوّرات سياسية ساذجة، تتمحور حول أن واشنطن مهتمة حقاً بمصير سورية، دع جانباً الاهتمام بمصالح السوريين، أو تحقيق العدالة لهم، أو التوصل إلى حل سياسي عادل، ينهي مأساتهم المستمرة منذ سنوات.
أولاً، يجد المرء صعوبة بالغة في ذكر حالة واحدة أدّت فيها العقوبات الاقتصادية إلى إسقاط أي نظام، في القرن الأخير على الأقل. لم يحصل هذا في كوبا ولا في كوريا الشمالية ولا في إيران ولا في العراق أيام نظام الرئيس صدّام حسين. ثانياً، تعد محاولات الفصل بين النظام والناس في تطبيق العقوبات بائسة، في الحد الأدنى. لا بل يكون تأثيرها وضررها على الناس عادة أكبر وأشد. وقد أثبت النظام السوري، مثل كل الأنظمة الاستبدادية، خصوصاً في سنوات الحرب، قدرة استثنائية على الاستفادة من أزمات الناس وآلامهم، ابتداءً من استغلال قضايا المعتقلين لتقاضي العمولات والرشى، إلى أعمال النهب و”التعفيش”، وحتى بيع أنقاض البيوت بعد تهديمها. “قانون قيصر” لن يكون إلا أداة إضافية في “صندوق العدّة” للاستمرار في هذه الممارسات. العقوبات التي يفرضها “قيصر”، مهما حاولنا التلاعب بالألفاظ، لتخفيف آثارها، ستؤدي إلى معاقبة عامة الناس، وجزء كبير منهم ليس لهم ذنب إلا أنهم وجدوا أنفسهم يعيشون في مناطق سيطرة النظام. لقد أدّت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على العراق بين 1991 – 2003 إلى وفاة أكثر من نصف مليون طفل عراقي، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، ولم يسقط النظام الذي لم يكن له أي حلفاء يعينونه حينها، إلا بغزو عسكري أميركي شامل. وبعد نحو عقدين على سقوطه، ما زالت آثار تلك العقوبات الصحية والنفسية والمادية ماثلة في الواقع، وفي أذهان العراقيين ونفوسهم.
أخيراً، تبدو فكرة أن هدف “قيصر” أميركياً تحقيق تغيير في سورية، منفصلة تماماً عن الواقع، فإدارة ترامب، وعلى لسان المسؤول الأول عن الموضوع السوري فيها، جيمس جيفري، لا تسعى إلى تغيير النظام، بل دفعه إلى إخراج إيران من سورية، وفي الحد الأقصى إبداء مرونة كافية تسمح بحل سياسي، لا يتفق بالضرورة مع رؤية المعارضة. فوق ذلك، من الصعب تصوّر أن تستسلم روسيا وإيران “لقيصر”، بعد أن أفشلت محاولات إسقاط النظام عسكرياً، حتى لو خرج الناس عليه.
لو أن المعارضة تبدي اهتماماً أكبر بمصير الناس وحياتهم في مناطق سيطرة النظام، وتتوقف عن النظر إليهم باعتبارهم مؤيدين له، بل جزءاً بائساً، مغلوباً على أمره، من شعبٍ ضاع، لربما زاد ذلك من مصداقيتها عندهم، ولربما حصدت نتائج ذلك لاحقاً. حتى الآن، لا يبدو الفرق واضحاً لديهم بين شعاري “الأسد أو نحرق البلد” و”إسقاط الأسد أو نحرق البلد”.
العربي الجديد
——————————
قانون قيصر .. العقوبات الاقتصادية والمعضلة الأخلاقية/ سقراط العلو
مع اقتراب تفعيل “قانون قيصر” (يدخل اليوم، 17 يونيو/ حزيران، حيز التنفيذ)، بما يتضمنه من عقوبات اقتصادية على النظام السوري وحلفائه؛ تشهد الليرة السورية تراجعاً حادّاً في قيمتها مقابل الدولار الأميركي، تزامن هذا التراجع مع ارتفاع كبير جداً في أسعار السلع والمواد الأساسية ونقص أدوية وسلع وفقدانهما في السوق السورية، نتيجة حالة الترقب والخوف من مستقبل الليرة بعد تفعيل العقوبات، الأمر الذي دفع تجّارا عديدين إلى إغلاق محالهم، بانتظار ما سيؤول إليه سعر الصرف.
وبطبيعة الحال، فاقم هذا الوضع من معاناة المواطن السوري، ليس فقط في مناطق سيطرة النظام، وإنما على اختلاف مناطق النفوذ والسيطرة، والتي لا تزال تعتمد على الليرة السورية في تعاملاتها اليومية. في المقابل، وعلى الجانب السياسي، يحاول النظام، كعادته، استغلال القانون، وما يحمله من عقوبات، وتوظيفه في خدمة بروباغندا “المقاومة والصمود في وجه المؤامرة الأميركية”، ولكن المستغرب كان الانقسام داخل صفوف المعارضة السورية بشأن قانون قيصر، حيث عبّرت شخصيات عديدة محسوبة على المعارضة عن مخاوف وقلق من تطبيقه، مدفوعين بحرصهم على المواطن السوري الذي سيزيد تفعيل العقوبات من معاناته المعيشية، من دون المساس بالنظام، مؤسسات وأفرادا.
وفي سياق تلك المخاوف، يتم تقديم الاعتراض على القانون بوصفه “مُعضلة أخلاقية”، وهو موقفٌ لا بد من احترامه في جانبه العاطفي، وجزءا من الجدل الفلسفي الطويل في السياسة والأخلاق. ولكن في المقابل، لا بد من الرد عليه، كي لا يكون الطرف الآخر المؤيد للقانون في جانب المعارضة منزوع المشاعر، ولا يكترث لمعاناة المواطن السوري في الداخل جرّاء العقوبات.
ولعل فض الاشتباك بشأن القانون، لا بد أن يمرّ من خلال نقاش مؤشرات الاقتصاد السوري الحاليّة، قبل تطبيق القانون، ومستوى معيشة المواطن السوري في ظل هذا الاقتصاد، وصولاً إلى معرفة ما إذا كان تطبيق القانون يمثل “معضلة أخلاقية” فعلاً؟ ففي أحدث دراسة حول الأثر الاقتصادي للصراع الدائر في سورية منذ عشرة أعوام؛ بلغ حجم خسائر الاقتصاد السوري 540 مليار دولار، مع 40% نسبة دمار في البنية التحتية، كما بلغت نسبة البطالة 42.3%، بينما بلغت نسبة الفقر بين السوريين في الداخل 85%. أما بالنسبة إلى الدَين العام فقد بلغ 208% نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي.
إذاً، نحن نتحدّث عن اقتصاد مُنهار فعلياً قبل تطبيق العقوبات. إضافة إلى ذلك الانهيار الحالي في سعر الصرف ما هو إلا حلقة في سلسلة بدأت مع أزمة المصارف اللبنانية، والتي قيدت حجم السحب من القطع الأجنبي لزبائنها، ومنهم السوريون الذين تبلغ ودائعهم في المصارف اللبنانية 45 مليار دولار، ما دفع إلى زيادة الطلب داخل السوق السوري لتمويل الاستيراد، وبالتالي ارتفاع سعر صرف الدولار في سورية كونه أصبح سلعةً تخضع لقانون السوق، بعيداً عن المؤشرات الاقتصادية.
ثم تفاقمت الأزمة نتيجة الصراع داخل النظام السوري، بين بشار الأسد ورامي مخلوف، حيث يبدو أن الأخير استخدم أذرعه من صرّافي السوق السوداء، للتلاعب بسعر الصرف، وسيلة ضغط على النظام، ليأتي قرب تفعيل العقوبات الاقتصادية قانون قيصر حلقة أخيرة في سلسلة هبوط الليرة السورية، ولكن ليس بشكل مباشر، وإنما عبر إيجاد حالةٍ من الخوف لدى أصحاب رؤوس الأموال بالليرة السورية، دفعتهم إلى استبدالها بالعملات الأجنبية والذهب، تحسباً لانهيار أكبر. إذاً، وحتى الآن، لم يساهم القانون بشكل مباشر في تراجع سعر صرف الليرة السورية وارتفاع الأسعار، وإنما فساد نظام الأسد وداعميه من تجار ورجال أعمال هو المسؤول المباشر عما يحدث لليرة.
وبالنسبة للسوريين من خارج دوائر فساد النظام؛ فلم يكونوا في بحبوحة اقتصادية قبل قانون قيصر، والذي قد يسلبهم “عيشهم الرغيد” بعد تطبيقه؛ فهؤلاء يعيشون في ضيقٍ منذ سنوات الأزمة الأولى، وابتكروا عشرات من الطرق التكيفية في سلوكهم الاستهلاكي ونمطهم الشرائي للحفاظ على حد الكفاف، حيث يمكن تقسيمهم إلى شريحتين خارج دوائر فساد النظام من مؤسسات حكومية وعسكرية وتجارية:
يقدّر حجم الأولى بـ 55% من الأسر السورية التي تعتمد على تحويلات أبنائها من المغتربين، حيث بلغت قيمة صافي التحويلات في 2016، بحسب المكتب المركزي للإحصاء، 2.3 مليار دولار بمعدل وسطي يومي 6.5 ملايين دولار، وبلغت نسبة مساهمة التحويلات الخارجية في الدخل القومي للعام نفسه 19%، وهي نسبة تفوق نسبة مساهمة الصناعة ومبلغ الدعم الاجتماعي الذي خصصته الحكومة في ميزانية 2016. وتعبّر تلك الأرقام عن التحويلات التي تمرّ بالقنوات الرسمية فقط، وهي أقل بكثير من الرقم الحقيقي، كون غالبية التحويلات تتم عن طريق قنوات غير رسمية وسوق سوداء للهروب من عملية النهب التي يقوم بها “مصرف سوريا المركزي” عبر تقديم سعر صرف للحوالات، يقل بكثير عن سعر صرف السوق السوداء. الشريحة الثانية، وهي الأشد فقراً واحتياجاً، تعتمد كليّا على مساعدات المنظمات الإنسانية، وما بقي في المجتمع السوري من تكافل بعد سنوات الحرب العصيبة، إضافة إلى الأعمال البسيطة التي تدر عليهم بعض الدخل.
لن تتأثر تلك الشريحتان بشكل مباشر من تفعيل عقوبات قانون قيصر؛ فالتحويلات الخارجية، وإن تم التضييق عليها جرّاء القانون، فستستمر غالباً عبر القنوات غير الرسمية، وخصوصاً أن تلك القنوات تستخدم لتهريب الأموال خارج سورية، عبر عملية مقايضة، يتم من خلالها تسليم مبلغ الحوالة بالعملات الأجنبية في بلد ما، وتسليم ما يعادلها داخل سورية بالليرة. أما بالنسبة للمساعدات الإنسانية، والتي تعني الشريحة الأكثر فقراً، فقد استثناها القانون من العقوبات.
وبخصوص موارد الدولة السورية من قطاع الطاقة، والتي ستطاولها عقوبات القانون، حيث نص على معاقبة أي حكومة أو مجموعة تُسهّل من صيانة (أو توسيع) إنتاج الحكومة السورية المحلي للغاز الطبيعي والبترول ومشتقاته، فتلك الموارد أصلاً تم رهنها للشركات الروسية مقابل الدعم العسكري الروسي، الرسمي أو عبر المرتزقة من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن 85% من نفط سورية وغازها خارج عن سيطرة الحكومة، وبيد مليشيا قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركياً، فإجمالي ما يتم إنتاجه من حقول النفط التي يسيطر عليها النظام لا يتجاوز 24 ألف برميل يومياً، كما أن طوابير الانتظار أمام محطات الوقود ومراكز توزيع الغاز أصبحت مشهداً معتاداً في مناطق سيطرة النظام منذ سنوات، وهو ليس نتيجة عقوبات “قيصر”، وإنما نتيجة توظيف النظام الوقود المتوفر في خدمة مجهوده الحربي في قتل السوريين.
وبالنسبة للعقوبات المتعلقة بعملية إعادة الإعمار؛ فإنها افتراضية على اعتبار ما سيكون، وليس ما هو كائن، بمعنى أن المواطن السوري لن يتأثر بشكل مباشر إذا ما تأخرت عملية إعادة الإعمار، ولكن النظام هو من سيتأثر مباشرة؛ لأن العملية، وفقاً لتصور النظام وحلفائه، تهدف إلى القفز فوق الحل السياسي، وتعويم النظام وتدعيم انتصاره العسكري بشكل سياسي واقتصادي، إضافة إلى مكافأة مجرميه وداعميه، بفتح مجالات للاستثمار في مشاريع ومدن سكنية فاخرة، لا يحلم المواطن السوري العادي، حتى بالمرور قربها، وليس السكن فيها.
ومن يتابع عملية تشكيل الشركات المعنيّة بالإعمار في السنوات الماضية داخل سورية، سيجد أن جميع تلك الشركات مملوكة لرجال أعمال عراقيين ولبنانيين مع رجال أعمال سوريين، وجميعهم مجرّد واجهات اقتصادية لداعمي النظام من الدول والمليشيات.
إذاً، المعضلة الأخلاقية ليست في أثر عقوبات قانون قيصر على المواطن السوري، وإنما في طريقة تعاطي أصحاب الموقف العاطفي المعارض للقانون معه، فهم ينظرون إلى جانبه الخاص بالعقوبات فقط، ومن سيطاولهم أثر تلك العقوبات من السوريين، في حين يتناسون جوهر القانون وأسباب صدوره، والأهم من ذلك شروط تجميده وإيقاف العمل به.
وهنا السؤال لأصحاب الموقف الأخلاقي: أليس من حق 13 مليون نازح داخلي وخارجي من السوريين أن يعودوا إلى منازلهم بأمان؟ هل سمعتم عن وضع السوريين في مخيمات اللجوء الداخلي أو في دول الجوار؟ وكم حالة انتحار تقع في تلك المخيمات، نتيجة العجز عن تأمين لقمة الخبز للأبناء؟ ألا يحق لمئتي ألف معتقل في سجون النظام أن يرتاحوا من الجحيم اليومي الذي يعيشونه؟ وهل كثير على السوريين في ما تبقى من مناطق محرّرة أن يعيشوا في أمان بعيداً عن قصف طائرات الأسد وسلاحه الكيميائي؟ والسؤال الأكثر أهمية: ما البديل عن قانون قيصر للضغط على النظام وموسكو للانخراط بجدية في العملية السياسية؟
تلك هي الشروط التي حدّدها القانون لتجميد العقوبات، وهي بذاتها الأسئلة الحقيقية التي تحدد البوصلة للموقف الأخلاقي منه، حتى وإن كنا على ثقةٍ بأن العقوبات لم تسقط نظاماً ديكتاتورياً في الماضي، وقد لا تسقط نظام الأسد اليوم، ولكن يبقى قانون قيصر الخطوة الأكثر جدّية من الولايات المتحدة للضغط على النظام عبر بوابة الاقتصاد. ومن دونه، سيستمر هذا النظام وستستمر معه معاناة جميع السوريين، ولن يكون أمامنا حينها سوى اللطم والتباكي على تخاذل المجتمع الدولي.
العربي الجديد
——————-
المحور حين يتحدّى قيصر/ أرنست خوري
ينتمي قانون قيصر، أو قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا بحسب مسماه الأميركي الرسمي، الذي يدخل حيز التنفيذ اليوم، إلى زمن سوري آخر. كان زمن الاشتباك العالمي بين توجهين في ما يتعلق بالشأن السوري: إطاحة بشار الأسد ونظامه، وهو ما حملت لواءه مجموعة من دول أطلقت على نفسها لقب “أصدقاء الشعب السوري”، أو “إصلاحه”، أو قل إقناعه بتغيير سلوكه، بحسب المصطلحات الأميركية أيضاً. انقسام سياسي كان باراك أوباما، مدعوماً برخاوة أوروبية هي خليط من وهن ونفاق، قد حسمه منذ اليوم الأول لاندلاع الثورة/ الحرب السورية على طريقته بتفضيل الحلول المهادِنة للإبقاء على القتلة في دمشق بحجة عدم رغبته في تجاوز القانون الدولي والتدخل عسكرياً من دون قرار من الأمم المتحدة، فمَنَع وصول أسلحة كاسرة للتوازن إلى أيدي معارضي الأسد، في وقت لم يكن هناك لا داعش ولا جبهة نصرة، بل ملامح بديل جدي، عسكري (الجيش الحر) وسياسي (محاولات مجلس وطني وائتلاف…)، سرعان ما تم القضاء عليه. وعندما انشق الضابط، مصوّر الفظاعات، الذي يُرمز إليه بـ”قيصر”، وعرض شهاداته أمام الكونغرس الأميركي، عام 2014، كانت النقاط تتساقط على حروف الاتفاق النووي الذي وُلد بعد ذلك بعام واحد، ليقدم إلى طهران ما لم يكن يحلم به حكامها. عشرات مشاريع القوانين قُدمت في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين في ما يتعلق بمعاقبة نظام الأسد على الإبادة التي يرتكبها، لكن لم يصل أي منها إلى مستوى قرار بإزاحة رأس النظام، فظلت فلسفة أوباما مهيمنة على المشهد الذي صار مع الوقت منقسماً إلى تيارين اثنين: نضغط كثيراً أو قليلاً على النظام السوري لإجباره على وقف القتل؟
مرّت سنوات خمس ليدخل القانون، وهو مزيج من مشاريع قوانين عديدة، حيز التنفيذ قبل خمسة أشهر من مغادرة دونالد ترامب البيت الأبيض ربما، هو الذي أقسم اليمين عند تسلمه الرئاسة على ألّا يزج قواته في أي ساحة حرب جديدة، توفيراً للمال، لا بل عقد العزم على الخروج من ورطات أسلافه، وهو ما يتحقق بالفعل من العراق وأفغانستان إلى سورية نفسها. صحيح أن قانون قيصر (مدته خمس سنوات) وقعه ترامب وبدأ التنفيذ في عهده، إلا أنه فعلياً ينتمي إلى زمن باراك أوباما، إذ تشوبه سخافة الاقتناع بأن هذا النظام ممكن أن يصلح نفسه، أو محتمل أن يقتنع بالحل السياسي وبالتوقف عن القتل.
يتعامل هذا القانون مع النظام السوري على أنه بالفعل يتخذ القرارات ويقرر الاستراتيجيات، بينما يفيد الواقع بأنه صار، منذ فترة لا بأس بها، مجرد أداة للثلاثي الروسي ــ الإيراني ــ الحزب الإلهي. ثلاثي يدرك تماماً أن أي تنازل من النظام في القضايا التي نص عليها قانون قيصر، أو أي إعراب عن استعداد للتنازل في مسائل القتل والديمقراطية والحريات والحل السياسي، لن يكون إلا مدخلاً للإطاحة بالنظام.
ولما كان هذا المحور الروسي ــ الإيراني ــ الحزب الإلهي مستهدفاً اقتصادياً ومالياً أيضاً من “قيصر”، لعلّه يقتنع بالضغط على الأسد، أمكن ملاحظة الاختلافات الجوهرية في الوقاية منه على طريقة التهدئة في المتن والشغب في الهوامش: روسيا تعرف أطر التفاوض مع أميركا على ملفات تبدأ من فنزويلا ولا تنتهي بكوريا الشمالية مروراً بالصين وليبيا ومناطق انتشار صواريخ حلف شمال الأطلسي وقواعده في أوروبا الوسطى والشرقية. طهران تتبادل وواشنطن إطلاق سراح العلماء والعملاء ويهدأ التصعيد والتوتر في الخليج، وتطلب فجأة مساعدة فرنسا في تحليل الصندوق الأسود للطائرة الأوكرانية. أما رد إيران في سورية وفي لبنان، أي في الهوامش، فشغب صرف، من نوع فتح المعابر “غير القانونية” بالكامل من لبنان باتجاه سورية لتصل الدولارات الشحيحة والبضائع إلى دمشق لعلها تؤخر انتفاضة حرية وجوع جديدة للسوريين. ثم تعيين شخص ما يُدعى حسين عرنوس رئيساً للحكومة السورية، وهو مشمول بعقوبات أوروبية وأميركية منذ عام 2014، لكي “يتحدّى واشنطن” بحسب العنوان ــ النكتة الذي اختاره إعلام حزب الله في بيروت، وليسود “التفاؤل الحذر” في دمشق مثلما ترغب قناة العالم الإيرانية الحكومية أن نصدّق.
العربي الجديد
——————————
هل عادت الفرصة لإسقاط الأسد؟
مع دخول قانون قيصر، الأربعاء، حيّز التنفيذ، بالتزامن مع أزمة اقتصادية حادة جدًا يعاني منها النظام السوري، وتوسع نطاق الاحتجاجات التي خرجت من جديد في السويداء ومدن أخرى، للتعبير عن فقدان الأمل والتدهور الذي وصلت إليه المناطق التي يسيطر عليها، يعود السؤال من جديد عن مصير الأسد، خاصة مع الخلافات داخل الأقطاب المركزية في نظامه، وشعور حلفائه في روسيا وإيران بأنه يصبح عبئًا غير محتمل عليهما، وعائقًا أمام البدء بمشروع إعادة الإعمار، الذي تعتبره موسكو فرصة اقتصادية لا يمكن التفريط بها.
في هذا السياق، نشر الباحث البريطاني تشارلز ليستر في موقع صحيفة بوليتيكو الإلكتروني تقريرًا يناقش من خلاله أبرز التوقعات لمستقبل الصراع السوري، على خلفية الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في محافظة السويداء تطالب بإسقاط النظام السوري، ورحيل بشار الأسد عن السلطة، محذرًا واشنطن من الندم في حال فشلت بالتنسيق مع حلفائها للدفع بالحل الدبلوماسي الذي يجب أن يفضي بنهاية المطاف لإنهاء الأزمة السورية وفقًا لمقررات الأمم المتحدة.
يقول ليستر في مستهل تقريره إن الطائفة الدرزية في محافظة السويداء وجهت رسالة للنظام السوري في بداية الاحتجاجات السلمية التي اندلعت منذ أكثر من أسبوع ينص مضمونها على التالي: “وعدناكم أن نبقي الأمور سلمية.. لكن إذا أردتم الرصاص.. سوف تنالونه”، لافتًا إلى أن النظام السوري رد على الاحتجاجات بتنظيم مسيرات مؤيدة للأسد مع توجيه التهديدات للموظفين الذين يرفضون المشاركة في المسيرات المؤيدة.
وتشهد محافظة السويداء خروج مظاهرات يومية تطالب بالتغيير السياسي وإسقاط النظام السوري، وأفادت شبكة السويداء 24 المحلية بأن قوات الأمن وكتائب البعث (ميليشيا محلية) بالاشتراك مع موالين للأسد قاموا يوم الإثنين، بالتهجم على المتظاهرين السلميين بالاعتداء عليهم بالضرب، في وقت تأكد اعتقال قوات أمن لأربعة نشطاء كانوا مشاركين في المظاهرة المناوئة للنظام السوري، وسط توقعات عن ارتفاع حصيلة المعتقلين في صفوف المتظاهرين.
ويشير الباحث البريطاني إلى أنه على الرغم من نأي الطائفة الدرزية بنفسها على الصراع السوري خلال السنوات الماضية، فإن الأزمة الاقتصادية كانت السبب وراء خروجهم للتظاهر في الشارع، موجهين خطابهم للأسد مباشرة عبر الهتافات، ومعبرين عن تضامنهم مع محافظة إدلب، آخر معاقل المعارضة السورية، والتي يقيم فيها ما يزيد على ثلاثة ملايين مدني.
إذ إن احتجاجات السويداء رغم “روعتها” فإنها ليست إلا عرضًا من أزمة كبرى تضرب مفاصل نظام الأسد، وتحدد آفاق مستقبل بقائه في السلطة، حسب الباحث، حيث إن إقالة الأسد لرئيس الحكومة عماد خميس تُعد مؤشرًا واضحًا على أن الانهيار الاقتصادي والمظاهرات السلمية الأخيرة تشكل تحديًا حقيقيًا لشرعيته، وعلى الرغم من الشائعات التي تروج لانتصار الأسد في سوريا عبر القمع الوحشي للمعارضة السورية مستفيدًا من الدعم الروسي – الإيراني، فإن كل الأسباب العميقة التي أدت لانتفاضة السوريين خلال عام 2011، لم تعد قائمة فقط لا بل تفاقمت خلال العام الجاري.
يضيف ليستر في تقريره أن جميع التحديثات التي تواجه انتعاش ومصداقية وبقاء النظام السوري لا تزال حاضرة في مختلف أنحاء البلاد، من حيث توجه ملايين المواليين الذي يدعمون الأسد ظاهريًا في مناطق سيطرته لتبادل الهمسات الساخطة على حكمه، بعدما أصبحت الحياة خلال العام الجاري أسوأ مما كانت عليه في ذروة الصراع العسكري ما بين عامي 2014 – 2015 مما أدى لانهيار الاقتصاد السوري بسبب تمسك الأسد في السلطة.
ويبرز في اللحظة الراهنة وغير المسبوقة معًا، رغم إهمالها من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فرصة لواشنطن لاستخدام أوراقها المتبقية في يدها لاستغلال الانهيار الذي يواجه نظام الأسد حاليًا، عبر تفعيل الجهود الدبلوماسية مع حلفائها في الغرب والشرق الأوسط تفرض من خلالها تغييرات حقيقية، متوقعًا في هذا الإطار ثلاثة سيناريوهات يمكن أن تؤول إليها الأزمة السورية في النهاية.
ويتوقع الكاتب البريطاني في تقريره أن يلجأ الأسد في السيناريو الأول لتجربة كوريا الشمالية بعزله سوريا عن الاقتصاد العالمي، وترسيخ وجودها على الخارطة العالمية كدولة منبوذة، من خلال تحفيز الموالين للعب دور الضحية، أو يمكن أن يتخذ السيناريو الثاني منحى أسوأ عبر دخول البلاد إلى مستويات مختلفة من “العوز والمجاعة وتفاقم الإجرام و أعمال السلب”، ما قد يؤدي لتفكك وحدة الموالين للأسد بشكل كامل، تتحول معها سوريا لدولة فاشلة مثل الصومال.
ويستند ليستر في توقعات السيناريو الثالث لآراء الموالين للأسد الذي تحدثوا إليه في الجلسات الخاصة، الذين يروون أن الأزمة الداخلية غير العادية التي تعصف بنظام الأسد في الوقت الراهن من الممكن أن “تؤدي لتغيير في القمة”، معتبرًا أن هذه اللحظة في نظرهم قد تهدد بقاء الأسد في السلطة، وهو ما يتجاوز التهديد الذي شكلته فصائل المعارضة خلال السنوات الماضية.
وهو ما يعتبره خيارًا سيئًا للسوريين الموالين لدرجة أن الغضب وعدم الاستقرار وخيبة الأمل مع بعض الدعم الروسي، قد ينتهي بإقصاء الأسد لصالح شخصية أخرى راسخة في النظام، مع بروز سيناريو إضافي يمكن لواشنطن من خلاله لعب دور مهم مع حلفائها سواء الغربيين أو في المنطقة.
ويمضي الباحث البريطاني في تقريره منوهًا إلى أن النقد الموجه للأسد في وسائل الإعلام الروسية مؤخرًا، أو في المجالس الخاصة يدل على قلق موسكو من الوضع الراهن في سوريا الذي لم يكن سابقًا بمثل هذه الحدة، لافتًا إلى أن الانهيار الاقتصادي السريع غير القابل للعلاج، وتزايد العزلة الذاتية المفروضة من المجتمع الدولي على سوريا، قد تشجع – إن لم تكن كذلك بالفعل – موسكو، إلى جانب طهران شريك الأسد الأساسي في الحرب، على الشعور بعدم الارتياح مما يجعلهم عرضةً للخطر، لذا من الممكن أن يظهر الطرفان انفتاحًا على أحد أشكال التسوية الدولية للأزمة السورية.
إذ إنه وعلى الرغم من معناة التواجد الأمريكي في سوريا من قرارات إدارة متقلبة، فإن واشنطن لا تزال مهتمة بما يحدث على صعيد منطقة الشرق الأوسط والعالم، وعليها صياغة تسوية بناء على نقاط الضعف التي يعاني منها الأسد، مما يجعلها أمام فرصة مهمة أكثر من السابق، فقد أدى انهيار الاقتصاد السوري لتضخم في السوق المحلية بعد إغلاق واسع للأسواق، في ظل نقص حاد بالمواد الغذائية وارتفاع بمعدلات البطالية، وأصبح 85 بالمائة من السوريون يعيشون تحت خط الفقر، فضلًا عن عدم حصول النظام السوري على مايكفي من القمح لنهاية العام الجاري، والتزايد البطيء في أعداد المصابين بفيروس كورونا الجديد.
ويلفت الباحث البريطاني إلى أن قرار تحويل الاقتصاد في مناطق الشمال التي تسيطر عليها المعارضة السورية المدعومة من تركيا، سيعمل على إخراج نسبة عشرة بالمائة من السوريين من التعامل بالليرة السورية، وسط أحاديث عن فعل الشيء ذاته في إدلب التي يقطنها 18 بالمائة من السوريين، بحيث أن خروج ما يقارب 30 بالمائة من السوريين من التعامل بالعملة المحلية قد يكون مسمارًا في نعش الاقتصاد السوري بصورة عملية.
وكان واضحًا وفقًا لليستر أن خلاف الأسد مع ابن خالته وأغنى رجال الأعمال في سوريا رامي مخلوف فتح جبهات جديدة من الفوضى في البيت الداخلي للنظام، بالأخص بعدما ساهمت أموال مخلوف بإنقاذ الأسد من الانهيار خلال السنوات الماضية، موضحًا أن مخلوف لن يكون رجل الأعمال الأخير الذي ستستهدفه الأجهزة الأمنية التابعة للأسد، بسبب بحثه عن المال الكافي تحت الحاجة الملحة لتفادي الانهيار الاقتصادي في مناطق سيطرته.
ويقول ليستر مستدركًا في تقريره إن الأزمة الاقتصادية التي تضرب بالنظام السوري ليس سببها فقط العقوبات الاقتصادية الأوروبية – الأمريكية المشتركة المفروضة على أفراد ومؤسسات تصنف على أنها شريكة في حرب الأسد ضد معارضيه، إنما يضاف إليها الأزمة الاقتصادية اللبنانية، والارتفاع المتزايد لمؤشرات الفساد، وانعدام الكفاءة في إدارة النظام السوري لمؤسساته، بسبب إصرار الأسد على إعطاء الأولوية للحملات العسكرية الوحشية في إدلب.
كما أن فشل الأسد في تحقيق الاستقرار ضمن المناطق التي استعاد السيطرة عليها من المعارضة السورية منذ عام 2016 كان له دور بذلك، لذا يرى ليستر أنه لا يوجد حل سحري للمشاكل الكثيرة في سوريا، غير أنه في حال وجد فلا يظهر أن واشنطن تفضله في سياستها الحالية، رغم أهمية سوريا للأمن الوطني الأمريكي ومصالحها في الشرق الأوسط، معتبرًا أن التأثيرات المخلة بالاستقرار الناجمة عن الأزمة السورية دليل ملموس على أهمية سوريا في العالم.
ويعدد ليستر تأثيرات الأزمة السورية على الصعيد العالمي بالاستناد للمتغيرات السياسة على الساحة العالمية، والتي بدأت من خلال موجة الهجرة عبر البحر إلى أوروبا في عام 2015، مما ساهم بصعود الشعوبية واليمين المتطرف على المستوى العالمي، فضلًا عن عملية البريكست، وضعف الاتحاد الأوروبي، وظهور تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأخيرًا الفوز الدراماتيكي لترامب في انتخابات الرئاسة قبل أربعة أعوام، والذي يصفه بأنه جزء من “الفوضى السورية”.
فقد عمل الأسد على تحطيم جميع المعايير الدولية كما لم يفعل أحد من قبل خلال العصر الحديث، عبر قائمة طويلة تزيد على 350 هجومًا بالسلاح الكيميائي شنها على مناطق المعارضة السورية، وعودة روسيا القوية للمنطقة من بوابة سوريا بتحالفها لاحقًا مع تركيا، ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، واستثمار طهران في الأزمة السورية لتحقيق هدفها بفتح طريق يمتد من طهران إلى دمشق مرورًا ببيروت حتى القدس، معيدة توزيع القوى مرةً أخرى في المنطقة، حيث إن تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم الأسد شجع على حقبة من الانعزالية تنمو فيها الحكومات الديكتاتورية.
إلا أن الوجود العسكري الأمريكي الذي ساعد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على السيطرة على 25 بالمائة من شرق سوريا حيث تتركز معظم الموارد النفطية، يمنح واشنطن ورقة ضغط هامة عند جلوسها على طاولة المفاوضات بحسب ما يرى ليستر، فضلًا عن ورقة العقوبات الأوروبية – الأمريكية المشتركة، التي يمكن أن تكون الطريق الوحيد لإنهاء الأزمة السورية، عندما يبدأ الحراك الدبلوماسي، وإعادة الاندماج الاقتصادي في البلاد.
ويتوقع الباحث البريطاني أن قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين الذي دخل حيز التنفيذ اليوم الأربعاء، سيمنع الأطراف الدولية على مختلف التحالفات السياسية من التعامل الاقتصادي مع النظام السوري، والتي يرى أنها “خطوة مهمة جاءت في الوقت المناسب” غير أنها تفتقر لمسار دبلوماسي يمكن لواشنطن الاستفادة منه.
ويختم تشارلز ليستر تقريره بالقول إن ما تريده واشنطن من وراء قانون قيصر توجيه رسالة لموسكو تقول فيها إنه من السهل علينا الحفاظ على عزلة الأسد الدولية لكن ذلك سيكون مكلفًا وخطيرًا من جانبكم، ومن السهل إنهاء العزلة الدولية مقابل تنازلات سياسية من الأسد، من خلال البدء بإجراء عملية سياسية حقيقية تقود إلى التشارك في السلطة، ووقف شامل لإطلاق النار، والإفراج عن آلاف السجناء السياسيين، وإصلاح دستوري، وقبول اللامركزية وإجراء انتخابات تحت مراقبة دولية تشمل المهجرين.
الترا صوت
——————————–
قانون قيصر: الفاعلية والأهداف في موقف أميركي بسند تشريعي/ عمر كوش
من المنتظر أن يدخل “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” حيّز التطبيق الفعلي اليوم الأربعاء، 17/ 6/ 2020، كي يدشن مرحلة جديدة من العقوبات التي ستفرضها الإدارة الأميركية على النظام السوري وحلفائه وداعميه، وتستهدف الأفراد والمؤسسات والكيانات المرتبطة بالنظام وداعميه، عبر إجراءاته العقابية، التي ستتخذ ضدهم وفق ما ينص عليه القانون.
ولم يكن سهلاً إصدار هذا القانون الذي سمي بالاسم الحركي (قيصر أو سيزر) لمصور عسكري انشقّ عن جيش النظام في منتصف العام 2013، وتمكّن من تهريب حوالي 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل مدني سوري، قضوا تحت التعذيب والتجويع داخل سجون النظام، حيث شهد القانون مراحل مختلفة، بذلت خلالها منظمات دولية عديدة، وخصوصا داخل الولايات المتحدة، جهوداً كبيرة من أجل إصداره، بعد أن أعدت مشروعه على خلفية مشاهد الصور المؤلمة والفظيعة التي سرّبها قيصر.
وبدأت رحلة القانون بالتحرّك بعد حوالي عام على انشقاق قيصر، وذلك عندما تمكّنت منظمات حقوقية أميركية من إيصال الصور إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، ثم قدّم قيصر شهادته أمام الكونغرس الأميركي، لكن إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما، لم تحرّك ساكناً حيال النسخة الأولى من مشروع القانون. وعلى الرغم من أن مجلس النواب الأميركي قد صوّت عليه مرتين في عامي 2016 و2017، إلا أنه لم يصل إلى مجلس الشيوخ حتى عام 2019. ثم جرت عملية إلحاقه ضمن موازنة وزارة الدفاع الأميركية لعام 2020. وأقرّه مجلس الشيوخ في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2019، ثم وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العشرين من الشهر نفسه، ليصبح بذلك الموقف الأميركي من نظام الأسد محكوماً بسند قانوني.
نص القانون
يحددّ نص قانون قيصر (أو سيزر) الجهات والأطراف والكيانات والأفراد المستهدفين بالعقوبات، ويشملون “البنك المركزي السوري”، و”أي شخص أجنبي متورّط في توفير دعم مالي أو مادي أو تقني، أو قام وساعد في صفقة كبيرة مع أي كيان للحكومة السورية أو شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية، أو أي شخص أجنبي، مقاول عسكري، أو مرتزق، أو في قوة شبه عسكرية، يعمل عن عمد، بصفة عسكرية داخل سورية لمصلحة الحكومة السورية أو باسمها”.
ويشير نص القانون صراحة إلى خضوع “حكومتي روسيا أو إيران، أو شخص أجنبي تابع لتلك الدولتين” للعقوبات، و”أي جهةٍ دوليةٍ وأي شخص باع أو قدّم خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً مهماً أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية في مجال الغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية”. وكذلك “أي جهة أو شخص يبيع قطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية وخدمات بناء أو هندسة مهمة لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها، أو لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة مع الحكومة السورية”. ويفرض القانون عقوباتٍ على مسؤولي نظام الأسد الذين ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان ضد المدنيين السوريين أو أفراد عائلاتهم. كما حدّد القانون مجموعة الأشخاص المفترض أن تشملهم العقوبات، بينهم رأس النظام السوري، ورئيس الوزراء ونائبه والوزراء، وقادة القوات العسكرية البرّية والبحرية والمخابرات، ورؤساء الأفرع الأمنية والمسؤولين في وزارة الداخلية والشرطة، إضافة إلى قادة الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، والمسؤولين في سجون النظام.
وتشمل العقوبات التي ينص عليها قانون قيصر “تجميد وحجب الملكية الخاصة بتلك الجهات أو الدول، ومنع وحظر جميع المعاملات في الممتلكات، والمصالح لتلك الجهات أو الأشخاص إذا كانت موجودة في الولايات المتحدة، أو في حوزة شخص من الولايات المتحدة”. إضافة إلى أن كل “من تشمله العقوبات يصبح غير مقبول للولايات المتحدة، أي غير مؤهلٍ للحصول على تأشيرة أو إعادته إلى الولايات المتحدة، أو الحصول على أي منفعة أخرى بموجب قانون الهجرة والجنسية، وتلغى تلقائياً التأشيرة السارية أو تأشيرة دخول أخرى موجودة في حيازة الأجنبي”. ويطلب القانون من رئيس الولايات المتحدة “إطلاع الكونغرس على استراتيجيته للمساعدة على تسهيل قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى الخدمات المالية، للمساعدة وتسهيل توصيل المساعدات بشكل آمن وفي الوقت المناسب للمجتمعات المحتاجة في سورية”، ما يعني أن القانون يستثني من العقوبات المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدات الإنسانية في سورية.
وحددّت مدة قانون قيصر بخمس سنوات، بدءاً من 20 كانون الأول/ ديسمبر عام 2019، عندما وقع عليه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لكنه يجيز رفع العقوبات كلياً، أو تعليقها جزئياً في حال قرّر الرئيس أن شروطاً أو معايير محدّدة قد استوفتها حكومة النظام أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران، وتتجسّد تلك المعايير في “عدم استخدام المجال الجوي فوق سورية لاستهداف السكان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة، بما في ذلك البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والأسلحة التقليدية، بما في ذلك الصواريخ والمتفجرّات، ولم تعد المناطق المحاصرة معزولة عن المساعدات الدولية مع إمكان الوصول بانتظام إلى المساعدات الإنسانية، وحرية التنقل، والرعاية الطبية”. وكذلك “توقف استهداف المرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني بما في ذلك الأسواق”. وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين يتم احتجازهم قسراً في سجون النظام، والسماح لإجراء منظمات حقوق الإنسان الدولية التحقيقات. إضافة إلى سماح النظام بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شرّدهم النزاع، واتخاذ حكومة النظام خطوات يمكن التحقق منها لإقامة مساءلة ذات معنى لمرتكبي جرائم الحرب في سورية، وتحقيق العدالة لضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد.
أهمية القانون
الغاية من القانون تغيير سلوك النظام في سورية وداعميه، والضغظ عليهم للانخراط في مفاوضات مسار الحل السياسي الذي أقرّته قرارات الأمم المتحدة، بغية تحقيق عملية الانتقال السياسي في سورية. وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية قد فرضت عقوباتٍ على مسؤولين في النظام السوري، ورجال أعمال موالين له، شملت حظر الأصول المالية لبعض الأشخاص والكيانات القانونية الخاضعة للولاية القضائية الأميركية، وحظر تصدير فئات معينة من السلع والخدمات إلى سورية، فإن العقوبات التي ينص عليها “قانون قيصر” تختلف عن سابقتها، لأنها تشمل كل من يتعامل مع النظام ويسانده من خارج سورية وداخلها، وستطاول مواقع ومؤسسات للنظام على عكس العقوبات السابقة التي كانت تطاول أفراداً محدّدين، لذلك أنشأ الكونغرس الأميركي لجنة متخصصة تدعى “فريق قيصر”، تضم مجموعة استشاريين من عدة دول يشملها القانون، مهمتهم إعداد لائحة بأسماء أشخاص وكيانات وشركات تدعم النظام السوري أو تتعامل معه اقتصادياً، منذ تاريخ توقيع القانون، وبالتالي فإن أهمية القانون تتجسد في كونه بات جزءاً من المنظومة القانونية الأميركية، ويمتلك آليات محددة، إلى جانب فريق عمل متخصص.
التوقيت والغايات
ويأتي تطبيق قانون قيصر (أو سيزر) في وقت يحاول فيه ساسة النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون تسويق انتصاراتهم العسكرية على المعارضة السورية، ومحاولاتهم لاستثمارها اقتصادياً وسياسياً، فيما جاء هذا القانون كي يثبط تلك المحاولات على المستوى الافتصادي، من خلال ضرب مفاصل اقتصاد النظام، عبر استهداف المرتكزات والموارد المالية له، وخصوصا المصرف المركزي، وإضافة إلى الكيانات والشبكات المرتبطة به، ووضع قيود على عمليات التبادل الاقتصادي والتجاري بين النظام وحلفائه وداعميه الإقليميين والدوليين، عبر استهداف طرق إمداده بالأموال والمعدّات التي يستخدمها في حربه ضد المدنيين السوريين.
وتريد الإدارة الأميركية من تركيزها على استخدام سلاح العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر أن تنقل الصراع على سورية وفيها من المستويين، العسكري والدبلوماسي، إلى المستوى الاقتصادي، وبما يمكنها من تغيير سلوك النظام وتوجهاته، معتقدة أن قوة ضغوطها الاقتصادية التي ستطبقها على نظام الأسد وحلفائه وداعميه، الدوليين والإقليميين، وفق هذا القانون كافية لمنع استثمار ما حققوه عسكرياً على الأرض، وأنهم سيغيرون توجهاتهم ومساعيهم الرامية إلى إعادة تلميع وتسويق النظام، ما يعني إفشال كل ما قاموا به من جهود من أجل تثبيته، الأمر الذي يجعلهم يفكرون من جديد في البحث عن البديل والانخراط في تسويات سياسية، لذلك تكمن أهمية قانون قيصر في نقله العقوبات الاقتصادية ضد النظام السوري وحلفائه، وخصوصا الروس والإيرانيين، إلى مستوىً نوعي جديد، ربطته الإدارة الأميركية بالمصالح القومية الأميركية، من خلال إدراجها القانون ضمن ميزانية وزارة الدفاع الأميركية، ما يعني أن العقوبات المنصوص عليها في القانون ستستهدف القوى والأطراف المهددة للمصالح الأميركية، وسيشكل عامل رد لمحاولات بعص الأطراف والقوى الدولية والإقليمية الراغبة في التطبيع والتعامل الاقتصادي مع نظام الأسد، بوصفها جريمة قانونية من وجهة نظر المشرع الأميركي.
الأثر والفاعلية
اختلفت المواقف من القانون وفاعليته ومدى تأثيره على النظام السوري، ونشأت شكوك حول قدرته على إجبار النظام للدخول في مسار الحل السياسي، وإنهاء الكارثة التي يعيشها السوريون منذ بدأ حربه الشاملة عليهم قبل تسع سنوات، بالنظر إلى طبيعة نظام الأسد الاستبدادي وتركيبته المافيوية، إضافة إلى أن تجربة العقوبات الأميركية على الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية، مثل نظام صدّام حسين وغيره، لا تشير إلى أنها حققت تأثيراً واضحاً على سلوكها ونهجها القمعي، وخصوصا أن نظام الاستبداد الأسدي لجأ في حربه إلى نهجٍ حملّ فيه المواطن السوري كل تكاليف هذه الحرب وتبعاتها، وعمد إلى الالتفاف على العقوبات الدولية السابقة، وأنشأ منظومات لهذه الحرب، وحوّل اقتصاد سورية إلى جزء منها، وقام بعمليات غسل للأموال بواسطة تجار الحرب، عبر نشاطات اقتصادية مشبوهة، وبمساعدة منظوماتٍ دوليةٍ وإقليمية، حيث لم تخف كل من موسكو وطهران دعمهما كل ما يقوم به النظام، إضافة إلى دعم قوى مليشياوية له في كل من لبنان والعراق. وبالتالي لن تحقق فعالية العقوبات الاقتصادية على النظام أهدافها في تغيير سلوكه أو نهجه، على الرغم من أن العقوبات الأميركية ستؤثر على الناتج الاقتصادي السوري، وعلى مختلف القطاعات الاقتصادية، وستترك أثراً قد يمتد سنوات طويلة، لكن النظام سيحاول اللجوء إلى حيل وألاعيب غير مشروعة، لتجاوز تبعات عقوبات قانون قيصر. لذلك هناك خشية مبرّرة للسوريين داخل مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة من أن تسهم عقوبات قانون قيصر في زيادة معاناتهم المعيشية في ظل الانهيار الاقتصادي والبطالة والفقر المفروضة عليهم بسبب حرب النظام.
وظهرت أصوات ترفض القانون من جهة، التذرّع بالحفاظ على الدولة السورية وسيادتها، التي خرّبها نظام الأسد، وباعها للروس والإيرانيين وسواهما، ومن جهة أخرى النيل من مواقف النظام “الوطنية”، وأنه يدفع ثمن دعمه المقاومة، مع العلم أنها ذرائع ومشاجب زائفة، ولا تمتلك أي مصداقية. في المقابل، يأمل معارضون سوريون في أن تشكل عقوبات قيصر ضربة للنظام، وأن تجعله راضخاً لمطالب التغيير في سورية، لكن بعضهم يتوقع أن يحوّل النظام العقوبات الأميركية بموجب قانون قيصر مشجباً تُعلّق عليه كارثة السوريين بكل تداعياتها ومظاهرها.
والحاصل أنه إذا كانت الإدارة الأميركية راغبةً فعلاً في دفع النظام نحو قبول الحل السياسي باستخدام قانون قيصر، فإنها باتت تملك سنداً قانونياً قوياً، خصوصا وأن نظام الأسد مقبل على أزمة اقتصادية متصاعدة، لكنها لا يتوقع أن تؤدّي إلى رضوخه، طالما أنه يتلقى دعم حلفائه. لذلك، يستهدف قانون قيصر ليس نظام الأسد، بل يستهدف الروس والإيرانيين وسواهم، ويعول عليهم في تغليب مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية.
العربي الجديد
——————————
قانون قيصر بين الخليج وسوريا/ ظافر محمد العجمي
قانون قيصر قد لا يسقط بشار الأسد أو النظام برمته مما يفتح الباب لدخول المستثمر الخليجي لإعادة إعمار سوريا.
من غير المعقول استبعاد الدول الخليجية من العملية الاقتصادية وهي جزء من معظم العمليات السلمية والقتالية أيضا.
لو تجاوز الخليجيون قانون قيصر لإعادة إعمار سوريا ببقاء الأسد أو زواله فحذار أن يتركوا شَرط بدء عملية سياسية مراقبة دولياً بعيدا عن قوى التحالف هناك.
* * *
استخدمت عواصم خليجية عدة في فترات قريبة كلمة «الحكومة» بدلاً من «النظام»، لوصف قادة سوريا، ولم يكن الأمر بحاجة لإعادة طرح سؤال نزق إن كنا خليجيين أولاً أم تجاراً أولاً؟! والآن نعيد طرحه مع توسيع التعريف فيما يخص سوريا إن كنا في الخليج عرباً أولاً أم تجاراً أولاً؟!
نزعة التاجر الخليجي الموصومين بها تم تكييفها لتبدو مقبولة بالترويج القائل إن مراكز أبحاث صهيونية ترى توظيف المال الخليجي لإعادة إعمار سوريا عبر إقناع من موسكو، التي عليها التعهد بإخراج الإيرانيين من سوريا أولاً، وبذا تكتمل الحبكة.
ولنتذكر أن إعادة إعمار البلدان المدمرة بعد الحرب هو مجال استثماري مغرٍّ لكل صاحب رأسمال من سوليدير في بيروت إلى البوسنة والهرسك؛ حيث كان المستثمر الخليجي هناك.
ولا بد أن نشير أولاً إلى بدء سريان قانون قيصر الأميركي الموجه ضد الحكومة السورية، والأفراد والشركات التي تقدم التمويل أو المساعدة لرئيس سوريا، بما في ذلك تلك المُتعلِّقة بالبنية التحتية، مما أدى إلى أزمة اقتصادية حادة في سوريا، قد تكون مفيدة للخليجيين، وقد لا تكون تبعاتها كذلك.
فقد أدت لانهيار الليرة السورية حيث أراد الأسد أن يكون هناك «سوريا المفيدة» وسوريا «غير المفيدة»، لكنه فشل وخسر النظام كما يقول خبراء سوريون ثلثي ثروات سوريا، وكل مصدر للعملة الصعبة كالنفط والماء والغاز ومحطات الكهرباء والقمح والقطن والزيتون.
فالأراضي التي فيها الخيرات إما تحت سيطرة المعارضة السورية والأتراك أو الأكراد أو الأميركان بذريعة منع داعش من الاستيلاء على حقول النفط.
ويقال إن العقوبات الأميركية السابقة على سوريا قبل قانون قيصر قد فشلت، مما يعني أن قانون قيصر قد لا يسقط الرئيس بشار الأسد أو قد لا يسقط النظام برمته، مما يجعل الباب مفتوحاً لدخول المستثمر الخليجي لإعادة إعمار سوريا.
فمن غير المعقول استبعاد الدول الخليجية من العملية الاقتصادية برمتها، وهم جزء من معظم العمليات السلمية والقتالية أيضاً هناك. مع إمكانية تكرار سيناريو العراق حيث عمل الخليجيون بجد لمساعدة إخوانهم العراقيين وقتئذ ، لكن المشاريع ذهبت لشركة هاليبرتون الأميركية، ووصل كل شيء عبر العقبة بشاحنات أردنية، رغم أن الكويت أقرب!
كما قام الأسد قبيل سريان قانون قيصر بمحاولات لجذب شركات من دول عدة لإعادة إعمار سوريا، فنصف السكان بلا مساكن، وهناك تدمير تام لنصف المرافق العامة، مما يجعل الإعمار ضرورة ملحة تصل قيمتها 600 مليار دولار وليس خيارا بين خيارات!
لذا روج الأسد إلى لقيامه بتوفير بيئة استثمارية آمنة بإيجاد الشفافية، والوضوح في حقوق المستثمر، وما هي واجباته، ويسر ومتانة الجوانب القانونية، خصوصاً تطوير قانون الاستثمار استناداً إلى المعايير الدولية.
لو تجاوز الخليجيون قانون قيصر لإعادة إعمار سوريا، ببقاء أو زوال الأسد، فالمهم أن لا يتركوا شَرط بدء عملية سياسية مراقبة دولياً، بعيدا عن قوى التحالف هناك..
كاتب وأكاديمي كويتي
المصدر | العرب القطرية
————————–
سوريا.. قانون قيصر ونماذج شبيهة/ أحمد موفق زيدان
أثبتت الأنظمة الشمولية والديكتاتورية قدرة كبيرة على التلاعب مع قوانين العقوبات.
نظام بشار عصابة مجرمة قادرة على التكيف والتلاعب بالقانون كما فعلت مع ما سبقه!
هل تحتاج واشنطن لاستعداء الشعب السوري كما حصل مع الشعب العراقي ثم عداوة الشعوب العربية والإسلامية.
تفرض أمريكا على الآخرين عدم تسليح الجيش الحر بمضادات الطيران الضرورية لوقف الموت جوا على يد العصابة لعقد كامل.
ماذا تبقى من مؤسسات سوى مؤسستي القتل: الجيش والمخابرات ويبدو النظام الدولي مصرّا على إبقائهما سيفا مسلطا على الشعب؟!
* * *
دخل قانون قيصر حيز التنفيذ اليوم، وأيدي السوريين على قلوبهم من أن يكونوا ضحيته، فيستهدف الشعب أكثر مما يستهدف عصابة مجرمة قادرة على التكيف والتلاعب بالقانون، كما تكيفت وتلاعبت مع من سبقه!
وهي التي تعيش أصلاً خارج السياق الزماني والمكاني، ولا تنطبق عليها قوانين ولا تنظمها نظم، لا سيما أن الجميع قد رأى انهيار العملة السورية يضرب أول ما يضرب المواطن العادي الذي يعجز اليوم عن توفير المادة الأساسية كالخبز، فضلاً عن احتياجاته الأساسية الأخرى، ويحصل هذا في ظل عجز القوى الثورية، ومن خلفها في تأمين العملة البديلة في المناطق المحررة.
لقد أثبتت الأنظمة الشمولية والديكتاتورية قدرة كبيرة في التلاعب مع قوانين العقوبات، وأمامنا ما شهده العراق حيث كانت العقوبات الدولية على العراق تستهدف الشعب أول ما تستهدف، فكان الضحية موت مليون عراقي ومعاناة لا حصر لها، لتتجه واشنطن في النهاية نحو الخيار العسكري لإسقاط النظام العراقي..
والأمر نفسه ينسحب بطريقة أخرى أو بأخرى على كوبا وفنزويلا وإيران وغيرها من الدول التي فرضت أميركا عقوبات اقتصادية لسنوات، وربما لعقود عليها، دون أن تلحق الضرر بالأنظمة بشكل كبير، وإنما ألحقته بالشعوب في الغالب.
أليس هناك من خيار آخر لإسقاط عصابة استخدمت كل المحرمات في حربها ضد البشرية والإنسانية كالكيماوي والبراميل المتفجرة والصواريخ الباليستية وقصف الطيران للمدن والقرى والمشافي والأسواق.
وبين هذا كله صور التعذيب المرعبة التي كشف عنها قيصر، وصور ما وصفت بالمسالخ البشرية في السجون السورية، فضلاً عن استجلاب العصابة لاحتلالات متعددة وميليشيات طائفية عابرة للحدود.
فهل واشنطن بحاجة إلى استعداء شعب جديد هو الشعب السوري، كما حصل مع الشعب العراقي، وما استتبع ذلك من عداوة مع الشعوب العربية والإسلامية، بعد معاناة الشعب العراقي.
لأميركا الحق والواجب في دعم ميليشيات كردية لم تتعرض لواحد بالمائة مما تعرضت له الأغلبية السنية الثورية على أيدي الاحتلالات الأجنبية وذيلها العصابة الأسدية، ولكن ليس من واجبها أن تفي بما تعلنه وترفعه من قيم وشعارات وتعهدات في لجم عصابة تستخدم الكيماوي وغيره من الأسلحة المحرمة دولياً!
بل تفرض شروطاً على الآخرين في عدم تسليح الجيش الحر بمضادات الطيران لوقف الموت جواً على يد العصابة ولعقد كامل، وهي نفسها أميركا التي أوقفت كل أشكال الدعم والمساندة لقوى الجيش الحر وانسحبت من المعركة أمام روسيا وإيران.
والأعجب من هذا كله هو أنها أميركا نفسها التي تدعم ميليشيات كردية مفروضة على الشعب الكردي قبل أن تكون مفروضة على الشعب السوري، وعلى استعداد لإفساد علاقاتها مع الحليف التركي التقليدي لعقود من أجل هذه الميليشيات.
لن ينطلي على الشعب السوري التحركات الأميركية الأخيرة، فرغم أن ظاهرها يستهدف النظام ومن وراءه فإنها تستهدف أيضاً وبشكل مباشر السوريين في مضاعفة معاناتهم، تماماً كما تستهدف بشكل عميق بنية الدولة واقتصادها.
ويجعل البلاد رهينة للبنك الدولي والمؤسسات النقدية الدولية لسنوات وربما لعقود، فتدمير البلد ما كان له أن يتم بهذا الشكل المخيف لو لم يأمن طاغية الشام وعصابته العقوبة الدولية والعقوبة الأميركية تحديداً، ليأتي المبعوث الأميركي جيمس جيفري بعد كل هذا الخراب والدمار ويعلن أن إسقاط الأسد لا يعني رحيل النظام ومؤسساته!
ولا أدري ماذا تبقى من مؤسسات بعد كل هذا الدمار والخراب سوى مؤسستي القتل: الجيش والمخابرات، وهما المؤسستان اللتان يبدو أن النظام الدولي مصرٌّ على إبقائهما كسيف مسلط على الشعب للفتك به إن حاول ثانية الانتفاض ضد جلاديه، أما تدمير المؤسسات الخدمية الأخرى من تعليم وصحة ونحوهما فلا يعني المجتمع الدولي.
رهن الدول ومنها أميركا نفسها بالإبقاء على مؤسسات النظام إنما هو اصطفاف فاضح وواضح إلى جانب القاتل لعقد كامل، ويستلزم ذلك تحمل مسؤولية بشكل متساو كمسؤولية النظام نفسه، فلا مندوحة للعالم كله أن ينحاز لربيع عربي وسوري ليس حكراً على وطن دون وطن ولا جغرافية دون أخرى، ونحن نرى ونلمس عولمة الربيع العالمي من الماء إلى الماء.
كاتب صحفي وإعلامي سوري
المصدر | العرب القطرية
———————–
==============================
=====================
تحديث 18 حزيران 2020
———————-
آخر أخبار النظام السوري/ بكر صدقي
تتوالى الأخبار القادمة من سوريا وبخصوصها في غير ما يشتهي نظام الأسد وحلفاؤه. وكأن ما كانت تغطيه أصوات انفجارات القنابل والصواريخ فوق رؤوس المدنيين والمرافق الصحية والمدنية، صار يسمع بصورة مضخمة. فقانون سيزار الذي يتضمن تدابير اقتصادية قاسية قد بدأ مفعوله قبل نفاذه عملياً، ومظاهرات السويداء التي رفع فيها شعار اسقاط النظام وعلم الثورة بدت وكأن بواكير الثورة السورية في آذار 2011 قد عادت بكل زخمها، والهبوط الحاد والمتواصل لقيمة الليرة السورية يعطي الانطباع بأنها باتت في خبر كان، ومعها الاقتصاد والاجتماع السوريين ككل، ليبقى فقط شبح نظام متداعٍ ينتظر من يطلق عليه طلقة الرحمة.
مدينة السويداء التي شهدت، في مطلع العام الحالي، مظاهرات مطلبية ووجهت من قبل النظام بالتخوين، فانكفأت، ثم طواها النسيان بفعل دخول فايروس كورونا إلى المشهد، عاد نشطاؤها إلى الميدان مجدداً، رافعين هذه المرة، شعارات أكثر راديكالية. كان لافتاً بطء استجابة النظام تجاه الموجة الجديدة من المظاهرات، بطء فسره البعض بعدم رغبة النظام في مواجهة مكون أهلي محسوب على الأقليات المذهبية. لكني أكثر ميلاً إلى تفسير ذلك بالإنهاك المعنوي الذي أصاب النظام وأدواته القمعية، بفعل توالي الأحداث المثبطة في الأسابيع الأخيرة، مما أضفى على أدائها نوعاً من البلادة الحميدة.
فـ»مجتمع النظام» إذا جاز التعبير، الذي لم يصح بعد من صدمة الحملة الإعلامية الروسية على رأس النظام، تلقى صدمة انشقاق رامي مخلوف «من عظام الرقبة»، ليترنح بفعل استباحة روسيا لأراضي الساحل بقرار من الرئيس الروسي الذي رسم سفيره في دمشق ممثلاً له مقيماً في العاصمة جاثماً فوق صدر النظام، ثم دخل نفق اليأس مع اقتراب تطبيق قانون قيصر وسقوط الليرة السورية سقوطاً حراً بلا قرار. وهكذا سرعان ما نسي المجتمع المذكور أهازيج النصر التي كانت تسكره، قبل أقل من سنة، واعدةً إياه بمستقبل وردي من «خيرات» إعادة إعمار موهومة، فرأى أن «صموده» طوال تسع سنوات في وجه المستقبل لم يثمر استيلاء منه عليه، بل جاء بنتائج أسوأ من أسوأ كوابيسه.
أمام هذا الوضع، انتعشت سيناريوهات كثيرة حول ترتيبات دولية مفترضة بشأن طي صفحة نظام الأسد، تدور غالباً حول وصول القيادة الروسية إلى نهاية الطريق في تمسكها ببشار الأسد واضطرارها للبحث عن بديل له من داخل النظام يفتح الباب أمام تسوية سياسية تبقي على النظام وعلى المصالح الروسية في سوريا ما بعد الأسد. ويتم تعزيز هذا السيناريو بحراك أمريكي يلاقيه، من خلال الضغط الهائل الذي سيشكله تطبيق قانون قيصر، وإعادة فتح القنوات الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو من أجل التوافق على تسوية سياسية في سوريا، تلحظ ضمناً الوضع الخاص في منطقة الجزيرة التي تحظى بحماية القوات الأمريكية، الأمر الذي رأينا مؤشراته من خلال الحوار الكردي – الكردي الذي تشرف عليه الولايات المتحدة وفرنسا بخصوص مستقبل الإدارة الذاتية في تلك المنطقة الشاسعة التي تحتوي على أهم ثروات المواد الخام في سوريا من حبوب ونفط.
أما إيران فهي الغائب الحاضر الذي لا يمكن تجاهله، فوجودها في سوريا مستهدف من واشنطن وتل أبيب، مع عدم اكتراث روسي وتركي. أما تركيا التي حقق تدخلها في ليبيا نتائج ميدانية لمصلحة حليفها المحلي، حكومة الإنقاذ، فهي ماضية في فرض وقائع على الأرض في المناطق التي تسيطر عليها في شمال سوريا: من إدلب إلى عفرين ومثلث درع الفرات والمستطيل الواصل بين تل أبيض ورأس العين، بتعزيز قواتها العسكرية من جهة، وإدخال الليرة التركية إلى التداول في تلك المناطق بدلاً من الليرة السورية المنكوبة من جهة أخرى.
وفي حين تتنازع الرأي العام المعارض مشاعر متباينة من مفاعيل قانون قيصر على السوريين العالقين في مناطق سيطرة النظام، بين متحمس يرى فيه مدخلاً محتملاً لتغيير النظام، ورافض مستاء من آثاره الكارثية على حياة ملايين السوريين، فثمة اتفاق على أن المسؤولية الأولى في خراب سوريا ومأساة السوريين تقع على عاتق نظام مجرم متصلب يرفض تقديم أي تنازل لشعبه. فحتى قانون قيصر نفسه إنما يطالب النظام بأمور هي نفسها بعض مطالب الشعب السوري، كإطلاق سراح المعتقلين السياسيين والتعاطي بجدية مع التسوية السياسية وفقاً لقرارات مجلس الأمن والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى كافة المناطق، شروطاً للتخفيف من عقوبات قانون قيصر وصولاً لإلغائه. فإذا كان الحرص على معيشة السكان هو الدافع وراء رفض الرافضين لقانون قيصر، فالأحرى بهؤلاء إلقاء اللوم على نظام مستعد أن يجوّع شعبه على ألا يطلق سراح سجناء لن يشكلوا أي خطر عليه. نظام يرفض الامتثال لقرارات مجلس الأمن التي لا مفر من الامتثال لها في نهاية المطاف، إلا إذا كان يراهن على الإفلات من موجباتها كما أفلتت إسرائيل قبله.
بدلاً من التعامل بجدية مع هذا الوضع الكارثي، يستعد النظام لإجراء انتخابات مجلس الشعب التي سبق وتم تأجيلها بسبب وباء كورونا، في مطلع شهر تموز المقبل. وبدلاً من مراجعة «السياسة» التي اتبعها طوال تسع سنوات في مواجهة الحراك الثوري، عاد إلى الطريقة الوحيدة التي يعرفها في مواجهة مظاهرات السويداء، أي القمع واعتقال النشطاء وتنظيم مسيرات مضادة.
اعتدنا على وصف هذا الوضع بانفصال النظام عن الواقع. اليوم وقد بلغ هذا الانفصال درجات غير مسبوقة يمكن التساؤل عما إذا كان النظام موجوداً في سوريا أم هو في كوكب آخر؟
القدس العربي
————————–
قانون قيصر.. تشاؤون وتشاء أميركا!/ راتب شعبو
يحتدم النقاش بين السوريين اليوم حيال القانون الأميركي المسمّى “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين لعام 2019”. يبدو للوهلة الأولى أن من الممكن تنظيم النقاش بشأنه في صفوف المعارضين لنظام الأسد، من خلال السؤال: هل يساعد قانون قيصر في تخليص سورية من نظام الأسد، أي هل يقود إلى حل سياسي يفكّ عقدة الاستبداد، ويرسي آلية مطردة وسلمية لإنتاج الشرعية السياسية ونزعها؟ غير أن القليل من التمعّن يكشف أن تنظيم النقاش في هذا السؤال غير ممكن، لأنه يغفل حقيقة أن المعارضين لنظام الأسد اليوم لا يحملون معنىً مشتركاً لمفهوم “الحل السياسي” في سورية، فضلاً عن أن “المعارض” الخارجي الأساس للنظام، نقصد بذلك البلد الذي أصدر القانون وله القدرة على تنفيذه، له نظرته الخاصة أيضاً لمعنى الحل السياسي في سورية، وهي نظرة مستقلة إلى حد بعيد عمّا يريده المعارضون السوريون.
لا تتضمن النظرة الأميركية للحل السياسي في سورية تغيير نظام الأسد، بقدر ما يعني ذلك تغيير العلاقة بين الحاكم والمحكوم وترسيخ معايير ديمقراطية في إدارة البلد. لا يتضح هذا فقط من تصريحات المسؤول الأميركي المعني، جيمس جيفري، بل من نص قانون قيصر الذي يدخل في تناقض مع نفسه جرّاء ذلك، فهو يطالب، في البند السابع من الفقرة 301، “الحكومة السورية” (التعبير الرسمي للدلالة على النظام السوري) بمعاقبة مجرمي “النظام السوري”: “قيام الحكومة السورية باتخاذ خطوات قابلة للتحقق لإجراء محاسبة هادفة لمرتكبي جرائم الحرب في سورية، ولإنصاف ضحايا جرائم الحرب التي ارتكبها نظام الأسد، ويشمل ذلك المشاركة في تقديم الوثائق المستقلة والموثوقة، وكذلك في عملية المصالحة”.
إذا تأملنا اللوحة السورية حيال القانون المذكور، نجد أن لدينا مجموعات سياسية معارضة مختلفة الغايات، لا يوحّدها السعي إلى إسقاط نظام الأسد، ولا يقل عداؤها المتبادل عن عدائها للنظام،
وقد يزيد. ومن هذه المجموعات من يعادي الديمقراطية أكثر من عدائه النظام. كل من هذه المجموعات تتصوّر أن قانون قيصر هو وسيلة لتحقيق غايتها، وفي الوقت نفسه، لا تمتلك أي منها أدنى قدرة على التحكّم بهذا القانون، إن كان من حيث فرضه أو تجميده أو تجييره لمصلحة النهاية السياسية التي تريدها. الأمر الذي يجعل من النقاش السوري حول القانون مشهداً في العبث.
لنفترض أن المعارضين السوريين من أنصار الحل الإسلامي علموا أن قانون قيصر أداة لإزاحة الأسد وفرض نظام ديمقراطي بمعايير غربية، فإنهم سيقفون ضده من دون تردّد. ولو علم أنصار الإدارة الذاتية في شمال شرق سورية أن الحل السياسي الذي يُراد فرضه عبر هذا القانون ينتهي إلى تفكيك الإدارة الذاتية لرفضوه، ولو علم المعارضون الديمقراطيون لنظام الأسد أن الحل السياسي الذي يتوسل قانون قيصر لا يزيد شيئاً على بقاء نظام الأسد، ولكن بدون إيران، أو بوجود أقل لإيران، لعارضوه. قانون قيصر ليس سوى وسيلة ضغط عامة، لا يتضمن بوضوح الوجهة السياسية التي يدفع باتجاهها، فهو يجيز للرئيس أن يعلّق العقوبات كلياً أو جزئياً، إذا رأى أن هناك معايير قد استوفيَت. وهذه المعايير (على أهميتها) جزئية، ولا تنطوي على أي اتجاه إلى تغيير سياسي ديمقراطي. لا يوجد أي ذكر لبيان جنيف، أو لقرارات مجلس الأمن التي تفرض الانتقال السياسي في سورية.
على هذا، السؤال الوحيد الذي يمكن أن يفيد النقاش بشأن القانون المذكور هو: ماذا تريد منه أميركا صاحبة القانون، والقادرة على تنفيذه وتجميده، والتي تحشو القانون بعبارة “الأمن الوطني للولايات المتحدة”؟ أو، بكلام آخر، ما مفهوم أميركا للحل السياسي في سورية؟
لا خلاف على أن قانون قيصر وسيلة ضغط على نظام الأسد وحلفائه، ولكن لأي غاية؟ هل للغايات “الجميلة” المذكورة فيه، والواضح أنها تعكس واقعاً ميدانياً تغيرت معالمه اليوم: عدم قصف المدنيين، فكّ العزلة عن المناطق المحاصرة (ما هي هذه المناطق بعد دخول النظام الغوطة الشرقية؟)، إطلاق سراح السجناء السياسيين، عدم استهداف المرافق الطبية والمدارس والأماكن السكنية (بعد أن ضرب من ضرب وهرب من هرب؟)، محاسبة مجرمي الحرب (من سيحاسبهم؟) عودة المهجّرين؟ أم لغاية أخرى لا علاقة لها بكل هذه الغايات؟ لا يشكّ أحد في أن فرض هذه البنود التي تلامس قلوب غالبية السوريين، لا يحتاج إلى سنّ قانون تطلّب سنواتٍ من الجهود والمحاولات المتكرّرة. لم يحتج إخراج القوات السورية من لبنان إلا إلى كلام أميركي واضح وحازم، جعل القوات السورية تخرج قبل نهاية الموعد المحدد لخروجها، كما يذكر الجميع.
الخراب الاقتصادي السوري ناجمٌ عن سنوات من الفساد وغلبة ذهنية الطغمة المالية والعسكرية والسياسية على ذهنية الدولة. وقد تفاقم هذا الخراب مع تجيير نظام الأسد كل مقدّرات البلاد والدولة لمنع التغيير السياسي الذي أراده السوريون، حتى أوصل أكثر من 80% من السوريين إلى ما تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة. الحصار الذي سيفرضه قانون قيصر سيضيف مزيداً من البؤس إلى بؤس السوريين في الداخل، في وقتٍ يعاني فيه السوريون من تشتّت سياسي كبير على الضفة المعارضة للنظام. الشيء الذي سيعوق تحول التدهور الاقتصادي إلى رافعةٍ للتغيير السياسي. ومن المتوقع أن يحاول النظام السوري الاستثمار في الألم الإضافي الذي سيتكبده السوريون في الداخل، ليحمّل الضغوط الخارجية سبب تجويع السوريين وبؤسهم، في مسعى إلى جعل البعد الإنساني يتقدّم ليغطي البعد السياسي للقضية السورية.
الراجح أن الضغط الذي يشكله قانون قيصر سيكون بوابة الدخول إلى “الحل السياسي” الأميركي، وهو ترسيم الوضع السياسي القائم، أي فرضه على الحلف الثلاثي (روسيا وإيران والأسد). ثلاث مناطق نفوذ (الجزيرة تحت سيطرة كردية أميركية، إدلب تحت سيطرة إسلامية تركية، دمشق تحت سيطرة أسدية روسية)، ربما مع إدخال تعديلاتٍ شكلية في نظام الأسد تستوعب وجود منطقتين سوريتين بوضع خاص. وسيتضمن هذا “الحل”، إذا صح، “عقلنة” دور إيران وتحجيم وجودها في سورية.
العربي الجديد
—————————
الأسد والخصم الذي لا يمكن التخلّص منه بالقصف!
إلى سابقة كونه أول رئيس عربيّ يرث الحكم عن أبيه، فإن السابقة الكبرى التي اجترحها بشار الأسد، خلال حكمه الذي اقترب من دخول سنته الواحدة والعشرين، كانت أنه الرئيس العربيّ الذي رفض أن يقدّم أي تنازل بسيط أو يسعى إلى أي شكل من التسوية السياسية مع شعبه حين ثار على نظام القمع الممنهج والفساد السوريّ في آذار/مارس 2011.
استُحضر بشار على عجل من لندن بعد وفاة أبيه حافظ الأسد في حزيران /يونيو 2000، كبديل عن أخيه الذي كان يحضّر للوراثة وقُتل في حادث سيارة عام 1994، وبدلا من التواضع الذي يمكن أن يفرضه واقع أنه كان وريثا في جمهورية لا يفترض أن يورّث فيها الحكم، فقد ارتأى أن يثبت أنه أكثر قسوة وإمعانا في البطش من أخيه المعروف بدكتاتوريته، واختار حلا وحيدا للتعامل مع الثائرين عليه وبذلك شهدت سوريا، على مدار أكثر من تسع سنوات سلسلة لا تنتهي من المجازر، والاعتقالات، والتعذيب، وأشكال الإبادة والموت والقصف بأنواعه، وحين كان عتلة الموت لا تحلّ المشكلة كان نظام الأسد يحلّها بمزيد من الموت، حتى فاضت البلاد بالنازحين، وغادر قرابة نصف سكانها هاربين.
تابع العالم تحوّل البلاد، في ظل الأسد، إلى مقبرة مفتوحة، ودخلت قوى إقليمية وعالميّة إلى الجغرافيا السورية المنتهكة، وكانت المفارقة أن آلة قتل النظام ظلّت تعمل على مدار الأيام والسنوات تحت نظر هذا العالم وسمعه، وأنّها تلقّت أشكالا من الدعم العسكري المباشر من روسيا، التي أعادت ضبط استراتيجيتها القديمة للوصول إلى البحار الدافئة، ومن إيران، التي انفتحت الأبواب لها لتشكيل امبراطورية تمتد من اليمن، عبر الحوثيين، إلى العراق، حيث تسيطر الميليشيات الشيعيّة المحسوبة عليها على الأرض، وسوريا، التي وجد نظامها في الجمهورية الإسلامية حليفا يمدّه بالميليشيات والأموال والأسلحة، ولبنان، الذي يملك «حزب الله» فيه جيشا يوازي وقد يفوق جيش الدولة اللبنانية نفسها، فيما تدخّلت تركيا، المحتضنة للمعارضة السورية، والقلقة من تمدّد نفوذ حزب العمال الكردستاني المدعوم من أمريكا، التي حضرت أيضا بدورها لحماية حلفائها ومواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وكانت إسرائيل، التي ساهمت في منع الضربة الأمريكية للنظام خلال حقبة الرئيس باراك أوباما، تنتقي أهدافها وتحارب تمدد النفوذ الإيراني، كما كان هناك حضور للسعودية والإمارات والأردن، بأشكال مختلفة.
نجح الأسد، خلال كل هذه السنوات، بالبقاء بفعل التقاطعات الكثيرة لمصالح الدول المتعارضة، وصعود تنظيم «الدولة الإسلامية» ونظائر «القاعدة»، والحماية الإسرائيلية، ولكنّ شقّا بسيطا بدأه عسكريّ قرّر أن يخاطر بحياته ويهرّب عشرات آلاف الصور لضحايا التعذيب في سوريا بين 2011 و2014، وتابع هذه المغامرة البطولية أشخاص ومنظمات، مثل «هيومن رايتس ووتش»، التي أصدرت تقريرا بعنوان «إذا كان الموتى يستطيعون الكلام»، كما عرُضت الصور في الأمم المتحدة وفي أمريكا وسويسرا، وصولا إلى اقتناع أشخاص من الحزبين الكبيرين في الكونغرس الأمريكي بضرورة حماية المدنيين السوريين ليقرّ مجلس الشيوخ القانون عام 2019، وليدخل حيز التنفيذ بدءا من أمس.
أعلن وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو أمس عن عقوبات بحق الرئيس السوري نفسه، وزوجته، وأخيه ماهر، وعدد من المسؤولين، كما أنه سيشمل بعقوباته الأفراد والجهات والدول التي ستقدم الدعم للنظام، إلى أن تتحقق شروطه ومنها «حماية المدنيين»، وتواقت هذا الإعلان مع الحكم على رفعت الأسد، عم الرئيس السوري، بالسجن أربع سنوات بتهم الاحتيال وتبييض الأموال، وبذلك يبدو أن الدائرة بدأت تدور على الباغين، والمسؤولين عن خراب سوريا والكارثة التي حلّت بشعبها، وأن النظام، لن يستطيع هذه المرّة أن يتعامل مع قانون قيصر بالقصف، كما يفعل مع شعبه.
القدس العربيظ
———————————–
“قيصر”..هل يؤدي الى إسقاط النظام؟/ عقيل حسين
وسط تصعيد إعلامي كبير وظهور مكثف ومتزامن لمسؤوليها، أعلنت الإدارة الأميركية دخول قانون العقوبات المشدد “قيصر” حيز التنفيذ، بعد ستة أشهر على إقراره، لم تشهد خلالها سوريا أي تطورات إيجابية ولم يقدم النظام فيها أي تنازلات يمكن أن تجعل واشنطن تعيد النظر في هذا القانون.
وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو ومبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا جيمس جيفري، بالإضافة إلى المتحدثة باسم وزارة الخارجية، وغيرهم من المسؤولين الأميركيين الذي ظهروا في 17 حزيران/يونيو للحديث عن بدء سريان قانون “قيصر” كانوا يريدون إظهار الجدية والحزم الأميركي في تطبيقه.
كذلك أرادت واشنطن إثارة أكبر قدر ممكن من الضجيج الإعلامي حول “قيصر”، بما يسهم في تعميق أثر الضربة الأولى على حلفاء النظام، وخاصة الروس، الذين لم يستطيعوا اخفاء ارتباكهم في واقع الحال، مثلهم مثل المعارضة السورية المرتبكة حيال هذا القانون أيضاً، ولكن مع اختلاف اسباب الارتباك.
والواقع أن جلّ المعارضين يدركون حقيقة أن العقوبات الجديدة ستلحق المزيد من الأذى بالسوريين، حتى أولئك الذين يعيشون خارج مناطق سيطرة النظام، لكن الانقسام الحقيقي هو حول ما إذا كانت هذه العقوبات ستسقط النظام أو على الأقل ستجبره على الانخراط في عملية سياسية جدية تفضي إلى حل مقبول من الجميع.
ليس لدى أصحاب وجهة النظر القائلة بأن هذه العقوبات ستؤدي إلى تغيير النظام ما يبنون عليه اعتقادهم سوى تقديرات ترى أن النظام الصارم والشمولية التي يتصف بها قانون “قيصر” سيؤديان إلى مزيد من الإضعاف الاقتصادي للنظام، وإلى تجفيف منابع الدعم التي يتلقاها حتى الآن، بما سيؤدي إلى إضعاف قدراته على تمويل أي عمليات عسكرية.
ويرى هؤلاء أن هذه العقوبات ستؤدي إلى تفكيك قوى النظام العسكرية النظامية والرديفة عندما سيعجز عن دفع رواتب أفرادها وقادتها، وبالتالي مواجهة الانهيار الحتمي في النهاية، أو أن تتحرك روسيا وقوى في هذا النظام وتمد يد الحل للمعارضة من أجل تجنب هذه النهاية التي آل إليها نظام صدام حسين في العراق، والذي رغم أن العقوبات لم تسقطه بشكل مباشر، إلا أنها دمرت قواه وجعلته آيلاً للسقوط عند أول ضربة على بغداد.
لكن أصحاب وجهة النظر المقابلة، لا يتفقون فقط مع الطرف الأول بمسؤولية النظام عن هذه العقوبات وأضرارها على الشعب، بل وكذلك في مخاطرها على النظام نفسه بالفعل، لكن الخلاف هو حول حجم ومدى هذه الأخطار.
يقول هؤلاء إن التفكير بأن النظام يمكن أن يقوم بمراجعات وتقدير موقف على أساس ما يمكن أن يترتب على هذه العقوبات الصارمة، ليس سوى مجرد وهم بقدر ما هو وهم أيضاً التفكير بامكانية حصول حركة داخلية في هذا النظام، تسقط الأسد وتعقد اتفاقاً مع المعارضة، حتى وإن كان برعاية روسية..المشكلة أن المثال العراقي فيه من الوقائع والأمثلة ما يجعل كلا الطرفين يعتمدان عليه.
يستذكر أصحاب وجهة النظر المتحفظة على العقوبات كيف بات راتب لواء أو طيار في الجيش العراقي غير كاف لشراء طبق بيض، ما أدى لإضعاف هذا الجيش بالفعل، لكنه أدى في الوقت ذاته إلى زيادة الفساد وانتشار الجهل والأمية في المجتمع كظواهر ما تزال آثارها الكارثية مستمرة إلى اليوم، كما يستذكرون في الوقت نفسه كيف انتهت محاولة صهري صدام وقادة جيشه (صدام كامل وحسين كامل) الانقلاب على النظام من الداخل إلى فشل ذريع وخسارة الشقيقين حياتهما.
لم يسقط نظام صدام حسين إلا بتدخل عسكري مباشر، ولن يسقط نظام بشار الأسد إلا بتدخل مباشر، لكن اليوم، أو بالأحرى منذ التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب النظام في خريف العام 2015، لم تعد فكرة شن حرب غربية على النظام واردة، ولم يعد هناك من خيار سوى عقد صفقة مع الروس والنظام للإطاحة بالأسد وإقامة نظام حكم جديد من المعارضة والنظام، وهو الاحتمال الوحيد المتبقى لموسكو من أجل تجاوز أضرار قانون “قيصر” الذي يبدو أنها المتضرر الوحيد منه بالفعل، على عكس الأسد وإيران.
فمنذ البداية كان النظام واضحاً عندما رفع شعار “الأسد أو نحرق البلد” وعليه لا يمكن انتظار أي تراجع منه أمام ما يبدو أنه أقل بكثير من قيامه هو نفسه بتدمير سوريا وإحراقها وتهجير أكثر من نصف سكانها بعد قتل نحو مليون منهم، كما أن العقوبات الجديدة لن تكون سوى حلقة من مسلسل اعتاد عليه هذا النظام، مثله مثل حليفته الأولى إيران، التي لا يبدو أن نظامها مكترث بكل ما فرض عليه من عقوبات أدت بالدرجة الأولى لانهاك الشعب دون أن تغير النظام.
لكن روسيا، ورغم أنها معتادة إلى حد ما على العقوبات الغربية، إلا أنها عندما يتعلق بالأمر بالملف السوري فإن الأمر مختلف جداً بالنسبة لها. فهي ليست مثل الأسد تبحث عن الحكم حتى ولو على أنقاض، وليست مثل إيران التي تقاتل في سوريا بالدرجة الأولى من أجل أهداف إيديولوجية توسعية، تصبح معها كل التضحيات والمعاناة أثماناً مقدسة، بل إن موسكو جاءت وفي تطلعاتها نهر لبنِ وعسلِ إعادة الاعمار، الذي حولته هذه العقوبات إلى مجرد سراب.
وتشير كل المعطيات إلى أن حرب روسيا في سوريا هي حرب استثمار بالدرجة الأولى، وأنها لم تعد ذلك الاتحاد السوفياتي الذي تعلمت منه إيران البذل بسخاء من خزينة الدولة من أجل نشر عقيدة الدولة، بل إن موسكو لا تتردد اليوم بمطالبة النظام بتكاليف اسهامها العسكري في المعركة إلى جانبه، ومقابل افلاسه، فإنها لا تتوانى عن الانقضاض على كل فرصة استثمارية في البر أو البحر السوري، فوق الأرض أو تحتها، لكن كل ذلك لن يكون كافياً لتعويض ما تكلفه الروس في الحرب، ولا إشباع نهم الشركات الروسية التي تنتظر منذ أربع سنوات لحظة البدء بعملية إعادة الاعمار.
“إعادة إعمار سوريا” قد يكون الهدف المشترك الذي سيجمع الروس والمعارضة وداعميها، وهو الاحتمال الواحد ربما الذي يمكن التعويل عليه من أجل انتظار خطوات جدية من موسكو نحو تغيير النظام، لكن هل تستطيع روسيا القيام بهذا الأمر؟
المدن
—————————-
قيصر..حوار أميركي روسي لا أكثر/ ساطع نور الدين
في الاشهر الاولى من الثورة السورية، توسل كثيرون من السوريين والعرب والاوروبيين ادارة الرئيس الاميركي السابق باراك أوباما، توفير الحماية للمدنيين السوريين من بطش نظام الرئيس بشار الاسد الذي كان قد شرع في إستخدام الطيران الحربي والصواريخ المدمرة لضرب المناطق الثائرة وهدم عمرانها على رؤوس السكان. وطرحت أفكار سبق أن إختبرت في شمال العراق وفي يوغوسلافيا السابقة، أهمها فرض الحظر الجوي على الاجواء السورية، أو تزويد الثوار بصواريخ محمولة مضادة للطائرات، أو السماح بحصولهم على مثل هذه الصواريخ، لاسيما صواريخ ستينغر الاميركية الشهيرة التي إستخدمها الثوار الافغان ضد القوات السوفياتية.
لم تلقَ جميع تلك التوسلات أذناً صاغية من أوباما، الذي لم يؤمن يوماً بفرص نجاح ثورة يقودها أطباء ومهندسون وصيادلة ومدرسون ونقابيون، ضد نظام بالغ القوة والقسوة، ولم يشعر بالحاجة الى تورط أميركي في حرب أهلية محدودة بالمقارنة مع حرب رواندا-وبوروندي التي سقط فيها نحو مليون ونصف مليون إنسان، من دون أن يستدعي ذلك تدخلاً أميركياً. فكانت الخلاصة الأولى التي إستنتجها نظام الاسد، والتي لا تزال سارية حتى اليوم، هي أن أميركا لن تنتصر للمعارضة وبالتالي لا تسهم في إسقاط النظام، كما فعلت في مصر حيث إنتهى الامر الى فضيحة.
اليوم، وبعد مرور نحو أربع سنوات على خروج أوباما من الحكم، ومجيء نقيضه التام دونالد ترامب الى الرئاسة، إكتشفت أميركا فجأة الحاجة الى توفير الحماية للمدنيين السوريين، من الطيران الحربي، السوري والروسي، الذي يكاد يعلن أنه أنجز المهمة على أكمل وجه، ولم يبق لديه من مستشفيات ومستوصفات وأفران ومدارس ومخيمات نازحين وخوذ بيضاء، مرشحة للغارات الجوية، سوى في إدلب وريفها وأنحاء متفرقة من الشمال السوري.
“قانون قيصر” الذي تأخر إصداره تسع سنوات والذي يزعم أن جوهره حماية المدنيين السوريين، لا يرقى الى مستوى حظر الطيران الحربي، ولا يطمح الى توفير غطاء جوي لأي من المناطق السورية الخارجة عن سيطرة النظام. هو يستخدم سلاح العقوبات المثير للجدل والشك من أجل منع المزيد من الغارات الجوية السورية والروسية، على المدنيين، كما جاء في نصه، ومن أجل ضمان وصول المساعدات الانسانية الدولية الى المحتاجين داخل سوريا.
لا يمكن التسليم بأن”قانون قيصر” صدر بدافع إنساني أو أخلاقي أميركي مستجد، أو بحرص أميركي مستحدث على وقف المذبحة السورية الكبرى. قد يكون نوعاً من المزايدة المألوفة من جانب ترامب على سلفه أوباما. الجوهر الأهم لذلك القانون الذي بدأ تنفيذه بالأمس، هو أنه مؤشر دقيق على أن الحوار الاميركي الروسي حول سوريا دخل في مرحلة متقدمة، يستخدم فيها الجانبان مختلف أوراقهما للتأثير على مجرياته وحصيلته النهائية. ولن يكون من المستبعد ان تصبح أرواح المدنيين السوريين التي يفترض حمايتها، ضحية الطيران الحربي الاميركي نفسه، إذا دعت الحاجة. ولن يكون الطيارون الاميركيون أرحم من الطيارين الروس..بدليل ما جرى في الرقة قبل عامين، وما يجري حتى اليوم في مناطق مختلفة من شمال شرق سوريا.
“قانون قيصر” ليس سوى دليلٍ على أن الحوار الاميركي الروسي جديٌ. وهو ينطلق من قاعدة رئيسية مفادها أن واشنطن لا تعمل على إخراج القوات الروسية من سوريا أو إنهاء النفوذ الروسي المستمر في سوريا منذ عقود طويلة، بخلاف ما صرح به قل اسبوعين المسؤول الاميركي الأخرق، ديفيد شينكر، ما إضطر وزارة الخارجية الاميركية الى النفي والتوضيح. هدف أميركا من الحوار تسريع خروج إيران ومليشياتها من سوريا، للحؤول دون صدام إيراني إسرائيلي مباشر. وطموحها هو إقناع الروس بالتخلي عن “عميلهم السيء” بشار الاسد، حتى ولو كان ذلك في صناديق الاقتراع او في عملية سياسية تدريجية..
جوهر “قانون قيصر” شطب بشار من الحوار لأنه مفتاح التوسع الايراني في سوريا ولبنان. توغله في الدم السوري يمنع إعادة تأهيله أو تغيير سلوكه.. أو فصله عن الراعي الايراني لنظامه ولحربه. وهو ما لا يعارضه الروس في الأصل، لكنهم يريدون كما يبدو حتى الآن ثمناً أكبر من التسليم الاميركي بوجودهم ونفوذهم في سوريا ، وحدها.
لن يُصرف “قانون قيصر” إلا على طاولة الحوار الاميركي الروسي المفتوحة..التي يتولى “الصرّافون” السوريون (واللبنانيون)، نقل وقائعها اليومية الى الجمهور، بطريقة مشوقة، وموجعة في آن.
المدن
———————————
قانون قيصر.. تغيرات متأنية/ بهاء العوام
وصل قانون قيصر، ولسان حال الجميع في سوريا يردد المثل الشعبي القائل “الله لا كان جاب الغلا”. فهو لن يكون محط ترحيب من السكان قبل النظام؛ لأنه ببساطة يزيد من الضائقة الاقتصادية في حياتهم أضعاف ما هي عليه اليوم. أما نظام الأسد فهو صامد إلى أن تقرر الولايات المتحدة وروسيا إزاحته. وحتى تحين تلك الساعة سيبقى يمثل الشعب السوري في المحافل الدولية والأممية.
قانون قيصر هو قائمة مرنة من العقوبات الأميركية في شروطها وتنفيذها. لم تأت لإنصاف السوريين ولا لحماية المدنيين، وإنما لتأديب النظام في المكان والزمان اللذين يخدمان مصالح واشنطن. هي عصاً تقود بها أميركا النظام وحلفاءه إلى فعل ما تريده في سوريا من الآن فصاعداً. ليس لأنهم تمردوا عليها فيما مضى، ولكن لأن الأزمة في البلاد قد بلغت مرحلة تحتاج إلى القيادة الأميركية المباشرة.
الضرر الاقتصادي الذي سيلحق بالسوريين في الداخل هو الجانب الوحيد الملموس لإعصار قيصر كما يروج له خصوم دمشق. ذلك هو التأثير السريع للقانون. ولكن الإدارة الأميركية تراهن على جملة من التغيرات الجذرية التي يمكن أن يحدثها قيصر في الأزمة على المدى المتوسط والطويل. قد لا يكون إسقاط النظام من بين هذه التغيرات في نهاية المطاف، وقد يكون إن قارنا سوريا بالعراق.
تبدو المقارنة بين الدولتين مغرية بالنسبة إلى البعض. ففي العراق استغرق إسقاط نظام صدام حسين نحو خمسة عشر عاماً. المرحلة الأولى تمثلت بالضغط العسكري، ثم جاء الحصار الاقتصادي الذي حددت خلاله واشنطن ساعة الصفر لإزاحة الرئيس. ربما يكون استدعاء هذه المقاربة مفيداً الآن، وربما يحصل تشابه في النهايات فعلاً.
وسواء كان هدف قانون قيصر إسقاط نظام بشار الأسد أم تقويم سلوكه، كما يقول المسؤولون الأميركيون، فإن الولايات المتحدة لا تستعجل إحداث التغيرات الجذرية في سوريا، لأن عقوبات القانون مزاجية في الوقت والتنفيذ وفقا لما يستجد من أحداث. وبالتالي تترك الإدارة الأميركية باب المصالحة مفتوحاً ليس فقط أمام نظام دمشق وإنما أمام الروس والإيرانيين ألد خصومها في سوريا.
بشكل أو بآخر يعلن قانون قيصر نهاية الحرب بمعناها العسكري في سوريا، وبالتالي جميع المناطق التي لا تزال خارج سيطرة النظام يجب أن تعود إليه عبر الحوار بين الأطراف المحلية والخارجية المعنية. هذا يفترض عدم شن قوات النظام وحلفائها أي حرب على مدينة إدلب أو مناطق شرق الفرات مستقبلاً. وهذا يعني أيضاً أن مفاوضات جنيف المتوقفة يجب أن تتحرك إلى الأمام.
القانون الأميركي الجديد يقول أيضاً إن التطبيع مع دمشق لم يحن وقته بعد. وإعادة الإعمار في سوريا لن تمر إلا عبر مناقصات تقرها الولايات المتحدة. ثمة قائمة شروط طويلة لهذه المناقصات سيعلن عنها من واشنطن بعد عدة أشهر على أقرب تقدير. ولكن البند الأول فيها هو بقاء المصرف المركزي السوري بعيداً عن متناول قانون قيصر، أو أي عقوبات أميركية أو أممية أخرى.
من رسائل قيصر أيضا أن التفاهمات السابقة حول الأزمة السورية، سواء التي أبرمت مع واشنطن أو دونها، انتهى مفعولها. حان الوقت لاتفاقات جديدة، سرية وعلانية، ترسم ملامح المرحلة المقبلة. ثلاثي أستانة يتلمس التغيرات الأميركية المنشودة في الأزمة السورية عبر قانون قيصر. الروس والأتراك والإيرانيون، يجلسون اليوم تحت ظلاله، ويبحثون كيفية الحفاظ على مصالحهم في سوريا وفقا لمعاييره. قد يبدو أن تركيا باتت الطرف الأقوى بين الثلاثة بعد إصدار القانون، ولكن الحقيقة أن الروس سيبقون أصحاب الكلمة العليا لأنهم حلقة الوصل الوحيدة بين حلفاء دمشق وخصومها.
استبق الروس تنفيذ قانون قيصر بالموافقة على حوار جديد مع الأميركيين حول الأزمة السورية. هم يعرفون أن في هذا الحوار منافع تفوق الأضرار بكثير، لأن الولايات المتحدة قبلت سلفا بوجودهم الشرعي الدائم فوق الأراضي السورية. وبالتالي فإن الحوار المرتقب مهما كانت أجندته، سيدور فقط حول ترتيب الأوضاع بما يلبي المصالح الأميركية والروسية على حد السواء.
وحيثما تلتقي مصلحة الروس والأميركيين تتراجع فرص الأتراك والإيرانيين في سوريا. فالإيرانيون أو الخمينيون بتعبير أدق، يعتقدون أن الخصومة مع واشنطن لا تتأثر بالزمن ونتيجتها تبقى لصالحهم مهما طال أجلها. أما السلطان العثماني الجديد فيظن أن الرئيس دونالد ترامب يمكن أن يمنحه سوريا وليبيا والقارة العجوز بأكملها فقط كي يتراجع عن صفقة شراء صواريخ إس 400 من روسيا.
لن يُحدِث قانون قيصر تغيرات سريعة إلا في قوت السوريين الذين باتوا ينقسمون بين جائع يرى الوطن رغيف خبز، ولاجئ يحلم ببضعة أمتار في وطنه يدفن فيها. أما التغيرات المتأنية التي يخطط لها الروس والأميركيون فهي تتقلب على نار هادئة، ولن يعجل بها إلا حدث جلل مثل حرب مع إيران، أو ثورة جياع، أو انقلاب على رأس النظام، أو ربما يتدخل القدر وتكون النهاية بطوفان على شاكلة طوفان نوح.
صحافي سوري
العرب
—————————–
الثورة السورية من درعا انطلقت وإليها تعود/ هدى الحسيني
بشار الأسد، الرئيس السوري، على خلاف كبير مع أغنى رجال سوريا؛ ابن خاله رامي مخلوف، تبع ذلك مظاهرات واحتجاجات في السويداء ودرعا حيث بدأت الثورة. هل تكتمل الدائرة، وقد تشتد لعصيان شامل؟ ولتعقيد الأوضاع أكثر؛ حزمة جديدة من المقاطعة الأميركية بدأت ضد النظام. كل هذه مجتمعة تشكّل الخطر الأكبر الذي يواجهه حكم الأسد لسنوات عديدة.
مخلوف كان يعتقد أنَّه أهم من الأسد. منذ شهر أغسطس (آب) الماضي شنَّ الأسد حرب أجهزة أمنية ضده، طالت وانتهت بمصادرة كل ممتلكاته وشركاته وأمواله. كان يملك كلَّ سوريا تقريباً؛ طبعاً بمباركة الأسد.
قضية مخلوف مثيرة، لكنها كانت متوقعة، لقد تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا خلال الأشهر الماضية لأسباب كثيرة؛ منها الانهيار الاقتصادي في لبنان. كانت سوريا ولسنوات تأكل وتشرب من تهريب مواد غذائية لبنانية، كانت تدعمها الدولة من أموال المودعين اللبنانيين، وكان «حزب الله»، الذي يحدثنا دائماً عن «أشرف الناس»، يقوم بمهمة تجويع اللبنانيين لإطعام النظام السوري.
لا ننكر أنَّ اقتصادي البلدين متداخلان؛ إنما لمصلحة الاقتصاد السوري. في أول هذا الشهر انهارت الليرة السورية إلى 3000 ليرة مقابل الدولار. وكانت عام 2011؛ 50 ليرة مقابل الدولار، وصار من الصعب على النظام تأمين الأساسيات للشعب السوري، فنشب الصراع علناً بين الأسد ومخلوف، وأدرك السوريون أن نظامهم في حالة إفلاس وفساد ويلاحق أغنياءه؛ وعلى رأسهم مخلوف، لتمويل نشاطاته. مخلوف الذي اعتاد القوة والاعتقاد أنَّه أهم من الأسد، خرج إلى العلن وهدَّد بأنَّ ضربه سيكون ضربة للاقتصاد السوري، وكان يعتمد على قاعدته العلوية. هو الآن في وضع صعب، لكن كلما تكشف الخلاف، انهارت العملة السورية أكثر. إنَّما من يستفيد سياسياً من سقوط مخلوف؟
إنَّ داعمتي النظام؛ روسيا وإيران، ليستا على اتفاق حول كيفية دعم النظام، وقد نرى في قصة مخلوف تحديات جديدة سيكون لها وقعها على العلاقة بين روسيا وإيران، وكيفية إدارتهما الأطراف الموالية للنظام كي تستمران في السيطرة على الأسد.
المعروف أن إيران وروسيا تريدان استنزاف ما تبقى من موارد النظام، والاستفادة من إعادة البناء. لنفترض أنَّ هذا كان سيحصل، ولأنَّ مخلوف كان اللاعب الأقوى في النظام والمسيطر على كل مقدرات البلاد، كان يشكل عقبة. لكن من سيستفيد أكثر من الانفجار الداخلي في النظام السوري: روسيا أم إيران؟ هناك كثير من التقارير حول ما يجري، لكن يناقض بعضها بعضاً. هناك تقارير تقول إنَّ الإيرانيين يستعدون للانقضاض على أجزاء من تركة مخلوف، وتقارير تقول إنَّ هذه الأجزاء ستذهب إلى روسيا. عندما بدأ الخلاف بين بشار ورامي عام 2019 قيل إنَّ النظام سيدفع من ممتلكات مخلوف جزءاً من ديونه لروسيا. لذلك ينتظر المراقبون بكل تأكيد ما إذا كانت روسيا أم إيران ستكسب وستكون حصة الأسد من الاقتصاد السوري لإحدى الدولتين، لكن الآن لا يمكن الجزم بأي منهما أفضل من الأخرى للحصول على الغنيمة. الدولتان تركزان على شركة «سيريتل»، ثم إن إيران قبل الحرب حاولت الدخول إلى سوق الاتصالات السورية؛ من هنا سيخلق ما حل بمخلوف فراغاً.
كل هذا الصراع بين النظام وحلفائه من رجال الأعمال يجري مع بدء عصيان يكبر في المحافظات، تريد سوريا إبعاد الأنظار عنه: من درعا انطلقت حرب إسقاط النظام وإلى درعا تعود. صيف 2018 بدأت حملة مشتركة روسية ـ سورية أدَّت إلى انهيار العصيان المسلح جنوب غربي سوريا. لعب الطيران الروسي دوره، وبعدها أقدم النظام على ما سماها «اتفاقيات مصالحة» مع المسلحين المعارضين، واعداً بإعطائهم حكماً ذاتياً لإدارة مناطقهم. لكنَّه عاد بقوة إلى جنوب غربي سوريا عبر أجهزته القمعية الأمنية، مطالباً بطاعة عمياء لدمشق والأسد بالذات. أيضاً أقامت إيران وحلفاؤها (حزب الله) وجوداً لهما في جنوب غربي سوريا؛ خصوصاً في المنطقة القريبة من هضبة الجولان، فهما حوّلا الجولان من الجبهة السورية، إلى جبهة جديدة لسياسة إيران ضد إسرائيل.
المهم أن هناك عصياناً متجدداً في جنوب غربي سوريا، والأسد يواجه حالياً عصياناً منظماً بشكل جيد يجمع كثيراً من الفرقاء لتحدي سلطته، ولا يقف العصيان في مدينة درعا؛ بل يمتد من طول الحدود مع الأردن حتى دمشق، ويشكّل بالتالي خطراً كبيراً على شرعية الأسد.
اشتعل العصيان بسبب شراسة النظام. هو بعد المصالحات المزعومة عام 2018 بإشراف روسيا سمح له بدخول المناطق من دون قتال بالسلاح الأبيض، ومن دون القضاء بالكامل على المعارضة التي قد تبرز لاحقاً، كما سمح لكثير من الثوار بالاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة. لكن المصالحات لم تكن كل منها شبيهة بالأخرى، وسمحت بكثير من التعديات التي قامت بها أجهزة الأسد الأمنية، فنما الحقد على النظام وعلى هذه المصالحات. وبدأ التساؤل عما إذا كان على المحليين الالتزام بالمصالحات، لذلك كان متوقعاً عودة المقاومة، خصوصاً أن النظام لم يبذل أي جهد لإرضاء الناس، بنظره يكفيهم أنه أبقاهم على قيد الحياة، واستمرت الاعتقالات العشوائية؛ لا سيما أن وجود «حزب الله» لم يهدد إسرائيل بقدر ما هدَّد السكان المحليين الذين لم يرتاحوا إلى «الغرباء». وبدأت الأوضاع تتدهور في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ضد عملاء إيران في الجنوب، وصار الناس يتهمون الثوار الذين فاوضوا على هذه المصالحات بالخونة، فنمت مجموعات تحاول تصحيح الخطأ ووضع ضغوط على القوى الأمنية كي تلتزم بالاتفاقات أو تخرج.
هناك الآن مجموعات تطلق على نفسها «الجيش السوري الحر» وهناك «المقاومة الشعبية في درعا» وهي الأكثر شعبية، واللافت أنَّ هؤلاء لا يتحركون فقط في محافظتهم؛ بل هم جزء من غرف عمليات تجمعهم بمجموعات معارضة تتحرك في دمشق، وهذا يظهر تمددهم.
في الدرجة الثانية؛ يأتي «داعش» و«القاعدة»، ثم هناك الثوار الذين وقعوا على المصالحات ويقاتلون ضمن وحدات نظامية تابعة للنظام، لا سيما الوحدات التي شكلتها روسيا. هؤلاء الآن ينسفون الاتفاقيات التي وقعوا عليها، لذلك نرى وحدات في الجيش السوري العربي تشارك في العصيان، وتقاتل وحدات أخرى من الجيش السوري العربي. وهذه ديناميكية غير عادية طبعاً؛ إنما خطيرة. يمكن القول إنَّ هناك عصياناً منظماً؛ إنما عصيان لا مركزي. وهذا يطرح صعوبة كبيرة على الأسد وإيران وروسيا لوضع استراتيجية فعالة لاحتوائه بالقوة.
يقول محدثي المصدر الغربي: هناك إشارات تجب مراقبتها لمعرفة ما إذا كانت المعارضة في جنوب غربي سوريا تشكل خطراً حقيقياً على النظام: تمدد أكثر للعصيان حيث لا يستطيع الأسد الهرب منه، وهذه قد تضم ثواراً، يمكنهم السيطرة على الأرض والاحتفاظ بها. مصالحة كبرى بين القادة السابقين للمعارضة وإعلان أن المصالحات مع النظام ملغاة.
هناك احتمال الرد المنظم على النظام بعمليات، بحيث إذا ما هاجم مدناً في الجنوب السوري يأتي الرد في عمليات داخل دمشق. هناك أيضاً ترقب ما ستقوم به روسيا. يمكن أن تتوقف عن التفاوض باسم الأسد؛ لأن اهتمام الروس بسوريا لا يعتمد على الجنوب، فإذا كان ثمن تهدئته مرتفعاً، فقد ترى أنَّ مصالحها في مناطق أخرى وتترك الأسد وإيران يواجهان مشكلة الجنوب.
الأمر الأخطر الذي قد يحدث هو تجدد نشاط «داعش» الذي بدأ منذ الشهر الماضي القيام بعمليات تختلف عن عمليات سابقة، وهو يظهر قدرته أكثر مما كنا نعتقد سابقاً. وهذا سيدفع «القاعدة» إلى التحرك. ثم هناك احتمال التصعيد بين إيران وإسرائيل. وكانت إسرائيل شنت غارات جوية على مراكز لإيران و«حزب الله» في الجنوب. إذا وصلنا إلى مرحلة تقرر فيها إسرائيل أو إيران التصعيد إحداهما ضد الأخرى، فإن هذا سيحرك البوصلة إلى مكان لا يمكن التنبؤ به، لكن ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة ولمدى طويل.
من جهة أخرى؛ يقول محدثي إن هناك «عقوبات قيصر» ـ بدأ تفعليها يوم أمس ـ ولقد عاد القتلى إلى الانتقام، مع عقوبات قصوى، ولن تكون هناك طرق أمام إيران أو روسيا تتحايلان بها على النظام الدولي وتستفيدان من إعادة بناء سوريا في المناطق التي يسيطر عليها الأسد. هذه العقوبات ستغير اللعبة، وقد رأينا تأثيرها على الاقتصاد حتى قبل تفعيلها. ستدفع إلى مظاهرات وغضب في مناطق كثيرة، مثل السويداء وهي مختلفة عن بقية المناطق. علاقة دروزها بالنظام تبقى مسالمة ما دام لم يتدخل فيها. وقد بدأت مظاهراتهم تطالب بإطاحة النظام، والمتوقع أن تتوسع المظاهرات إلى مناطق أخرى.
في النهاية؛ حذار أن يكون لبنان كبش محرقة من أجل بقاء النظام السوري، هو لم يعد يحتمل مغامرات «حزب الله». إن وجوده صار على المحك.
الشرق الأوسط
————————-
=====================
======================
تحديث 19 حزيران 2020
——————-
سعر صرف الليرة السورية وقانون قيصر/ عارف دليلة
هناك ضبابية واختلاف رأي كبير حول قانون قيصر الاميريكي . فالسوريون الامريكيون ، الذين بذلوا جهودا كبيرة على اخراج القانون ، على مدى اكثر من اربع سنوات بعد المعرض الذي اقيم في مبنى الكونغرس لصور سيزر الشائنة التي لامثيل لها الا في محارق الحرب العالمية الثانية ، يصورون ان هذا القانون انجاز غير مسبوق في التاريخ ، وهو ، في الحقيقة ، كذلك ، من حيث نصوصه التفصيلية المحكمة التي لم تترك متنفسا ، لا للسلطة ورجالها فقط ، بل وللاقتصاد الوطني ككل ، مما يشمل ، رغم استثنائها بصريح العبارة في نص القانون ، الحاجات الانتاجية ، كالاسمدة والالات التي تلزم الزراعة والصناعة للقطاع الخاص ولا تلزم السلطة ولا تخدمها ابدا ، وكذلك للحاجات الاستهلاكية وحتى الدوائية !
اني اكاد اسمع اصواتا تتهمني بالتحيز المسبق وبعدم قراءة نص القانون الذي صيغ ، والحق يقال ، بطريقة بالغة الدقة والحصافة ، بحيث انه استثنى الحاجات الضرورية للمواطنين من الخضوع للعقوبات والقيود ، بينما ركز بشكل بالغ الدقة على محاصرة المؤسسات والاشخاص الموسومين بارتكاب ، او المساعدة على ارتكاب الجرائم ضد الانسانية ، مع كل من يدعمهم ، باي شكل ، في كل حركاتهم ، من سوريين وغير سوريين ،
لكن المشكلة ليست ، على الغالب ، في النصوص ، بل بمن يطبقونها وبآثارها التطبيقية ، حتى بعد سقوط او تغيير النظام . فهذا نظام صدام حسين قد مضى على سقوطه سبعة عشر عاما ، ماتكفي لظهور جيل جديد لم يعش في ظل صدام ، ولكنه ليتمناه ، على فظاعته ، بديلا عن خلفائه ، الذين اصبح يعرفهم جيدا ، ولذلك يخرج متظاهرا ضدهم ، ومع ذلك فان العقوبات لم تلغ عن العراق ، بعد ، هذا والعراق تحكمه تحديدا القوى التي نصبها وائتمنها المحتلون الاميريكيون انفسهم ! والان ، بعد سبعة عشر عاما اهدر وسرق خلالها الف مليار دولار ، دمر العراق عن بكرة ابيه خلالها ولم يبن فيه محطة كهرباء واحدة او مصنع جديد او اعادة تاهيل محطات او مصانع ضخمة سابقة ، ومع ذلك نسمع عن اجتماع اميركي _عراقي للاتفاق على ” الشراكة الستراتيجية ” ! واية ” شراكة استراتيجية “؟ ترى هل من بين بنودها بدء البناء بعد اضاعة سبعة عشر عاما في تدمير الدولة والشعب ، ووقف الفساد وتجريف المليارات بعيدا عن حاجات الشعب العراقي ؟ ان هذه الامور لايمكن للعراقيين الاحرار ان يحلموا بها الا بتوحد الشرفاء الوطنيين اللاطائفيين اللاقومجيين بما يحقق تقدمهم وارتقاءهم الى مواقع القرار والادارات العامة ، الامر الذي لايمكن ل ( الحوار الاستراتيجي) ان يدرجه بالحساب ، ان لم يكن يدرج جديا منع حدوثه !
ارجو ان لايعتبر هذا الاستطراد ( العراقي ) هروبا من الاستحقاق السوري او تهويما وترفا بعيدا عن الواقع السوري الراهن ، بقدر ماهو ضرب للمثل الحي لنا السوريين الاشقاء والذي يجب ان لا تخطئه العين البصيرة !
ان اصحاب قانون قيصر يتجاهلون ، اولا ، حقيقة ان كل تجارب الحصار والعقوبات في العالم خلال حوالي قرن لم تسقط نظاما واحدا ولو استمرت عشرات السنين ، وانما تسببت فقط بافقار عامة الشعب والتضييق على المواطنين في كل شؤونهم الحياتية باعطاء الحجج لحكامهم بالتشديد عليهم ، ليس اقل مما يفعلون لو تركوا لوحدهم بدون عقوبات . ولست هنا لاتمنى الرحمة بالمرتكبين بعد كل ما ارتكبوه ، وانما اضع هذه القضية بيد اولياء الدم ، لا بيد من كانوا ، مع النظام ، كحلفاء ، يستهدفون لسورية هذا المصير الاسود ، اذ انه بعد العقوبات تصبح الانظمة المحاصرة آمنة من اي رد فعل شعبي ضدها ، مما كانوا سيواجهونه لو كان المحكومون يتمتعون بقواهم الطبيعية ؛ وثانيا ، مادام النظام قائما ، فلن يقع احد من المطلوبين في شباك العدالة ، اللهم الا بالصدفة او ، ربما ، نتيجة سوء تقدير للمطلوبين انفسهم ؛ وثالثا ، هناك دائما فرص كبيرة للافلات من الحصار ومن العقاب يتجول داخلها المعاقبون وثرواتهم المنهوبة براحة وامان ؛ ورابعا ، وهو ان من يقع في الشباك ضحية للقيود والحصار والعقوبات هم الاقتصاد الشعبي ومجموع الناس العاديين البريئين غير المطالبين بشي من قبل احد !
قبل ان يبدأ سريان مفعول قانون سيزر باسبوعين اخبرني احد الاصدقاء من احدى الدول الاوربية ان باكورة تطبيقات القانون ، وحتى قبل بدء تطبيقه ، هي ان التحويلات البسيطة التي كان يرسلها للاهل ليستمروا في استهلاك ابسط الضروريات المعيشية ويتمكنوا من البقاء في ارضهم وبيوتهم ولا يتركوها للموات والنهب ، اصبحت ممنوعة وتخضع للعقاب ! وقبل ذلك بسنوات ، وبناء على عقوبات سابقة على سورية ، ابلغت بعض البنوك الاوربية اصحاب الحسابات لديها من السوريين المقيمين شرعا ومنذ عشرات السنين على اراضيها ودون اي اشكالات عليهم تجعلهم مشمولين باي عقوبات ، ان حساباتهم قد اغلقت ، فقط لانهم سوريون !
ولنقارن التعامل الدولي بالعقوبات مع سورية ومع العراق . فبخصوص العراق ، بعد احتلال صدام الجنوني للكويت وتدميرها وبعد اخراجه منها عام ١٩٩١ ، بعد تدمير جيشه ، الذي كان يوصف بانه ” الجيش الرابع في العالم “، اتفق جميع اعضاء مجلس الامن على اصدار قرار ينص على انشاء ” صندوق النفط مقابل الغذاء” ، فكان عائد صادرات النفط العراقي يوضع في صندوق تديره الامم المتحدة وتشتري بامواله الحاجات الاساسية الضرورية وتوزعها بنفسها ، (مهمشة بذلك مكانة النظام الحاكم عند شعبه) على شكل سلل غذائية توزع لكل الاسر العراقية مجانا ، لمواجهة المجاعة بسبب الارتفاع الفاحش للاسعار وانهيار القوة الشرائية للرواتب والاجور و مداخيل ذوي الدخل المحدود مع انهيار سعر صرف الدينار العراقي وانحطاط قيمة الراتب الشهري الى بضعة دولارات ، وهو تماما ما يسير اليه الحال في سوريا في السنوات والايام الاخيرة . وعند سقوط النظام العراقي كان مازال في هذا الصندوق فائض مقداره ١٨ مليار دولار ، ( بعد احتلال العراق عام ٢٠٠٣، سرقها المحتلون وزبانيتهم !) . بينما جميع اعضاء مجلس الامن ، بعد احتلالات دول مختلفة لسورية ، نجدهم صامتين عن سرقة النفط والغاز السوري ، ارضاء ، وبالمقايضة ، لعضو واحد من بينهم ( الولايات المتحدة )يقوم بهذه السرقة ، بعد ان يترك لزبانيته المحليين ، الذين يشتغلون حراسا لحقول النفط التي يحتلها ويشفطها ، فتاتا من هذه الثروة ، دون ان يهتم احد بتامين الشعب السوري من حاجاته الاساسية من المواد الغذائية والحاجات المنزلية والوقود والدواء التي تقيه من الموت جوعا ومرضا . والسؤال هو : لماذا بادر اعضاء مجلس الامن بانفسهم الى اصدار قانون ” النفط مقابل الغذاء ” في العراق ، بينما لم يخطر ببال واضعي نص قانون سيزر الاميريكي ، ومن بينهم النشطاء السوريون الاميريكيون ، مثل هذا الاجراء ؟ وهل لغياب هذه الفكرة عن اذهان السوريين الاميريكيين علاقة بتصريح الرئيس الاميريكي ترامب ( النفط السوري نفطنا ولن نتخلى عنه ) ، ولم نسمع من سوري واحد ، لا داخل اميريكا ولا خارجها ، كلمة تقول ان النغط السوري ليس مالا داشرا ، بل له مالك هو الشعب السوري وحده ، لذلك ، وبعد ان كان الرئيس ترامب قد اعلن عن سحب جنوده من سورية ، وعارضه بقية المسؤولين ، عاد ليدعم بهذا التصريح اهداءه الجولان لاسرائيل ، والان يقيم رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو احتفالا تكريميا لمن اهداه مالا مغتصبا باقامة ” هضبة ترامب ” كمستوطنة على اراضي الجولان السوري ، رغم رفض اصحاب الارض الشرعيين ، وهذا الى جانب اهداء القدس والضفة الغربية لاسرائيل ، بعد فلسطين عام ٤٨ ؟ ولم لا ، طالما يعتبرون المنطقة العربية كلها مالا داشرا ، بدلالة طريقة تصرف السلطات المغتصبة بها ؟
ان الكلام عن النفط السوري مقابل الغذاء لم يقله احد ، وللاسف ، بحجة اقبح من ذنب ، تقول ان ما ينطبق على العراق لاينطبق على سورية : فالعراق دولة غنية بالنفط بينما في سورية يبلغ انتاج النفط ٩٠٠٠ برميل يوميا فقط (!!!)، ولذلك لا معنى لتاسيس صنوق للنفط مقابل الغذاء !!! هكذا وبشحطة قلم يعتبرون ان كل مالايقع تحت يد السلطة من النفط ، اي كل ما يسيطر عليه ، الان ، الجيش الاميركي في منطقة الجزيرة السورية ، لايعتبر ملكا للشعب السوري ، وانما هو ملك لمن يغتصبه ويسرقه من اصحابه ، متناسين ان هذا النفط الذي يسرق الان يزيد عن مائة الف برميل يوميا ويقوم مغتصبوه برفع انتاجه الى مستوى اربعمائة الف برميل يوميا ، كما كان قبل عام ٢٠١١، وهو قابل للزيادة كثيرا ، وكان يشكل المصدر الاول لدخل الميزانية السورية وللدولار ! فكيف يجري شطبه وغض النظر عن اغتصابه وعن حرمان القطاعات الاقتصادية المدنية والسوريين المجوعين للوقود والكهرباء والخبز من حقهم فيه؟ ويجب ان نضع في اعتبارنا ان القانون الاميريكي الداخلي _ وقانون قيصر _له صفة الديمومة ، حتى وان كان محدد المدة بخمس او عشر سنوات ، فالاحتلال واغتصاب الحقوق والارض والثروات لايعرف السقوف الزمنية ، بل يزداد استشراء وتوسعا يوما بعد يوم ، مع الامعان في تذويب اصحابها الشرعيين ، ومثال فلسطين قريب جدا ، زمانيا ومكانيا !
وهكذا يصبح النص في القانون على حق الرئيس الاميريكي بتعليق العمل به كليا او جزئيا ، لاحقا ، لا قيمة عملية له ، وبالاخص مع ربطه بمدى تلبية السلطات السورية الحالية او التالية لمطاليبه ، المشروعة جدا ، بحد ذاتها ، وب” فضل !” تصرف السلطة الارعن المزمن بها ، وهي التي لم تترك فرصة الا واستخدمتها للتهرب من استحقاقاتها ، مادامت مجرد مطالبات لمحكوميها ، اصحابها الشرعيين . ونذكر هنا باي عجرفة لا وطنية ولا انسانية جرى رفض بعض هذه المطالب من قبل ممثلي النظام الرسميين في مؤتمر”موسكو ٢” عام ٢٠١٥ ، عندما استطعنا ، المعارضون من الداخل والخارج مع ممثلي المجتمع المدني الذين ارسلهم النظام من دمشق ، التوصل خلال يومين الى اتفاق ، بالاجماع الكامل دون اي تحفظ ، على ورقة الاجراءات الانسانية ، كوقف القتال ومعالجة مخلفاته الانسانية الفظيعة ، والغاء الحصارات ، والافراج عن المعتقلين .. الخ ، لتقابل هذه الورقة من قبل ممثلي النظام الرسميين الذين انضموا الى الاجتماع في اليوم الثالث بالرفض الكامل بكل عنجهية مما اودى الى افشال الاجتماع ، رغم تمديده . ومعلوم ، ان تلك الاجراءات قبلها النظام ، لاحقا ، بعد ان صدرت بقرار من مجلس الامن ، ولكن بعد خسارة فرصة ان تكون ، كما اردنا ، فاتحة للبدء بمفاوضات الحل السياسي ، مع كل التوفيرات من الكوارث اللاحقة التي انتهت الى الاحتلالات الخارجية !
ولماذا علينا ان لانتوقع استخدام قانون قيصر ، المبرر ، حاليا ، بممارسة الضغط على السلطة حماية للمدنيين والمعتقلين من عسفها الرهيب ، وهو مبرر عظيم ولا شك ، لو تحقق ، نتوقع استخدامه للابتزاز ولكسب الوقت للحصول على تلبية الطلبات الاميركية التي لا علاقة لها بما هو منصوص عليه فيه ، هذه المطاليب التي تصبح غير قابلة للاشباع ، تماما مثل نهم ارباب الفساد للمال ، وهذا مانقلته الاخبار المتسربة من داخل اجتماع “الحوار الستراتيجي الاميريكي _ العراقي” الجاري في بغداد ، والذي ، ليس فيه من “الاستراتيجيا “شيئا للعراقيين غير الاملاء والاهانة والتهديد من قبل الاميريكيين لهم . وليس هناك حاجة للتأكيد ان هناك زواج وترابط موضوعي بين الفساد والاحتلال !
ان اهم مافي اي عقوبات تفرضها دولة قوية على سلطة دولة اخرى فاشلة ، ليس ماورد في نصوص قانون العقوبات ، بقدر استخدامه كالعصا المرفوعة للابتزاز وللامر بتقديم التنازلات ، الان ولاحقا ، مقابل تعليق او التخفيف من اي بند من بنوده ، وسنتوقع ان يكون من بين اهم التنازلات المطلوبة ، حتى من اي سلطة جديدة في سورية ، ولو كانت سلطة اميريكية محضة (كما حدث في العراق !) انما ستكون ، اضافة الى الاستباحة الكاملة لكل شيء في داخل سورية ( بعد ان لم يبق شيء غير مستباح من قبل هذا او ذاك )، القبول بالمطالب الاسرائيلية _ الامريكية( بحجة ضرورتها للأمن القومي الاميريكي!) مثل التنازل رسميا عن الجولان المحتل لاسرائيل ( وفي مؤتمر القاهرة االاول و الاكبر للمعارضة السورية اجتمع السفراء الغربيون مع بعض المعارضبن السوريين وكان السؤال الرئيس الذي وجهوه لهم : في حال خلافتكم للنظام الذي تريدون اسقاطه ، ماهو موقفكم من الاحتلال الاسرائيلي للجولان ؟! ) ، وسيكون من بين المطالب بالتاكيد الانضمام الى المصفقين لصفقة القرن ولضم القدس والضفة الغربية وتحقيق يهودية الدولة العنصرية ، مع الطرد الجديد للفلسطينيين من بيوتهم في اراضي ٤٨ ، والتطبيع الكامل وملحقاته من ” دبكات اسرائلية _عربية” في السفارة الاسرائيلية التي سيقيمها في دمشق اول رئيس مرشح من قبل اسرائيل ومفروض من قبل قوى الاحتلال هدية لملحقاتهم السورية ، مما هو مخطط ، وما وفرته جرائم التهجير والتدمير والقتل والهمجية التي مورست في سورية بصورة منهجية على مدى عقود ، حتى اصبحت مشهدا اعتياديا يوميا، من مهجنين سوريين للأسرلة ! فهل كان السوريون الاميريكيون الذين جاهدوا لاصدار هذا القانون ، بدافع مبرر في جوهره وهو حماية المدنيين السوريين ، قد فكروا بسورية الجديدة ، او ، على الاقل ، بابسط حاجات اهلهم في سورية او في الشتات التي تتطلب ايراد بند في القانون لتأسيس ” صندوق النفط مقابل الغذاء ” ، وليته كان يصدر عن مجلس الامن ، لتكون الحالة الوحيدة التي تنجو من الفيتو الروسي _ الصيني مادام النفط السوري ينهب من قبل الاحتلال الاميريكي ، وليكون ثمن النفط السوري بديلا عن مؤتمرات دولية لاستجداء الغذاء بلا نتيجة . فهل فكروا بشعبهم ، بل وباهلهم الذين سيكونون ايضا من ضحايا الاثار غير المحسوبة للقانون ، من بقي منهم ولم يقتل او يهاجر ؟ هذا في الوقت الذي لن تشعر السلطة المجرمة يوما ، بسبب هذا القانون ، باي تضييق يستحيل الالتفاف عليه ، ليس بشان استمرارها بتامين حاجاتها الاساسية كسلطة قمعية نهابة ، بل ولا بشان تامين ملذاتها وملذات اولادها المليارديريين في الخارج وهداياها الباهرة واستمرار حصادها من المليارات ، وتقاسمها الاموال مع المحتلين ” الضامنين ” ، وحتى مع غير الضامنين بايداع اموال الشعب المسروقة لديهم؟
فالاهم ليس النصوص ، وانما التطبيق والآثار الفعلية على الارض وعلى المواطنين وعلى مستقبل الدولة ومستقبل الابناء ، بل والنيات المختبئة خلف النصوص ” البراقة ” للقانون . فلماذا لم يصدر هذا القانون منذ معرض صور قيصر قبل خمس سنوات او خلالها ، مثلا ؟ ليصدر ، اخيرا ، قبل ستة اشهر ، مربوطا ، بعجالة تصبح موضع تفاخر(!) ، بقانون اكبر ميزانية لوزارة الدفاع الاميريكية ، كقانون اميريكي داخلي ؟ اليس الجواب على هذا السؤال يكمن في ان الاحتلال الاميريكي للجزبرة السورية ، ارض النفط والغاز والثروات الزراعية ( وثروات اخرى اثمن بكثير مازالت سرية !) اللازمة للشعب السوري كله ، قبل السلطة وقوى الامر الواقع والمحتلين ، ان هذا الاحتلال الاميريكي لم يكن قد استكمل بعد ؟
ومع بدايات ظهور آثار تطبيقات هذا القانون ، والتي هي اكبر من ان تحصر الان ، وبالطبع لن يكون من بينها قطع يد سراقي خبز الشعب السوري وشفاطي ثرواته ، رغم النصوص التي تسميهم ، او ،بالاحرى ، اعادة فلس واحد من هذه المسروقات لاصحابها الشرعيين _ الشعب السوري ، والعراق ولبنان وغيرهما اوضح مثال على ذلك . اليست هذه الآثار والكثير المقبل ، الاخطر منها ، والتي ليس من بينها ، بالضرورة ، سقوط النظام وقدوم بدائله او شركائه المجهزين ، وانما ايقاع المزيد من الاضرار والارهاق على الشعب الجائع فقط ، ومنع قيام سورية الموحدة ، ودون ان تتضرر منه السلطة التي يتفاخرون بانهم خنقوها به !
اما بشان انهيار سعر صرف الليلة السورية ، فانني بعد التاكيد على ان هذا الانهيار كان سأبقا لقانون قيصر وهو يجري على مدى العقود الخمسة السابقة ، وكان لي محاضرات واحاديث وكتابات سابقة عديدة عنه ، مع ذلك فلا يجوز نفي اي تاثير لقانون قيصر عليه ، فالعقوبات الامريكية على روسيا ، وهي لاتعاني من حرب طاحنة بين الحكومة والشعب ، قد ادت الى خسارة الروبل نسبة كبيرة من قيمته . وليس مثال ايران وتركيا ببعيد ، رغم ان تركيا لم تفرض عليها عقوبات بقانون ومع ذلك فقد تدهورت القوة الشرائية لليرة التركية كثيرا . اما بالنسبة الى سوريا ، فيكفي ان نطالب القائلين بان قانون قيصر لا يعاقب الشعب السوري ولن يتضرر منه المواطنون السوريون بقراءة تصريح جيمس جيفري المبعوث الاميريكي الى سورية ، الذي قاله امام الشركاء السوريين في صياغة قانون قيصر قبل ايام ، الذي اكد على الاثر الكبير للقانون على تفاقم انهيار الوضع الاقتصادي والمعيشي والارتفاع الكبير في الاسعار نتيجة انهيار سعر صرف الليرة السورية …الخ ، بالاضافة الى قوله بصراحة كاملة ، بان الولايات المتحدة قد تقدمت للنظام بعرض تغض فيه الطرف عن ازالة النظام وتطالبه فقط بتحسين سلوكه !
وبينما يصب الاميريكيون الماء البارد على السوريين القائلين بان القانون سيكون الضربة القاضية التي ستعجل بسقوط النظام وانه لن يضر الشعب السوري ، فان آثار القانون على المواطنين السوريين المنكوبين،
( المدنيين ، الذين يقول القانون في عنوانه ان هدفه هو حمايتهم !) اي على ٩٠% من الشعب السوري ، ستكون مثل اثر صب الزيت على النار : فالنار اوقدت مند مطلع عام ٢٠١١ ، بل منذ الثمانينات ، وهي منذ ذلك الوقت ، وبالاخص خلال السنوات التسع الاخيرة ، تزداد اشتعالا ، وبالاخض بعد التخلي عن الليرة السورية ، منذ ايام ، لصالح الليرة التركية في الشمال المحتل ، تركيا ، او لصالح الدولار في منطقة الجزيرة المحتلة ، اميريكيا ا ، هذا مع استمرار وقوع اكثرية الدخل السوري في مناطق سيطرة النظام بيد الفاسدين المزمنين واضعي اليد على اموال الشعب ، الذين يسارعون ، يوميا ، لتبدبل الليرات السورية ، التي لم تكلفهم شيئا ، بالدولار ، الى ان تصبح الليرة السورية عديمة القيمة ، تماما ، مثلما اصبح عليه النقد الالماني قي الحرب العالمية الثانية ، ومثل عملات اخرى لسلطات فاسدة في عصرنا ، ولن تقع المعاناة الناجمة عن ذلك على المعاقبين بالقانون ، اذ ان اموالهم ستستمر بالازدياد ، بل ستقع المعاناة ، تحديدا ، على غير المعاقبين بنصوصه ، من المدنيين الذين يقول القانون في عنوانه ان هدفه هو حمايتهم ، ودون ان يفكر احد بتعويضهم عن خسارتهم التي لا يحتملونها وذلك بتوزيع ثمن النفط ، المسروق الان ، عليهم ، كسلع اساسية .
وشهادة حق تقال : ان القانون قد يكون بالغ الروعة لو كنا نعيش في عالم تحكمه مباديء الرئيس الاميريكي وودرو ويلسون (التي كانت ردا على او استجابة لمرسوم السلام الذي اصدره لينين ، زعيم الاتحاد السوفييتي الجديد) خلال خطابه يوم ٨/١/١٩١٨ امام الكونغرس( والتي وصفها نظيراه الانكليزي والفرنسي بالاخلاقية المثالية غير القابلة للتطبيق) ، او لو كانت الادارة الاميركية الحالية هي تلك الادارة التي ارسلت في عام ١٩١٩ ، بناء على قرار من عصبة الامم ، لجنة كينغ _ كرين الى سورية لتجتمع في فندق الشرق في ساحة الحجاز بممثلين من مختلف اطراف سورية الطبيعية ، من فلسطين وغيرها ، وتكتب تقريرها الى عصبة الامم الذي تقول فيه بانه تأكد لهم ان الشعب السوري على درجة كافية من الحضارة والمدنية لان يحكم نفسه بنفسه دون حاجة الى اوصياء عليه ، بخلاف ما كانت قد قررت عصبة الامم ! ولو كان العالم محكوما بامم متحدة نافذة سلطتها على الجميع على قدم المساواة ولا يعلو عليها سلطة دولة متمردة ، مارقة ، تعمل عكس مبادئها وقانونها وقراراتها، وهي ابعد ماتكون عن تمثل قيم ومباديء الحق والعدل على النطاق الدولي، يقوم رئيسها باهداء مالايملك الى من لايستحق ، ويهدد المحكمة الجنائية الدولية اذا ماقررت توجيه الاتهام الى اي مجرم اميريكي مهما ارتكب من جرائم بحق الغير ، مثل ذلك الجندي الاميريكي الذي يتفاخر علنا انه قتل لوحده
٢٧٥٠ عراقيا مدنيا ، دون ان يتهم من قبل دولته باي جريمة ، في تحصين كامل لكل من ارتكبوا جرائم القتل والتعذيب العمد ، سواء ضد العراقيين ، او ، بالتكافل والتضامن مع الارهابيين الصهاينة ، ضد الفلسطينيين وغيرهم من العرب ، بل من يرتكبون الجرائم حتى ضد الاميريكيين الملونين انفسهم ، باعتبار ان المجرم ،اذا كان عسكريا او شرطيا اميريكيا ، فهو كائن عصي على المحاكمة من قبل من هم “ادنى منه قيمة!” من ضحاياه ، او من قبل محكمة جنائية دولية تقوم على المساواة بين الناس امام القانون ، ويبقى في حل من العقاب ! ترى ماذا يعني ذلك ان لم يكن شوفينية عنصرية فوق القانون الانساني الدولي؟وكيف تكون هكذا عنصرية مستحقة لان تلعب دور “حكيم العالم” الحامي لحقوق الانسان في العالم كله ، هذه المكانة التي يستحقها ، والحق يقال ، المفكر الاميريكي الكبير الحي نعوم تشومسكي ، وليس ، بالتأكيد ، رئيس الصدفة الاميريكي دونالد ترامب؟
ولكن ، قبل توجيه الاتهام لاي دولة او مسؤول في العالم بممارسة الاجرام او بتغطيته والتحريض عليه ، يجب ان نسأل انفسنا ، نحن العرب : هل ترك مجرمو دولنا اي فرصة لمجرم اخر في العالم ان يتصدر و يتفاخر عليهم بالاجرام والارهاب ؟
ان مصداقيتنا رهينة بالامانة والصدق في الجواب على هذا السؤال ، كما ان في هذا الجواب يكمن الشفاء من الداء العضال _ داء خسران التعاطف و القيمة امام العالم ، وبالتالي ، يكمن الفوز باحترام الذات ، اولا ، من اجل الفوز باحترام الآخرين والارتقاء نحو المستقبل الافضل .
واخيرا اقول ، لم يبق امام السوريين ، جميع السوريين ، الا إدراك حقيقة ان مصيرهم مرتبط باجتماعهم ، وبخروجهم من تحت ظلال الآخرين ومن جيوبهم الصغيرة ، وبعودتهم الى الذات والى الوطن الديمقراطي الحر .
——————-
قانون قيصر يبدد أحلام الأسد في “مجتمع متجانس”/ وليد بركسية
من المدهش حقاً كيف يستطيع النظام السوري تجاهل كل الوقائع التي مازالت تجري في البلاد منذ عشر سنوات، من أجل الوصول إلى نتيجة واحدة يكررها بلا ملل، وتتلخص في رمي كل مشاكل البلاد على مواقع التواصل الاجتماعي التي تصبح جزءاً من المؤامرة الكونية ضد “الدولة السورية”. والدليل الأخير الذي ساقته وسائل إعلام النظام لهذه النظرية “العبقرية” هي عدم حجب مواقع التواصل عن البلاد، من قبل شركات التكنولوجيا الكبرى، رغم البدء بتطبيق قانون قيصر الذي يفرض عقوبات جديدة على نظام الأسد وداعميه.
وتكثفت هذه النظرية في مواقع التواصل من قبل إعلاميي النظام والموالين له، مع استضافة الإعلامي فيصل القاسم في برنامجه “الاتجاه المعاكس” على شاشة “الجزيرة، للناشط الموالي بشار برهوم، المعروف عموماً بتبعيته لمخابرات النظام. فرغم أن اللقاء الذي عرض مساء الأربعاء، شهد مشاركات من شخصيات أخرى تقيم في مناطق النظام، مثل عضو “مركز المصالحة الروسي” المقرب من النظام، عمر رحمون، ورئيس حزب “سوريا أولاً” سليمان شبيب، إلا أن الصفحات الموالية للنظام ركزت في هجومها على برهوم فقط، باعتباره نموذجاً لناشطي مواقع التواصل الذين ينتقدون الأوضاع المعيشية في البلاد.
ووفق المنطق الموالي، فإن ظهور برهوم على شاشة “الجزيرة” هو دليل على تبعية كافة ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي للدول المتآمرة على سوريا، حتى لو كان تشبيح برهوم لرئيس النظام بشار الأسد، في مداخلاته، واضحاً، بإلقائه اللوم على الحكومة والفاسدين، عند الحديث عن الأزمة الاقتصادية في البلاد وانهيار سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي. وبسبب ذلك تكثفت الأسئلة بأسلوب النسخ واللصق: “مكرر بمناسبة قيصر. لماذا خلت كل عقوبات وإجراءات عاصمة الشر من حجب مواقع التواصل عن سوريا؟ هي أداة يريدونها للفوضى والشر ونريدها للنظام ولخير سوريا”.
والحال أن برهوم المتحدر من مدينة اللاذقية، يشتهر بعلاقته مع أجهزة المخابرات، وهي تهمة تلاحقه من قبل الموالين للنظام والمعارضين له على حد سواء، وتحديداً عند حديثه عن الأزمات المعيشية أو مهاجمة الحكومة، كأسلوب لتخفيف الغضب الشعبي في مناطق النظام، وتجلت تلك العلاقة بشكل واضح، مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد أواخر العام الماضي، عندما دعا السوريين في مناطق النظام لعدم الاحتجاج في الشوارع، حتى لو وصل سعر صرف الدولار الأميركي في البلاد إلى 5000 ليرة سورية، كما كرر ذلك في “الاتجاه المعاكس” بالقول أن المظاهرات ليست أسلوباً يوصل إلى نتيجة، بموازاة استجدائه الأسد للتدخل.
وهكذا، ليس مستبعداً أن يكون برهوم قد حصل على الضوء الأخضر من الأجهزة الأمنية، للظهور على شاشة “الجزيرة” لتشكيل نقطة ترتكز عليها دعاية النظام الموجهة للموالين، وتحديداً في البيئة العلوية التي قالت تقارير محلية وعالمية، في الأيام القليلة الماضية، أنها تشهد تعبيراً متزايداً عن الملل من حكم عائلة الأسد التي أفقرت السوريين جميعهم، وهي مشاعر غذتها سنوات الحرب الطويلة والأزمة الاقتصادية التي دفعت السوريين في محافظة السويداء جنوب البلاد للتظاهر في الشوارع مع شعارات ثورة العام 2011، بالتوازي مع الخلافات التي طفت للسطح مؤخراً ضمن عائلة الأسد نفسها، ومشاعر الانزعاج التي عبر عنها رجل الأعمال رامي مخلوف مع القرارات التي لاحقت شركة الاتصالات “سيريتل”.
وبما أنه لا جديد في خطاب النظام القائم على ضرورة التصدي لقانون “قيصر” بالصمود فقط، أعاد إعلاميو النظام تدوير عبارات تلوم الشعب السوري على ما يجري في البلاد، وتحديداً ما يخص الشكوى من الوضع المعيشي الكارثي، الذي لا يجب الحديث عنه بل إخفاؤه والصبر عليه بصمت ورضى، لأن عكس ذلك، أي المطالبة بالحقوق الأساسية مثل الخبز والدواء والكهرباء ومياه الشرب، يعتبر إساءة لصورة البلاد ودعماً للإرهاب.
ويجب القول أن لوم السوريين على كل ما يحصل في سوريا من انهيار، على كافة المستويات، ليس جديداً، فإعلام النظام الرسمي وشبه الرسمي، اعتمد ذلك الطرح حتى في فترة ما قبل الثورة السورية العام 2011، بتعويم أفكار سامة مفادها أن الشعب السوري غير واع ويحتاج إلى القيادة الحكيمة التي توصله إلى بر الأمان، ما يستوجب الطاعة التامة، وتكرر ذلك بعد الثورة بكثافة، ويمكن تلمسه مثلاً في برامج مثل “قولاً واحداً” الذي قدمته قناة “سما” شبه الرسمية العام 2015، أو برنامج “منقدر” الذي تعرضه قناة “لنا” الموالية منذ مطلع العام 2019 وحتى في الدراما السورية في مسلسلات مثل “الندم” للكاتب حسن سامي يوسف والمخرج الليث حجو، العام 2016.
وبهذا فإن خطاب النظام يحافظ على جموده لا أكثر، ويصبح الانهيار الحالي والعقوبات وقانون قيصر، كلها دليلاً على الانتصار العسكري ما يستوجب بالتالي الاحتفال وليس الاحتجاج. وفيما يتم التأكيد على أن النصر العسكري الذي حققه “الجيش السوري”، ليس كافياً لتحقيق النصر في “المعركة الاقتصادية” المستمرة، فإن الحل يتمثل في صمود المواطن السوري كعربون شكر وامتنان لـ”الدولة السورية” على الاستقرار الأمني.
في ضوء ذلك انتشرت بين الصفحات الموالية، مقولة للرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول: “كيف بإمكانك أن تحكم بلداً يأكل شعبه 246 نوعاً مختلفاً من الجبنة؟”. وإن كان قول ديغول يأتي ضمن سياق تاريخي يتحدث عن تطور الهوية الوطنية في فرنسا منذ القرن التاسع عشر نحو الديموقراطية بصورتها الحالية التي تعني مشاركة الشعب في الحكم، مثلما توضح صحيفة “دايلي تيلغراف” البريطانية، فإن موالي الأسد لم يفهموا من العبارة إلا أن الدكتاتورية هي الحل، بعقد مقارنة عجيبة بين ديغول والأسد.
وبالطبع فإن الضحك هو ردة الفعل الطبيعية عند قراءة رسائل الموالين للأسد: “لو كان شارل ديغول حياً يُرزق لأتى اليك وقال لك علمني فن السياسة يا سيادة الرئيس”، لكن ما يمنع المتابع من الضحك أو حتى الابتسام، هو الطبيعة الظلامية لهذه المنشورات التي تصف الشعب السوري بالتخلف والهمجية والغباء والطائفية والأصولية، بما يمنع الأسد من الوصول للحكم الرشيد الذي كان يمكنه تحقيقه لو امتلك شعباً أفضل. ويجعل ذلك بالتالي كل ما قام به النظام خلال السنوات الماضية ضد الشعب السوري مبرراً وطبيعياً لأن الخلل في سوريا يكمن في الشعب الجاحد الذي يجب تربيته والعمل على تصفيته وخلق “مجتمع أكثر تجانساً”، وهي عبارات خرجت من فم الأسد شخصياً في عدة خطابات ولقاءات إعلامية سابقة له.
ومن الملاحظ أن دعاية النظام بما تحمله من سطحية وسذاجة، مثل نشر صور لجنود النظام وهم يكتبون كلمة “سوريا” على التراب أو رسوم الكاريكاتير والتصميمات التي نشرتها الصحف الرسمية، وتصف قانون قيصر بأنه جزء من حملة إبادة ممنهجة، بكل ما يتضمنه ذلك الوصف من تناقض مع الواقع لأن القانون هو رد فعل على حملة الإبادة الممنهجة التي قام بها النظام ضد شعبه طوال 10 سنوات، لم تثر إلا سخرية السوريين واستياءهم، وبالتحديد في مناطق سيطرة النظام، بما في ذلك العاصمة دمشق، التي أحجم أهلها عن الخروج في مسيرات داعمة للأسد في دمشق الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، في مشهد رفض نادر تحدثت عنه الصفحات الموالية.
ويعني ذلك أن سياسة الأرض المحروقة لم توصل النظام إلى المجتمع المتجانس المنشود، رغم قتل نحو نصف مليون سوري وتشريد نصف سكان البلاد بين نزوح داخلي ولجوء خارجي، يشكلون في مجموعهم التفاحات الفاسدة التي وجب التخلص منها كثمن “زهيد” للوصول إلى “اليوتوبيا الأسدية” التي يبقى فيها الأسد في الحكم إلى الأبد ممتصاً دماء السوريين، من دون أن يشتكي أحد، وينعكس ذلك بوضوح ضمن ردود الأفعال في مواقع التواصل تجاه تبعات قانون قيصر.
وفيما تقدر الأمم المتحدة تكلفة عملية إعادة الإعمار المتعثرة بنحو 300 مليار دولار أميركي، فإن الاستقرار في البلاد يبقى بعيد المنال، إلى حين حدوث خرق سياسي ما يكسر الجمود، سواء بتأثير قانون قيصر والعقوبات الغربية أو بتأثير الاحتقان الداخلي المتزايد ضد عائلة الأسد، خصوصاً أن الاستقرار في البلاد مرتبط حكماً بوجود حل سياسي يوصل سوريا إلى بداية طريق الديموقراطية بما ينهي المظالم المستمرة منذ عقود، والتي يعتبر النظام السوري مسؤولاً عنها بالدرجة الأولى.
————————-
بشار الأسد .. أزف زمن الرحيل/محمود الوهب
(1)
على الرغم من أن حافظ الأسد لا يملك وجه “نرسيس” الجميل في الميثولوجيا اليونانية التي ينسب إليها مصطلح “النرجسية”، إلا أنه يحمل صفات النرجسية كلها: غروراً، وتعالياً، وشعوراً بالأهمية الفائقة، واستخدام الأعوان عبيداً، لا زملاء أو رفاق درب، ومحاولة الكسب، وإنْ على حساب الآخرين، بل وإنْ على دمائهم، وهذا ما كان فعلاً، إذ دفعته هذه الصفات النرجسية، بعد أن اقتنص اللحظة الحاسمة ليغدو ديكتاتوراً مستبدّاً، إلى ارتكاب أفظع الجرائم بحق الشعب السوري، ولم يكتف بما فعله في حياته، إذ طلب، وهو على فراش الموت، ممن أفضاله عليهم لا تعدّ ولا تحصى .. (أطلق أيديهم في مال الشعب وحرماته، فكانوا له عوناً على جرائمه، وأحسنوا خدمته في حياته، وبعد مماته..) أن يؤول الحكم من بعده إلى ابنه بشار، على الرغم من أنَّ الأب يعرف حق المعرفة أن ابنه غير جدير بهذا المقام، ولا هو كفء له، ولكنها العلة المترسّخة في نفس الأب من فقر وتخلف ودونية، ورغبة في انتقام حاقد، وبعْدٍ عن أي مفهوم يتعلق بالوطن والمواطنة.. والأغلب أنها رغبةٌ في الاستمرار لتغطية جرائم ارتكبت، وإنْ إلى أبعد مدى ممكن. وهكذا يفكّر من “في نفسه مرض”، إذ لا يحسب حساباً للعواقب (لم يدر في خلد الأب أن ابنه سوف يفرِّط بالحكم والبلد على السواء ..)
(2)
وإذا كان الأب قد امتلك دينامية خاصة تفسح له بـ”المرونة السياسية” (الخيانة) في حال تهدّد حكمه، فتراه يأخذ في المناورة والمداورة مع الخصوم، ويقلب ظهر المجن للأصدقاء جاعلاً من كرسي الرئاسة واستقراره عليه الهدف والغاية، حتى وإن تطلب الأمر مشاركة العدو في موقف واحد.. وقد حدث ذلك في حربي 1967 و1973، وفي مباحثات الوحدة مع العراق الذي حكمه حزب البعث أيضاً، وكذلك في لبنان، حيث اهتزّ كرسيه بالتهديدات الإسرائيلية، فكان أن ساهم في ترحيل منظمة التحرير الفلسطينية، بعد خيانة الحركة الوطنية اللبنانية، ووقوفه، قبل ذلك، متفرّجاً على مليشيا اليمين اللبناني، حلفاء الإسرائيليين خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وهم يرتكبون الفظائع بسكان تل الزعتر، بعد أن حاصره الجيش السوري خمسين يوماً، وسكانه “إخوة الدم والمصير”. أما آخر التفاتة إلى كرسيه، فكانت يوم توقيعه اتفاقية أضنة عام 1998، فأخرج بموجبها زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، لتتبعه المخابرات التركية، وترميه في السجن، وقد سمح الاتفاق للجيش التركي بالدخول مسافة خمسة كيلومترات في الأراضي السورية، لتعَقُّب مليشيا هذا الحزب، والتي كان حافظ الأسد قد تبنّاها ودرّبها ضباطه، وتأخذ اليوم اسماً آخر، قوات سورية الديمقراطية، يرمز لها بـ “قسد”، وتحتل القسم الأكبر من الجزيرة السورية بدعم أميركي.
(3)
كان على بشار الذي ورث ما هيأه له والده أن يبدأ من حيث انتهى الأب.. لكنه للأسف لم يفعل، ولم يكن حازماً في موقفه حول طيَّ مرحلة الأب بكل ما فيها، والبدء بمرحلة جديدة، نزولاً عند رغبة الشعب الذي رحب بشعاراته (التحديث والتطوير ومحاربة الفساد)، بل نزل عند رغبة الحاشية المستفيدة من (سكان المزرعة) وهكذا عمل على إعادة سيرة والده، فجاء عمله مكرّراً لذلك التاريخ الذي ضاعف من مأساة الشعب السوري، وأضاع فرصة ذهبية ببقائه في المأساة ذاتها، بل زاد عليها أضعافاً بعد العام 2011، إذ أخذ البلاد إلى حيث يريدها الطامعون، فهم اليوم أصحاب قرار، وكل منهم يسعى إلى تثبيت ما أخذ، ويطلب زيادةً، وإلا ما معنى أن يصدر الرئيس الروسي بوتين مرسوماً يوم الجمعة 29 مايو/ أيار 2020 يفوِّض بموجبه وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين بإجراء مفاوضاتٍ مع الحكومة السورية، بغية تسليم العسكريين الروس منشآت بحرية ومناطق إضافية في ميناء طرطوس، وغيره من مناطق الاستثمار الروسي (ربما تعويضاً عما لم يستطع بشار دفعه).
(4)
لعلَّ هذه الأيام بل الساعات التي يمر بها الشعب السوري الآن من أكثر الأيام حرجاً وضيقاً، إذ هي ساعات انتظار حدوث أمرٍ ما، هو حصيلة سياساتٍ خاطئةٍ مورست بحقه خمسين عاماً، وقد تراكمت، وأزف وقت انفجارها لتنذر بشار الأسد وأسرته ونظامه البالي بالرحيل، فالسوريون الآن على عتبة مجاعةٍ لم يشهدوا مثيلاً لها منذ أيام “سفر برلك”، وقد أخذت تعبِّر عن نفسها بمظاهراتٍ في عدد من المحافظات السورية، أهمها السويداء التي بلغ عدد المتظاهرين فيها، يوم الثلاثاء 9 يونيو/ حزيران الحالي، نحو خمسمئة متظاهر طافت معظم أحياء المحافظة الرئيسة .. ناهيكم بوسائط التواصل الاجتماعي، وما تنقله عن الناس من ضيق وتذمر. وحتى وسائط الإعلام السورية الرسمية تنقل أحياناً، ربما عن خطأ أو حرج من بعض ضيوف الفضائية السورية، حالات بؤس الشعب الذي يعاني الارتفاع الجنوني لأسعار السلع الاستهلاكية، وفقدان الأدوية الأساسية.. يرافق ذلك انهيار اقتصادي، يتجلى بتدني سعر الليرة السورية مقابل الدولار إلى مستوىً لا نظير له، إذ انحدر أكثر من ستين مرة عما كانت عليه قبل العام 2011، وتتراوح اليوم بين 3200 و3500 ليرة سورية للدولار الواحد، أي إن وسطي راتب العامل أو الموظف لم يعد يتجاوز الـ 15 دولاراً. وكشفت صراعات بشار الأسد ورامي مخلوف أنه لا الروس ولا الإيرانيون بقي لديهم ما يدفعونه للأسد. وعلى العكس هم يطالبون بما دفعوه أو بما يعادله أراضي أو ممتلكات سورية أو استثمارات .. إلخ. وكل ما ذكر كوم وقانون قيصر القادم بعد أسبوع واحد فقط كوم آخر تماماً. وبالمناسبة، قانون قيصر هو استحقاق، لا عقوبات استحقاق يفرضه مضمون قرار مجلس الأمن 2254 الذي عرقله الأسد والروس على السواء.
(5)
لم يدرك بشار الأسد حقيقة ما حدث في سورية، ولا نظامه، أنَّ الأزمة بنيوية، وجوهرها يكمن في النظام ذاته، فالنظام قائمٌ على القمع والنهب والفساد وتخريب عملية التنمية، بل تخريب سورية كلياً، وهذا ما فضحه صراع الأسد ومخلوف، إذ هو صراع على مال الشعب السوري، وقد فشل النظام في بناء اقتصاد قوي، يقوم على الصناعة والزراعة، بل عمل على تنشيط الاقتصاد الريعي الذي يأتي من قطاع الخدمات، ومن التجارة والتهريب، بما في ذلك الممنوعات، وتوكيلات الشركات الأجنبية، ولتتكون ما تعرف بالبرجوازية الطفيلية التي تمتص قوت الشعب، ولتلتقي مع الاقتصاد الريعي الآخر، أي النفطي وحكوماته، فيشكلان حلفاً أصبح اليوم عائقاً أمام نمو البلاد وتقدّمها وديمقراطيتها، وبالتالي دخولها إلى حضارة اليوم، ولذلك تراهم وقفوا ضد ظاهرة الربيع العربي التي قادها شبابٌ أرادوا التعاطي مع عصرهم وأدواته!
(6)
إنها مرحلة انتهت من تاريخ العرب، إذ اتسمت بالهزائم والذل وتبديد ثروات بلادهم وتنمية القوى السلفية/ الظلامية التي أساءت للدين والإنسان والأوطان عموماً .. إنها مرحلة ربما كانت طبيعية في تطور شعوب المنطقة، لكن من قادها بالغ في الظلم والقهر والاستغلال، وهما قطبان رئيسان: العسكر القادمون من الأرياف المغرقة في التخلف، مأخوذين بجلجلة الشعارات التي ارتدوها بيارق وأعلاماً، متحالفين مع عرب آخرين، كانوا قد وجدوا أنفسهم بين عشيةٍ وضحاها يعبثون بثرواتٍ هي أكبر وأعظم من أن يحتملها عقلٌ مؤطر ببيئة محددة. والمهم أن ما حدث في سورية ليس خروجاً عما جرى في المنطقة كلها، بل هو في صلبه، على الرغم من أنه لم يستقر بعد، ولم تظهر منه حتى الآن غير المعاناة، لكن الأمر طبيعي فـ “خطوة إلى الأمام خطوتان إلى الوراء” في العمل الثوري ضد الاستبداد المتأصل تعدّ، في المحصلة، خطواتٍ إلى الأمام .. وما يهم أنَّ مسألة التبديل والتغيير التي بدأت مع نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة مستمرّة، وها هي ذي ليبيا تتعافى، ومثلها تخطو تونس خطواتٍ صحيحة، ولم تثن العراقيل الثورة السودانية عن استمرارها، كما لم يؤثر التدخل الإقليمي في مسار الأحداث الليبية، وأن سياسة التطبيع مع النظام السوري قد فشلت إذ لم تحقق أي تقدّم يذكر، وكذا مواقف معظم دول العالم مع التغيير في سورية. وإذا كانت جائحة كورونا قد أوقفت انتفاضتي العراق ولبنان، فهذا الأمر لن يستمر.
(7)
أخيراً، لا حل للمأساة السورية إلا برحيل النظام وأعوانه، إذ لم يعد له من وظيفة غير تثبيت أركان الروس والإيرانيين، فلا رأي له ولا قرار بيده، فهو اليوم ليس أكثر من مظلةٍ للمحتلين الذين جلبهم، وللذيول التي نمت من خلال وجوده ووجودهم .. صحيحٌ أن الأيام أو الشهور وربما السنوات القليلة الأولى سوف تكون صعبةً للغاية، فمخلفات خمسين سنة عجافاً بينها حرب تسع سنوات ليست أمراً عادياً، لكنَّ الأهم أنَّ عجلة الدولة ستأخذ في الدوران في إطار سياسةٍ متوازنةٍ بعيدة عن المحاور، فالشعب السوري الذي عركته الأحداث، وصقلت وعيه، كفيلٌ بمعالجة قضاياه بالحكمة التي اكتنزها من تجاربه الكثيرة المريرة.
العربي الجديد
——————————
«قيصر» وبشار وأوهام الانتصار/ الياس حرفوش
السياسات الخاطئة لها ثمن تدفعه الشعوب عادة؛ لأن حظها التعيس شاء أن تعيش في قبضة أنظمة وحكومات تدير تلك السياسات. في أنظمة كهذه تحسب «الانتصارات» بحساب قدرة النظام على البقاء، بصرف النظر عن قدرة الشعب على تحمل المعاناة.
الشعب السوري، أو من بقي منه، مهدد الآن بدفع ثمن يمكن أن يوازي ما دفعه على مدى السنوات التسع الماضية. «قانون قيصر» الأميركي الجديد سوف يشدد القبضة على اقتصاد النظام لإرغامه على تطبيق القرارات الدولية، وخاصة القرار رقم 2254 الذي يدعو إلى قيام حكومة انتقالية وعملية تغيير سياسي سلمي للسلطة. وخيار السوريين بين مصيبتين: الخضوع لظلم النظام الجائر، مع ما يرافق ذلك من قتل وظلم وتجويع، أو مواجهة آثار العقوبات على أمل أن يستعيد النظام رشده، أو يتم إرغامه على الاستسلام أمام الضغط الشعبي والموقف الصارم لأكثرية القوى الدولية.
على الجانب الآخر من الحدود، يواجه اللبنانيون المصير الحالك نفسه. بلد محاصر بضائقته المالية من جهة وبهيمنة «حزب الله» على قراره السياسي من جهة أخرى. والتلازم بين الأمرين ما عاد خافياً إلا على من لا يريد أن يبصر هذه الحقيقة بين اللبنانيين. صحيح أن جانباً من الأزمة المالية يعود إلى النهب المنظم للخزينة العامة والفساد المستشري، لكن الجانب الآخر يتعلق بالربط القائم بين موارد البلدين، من خلال التهريب الجاري عبر الحدود لمواد أساسية ممولة من المصرف المركزي اللبناني، تستنزف احتياطه النقدي، من دون أي قدرة للدولة على منعه، في ظل عجزها المعروف. تضاف إلى ذلك السحوبات الجارية لودائع متمولين سوريين من المصارف اللبنانية، في حين يعجز المودعون اللبنانيون عن سحب الحد الأدنى من أموالهم.
غير أن الأهم من ذلك أن العقوبات الجديدة على النظام السوري سوف تزيد صعوبات حصول الحكومة اللبنانية على المساعدة التي تحتاج إليها من صندوق النقد الدولي؛ نظراً لإدراك المسؤولين في الصندوق والقوى الدولية النافذة التي تتحكم في قرارهم، لمدى ترابط المصالح بين عدد من المسؤولين في الدولة وكبار السياسيين مع أركان النظام السوري، ما يبقي هؤلاء المسؤولين تحت عين المراقبة الأميركية.
وهكذا، فالقاعدة التي وضعها الرئيس الراحل حافظ الأسد لتصوره للشراكة اللبنانية – السورية «شعب واحد في بلدين» تتجلى الآن بأبهى صورها. «الشعب الواحد» يواجه الضائقة المالية ذاتها. كما يدفع ثمن «انتصار» محور «الممانعة».
لا يمكن تقدير حجم الانقلاب الذي سوف يحدثه تطبيق العقوبات الأميركية الجديدة، إلا من خلال رد الفعل العنيف للذين سيتضررون منها: الإعلام الرسمي السوري اعتبر العقوبات «مخالفة للقانون الدولي» و«شكلاً جديداً من أشكال الإرهاب»، وبنتيجة حرصه الفائق على معاناة السوريين، أضاف أن هذه العقوبات ستفاقم تلك المعاناة.
أما الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، فقد أدرك أن معركة العقوبات ستكون قاسية هذه المرة، وستهدد قدرته على الدفاع عن سلاحه، كما ستلحق الأذى بقاعدته الشعبية، فكان التصعيد الاستثنائي الذي سمعناه على لسانه قبل بضعة أيام: سنقتل أي طرف يضعنا أمام خيارين، القتل بالسلاح أو القتل بالجوع. سيبقى السلاح بأيدينا ونحن سنقتلكم.
حاول نظام بشار الأسد، خصوصاً بعد إنقاذه على يد التدخل الروسي في الحرب بعد سنة 2015، الإيحاء بأنه «انتصر» على ما وصفها بـ«المؤامرة الكونية». لم يكن مهماً بالنسبة إليه أن ثمن «الانتصار» المزعوم كان مقتل ما لا يقل عن 300 ألف سوري، وتدمير المدن السورية، وتهجير نصف السكان. المهم كان بقاء بشار في قصر المهاجرين.
كثيرون، وليس فقط من حلفاء النظام، أخذوا يروجون لمقولة «الانتصار» هذه. كثيرون من سياسيين ورجال أعمال عرب وأجانب صوّبوا عيونهم وجيوبهم باتجاه المساهمة في إعادة إعمار سوريا. مشاريع مغرية جرى تقديرها بما لا يقل عن 400 مليار دولار كانت بالانتظار. الغزل بقدرة بشار على البقاء تجاوز كل التعابير الانتهازية. ولم يحسب أحد حساب الجرائم والفظائع التي ارتكبت على الطريق.
العقوبات التي يواجهها النظام السوري وحلفاؤه اليوم تشكل صدمة هدفها إيقاظ الجميع من الوهم الذي كانوا يعيشون فيه. نظام بشار الأسد يواجه ساحة حساب الآن، كما لم يواجه سابقاً، ومع أن من الحصافة عدم الاستعجال في توقعات سريعة بأثر العقوبات على النظام، فالأكيد أن وسائل الدعم التي يعتمد عليها، وخصوصاً تلك الآتية من موسكو وطهران، ما عادت تنفع في وجه الضائقة الاقتصادية والحصار الذي سيشتد ويطال كل المتعاملين معه، وخصوصاً أن هؤلاء «الداعمين» يبحثون عمن يدعمهم؛ إذ إن أحوالهم ليست أفضل كثيراً من أحوال حاكم دمشق.
مرحلة جديدة تدخلها الأزمة السورية مع العقوبات الأميركية الجديدة. والرهان على أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين «استسلموا» أمام «انتصار بشار» تبين أنه كان رهاناً في غير محله. فالعقوبات التي سوف يواجهها النظام السوري وحلفاؤه في المرحلة المقبلة هي الأقسى مقارنة بما واجهه خلال السنوات التسع الماضية.
ومع أن نظام الأسد وأركانه المحيطين به من سياسيين وعسكريين يخضعون حالياً لعقوبات أدّت إلى تجميد أصول للدولة ولمئات الشركات والأفراد، فضلاً عن منع الأميركيين من التعامل مع الشركات ورجال الأعمال السوريين، فإن العقوبات الجديدة سوف تطال كل الأنظمة والكيانات التي تتعامل أو تفكر في التعامل مع النظام السوري؛ ما سوف يدفعها إلى إعادة حساباتها وتقدير الكلفة العالية التي تترتب على دعم هذا النظام.
الشرق الاوسط
——————————-
=========================
========================
تحديث 20 حزيران 2020
————————-
الشعب الرهينة والقانون الرهان..خلاف السوريين حول “قيصر” ليس جديدا/ ماهر مسعود
ما بقي من اقتصاد سوري، من ثروات ومعامل وشركات ومعاملات، جميعها مرتبطة البنية الذئبية المهيمنة والمتسلطة على لقمة السوريين والتي تنهش جسد المجتمع السوري وتأكل الأخضر واليابس فيه، وتسرق حتى المساعدات التي تأتيه من الأمم المتحدة. ولذا فإن قانون قيصر يستهدف هذه الطغمة الحاكمة التي لا يمكن أن يسقط نظام الأسد دون نسفها ونسف قدرتها على المناورة.
بعد أن أنهى أوباما أي احتمالية للتدخل العسكري الدولي من أجل حماية المدنيين في سوريا منذ عام 2013 عبر الصفقة الكيماوية الدنيئة والشهيرة، وبعد أن أنهى التدخل الروسي عام 2015 أي إمكانية داخلية لإسقاط النظام عسكرياً بقوى الثورة والمعارضة المدعومة من عدة جهات إقليمية، وبعد أن كانت سيطرة النظام على كامل الأراضي السورية وإعادة تأهيله وتعويمه دولياً على يد الروس قاب قوسين أو أدنى، جاءت سنة 2020 بحدثين حاسمين:
الأول: هو الاتفاق الروسي التركي في شهر آذار/ مارس 2020، وهو الاتفاق الذي جاء بعد فشل الروس وقوات النظام بالسيطرة على كامل إدلب واستلام المعابر مع تركيا، وأنهى، إلى أجل غير مسمى، كل الأحلام البوتينية بإنهاء الملف السوري وفرض شروطه على أوروبا والعالم، واستلام ملفي إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين.
الثاني: هو قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، الذي تم توقيعه من الرئيس ترامب نهاية 2019 وتم تأخير تنفيذه ستة أشهر، ليبدأ تطبيقه الفعلي في 17 حزيران/ يونيو 2020، وهو القانون الذي ينهي كلياً أي أمل مستقبلي للروس بتعويم الأسد أو إعادة الإعمار تحت نظام حكمه، ويضع حداً نهائياً لكل الجهود العربية والإقليمية والدولية التي سعت جاهدة لإعادة العلاقات مع النظام ودعمت الجهود الروسية لتعويمه.
مفاعيل سياسية واقتصادية
هناك مفاعيل سياسية واقتصادية للقانون، لكن الجانب السياسي منه ينقسم إلى شقين:
الأول يصيب نظام الأسد في مقتل ويجعل إعادة تأهيله أشبه بالمهمة المستحيلة، وتلخصه الشروط الستة التي وضعها جيفري لإيقاف القانون، وهي الوقف الشامل لقصف المدنيين، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والسماح بوصول منظمات حقوق الإنسان إلى المعتقلات والسجون السورية، ورفع الحصار عن جميع المناطق المحاصرة والسماح بوصول المساعدات الإنسانية وحرية مرور المدنيين، وعودة المهجرين السوريين بشكل طوعي وآمن، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب في سوريا.
تلك الشروط التي تلخص معظم ما جاء في قرار مجلس الأمن 2254، الذي يلتفُّ عليه الأسد والروس منذ عام 2015، والذي يتضمن تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية وإعادة صياغة الدستور عبر “اللجنة الدستورية”، وإجراء انتخابات نزيهة بإشراف دولي، هي شروط كافية لإجراء تغيير سياسي حقيقي في سوريا، ولا يمكن لنظام الأسد الاستمرار في الحكم في حال تطبيق شرط واحد منها، دون حتى تطبيقها جميعاً، فمن المعروف أن النظام يستخدم كل شرط من الشروط المذكورة أعلاه كأدوات تفاوض وتحكّم وابتزاز، وأوراق ضغط على الشعب السوري والمجتمع الدولي في آن، وذلك ضمن إطار فرض نفسه على الجميع كنظام شرعي حاكم، والقانون يضع جميع تلك الأوراق في ملف واحد ليواجه بها استحقاقات النظام.
ما بعد الأسد والورقة الإسرائيلية
الشق السياسي الثاني من القانون يتجاوز نظام الأسد نفسه، ويصل إلى أي نظام حكم قد يأتي بعده، فما حددته الإدارة الأمريكية لإيقاف العمل بالقانون لا يتوقف عند نهاية حكم الأسد وإعادة اللاجئين ومحاسبة مجرمي الحرب (ومن ضمنها جرائم الفصائل المسلحة التابعة للمعارضة)، ولا يتوقف عند إخراج جميع الميليشيات الإيرانية من سوريا، أو تسليم ما تبقى من الأسلحة الكيماوية التي أخفاها الأسد، بل يمتد إلى إيقاف الطابع العدواني لسوريا ضد دول الجوار في أي نظام قادم. ومن الواضح أن هذا الشرط الأخير يضع إسرائيل ومجمل عملية السلام في صلب المسألة. وعلى الرغم من خطورة هذا البند الأخير حول إيقاف الطابع العدواني ضد “دول الجوار”، إلا أنه يسحب الورقة الإسرائيلية بشكل نهائي من نظام الأسد، فمن المعروف أن تبجّح النظام بالمقاومة والممانعة لم يكن يوماً إلا للاستهلاك المحلي، أما الرسالة الأهم التي أطلقها النظام السوري للمجتمع الدولي، وتحديداً منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، هي أنه الوحيد القادر على حماية حدود إسرائيل، وصيانة وقف إطلاق النار القائم منذ عام 1974، وأن نهاية النظام ليست خطراً على أمن إسرائيل فحسب كما صرّح رامي مخلوف لصحيفة نيويورك تايمز عام 2011، بل إن أي بديل “سنّي” أو “إسلامي” للنظام، قد يخرّب كل ما صنعه هو نفسه خلال أربعة عقود من الهدوء على جبهة الجولان. وأما الآن مع قانون قيصر، فإن سيف العقوبات الأمريكي سيكون مسلطاً على أي حكومة حالية أو مستقبلية تتصرف بعدوانية ضد “دول الجوار” ولا فرق في ذلك, سواء بقي الأسد أو طار الأسد.
ماذا عن الأثر الاقتصادي للقانون؟
الجانب الاقتصادي للقانون لن يطال السوريين الخاضعين لسيطرة المعارضة في إدلب، ولا الخاضعين لسيطرة “قسد” في الشمال الشرقي، ولكنه سيؤثر حتماً على السوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام، وسينقل حالة الفقر التي يعيشها الناس هناك أصلاً إلى حالة عوز قد تصل إلى مجاعة كبرى، فعلى الرغم من أن جميع المستهدفين في العقوبات؛ كيانات وأشخاص، هم إما مجرمي حرب، أو من الأثرياء والفاسدين المنغمسين في دعم آلة الحرب، إلا أن النظام الاقتصادي السوري الفاسد هيكلياً، والخاضع لمافيات السلطة كلياً، والقائم على انعدام الكفاءة إدارياً، لا يمكنه أن يعمل دون تلك العصابة الاقتصادية السياسية المترابطة، والعقوبات التي ستطال تلك البنية العصبوية، سوف تشلّ الاقتصاد السوري كاملاً ليس لأنها موجهة ضد جميع القطاعات؛ فقطاعات كالأغذية والأدوية على سبيل المثال غير مشمولة في القانون، بل لأن ما بقي من اقتصاد سوري، من ثروات ومعامل وشركات ومعاملات، جميعها مرتبطة بتلك البنية الذئبية التي تنهش جسد المجتمع السوري وتأكل الأخضر واليابس فيه، وتسرق حتى المساعدات التي تأتيه من الأمم المتحدة، والتي تصل إلى 30 مليار دولار سنوياً حسب الاقتصادي السوري أسامة قاضي، ولا يصل منها بالمناسبة أكثر من 12%، إلى المستهدفين بتلك المساعدات في مناطق النظام.
الشعب السوري كرهينة
من الواضح إذا أن النظام السوري يأخذ شعبه كرهينة لحماية نفسه من الانهيار والمحاسبة، ومثل كل عملية احتجاز رهائن، قد تؤدي مغامرة اعتقال المُحتجِز وفك الرهائن، إلى قتل اللص والرهائن معاً، وتلك المعضلة الأخلاقية الناتجة عن هذه الوضعية، والتي قسّمت السوريون بين مؤيد للقانون بحجة توجهه ضد النظام، ومعارض له “ولو من المعارضة” بحجة تأثيره على الشعب بشكل أساسي وليس على النظام، هي معضلة ليست جديدة على السوريين، بل رافقتهم منذ انطلاق الثورة السورية بأشكال ومظاهر متنوعة، فمنذ بدايات المظاهرات الأولى، علت الأصوات المطالبة بعودة الناس لبيوتها لأن النظام قاس وسيقتلهم، ولأنه وعد بالإصلاح وألغى قانون الطوارئ والمادة الثامنة وزاد الرواتب. ثم انتقلنا إلى معضلة السلاح، فعلت الأصوات المنددة بالمظاهر المسلحة كونها تورط الجميع في القتل والعنف والطائفية، مقابل الأصوات التي قالت بأنه لا يمكن مواجهة النظام وإسقاطه سلمياً، ثم دخلنا في معضلة مشابهة مع أسلمة الثورة وصعود الفصائل الإسلامية، ثم معضلة تأييد الضربة الأمريكية التي تراجع عنها أوباما أو رفضها.. الخ. وفي مجمل تلك الممرات الإجبارية التي مرت بها الثورة السورية والشعب السوري، كان السؤال الإشكالي هو ذاته: هل نخرج ضد نظام قوي وقاتل ومدعوم دولياً رغم معرفتنا بأنه لن يدمر الخارجين ضده وحدهم، بل عائلاتهم وقراهم ومدنهم، أم نصمت حفاظاً على أرواح الناس وممتلكاتهم، الناس الذين يدفعون أثماناً لا طاقة لبشر على حملها؟
موضوعياً تبدو تلك الأسئلة، رغم قسوتها وواقعيتها، مجرد رفاهية، فالبركان السوري انفجر، والأثمان دُفعت، وستبقى عملية دفعها جارية ومستمرة، ولا يمكن لأحد من إيقافها سوى النظام ذاته، النظام الذي يأخذ شعبه كرهينة، ويطالبهم هذه المرة بالجوع، كي لا يُفرض عليه هو الركوع… إنها سخرية القدر عندما تأتي على شكل تراجيديا سوداء ومأساوية.
حكاية ما انحكت
——————————-
عن قانون قيصر/ ميشيل كيلو
تتضارب آراء من تابعوا قانون قيصر واجتهاداتهم، فمن قائل إن الهدف الوحيد للقانون معاقبة الشعب السوري، إلى قائل إنه (القانون) لن يترك أي أثر على السوريين. وفي الحالتين، تتم مناقشته من خارج رهانه الرئيسي الذي ليس اقتصاديا، بل هو محض سياسي، وإن استخدم وسائل وأدوات اقتصادية، لاعتقاد من أصدروه أنها كافية لتحقيق هدفهم السياسي: تطبيق القرار 2254 في الحل السياسي الذي وافق مجلس الأمن الدولي عليه بالإجماع، وأعلن الأسد قبوله، لكنه رفض تنفيذه والالتزام بجداوله الزمنية، ولو قبل بتنفيذه، لتحقق السلام منذ ثلاثة أعوام، ولما خسر السوريون مئات آلاف الأرواح، وعانت ملايينهم التهجير والتجويع، ويتحمل بشار الأسد وحده المسؤولية عن قتلهم وموت أطفالهم جوعا ومرضا. وكان حله الحربي قد غدا وهميا، والقرار الأممي كان يلزمه بوقف إطلاق نار مدته ستة أشهر، توصف بأنها جزء من عملية السلام يمنع انتهاكه لأي سبب، لكن الأسد انتهكه، واعتبره منعدم الصدور، لأن بنوده تخدم جميعها الشعب السوري، على العكس مما يدّعيه مناهضوه الذين يزعمون أنه يستهدف الشعب، كأن إطلاق سراح المعتقلين ضد مصلحة الشعب السوري، ومثله إيصال المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجونها من دون قيود، بغض النظر عن أماكنهم ومواقفهم، أو رفع الحصار عن مناطق يعيش فيها ملايين السوريين، وكتب جيش الأسد على أسوارها: الجوع أو الركوع، أو وقف قصف المناطق المدنية بجميع أنواع الأسلحة، وخصوصا الكيميائية منها، أو تفتيش السجون بحثا عن مئات آلاف المفقودين أو إحالة القتلة إلى محاكم دولية … إلخ.
يتجاهل الذين يدّعون أن الشعب هو المستهدف بقانون قيصر هذه الحقائق التي لو طبقت لكان الأسد خارج السلطة اليوم. ويتجاهلون أيضا أن آلام الشعب لن تبدأ مع القانون الذي يستثني المواد الغذائية والطبية من عقوباته، ومناطق تضم سبعة ملايين سوري لا يخضعون للأسد، ويتجاهلون أخيرا ما تعرّض له الشعب الذي يدّعون الدفاع عنه من قصفٍ وتدميرٍ وتهجير واعتقال وتعفيش خلال الأعوام العشرة الماضية، في ظل “قانون بشار” الذي دمّر دولة سورية ومجتمعها، وكان من جديد مآثره إحراق مساحات شاسعة من حقول القمح في السويداء، ردا على مظاهراتها ضده، ومثلها في دير الزور، ونشر آلاف الحواجز المخابراتية والعسكرية في كل مكان من سورية، لنهب السوريين على الطالعة والنازلة، إلى جانب تحكيم الفاسدين والتافهين فيهم، بشهادة أبناء الساحل الذين اتهموهم في لقاء مع قناة الجزيرة بوضع سورية في جيوبهم بالفساد، ومصّ دمها. ومن يتأمل أسماء الأثرياء الجدد الذين اغتنوا، بعد تجويع ملايين المواطنين وتهجيرهم، يصاب بالذهول لكثرة عددهم، ولما يمتلكونه من ثرواتٍ بالشراكة مع أسرة الفساد الحاكمة، التي تعتبر الدولة مزرعة لها، والسوريين عبيدا يحق لها انتزاع لقمة الخبز من أفواه أطفالهم.
يتحمل الأسد وحده المسؤولية عن السنوات الخمس من الجوع والموت، والتي رفض خلالها تنفيذ قرار دولي أعلن قبوله ببيان رسمي. وسيتحمّل من الآن نتائج قانون قيصر الذي منحه مهلة ستة أشهر ينفذ خلالها قرار مجلس الأمن 2254، فلا يطبق القانون عليه، لكنه أهدرها لاعتقاده أنه سيتمكّن من احتواء آثاره، برميها اقتصاديا ومعيشيا على الشعب، وبجني عائدٍ سياسيٍّ منها عبر تقديم نفسه للسوريين مظلوما مثلهم، يستهدفه مدبّرو “المؤامرة الكونية” التي لا تستهدفه وحده، وتعرّضهم لعقوبات ظالمة لا يستحقونها. وبينما يتحامى به، يسير على نهج أبيه الذي أورثه سياسةً كان قد عبر عنها خلال سجال طالبه بإرخاء قبضته عن عنق الشعب، بقوله: إن نالوا الحرية ثاروا.. وأضاف: جوّع شعبك يتبعك، مستبدلا كلمة “كلبك” بكلمة “شعبك”.
العربي الجديد
—————————-
الفلسفة الدموية للعقوبات/ مهند الحاج علي
وفقاً للسرديات المؤيدة للعقوبات، سيُؤذي قانون “قيصر”، النظام السوري ويُصيبه في مقتل، إذ يمنع التعامل معه، وهو الممسك بالاقتصاد، ويستهدف قطاعات بأسرها (مثل الانشاءات) ويحرم البلد بأكمله من العملات الصعبة. بحسب المنطق ذاته، ستنتقم العقوبات الأخيرة لعشرات آلاف الضحايا السوريين ممن قضوا في أقبية التعذيب أو في قصف النظام وحلفائه على المدنيين. لكنها أيضاً تتجاوز في مفاعيلها الانتقام، وقد تدفع النظام إما إلى الإنهيار أو التنازل سياسياً أمام خصومه في المفاوضات الجارية حالياً.
الواقع أن علينا درس العقوبات من زاويتين. الأولى والأهم هي دوافع فرض العقوبات كخيار للمواجهة مع النظام السوري، والثانية هي واقعية النتائج المرجوة منها.
في الأولى، تأتي العقوبات لتُعلن غياب الخيارات الأخرى بأسرها. على سبيل المثال، لا تريد واشنطن التورط في عمل عسكري مُكلف بشرياً ومادياً، ولا ترغب حتى في دعم المعارضة السورية (غير الجهادية) أو تسليحها (بصواريخ أرض-جو مثلاً مما يُبدل المعادلة على الأرض)، أو مساعدة عملياتها من خلال تأمين غطاء جوي. بالعادة، وعندما لا يريد الرئيس الأميركي المخاطرة بجنود بلاده في حرب جديدة، يلجأ إلى العقوبات. هكذا، تأتي العقوبات كخيار سياسي كسول. ليست العقوبات من بنات عبقرية الإدارة الأميركية وجُرأتها كما يدعي “الخبراء” المحسوبون عليها في السياسة. ومؤشرات هذا الكسل الممزوج باللامبالاة، تظهر واضحة في اقتراحات لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري في الكونغرس الأميركي في استراتجيتها للأمن القومي تحت عنوان “تقوية أميركا ومواجهة التهديدات العالمية”. تخيلوا أن اللجنة اقترحت فرض عقوبات على وزير الخارجية اللبنانية السابق فوزي الصلوخ ابن الـ89 عاماً والذي أنهى ولايته قبل 11 عاماً. أليس في حوزتهم اسم جديد لرجال أعمال مثلاً ممن يدعمون الحزب أو ايران أو النظام السوري؟ هل تستعمل الإدارة الأميركية محركات البحث على الانترنت للحصول على أسماء أعدائها؟
ثانياً، هذا الكسل واللامبالاة ينسحبان على نتائج العقوبات أيضاً. في القانون، جُملة إدعاءات مُعلنة وغير مُعلنة. ومن المفيد هنا مراجعة الدراسات في مجال العقوبات، مثل كتاب الأكاديمي لي جونز (مجتمعات تحت الحصار، الصادر عن دار جامعة أكسفورد عام 2015). في كتابه الممتاز الذي يُقارن نتائج العقوبات في دول بينها العراق (لم يسقط النظام لكن ارتفعت نسبة وفيات الأطفال) وميانمار (بورما) وجنوب افريقيا، يستعرض جونز مجموعة حجج لفرض العقوبات أساسها أن الوجع الاقتصادي يستحيل في نهاية المطاف مكاسب سياسية (الحرمان المادي سيتحول إلى رضوخ في السياسة). جونز يكتب عن زيف ادعاءات دراسة أكاديمية مؤيدة للعقوبات أجراها 3 أكاديميين (هوفباور وشوت وإليوت، 1985) يدعيان فيها نجاح العقوبات في ثلث الحالات. وكان هؤلاء الأكاديميون من المتحمسين لفرض عقوبات قاسية على العراق بعد غزو الكويت عام 1990. لكن في الدراسة خللاً أساسياً يتمثل في حقيقة أن حالات النجاح المذكورة ترافقت مع تهديد بالعمل العسكري أو اللجوء اليه (إحتسب الأكاديميون العمل العسكري ضمن نجاحات العقوبات)، وفقاً للأكاديمي روبرت بابي. بابي يضع نسبة النجاح الحقيقية عند 5 في المئة فقط.
نسبة النجاح هنا منخفضة، وهي مشروطة بعوامل عديدة كما يُبين كتاب لي جونز. إذا كانت هناك طبقة وسطى وكتلة سياسية حاكمة غير متجانسة، كما كان الحال في جنوب افريقيا، بإمكان العقوبات الدفع باتجاه انشقاقات وتعديل التركيبة الداخلية للنظام، بما يؤدي الى التغيير في نهاية المطاف. لكننا في الحالة السورية، كما في العراق، أمام نظام شمولي بات أغلب قياداته العسكرية والسياسية ورجال أعماله إما ملاحقين دولياً أو تحت العقوبات الأوروبية والأميركية. ومن يُفكر منهم بالانشقاق أو الفرار، يتعرض للاغتيال أو الملاحقة داخلياً. في مثل هذه الحالات، انعكاسات خطيرة للعقوبات على المجتمعات المحلية.
بكلام آخر، سيناريو الانشقاقات على مستوى المجموعة الحاكمة مستبعد. يبقى أن يتحرك الشارع السوري في مناطق النظام ضده، بعد أن يفوق الوضع الاقتصادي قدرة المواطن السوري على التحمل. يجوع السوريون ثم يتدفقون الى الشارع لإسقاط النظام. بحسب هذا المنطق الذي يرد دوماً في تبرير العقوبات، سيسقط النظام السوري في الشارع. فعلاً؟ هذا النظام أطلق جنوده الرصاص الحي على المتظاهرين، وإتهمهم بالارهاب واعتقلهم بالآلاف وقتلهم في أقبية التعذيب.
بكلام آخر، انشق ضابط سوري وفرّ ومعه آلاف الصور لضحايا النظام من المتظاهرين والمعارضين له ممن قضوا تعذيباً. وكرد فعل على هذه الصور الشنيعة، أصدر الكونغرس الأميركي قانوناً من أهدافه الضمنية الدفع بالسوريين للتظاهر والدخول مجدداً إلى أقبية التعذيب. ومن أولى نتائج القانون، ارتفاع سعر صرف الليرة السورية، ومعه كلفة شراء السلة الغذائية للمواطن السوري. عملياً، سيدفع القانون ما تبقى من السوريين الى الموت تعذيباً في أقبية النظام أو الجوع، وربما الاثنين معاً، فكيف يحمل اسمه عبارة “حماية المدنيين”؟ أليس ذلك غريباً؟
أحد المسؤولين الأميركيين الحاليين المكلفين ملف العقوبات، استخدم أكثر من مرة في أحاديث مع صحافيين أوروبيين، تعبير “العلاج الكيماوي” في توصيف سياسة العقوبات. لن تكون هذه السياسة موضعية، ستستهدف الجسد بأسره، قد يتساقط الشعر والأسنان والأعضاء، ومعها يتقلص الورم. لكن في هذه الحالة، الأرجح أن الورم لن يزول، حتى لو سقط كل ما دونه.
المدن
—————————-
افهم يا غبي: قانون قيصر بمباركة روسية/ د. فيصل القاسم
لا أدري لماذا يغيب عن بال المحللين والمتابعين لمسيرة قانون قيصر وتبعاته وآثاره أن القانون في حقيقة الأمر ليس لمعاقبة روسيا ومنعها من مساعدة الأسد.
من المضحك أن تسمع البعض بعد دخول قيصر حيز التنفيذ في السابع عشر من هذا الشهر وهم يشمتون بالرئيس الروسي لأنه سيكون أكبر المتضررين من القانون الأمريكي. يا سادة يا كرام، من قال لكم أصلاً إن أمريكا تريد معاقبة الروس على التدخل في سوريا؟ هل كانت موسكو تحلم أصلاً بالهيمنة على سوريا لولا الضوء الأخضر الأمريكي والإسرائيلي حصراً؟ لقد جاء الغزو الروسي لسوريا في الثلاثين من سبتمبر/ أيلول من عام ألفين وخمسة عشر بعد عشرات اللقاءات بين الإسرائيليين والروس، وبعد أيام قليلة فقط من اللقاء التاريخي بين بوتين والرئيس الأمريكي وقتها باراك أوباما على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعدها مباشرة دخل الروس إلى سوريا بقوة.
ولو لم تكن إسرائيل راضية ومباركة للتدخل الروسي لما استطاعت موسكو إرسال جندي أو طائرة واحدة إلى سوريا. ومن المعروف أن الروس بالإضافة إلى الحصول على ممر تاريخي إلى المياه الدافئة عبر سوريا، فهم جاءوا من أجل المصلحة الإسرائيلية وحماية إسرائيل تحديداً كما أعلنوا هم وليس غيرهم بشكل مباشر. لقد أدركت إسرائيل في لحظة ما أن الوضع في سوريا سيخرج عن السيطرة، ولو سقط النظام لانهارت سوريا تماماً، ولتحولت إلى أخطر من أفغانستان، وهو أمر ليس مسموحاً به على حدود إسرائيل. صحيح أن تل أبيب تريد نظاماً وبلداً مهشماً وضعيفاً على حدودها لعشرات السنين، لكنها تريد في الآن ذاته الحفاظ على الدولة السورية ليس من أجل مصلحة السوريين، بل من أجل أن تضبط الأوضاع في جارتها ومن أجل أن تحمي الحدود الإسرائيلية. باختصار شديد ليس من مصلحة إسرائيل حدوث انهيار شامل في سوريا. وبالتالي فإن الروسي دخل بمباركة إسرائيلية أمريكية. ولهذا لا داعي لمعاقبته بقانون قيصر، فهو متفق مع الأمريكي على كل التفاصيل داخل سوريا. وهل نسيتم اتفاق كيري-لافروف الشهير والاتصالات المكوكية بين وزيري خارجية روسيا وأمريكا لأشهر وأشهر؟ كلها كانت تجهز الوضع في سوريا لما هو عليه الآن.
وهل نسيتم أيضاً أن قانون قيصر بمجمله يرتكز كلياً على تطبيق اتفاق جنيف رقم 2254 الذي رعاه الأمريكيون والروس وهندسه وزيرا خارجية البلدين؟ لا شك أن موسكو استخدمت الفيتو مرات ومرات في مجلس الأمن ضد أي قرار بخصوص سوريا لا يناسب المصلحة الروسية، لكنه بات معلوماً للجميع أن أمريكا كانت سعيدة بكل الاعتراضات والفيتوات الروسية بشأن سوريا، لأن الطرفين متفقان أصلاً طالما أن الروس يزايدون على الأمريكيين في خدمة المصلحة الإسرائيلية في سوريا. أما بالنسبة لاتفاق جنيف لاحظوا أن روسيا كانت أكبر المباركين والراعين له، ولم تستخدم ضده أي اعتراض. والآن يأتي قانون قيصر الأمريكي لفرض تطبيق اتفاق جنيف الروسي ـ الأمريكي في سوريا وإنجاز الحل السياسي الذي ظن النظام أنه أصبح من الماضي بعد أن حماه الروسي من السقوط.
لا شك أن الروس الآن يرحبون بقانون قيصر، فهو بالأصل ليس موجهاً ضدهم، ولا ننسى أنهم أخذوا كل ما يريدون من سوريا، وقبل أسابيع قليلة فقط من تطبيق القانون استولوا على مساحات شاسعة من سوريا تفوق مساحة لبنان بمرتين في الساحل السوري. وهم لم يأتوا أصلاً للحفاظ على الأسد، بل من أجل مصالحهم ومصالح إسرائيل حصراً. وبالتالي لا يهمهم الآن ماذا سيفعل قيصر بالنظام وبالسوريين، فهم خارج القانون أصلاً، ويريدون كالأمريكيين والإسرائيليين حلاً في سوريا الآن يضمن مصالحهم ومصالح شركائهم بعد أن تحقق المطلوب في سوريا.
هل فهم بشار الأسد اللعبة الروسية الآن؟ لا أعتقد، وحتى لو فهمها فهو لم يتعلم من التاريخ مطلقاً، ومازال يعاند ويكابر كما فعل مرات ومرات من قبل ثم ركع صاغراً بعد فوات الأوان. واليوم يكرر نفس السيناريو. ومعروف عنه أنه دائماً يعاند ويمانع في وجه أمريكا ثم يركع تحت التهديد. أنت يا بشار تكرر الآن تماماً الفعل الغبي الذي قمت به في لبنان بعد اغتيال الحريري. قالوا لك انسحب بكرامتك ووعدك الملك عبد الله بأفضل وداع لجيشك. ولم تستجب. وبالنهاية خرجت بالصرماية. قالوا لك يجب أن نحقق مع الضباط السوريين المتهمين باغتيال الحريري. كابرت واستنكرت وهوبرت. وبالأخير صرت تترجى الملك عبد الله آنذاك كي يذهب الضباط إلى جنيف للتحقيق معهم بضمانة سعودية. والآن يتكرر الشيء نفسه. وبعد عدة أشهر من دخول قيصر حيز التنفيذ، وبعد أن تشعر بالسخن ستبدأ تترجى هذا وذاك كي تنفذ ما طلبوه منك من قبل ورفضته، لكن هذه المرة مع فارق بسيط وهو أن سندك الروسي متفق مع الأمريكي وسندك الإيراني سيذوق الويل مثلك من تبعات قانون قيصر. تعلم أيها الغبي!
ولا تنس أن لعبة الوقت التي أجادها نظامك ومن قبلك أبوك بشكل رائع لم تعد متاحة الآن، فالوقت أصبح فعلاً كالسيف بالنسبة لك، سيقطعك لا محالة، فكل الدول الخليجية الغنية التي كنت تراهن عليها لإنقاذ اقتصادك المتهاوي هي الآن تعاني مالياً بسبب انهيار أسعار النفط، ولا يمكن أن تنقذك، ناهيك عن أن قانون قيصر وجه تهديدات صارخة لأي دولة عربية يمكن أن تساعدك أو تتعامل معك. وإذا كنت تراهن على الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2021 وعلى مخابراتك لتجنيد الشارع زوراً وبهتاناً مرة أخرى كي تعود إلى السلطة، فهذا بعيد عن أسنانك، فقد فعل قانون قيصر فعله باقتصادك خلال أيام، مما جعل مؤيديك قبل معارضيك يشتمونك ليل نهار، فكيف سيكون وضعك بعد عام في ظل قانون قيصر، لا شك أن زوجتك نفسها لن تصوت لك بعد أن يكون الوضع المعيشي صار أكثر من كارثي.
أما مسيرات التأييد التي تفتعلها مخابراتك في ظل هذه الظروف الكارثية التي تعيشها سوريا فهي لا يمكن أن تقنع أحداً، فأكثر الذين يعانون منك ومن العقوبات الآن هي حاضنتك الشعبية في الساحل، ولا يمكن لأحد أن يصدق أن أحداً يريد أن يصفق لك أو يعيدك إلى السلطة مهما كلف الأمر. ولعل أفضل توصيف للمسيرات المؤيدة التي ترتبها مخابراتك القميئة هذه الأيام تذكرنا بالسفينة المهزومة في عُرض البحر حيث تهرب مسرعة، لكنها تطلق النار إلى الخلف وهي هاربة كنوع من المكابرة المضحكة.
دعني أقول لك باختصار: طريقك مسدود مسدود يا ولدي. كش مات.
القدس العربي
————————————–
لبنان… الجوع أم صندوق «قيصر»!/ راجح الخوري
في بداية شهر يونيو (حزيران) قامت وزيرة الدفاع زينة عكر بتوزيع نصّ «قانون قيصر» على الوزراء بهدف الاطلاع على مضمونه، وخصوصاً لجهة ما تردد من المخاوف المحقة، من انعكاس مندرجات العقوبات التي يفندها القانون بالتفصيل على لبنان ومن يتعامل مع دمشق وعلى عدد من المسؤولين اللبنانيين.
وتعرضت عكر من أوساط إعلامية، تعكس وجهات نظر «حزب الله»، لحملة قاسية، مع أن الحكومة كلها هي مِن صنع «حزب الله» وتعكس لوناً سياسياً واحداً، يقوم على التحالف بين الحزب و«حركة أمل» والرئيس ميشال عون، أضف إلى ذلك أن كثيراً من المعلومات والتحذيرات كانت قد توافرت عن مندرجات القانون، وما يمكن أن يعكسه على لبنان الرسمي، الذي ينفذ سياسة تهافت وانفتاح على النظام السوري منذ أعوام من «حزب الله».
ولأن لبنان بلد العجائب، كان من المثير فعلاً يوم الأربعاء الماضي أن يقوم وزير الخارجية ناصيف حتي باستقبال السفيرة الأميركية دوروثي شيا لاستيضاحها عن القانون وتداعياته المحتملة على لبنان والشركات اللبنانية، في وقت كانت الأخبار تتحدث منذ أسابيع عن تهريب المازوت والقمح المدعوم من لبنان إلى سوريا، وهو ما أشعل المظاهرات الأخيرة، والأغرب من كل هذا أن دعوة السفيرة شيا إلى الخارجية، جاءت رغم أن السفارة أعادت قبل ساعات تغريدة وزارة الخارجية عبر «تويتر»، حول مضمون «قانون قيصر» ومفاعيله، فهو «يوفّر للحكومة الأميركية آلية قوية لمحاسبة النظام السوري على فظائعه، وبموجبه ينبغي على أي شركة أجنبية عدم الدخول في أي عمل مع هذا النظام».
الأشدّ غرابة من كل هذا أن المسؤولين في الحكومة اللبنانية، بدوا وكأنهم لم يتنبهوا إلى تقرير صدر في 10 يونيو عن لجنة الدراسات الجمهورية في الكونغرس، تضمن توصيات حول الشرق الأوسط، تدعو إلى احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، من خلال تشديد حملة الضغوط القصوى على طهران، والمفاجأ أن التقرير وضع لبنان وإيران في سلة واحدة، عندما ضمّه إلى هذه الجهود مركزاً على أمرين مهمين جداً…
أولاً – الدعوة الصريحة إلى إنهاء المساعدات الأمنية الأميركية إلى الجيش اللبناني، وكذلك دعوة الكونغرس، بسبب ما سمّاه سيطرة «حزب الله» على لبنان، إلى إقرار تشريع يحظر إرسال أي أموال إلى صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان، معتبراً أن إرسال هذه المساعدات لن تعني «سوى مكافأة لـ(حزب الله) بينما يتظاهر اللبنانيون ضد الفساد ويدعون إلى الوقوف في وجه (حزب الله)»، وتطبيق القرارات الدولية، ومنها القراران 1559 و1701 اللذان يدعوان إلى حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية!
ثانياً – الدعوة صراحة إلى أن تقوم الولايات المتحدة بمعاقبة حلفاء «حزب الله» في لبنان، وقد ذكر بالاسم صهر الرئيس ميشال عون، جبران باسيل، ملوحاً بوجود مروحة واسعة من الأسماء التي سيتم الإعلان عنها.
هذا التقرير الذي وضعته مجموعة من النواب المحافظين ليس ملزماً حتى الآن للإدارة الأميركية، لكنه في ذهابه إلى هذه الحدود يوحي ضمناً أنه من الممكن أن تتسع أهداف «قانون قيصر» إلى هذه الحدود، ثم إنه من المؤكد والواضح أنه يذكّر بأن مفتاح صندوق النقد الدولي، الذي ينخرط في مفاوضته للحصول على دعم يساعده في مواجهة أزمته الخانقة، يبقى في يد الولايات المتحدة، ولعل ما يؤكد هذا حركة الاستنفار الدبلوماسي وتحرك السفراء الأوروبيين في بيروت، باتجاه المسؤولين، سواء لجهة التنبيه إلى مخاطر «قانون قيصر» وتداعياته المحتملة على لبنان، أو لجهة تلمّس الموقف اللبناني من القانون، وخصوصاً بعد إبلاغهم أن الدول الأوروبية ستلتزم مندرجات العقوبات!
في موازاة ذلك، كانت المفاوضات التي تخوضها الحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي، بمثابة فضيحة رغم عقد 14 جلسة حتى الآن، فقد تبيّن أن «خطة الإنقاذ» التي أعلنها الرئيس حسان دياب من بعبدا، في خلال اجتماع، وصفه عون بـ«اليوم التاريخي»، تقوم على خلفيات سياسية وأرقام غير واقعية، جعلت منها فضيحة تاريخية، أولاً لأن الدولة اضطرت إلى تشكيل لجنة نيابية لتوحيد الفوارق بين أرقام الحكومة الهمايونية وبين أرقام المصرف المركزي العلمية، وثانياً لأن الفضيحة الأدهى بيّنت أن حكومة اللون الواحد تبحث عن ضحيتين لتحميلهما مسؤولية إفلاس البلاد…
أولاً في محاولتها تحميل المسؤوليةِ حاكمَ المصرف المركزي رياض سلامة، الذي كان هدفاً يومياً للتحامل منذ بداية العقوبات الأميركية على «حزب الله»، وامتثال المصارف لهذه العقوبات حرصاً على الوضع المصرفي العام في لبنان.
ثانياً محاولة التهرّب من أي عملية إصلاح حقيقي تطالب بها الدول المانحة وصندوق النقد الدولي، لأن من الواضح أن هناك مسؤولين وسياسيين نهبوا البلاد، وأوقعوها في ديون فلكية، وأي إصلاح حقيقي يفترض أن يبدأ بهم، ولكنهم عبر محاولاتهم تحميل المصارف والبنك المركزي المسؤولية، يكونون قد حمّلوا المودعين الذين سرقوهم مسؤولية السرقة… فساد واضح فاضح لا يبرر طبعاً!
مجموعة الأزمات الدولية وضعت دراسة حاسمة حول هذا، عندما نشرت تقريراً يوم 8 يونيو يقول؛ لا حلّ غير الإصلاح الحقيقي لتصحيح الوضع، وإن أي إصلاح على قواعد بنيوية سيؤدي إلى وضع نهاية للنموذج السياسي الفاسد؛ حيث تعمل الزمر السياسية الفاسدة على سرقة موارد الدولة وتقاسمها، ولكن لا قدرة أو رغبة في هذا الإصلاح عند الطبقة السياسية، لأنه سيسحب البساط من تحت أقدامها، ومن الصعب جداً أنهم سيقومون بالإصلاح، ما لم يجد اللبنانيون الذين أعلنوا الثورة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أساليب للضغط على المستوى السياسي!
يوم الأربعاء الماضي، مع بداية تطبيق «قانون قيصر»، الذي يفرض عقوبات على «حزب الله» وكل من يتعاون أو يدعم النظام السوري، ويسعى تالياً إلى سحب وتقطيع حزام النفوذ الإيراني، من لبنان إلى طهران، مروراً بسوريا والعراق، خرج حسن نصر الله، وهو مهندس الحكومة اللبنانية، ليعلن العزم على مساعدة سوريا على «قانون قيصر»، داعياً لبنان إلى رفض التقيّد به والرضوخ له، ما يعني أولاً ضرورة نسيان إمكان الحصول على فلس واحد من صندوق النقد، وثانياً الاستعداد لمروحة قاسية من العقوبات الأميركية؛ خصوصاً في ظل محاولات وضع لبنان و«حزب الله» في سلة واحدة.
أكثر من هذا، دعا نصر الله إلى التخلي عن الدولار والانفتاح على «البديل الشرقي» من إيران إلى الصين، بما يضع لبنان نهائياً في خط الممانعة، وبدا كمن يقول؛ الأمر لي صراحة، عندما حثّ اللبنانيين على التصعيد في وجه كل طرف سياسي يرفض هذا الاتجاه، مستخلصاً أن «قانون قيصر» يضغط على اللبنانيين لتخييرهم بين الجوع أو تسليم سلاح «حزب الله»، مختزلاً موقف لبنان كله، بطرح ثلاثية جديدة، أي: لن نجوع ولن نسلّم السلاح وسنقاتل الأميركيين!
بعد كل هذا ليس غريباً أن يقوم «قيصر» بإقفال أبواب صندوق النقد الدولي في وجه لبنان، رغم أن إيران تتودد لهذا الصندوق منذ 3 أشهر، والغريب أن يكون لبنان مدفوعاً إلى صفّ الممانعة الآخذ في التفكك من سوريا إلى العراق، وذلك نتيجة ما يتردد عن اتفاق ضمني أميركي روسي تركي، لن يكون في وسع الصين أن تحول دونه!
الشرق الأوسط،
——————————————
«قيصر» وبشار وأوهام الانتصار/ الياس حرفوش
السياسات الخاطئة لها ثمن تدفعه الشعوب عادة؛ لأن حظها التعيس شاء أن تعيش في قبضة أنظمة وحكومات تدير تلك السياسات. في أنظمة كهذه تحسب «الانتصارات» بحساب قدرة النظام على البقاء، بصرف النظر عن قدرة الشعب على تحمل المعاناة.
الشعب السوري، أو من بقي منه، مهدد الآن بدفع ثمن يمكن أن يوازي ما دفعه على مدى السنوات التسع الماضية. «قانون قيصر» الأميركي الجديد سوف يشدد القبضة على اقتصاد النظام لإرغامه على تطبيق القرارات الدولية، وخاصة القرار رقم 2254 الذي يدعو إلى قيام حكومة انتقالية وعملية تغيير سياسي سلمي للسلطة. وخيار السوريين بين مصيبتين: الخضوع لظلم النظام الجائر، مع ما يرافق ذلك من قتل وظلم وتجويع، أو مواجهة آثار العقوبات على أمل أن يستعيد النظام رشده، أو يتم إرغامه على الاستسلام أمام الضغط الشعبي والموقف الصارم لأكثرية القوى الدولية.
على الجانب الآخر من الحدود، يواجه اللبنانيون المصير الحالك نفسه. بلد محاصر بضائقته المالية من جهة وبهيمنة «حزب الله» على قراره السياسي من جهة أخرى. والتلازم بين الأمرين ما عاد خافياً إلا على من لا يريد أن يبصر هذه الحقيقة بين اللبنانيين. صحيح أن جانباً من الأزمة المالية يعود إلى النهب المنظم للخزينة العامة والفساد المستشري، لكن الجانب الآخر يتعلق بالربط القائم بين موارد البلدين، من خلال التهريب الجاري عبر الحدود لمواد أساسية ممولة من المصرف المركزي اللبناني، تستنزف احتياطه النقدي، من دون أي قدرة للدولة على منعه، في ظل عجزها المعروف. تضاف إلى ذلك السحوبات الجارية لودائع متمولين سوريين من المصارف اللبنانية، في حين يعجز المودعون اللبنانيون عن سحب الحد الأدنى من أموالهم.
غير أن الأهم من ذلك أن العقوبات الجديدة على النظام السوري سوف تزيد صعوبات حصول الحكومة اللبنانية على المساعدة التي تحتاج إليها من صندوق النقد الدولي؛ نظراً لإدراك المسؤولين في الصندوق والقوى الدولية النافذة التي تتحكم في قرارهم، لمدى ترابط المصالح بين عدد من المسؤولين في الدولة وكبار السياسيين مع أركان النظام السوري، ما يبقي هؤلاء المسؤولين تحت عين المراقبة الأميركية.
وهكذا، فالقاعدة التي وضعها الرئيس الراحل حافظ الأسد لتصوره للشراكة اللبنانية – السورية «شعب واحد في بلدين» تتجلى الآن بأبهى صورها. «الشعب الواحد» يواجه الضائقة المالية ذاتها. كما يدفع ثمن «انتصار» محور «الممانعة».
لا يمكن تقدير حجم الانقلاب الذي سوف يحدثه تطبيق العقوبات الأميركية الجديدة، إلا من خلال رد الفعل العنيف للذين سيتضررون منها: الإعلام الرسمي السوري اعتبر العقوبات «مخالفة للقانون الدولي» و«شكلاً جديداً من أشكال الإرهاب»، وبنتيجة حرصه الفائق على معاناة السوريين، أضاف أن هذه العقوبات ستفاقم تلك المعاناة.
أما الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، فقد أدرك أن معركة العقوبات ستكون قاسية هذه المرة، وستهدد قدرته على الدفاع عن سلاحه، كما ستلحق الأذى بقاعدته الشعبية، فكان التصعيد الاستثنائي الذي سمعناه على لسانه قبل بضعة أيام: سنقتل أي طرف يضعنا أمام خيارين، القتل بالسلاح أو القتل بالجوع. سيبقى السلاح بأيدينا ونحن سنقتلكم.
حاول نظام بشار الأسد، خصوصاً بعد إنقاذه على يد التدخل الروسي في الحرب بعد سنة 2015، الإيحاء بأنه «انتصر» على ما وصفها بـ«المؤامرة الكونية». لم يكن مهماً بالنسبة إليه أن ثمن «الانتصار» المزعوم كان مقتل ما لا يقل عن 300 ألف سوري، وتدمير المدن السورية، وتهجير نصف السكان. المهم كان بقاء بشار في قصر المهاجرين.
كثيرون، وليس فقط من حلفاء النظام، أخذوا يروجون لمقولة «الانتصار» هذه. كثيرون من سياسيين ورجال أعمال عرب وأجانب صوّبوا عيونهم وجيوبهم باتجاه المساهمة في إعادة إعمار سوريا. مشاريع مغرية جرى تقديرها بما لا يقل عن 400 مليار دولار كانت بالانتظار. الغزل بقدرة بشار على البقاء تجاوز كل التعابير الانتهازية. ولم يحسب أحد حساب الجرائم والفظائع التي ارتكبت على الطريق.
العقوبات التي يواجهها النظام السوري وحلفاؤه اليوم تشكل صدمة هدفها إيقاظ الجميع من الوهم الذي كانوا يعيشون فيه. نظام بشار الأسد يواجه ساحة حساب الآن، كما لم يواجه سابقاً، ومع أن من الحصافة عدم الاستعجال في توقعات سريعة بأثر العقوبات على النظام، فالأكيد أن وسائل الدعم التي يعتمد عليها، وخصوصاً تلك الآتية من موسكو وطهران، ما عادت تنفع في وجه الضائقة الاقتصادية والحصار الذي سيشتد ويطال كل المتعاملين معه، وخصوصاً أن هؤلاء «الداعمين» يبحثون عمن يدعمهم؛ إذ إن أحوالهم ليست أفضل كثيراً من أحوال حاكم دمشق.
مرحلة جديدة تدخلها الأزمة السورية مع العقوبات الأميركية الجديدة. والرهان على أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين «استسلموا» أمام «انتصار بشار» تبين أنه كان رهاناً في غير محله. فالعقوبات التي سوف يواجهها النظام السوري وحلفاؤه في المرحلة المقبلة هي الأقسى مقارنة بما واجهه خلال السنوات التسع الماضية.
ومع أن نظام الأسد وأركانه المحيطين به من سياسيين وعسكريين يخضعون حالياً لعقوبات أدّت إلى تجميد أصول للدولة ولمئات الشركات والأفراد، فضلاً عن منع الأميركيين من التعامل مع الشركات ورجال الأعمال السوريين، فإن العقوبات الجديدة سوف تطال كل الأنظمة والكيانات التي تتعامل أو تفكر في التعامل مع النظام السوري؛ ما سوف يدفعها إلى إعادة حساباتها وتقدير الكلفة العالية التي تترتب على دعم هذا النظام.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”
————————————
سوريا.. محاربة فساد أم صراع على النفوذ؟/ سحر حويجة
في زمن الكمون والحجر الكوني، الذي حجب الخلافات والصراعات الدائرة حول العالم، نستفيق على تصريحين متعاقبين لرجل الأعمال السوري الغني عن التعريف، رامي مخلوف، الذي أثار زوبعة كبيرة من الجدل، أماطت اللثام عن صراع خفي خرج للعلن عن سابق تصميم، أدّى إلى انفجار في بيت الأسرار، المحجور من عقود عن أعين الرقباء، مبني على تحالف المصالح، المعمدة بالدم الذي يكاد يتحوّل إلى ماء، بعد أن اختلف الورثة وزاد عددهم. صراع على النفوذ
مزّقت الحرب ما اتفق عليه الأصول، حافظ الأسد ومحمد مخلوف، حين تقاسما النفوذ في السلطة، وفق اتفاق يقضي بسيطرة آل مخلوف على المستوى الاقتصادي، دون السياسي. مجالان لا يمكن الفصل بينهما إلا افتراضاً، انتهى الحال إلى القول، إنّ رامي مخلوف خزينة النظام، وأكبر شخصية اقتصادية في سوريا، يملك ويدير العديد من المصالح التجارية، والتي تشمل الاتصالات السلكية واللاسلكية والنفط والغاز، والتشييد، والخدمات المصرفية، وشركات الطيران والتجزئة، ووفقاً لبعض المحللين السوريين فإنّه لا يمكن لأي شخص سوري أو من جنسيات أخرى، القيام بأعمال تجارية في سوريا دون موافقته ومشاركته.
هو صاحب غالبية أسهم شام القابضة، التي تملك استثمارات في قطاع السياحة، والمطاعم، والعقارات، يسيطر مخلوف أيضاً على شركة الخطوط الجوية العربية السورية لؤلؤ، وله استثمارات في عدة بنوك خاصة، أُنشِئت في سوريا (البنك الإسلامي الدولي لسوريا، بنك بيبلوس، بنك البركة، بنك قطر الدولي، بنك الشام، وبنك الأردن في سوريا).
له نشاط في قطاع النفط والغاز، وأيضاً في الإعلام له استثمارات: (قناة دنيا الفضائية، وصحيفة الوطن، وشركات دعاية وإعلان شركة بروميديا).
عن تقرير غلوبال ويتنس لمكافحة الفساد عام 2019، أنّ عائلة مخلوف تتحكم ب60 بالمائة من الاقتصاد السوري، ووفق نفس المنظمة، يملك آل مخلوف عقارات بقيمة 40 مليون دولار في العاصمة الروسية. صراع على النفوذ
نتيجة: إنّ احتكار السلطة للقطاع العام، وجعله بقرة حلوب تصبّ في جيوب المسؤولين، عن طريق الفساد والنهب بعيداً عن الرقابة والمحاسبة، حيث تشكلت طبقة بيروقراطية، أغتنت وكدّست رأس المال، ووجدت الحاجة لاستثمار الأموال المنهوبة، حتى أصدرت الحكومة قانون الاستثمار رقم 10 لعام 1991، حيث نشطت حركة الاستثمار وتوظيف الأموال في القطاع الخاص، وكان عمادها الأغنياء الجدد، وأكثر المستفيدين كان أولاد الضباط والمسؤولين في الدولة، الذين استفادوا واستغلوا موقعهم الوظيفي لمنح الرخص في مجال الاستثمار لحاشيتهم، في هذه المرحلة بدأ النشاط الاقتصادي لرامي مخلوف، ووفق اتفاق بين عائلة مخلوف والأسد، وبقوة السلطة، أُعطيت لرامي صلاحيات التدخل والمحاصصة في أي عملية استثمار، حتى تغوّل وسيطر واحتكر في جميع مجالات الاستثمار. هذا وجه آخر لتحكم النظام واحتكاره للنشاط الاقتصادي في القطاع الخاص، بما يعزّز احتكار سلطته السياسية، وسيطرته على رجال الأعمال والمجتمع.
لذلك، عندما نتناول سيرة شخص مثل رامي مخلوف، لا يمكن حصره بالجانب الشخصي، ولا أهمية لذلك أصلاً، بل أهميته تعود الى ما يمثّله من ثقل ودور، حول علاقة الثروة بالسلطة، وما لها من تاريخ صعود وقوة، وأفول وتدهور، والى أين تتجه الأوضاع في سوريا، في سياق تفكيك الإمبراطورية المالية التي يمثّلها مخلوف.
التضحية ودعم النظام:
عقب الحراك الثوري واندلاع الاحتجاجات في سوريا، في عام 2011، أعلن مخلوف، وعلى الملأ، أنّه تنازل عن ممارسة الأعمال التجارية وتنازل عن ملكيته في الشركات، لمصلحة شركات تعمل في المجال الإنساني، تكيتك سياسي استخدمه مخلوف لامتصاص نقمة الشارع الشعبي ضده، والحدّ من الهجوم الدولي على الرئيس، خاصة أنّ مخلوف متّهم بالفساد، وفق تقرير وزارة الخزانة الأمريكية، منذ فبراير شباط عام 2008، ووفقاً لوزارة الخزانة الأمريكية: “مخلوف تلاعب بالنظام القضائي السوري واستخدم مسؤولي المخابرات لترهيب منافسيه في الأعمال، ووظّف هذه التقنيات عند محاولة الحصول على تراخيص حصرية لتمثيل شركات أجنبية في سوريا والحصول على منح العقود”، أيضاً، يواجه مخلوف عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي منذ 10 مايو 2011، على خلفية اتهامه بتمويل النظام، والسماح بالعنف ضد المتظاهرين، تضمنت العقوبات منعه من دخول أوربا وتجميد أمواله. صراع على النفوذ
وعليه، قام بتأسيس شركة كبرى، راماك للمشاريع التنموية والإنسانية المحدودة المسؤولية، وهي المساهم الأكبر في شركة سيرياتل التي يرأس مجلس إدارتها بنسبة 40 بالمائة، وشركات: الفجر وصروح وصندوق المشرق وغيرها، كانت ثمرة ما سمي نشاطه الإنساني، جمعية البستان للأعمال الخيرية، وفق إعلام النظام نشطت في عدّة مجالات إنسانية منذ تأسيسها، على المستوى الصحي، وتقديم إعانات مادية شهرية لعدد كبير من الأرامل والأيتام، وقدّمت مساعدات مالية للطلاب لإتمام دراستهم الجامعية، على شرط المولاة للنظام، هذا هو الجانب المعلن للأعمال الخيرية للجمعية. في المقابل، كان هناك جانب مخفي للجمعية، وهو الأهم، عملت على تجنيد الشباب، من كافة الطوائف، عبر تسجيل أسمائهم وبياناتهم، وأطلق عليهم تسمية الشبيحة، في مقرّ جمعية البستان الخيرية في المزة، وتم تسليحهم وتكليفهم بمهام قتل المتظاهرين السلميين مقابل مبالغ مادية، وارتكاب أعمال النهب والسرقة.
ننيجة: إنّ ولاء رامي مخلوف للنظام لم يشك به يوماً، كما أنّ توجهه للأعمال الإنسانيّة كان واجهة للتعبئة والحشد لتقديم الولاء وخدمة النظام، لأهمية النشاطات الخيرية في النفوذ والسيطرة على الفقراء، من خلال استغلال حاجة الناس في ظروف الحرب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى دعم المليشيا المسلحة، حيث إنّ الغاية الأساسية لهذه الجمعية دعم المليشيات المسلحة، وتوظيف مبالغ كبيرة من أرباح الشركات في الأعمال الخيرية، حتى يتم إعفاءها من الضريبة.
قبل الحرب ليس كما بعدها:
إنّ الأملاك المشتركة بين آل مخلوف والأسد قبل الحرب كانت ممسوكة من قبل النظام بقوة، مدعوماً بقوته الأمنية بما تحقق له الغايات الاقتصادية في الاحتكار والسيطرة وتقاسم الأرباح، حظي رامي مخلوف بين المستثمري، خاصة الأجانب، على سمعة سيئة على خلفية استعماله سطوة الدولة البوليسية، بهدف قطع الطريق على غيره من المستثمرين، في الواقع لم يكن مخلوف إلا واجهة، أي بالمعنى القانوني، لا يستطيع أن يتصرّف بمفرده، بل يملى عليه ما يفعل، وإن كان ظاهراً أنّه هو من يقرّر اتجاه الشركاء السوريين والعرب والأجانب، جاءت الحرب لتعطل الكثير من المشاريع الاقتصادية التي تعود لمخلوف في السياحة والعقارات، والتنقيب عن النفط، والتجارة بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام. وبسبب توقفت الكثير من النشاطات الاقتصادية، نشأ اقتصاد الحرب، حيث احتلت الواجهة أعمال جديدة، ووجوه جديدة. صراع على النفوذ
وبسبب تكاليف الحرب الباهظة، ونتيجة العقويات، اعتمد النظام على رجال أعمال جدد، ليسوا مشمولين بالعقوبات الاقتصادية للقيام بتأمين موارد الطاقة والغاز وما يلزم قطاع الإنتاج والصحة، سواء من المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وسيطرت عليها داعش وقوات سوريا الديمقراطية، أو مع الخارج، وأعطتهم حريات كبيرة في التصرّف لتأمين الموارد اللازمة، ترافق ذلك مع إعطاء السلطة صلاحيات وحريات كبيرة لأجهزة الأمن والفرقة الرابعة وغيرها، من تشكيلات عسكرية، لتأمين الموارد المالية سواء عن طريق الأتاوات على الحواجز أو النهب المنظم التعفيش وغيرها من وسائل تمت خارج القانون، ونشطت تجارة الحرب السلاح والآثار والإتجار بالبشر وغيرها، أطلق عليهم تسمية حيتان المال، من أشهر الوجوه الجديدة:
سامر فوز، صاحب مجموعة أمان القابضة، يدير العديد من الشركات الإنتاجية من المواد الغذائية والكوابل وقطع السيارات.
حسام وبراء قاطرجي: عملا على تجارة النفط ما بين مناطق النظام والمناطق التي سيطرت عليها داعش، من خلال ما يملكونه من شاحنات، إضافة إلى أنّهما يملكان شركة في لبنان تبيع النفط الإيراني إلى سوريا.
محمد حمشو: عضو مجلس الشعب، رئيس مجلس الأعمال السوري الصيني، يملك مجموعة حمشو الدولية التي تعمل على صهر الفولاذ وتربية الخيول والمرطبات، وتربطه علاقة وثيقة مع ماهر الأسد، ويترأس لجنة التواصل مع الخليج .
جورج حسواني: المرتبط مع روسيا والدائرة المحيطة بالنظام، عمل على عقود توريد النفط والغاز إلى محطات الطاقة التي تديرها الدولة عام 2015، من المناطق التي تسيطر عليها داعش إلى مناطق النظام. صراع على النفوذ
عائلة الأخرس (طريف الأخرس): الذي يملك العديد من شركات الإنتاج، ويملك سوريا القابضة، الذي أخذت تنافس رامي مخلوف من قبل الحرب.
ناهيك عما رشح عن نمو دور وجوه أقرباء زوجة الرئيس، منهم: مهند الدباغ صاحب شركة تكامل سيئة الصيت التي تدر عليهم أرباحا كبيرة.
نتيجة: في خضم الحرب ظهرت طبقة جديدة من سماسرة الصراع لتسهيل التبادل والانتقال العابر للحواجز بين الأطراف المتقاتلة والمنفصلة، تربط هؤلاء السماسرة علاقات قوية مع حكومة النظام. أخذت تتعاظم سلطة الوسطاء وتجار الحرب في الاقتصاد السوري الجديد، حيث لا يمكن تجنب الاعتماد عليهم، الطبقة الجديدة بدأت تملك الثروة في سوريا، وتقدّم الدعم المالي للنظام هذه الطبقة ساعدت النظام على النجاة، وأمنت له تدفق النفط، وساهمت في إعادة ترتيب الاقتصاد في ظروف انهيار الإنتاج في قطاع الدولة، مع تركّز النشاط الاقتصادي بأيدي حيتان المال صار للفساد رؤوس متعددة وليس رأس يتمتعون بالسطوة، والحرية خارج القانون، وبعيداً عن رقابة الدولة تم تهريب رؤوس الأموال الضخمة إلى الخارج.
كلما طالت الحرب، زادت الأزمة الاقتصادية حتى فرغت الخزينة، والشعب السوري الذي تقع عليه عبء الأزمة، عبر زيادة الأسعار المتواصل، فقد قدرته على الشراء والاستهلاك، وساد الركود الاقتصادي والتضخم مع انخفاض متزايد في قيمة العملة السورية.
الدور الروسي في صراع المصالح الاقتصادية :
الرقيب الروسي الذي توغل في مفاصل الحياة السورية، وتدخل في هيكلة الأجهزة الأمنية والعسكرية بما يضمن سيطرته، روسيا العالمة بخفايا الأمور ومسارها، حيث استمالت حيتان المال وصبت سيولتهم المالية في بنوكها، وعقدت ما شاءت من صفقات وعقود ترهن فيها البلد لمصالحها، أخذت تطالب النظام بمستحقاتها من الديون، قبل أن يدخل قانون قيصر حيّز التطبيق، وروسيا عالمة بحجم الخلاف بين حيتان المال ورامي مخلوف في الصراع على الحصص والتنافس على النفوذ الاقتصادي، على الرغم من وجود عائلة مخلوف الأب والأخ حافظ في روسيا ومساعي عائلة مخلوف لكسب الود الروسي، تبيّن أنّ روسيا أخذت تلعب على التناقضات القائمة بين مخلوف والسلطة لتصل مبغاها ليس المالي فحسب، بل السياسي أيضاً في سوريا.
إضافة الى أنّ النظام يعاني من ضائقة مالية كبيرة، ستكون من الصعب تحملها في حال طبقت العقوبات الأمريكية، جاء التوجّه إلى رجال الأعمال لدفع جزء من الأموال التي جنوها دون رقابة، والتي جرى تهريب نسبة كبيرة منها إلى الخارج، ومحاولة لجم تهريب ما تبقى منها، كخيار وحيد أمام النظام، لذلك، تمّ التحقيق مع 28 من رجال أعمال شبهت بعملية فندق ريرز كارلتون السعودية في إطار عمل ما سمي، لجنة مكافحة غسل الأموال، التي تترأسها أسماء الأخرس، والحجز على أموال رامي جاء بعد إسبوعين من الحجز على أموال طريف الأخرس، عم أسماء، الذي سدّد المبلغ المطلوب منه، وتمّ بعدها رفع الحجز عن أمواله، ومحمد حمشو الذي تعهد أن يسدّد للنظام 100 مليون دولار بعد اتهامه بالتلاعب بعقود مع وزارة التربية.
ثم جاء قرار مديرية الجمارك التابعة للنظام، في 19 كانون الأول، لإلقاء الحجز الاحتياطي على أموال رامي محلوف، المنقولة وغير المنقولة، لتسديد مبلغ مقداره 1.2 مليار ليرة على خلفية الاستيراد تهريباً لبضاعة ناجية من الحجز. صراع على النفوذ
من الأسباب المحتملة التي تم تداولها لتحرك النظام ضد مخلوف، تم في سياق إعادة توزيع مجالات النفوذ في العائلة والقضاء على منافس محتمل للسلطة، في هذا السياق، تم عزل إيهاب مخلوف عن إدارة المناطق الحرة في المنافذ الحدودية والمطارات وتولي الإدارة ما يسمى المكتب الاقتصادي في الفرقة الرابعة.
وبين تصريحين أدلى بهما مخلوف الأول: بدا يستنجد بالرئيس في إشارة الى رغبته لإجراء تسوية مع تقديم الولاء والطاعة للرئيس. أما في التصريح الثاني ظهر رامي مهدداً ومحرضاً متوعداً بعقاب إلهي كان واضحاً صريحاً في دعوته إلى شحن وتعبئة طائفية لإثارة الشارع الموالي، وترك الباب مفتوحاً للتكهن والإجابة، على سؤال، هل من يملك المليارات من الدولارات، وعلى فرض تم الضغط عليه وتهديده، هل يصعب عليه كسب سمعته ونفسه بدفع المبلغ المطلوب، دون أن يصل إلى هذا الدرك من الانحطاط؟، غير أنّ مخلوف ما قبل عام 2011 غيره ما بعد 2011، حيث أصبح له زراعاً عسكرية، وله مريدين، يربطهم به مصالح اقتصادية ومساهمين، عددهم 6500 مساهم في سيرياتيل مهددة مصالحهم، وإشارة إلى أنّ الصراع وصل إلى مرحلة كسر العظم.
من جهة أخرى، إن كانت الأملاك داخل سوريا يمكن للنظام مصادرتها أو السيطرة عليها. في حال النزاع المالي، فمن الصعوبة بمكان تقاسم الأموال في الخارج، وفي حال النزاع سوف تنكشف أنّها أموال فساد، حيث إنّ لأموال آل مخلوف فروعاً خارجية، عبارة عن ملكيات عقارية ضخمة في روسيا وأمريكا، واستثمار الأموال في لبنان والإمارات وودائع مصرفية.
نتيجة: إنّ النظام الذي اتّخذ من مكافحة الفساد العنوان فقط، همه من الحجز الاحتياطي على أموال جزء من رجال الأعمال رفد الخزينة الخاوية بالمال، ودفع الديون التي تطلبها موسكو، وبمعنى آخر اقتسام الأرباح، وإعادة إنتاج السلطة بإعادة توزيع النفوذ الاقتصادي، وتمّت العملية كلها دون تطبيق القانون، أيّ محاكمة الفاسدين وتحويلهم إلى المحاكم الاقتصادية المختصّة ومعاقبتهم. صراع على النفوذ
خاتمة: إنّ الخلاف على النفوذ الاقتصادي في سوريا، سيترك آثاره على صعيد تفكك السلطة وإعادة إنتاجها، في ظروف ضعف سيطرة السلطة، على الوضع دون دعم الخارج، وصعوبة الاستثمار والنشاط الاقتصادي في ظل العقوبات، والحصار والتهديد بإطلاق عقوبات جديدة قادمة مع قانون قيصر تطال رجال الأعمال والمؤسسات التي تدعم النظام، وعدم قدرة السلطة وحلفائها على إعادة البناء، يجعل الوضع السوري مفتوحاً على أزمة عميقة لا حل له إلا بالتوجّه للتسوية التي نضجت أسبابها.
ليفانت – سحر حويجة
——————————–
لبنان و”قانون قيصر”/ خير الله خير الله
بـ“قانون قيصر” أو من دونه، لا مستقبل للنظام السوري الذي على رأسه بشّار الأسد. هذا عائد بكلّ بساطة إلى لا مهمّة لبشّار الأسد سوى استكمال تفتيت سوريا. هل في لبنان من يعي ذلك ويعي في الوقت ذاته كيفية حماية البلد… أم أنّ هناك سباقا بين مكونات السلطة التي قامت قبل ثلاث سنوات ونصف سنة، أي منذ انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، على كيفية تحويل لبنان إلى جزء لا يتجزّأ من الكارثة السورية؟
من الواضح، أن لبنان مصرّ على ربط نفسه بـ”قانون قيصر”. هذا ما يمكن فهمه من الخطاب الأخير لحسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” الذي شدّد فيه على رفض نزع سلاح الحزب من جهة والتأكيد أن ما يسمّى “حلف الممانعة” لن يسمح بسقوط النظام السوري.
ما فات نصرالله أن أهم ما في “قانون قيصر” الذي دخل حيّز التنفيذ الأربعاء (17-06-2020)، أن لا إعمار لسوريا ما دام بشّار الأسد في السلطة. هذا يؤكّد، بكلّ بساطة، أنّ على بشّار الأسد الرحيل عاجلا أم آجلا. مطلوب أميركيا رحيل الأسد. لذلك ترافق دخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ عقوبات جديدة على بشّار الأسد وعلى زوجته أسماء وعلى أقربائه وعلى شخصيات سورية أخرى. ذهب الأميركيون إلى أبعد حدود في البحث عن الشخصيات السورية التي لديها ارتباطات مباشرة بالنظام.
لكنّ السؤال الذي سيظلّ يطرح نفسه هل تهمّ سوريا بشّار الأسد، أم أن همّه محصور بالبقاء في السلطة وإظهار أنّ في استطاعته تعميم مأساة مجزرة حماة في العام 1982، أيّام والده وعمّه رفعت، لتشمل كلّ الأراضي السورية؟
من الواضح أنّ حماة تظلّ المثل الأعلى لرئيس النظام السوري. فمن مجزرة حماة، بدأ والده حافظ الأسد عهدا جديدا وحصل على تجديد للبيعة أمنته الدماء البريئة وغير البريئة التي سالت في المدينة المستباحة التي هُجّر قسم كبير من أهلها وشرّدوا بوحشية وحقد.
في عهد بشّار الأسد، صارت كلّ المدن السوريّة حماة. صارت كلّ مدينة مستباحة تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد”، الذي تحوّل إلى عنوان لكتاب معروف يعتبر من أفضل ما وضع عن مرحلة الثورة. هذا الكتاب لصحافي أميركي من أصل لبناني هو سام داغر، عرف كيف يشرّح النظام السوري بدقّة ليس بعدها دقّة.
لا تستطيع أيّ دولة في العالم، بما في ذلك الصين وروسيا، تحمّل عقوبات أميركية على شركاتها في حال دخلت في أيّ تعاملات من أيّ نوع مع النظام السوري. إذا كان من درس لبناني يمكن استخلاصه من “قانون قيصر”، فهذا الدرس يتمثّل في كيفية الابتعاد عن النظام السوري بدل إقحام لبنان في حرب ليست حربه وتعريضه لنار لا مصلحة له في الاقتراب منها.
إذا كانت الصين بشركاتها العملاقة لا تتحمّل تبعات “قانون قيصر” وترى نفسها مجبرة على التقيّد به، فكيف الأمر بلبنان؟ سيقول كثيرون إن سوريا رئة لبنان وإنّ لا خيارات أخرى أمامه. هذا تهرّب من تحمّل المسؤولية من جهة ودليل عجز عن استيعاب ما يدور في المنطقة والعالم من جهة أخرى.
من الصعب على بشّار الأسد الاقتناع بأنّ عليه الرحيل. لا يمتلك الرجل القدرة على القيام بعملية نقد للذات. وحدهم الأذكياء يمتلكون مثل هذه القدرة التي تكشف أنّ لديهم مستوى معيّنا من الذكاء. هل ما ينطبق على بشّار ينطبق أيضا على المجموعة السياسية التي تتحكّم بالمصير اللبناني هذه الأيّام؟
أن تعرف كيف تخسر في السياسة أهمّ بكثير من أن تعرف كيف تربح. من يعرف كيف يخسر يمكن أن يربح يوما وأنّ يستفيد من أخطاء ارتكبها. لكنّ مشكلة بشّار الأسد ذات جوانب متعدّدة، بما في ذلك أنّه لا يعرف كيف يخسر. في مقدم هذه الجوانب عجزه عن استيعاب أنّ النظام الذي ورثه عن والده لم يعد صالحا. هناك سوريون فهموا ذلك. على رأس هؤلاء رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري وشريكه في الثروة منذ فترة طويلة. غريب العجز اللبناني عن استيعاب هذه المعادلة وعن فهم أبعاد الخلاف داخل العائلة الواحدة التي تحكم سوريا منذ 1970.
في أساس النظام الذي أسّسه حافظ الأسد، قبل أقلّ بقليل من نصف قرن، امتلاك تلك القدرة على الابتزاز. ابتزّ العرب وابتزّ الإيرانيين، قبل أن يبتزّوه، وابتزّ الأميركيين وابتزّ الأوروبيين. هناك مرحلة انتهت في المنطقة والعالم. جاء “قانون قيصر” ليؤكّد نهاية هذه المرحلة وليؤكّد أن بشّار الأسد شخص انتهى تماما مثلما انتهى صدّام حسين يوم دخل الكويت في الثاني من آب – أغسطس 1990. ما ليس مفهوما لماذا إصرار المجموعة التي تتحكّم بلبنان على إقحام نفسها في معركة خاسرة سلفا.
يمكن في طبيعة الحال فهم موقف “حزب الله”. هذا الحزب ليس سوى ميليشيا مذهبية تشكّل لواء في “الحرس الثوري الإيراني”. لا يخفي الأمين العام للحزب ذلك عندما يقول إنّه جندي في جيش “الوليّ الفقيه”. لكنّ المستغرب غياب أي قدرة لدى “التيّار الوطني الحرّ” على استيعاب البديهيات، بما في ذلك أبعاد “قانون قيصر”. لماذا لا يتذكر لبنان مرحلة مشرفة من تاريخه أي مرحلة ما قبل اتفاق القاهرة للعام 1969؟ لبنان استطاع قبل اتفاق القاهرة المحافظة على أرضه لأنه لم يشارك في حرب 1967.
الأكيد أن الطاقم الحاكم حاليا، على رأسه “حزب الله”، لا يستطيع أخذ لبنان سوى في اتجاه كارثة أخرى كارثة “قانون قيصر”. لا بدّ من معجزة تؤدي إلى تفادي الكارثة. لكنّ هذا الزمن ليس زمن المعجزات. إنّه زمن “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله”، زمن يجعل من الترحّم على اتفاق القاهرة احتمالا واردا.
إعلامي لبناني
العرب
——————————————-
===========================
=========================
تحديث 21 حزيران 2020
——————-
قانون “قيصر” : كيف سيجري تطويق نظام الأسد وحلفاءه؟/ فراس حاج يحي
في بلد أنهكته الحرب ودولة غدت في مصاف الدول الفاشلة، والتي تخضع لاحتلالات أجنبية متعددة، ليست المشكلة الأساسية في هذا القانون الذي جاء لحماية المدنيين واجبار نظام الأسد على وقف انتهاكاته وفظائعه بحق السوريين. المشكلة في هذا النظام الاستبدادي القمعي…
دخل قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا حيز التنفيذ، وهو تشريع أميركي أدرج ضمن موازنة الدفاع الأميركية لعام 2020، ويفرض عقوبات اقتصادية على نظام الأسد وداعميه والمتعاونين معه، وقد جاء هذا الاسم نسبة إلى ضابط سوري منشق عن نظام الأسد عام 2013 سرب قرابة 55 ألف صورة لأكثر من 11 ألف معتقل سوري، قضوا تحت التعذيب في سجون الأسد ومعتقلاته.
يفرض القانون عقوبات على بشار الأسد كما يلاحق الشركات والأفراد الذين يموّلون النظام سواء كانوا سوريين أو أجانب، ويسمح بتجميد أصولهم ومنعهم من الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية. كما يستهدف القانون المصانع العسكرية والبنى التحتية والمصرف المركزي في سوريا، ويسمح بمعاقبة روسيا وإيران في حال استمرارهما في دعم نظام الأسد.
الآثار الاقتصادية لقانون قيصر
ترافق بدء سريان قانون العقوبات الأميركي (قيصر) على نظام الأسد مع أزمة اقتصادية داخلية عاصفة، تمثلت بالخلاف المالي الكبير بين بشار الأسد وابن خاله رامي مخلوف، ومع آثار جائحة “كورونا” الاقتصادية، والأزمة المالية في لبنان جراء انتفاضة 17 تشرين اللبنانية، وما حملته من تبعات اقتصادية مباشرة على حكومة لبنان ونظام الأسد أيضاً. ومجمل هذه العوامل تسببت بانهيار كبير لسعر صرف الليرة السورية فالليرة خسرت في سبعة أيام، فقط، 55 في المئة من قيمتها، ما يحمل نتائج تضخمية كارثية، دفعت بعض السوريين في مناطق النظام إلى التظاهر، ومنذ بداية شهر حزيران/ يونيو 2020، ارتفع “دولار دمشق” وسط توقعات بازدياد هذا الانخفاض في سعر الليرة.
تشمل العقوبات كل من ينخرط عن علم في أحد الأنشطة الاقتصادية المحظورة بموجب القانون وهي:
من يوفر عن علم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً مهماً، أو ينخرط عن علم في صفقة كبيرة، مع الحكومة السورية (بما في ذلك أي كيان تملكه أو تسيطر عليه الحكومة السورية) أو شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية.
كل شخص أجنبي، مقاول عسكري، أو مرتزق، أو قوة شبه عسكرية يعمل عن عمد، بصفة عسكرية داخل سوريا لصالح حكومة سوريا أو باسمها، أو حكومة الاتحاد الروسي، أو حكومة إيران.
كل من يبيع أو يقدم سلعاً أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعماً مهماً أو أي دعم آخر يسهل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية.
كل من يبيع أو يقدم عن عمد قطع غيار للطائرات أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة مع الحكومة السورية.
كل من يوفر عن علم سلعاً أو خدمات مهمة مرتبطة بتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سوريا لمصلحة الحكومة السورية أو نيابة عنها، لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة موصوفة في الفقرة الفرعية من القانون، أو يقدم عن علم، بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات بناء أو هندسية مهمة إلى الحكومة السورية.
وعليه فإن القانون يزيد الضغوط على النظام السوري، إذ قد تنسحب شركات روسية متخصصة في الطاقة، وهو ما ستتأثر البلاد من تبعاته، بخاصة أن سوريا تستورد نحو 60 في المئة من احتياجاتها المحلية للغاز. كذلك تشمل العقوبات الاستثمار في مجال البناء والعقارات، إذ من المتوقع أن تفرض عقوبات على الشركات أو الأشخاص الذين يسعون إلى مشاركة النظام في عملية إعادة الاعمار، وهذا سيمنع نظام الأسد وحلفاءه من البدء أو الاستمرار في أي عملية إعادة إعمار قبل انطلاق العملية السياسية وتعليق العقوبات.
وتشمل العقوبات المجالات المتعلقة بالتمويل والمصارف من قروض ومساعدات وحوالات واعتمادات مالية قد تتجه لحكومة الأسد، وفي مقدمها المصرف المركزي السوري وكافة المصارف التي ستتعامل معه. كما ستؤثر العقوبات في حركة الاستيراد والتصدير من سوريا وإليها، ومعها ستتأثر دول الجوار السوري وبخاصة لبنان والأردن. ومجمل هذه العوامل ستؤدي إلى زيادة معدل التضخم وتراجع القوة الشرائية، وانخفاض الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، ويدخل الاقتصاد السوري في مرحلة شلل وركود، تضاف إلى حالة العزلة السياسية التي يعيشها النظام منذ سنوات، ويمنع أي تطبيع سياسي أو اقتصادي علني معه.
كيف سيتعامل النظام مع القانون؟
غالباً سيلجأ نظام الأسد والجهات الراغبة بالتعاقد معه إلى أساليب احتيالية للالتفاف على القانون، من خلال تعاملهم مع وسطاء وشركات متعددة ومتشعبة في أكثر من بلد حول العالم، بغرض التحايل على هذه العقوبات ما سيزيد نسب المخاطرة لهذه الشركات، وتزيد معها معدلات الفساد وغسيل الأموال والتكلفة المالية لهذه التعاقدات، وتزيد معها نسبة العمولة التي ستطلبها هذه الشركات أو رجال الأعمال مقابل اشتراكهم في عملية التحايل هذه.
ويراهن نظام الأسد في خطته لمواجهة تداعيات هذا القانون على علاقاته الاقتصادية والسياسية، مع حلفائه الروس والإيرانيين إضافة إلى الصين، معولاً على ما سيقدمونه من دعم اقتصادي واستثماري بديل، وكذلك سيركز على القطاع الخاص وتطويره على اعتبار أنه مستثنى من العقوبات، وتعزيز الاعتماد على الإنتاج المحلي.
فالعقوبات التي تضمنها القانون تشكل عامل ردع للشركات والأشخاص الذين قد يدخلون في علاقات تعاقدية مع نظام الأسد أو إحدى شخصياته السياسية البارزة، أو مع الميليشيات والقوات التي تقاتل معه أو لمصلحة روسيا وايران في سوريا، ضمن الأنشطة الاقتصادية الخمسة المحظورة التي أوردناها أعلاه.
وقد استثنى القانون الأعمال والأنشطة الإنسانية التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية والعاملة في المجال الإنساني، وألزم الرئيس الأميركي بوضع استراتيجية مناسبة لوصول المساعدات الإنسانية في بدء سريان مفاعيله التنفيذية، وهذا ما يدحض ادعاء نظام الأسد بأن القانون هو حصار على الشعب السوري ويستهدف لقمة عيشه وقوته اليومي.
الفقر والجوع في سوريا هو نتيجة طبيعية لسياسة نظام الأسد منذ عام 2011 وحتى الآن في تسخير موارد الدولة السورية الاقتصادية والمالية، وضخها في تمويل آلة الحرب ضد الشعب السوري، وحتى تاريخه لم يطبق القانون. ولكن مع ذلك وبحسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة عن الاحتياجات الإنسانية في سوريا لعام 2019، فإن 83 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وهذا ما يدحض الدعاية الإعلامية لنظام الأسد بأن قانون قيصر يستهدف إفقار الشعب السوري وحصاره.
ما العمل؟
في حال كحال بلد مدمر أنهكته الحرب اسمه “سوريا” ودولة غدت في مصاف الدول الفاشلة، والتي تخضع لاحتلالات أجنبية متعددة، ليست المشكلة الأساسية في هذا القانون الذي جاء لحماية المدنيين واجبار نظام الأسد على وقف انتهاكاته وفظائعه بحق السوريين. المشكلة في هذا النظام الاستبدادي القمعي الذي بدون رحيله لن يتم تعليق هذه العقوبات، تمهيداً للمضي في العملية السياسية التي أقرتها الأمم المتحدة وبخاصة قرار مجلس الأمن 2254 الصادر عام 2015، وما نص عليه من خطوات تتطابق الى حد كبير مع الشروط التي حددها قانون قيصر لتعليق هذه العقوبات، عبر انطلاق عملية انتقال سياسي تفضي إلى التزام الحكومة السورية، بعدم استخدم المجال الجوي فوق سوريا لاستهداف السكان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة. وبما في ذلك البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية والأسلحة التقليدية، بما في ذلك الصواريخ والمتفجرات، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وتوقف استهداف المرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني بما في ذلك الأسواق، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين يتم احتجازهم قسراً في نظام السجون في نظام بشار الأسد، وكذلك سماح الحكومة السورية بالوصول الكامل إلى التسهيلات نفسها لإجراء التحقيقات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية المناسبة، وأن تسمح الحكومة السورية بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شردهم النزاع، وأن تتخذ خطوات يمكن التحقق منها لإقامة مساءلة ذات معنى لمرتكبي جرائم الحرب في سوريا والعدالة لضحايا جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد، بما في ذلك المشاركة في عملية مصالحة حقيقية وموثوقة …
درج
——————————-
في مهب قانون قيصر/ بسام يوسف
قد يكون هذا الرأي نشازاً في احتفالات مؤيدي “قانون قيصر” بهذا القانون، على الرغم من أنه يؤيده، فإنه حذر في تأييده له ومتوجس، وعلى الرغم من أنه من القائلين بأن نقاش القانون ليس له معنى الآن من زاوية خطأ إقراره أو صوابه، فهو قد أقر أولاً، وقد أصبح ساري المفعول ثانياً، ثم إن خطواته العملية على الأرض قد بدأت؛ لذلك إن ما يهم الآن هو نقاش حال السوريين وسوريا في ظل هذا القانون وتداعياته وإلى أين يرمي.
يحق للسوريين أن يفرحوا لأي أمر يهدد عائلة الأسد ومن يقف معها، وهي العائلة التي أذاقتهم المرَّ طوال نصف قرن، فكيف إذا كان هذا الأمر يدفعهم إلى الحلم بما هو أكبر من التهديد، وأقصد حلم أن تطوى صفحة هذه العائلة من حياتهم. لكن، هل يكفي الحلم لكي نغمض أعيننا عن حقائق الأرض، وهل تكفي الرغبات لكي ندير ظهرنا لما يناقضها، وربما لما يجعلها محض وهم…؟
مبعوث وزير الخارجية الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، يجيب عن تساؤلنا كسوريين، إن كان الهدف من قانون سيزر إسقاط النظام أم لا، بقوله: إن “الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام في سوريا، ولكنها مهتمة بتعديل سلوكه أولاً وقبل كل شيء تجاه شعبه”.
ولقد أضاف جيفري خلال مقابلته مع وكالة “نوفوستي”: إن “الشعب السوري هو من يقرر من سيقوده، وما هي الحكومة التي سيحصل عليها، ونحن لا نسعى إلى تغيير أي نظام، ولكن نسعى إلى تغيير سلوك هذا النظام، أولاً وقبل كل شيء، نحو مواطنيه ثم نحو جيرانه ثم نحو المجتمع الدولي”.
وبعيداً عن تصريح جيفري، وبقراءة سريعة لظروف إصدار القانون العتيد، تبرز حقيقة أن من غير المنطقي تجاهل جملة حقائق متعلقة بالسياسة الأمريكية حيال الملف السوري، سواء أكانت في عهد الرئيس السابق أوباما، أم في عهد الرئيس الحالي ترامب.
أولى هذه الحقائق، هي: أن ما سمي بقانون حماية المدنيين السوريين، كان من المنطقي صدوره بعد وصول الشاهد “قيصر” مع وثائقه إلى أميركا وعرضه لصوره، لكن ماذا تصرفت الحكومة الأميركية حينها؟ ولماذا ترك هؤلاء المدنيون ست سنوات كاملة للموت بكل فظاعاته وبكل وسائله؟
ثاني هذه الحقائق، هي: أن هذا القانون- بصيغته الحالية- لا يزال يتيح المجال للنظام للتحايل عليه، عبر إجراءات تبدو ظاهرياً، كأنها استجابة لهذا القانون، مع أنها في جوهرها ستكون موافقة على شروط سرية لا بد أن تفرض عليه، ولا بد أن يقبلها لترتيب الحل الذي ترتئيه الأطراف الخارجية لتحقيق مصالحها وترتيبها وفقاً لقدرات كل طرف، بغض النظر عن مصلحة الشعب السوري وعن قبوله ورفضه، وماذا يعني اشتراط إطلاق سراح المعتقلين في الوقت الذي ليس هناك ما يثبت عدد هؤلاء المعتقلين، أو حتى اعتقالهم، وما معنى أن يطلب من حكومة النظام محاكمة مجرمي الحرب الذين هم منها؟
ثالث هذه الحقائق، هي: ما يتعلق بما تفعله أميركا في منطقة الجزيرة السورية من فرض صيغة سياسية لم يتخذ رأي الشعب السوري بها، التي قد لا تكون – وهي على الأغلب كذلك – في مصلحته، ولا تتوافق مع ما يكرره الأميركيون دائماً حول حرصهم على وحدة الأرض السورية، وعلى مستقبل السوريين.
وبالاستناد إلى هذه الحقائق وغيرها، يمكن القول بلا تردد: إن ما تهدف إليه أميركا من قانون قيصر، قد يخيب أمل المحتفين به كثيراً، لكن أملها هي لن يخيب، وهدفها منه ستسعى إلى تحقيقه بجهود خدمها السوريين الذين يعرفون والذين يجهلون والذين يطمعون. وهو الهدف الذي يمكن تلخيصه باستعادة الخيوط التي تحرك الملف السوري كلها إلى اليد الأميركية؛ لأنها تركت أطرافاً عديدة خلال سنوات عديدة تصول وتجول في الساحة السورية عن سابق تخطيط وإصرار وتعمد، وها هي الآن توقف اللعبة؛ لتنقلها إلى شروط جديدة، الشروط التي تعيد إلى أميركا الملف السوري لإمساكه بكلتا يديها وبأنيابها كذلك.
لكن- مع ذلك- لنحاول رؤية نصف الكأس الممتلئ: إذاً، هل سيساعد- قانون سيزر- السوريين على الاقتراب من حلمهم بانتهاء هذه الحرب، وهل سيساعدهم على استعادة بلدهم وحقوقهم وعلى طوي صفحة الاستبداد؟
قد تكون الإجابة بالغة الصعوبة؛ إذ ما من مرتكزات راسخة إلى الحد الذي يمكن البناء عليه، وما يعزز غياب هذا الرسوخ المرغوب، هي السياسة غير الثابتة التي تتعامل بها الأطراف الفاعلة في سوريا، التي هي بالكامل أطراف خارجية، هي نفسها ليست ثابتة بأي مقياس، وليست مصدر اطمئنان للسوريين بأي مقياس كذلك، وبالتالي: إن الطرف الأضعف في هذه المعادلة هو الشعب السوري الذي سيدفع الثمن الأكبر لأي تفاهم بين هذه الأطراف.
نعم، يمكن الاستفادة من قانون قيصر، ويمكن تجييره لخدمة السوريين؛ فيما لو كان للسوريين صوتهم الواضح والقادر على اللعب في التناقضات بين مصالح الأطراف الممسكة بالملف السوري، لكن بغياب هذا الطرف السوري يصبح الاحتمال الأكثر احتمالاً، هو: أن يكون هذا القانون سبباً في زيادة معاناتهم وقهرهم وبعثرتهم، هم وأرضهم.
وبناء على ما سبق، ليس من الحصافة ألا نقرأ تجربة العراق، وأن ندير ظهرنا لتجربة حصاره وحجم الكارثة التي تسبب بها الحصار، وإلى أين أوصل هذا الحصار العراقيين، وألا نخاف على أهلنا في سوريا من آثار هذا القانون.
وليس من الحصافة أيضاً، ألا نرى أن العراق واليمن وليبيا وسوريا ومصر إلى حد ما، تشترك كلها في أنها تمضي إلى مستقبل مجهول، ملامحه الأولى تشير إلى دول فاشلة وإلى خراب يحتاج إلى عقود وعقود للخلاص منه، وأنها- أي هذه الدول- تشترك في أن قواها السياسية كانت بلا أي فعالية، فهل يمكننا اليوم في سوريا أن نتشارك كسوريين في الداخل والخارج لبلورة صوت وطني جامع يمكنه الدفاع عن مصيرنا كشعب وكوطن؟
لقد أضاءت مظاهرات السويداء قليلاً على أهمية هذا الصوت السوري، وأعطت دفقة من الأمل للسوريين، وتتسارع اليوم شخصيات وجهات سورية لبناء ما يمكن أن يكون نواة لانطلاقة جديدة للسوريين، انطلاقة ترتكز على دروس عقود من الصراع مع عائلة الأسد في سوريا، وبالأخص على دروس السنوات العشر الأخيرة من عمر هذا الصراع.
ثمة تباشير عدة تظهر هنا وهناك، فهل نستطيع أن نبدأ كسوريين مرحلة جديدة في نضالنا من أجل وطننا الذي نحلم به.
إنه السؤال الذي لا يفقد حرارته ولا راهنيته ولا أهميته قبل سيزر وبعده.
تلفزيون سوريا
——————————-
هل تصمد سورية إلى حين سقوط الأسد؟/ غازي دحمان
فاجأنا قانون قيصر بوجود ثلاث سوريات أو أربع، دول متكاملة، بخرائطها وسلطاتها وجيوشها ورموزها وأعلامها ومؤسساتها وأناشيدها الوطنية، وأخيراً، بعملاتها المختلفة، فيما لا يزال حالمون، ولا سيما سوريو الشتات، لم يحدّثوا بياناتهم بعد، مع الوقائع التي يعيشها سكان “الدول” السورية، وينتظرون خبر سقوط طاغية دمشق.
لطالما استقرّ في وعي السوريين أن هذه الأوضاع، التي جاءت بها ظروفٌ استثنائية وطارئة، ستذهب مع نهاية هذه الظروف، أما النهاية التي حدّدوها في إدراكهم، فتتمثل بسقوط نظام الأسد ورحيله عن سورية إلى الأبد. وفي سبيل هذا الطموح، غدا كل شيء هيناً، من الموت إلى الاعتقال إلى التشرد، ولكن أيضاً، في الطريق إلى تحقيق هذا الطموح، كان الواقع يصنع سياقاتٍ أخرى، خارج قدرة السوريين عن وقفها أو السيطرة عليها.
عشر سنوات عاندت فيها الظروف طموحات السوريين بالخلاص من أوجاعهم، لكنها كانت كفيلةً بالحفر عميقاً في واقع السوريين، مثلما حفرت ذكرياتها السيئة على أجسادهم وأرواحهم وفي وعيهم، وآلاف أطنان الأسلحة التي استخدمت كانت كافية لصنع أنفاق وخرائط جديدة على طول الجغرافيا السورية وعرضها، من دون أن ننسى صراع المشاريع الجيوسياسية التي كان السوريون، بوعي أو بدونه، أدواتها ورصاصاتها وضحاياها. فقد أتقنوا الألعاب الجيوسياسية، إلى درجة أنهم أصبحوا مطلوبين للعمل، مثل العمال الموسميين، لدى المشاريع التي تقع خارج ساحاتهم.
ولكن، هل يحق لمتابع مجريات الأحداث السورية، طوال سنوات الكارثة، أن يُفاجأ اليوم بهذه الخريطة السورية، والدويلات التي قامت على أنقاض سورية الأسد؟ منذ اليوم الأول في الحرب، وعندما لجأت زمرة الأسد إلى القوة، فإنها كانت تطيح وحدة سورية. وإجراءاتها اللاحقة، استقدام المليشيات الأجنبية وإيران، ثم روسيا، وبعد ذلك منح الأصول السورية آجالاً طويلة لروسيا وإيران، لم يكن لها سوى معنى واحد، دفع سورية إلى التقسيم والتفتّت. وفي التاريخ، القديم والمعاصر، كان استخدام القوّة المفرطة لحل مشكلة سياسية الوصفة الناجحة لتفتيت الدول، ويوغوسلافيا مثال قريب جداً.
ومعلوم أن نظام الأسد عندما لجأ إلى القوّة المفرطة، فعل ذلك للتمهيد لخيار اللجوء إلى إقامة دولة خاصة به في الساحل السوري. هذا ليس افتراضاً، بل واقع مؤكد. أما لماذا حارب على جبهات عديدة، ولم يلجأ على الفور إلى خياره هذا، تقليلاً لحجم الخسائر التي تكبّدها، فذلك مردّه إلى حسابات النظام التي قامت على أساس تدمير المدن السورية، وجعل السوريين يغرقون في جراحهم سنوات وعقوداً طويلة، وإن كل حجر يدمره، وكل فرد يقتله في تلك المناطق، سيسهمان في تعزيز أمن دولة النظام القادمة واستقرارها.
على ذلك، جميع الكيانات التي نشأت خلال هذا المسار التدميري إنما نشأت بحكم الاضطرار. في البداية، كان هدف الجماعات التي أنشأتها، الأهلية والحزبية، حماية وجودها من حرب الفناء التي فرضتها قوّة الأسد الغاشمة وحلفاؤه، ثم لاحقاً، اضطرت هذه الكيانات إلى تنظيم شؤونها، واحتاج هذا سلطة وهياكل لإدارة شؤون هذه التجمعات، وخصوصاً على صعد ضبط الصراعات في داخلها وتوفير الخدمات، والمهمة الأساسية المتمثلة بالحماية من الآخر، نظام الأسد، خلف حدود جغرافية هذه الكيانات، فنشأ عن ذلك داخل وخارج وحدود وشؤون لأشباه دول، راحت تترسخ في الواقع السوري.
لم يتوقف الأمر عند هذه الحدود، خصوصاً أن نظام الأسد تحوّل إلى قوّة احتلال في المناطق التي استعاد السيطرة عليها، وبقي طرفاً خارجياً وممثلاً لدولة افتراضية، هي دولة الساحل التي، وإنْ لم توجد جغرافياً، إلا أنها ترسمت في الواقع الفكري، لدى المحتل، نظام الأسد، والمحتلين، المجتمعات الأهلية التي استعاد النظام السيطرة عليها. وعلى الرغم من أن نظام الأسد قاتل بضراوة بغرض استعادة بقية المناطق لسلطته، إلا أن ذلك لم يعكس رغبته في توحيد سورية، بقدر ما كان الأمر انخراطاً في المشاريع الجيوسياسية لإيران وروسيا، اللتين رغبتا في تقوية أوراقهما الإقليمية والدولية، من خلال السيطرة على مناطق استراتيجية على الحدود مع الجولان والأردن وتركيا والعراق، أو بسبب أهميتها الاقتصادية، مثل مناطق شرق الفرات التي تطمح روسيا إلى السيطرة على ثرواتها النفطية والزراعية، وتشكل بالنسبة إلى إيران جزءاً أساسياً من طريقها إلى المتوسط.
هل انتهى الأمر عند حدود الترسيمة الحالية؟ يصعب الجزم بتوقف صيرورة التفتيت السورية واكتفائها عند هذا الحد، ذلك أن المقسَّم مرشَّح لتقسيماتٍ أخرى نتيجة الصراعات الدائرة في جميع “الدويلات” السورية، وفي مقدمتها دويلة النظام نفسه، التي سيعمّق قانون قيصر أوجاعها بدرجة كبيرة، وسيدفعها إلى البحث عن خيارات أخرى، للخروج من المأزق الذي وضعها فيه حكم الأسد وقانون العقوبات الأميركي، إذ ما زال في الأدراج مشاريع “الأردن الكبير” و”لبنان الكبير”، وربما العراق، وقد تأخذ هذه المشاريع السياق نفسه الذي تشكّلت فيه الكيانات الموجودة الآن، في البداية ضرورة، ثم تتحوّل إلى واقع يصعب تغييره.
الغريب في ذلك كله، أنه لا أفق لسقوط الأسد لوقف عجلة الانهيار السورية، فالبلاد، على الرغم من أنها استنزفت قدرتها في انتظار هذا اليوم الموعود، ستكون مضطرّة إلى الخضوع للواقع الذي يأخذها في اتجاهاتٍ ليست مرغوبة ولا مقصودة.
العربي الجديد
———————————–
هل يكون الأسد آخر صورة يلتقطها قيصر؟/ فاطمة ياسين
دخل قانون قيصر حيز التنفيذ، وأقيم له احتفال إعلامي رسمي واسع، بوصفه بروتوكولا عقابيا قاسيا يُنتظر منه أن يُشكَّل أكبر أثر اقتصادي وسياسي على النظام في سورية.. أعطى الرئيسَ الأميركي السلطة التنفيذية لإنزال عقوباتٍ بأشخاص أو هيئاتٍ أو مؤسساتٍ يقدمون أي معونات، عسكرية أو ترتبط بالمجالات النفطية أو تخص أعمال إعادة الإعمار، بحيث تضمن أميركا أن يبقى هذا النظام تحت ضغط متزايد تدريجياً، بما يجبره على تغيير سلوكه، والدخول في مفاوضات حقيقية باتجاه حل سلمي .. تبدو نيات القانون صادقة، وتعكس كراهيةً أميركيّةً حقيقيةً للنظام السوري، فالقانون أقرّه الحزبان، الجمهوري والديمقراطي، وبشبه إجماع، ما يعني أن أي رئيس قادم سيلتزم بنوده، وسيبقى النظام يئن تحت معاناته، ومن غير المنتظر في ظل هذا القانون أن تنفعه كل من روسيا وإيران، فالقانون يذكرُهما بالاسم، وقد تقع الدولتان بدورهما تحت عقوبات تجبرهما على توجيه النظام باتجاه حل سلمي أو تغيير في السلوك.
لكن مهما بلغت درجة الصدق فيها، قد لا تكون النيات كافية، فالقانون يحتوي على إجراءات تجاه البنك المركزي، والتحرّي عن ضلوعه في عمليات تبييض الأموال، ويُنتظر أن يكون هذا البند من أفدح ما يمكن أن يلحِق أضراراً بالنظام، فكل عملياته التي يقوم بها عبر البنك المركزي ستتوقف، لعزوف الأطراف الأخرى عن التعامل معه، خوفاً من العقوبات، وسيتم فصله عن النظام النقدي الدولي الذي يحكم البنوك المركزية، ولكن هذا البند، وهو الأول، ما زال معلقاً. ولم يقدّم وزير الخزانة الأميركي التقرير الذي يجب أن يقدّمه، بخصوص البنك المركزي السوري، بالإضافة إلى نظام العقوبات ذات النفس الطويل جداً، ما يعني أن القانون الحالي قد يعطي نتائج فعّالة، وقد يجدي، ولكن على المدى الطويل. وبالنظر إلى البند الأخير من القانون، فهو يحدّد فترة صلاحيته بخمس سنوات، وهذا يجعل القانون سلاحا من دون فعالية تامة، والمطلوب هو التحرّك ضد البنك المركزي السوري لشل (أو إضعاف) الحركة النقدية التي استطاعت خلال الفترة القصيرة السابقة “استرداد” رصيد من الدولارات، رمّمت به موقف الليرة السورية بعض الشيء، وقد يكون البنك المركزي ضالعاً في هذه العملية.
يراعي القانون وضع السكان الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام، فهو لا يفرض أي عقوباتٍ على توريد الدواء والأغذية، فيما لو قام بها تجّار غير مرتبطين بنظام الأسد، وهو ما سيجعل النظام مضطراً لإفساح المجال لمن لم تشملهم العقوبات، بممارسة هذه العملية، ما سيرخي من قبضته، ولو قليلاً، عن النشاط التجاري في الداخل، ولكن لن يكون هناك تنميةٌ بأي شكل مع وجود النظام بشكله الحالي، فلا مجال للتجارة في النفط أو الطائرات أو المجالين العسكري والتكنولوجي، وهذه الحقول التي يحتكرها النظام لنفسه، وهي قاعدته الأساسية لتمويل عملياته، وتمكين نفسه من البقاء في السلطة.
لا يعترف القانون بكل النشاط الدبلوماسي الذي رعته موسكو وعواصم تابعة لها بعيداً عن أعين الأمم المتحدة، وخارج إطار قرار مجلس الأمن رقم 2254. وبتمريرها هذا القانون، ترغب أميركا أن تدير الأمر بشروطها ووفق قوانينها، أو أن تؤخذ شروطها بالاعتبار، وذلك اعتماداً على تهديد هذا القانون كل من يدعم دمشق بشكل واضح.
يمكن لـ”قيصر” أن يكون فعَّالاً ضد النظام، بقدر ما تكون أميركا جادّة في تطبيقه، ابتداءً من بند البنك المركزي وتفعيله بمداه الأقصى، مع الاحتفاظ بوجود عسكري ملحوظ ومن دون تصريحاتٍ تشير إلى الانسحابات، فتطبيق القانون بوجود قوات عسكرية سيكون له وقع مختلف من قانون من دون أية مساندة، وهو الأمر الذي قد يساعد الحلفاء بقدر ما قد يرهب الخصوم، وخصوصاً روسيا التي ما زالت تبحث بقوة عن موطئ قدم لها في الشمال السوري.
العربي الجديد
——————————-
أزمة سوريا مستمرة ما دام الأسد في القصر/ شارلز ليستر
تقف الأزمة السورية اليوم أبعد من أن تكون قد انتهت، وإنما بدلاً عن ذلك توحي التطورات التي شهدتها الأسابيع الأخيرة بأننا نعاين فصلاً جديداً يبدأ في الأزمة، تبدو فيه الديناميكيات المرتبطة حصرياً بالمناطق الخاضعة لسيطرة النظام العامل المحوري، وراء حالة انعدام الاستقرار التي ستتمخض عنها. وتتمثل أخطر هذه الديناميكيات في التداعي والانهيار البطيء للاقتصاد السوري ـ أزمة مالية لا تعتبر العقوبات السبب الرئيسي خلفها، وإنما الانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور، والفساد المستشري، وتداعيات وباء «كوفيد – 19» وافتقار الحكومة إلى الكفاءة على نحو يصيب البلاد بالشلل وسوء إدارة للموارد. ورغم هيمنة «قانون قيصر» الأميركي على عناوين الأخبار، وإلقاء الكثيرين اللوم عليه في الكثير من المشكلات الاقتصادية التي تواجهها سوريا، فإنه في واقع الأمر، بعيد كل البعد عن كونه السبب وراء الوضع الراهن.
الملاحظ، أنه على امتداد فترة كبيرة من سنوات الصراع التسع الماضية في سوريا، سعى المجتمع الدولي بدأب نحو معالجة أعراض الأزمة، بينما ظلت الأسباب الجذرية محلها، بل وازدادت سوءاً. ويمكن القول إن السبب الجذري الأهم والمحرك الأول وراء سنوات الصراع التسع التي عانتها البلاد، يكمن في بشار الأسد ونظامه والذي كان من شأن ممارساته الوحشية والانتهازية طرح البلاد أرضاً. ومع استمرار وجود الأسد في القصر الرئاسي بدمشق، يشهد الاقتصاد السوري حالة من الانفجار، وللمرة الأولى بدأت مظاهرات ومشاعر مناهضة للنظام تشتعل داخل مجتمعات ومناطق لطالما تمسكت بالحياد والولاء للنظام.
قبل اشتعال انتفاضة ربيع 2011، كان دولار أميركي واحد يكافئ 45 ليرة سورية، لكن خلال الأسابيع الأخيرة تراوح المعدل ما بين 2.300 و3 آلاف للدولار الأميركي الواحد. اليوم، ربما يتمكن متوسط الراتب الشهري السوري من شراء بطيخة واحدة أو كيلوغرام من الليمون. اليوم، تراجعت الإعانات بدرجة كبيرة، في الوقت الذي تغلق فيه الشركات الصغيرة أبوابها، وحظر البنك المركزي تقديم أي قروض للشركات الخاصة، وربما تشكل أزمة نقص وشيكة في القمح بداية مجاعة أواخر العام الجاري. في شمال سوريا، تسبب قرار تركيا بالتعجيل من نقل أجزاء من حلب وإدلب نحو التعامل بالليرة التركية، فعلياً في إخراج قرابة 30% من سكان البلاد من دائرة التعامل بالليرة السورية وتوجيه ضربة موجعة للاقتصاد.
بدأت الحكومة الأميركية في 17 يونيو (حزيران)، تفعيل «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، ويشكل أقوى مجموعة من العقوبات الثانوية تفرض ضد نظام الأسد. وقد استغرق التشريع سنوات حتى تمريره، ويفوض الحكومة الأميركية لفرض عقوبات ضد أي شخص أو حكومة – حليف أو خصم – يعاود التعاون اقتصادياً مع النظام السوري. وبالنظر إلى التوجه البطيء السائد اليوم المتمثل في تحرك العديد من حكومات المنطقة نحو استعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، واهتمام بعضها بدعم عملية إعادة إعمار سوريا، يهدف «قانون قيصر» لإحباط أي تحركات نحو استئناف التعاون الاقتصادي مع سوريا. ومن المؤكد أن العقوبات الجديدة تفاقم الأزمة الاقتصادية القائمة بالفعل في سوريا، لكنها ليست السبب فيها. وبالمثل، فإن رفع العقوبات لن يحل مشكلة الانهيار المالي في سوريا، وإنما بدلاً عن ذلك قد يسهم في إطالة أمد هذا الانهيار وتعميق أسبابه الجذرية.
ومع تداعي الاقتصاد، أفاق السوريون الذين لطالما وقفوا إلى جانب النظام أو رفضوا الانقلاب عليه، على واقع مظلم يكشف أن الحياة في يونيو 2020 أسوأ بكثير عنها خلال ذروة الصراع المسلح 2014 – 2015. ولا يبدو ثمة أمل نهاية النفق المظلم. وتبعاً لما كشفته العديد من المصادر داخل دمشق من الموالين للنظام، فإنَّ البلاد لم تشهد من قبل مثل هذا القدر الهائل من مشاعر القلق بخصوص المستقبل والآراء المعارضة لبشار والمشككة في قدرته على دفع البلاد خارج الأزمة. علاوة على ذلك، فإنَّ قرار الأسد باتخاذ إجراءات قاسية لتقويض أغنى رجل أعمال سوري، رامي مخلوف، خلال الأسابيع الأخيرة خلق شعوراً عميقاً بعدم الارتياح في أوساط النخبة من أصحاب الأعمال الموالين للنظام. جدير بالذكر أنه من المعتقد أن ثروة مخلوف ساعدت في بقاء النظام على قيد الحياة منذ عام 2011، وأسهمت بصورة مباشرة في تمويل المؤسسة العسكرية السورية، وبالتالي فإن أي شخص يمكن أن يصبح الهدف التالي للنظام.
وفي هذا الإطار، خرجت على مدار أسبوع حتى اليوم مظاهرات كبيرة على نحو متزايد إلى شوارع السويداء، التي تقطنها أغلبية من الدروز في جنوب غربي سوريا. ورغم أن سكان المدينة تاريخياً ظلوا بمنأى عن حكم دمشق، فإنهم ظلوا في الجزء الأكبر منهم ينتقدون أو يشعرون بالريبة إزاء المعارضة السورية. ومع هذا، نجد أنهم خلال المظاهرات التي خرجوا فيها في الفترة الأخيرة اعتراضاً على الظروف الاقتصادية المتردية، رفعوا العلم الثوري المرتبط بجيش سوريا الحر وأعربوا عن تضامنهم مع من هم في إدلب. من ناحيتها، عمدت أجهزة الأمن التابعة للنظام إلى تكثيف الضغوط على هذه المظاهرات، وألقت القبض على قادتها، لكن هذا تسبب بدوره في تفاقم الغضب الشعبي في الشوارع. ويهدد بعض أقارب المحتجزين الآن بإشعال النيران في أنفسهم خارج المباني الحكومية ـ ربما في إشارة إلى الفعل الذي أقدم عليه محمد بوعزيزي في تونس وبدل وجه المنطقة بأسرها.
في تلك الأثناء، يبدو أن ثمة حركة تمرد معقدة وفتاكة على نحو متزايد آخذة في التطور في محافظة درعا بجنوب سوريا، في الوقت الذي يطل «تنظيم داعش» برأسه من جديد في وسط البادية. من ناحيتها، كثفت إسرائيل من ضرباتها المستهدفة ضد أهداف استراتيجية إيرانية داخل سوريا خلال الشهور الأخيرة، في الوقت الذي اتخذت تركيا خطوات واضحة للتأكيد على أن وجودها في شمال البلاد دائم. ورغم استمرار الغموض الذي يكتنف أسلوب تفكير الدائرة المقربة من دونالد ترمب، تعمل القوات الأميركية حالياً على توسيع قواعدها العسكرية في شرق سوريا، وتنفيذ عمليات مستدامة بقيادة الاستخبارات ضد «داعش» وقيادة التنظيم داخل سوريا.
وهناك العديد من النتائج التي يمكن أن نستخلصها من كل ذلك، أولها: أن الأزمة السورية بعيدة للغاية عن خط النهاية، وإن كانت تتطور لتتخذ صورة أشد تعقيداً تلعب فيها الديناميكيات الداخلية للنظام دوراً أهم من أي وقت مضى. ثانياً: لا يشكل الأسد على الإطلاق المنتصر المستقر بعد السنوات التسع العصيبة الماضية، واليوم خلفت الأساليب الوحشية التي اتبعها كي يتمكن من البقاء خلال تلك السنوات التسع، ظروفاً قد تهدد استمرار حكمه أكثر من أي تحد عسكري. ثالثاً: لا يزال أمامنا دور للاضطلاع به في توفير للسوريين ما يطالبون به منذ أمد بعيد والذي أصبح حاجة ملحة اليوم، وهو تغيير سياسي حقيقي في دمشق يضمن العدالة والمحاسبة وتمثيل واسع للسكان وتشارك في السلطة وتفكيك للمركزية والأهم عن ذلك، مستقبل من الاستقرار.
وليس باستطاعة الولايات المتحدة ترك مثل هذا التأثير الإيجابي بمفردها – وإنما يجب أن يشكل هذا من خلال جهود متعددة الأطراف بقيادة حكومات المنطقة، التي تقف مصالحها على المحك. المؤكد أن سوريا لن تصبح مستقرة أبداً في ظل وجود بشار على رأس السلطة، ومثلما اتضح خلال السنوات التسع الماضية، فإن ما يحدث في سوريا لا يبقى داخل حدودها، فمنذ عام 2011 تأثرت دول الجوار المباشر والمنطقة بشكل أوسع والعالم بشكل عام بتداعيات غياب الاستقرار في سوريا. وما دام الأمر كذلك، فإن ثمة حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لتحركات دبلوماسية قوية.
* نقلا عن “الشرق الأوسط”
—————————-
قانون قيصر معضلة الأسد وحلفائه الإيرانيين/ ضياء قدور
في كانون الأول الماضي، أصدر الكونجرس الأميركي قانون حماية المدنيين السوريين المعروف باسم قيصر، كناية عن الاسم المستعار للمصور العسكري السوري السابق، الذي انشق عن نظام الأسد عام 2014، وسرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف سجين قتلوا تحت التعذيب في أقبية مخابرات نظام الأسد.
وفي منتصف الشهر الحالي من هذا العام، دخل قانون قيصر حيز التنفيذ، لتشمل الدفعة الأولى من عقوباته 39 شخصاً وكياناً، بينهم رأس النظام بشار وزوجته أسماء.
ورداً على تطبيق قانون قيصر، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مقابلة صحفية له في موسكو، الثلاثاء 16 يونيو 2020، إن “طهران ستحاول تعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا على الرغم من العقوبات الأمريكية التي تسمى قانون سيزار”.
وبعد ذلك بساعات، أدان متزعم مليشيات حزب الله حسن نصر الله، في بيان مماثل، قانون قيصر، واصفاً إياه بأنه آخر حربة أميركية، وقال “إن حلفاء سوريا سيقفون بجانب هذا البلد في مواجهة الحرب الاقتصادية الأميركية”.
صحيح أن قانون قيصر يستهدف نظام الأسد بشكل رئيسي، إلا أنه يضع روسيا وإيران وجهاً لوجه أمام العقوبات الأميركية، وعلى ما يبدو فإن أبعاد العقوبات المفروضة على النظام تتجاوز نطاق قدرات النظام الإيراني وحزب الله، خصوصاً أنها تصاحب حملة ضغط شديدة الوتيرة ضد إيران.
أيادي طهران مقيدة لمساعدة نظام الأسد
جميعنا يعلم مدى تضرر الاقتصاد السوري من الحرب التي استمرت تسع سنوات في جميع أنحاء البلاد، لكن في العام أو العامين الماضيين، تدهور الاقتصاد السوري بشكل دراماتيكي، على الرغم من تحول المعادلات العسكرية لصالح نظام الأسد، وبسط سيطرته على مساحات كبيرة من سوريا، وهذا الانهيار حدث حتى قبل أن يقر الكونجرس الأميركي عقوبات قيصر في كانون الأول الماضي.
عندما اندلعت الثورة السورية في عام 2011، كان كل دولار أمريكي يعادل 50 ليرة سورية تقريباً، حتى وصل هذا الرقم لحوالي 600 ليرة لكل دولار في منتصف العام الماضي.
ومنذ شهر كانون الأول الماضي، حين تم إقرار قانون قيصر، وإمضاؤه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد عدة أيام، وصلت قيمة الدولار في سوريا لحدود غير مسبوقة (حوالي 3 آلاف ليرة سورية لكل دولار).
بطبيعة الحال فإن الانخفاض غير المسبوق في قيمة العملة السورية والوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا، نابع من عاملين أو ثلاثة عوامل أخرى قبل سريان الآثار النفسية لعقوبات قيصر على الاقتصاد السوري.
سياسة الضغط القصوى والعقوبات الأميركية المكثفة ضد إيران والوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان وحالة شبه الإفلاس التي تعاني منها العديد من بنوك لبنان، وكذلك أزمة فيروس كورونا.
صحيح أن روسيا لعبت دوراً محورياً في استعادة الاستقرار العسكري والأمني للنظام، إلا أن تقديم الدعم المالي والاقتصادي والعسكري الأكبر كان من نصيب إيران، التي تشير التقديرات أنها قدمت ما بين 30 مليار دولار و 105 مليارات دولار من المساعدات لسوريا في السنوات السبع الأولى من الحرب.
في الآونة الأخيرة، شكل انخفاض معدلات تصدير النفط الإيراني إلى مستويات غير مسبوقة بسبب العقوبات الأميركية الرامية لتصفير النفط الإيراني، وتدني أسعار برميل النفط عالمياً ضربة قاصمة للاقتصاد الإيراني الذي تعتمد ميزانيته العامة على صادرات النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية بشكل أساسي.
بلغة الأرقام، كما صرح العديد من المسؤولين الإيرانيين، جعلت العقوبات الأميركية الشاملة اقتصاد إيران يواجه نمواً سلبياً بنسبة 7 في المئة في عام 2019، وخفضت من إيراداتها النفطية من 80 مليار دولار في العام إلى 8 مليارات دولار فقط.
لذلك، بعيداً عن تصريحات جواد ظريف، ليس لدى طهران فرصة تذكر لمواصلة مساعدة حكومة بشار الأسد، خاصة أن عقوبات قانون سيزار ستستهدف كل سبل التعاون والمساعدة التي يمكن أن تقدمها طهران أو موسكو لدمشق.
في ظل هذه الظروف، ستؤدي عقوبات قانون سيزار المفروضة ضد نظام الأسد، وهي العقوبات الأشد منذ بداية الثورة السورية، إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سوريا، وفي الوقت ذاته، سيواجه الدعم الإيراني لنظام الأسد، الذي انخفض بشكل ملحوظ في العامين الماضيين، المزيد من العقبات والمشكلات.
فنزويلا اليوم هي سوريا الغد؟
بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، أصبحت هذه الدول الثلاث (سوريا، إيران، وفنزويلا)، من ضمن قائمة الدول الخاضعة لسياسة الضغط القصوى والعقوبات الأميركية، التي تهدف إلى خلق تغيير في هيكل السلطة في هذه البلدان، بشكل أساسي من خلال تكثيف السخط الشعبي العام أو تنشيط جماعات المعارضة داخل حكومات هذه البلدان.
من ناحية أخرى، سيكون لروسيا، التي يخضع اقتصادها لعقوبات دولية أقل من إيران، فرصاً أقل لتقديم المساعدة والتبادل التجاري مع النظام في ظل العقوبات الأميركية الجديدة، ناهيك عن أن بعض دول الخليج العربي، التي حاولت مؤخراً إعادة فتح علاقتها مع نظام الأسد، تلقت تحذيراً أميركياً بالامتناع عن تقديم أي تعاون أو مساعدة للنظام.
لقد أظهرت تجربة إيران وفنزويلا أن الشركات (الرسمية وشبه الرسمية) الروسية وغيرها سترجح تعليق التعاون التجاري والحصول على إعفاء أميركي من العقوبات على خطر الإقدام على التعاون مع طهران وكاراكاس، الأمر الذي لن يختلف كثيراً في حالة سوريا.
فنزويلا اليوم تعاني وفقاً للأرقام الصادرة عن المؤسسة الدولية (الاقتصاد التجاري) أوTrading Economics ، من معدل تضخم يبلغ 45 ألفاً في المئة في العام الحالي، ووصلت فيها معدلات البطالة لمستويات غير مسبوقة، في حين أن الفقر العام هو اللون الأكثر وضوحاً في هذا المجتمع الذي مزقته الأزمة.
في كل يوم تحدث حالات وفاة في فنزويلا نتيجة الجوع الشديد، في حين ارتفع معدل وفيات الأطفال الرضع مرتين خلال مدة قصيرة، ويضطر الآباء إلى ترك أطفالهم ووضعهم بجوار دور الأيتام بسبب الفقر وعدم القدرة على إطعامهم.
مع تطبيق قانون قيصر، سيتخذ استخدام أداة العقوبات المشددة في السياسة الخارجية الأميركية بعداً جديداً، وسيوضع النظام في موقف واجهته الأنظمة في كل من فنزويلا وإيران (بالإضافة إلى كوريا الشمالية وكوبا)، ورأت تجلياته الاقتصادية المدمرة على الداخل قبل سنوات، طبعاً هنا مع فارق وحيد ومهم، وهو أن النظام يعاني من تداعيات حرب استمرت تسع سنوات، ولم يخرج منها حتى الآن.
صحيح أن هذه الضغوط الأميركية لم تؤتِ أكلها حتى الآن، وصحيح أن الأنظمة الثلاث السابقة التي تخضع للعقوبات الأمريكية القصوى لم تأتِ حتى الآن لطاولة المفاوضات وفق الشروط الأميركية، لكن الظروف المعيشية المتدهورة في مجتمعاتها والسكتات القلبية التي أصابت عمليات التنمية في تلك البلاد ستجعل من الصعب على حكومات هذه البلدان الاستمرار والبقاء على رأس السلطة.
لن ينفع نظام الأسد بعد اليوم نظريات مثل “التوجه نحو الشرق”، أو انتظار الدعم الروسي والإيراني، كما لم ينفع النظام الإيراني شعارات “اقتصاد المقاومة” التي ينادي بها في مواجهة العقوبات الأميركية، وكذلك لن ينفع حكومة مادورو في فنزويلا انتظار حدوث تغيير في رئاسة البيت الأبيض أو انتظار حدوث تغيير جذري في سياسات الولايات المتحدة.
كل هذه الآمال والتطلعات والنظريات لا يبدو لها أي أساس واقعي، بل إن رفض التفاوض وعدم الخضوع للشروط الأميركية من قبل أنظمة الدول الثلاث (سوريا، وإيران وفنزويلا)، يضعها يوماً بعد يوم في موقف أضعف أمام أي مفاوضات مستقبلية، ويفسح المجال للولايات المتحدة لممارسات نهج أكثر تشدداً معها.
ضياء قدور
——————————
حزب الله وبشار الأسد.. والدولار الرهيب/ يوسف بزي
في العام 1976، دخل حافظ الأسد بجيشه إلى لبنان الحرب الأهلية. وكان لهذا الدخول جملة أهداف كبيرة معلنة أو مضمرة. قد يكون أهمها توطيد سلطته في الداخل السوري، واكتساب نفوذ إقليمي يعزز من قوة نظامه، سياسة وأمناً واقتصاداً.
في العام 2012، بعد أقل من سنة على اندلاع الثورة، دخل حزب الله بميليشياته إلى سوريا الحرب (النظامية والأهلية و”الكونية” معاً). وكان لهذا الدخول أيضاً جملة أهداف كبيرة معلنة أو مضمرة. قد يكون أهمها منع النظام الأسدي من السقوط، وصون النفوذ الإيراني في لحظة تمدده من بغداد إلى بيروت، مروراً إلزامياً بدمشق.
لكن الأهم بالنسبة لحافظ الأسد في السبعينات، كان تحويل الحرب الأهلية اللبنانية إلى بديل موضوعي عن حرب أهلية محتملة أيضاً داخل سوريا. أي جعل لبنان حصراً هو مسرح النزاع. الحلبة التعويضية الخارجية التي فيها يتم الصراع السياسي الممنوع في الداخل السوري. هكذا يضمن النظام طمأنينته، مصدّراً المنازعات إلى “الساحة اللبنانية”. بل وفيها أيضاً يكون ميدان التنافس والتحارب الإقليمي والدولي.
على هذا المنوال أيضاً، وبوضوح أكبر أعلن حسن نصر الله التدخل في الحرب السورية، كي لا تكون المعارك على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت، بل إنه قال في إحدى خطبه متوجهاً إلى خصومه اللبنانيين، بما معناه أن من يريد مواجهته فليذهب إلى الجبهات السورية ويترك لبنان في استقراره الأمني.
إذاً، كان واحداً من الأهداف الأساسية لحزب الله في تورطه بالحرب السورية، هو ضمان نفوذه وسيطرته على لبنان، وتحويل الميدان السوري كساحة بديلة عن حرب أهلية محتملة داخل لبنان، تهدد أسس سلطته التامة على هذا البلد.
فكرة الميدان البديل، كانت فعّالة بالنسبة لحافظ الأسد مدة ست سنوات فقط. ففي مطلع 1982، انفجر الصراع الدموي والعنيف في عدة مدن سورية، وخصوصاً في حماة وحلب وجسر الشغور وبعض أحياء دمشق. ثم تلاها بعد أشهر الضربة القاسية التي تلقاها الجيش أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان. منذ تلك اللحظة، أضحت “سوريا الأسد” في شبه حرب دائمة، سرية وأمنية ومخابراتية في الداخل، وعسكرية وسياسية ومخابراتية في لبنان. ربط الأسد الأب استمرارية نظامه المحاصر بهاتين الحربين الدائمتين، ومعقودتين باستمرار على ربط نزاع مع إسرائيل في جنوب لبنان، أيضاً كميدان بديل عن الجولان.
بما يشبه ذلك، يعمد حزب الله إلى ربط استمرارية نفوذه وقوته بشبه حرب دائمة، سرية ودعائية ومخابراتية في الداخل اللبناني، وعسكرية وميليشياوية وأمنية في سوريا. وبالصيغة عينها في ربط النزاع مع إسرائيل عبر مزارع شبعا، بين الجنوب والجولان.
في حقبة حافظ الأسد تلك، تأسس أيضاً اقتصاد “التهريب” بين لبنان وسوريا على نطاقه الواسع، وهو ما شوه كثيراً من النمط الاقتصادي الرسمي في سوريا، وأتاح نشوء طبقة من الأثرياء هم من حاشية النظام وضباطه، راكموا ثروات غير شرعية ومفسدة، دمرّت إلى حد بعيد مادياً وقيمياً النسيج الاجتماعي السوري وجعلت أعلاه أسفله.
واليوم مع حقبة سيطرة حزب الله على الحدود، عاد وانتعش في السنوات القليلة الماضية اقتصاد التهريب إياه، وإن بموازين اقتصادية مختلفة. ففي السابق، ورغم الحرب كان الاقتصاد اللبناني الحر والمفتوح يتمتع بالقوة والصلابة نسبياً، كما أن الاقتصاد السوري الإنتاجي كان قادراً على امتصاص هذا التسرب الاقتصادي الاستهلاكي والطفيلي الذي قام على تجارة التهريب. أما اليوم، فمع الدمار الهائل والعجز الكبير للاقتصاد السوري، ومع الإفلاس الفعلي للبنان، فإن الاقتصاد القائم بين النظام وحزب الله، لا يفعل سوى مضاعفة الكارثة والفقر والخراب. إنه اقتصاد “دراكولي” لا يعرف سوى امتصاص ما تبقى في شرايين الاقتصاد الفعلي.
بغض النظر عن صحة التسجيل الصوتي المنسوب لبشار الأسد، وحديثه المفترض عن معالجة الأزمة الاقتصادية بمواجهة “قانون قيصر”، إلا أن ما جاء في التسجيل ليس غريباً عن المجريات الفعلية والأساليب التي يلجأ إليها للالتفاف على العقوبات. كذلك، فإن خطبة نصر الله الأخيرة في شقها الاقتصادي والمالي، تكشف أيضاً عن فداحة في الاستخفاف بعواقب ما يفعله الحزب سياسياً واقتصادياً بلبنان وسوريا، متناغماً مع الأسد في توريط البلدين بحالة تشبه “اقتصاد الشحاذين”. إنهما معاً اليوم لاهثان وراء ذاك الدولار الرهيب.
يتوضح مما يحدث الآن في سوريا ولبنان، أن صيغة “الساحة البديلة” ما عادت صالحة، خصوصاً وأن الحرب باتت اقتصادية بالدرجة الأولى. فشل حزب الله كما فشل حافظ الأسد قبله. وبشار كان من السوء والغباء والضعف أن أطاح باللعبة وقوانينها، وأجبر حلفاءه على توسيع ذاك الميدان ليقع لبنان في سوريا وسوريا في لبنان، وقوع الحافر على الحافر.
ولذا، ورغم أن “قانون قيصر” مصمم تحديداً لمعاقبة النظام الأسدي، نراه تلقائياً يشمل لبنان فعلياً، إن في مجالات المسارب الحدودية أو في النظام المصرفي أو في سوق العملة أو في كل عمليات الاستيراد والتصدير. فقد تكشفت في الفترة الأخيرة، مدى حيوية الدور اللبناني في توفير المدد للنظام، كما تكشفت مدى أهمية دور حزب الله في تحويل الاقتصاد اللبناني لخدمة اقتصاده الحربي له وللنظام الأسدي.
على هذا كله، يمكن القول، أن أي أمل متبقٍ في سوريا كما في لبنان، هو أمل مشترك لمصير مشترك.. معاكس ومضاد لذاك المصير المشترك الذي رسمه “حلف الممانعة” بؤساً وفقراً للشعبين.
هو أمل ضئيل لمن لم يصبح بعد لاجئاً أو جائعاً أو.. مقتولاً.
تلفزيون سوريا
—————————-
===========================
=======================
تحديث 24 حزيران 2020
——————————
قانون “قيصر سورية” للحماية المدنية… ما له وما عليه/ حسان الأسود
بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وافق مجلس الشيوخ الأميركي على “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”. وقد مرّ مشروع القانون بمراحل متعددة قبل أن يرى النور، وكان لأفراد كثر من الجالية السورية المؤيدة للثورة والمعارضة لنظام الأسد دورٌ كبيرٌ في صدوره، بدءًا من التواصل مع المصوّر في الشرطة العسكرية المنشق عن نظام الأسد، لتأمين سبل تقديم شهادته أمام الكونغرس، وصولًا إلى لحظة توقيعه من قبل الرئيس ترامب، وطوال الأشهر الستة التي تلت ذلك لبدء سريانه.
في إجابته عن سؤال حول القوى التي ساهمت في استصدار قانون قيصر، يقول رئيس المجلس السوري الأميركي الدكتور زكي لبابيدي: “أسهم كثير من أعضاء الجالية في إنجاز القانون، سواء أكانوا يعملون في منظمات أو من خارج تلك المنظمات الست التي كانت فاعلة في ذلك الوقت، وهي منظمة طوارئ سورية، والمجلس السوري الأميركي، وأميركيون من أجل سورية حرة، والمعهد السوري للتقدم، ومنظمة كيله، ومنظمة سوريون مسيحيون من أجل السلام. وقد دفعت الجالية مبالغ مالية كبيرة لتأمين عقد لقاءات مع أعضاء الكونغرس (أعضاء مجلس الشيوخ أو أعضاء مجلس النواب) لتمرير قانون قيصر، وكان هذا الأمر مهمًا جدًا، ولذلك تم العمل عليه سنوات عديدة، ولم تبخل الجالية بجهد كي يتم تمرير القانون” [1].
احتاجت الجالية السورية إلى خمسة أعوام من العمل المتواصل والدؤوب، للوصول إلى توقيع الرئيس الأميركي ترامب “قانون قيصر”، فقد اضطرت إلى تمريره في مجلس النواب مرّة في عهد أوباما، ومرّتين في عهد ترامب، لكنّه كان يسقط كلّ مرة في مجلس الشيوخ، بسبب معارضة السيناتور راند بول. وأخيرًا تمّ تمرير القانون في مجلس الشيوخ، كجزء من قانون موازنة الدفاع الوطني للسنة المالية 2020، وبتاريخ 20/12/2019، وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
توصيف القانون:
يُعدّ قانون قيصر أحد أشكال العقوبات القاسية التي يمكن أن تفرضها دولة على دولة أخرى، وتأتي أسباب القسوة من عوامل عدّة، لعلّ أهمّها أنّ القانون يمتلك أدوات تنفيذه؛ فالولايات المتحدة الأميركيّة ليست كأي دولة أخرى في العالم، لأنها تستطيع أن تلحق الضرر بأي دولة أو شركة أو منظمة أو فرد تستهدفه بعقوباتها؛ وذلك بسبب قوّتها الاقتصادية وتحكّمها إلى درجة كبيرة في النظام المالي العالمي، من خلال المؤسسات المالية والبنوك، ومن خلال قوّة عملتها المسيطرة على نسبة كبيرة من التبادلات التجارية العالمية.
يمكن مقارنة قانون قيصر، من حيث القوّة، بالعقوبات التي يفرضها مجلس الأمن تحت الفصل السابع، على الرغم من اختلاف آليات تنفيذ كلّ منهما. غير أنّ قانون قيصر لم ينصّ على استخدام القوّة العسكرية لفرض العقوبات الواردة فيه، بعكس العقوبات الأممية المذكورة التي رأينا تطبيقها الصارم على العراق، بعد احتلال الكويت عام 1990.
تبقى العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر عقوبات فردية وليست أممية، ويعود ذلك بالتأكيد إلى وصف القانون ذاته، فهو قانون أميركي لا يدخل ضمن منظومة القانون الدولي. ويترتب على ذلك مسائل مهمة تتعلق بتفسير أحكام القانون، عند وقوع التباس حول بعض المصطلحات، أو عند تقييم بعض الأعمال أو الإجراءات المنصوص عليها فيه. وكمثال على ذلك، يمكننا طرح معيار “الأهميّة” الواجب اتّصاف النشاط بها، وقد تحدّثت عنه الفقرة (دال) من المادة 101 من القانون، حيث نصّت على “تقديم خدمات بناء أو خدمات هندسية مهمة إلى الحكومة السورية، بشكل مباشر أو غير مباشر”.
فالذي يحدد ما هو مهم أو غير مهم، في معرض تقييم الخدمات المقدمة إلى الحكومة السورية، هو الإدارة الأميركية وأجهزتها المتخصصة، وليس أحد غيرها. كذلك ينطبق الأمر على حالات الاعتراض التي يمكن أن يلجأ إليها الأفراد أو التي يمكن أن تقدّمها الكيانات المدرجة على لائحة العقوبات، فهذه ستقدّم ضمن إطار النظام القانوني الأميركي حصرًا.
الفرق بين قانون “قيصر” وبين العقوبات الأميركية السابقة
سبق أن فرضت الإدارات الأميركية المختلفة عقوبات على سورية، قبل اندلاع الثورة السورية، فكانت العقوبات المفروضة عام 2004، بموجب الأمر التنفيذي 13388 لمواجهة سياسة النظام السوري بمواصلة احتلال لبنان ودعم الإرهاب ومتابعة برامج أسلحة الدمار الشامل والصواريخ، ثم تبعتها العقوبات المفروضة بموجب الأمر التنفيذي رقم 1399 التي جاءت بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واثنين وعشرين لبنانيًا آخرين عام 2005، وبعد اندلاع الثورة السورية، فرضت إدارة الرئيس أوباما العديد من العقوبات على النظام السوري، من بينها القانون الخاص بمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
لكن ما يتميّز به قانون قيصر عن تلك العقوبات أنه: [2]
يستهدف القانون جميع المتعاملين مع الحكومة السورية، ومن ضمنهم الأشخاص الأجانب من غير الأميركيين، بينما استهدفت العقوبات الأشخاص الأميركيين فقط.
حدد القانون مدّة خمسة أعوام قابلة للتجديد لسريان مفاعيله، بينما جاءت العقوبات السابقة مفتوحة المدّة، وتبقى سارية إلى أن يتمّ إلغاؤها بأمر تنفيذي خاص من الجهة التي أصدرتها.
مفردات القانون ومطارح تطبيقه
توزّعت مواد قانون قيصر على أقسام عدّة، عالج كل قسم فيها موضوعًا محددًا، وفي كل قسم تمّ تحديد مطارح معيّنة لتطبيق العقوبات الواردة فيه، سنذكرها بحسب الترتيب التي وردت به.
أولًا: القسم الخاص بالإجراءات الإضافية المتعلّقة بالأمن الوطني الأميركي بخصوص سورية. ويشمل هذا القسم:
* تدابير متعلّقة بالبنك المركزي السوري، فقد نصّت المادة 101 من القانون على أن يحدد وزير الخزانة الأميركي، في موعد أقصاه 180 يومًا، إمكانية وجود أسباب منطقيّة للاستنتاج بأن البنك المركزي السوري هو مؤسسة مالية تعنى أساسًا بغسل الأموال [3].
* عقوبات مفروضة على الأشخاص الأجانب من غير الأميركيين، إذا قاموا عن عِلم بأيّ من النشاطات المنصوص عليها في المادة 102 من القانون، وهي:
أ – توفير دعم مهم مالي أو مادي أو تقني للحكومة السورية.
ب _ الدخول في صفقة كبيرة مع:
– الحكومة السورية أو أي كيان تملكه أو تسيطر عليه، أو مع شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية.
– شخص أجنبي، مقاول عسكري أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية تعمل عن عمد، بصفة عسكرية، داخل سورية لمصلحة حكومة سورية أو باسمها، أو حكومة الاتحاد الروسي، أو حكومة إيران.
– شخص أجنبي خاضع للعقوبات بموجب قانون الصلاحيات الطارئة الدولي (الأميركي طبعًا) في ما يتعلق بسورية أو أي حكم قانوني آخر يفرض عقوبات على سورية.
ج – بيع أو تقديم سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعم مهم أو أي دعم آخر يسهّل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلّي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية.
د – بيع أو تقديم قطع غيار للطائرات، أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية في سورية لصالح أو نيابة عن الحكومة السورية، لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة معها.
هـ – توفير سلع أو خدمات مهمة مرتبطة بتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سورية لصالح أو نيابة عن الحكومة السورية، لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة معها.
و – تقديم خدمات بناء أو خدمات هندسية مهمة إلى الحكومة السورية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
* تشمل هذه العقوبات المنصوص عليها في المادة 102 ما يلي:
– الحجز على أملاك وأموال المخالف الموجودة داخل الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة شخص من الولايات المتحدة.
– إلغاء تأشيرات وسمات الدخول (الحالية) إلى الولايات المتحدة الممنوحة للمخالفين، وحرمانهم من الحصول عليها.
– المنع من الحصول على أي منفعة بموجب قانون الهجرة والجنسية.
* تطبّق هذه العقوبات على أي شخص ينتهك أو يحاول انتهاك أو يتآمر على الانتهاك، أو يتسبب في انتهاك هذه العقوبات.
ثانيًا: القسم الخاص بالمساعدة المقدّمة للشعب السوري
يشمل هذا القسم مجموعة من الأحكام التي نصّت عليها المادة 201 من القانون، وهي:
تقييم ومراقبة برامج المساعدة الأميركية الحالية.
تقييم الطرق المحتملة لتحسين حماية المدنيين في سورية.
دعم جهود جمع الأدلّة التي تتعلق بانتهاكات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية.
قوننة أو تدوين بعض الخدمات من أجل دعم النشاطات المرخصة للمنظمات غير الحكومية.
أحكام حول تقديم الرئيس الأميركي لاستراتيجيته للمساعدة في تسهيل قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى الخدمات المالية، من أجل تسهيل تقديم المساعدة في الوقت المناسب وبشكل آمن إلى المجتمعات المحتاجة في سورية.[4]
ثالثًا: القسم الخاص بالتعديلات على قانون محاسبة انتهاكات حقوق الإنسان في سورية لعام 2012، وتشمل: [5]
فرض عقوبات على بعض الأشخاص المسؤولين أو المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المواطنين السوريين أو أفراد أسرهم.
فرض عقوبات، في ما يتعلق بنقل البضائع أو التكنولوجيا إلى سورية، التي يُحتمل أن تُستخدم لارتكاب انتهاكات حقوق إنسان.
مجالات تطبيق القانون
واضح من قراءة نصوص قانون قيصر أنّه يفرّق بين نوعين من العقوبات: أحدها يمكن وصفه بـ “العقوبات القطّاعية” التي تستهدف قطاعات اقتصاديّة أو ماليّة محددة، مثل قطاعات الطيران والنفط والغاز والتكنولوجيا ومواد البناء والخدمات الهندسية، ومثل القطاعات المالية والمصرفية، وثانيها يوصف بـ “العقوبات الفردية” التي تستهدف فئات محددة من الأشخاص والكيانات التي تربطها بالحكومة السوريّة علاقات تعاون تساعدها في ارتكاب مزيد من الجرائم بحقّ المدنيين السوريين.
تهدف الفئة الأولى من العقوبات إلى حرمان الحكومة السورية من مواردها الاقتصاديّة والمالية، وكذلك الحدّ من خدمات التكنولوجيا التي تساعدها في تطوير قدرات أجهزتها الأمنية والعسكرية، والنتيجة الحدّ من قدرتها على الإضرار بالمدنيين في سورية.
أمّا الفئة الثانية، فتهدف إلى ردع المتعاملين مع الحكومة السورية بشكل خاص، بحيث يُجبرون على المقارنة بين الفوائد التي يمكن أن يجنوها من تعاملهم معها، وبين الخسائر المحتملة من منعهم من التعامل مع الحكومة الأميركية. كما تهدف إلى خلق حالة من الردع العام لكلّ من يفكر في التعامل مع الحكومة السورية، لكونه سيغامر بخسارة مصالح أكبر وأعمق يمثلها تعامله مع الحكومة الأميركية.
ومن النقاط المهمّة التي تجب الإشارة إليها، أنّ قانون قيصر لا يمنع المواطنين والأشخاص الأميركيين من التعامل مع الحكومة السورية فقط، بل يستهدف أي شخص غير أميركي طبيعي أو اعتباري، وكذلك الكيانات والدول الأجنبية.
ولا بدّ من ملاحظة أنّ القانون استخدم عبارة “الحكومة السورية”، عندما تكلّم عن مطارح تنفيذ العقوبات والأشخاص والكيانات المفروضة عليها في حال تعاملها معها، ولم يستخدم العبارة الرائجة في التعامل السياسي أي “النظام السوري”. مردّ ذلك -بطبيعة الحال- إلى الفرق بالمصطلحات بين لغة التشريع والقانون وبين لغة السياسة. لا يستخدم المشرّع مصطلحات عائمة غير معرّفة بموجب قواعد قانونية ثابتة، فلغة القانون تتسم بصفات عديدة من أهمّها العمومية والثبات، بينما يستخدم الساسة مصطلحات عائمة مرنة غير واضحة الحدود بشكل قاطع، للتعبير عن مواقف متغيّرة بتغيّر المصالح الموجبة لاتخاذها. وعندما استخدم القانون عبارة أو مصطلح “النظام السوري” في الفقرة 3 من البند 1 من المادة 301، في معرض اشتراطه “إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين الذين يتم احتجازهم قسرًا في نظام السجون في نظام بشار الأسد”؛ فإنه كان يميّز بين الحكومة الرسمية التي لا تملك أي سيطرة فعلية على هذا الملف، وبين الأجهزة الأمنيّة صاحبة القرار الفعلي فيه.
لعلّ هذا التوضيح يُبدد بعض المخاوف التي ثارت في نفوس كثير من السوريين (التي عززتها بطبيعة الحال سياسة البروباغندا التي استخدمها النظام السوري لمواجهة استحقاقات هذا القانون) من أنّ العقوبات لن تستمر لتشمل سورية بعد حصول التغيير السياسي فيها. سيكون لشرح القسم المتعلّق بوقف تنفيذ هذا القانون، وللقسم الخاص بإنهاء العمل به، أثرٌ واضحٌ في إجلاء هذه المخاوف.
سيكون من المهمّ في هذا المجال التذكير بموقف عدد كبير من منظمات المجتمع المدني السوري التي وقّعت على ورقة تحدد فيها موقفها من العقوبات المفروضة على سورية، والتي تشمل بطبيعة الحال الموقف من قانون قيصر، على الرغم من عدم الإشارة إليه في تلك الورقة، لكن وحدة السبب والأهداف بين هذه الإجراءات والعقوبات تجعلنا نفترض وحدة الموقف منها.
ورد في تلك الورقة ما يلي:[6]
إنّ هذه العقوبات وسيلة فعّالة لمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية في سورية، في ظل تباطؤ آليات المحاسبة الأخرى في الوقت الحالي، ولكنها بالتأكيد ليست بديلًا عن المحاكمات العادلة لمرتكبي جميع انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية في سورية.
إنّ العقوبات أداة مهمة للضغط على النظام السوري وحلفائه ورجال الأعمال المرتبطين به، من أجل وقف انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية في سورية، ولكنها ليست هدفًا بحدّ ذاتها. لذلك يجب التأكيد على أن يكون الهدف من هذه العقوبات هو العدالة الانتقالية، والسعي نحو التحوّل الديمقراطي الفعلي والحقيقي الذي يؤسس لسلام مستدام.
لا شكّ في أنّ للعقوبات، وخاصّة العقوبات القطاعيّة، أضرارًا جانبية على المدنيين في سورية، ولكن القول بأنّ هذه العقوبات هي سبب الأزمة الاقتصادية والإنسانية في سورية هو كلام غير دقيق، يتم الترويج له بشكل أساسي من قبل النظام السوري وحليفته روسيا. ولذلك لا بدّ من التأكيد أنّ السبب الأوّل والرئيس للأزمة الإنسانية والاقتصادية في سورية هو الدمار الهائل الذي تسبب به القصف الجوي من قبل النظام السوري وروسيا خلال السنوات الماضية. عشرات المدن والبلدات السورية مدمّرة بشكل شبه كامل، إضافة إلى الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنى التحتية ومن ضمنها المشافي والمدارس والمعامل، وأدّى ذلك إلى نزوح أكثر من نصف سكان سورية، وساهم بشكل كبير في نقص اليد العاملة وهجرة رؤوس الأموال إلى الخارج وانهيار الليرة السورية، وتسبّب بالأزمة الإنسانية والاقتصاديّة الحالية. ومن الممكن القول إن العقوبات قد تكون ساهمت في تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية، ولكنها ليست بالتأكيد السبب الرئيس لهذه الأزمة.
تعليق تطبيق القانون
تحت بند العنوان الثالث: أحكام عامة، نصّت المادة 301 من قانون قيصر على الحالات التي يمكن فيها تعليق تطبيق هذا القانون، وهي:
أولًا: بصفة عامة – يجوز للرئيس أن يعلق كليًا أو جزئيًا فرض العقوبات التي يتطلبها هذا القانون لفترات لا تتجاوز 180 يومًا، إذا قرر الرئيس أن المعايير التالية قد استوفيت في سورية:
لم تعد الحكومة السورية أو حكومة الاتحاد الروسي يستخدمان المجال الجوي فوق سورية لاستهداف السكان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة، ومن ضمنها البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والأسلحة التقليدية، ومنها الصواريخ والمتفجرات.
لم تعد المناطق المحاصرة من قبل حكومة سورية أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران أو شخص أجنبي ورد وصفه في “هذا القانون” معزولة عن المساعدات الدولية وإمكانية الوصول بانتظام إلى المساعدات الإنسانية، وحرية السفر، والرعاية الطبية.
قيام الحكومة السورية بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين يتم احتجازهم قسرًا في نظام السجون في نظام بشار الأسد، وسماح الحكومة السورية بالوصول الكامل إلى نفس التسهيلات لإجراء التحقيقات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية المناسبة.
في حال لم تعد قوات الحكومة السورية وحكومة الاتحاد الروسي وحكومة إيران وأي شخص أجنبي موصوف في “هذا القانون” متورطة في استهداف متعمد للمرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني بما في ذلك الأسواق، في انتهاك للمعايير الدولية.
ثانيًا: يجب على الحكومة السورية أن
تتخذ خطوات للتحقق من وفائها بالتزاماتها، بموجب اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدميرها، المبرمة في جنيف في 3 أيلول/ سبتمبر 1992، ودخلت حيز التنفيذ في 29 نيسان/ أبريل 1997 المعروفة باسم “اتفاقية الأسلحة الكيميائية”، ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، المبرمة في واشنطن ولندن وموسكو في 1 تموز/ يوليو 1968، ودخلت حيز التنفيذ في 5 آذار/ مارس 1970.
إحراز تقدم ملموس نحو أن تصبح من الدول الموقعة على اتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والسامة وتدمير تلك الأسلحة، المبرمة في واشنطن ولندن وموسكو في 10 نيسان/ أبريل 1972، دخلت حيز التنفيذ في 26 آذار/ مارس 1975.
ثالثًا: أن تسمح الحكومة السورية بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شردهم النزاع.
رابعًا: أن تتخذ الحكومة السورية خطوات يمكن التحقق منها، لإقامة مساءلة ذات معنى لمرتكبي جرائم الحرب في سورية والعدالة لضحايا جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد، بما في ذلك المشاركة في عملية حقيقية وموثوقة للحقيقة والمصالحة.
إذن، يحق للرئيس الأميركي -وفقًا لنص قانون قيصر- وقف تنفيذ العقوبات المفروضة بموجب هذا القانون، في مدّة أقصاها 180 يومًا، إذا تحققت الشروط المذكورة أعلاه، وهذا هو السبب الأول والمعلن من وراء صدور القانون.
يقدّم الرئيس الأميركي خلال 30 يومًا، من تعليق فرض العقوبات، إحاطة للكونغرس يقيّم فيها الوضع الناشئ عن وقف تطبيق القانون. ويقوم الرئيس بإعادة فرض أيّ عقوبة معلّقة التطبيق، في حال وجد أنّ معايير التعليق المنصوص عليها في القانون لم تعد مُستوفاة.
استثناءات تطبيق القانون
نصّت المادة 302 من قانون قيصر على نوعين من الاستثناءات، تحت مسمّى التنازلات والإعفاءات، وهي التالية:
أولًا: الإعفاءات
تعفى الأنشطة والمعاملات التالية من العقوبات المأذون بها بموجب هذا القانون:
1 – أي نشاط يخضع لمتطلبات الإبلاغ، بموجب العنوان الخامس من قانون الأمن القومي لعام 1947.
2 – أيّ معاملة ضرورية للامتثال لالتزامات الولايات المتحدة بموجب:
أ – الاتفاقية المتعلقة بمقر الأمم المتحدة، الموقَّعة في 26 حزيران/ يونيو 1947، ودخلت حيز التنفيذ في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
ب – اتفاقية العلاقات القنصلية، المبرمة في فيينا في 24 نيسان/ أبريل 1963 ودخلت حيز التنفيذ في 19 آذار/ مارس 1967.
3 – أي اتفاقية دولية أخرى تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها.
ثانيًا: التنازلات العامة
بصفة عامة، يجوز للرئيس، لفترات لا تتجاوز 180 يومًا، التنازل عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون، بالنسبة إلى شخص أجنبي، إذا كان الرئيس يقرّ لجان الكونغرس المناسبة بأن هذا التنازل في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
ثالثًا: التنازلات الإنسانية
بصفة عامة، يجوز للرئيس أن يتنازل عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون على المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية التي لا يغطيها التفويض الموصوف في القسم 201، إذا أقرّ الرئيس، لفترات قابلة للتجديد لا تتجاوز سنتين، للجان الكونغرس المناسبة بأن هذا التنازل مهم لتلبية الحاجة الإنسانية ويتسق مع مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
وبناء على ذلك؛ يمكننا القول إنّ القانون قد نصّ على استثناء حالات محددة من العقوبات المنصوص عليها في القانون، وتنحصر هذه الحالات بما يتعلق بتلبية الحاجة الإنسانية ولا يتعارض مع مقتضيات الأمن القومي الأميركي، وبمقتضيات اتفاقيّة مقر الأمم المتحدة واتفاقية العلاقات القنصلية، وأحكام أي اتفاقية دولية تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها.
تاريخ انتهاء سريان القانون
نصّت المادة 305 على أن “ينتهي سريان هذا القانون، بعد 5 سنوات من تاريخ سن هذا القانون”.
سيكون لذلك أثر إيجابي بالنسبة إلى الجالية السورية في الولايات المتحدة، فإذا ما فاز الديمقراطيون بالانتخابات القادمة، ومن المتوقّع أن يعرقلوا تنفيذه كما فعل الرئيس أوباما سابقًا؛ فإنهم لن يتمكّنوا من التأثير بشكل كبير على مساعي تجديده، باعتبار أنّ فترة ولايتهم ستنتهي قبل انتهاء مدّة سريانه. سيسمح هذا الأمر للجالية السورية المساندة للثورة بتكثيف جهودها لتمديد العمل بالقانون، في حال عدم تحقق عملية الانتقال السياسي في سورية خلال هذه الفترة.
آثار تطبيق القانون
تتوزّع آثار تطبيق القانون على نواحٍ عدّة، يجب النظر إليها جميعًا لتغطية النتائج المحتمل ترتّبها عليه.
أولًا: الآثار السياسية
أوقف القانون المساعي السياسية التي يبذلها عدد من أنظمة الحكم العربيّة لإعادة تأهيل النظام السوري، وأعاق بشكل كبير جهود روسيا لاختراق الساحة العربية، من خلال دول محددة مثل الجزائر والسودان والإمارات العربية المتحدة ولبنان والعراق.
سيمنع القانون روسيا من ترجمة انتصاراتها العسكرية التي حققتها باستخدام العنف المفرط والأسلحة المحرّمة دوليًا، إلى نتائج سياسيّة. وسيكون من المستحيل على روسيا الادعاء بأنّها صنعت السلام بعد أن انتصرت عسكريًا، لأن السلام يحتاج إلى الاستقرار الاقتصادي، وهذا لن يتحقق بدون عودة السكان النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم، وهذا لن يتم دون تحقيق انتقال سياسي يزيل السبب الذي دفعهم إلى النزوح والهجرة، ولن يتحقق رجوع هؤلاء إن لم يكن هناك برنامج واضح المعالم ومدعوم دوليًا لإعادة الإعمار، وهذا الأخير لن يتم بدون تحقق الشروط التي حددها القانون.
لا شكّ في أنّ روسيا تحاول مقايضة الملف السوري مع الأميركيين بملفات أخرى أكثر استراتيجية وحساسية وارتباطًا بأمنها القومي ومجالها الحيوي، مثل ملف القرم والملف الأوكراني، لكنّها ليست في موقع يسمح لها بفرض شروطها، فهي الخاسر الأكبر من حالة الاستنزاف الدائم مع عدم القدرة على التعويض في ظلّ الانهيار الكبير الذي وصلت إليه الأوضاع المالية والاقتصادية في سورية. لذلك سيضاف هذا الأمر إلى سجلّ الانتكاسات التي مُنيت بها السياسة الخارجية الروسية.
ولا شكّ في أنّ بإمكان المعارضة السورية أن تجني بعض المكاسب السياسية، إن استطاعت أن تستغلّ فرصة الضغط الهائلة التي يوفرها القانون على الدول الإقليمية وعلى الفاعلين الدوليين في الملف السوري، لكن عليها أولًا أن تستعيد شرعيتها الشعبية التي فقدتها خلال السنوات الماضية، لأسباب كثيرة لا مجال للتطرّق إليها الآن، وعليها ثانيًا أن تشكّل خلّية أزمة سياسية لتجديد المطالبة بحقوق السوريين، وبيان تقاطع ذلك مع مصالح الدول المختلفة في استتباب الأمن والاستقرار والسلام الدوليين. إضافة إلى ذلك عليها أن تعمل على استثمار الجاليات السورية المساندة للثورة والمقيمة في أوروبا، لاستصدار قوانين عقوبات شبيهة بقانون قيصر، لأنّ حرمان النظام السوري وداعميه من التعامل مع الدول الأوروبية سيشكل نقطة فارقة في مسار التحوّل السياسي في سورية، لأنه ببساطة يحاصر ويحدّ من أسباب إعادة تأهيل هذا النظام وإعادته للساحة الدولية.
سيدقّ القانون مسمارًا كبيرًا في دفّة العلاقة بين النظام السوري والنظام الإيراني وتوابعه الإقليمية مثل “حزب الله”. وسيشدد الحصار على موارد الطرفين من العملات الصعبة، وسيصعّب على حلفاء النظام إمداده بالمعونات والمساعدات ومقوّمات الاستمرار في الحرب على الشعب السوري.
ثانيًا: الآثار الاقتصادية
سيكون للقانون تأثير هائل على إعاقة جهود إعمار سورية، في ظلّ استمرار نظام الأسد في الحكم. أي إنّ هذه العملية ستتوقف إلى حين تحقيق الاشتراطات التي نصّ عليها القانون. ومن المعروف أنّ أكبر الممولين المحتملين لإعادة الإعمار هم الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية، مثل السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت. وسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على هذه الجهات التفكير في تمويل إعادة الإعمار في سورية في ظلّ نفاذ أحكام قانون قيصر.
سيؤثر القانون -بلا شك- على الوضع المعيشي للسوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، وسيحدّ من قدرة مؤسسات الدولة على تأمين الوقود وقطع غيار الطائرات والتكنولوجيا الخاصة بالاتصالات وغيرها من المواد والخدمات التي يحتاج إليها المواطن. لكنّ الأولوية كانت على الدوام -بالنسبة إلى هذا النظام- تأمين إمدادات الجيش والأجهزة الأمنية، وآخر ما كان يفكر فيه تأمين احتياجات المواطنين.
سيؤثر القانون على مصادر القطع الأجنبي الرسمية للنظام السوري، ولذلك سيلجأ النظام -كعادته- إلى إفراغ جيوب السوريين منها باستصداره القوانين والقرارات التي تحرّم التعامل بها خارج إطار مصارفه ودورته المستندية، سيحاول أن يجبر المواطنين السوريين على استلام حوالاتهم المالية التي يرسلها إليهم أبناؤهم من خارج القطر، وفق أسعار الصرف التي يحددها هو. وستنهار الليرة السورية أكثر فأكثر، حتى تصبح بلا أي قيمة عمليًا. لكنّ السبب الأساس في ذلك ليس القانون بحدّ ذاته، بقدر ما هو الخراب والدمار الذي سببته سياسة النظام ذاتها بتدمير مصادر الإنتاج الزراعي والصناعي ومقومات التجارة والسياحة.
الآثار القانونية
سيدعم القانون جهود جمع الأدلّة التي تتعلق بانتهاكات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية، وقد يكون لذلك أثر ملحوظ في المستقبل على سير التحقيقات بشأن هذه الانتهاكات الجارية، في سورية، وعلى مسيرة الملاحقات القضائية الجارية لمرتكبيها، خارج سورية.
خاتمة
قانون قيصر ليس أوّل العقوبات المفروضة على سورية، فقد خبرت البلاد عقوبات كثيرة، خلال الخمسين عامًا الأخيرة التي حكمتها فيها عائلة الأسد. لكنّ قانون قيصر -بكل تأكيد- هو الأشدّ ممّا سبقه، وستكون له تأثيرات مديدة تحيق -بالدرجة الأولى- بالزمرة الحاكمة في سورية، أفرادًا ومجموعات.
[1] – موقع “سوريتنا” الإلكتروني – تاريخ 16/6/2020
[2] دراسة بعنوان “لمحة مختصرة عن بعض أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا” – البرنامج السوري للتطوير القانوني. تاريخ 29/3/2020 صفحة 24-25
[3] – الترجمة الرسمية لقانون قيصر للغة العربية والمعتمدة من وزرارة الخارجية الأمريكية. موقع “كلّنا شركاء”
[4] – دراسة بعنوان “لمحة مختصرة عن بعض أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا” – البرنامج السوري للتطوير القانوني. تاريخ 29/3/2020 صفحة 35
[5] – المرجع السابق- صفحة 34
[6] – رؤية منظمات المجتمع المدني السوري حول العقوبات المفروضة على سوريا – البرنامج السوري للتطوير القانوني – تاريخ النشر 14/11/2019
مركز حرمون
———————————
الأهم في قانون قيصر/ فايز سارة
تمتد قائمة الإجراءات العقابية في قانون قيصر الأميركي الخاص بسوريا، لتشمل أشخاصاً ومؤسسات ودولاً. أولى حلقاتها تتعلق بنظام الأسد؛ حيث تشمل العقوبات في خطين متوازيين الأشخاص والمؤسسات، ويبدأ خط شخصيات النظام من رأس النظام بشار الأسد، شاملاً عائلته، والأبرز فيها زوجته أسماء الأخرس، وأخوه ماهر، وبقية الفاعلين من العائلة وأقاربها، ويلي هؤلاء قائمة أسماء كبار المسؤولين في حكومة النظام، والأجهزة السياسية – الإدارية، وكبار ضباط المؤسستين العسكرية والأمنية، وتأتي بعدهم المجموعة الثالثة من «رجال الأعمال»، وأغلبهم مجرد ممثلين أو مندوبين غير معلنين لأصحاب القرار، يديرون عمليات نهب وسرقة المال العام والاتجار باحتياجات الشعب الأساسية من غذاء ودواء لصالح رأس النظام والمقربين منه. وستصيب الإجراءات العقابية كل الذين شاركوا في عمليات القمع الوحشي، وارتكاب الجرائم ضد السوريين، أو قدموا دعماً ومساندة لهذه العمليات، أو للأدوات التي قامت بها من وحدات عسكرية وأمنية أو ميليشيات مسلحة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
ويتضمن خط المؤسسات السورية، التي يفترض أن تشملها عقوبات قيصر، وزارات في الحكومة، وخاصة وزارتي الدفاع والداخلية، إضافة إلى وحدات الجيش وأجهزة المخابرات، التي تقوم بالدور الأكبر في ارتكاب الجرائم، كما تشمل وزارات تدعم مؤسساتها وهياكلها الإدارية، وتساعد في تنفيذ الجرائم، وتبريرها، على نحو ما تفعل وزارتا الخارجية والإعلام، من دون أن تغفل الأعين عن بقية الوزارات، التي تحوّل بعض هياكلها ومؤسساتها للمساعدة في العمليات الإجرامية، ومنها وزارة الكهرباء، التي تقوم بقطع الكهرباء عن المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
إن مؤسسات النظام ليست الوحيدة التي ستدرج في قوائم عقوبات قيصر، إنما ستكون إلى جانبها مؤسسات وشركات خاصة، تعمل في مجالات متعددة، يملكها أشخاص أو شركاء من أركان النظام أو مقربون ووكلاء لهم، كما في مثال الشركات التي يملكها رامي مخلوف أو سامر الفوز، وقد ساهمت تلك المؤسسات في جرائم النظام، ومثالها الفج جمعية البستان التي أعلنها رامي مخلوف عام 2011. وقد موّلت ميليشيات، قاتلت مع قوات الأسد، وقدمت مساعدات مالية وعينية للنظام في عملياته الإجرامية، وهذا حال كثير من الشركات.
وتتقارب العقوبات التي ستصيب النظام بشخصياته ومؤسساته، مع عقوبات ستصيب دولاً ومؤسسات وشركات وأفراداً في أنحاء مختلفة من العالم، نتيجة تعاونهم ودعمهم سياسات وإجرام النظام، وتقديم التسهيلات التي أدت إلى ارتكاب تلك الجرائم واستمرارها، ولعل الأهم في قائمة هذه الدول إيران، التي لم تترك حيزاً لدعم ومساندة النظام وجرائمه إلا استغلته، فدعمت بالمال والسلاح والقدرات البشرية النظام وعملياته، بل إنها دفعت قوى مسلحة وميليشيات للمساهمة بشكل رئيس في ارتكاب مجازر وعمليات تهجير وتغيير ديمغرافي على امتداد خط الوسط السوري، من دمشق إلى حلب من جهة، ومن الوسط إلى خط الحدود العراقية شرق دير الزور. وقامت روسيا بدور يقارب أو يزيد قليلاً عن دور إيران، فقد لعبت بشكل رئيس إلى جانب الصين دور المدافع عن سياسات الأسد وجرائمه، بما فيها مجازر حربه الكيميائية، ومنعت مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرارات بمعاقبته، إضافة إلى ما قدمته من أسلحة وذخائر ومساعدات، فقد انخرطت قواتها، ولا سيما قواتها الجوية والصاروخية، في الحرب على السوريين منذ عام 2015، فارتكبت مجازر كثيرة وعمليات تهجير ضد المدنيين، وخاصة في الشمال السوري، وما تزال، ما يجعلها في قائمة عقوبات قيصر.
ومما لا شك فيه أن دولاً أخرى ستكون على قائمة العقوبات، بسبب دعمها ومساندتها نظام الأسد، بينها دول عربية، مثل لبنان والعراق، إذ سمحت سلطات البلدين بذهاب ميليشيات منها إلى سوريا للقتال إلى جانب نظام الأسد، خاصة «حزب الله» اللبناني، وبعض فصائل «الحشد الشعبي» العراقي، وتسهيل مرور متطرفي «داعش» وأسلحة وأموال إلى سوريا، والتساهل في هروب مئات المتطرفين من السجون، وتوجههم إلى الشمال والشرق السوري، وقد ارتكب «داعش» جرائم ومجازر ضد السوريين، تقارب ما ارتكبته الميليشيات العراقية واللبنانية، التي يفترض أن تشملها عقوبات قيصر.
ومن البديهي أن مؤسسات وشركات وشخصيات عربية وأجنبية، ستشملها العقوبات بفعل علاقاتها مع نظام الأسد، وما قدّمته من خدمات، وما لعبته من دور في مسار العنف والمجازر في السنوات الماضية، وبينها هجمات النظام الكيميائية على تجمعات مدنية، وقد تجاوز عددها 25 موقعاً، بينها مدن وقرى غوطة دمشق، ومدينة خان شيخون في محافظة إدلب، وخان طومان جنوب حلب، وقد أوردت تقارير صحافية أسماء مؤسسات مصرية وألمانية وكورية، قدمت ذخائر كيميائية لجيش الأسد، استخدمها في تلك الهجمات، وبيّنت التقارير الصحافية أسماء شركات أوروبية، منها شركات بريطانية، ومؤسسات تركية، قدّمت خدمات لوجستية ساعدت النظام على المضي في جرائمه وارتكاب مزيد منها.
إن التدقيق في أثر الأطراف الداخلية والخارجية على مسار العنف والجرائم التي عاشتها سوريا، وما تزال، يكرس 3 حقائق، تستحق الوقوف عندها. أولى هذه الحقائق أن نظام الأسد، وبطبيعته العسكرية – الأمنية، بدأ مسار العنف ضد السوريين، فمارس كل أشكاله، من الاعتقال إلى القتل والجرح والملاحقة، ثم توّجها بالمجازر، التي كان من أبرزها مجزرة الجامع العمري وأهل القرى بدرعا في مارس (آذار) 2011، ومجزرة الساعة بحمص في أبريل (نيسان) 2011، ومجزرة حماة في يوليو (تموز) 2011، لكن في ظل تطورات الصراع الداخلي عقب انشقاقات في الجيش والأجهزة الأمنية، وامتداد الثورة في أغلب المناطق السورية، والاستنكار العربي والدولي، صار عاجزاً عن الاستمرار في حلّه العسكري – الأمني، دون تدخل خارجي مباشر.
والحقيقة الثانية أن التطورات الداخلية توافقت مع رغبات خارجية للتدخل إلى جانب النظام، وكانت إيران و«حزب الله» اللبناني في مقدمة الأطراف الخارجية، بحكم علاقاتهم العميقة، وهذا ما أكدته نصيحة قدّمها زعيم «حزب الله» للأسد، طالبه فيها باستمرار الحل العسكري – الأمني وتصعيده، قبل أن يدفع ميليشياته، ويبدأ أولى مشاركاته العلنية بالقتال، إلى جانب قوات النظام بريف القصير في فبراير (شباط) 2012. وتدخل الإيرانيون على نطاق واسع اعتباراً من فبراير 2012 فدفعوا ميليشيات من العراق وأفغانستان وباكستان مرتبطة بهم، ووحدات إيرانية للمشاركة في الحرب للقتال في محيط دمشق، وقدّموا أسلحة وذخائر، إضافة إلى 8 مليارات دولار للنظام لمواجهة تصاعد الصراع السوري، وطوّر الروس تأييدهم للنظام، وتقديم السلاح والذخائر له، قبل أن يُتوجوا موقفهم بالتدخل العسكري المباشر في سبتمبر (أيلول) 2015.
ويقودنا ما سبق إلى الحقيقة الثالثة والأخيرة، وهي أن دور النظام في الصراع صار هامشياً، وأن المقرر والفاعل الرئيس في سوريا هم الأطراف الخارجية، ممثلين بالروس والإيرانيين وميليشياتهم، ما يعني أن أي تغيير في السياسات وفي الميدان ينبغي أن يبدأ من الأطراف الخارجية المتدخلة، أو أن يتم التركيز عليها أساساً، من دون إهمال النظام الذي يعطي مشروعية لهذه التدخلات، وما تقوم به من جرائم وحدها، أو بالتشارك معه، إضافة إلى دورها في مساندة النظام ودعمه للاستمرار بسياساته وممارساته.
إن التغيير يبدأ من القوى الأساسية والفاعلة، وهذا كان في صلب نصّ ومعنى قانون قيصر الذي لم يهمل أو يتجاوز تأثير القوى الخارجية في الواقع السوري، وفي تغييره أيضاً.
الشلرق الاوسط
———————————
الدولار كعملة سورية/ عمر قدور
قد يبدو مستغرباً القول أن العملة الأكثر استخداماً في سوريا الآن هي الدولار الأمريكي، الدولار الذي تلاحق سلطة الأسد مستخدميه والمتاجرين به من خارج حلقتها الضيقة. شحّ المعروض منه ليس بذي دلالة، فالأهم من وجوده كنقد متداول تعميمه كعملة مرجعية موثوقة، ما يوقع اضطراباً اقتصادياً أكبر جراء ندرته واشتداد الطلب عليه، أو بالأحرى توسع الطلب عليه لدى شرائح تستخدم تقليدياً العملة المحلية.
لم يعهد السوريون من قبل منظر بائع المفرق وهو يجري حساباً أو اتصالات قبل أن يخبرهم بسعر صنف يودون شراءه، وصار مفهوماً أنه إما يعيد احتساب السعر وفق سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أو أنه يتصل بالتاجر الذي استقدم منه بضاعته ليسأله عن السعر الجديد، وذلك المورّد يقوم بدوره باحتساب السعر بموجب سعر صرف الليرة، وعلى الأرجح مع احتساب هامش إضافي تحسباً لارتفاع الدولار. وسيكون من السهل على المستهلك الذي ينتظر معرفة السعر أن يشعر بالنقمة على البائع، أو تاجر الجملة على الطرف الآخر من الخط، بعدّهما واجهة لعملية هو الخاسر منها بما أن علاقته بالدور تنحصر بالغلاء.
سلطة الأسد لم تقصّر في تحميل “المضاربين بالعملة” مسؤولية انهيار الليرة، لتأتي العقوبات الأمريكية قبل أيام كمشجب جديد جاهز لتُعلّق عليه أسباب التردي. تستثمر السلطة في فولكلورها البعثي الذي يشيطن التجار، ويشيطن التعامل بالعملات الأجنبية بعدّه نوعاً من التبعية. لكنها وهي تتنصل من المسؤولية غير قادرة على فرض استقرار نقدي سوى بأساليب مخابراتية، ولمدة لا تتعدى الأيام القليلة، وهي غير قادرة على توفير السلع الأساسية بما يتناسب مع مداخيل السواد الأعظم من السوريين، وغير قادرة على زيادة أجورهم بما يتناسب مع انهيار الليرة لأنها ستدخل مع التضخم الآتي في سباق خاسر.
نعلم أن المضاربة بالدولار تحدث في أوقات مضطربة، كما نشهد في سوريا ولبنان، والمضاربة تعبير عن الأزمة وإلا كنا نرى وجودها في كل الأوقات. المضاربون في سوق العملة وأصحاب النشاطات الاقتصادية عموماً ليسوا ملائكة ولا شياطين، هم أصحاب مصالح، لذا هم في غالب الأوقات عقلانيون أكثر من سلطات همّها السطو على الثروات العامة والخاصة، ومن المعتاد أن يؤدي جشعها إلى تردي الاقتصاد أو انهياره. مثلاً من مصلحة أصحاب الفعاليات الاقتصادية في سوريا توفر الدولار بما يتناسب مع الاحتياجات الفعلية، وبسعر غير متقلب يسمح لهم بممارسة أنشطتهم والتربح منها بلا مخاطرة. أي أن تقلبات سعر الصرف وانهيارات الليرة لا تصب في مصلحة النشاط الاقتصادي، حتى إذا استفاد بعضهم لمرة واحدة من ارتفاع مفاجئ في الأسعار.
الأزمات المالية والمضاربات الكبرى تحدث عادة في اقتصاديات ضخمة جداً، وتلك لها تحليلات مختلفة. أما في حالتنا فانهيار العملة المحلية يعكس عوامل اقتصادية بعيدة عن المضاربة، والأخيرة في كل الأحوال لا تعدو كونها عمليات متاجرة بسيطة في حين تحتكر السلطة، رغم إفلاسها، المخزون الأضخم من العملات الأجنبية. بشرح شديد التبسيط، العملة المحلية واستقرارها يعكسان الاستقرار الاقتصادي، أي وجود نشاط اقتصادي مستقر ضمن الحدود الدنيا، بصرف النظر عن ماهيته وما إذا كان إنتاجياً أو صناعياً أو خدمياً أو زراعياً. سعر صرف العملة المحلية وحده ليس معياراً، والمعيار ذو الدلالة هو ربطه بمعدل الدخل بحيث لا يفقد الدخل قيمته الشرائية الحقيقية.
بتبسيط آخر، عامل الثقة شديد الأهمية، والثقة لا تأتي من أسباب نفسية وإنما من معرفة بالوضع الاقتصادي. العمليات التجارية في سوريا يمكن تلخيصها بثلاثة مستويات، هي تجارة الجملة ونصف المفرّق والمفرّق، وباستثناء المستهلك الأخير من المعتاد ألا يكون السداد نقداً وفوراً، وطريقة السداد الآجل تنشط العمل التجاري وتقلل من الطلب على السيولة. في الأحوال العادية المستقرة تكون عمليات السداد من الأدنى إلى الأعلى بالعملة المحلية، وإذا انخفضت الأخيرة قليلاً فالفرق مغطى بهامش الربح أو أحياناً بالفوائد الموضوعة على البيع الآجل.
خارج مناطق سيطرة الأسد لدينا ما يوضّح العملية السابقة، ففي المناطق الخاضعة لتركيا مثلاً هناك استخدام ثلاثي للعملة، تُستخدم السورية منها في عمليات البيع الأخيرة للمستهلك بعد احتساب قيمتها إلى الدولار أو الليرة التركية. في الصفقات ذات السداد القريب يتم الاتفاق على السداد بالليرة التركية، أما السداد الآجل فالاتفاق عليه يكون بالدولار. هذا التوزع يعكس مدى الثقة بكل عملة من العملات المستخدمة، فالليرة التركية غير موثوقة لمدة زمنية طويلة بخلاف الدولار الذي يبقى هو المرجع الفعلي لعمليات التجارة والتسعير. باستثناء وجود الليرة التركية كوسيط في تلك المناطق، العملية ذاتها تحدث في أماكن سيطرة الأسد، فالتعامل الفعلي بين الحلقات الاقتصادية “قبل الوصول إلى المستهلك الأخير” يُحتسب فعلياً بالدولار لامتلاكه خاصية الثبات الضرورية للنشاط الاقتصادي. وهذا الاضطرار إلى اعتماد عملة موثوقة يزيد من الطلب عليها بالمقارنة مع الأحوال العادية، فالدولار الذي كان استخدامه يقتصر على الاستيراد سيصبح متداولاً في جزء من عمليات التجارة الداخلية.
ما يزيد الوضع سوءاً تلك الهوة بين المعروض من الدولار وازدياد اعتماده كوحدة قياس نقدية، أي أن محاولات سلطة الأسد السيطرة عليه واحتكاره لن تمنع اعتماده كوحدة قياس ومن المرجح أن تساهم في رفع سعره، وحتى إذا أعادت ضخ كميات منه فسيكون تحسن سعر الليرة مؤقتاً. في العديد من التجارب المماثلة، يندر أن تسترجع العملة بعد انحدارها ما يزيد عن 10% من آخر قيمة وصلتها، وفي سوريا حدث ذلك في الثمانينات عندما تهاوى سعر الصرف من أربع ليرات مقابل الدولار إلى خمسين ليرة لتستقر عليه، وفي أحسن أطوارها كانت ترتفع أحياناً إلى عتبة 45 ليرة مقابل الدولار.
شاءت سلطة الأسد أم أبت فإن العملة السورية التي تتحكم بطباعتها وضخها لن تكون هي المرجعية، الدولار هو العملة الحقيقية المستترة، ولن يكون هناك حل نسبي قبل إنهاء احتكارها وترك السوق لقوانينه التي تنشد بطبيعتها الاستقرار ولو بعد مرحلة من الاضطراب. أما الحل الجذري فلن يأتي قبل عودة الاقتصاد إلى دورته الطبيعية، وهذا يتضمن استعادة وحدة الأراضي السورية وعودة قسم من الرأسمال الذي هاجر والتقسيم المنصف للثروات العامة وإعادة الإعمار. حينها لن يكون سعر صرف الليرة مؤثراً كما هو الآن، لكن ذلك كله لن يحدث مع بقاء سلطة أقل ما يُقال فيها أنها تتفنن في اصطناع الأزمات وإنكارها.
المدن
———————————–
قيصر.. عزاء الذين لا عزاء لهم/ بشير البكر
قانون قيصر شاغل السوريين الأساسي في الوقت الراهن، لأنه أهم موقف دولي صدر منذ بداية الثورة السورية، لجهة أنه يشمل كل ما يحيط بالمسألة السورية، ولكونه يصدر من الولايات المتحدة الأميركية. وهذا عنصر قوة وضعف القانون في الوقت ذاته.
فإذا طبقت واشنطن القانون حسب ما جاء في نصوصه من إجراءات، فإن ذلك سوف يشكل نقلة نوعية للملف السوري الذي يراوح في مكانه منذ عام 2013، حين تخلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما عن الالتزام الأخلاقي ومسؤولية أميركا تجاه سوريا بعد مجزرة الكيماوي في الغوطة. وإذا تراخت واشنطن، ولم تذهب حتى النهاية في فرض عقوبات صارمة على بشار الأسد وداعميه، فإن هذا سوف يشكل مقبرة للقانون، ويصيب السوريين بنكسة، في وقت يتعلقون الآن بأمل وقف الإبادة التي يواجهونها منذ عام 2011، ويشارك فيها الأسد وروسيا وإيران. إلا أن هذا الاحتمال ليس قريبا.
وحتى لو أن الإدارة الأميركية رأت أن تخفّف من وقع مطرقة القانون، فإن ذلك لن يتم في المدى المنظور، ولن يحصل من دون مساومات مع موسكو صاحبة القرار في سوريا، وستكون المساومات بين واشنطن وموسكو، وعلى حساب إيران والأسد. ومن غير المستبعد أن ترضخ موسكو وتدخل في بازار المساومة، بما في ذلك على جلد الأسد، الذي روجت صحف روسية له منذ عدة أشهر أنه بات يشكل عبئا على روسيا.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه حدة الجدل حول القانون، يبقى له مفعول نفسي رمزي لا يقدر بثمن، ذلك أنه حمل لكل السوريين الذين ذاقوا الويلات من جرائم الأسد وإيران وروسيا أملا بمعاقبة مرتكبي الجرائم، وإحقاق العدالة ولو كان ذلك بمفعول متأخر. وعليه فلا غرابة في أن يحتل القانون هذا الاهتمام من جانب غالبية السوريين. ومنذ دخوله حيز التنفيذ في السابع عشر من الشهر الحالي، بدأت الغالبية تحسب كل حساباتها على أساسه، وتقيس أفعالها على احتمالات ما يمكن أن يأتي به من حصاد. وليس المهم أن يكون قريبا، بل أن يعيد الأمور إلى نصابها بعد أن تخلى المجتمع الدولي عن دوره في نجدة السوريين الذين يتعرضون إلى حرب إبادة متعددة الاشكال، ومنها الحرب الراهنة التي تتعلق برغيف الخبز.
وتنشغل غالبية الذين لحق بهم الأذى بالبحث في تفاصيل القانون عن أجوبة للأسئلة التي بقيت معلقة، وخصوصا فيما يخص عودة المهجرين قسرا، والإفراج عن المعتقلين، وتحديد مصير المختفين قسرا، ووصول المساعدات الإنسانية إلى من يستحقها داخل الأراضي السورية. ولا يخامر أحد أدنى شك في أن القانون سوف يمر من دون أن يدفع الأسد وحلفاؤه ثمنا كبيرا. وخصوصا في الملفات الثلاثة. وهذه المسألة تخص روسيا أكثر من غيرها، فهي لا تستطيع أن تنكر أن هناك قرابة 100 ألف معتقل ومختفٍ قسريا، وليس في وسعها أن تعارض عودة المهجرين الذين شاركت في تهجيرهم من درعا وريف دمشق وريف حمص..الخ، وربما استمرت بالتلاعب بموضوع المساعدات الإنسانية، وتأجيل الاستحقاق السياسي المترتب على القانون إلى حين، إلا أنها لن تقدر على إنكار قضيتي المعتقلين والمهجرين قسرا، وهناك قسم كبير تم تهجيره على يد القوات الروسية منذ أن شاركت في جرائم إبادة السوريين في درعا والغوطة وأرياف حمص وحماه وحلب وإدلب.
قد يكون قانون قيصر القشة التي يتمسك بها الغريق السوري، أو القطرة التي ستفيض منها كأس الأسد الملآنة بدماء الأبرياء. قيصر سوف يعيش معنا لسنوات، نسقط عليه كل مآسينا السورية التي ضاق بها الكون ولم يجد لها حلا.
تلفزيون سوريا
———————–
هل يزيد «قانون قيصر» فرص الحل في سوريا؟/ روبرت فورد
تتابع الغالبية العظمى من الأميركيين المظاهرات المشتعلة ضد العنصرية داخل المجتمع الأميركي، وتراقب كذلك مستوى التقدم الذي تحرزه البلاد في مواجهة وباء فيروس «كورونا» المستجد. وبالتالي، فإنهم مشغولون عن متابعة تنفيذ إدارة الرئيس دونالد ترمب لـ«قانون قيصر» الذي يفرض عقوبات جديدة ضد سوريا.
فيما مضى، وقفت العقوبات الأميركية عقبة أمام الصفقات المالية التي تجريها كيانات سورية والشركات الأميركية التي عملت معها دون تصريح رسمي. إلا أنه في الأسبوع الماضي، فرضت إدارة ترمب عقوبات مالية للمرة الأولى على شركات أجنبية تعمل مع الحكومة السورية وبعض كبار المسؤولين رفيعي المستوى بها. وعليه، استهدفت واشنطن من خلال هذه العقوبات شركات في كندا والنمسا ولبنان. وأفاد مسؤولون أميركيون أنهم سيضيفون مزيداً من الأسماء إلى قائمة «قيصر» خلال الأسابيع المقبلة.
من ناحيته، وضع بروفسور الجامعة الأميركية ستيف هيدمان الذي عمل على الملف السوري لسنوات تحليلاً لحساب «معهد بروكنغز»، الأسبوع الماضي، أعلن خلاله أن عقوبات «قانون قيصر» ربما تكون «القشة» التي تجبر النظام السوري أخيراً على قبول التغيير.
وكتبت محللة أخرى، إليزابيث تسوركوف، أن مسؤولين أميركيين يعتقدون أن عقوبات «قانون قيصر» ستزيد الضغوط على كاهل الاقتصاد السوري، وتوسع هوة الانقسامات داخل النظام وتدفعه نحو حافة الانهيار. وترى المحللة أن مثل هذه الأفكار تبدو أماني أكثر عن كونها تحليلاً. وأوضحت تسوركوف أن الاقتصاد السوري يعاني أكثر عن أي وقت مضى، وتسبب سعي الأسد لإحراز نصر عسكري في مواجهة انتفاضة 2011 في تدمير الجزء الأكبر من الاقتصاد، لكن الولايات المتحدة كان لها دورها هي الأخرى، ذلك أن الأسلحة التي أمدت بها الجيش السوري الحر أسهمت في إطالة أمد القتال.
وبعد أن كان معدل الصرف داخل سوريا يضع 50 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي الواحد عام 2011. أما اليوم، فقد ارتفع المعدل إلى حوالي 2.800 ليرة سورية لأسباب منها العقوبات الأميركية. وستعوق العقوبات جهود الاستثمار بمجالي البناء والطاقة. ومن شأن حدوث ركود بهذين القطاعين حدوث تفاقم في معدلات البطالة، في الوقت الذي ستضر البنية التحتية غير المناسبة بالمواطن السوري العادي. ومن الغريب أن نسمع مسؤولين في واشنطن ينفون أن تضر العقوبات بالمواطنين السوريين في الوقت الذي يتمثل الهدف منها في زيادة الضغوط بوجه عام على الاقتصاد.
من جهتي، لا أشعر بأمل كبير بخصوص سوريا. وتبعاً لتحليلي الخاص، فإن حكومة الأسد ووكالات الاستخبارات القوية الأربع التابعة لها لن تقبل بتنفيذ إصلاحات أو محاسبتهم عن الجرائم المروعة التي اقترفوها. ومقارنة بالمعارضة السورية، نجد أن صفوف الحكومة ظلت موحدة. وحتى هذه اللحظة، ليس ثمة بديل واضح للأسد، إضافة إلى أن الرئيس حافظ الأسد صمم نظام الحكم الحالي على نحو يجعل مسألة وقوع انقلاب عسكري أمر أقرب إلى المستحيل. وحتى إذا وقع انقلاب عسكري ناجح ضد الرئيس الأسد، فهل ستسقط واشنطن عقوبات «قانون قيصر» إذا ما تولى أحد جنرالات الاستخبارات الحكم؟ الإجابة: لا.
من جهتها، تطالب واشنطن الحكومة السورية بتغيير سلوكها ووقف قتل المواطنين وقمع منتقديها وقبول حكم القانون. والواضح أن الجهاز الأمني السوري سيقاتل لفترة طويلة قبل أن يقبل بخضوعه لأي محاسبة. كما أنه ليس لديه اليوم أي حافز للاستسلام.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه في العراق عام 2003. فكك الأميركيون جهاز الاستخبارات الذي كان تابعاً لصدام حسين وفرضوا المحاسبة. أما اليوم، فلن يفعل أحد ذلك داخل سوريا، وبالتأكيد لن تقدم أي من روسيا أو إيران على ذلك. ولا أرى سبيلاً نحو إقناع الجهاز الأمني السوري الحالي بوقف القتال دون حصول أفراده على نوع من العفو تقبل به جميع الأطراف وتحترمه. جدير بالذكر، أن الرئيس الجزائري السابق بوتفليقة، أقر قرارات عفو قبلت بها الاستخبارات العسكرية الجزائرية والمقاتلين الجزائريين. وبذلك، كتب نهاية الحرب الأهلية الجزائرية طويلة الأمد. في المقابل، لا نرى حتى هذه اللحظة مؤشراً يوحي بأن الجهاز الأمني السوري سيقبل ولو بعفو محدود. لقد قتل هذا الجهاز المئات من أفراد المعارضة ونال عفواً من خلال إقرار اتفاقات تسوية.
ومن غير الواضح كذلك أن المعارضة السورية والمدافعين عنها سيتخلون عن مطالبهم بالمحاسبة والعدالة بعد كل جرائم القتل التي وقعت على يد جهاز الأمن والجيش السوريين. هنا، تصل عقوبات قيصر إلى طريق مسدود.
والاحتمال الأكبر أنه سواء حال استمرار إدارة ترمب أو قدوم إدارة جديدة برئاسة جوزيف بايدن، ستبقي الولايات المتحدة في الحالتين على العقوبات وتعززها. وسيفقد رجال الأعمال السوريون الذين عملوا مع نظام ممتلكات لهم إذا ما تخلوا عن الأسد مثلما فعل رامي مخلوف أو سيقعون تحت طائلة عقوبات «قانون قيصر».
وستصبح سوريا أكثر عزلة عن أي وقت مضى، وستصبح شبيهة بكوريا الشمالية والتي نسمع منها بعض الأحيان تقارير عن سوء التغذية، بل والتضور جوعاً. ومع ذلك، نجد أن كوريا الشمالية، ورغم الضغوط الاقتصادية على عاتقها، ما تزال موحدة. إلا أنه من الممكن تخيل نجاح بعض الأقاليم داخل سوريا الخاضعة للحماية التركية والأميركية في الحصول على استقلال ذاتي محلي إذا افتقرت الحكومة السورية للقدرة الاقتصادية والعسكرية لفرض إعادة دمج هذه الأقاليم داخل كيان الدول السورية الموحدة. وبالفعل، بدأت بعض مدن الشمال السوري في استخدام الليرة التركية، في تطور يوحي بأن سوريا تفقد سيادتها الاقتصادية. ونعاين صوراً لضحايا الاستخبارات السورية التي نقلها المصور «قيصر» لنا، ويخالجنا الأمل في إقرار المحاسبة والعدالة. بيد أنه للأسف الشديد لا أتوقع من جانبي أن تثمر عقوبات «قيصر» حلا قريباً، وإنما بدلاً عن ذلك أعتقد أنها ستجلب مزيداً من المعاناة واليأس إلى المواطنين السوريين.
الشرق الأوسط
————————–
قيصر وصوره ووعوده/ خضر الآغا
الكثير من السوريين ما كانوا يعرفون مصير أبنائهم وذويهم المعتقلين لدى نظام البراميل السوري، كانوا يعيشون على أخبار ترد من هنا وهناك، ويتابعون أخبار المعتقلين المفرج عنهم لعلهم يعرفون شيئًا ما، أي شيء عن أبنائهم وذويهم، كانوا يعيشون معلّقين بين الأرض والسماء فلا هم يعرفون إن كان معتقلوهم أحياء أم قتلى.. إلى أن صدر قانون قيصر وبالتزامن معه تم نشر العديد من الصور، تلك التي صورها قيصر لمعتقلين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام.
وهنا بدأت حكاية من أكثر الحكايات السورية مرارة، إذ تعرّف الكثيرون على صور أبنائهم وذويهم المشوهة من شدة ما تعرضت لتعذيب وعنف على يد الأسد وجلاديه، وبذلك عرفوا أن معتقليهم قضوا شهداء تحت التعذيب. لا يمكن وصف مشاعر هؤلاء ولا بأية لغة، ولا بأي تعبير، أن يرى المرء صورة أبيه أو أمه أو أخته أو ابنه أو ابنته، بعد انتظار سنوات، معروضة في معرض مؤلف من 55 ألف صورة لـ 11 ألف شهيد توثق مقتلهم في سجون النظام. بعض الأسر التي تعرفت على أبنائها راعها منظر الجثة وآثار العنف الذي مورس عليها وشوهها أكثر من معرفتهم أن ابنهم قُتل! شيء يشبه أن يتحول إنسان في لحظة واحدة إلى حطام إنسان! العديد من الأشخاص الذين تعرضوا لتجربة البحث المريعة عن ذويهم رووا تجربتهم على وسائل التواصل، هي نوع من التجارب التي لا تمر على البشر إلا في لحظات تاريخية معينة وشديدة الخصوصية، وربما لم تمر أصلًا على البشرية إلا في مرحلة من أكثر المراحل التاريخية حلكة وسوادًا وعارًا، هي مرحلة الأسدية.
لم نقرأ ولم نسمع لا في الحكايات ولا في الكتب ولا في الأفلام ولا حتى في أفلام الرعب وفي الحكايات الخرافية عن أن أسرة تعرفت على ابنها في معرض للصور، وقد تعرفت عليه كجثة، وعرفت في اللحظة نفسها أنه ميت! هذه التجربة لم يوفرها لا شخص ولا دولة ولا مؤسسة ولا نظام سياسي عبر التاريخ إلا نظام الأسد!
قانون قيصر (القانون كنص، أي كمواد وصيغ، وليس تطبيقه ومداه أو كيفية الالتزام الأمريكي بتطبيقه) ينطوي على نحو شديد الوضوح على وعد لذوي الضحايا بمعاقبة مرتكب تلك الفظائع ومن يساعده ويدعمه في ارتكابها، وعد لأرواح الشهداء التي تحوم فوق سوريا أن دمهم ليس مهدورًا، وعد لذلك الأب الذي فيما يبحث عن صورة ابنه بين الصور أصيب بجلطة فمات على الفور! وعد لتلك السيدة التي شاهدت صورة أخيها بين الصور وكانت تنتظر لسنوات أن تراه مجددًا، وعندما رأته كان جثة مشوهة! وعد لكافة الذين رؤوا صور ذويهم جثثًا، ولأولئك الذين لا يزالون يبحثون، ولأولئك الذين لم يتجرؤوا على البحث.
قانون قيصر أيضًا هو وعد للمهجّرين الذين هجّرهم نظام نبش القبور من بيوتهم ومدنهم وقراهم بأن يجدوا لدى عودتهم ما تركوه ولو دمارًا، فالنظام لم يكتف بتهجير الناس فقط، بل استولى على بيوتهم وأراضيهم وجرّفها ووضع مشاريع لاستثمارها في فنادق ومراكز تسوق وغيرها، وقد منح تلك المشاريع لمقربين منه من المتحكمين بدائرة الفساد وصنّاعها. لقد صدرت حتى كتابة هذه المقالة قائمتان من وزارة الخزانة الأمريكية بعقوبات على أشخاص ومؤسسات وجهات، وقد ورد عبر بيان صحفي للوزارة تفسير صدور القائمة الأولى النص التالي الذي تم تداوله على مواقع التواصل:”تأتي بعض تصنيفات اليوم بسبب التغيير العمراني في الأراضي التي صادرها النظام السوري من السوريين بعد أن شرّدهم. فبعد أن أجبر الملايين من المواطنين السوريين على الفرار من ديارهم طوال الحرب الأهلية السورية، يقوم نظام الأسد ومؤيدوه الآن بضخّ الموارد لبناء مشاريع عقارية فاخرة على تلك الأراضي. ولإفساح المجال أمام العقارات من فئة الخمس نجوم. قام النظام بإخلاء وجرف ممتلكات عشرات الآلاف من السكان من مناطق في دمشق كانت حتى وقت قريب من أحياء الطبقة العاملة المتعاطفة مع المعارضة. وأطلقت الحكومة على أحد هذه المشاريع اسم ماروتا سيتي، وهو أكبر مشروع استثماري في سوريا، وهو مشروع عقاري بملايين الدولارات يهدف إلى تغيير ديمغرافية المكان إلى ديمغرافية غنية وموالية للنظام. وتكشف إجراءات الخزانة اليوم الأفراد والكيانات، بما في ذلك الشراكات بين القطاعين العام والخاص، الذين يسعون إلى الاستفادة من هذا النزوح وإعادة الإعمار. كما منحت الحكومة السورية أيضًا عقدًا طويل الأمد لرجلين من رجال الأعمال الصديقين للنظام لبناء وإدارة غراند تاون وهي مدينة سياحية فاخرة بالقرب من مطار دمشق، مليئة بوسائل الراحة المخطّط لها مثل فندق خمس نجوم وملعب للغولف وعدد من الفلل ومركز التسوق”.
بالإضافة إلى ذلك تعرفنا كسوريين إلى أسماء أشخاص ومؤسسات وجهات متورطة بإهراق الدم السوري لم تكن موضوعة بالتداول من جهة، ومن جهة أخرى ثمة من كان يظن أنها بعيدة عن دائرة الشبهات، كمؤسسة “آرت هاوس” في النمسا على سبيل المثال.
في كانون الأول/ديسمبر صدر قانون قيصر، حتى ذلك التاريخ وبضغط روسي على العديد من الدول كان يجري نوع من إعادة الاعتراف والتعامل السياسي والتجاري مع النظام السوري، الأمر الذي يعني إمكانية تعويم النظام مجددًا برئيسه ذاته، وأجهزته ذاتها، وكان العمل يجري باضطراد على إعادة فتح السفارات والقنصليات في دمشق، وكانت بعض الدول أبدت الاستعداد للخوض في إعادة الإعمار مع روسيا ومع النظام وغير ذلك من النشاطات التي تعني بقاء النظام السوري ذاته في السلطة وفي البلد، وكان ثمة شعور سوري عام أن ذلك هو ما سيكون ولا رادّ له. إلى أن صدر القانون وقبل أن يبدأ تنفيذه بستة أشهر توقف كل شيء دفعة واحدة، وتراجعت دول كثيرة عن فتح السفارات وأخرى عن المشاركة بإعادة الإعمار في ظل وجود هذا النظام… وبهذا يكون قيصر قد منع حتى اللحظة إعادة تدوير النظام، وبهذا يكون قد منح أملًا للسوريين أن إرادتهم بتغيير النظام وإسقاطه يمكن لهم تحقيقها، أقلّه لن يعاد تعويمه هو ذاته.
أما الآثار الجانبية للقانون المتمثلة بزيادة إفقار السوريين فعلينا أن نتذكر أن 93% من الشعب السوري داخل سوريا يعيشون تحت خط الفقر قبل قانون قيصر بكثير، وأن القانون استثنى من عقوباته منتجات الزراعة، والأغذية، والدواء. ومع هذا فلربما يزيد قانون قيصر الأمر سوءًا ولو بدرجات متفاوتة إلا أن الأمر لن يكون أفضل مع بقاء هذا النظام وإعادة تعويمه.
هذا عن الوعود التي يمنحها القانون وليس عن تنفيذها. وهذا عن القانون كنص وليس كتطبيق. تنفيذ الوعود وتطبيق القانون رهن بعوامل لا نستطيع إزاءها شيئًا.
الترا صوت
—————————-
في التخلص من بضاعة الأسد الفاسدة/ مصلح مصلح
بلغة الاقتصاد، يتحدد سعر صرف الليرة السورية تجاه العملة الأجنبية (الدولار مثلًا) في السوق السوداء، تبعًا للعلاقة بين الطلب عليها والمعروض منها، فإذا ما عجز المصرف المركزي أو البنوك المحلية المرتبطة به عن توفير تلك العملات للمستوردين السوريين بسعر الصرف الرسمي، فإنه لا يدع من مجال أمامهم (معظمهم مرتبط بالنظام ويعمل لحسابه) سوى تأمين الحصول عليها بسعر أعلى من سعر الصرف الرسمي، ما داموا قادرين على تسعير بضائعهم وفقًا لسعر الصرف الذي اشتروه من السوق.
أما بلغة المستشارة الرئاسية بثينة شعبان، فما تجاوز الدولار حاجز الـ 3000 ليرة في يومين سوى وهم، لن يكون له أي أثر سلبي على حياة المواطن السوري، ما دام سعره في البنك المركزي لا يتجاوز الـ734 ليرة سورية. تجادل بثنية في حقيقة سعر صرف الليرة، كما لو كان أمر تفسير وقراءة الحقائق الاقتصادية وجهة نظر. فأيهما أكثر حقيقية يا هل ترى، سعر صرف الليرة وفقًا لجداول البنك المركزي، الذي لا يملك دولارًا واحدًا للبيع، أم سعر الدولار الذين يضطر التجار لشرائه من السوق السوداء بواقع 3000 ليرة؟
حين ثار السوريون على حكم آل الأسد لم يضعوا نصب أعينهم التحرر من عبودية نظام الأسد وحسب، بل والتخلص من جميع رموزه السيادية التي تثقل كاهلهم. فعملية المسارعة لاستبدال علم دولة الأسد بعلم الثورة لم تكن أمرًا نافلًا أو صبيانيًا كما يتوقعه البعض، إنما كان يرمز للحد الفاصل بين من يمارس القتل تحت راية هذا العلم وبين من يقاومه.
وحين تم التخلي عن المناهج المدرسية، التي كانت تصدر بإشراف وزارة الأسد، عمد السوريون للتخلي عنها، على الرغم من معرفتهم المسبقة بحيادية قوانين رياضيات وفيزياء العالم تجاه عنف النظام أو سلمية المظاهرة، وما كل ذلك إلا لعلمهم المسبق أن مرور ثقافة البراميل المتفجرة، ما كان لها أن تجد مكانًا في ضمير السوريين، لولا شعارت الولاء المطلق للقائد، التي تتسرب من أغلفة الكتب.
في التفكير بالتخلص من سلطة آل الأسد النقدية، ومن ذلك الفصام الروحي في أن تلعن روح الأسد الخالد في الوقت التي تضطر لأن تضع صورته المتربعة على بعض القطع النقدية على مقربة من سويداء القلب الذي لا يحبه، كانت قوانين الاقتصاد الصارمة للسوريين بالمرصاد. فلا هم بقادرين على صك عملة نقدية جديدة، ولا هم بقادرين بالتحول عنها إلى عملة نقدية تقوم بمهمتي التبادل اليومي والحفاظ على القيمة. إلا أن ما كان مستحيلًا في الماضي صار اليوم ممكنًا، فبفعل مبادرة السلطات التركية مد السوق السورية في الشمال السوري بعملتها المحلية، صار بإمكان السوريين التخلص من آثار تلك السلطة الرمزية لآل الأسد.
يجادل بعض المحللين الاقتصاديين بأن التحول النقدي نحو الليرة التركية له محاذير نفسية على السوريين في المناطق المحررة، فالنقد كما يقولون: ليس ذا صلة فقط بالتبادل التجاري وحفظ القيمة، بل يمتد ليقيم صلة عميقة في الانتماء الوطني. فالعملة الوطنية ليس سلطة روحية لنظام على معارضيه، بقدر ما هي في الوقت نفسه مجال لتعريف السوري على وطنه الذي ولد فيه بغض النظرعن السلطة التي تحكمه. فالتخلي عن العملة السورية لصالح التركية، لن يخلق ازدواجًا في الانتماء الوطني لمستخدمها، بل سيدمر الانتماء الوطني لبلده الأم.
إلا أن ما غاب عن بال أولئك المحللين أن مطلب التحرر من هذا الرمز الأسدي، كان وما يزال واحدًا من المطالب الشعبية للتخلص من هيمنة النظام. ما الذي يجعل السوريون حريصون على رمزية عملتهم الوطنية، ما دامت في الحقيقة لا تخرج عن كونها واحدة من الأدوات التي تساهم في تمويل آلة الحرب الأسدية عليهم؟ وهل يعقل أن يحرص السوريون الذين يتهددهم النظام في وجودهم اليومي، على أحد رموز السيادة التي تستخدم لإبادتهم؟
تبدو خسارة النظام بهذا التحول النقدي أفدح من أن تقاس، فبتحول ملايين السوريين عن الليرة السورية، يضعف من قدرتها على التأثير في حياتهم، كما يضعف في الوقت نفسه، من قدرته على شراء البضائع من المنطاق التي تنتج لديهم، كالقمح مثلًا. فمن الذي سيقبل من المزارعين أن يتقاضوا نتيجة قمحهم ليرة سورية ما دامت جميع معاملاتهم قد أصبحت بالليرة التركية أو بالدولار؟
الأمر الذي سيعني فرض مزيد من الضغوط المالية على النظام لتأمين شراء تلك المواد الغذائية، بعد أن كان يشتريها بالليرة السورية. إن تخلص السوريين من المزيد من الليرات السورية في سوق أو مناطق النظام سيعني دون شك توليد مزيد من الضغوظ التضخمية، التي ستنتهي بارتفاع المزيد من أسعار السلع على الرغم أنها منتجة محليًا.
في عملية تحول الشمال السوري إلى الليرة التركية، كسب السوريون عدة معارك بوقت واحد. فلقد مكنهم هذا الفكاك عن الليرة السورية التخلص من هيمنة أحد رموز السيادة لدولة الأسد، التي طالما مارست عليهم ضغوطًا عاطفية كبيرة. كما لا يخفى على أحد أن حصول السوري على عملة نقدية جديدة قادرة على حفظ قيمة عمله الذي بذله لقاء ذلك النقد، سيشكل مكسبًا لديه. فالسوري الذي بيده أموالًا تركية لن يخشى بعد اليوم من ضياع قيمتها الشرائية، إذا ما قرر الاحتفاظ به في البيت أو لوقت الحاجة.
إذا كانت وظيفة النقد أن يقوم بدور الحافظ على القيمة مع الزمن، فإن دوره بالقيام بوسيلة مضمونة وآمنة لتنفيذ الأنشطة التجارية، لا تقل قيمة عن الأولى. فمع العملة النقدية الجديدة سيشعر السوري، باستقرار أسعار المواد والسلع لفترة طويلة نسبيًا، دون أن يجبره ذلك على استبدالها بالبضائع والسلع التي لا يحتاجها. كما ستشكل بدورها وسيلة فعالة لاستقرار سوق العمل، المولد الرئيس للأجور. إذا كانت هناك من قيمة روحية كبرى لممثل هذا التحول فأنه يندرج في رد السوريين لبضاعة الأسد الفاسدة، التي طالما عاثت في أرواحهم كما جيوبهم فسادًا.
الترا صوت
—————————–
قيصر» نموذجاً: العقوبات.. سلاح مَن ضدّ مَن؟ عقل بارد زيتونة مر
من النافل القول إن «قيصر» سلاح أميركي، في يد أميركية، إذاً: فغاياته الأساسية أميركية، وهو بالتأكيد ليس سلاحاً في يد المعارضة. صحيح أن جزءاً هاماً من المعارضة سعيد به، وقد ناصرَ في دوائر الكونغرس لإقراره، لكنني لست من السذاجة لأعتقد أن الكونغرس أقره خدمة للديمقراطية ومناهضة الاستبداد في سوريا
قيصر قانون_قيصر سوريا عقوبات ترامب حصار سيزر CaesarAct العراق أفغانستان الحكومة_السورية المعارضة قوات_سوريا_الديمقراطية روسيا إيران
«نعم العقوبات تؤثر على المجتمع السوري، لكنها السلاح الوحيد في يدنا». هذا ما قالته واحدة من شخصيات المعارضة في ندوة حضرتُها.
كان السؤال الذي تبادر إلى ذهني بداية هو: «هل هذا السلاح، في يدكم فعلاً؟»، وتتالت الأسئلة:
– لا معنى للسلاح، ولا قيمة له، إن لم يكن موجهاً ضد أحد، فضد من يوجه هذا السلاح؟
– لا أحد يوجه السلاح من دون غايات واضحة، وخصوصاً إذا كان المقصود منه سياسياً، فلماذا يستخدمه «صاحبه»؟
لكن ليست الأمور دائماً بهذه البساطة. ألا يمكن لسلاح يستخدمه حليفك، أن يخدم قضيتك؟ بالتأكيد نعم! يمكن لسلاح يستخدمه طرف ما، أن يخدم قضيّتك، وقد لا يخدمها أيضاً، لكن ما هو المعيار؟
الإجابات عن هذه الأسئلة، ليست بسيطة بالطبع، لكنها ملحة وضرورية لأي مشتغل في الشأن العام.
بداية، لا أستطيع أنا، المعارضة من الوسط المحافظ، التي تعيش في مناطق سيطرة المعارضة، إلا أن أقول إن أول انطباع تشكل لدي عند سماع خبر قانون قيصر، كان السعادة بسلاح سيضعف السلطة في دمشق. لكنني في الوقت نفسه، لم أستطع إلا أن أسأل نفسي الأسئلة التي افتتحت بها هذا المقال.
من النافل القول إن «قيصر» سلاح أميركي، في يد أميركية، إذاً: فغاياته الأساسية أميركية، وهو بالتأكيد ليس سلاحاً في يد المعارضة.
صحيح أن جزءاً هاماً من المعارضة سعيد به، وقد ناصرَ في دوائر الكونغرس لإقراره، لكنني لست من السذاجة لأعتقد أن الكونغرس أقره خدمة للديمقراطية ومناهضة الاستبداد في سوريا.
لا يزال مثالا العراق وأفغانستان، ماثلين أمامنا، نموذجين عمّا آلت إليه نظريات الفوضى الخلاقة، والحرب وسيلة لتحقيق الديمقراطية فيها. فما الذي تريده الولايات المتحدة فعلاً؟
من الهام هنا أن ننظر إلى أهداف السياسة الأميركية (المعلنة) لاستراتيجيتها في سوريا.
أهداف الولايات المتحدة في سوريا، هي – بحسب مبعوثها الخاص جيمس جيفري – محاربة تنظيم «داعش»، وإخراج إيران من سوريا، وإنجاز تسوية سياسية وفق القرار 2254.
ينبغي علينا أن نضيف أيضاً هدفاً هامّاً، أوضحته تصريحات أخرى لجيفري، تقول إن «الولايات المتحدة تسعى إلى إغراق روسيا في المستنقع السوري»، وإن الهدف «ليس تغيير النظام، وإنما تغيير سلوكه، وبشكل خاص تجاه شعبه».
إذاً، الأهداف الأميركية واضحة جلية. فترتيب الأولويات المعلنة، وضع التسوية السياسية وفق القرار 2254 في ذيل القائمة، ومن المحتمل بالفعل (إن لم نقل من المرجح) أن إدراج هذا الهدف ليس سوى شكل من أشكال شرعنة الهدفين الأولين: محاربة «داعش» وإخراج إيران.
محاربة «داعش» هدف منطقي لإدارة ترامب، في إطار سعيه إلى اكتساب الأصوات اللازمة للفوز بولاية ثانية. وإخراج إيران، هدف إسرائيلي، أميركي معلن، لا يخفي نفسه.
من ناحية أخرى، فالهدف المضمر المعلن في آن، هو إغراق خصوم الولايات المتحدة في مستنقع دماء الشعب السوري.
إذاً: لا انتقال سياسياً ولا تسوية سياسية من وراء قانون قيصر؟! وهو إذاً سلاح أميركي، في يد أميركية، ولأغراض أميركية فقط.
فلنعد إلى تساؤل طرحته سابقاً: ألا يمكن أن يكون سلاح غيرك أداة لتحقيق أهدافك؟
إذا كانت أهداف الولايات المتحدة هي ما ذكرنا آنفاً، فهل يمنع ذلك من أن يؤدي قانون قيصر وظيفة تسعى إليها المعارضة، ألا وهي إنهاك دمشق لإرغامها على العودة إلى طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات اللازمة لإحداث تغيير جذري في بنية الدولة السورية، نحو ديمقراطية مشتهاة ضحى مئات الآلاف من السوريين بحياتهم كرمى لها؟
أليست شروط رفع قانون قيصر، من إطلاق سراح المعتقلين، ووقف استهداف المدنيين والمنشآت الطبية والمدارس، والعودة الطوعية الآمنة والكريمة للمهجرين، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، هي نفسها أهداف المعارضة؟ ألا يقي النظام الشعب ويلات التجويع بتحقيق هذه المطالب؟
جوابي باختصار، وبكلمة واحدة: لا!
وسأعدد الأسباب واحداً تلو الآخر:
أولاً، ما الذي سيحدث لو أن السلطة في دمشق نفذت كل الشروط المعلنة للقانون، ولم تنفذ الأهداف الأميركية في إخراج إيران وإغراق الروس؟ هل ستعمل الولايات المتحدة على رفع القانون؟
بالتأكيد لا! إذا كان هدف واشنطن هو إغراق الروس في المستنقع السوري، فكيف تجفف المستنقع بتحقيق مطالب المعارضة العادلة؟ إذا حققت مطالب المعارضة تخسر الولايات المتحدة أهدافها، ولا نظن أن واشنطن قد أضحت غيرية في ليلة وضحاها، إلى هذا الحد على الأقل!
ثانياً، كيف أطالب السلطة في دمشق بمحاسبة نفسها كي أرفع عنها العقوبات؟ المطلب الأخير، وهو محاسبة مجرمي الحرب في سوريا، يبدو أسلوباً يقول للسلطة: لا تغيري من سياساتك وإلا حاكمناك في لاهاي، عليك أن تستمري في كل سياساتك، كي نتمكن من الإبقاء على المستنقع السوري للروس!
ثالثاً، كيف نستطيع أن نهاجم سياسات السلطة التي تستهدف المدنيين في إدلب بذريعة محاربة الإرهاب، ونحن نوافق على تجويع المدنيين في كل المناطق، وبغض النظر عمن يسيطر، بذريعة محاربة السلطة واستبدادها؟
رابعاً، متى تمكنت العقوبات فعلاً من تغيير سلوك الأنظمة تجاه شعوبها، فضلاً عن تغييرها هي؟ مثال العراق ماثل أمامنا.
أذكر عندما كنت طفلة في تسعينيات القرن الماضي، كيف كان والدي، المعارض الشرس للسلطة، يهاجم سياسات الولايات المتحدة التي جوعت العراقيين على مدى 12 سنة، وقتلت مئات الآلاف منهم، أذكر كيف أن تلكم السياسات، بطريقة أو بأخرى، جعلت من والدي مدافعاً عن الرئيس العراقي صدام حسين، وهو – أي والدي – كاره شرس للاستبداد!
إذاً، ما فعلته العقوبات في العراق، أنها شرعنت استبداد صدام، وزادت من مؤيديه! على قاعدة أنه يحارب الإمبريالية والصهيونية، ومدافع شرس عن سيادة العراق!
كان والدي يعتبر كل عراقي يؤيد العقوبات على العراق خائناً، ولا أحسبه المعارض الوحيد السوري في هذا المجال، فأي ذاكرة سمك هذه التي ابتلينا بها؟
خامساً، إذا كنا نأمل أن نُحدث التحول الديمقراطي المأمول، فمن هو حامل هذا التغيير؟ أليس المجتمع السوري هو حامل التغيير وهدفه المباشر؟ فكيف نقبل أن يُنهَك هذا الحامل بفعل التجويع؟ ما ستحدثه هذه العقوبات هو وضع المجتمع في مواجهة نفسه! فالجوع – على الأرجح – سيدفع الناس إلى مزيد من العنف، ويحوّل شرائح من المجتمع إلى لصوص ومغتصبين وقتلة وعصابات. هل المعارضة تطلب السلطة أم تطلب التغيير؟
سادساً، ما الذي سيفعله التجار والصناعيون في مناطق شمال غرب سوريا عندما تزول شهية التعامل مع مناطق سيطرة السلطة؟ إلى أين ستصدر الإدارة الذاتية نفطها بعد منع الولايات المتحدة تصدير النفط إلى مناطق سيطرة السلطة؟ كل ما سيحدث أن هذه المصادر ستبحث عن أسواق جديدة لها خارج سوريا، أو في ما بينها بأفضل الأحوال، وذلك إذا سمحت السياسات الإقليمية بهذا. بالتالي، فأحد انعكاسات العقوبات مزيد من تفكيك الأراضي السورية، وبالتالي تغذية النزعات الانفصالية التي كنا، نحن المعارضة، رافضين لها بشكل مطلق.
ألا يكفي كل ما تقدم، للتدليل على أن العقوبات ليست سلاحاً في يد المعارضة، ولا تهدف إلى تحقيق أي من أهدافها؟ وعلى أنها، محض أداة أميركية، لتحقيق أهداف أميركية، تحول دماء السوريين مستنقعاً لكل خصوم الولايات المتحدة، أفلا نعقل؟؟
————————–
ما لم يدركه الأمريكيون السوريون في قانون قيصر!!/ د. عارف دليلة (*)
هناك ضبابية واختلاف رأي كبير حول قانون قيصر الأمريكي، فالسوريون الأمريكيون، الذين بذلوا جهودًا كبيرة لإخراج القانون، على مدى أكثر من أربع سنوات، بعد المعرض الذي أقيم في مبنى الكونجرس لصور سيزر الشائنة، التي لا مثيل لها إلا في محارق الحرب العالمية الثانية، يصورون أن هذا القانون إنجاز غير مسبوق في التاريخ.
وهو، في الحقيقة، كذلك، من حيث نصوصه التفصيلية المحكمة التي لم تترك متنفسًا، لا للسلطة ورجالها فقط، بل وللاقتصاد الوطني ككل، مما يشمل، رغم استثنائها بصريح العبارة في نص القانون، الحاجات الإنتاجية، كالأسمدة والآلات التي تلزم الزراعة والصناعة للقطاع الخاص ولا تلزم السلطة ولا تخدمها أبدًا، وكذلك للحاجات الاستهلاكية وحتى الدوائية!.
إني أكاد اسمع أصواتًا تتهمني بالتحيز المسبق، وبعدم قراءة نص القانون الذي صيغ، والحق يقال، أنه صيغ بطريقة بالغة الدقة والحصافة، بحيث أنه استثنى الحاجات الضرورية للمواطنين من الخضوع للعقوبات والقيود، بينما ركز بشكل بالغ الدقة على محاصرة المؤسسات والأشخاص الموسومين بارتكاب، أو المساعدة على ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية، مع كل من يدعمهم، بأي شكل، في كل حركاتهم، من سوريين وغير سوريين.
********
لكن المشكلة ليست، على الغالب، في النصوص، بل بمن يطبقونها وفي آثارها التطبيقية، حتى بعد سقوط أو تغيير النظام.
فهذا نظام صدام حسين قد مضى على سقوطه سبعة عشر عامًا، تكفي لظهور جيل جديد لم يعش في ظل صدام، ولكنه لا يتمناه، على فظاعته، بديلًا عن خلفائه، الذين أصبح يعرفهم جيدًا، ولذلك يخرج متظاهرًا ضدهم.
ومع ذلك فإن العقوبات لم تلغ عن العراق بعد، هذا والعراق تحكمه تحديدًا القوى التي نصّبها وائتمنها الأمريكيون أنفسهم!
والآن، بعد سبعة عشر عامًا أهدر وسرق خلالها ألف مليار دولار، دمر العراق عن بكرة أبيه خلالها، ولم يبن فيه محطة كهرباء واحدة أو مصنعًا جديدًا، أو أعاد تأهيل محطات أو مصانع ضخمة سابقة، ومع ذلك نسمع عن اجتماع أميركي _عراقي للاتفاق على “الشراكة الإستراتيجية”!
وأية “شراكة إستراتيجية”؟، ترى هل من بين بنودها بدء البناء بعد إضاعة سبعة عشر عامًا في تدمير الدولة والشعب، ووقف الفساد وتجريف المليارات بعيدًا عن حاجات الشعب العراقي؟.
إن هذه الأمور لا يمكن للعراقيين الأحرار أن يحلموا بها إلا بتوحد الشرفاء الوطنيين اللاطائفيين اللاقومجيين، بما يحقق تقدمهم وارتقاءهم إلى مواقع القرار والإدارات العامة، الأمر الذي لا يمكن لـ(الحوار الاستراتيجي) أن يدرجه بالحساب، إن لم يكن يدرج جديًا منع حدوثه!
********
أرجو ألا يعتبر هذا الاستطراد (العراقي) هروبًا من الاستحقاق السوري، أو تهويمًا وترفًا بعيدًا عن الواقع السوري الراهن، بقدر ما هو ضرب للمثل الحي لنا السوريين الأشقاء، والذي يجب ألا تخطئه العين البصيرة!
إن أصحاب قانون قيصر يتجاهلون، أولًا، حقيقة أن كل تجارب الحصار والعقوبات في العالم خلال حوالي قرن لم تُسقِط نظامًا واحدًا، ولو استمرت عشرات السنين، وإنما تسببت فقط بإفقار عامة الشعب، والتضييق على المواطنين في كل شؤونهم الحياتية، بإعطاء الحجج لحكامهم بالتشديد عليهم، ليس أقل مما يفعلون لو تركوا لوحدهم بدون عقوبات.
ولست هنا لأتمنى الرحمة بالمرتكبين بعد كل ما ارتكبوه، وإنما أضع هذه القضية بيد أولياء الدم، لا بيد من كانوا، مع النظام، كحلفاء، يستهدفون لسورية هذا المصير الأسود، إذ أنه بعد العقوبات تصبح الأنظمة المحاصرة آمنة من أي رد فعل شعبي ضدها، مما كانوا سيواجهونه لو كان المحكومون يتمتعون بقواهم الطبيعية.
وثانيًا، مادام النظام قائمًا، فلن يقع أحد من المطلوبين في شباك العدالة، اللهم إلا بالصدفة، أو ربما نتيجة سوء تقدير للمطلوبين أنفسهم.
وثالثًا، هناك دائمًا فرص كبيرة للإفلات من الحصار ومن العقاب، يتجول داخلها المعاقبون وثروتهم المنهوبة براحة وأمان.
ورابعًا، وهو أن من يقع في الشباك ضحية للقيود والحصار والعقوبات هم الاقتصاد الشعبي ومجموع الناس العاديين البريئين، غير المطالبين بشي من قبل أحد!
********
قبل أن يبدأ سريان مفعول قانون سيزر بأسبوعين أخبرني أحد الأصدقاء من إحدى الدول الأوربية أن باكورة تطبيقات القانون، وحتى قبل بدء تطبيقه، هي أن التحويلات البسيطة التي كان يرسلها للأهل ليستمروا في استهلاك أبسط الضروريات المعيشية، ويتمكنوا من البقاء في أرضهم وبيوتهم، ولا يتركوها للأموات والنهب، أصبحت ممنوعة وتخضع للعقاب!
وقبل ذلك بسنوات، وبناءً على عقوبات سابقة على سورية، أبلغت بعض البنوك الأوروبية أصحاب الحسابات لديها، من السوريين المقيمين شرعًا ومنذ عشرات السنين على أراضيها، دون أي إشكالات عليهم تجعلهم مشمولين بأي عقوبات، أن حساباتهم قد أغلقت، فقط لأنهم سوريون!
********
ولنقارن التعامل الدولي بالعقوبات مع سورية ومع العراق. فبخصوص العراق، بعد احتلال صدام الجنوني للكويت وتدميرها وبعد إخراجه منها عام 1991، بعد تدمير جيشه، الذي كان كان يوصف بأنه “الجيش الرابع في العالم”، اتفق جميع أعضاء مجلس الأمن على إصدار قرار ينص على إنشاء “صندوق النفط مقابل الغذاء”.
فكان عائد صادرات النفط العراقي يوضع في صندوق تديره الأمم المتحدة، وتشتري بأمواله الحاجات الأساسية الضرورية وتوزعها بنفسها، (مهمشة بذلك مكانة النظام الحاكم عند شعبه) على شكل سلل غذائية توزع لكل الأسر العراقية مجانًا، لمواجهة المجاعة بسبب الارتفاع الفاحش للأسعار، وانهيار القوة الشرائية للرواتب والأجور ومداخيل ذوي الدخل المحدود، مع انهيار سعر صرف الدينار العراقي، وانحطاط قيمة الراتب الشهري إلى بضعة دولارات.
وهو تمامًا ما يسير إليه الحال في سوريا في السنوات والأيام الأخيرة. وعند سقوط النظام العراقي كان مازال في هذا الصندوق فائض مقداره 18 مليار دولار، (بعد احتلال العراق عام 2003، سرقها المحتلون وزبانيتهم!).
بينما جميع أعضاء مجلس الأمن، بعد احتلالات دول مختلفة لسورية، نجدهم صامتين عن سرقة النفط والغاز السوري، إرضاء، بالمقايضة، لعضو واحد من بينهم (الولايات المتحدة) يقوم بهذه السرقة، بعد أن يترك لزبانيته المحليين، الذين يشتغلون حراسًا لحقول النفط التي يحتلها ويشفطها، فتاتًا من هذه الثروة، دون أن يهتم أحد بتأمين الشعب السوري من حاجاته الأساسية من المواد الغذائية والحاجات المنزلية والوقود والدواء، التي تقيه من الموت جوعًا ومرضًا.
********
والسؤال هو: لماذا بادر أعضاء مجلس الأمن بأنفسهم إلى إصدار قانون “النفط مقابل الغذاء” في العراق، بينما لم يخطر ببال واضعي نص قانون سيزر الأمريكي، ومن بينهم النشطاء السوريون الأمريكيون، مثل هذا الإجراء؟
وهل لغياب هذه الفكرة عن أذهان السوريين الأمريكيين علاقة بتصريح الرئيس الأمريكي ترامب (النفط السوري نفطنا ولن نتخلى عنه)، ولم نسمع من سوري واحد، لا داخل أمريكا أو خارجها، كلمة تقول إن النفط السوري ليس مالا داشرًا، بل له مالك هو الشعب السوري وحده.
لذلك، وبعد أن كان الرئيس ترامب قد أعلن عن سحب جنوده من سورية، وعارضه بقية المسؤولين، عاد ليدعم بهذا التصريح إهداءه الجولان لإسرائيل، والآن يقيم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو احتفالا تكريميًا لمن أهداه ماًلا مغتصبًا بإقامة “هضبة ترامب” كمستوطنة على أراضي الجولان السوري، رغم رفض أصحاب الأرض الشرعيين.
وهذا إلى جانب إهداء القدس والضفة الغربية لإسرائيل، بعد فلسطين عام 1948؟ ولم لا، طالما أنهم يعتبرون المنطقة العربية كلها مالا داشرًا، بدلالة طريقة تصرف السلطات المغتصبة بها؟
********
إن الكلام عن النفط السوري مقابل الغذاء لم يقله أحد، وللأسف، بحجة أقبح من ذنب، تقول إن ما ينطبق على العراق لا ينطبق على سورية: فالعراق دولة غنية بالنفط، بينما في سورية يبلغ إنتاج النفط فيها 9000 برميل يوميًا فقط (!!!)، ولذلك لا معنى لتأسيس صندوق للنفط مقابل الغذاء!!!
هكذا بشحطة قلم يعتبرون أن كل ما لا يقع تحت يد السلطة من النفط، أي كل ما يسيطر عليه، الآن، الجيش الأمريكي في منطقة الجزيرة السورية، لا يعتبر ملكًا للشعب السوري، وإنما هو ملك لمن يغتصبه ويسرقه من أصحابه.
متناسين أن هذا النفط الذي يسرق الآن يزيد عن مائة ألف برميل يوميًا، ويقوم مغتصبوه برفع إنتاجه إلى مستوى أربعمائة ألف برميل يوميًا، كما كان قبل عام 2011، وهو قابل للزيادة كثيرًا، وكان يشكل المصدر الأول لدخل الميزانية السورية وللدولار!
فكيف يجري شطبه وغض النظر عن اغتصابه وعن حرمان القطاعات الاقتصادية المدنية والسوريين المجوعين للوقود والكهرباء والخبز من حقهم فيه؟
ويجب أن نضع في اعتبارنا أن القانون الأمريكي الداخلي – وقانون قيصر- له صفة الديمومة، حتى وإن كان محدد المدة بخمس أو عشر سنوات، فالاحتلال واغتصاب الحقوق والأرض والثروات لا يعرف السقوف الزمنية، بل يزداد استشراءً وتوسعًا يومًا بعد يوم، مع الإمعان في تذويب أصحابها الشرعيين، ومثال فلسطين قريب جدًا، زمانيًا ومكانيًا!
********
وهكذا يصبح النص في القانون على حق الرئيس الأمريكي بتعليق العمل به كليًا أو جزئيًا، لاحقًا، لا قيمة عملية له، وبالأخص مع ربطه بمدى تلبية السلطات السورية الحالية أو التالية لمطالبه، المشروعة جدًا، بحد ذاتها، وبـ”فضل!” تصرف السلطة الأرعن المزمن بها، وهي التي لم تترك فرصة إلا واستخدمتها للتهرب من استحقاقاتها، مادامت مجرد مطالبات لمحكوميها، أصحابها الشرعيين.
ونذكر هنا بأي عجرفة لا وطنية ولا إنسانية جرى رفض بعض هذه المطالب من قبل ممثلي النظام الرسميين في مؤتمر”موسكو 2″ عام 2015، عندما استطعنا، المعارضون من الداخل والخارج مع ممثلي المجتمع المدني الذين أرسلهم النظام من دمشق، التوصل خلال يومين إلى اتفاق، بالإجماع الكامل دون أي تحفظ، على ورقة الإجراءات الإنسانية، كوقف القتال ومعالجة مخلفاته الإنسانية الفظيعة، وإلغاء الحصارات، والإفراج عن المعتقلين.. الخ.
لتقابل هذه الورقة من قبل ممثلي النظام الرسميين، الذين انضموا إلى الاجتماع في اليوم الثالث، بالرفض الكامل بكل عنجهية، مما أدى إلى إفشال الاجتماع، رغم تمديده.
ومعلوم، أن تلك الإجراءات قبلها النظام، لاحقًا، بعد أن صدرت بقرار من مجلس الأمن، ولكن بعد خسارة فرصة أن تكون، كما أردنا، فاتحة للبدء بمفاوضات الحل السياسي، مع كل التوفيرات من الكوارث اللاحقة التي انتهت إلى الاحتلالات الخارجية!
********
ولماذا علينا أن لا نتوقع استخدام قانون قيصر، المبرر، حاليًا، بممارسة الضغط على السلطة لحماية للمدنيين والمعتقلين من عسفها الرهيب، وهو مبرر عظيم ولا شك، لو تحقق، نتوقع استخدامه للابتزاز ولكسب الوقت للحصول على تلبية الطلبات الأميركية، التي لا علاقة لها بما هو منصوص عليه فيه، هذه المطالب التي تصبح غير قابلة للإشباع، تمامًا مثل نهم أرباب الفساد للمال.
وهذا ما نقلته الأخبار المسربة من داخل اجتماع “الحوار الاستراتيجي الأمريكي _ العراقي” الجاري في بغداد، والذي ليس فيه من “الإستراتيجية” شيئًا للعراقيين غير الإملاء والاهانة والتهديد من قبل الأمريكيين لهم. وليس هناك حاجة للتأكيد أن هناك زواج وترابط موضوعي بين الفساد والاحتلال!
********
إن أهم ما في أي عقوبات تفرضها دولة قوية على سلطة دولة أخرى فاشلة، ليس ما ورد في نصوص قانون العقوبات، بقدر استخدامه كالعصا المرفوعة للابتزاز وللأمر بتقديم التنازلات، الآن ولاحقًا، مقابل تعليق أو التخفيف من أي بند من بنوده.
وسنتوقع أن يكون من بين أهم التنازلات المطلوبة، حتى من أي سلطة جديدة في سورية، ولو كانت سلطة أمريكية محضة (كما حدث في العراق!) إنما ستكون، إضافة إلى الاستباحة الكاملة لكل شيء في داخل سورية (بعد أن لم يبق شيء غير مستباح من قبل هذا أو ذاك)، القبول بالمطالب الإسرائيلية- الأمريكية (بحجة ضرورتها للأمن القومي الأمريكي!).
مثل التنازل رسميًا عن الجولان المحتل لإسرائيل (وفي مؤتمر القاهرة الأول والأكبر للمعارضة السورية، اجتمع السفراء الغربيون مع بعض المعارضين السوريين، وكان السؤال الرئيس الذي وجهوه لهم: في حال خلافتكم للنظام الذي تريدون إسقاطه، ما هو موقفكم من الاحتلال الإسرائيلي للجولان؟!).
وسيكون من بين المطالب بالتأكيد الانضمام إلى المصفقين لصفقة القرن، ولضم القدس والضفة الغربية وتحقيق يهودية الدولة العنصرية، مع الطرد الجديد للفلسطينيين من بيوتهم في أراضي 1948، والتطبيع الكامل وملحقاته من “دبكات إسرائيلية- عربية” في السفارة الإسرائيلية التي سيقيمها في دمشق أول رئيس مرشح من قبل إسرائيل، ومفروض من قبل قوى الاحتلال هدية لملحقاتهم السورية، مما هو مخطط، وما وفرته جرائم التهجير والتدمير والقتل والهمجية التي مورست في سورية بصورة منهجية على مدى عقود، حتى أصبحت مشهدًا اعتياديًا يوميًا، من مهجنين سوريين للأسرلة!
********
فهل كان السوريون الأمريكيون الذين جاهدوا لإصدار هذا القانون، بدافع مبرر في جوهره، وهو حماية المدنيين السوريين، قد فكروا بسورية الجديدة، أو، على الأقل، بأبسط حاجات أهلهم في سورية أو في الشتات، التي تتطلب إيراد بند في القانون لتأسيس “صندوق النفط مقابل الغذاء”.
وليته كان يصدر عن مجلس الأمن، لتكون الحالة الوحيدة التي تنجو من الفيتو الروسي- الصيني، مادام النفط السوري ينهب من قبل الاحتلال الأمريكي، وليكون ثمن النفط السوري بديلًا عن مؤتمرات دولية لاستجداء الغذاء بلا نتيجة.
فهل فكروا بشعبهم، بل بأهلهم، الذين سيكونون أيضًا من ضحايا الآثار غير المحسوبة للقانون، من بقي منهم ولم يقتل أو يهاجر؟، هذا في الوقت الذي لن تشعر السلطة المجرمة يومًا، بسبب هذا القانون، بأي تضييق يستحيل الالتفاف عليه، ليس بشأن استمرارها وتأمين حاجاتها الأساسية كسلطة قمعية نهابة فحسب، بل ولا بشأن تأمين ملذاتها وملذات أولادها المليارديرية في الخارج وهداياها الباهرة واستمرار حصادها من المليارات، وتقاسمها الأموال مع المحتلين “الضامنين”، وحتى مع غير الضامنين بإيداع أموال الشعب المسروقة لديهم؟
********
فألاهم ليس النصوص، وإنما التطبيق والآثار الفعلية على الأرض وعلى المواطنين وعلى مستقبل الدولة ومستقبل الأبناء، بل والنيات المختبئة خلف النصوص “البراقة” للقانون. فلماذا لم يصدر هذا القانون منذ عرض صور قيصر قبل خمس سنوات أو خلالها، مثلا؟ ليصدر، أخيرًا، قبل ستة أشهر، مربوطًا، بعجالة تصبح موضع تفاخر(!)، بقانون أكبر ميزانية لوزارة الدفاع الأمريكية، كقانون أمريكي داخلي؟
أليس الجواب على هذا السؤال يكمن في أن الاحتلال الأمريكي للجزيرة السورية، أرض النفط والغاز والثروات الزراعية (وثروات أخرى أثمن بكثير مازالت سرية!) اللازمة للشعب السوري كله، قبل السلطة وقوى الأمر الواقع والمحتلين، إن هذا الاحتلال الأمريكي لم يكن قد استكمل بعد؟
ومع بدايات ظهور آثار تطبيقات هذا القانون، والتي هي أكبر من أن تحصر الآن، وبالطبع لن يكون من بينها قطع يد سارقي خبز الشعب السوري وشافطي ثرواته، رغم النصوص التي تسميهم، أو بالأحرى، إعادة فلس واحد من هذه المسروقات لأصحابها الشرعيين- الشعب السوري، والعراق ولبنان وغيرهما أوضح مثال على ذلك.
أليست هذه الآثار والكثير المقبل، الأخطر منها، والتي ليس من بينها، بالضرورة، سقوط النظام وقدوم بدائله أو شركائه المجهزين، وإنما إيقاع المزيد من الأضرار والإرهاق على الشعب الجائع فقط، ومنع قيام سورية الموحدة، ودون أن تتضرر منه السلطة التي يتفاخرون بأنهم خنقوها به!
********
أما بشأن انهيار سعر صرف الليرة السورية، فأنني بعد التأكيد على أن هذا الانهيار كان سابقًا لقانون قيصر وهو يجري على مدى العقود الخمسة السابقة، وكان لي محاضرات وأحاديث وكتابات سابقة عديدة عنه، مع ذلك فلا يجوز نفي أي تأثير لقانون قيصر عليه.
فالعقوبات الأمريكية على روسيا، وهي لا تعاني من حرب طاحنة بين الحكومة والشعب، قد أدت إلى خسارة الروبل نسبة كبيرة من قيمته. وليس مثال إيران وتركيا ببعيد، رغم أن تركيا لم تُفرض عليها عقوبات بقانون، ومع ذلك فقد تدهورت القوة الشرائية لليرة التركية كثيرًا.
أما بالنسبة إلى سوريا، فيكفي أن نطالب القائلين بأن قانون قيصر لا يعاقب الشعب السوري، ولن يتضرر منه المواطنون السوريون، بقراءة تصريح جيمس جيفري المبعوث الأمريكي إلى سوريا، الذي قاله أمام الشركاء السوريين في صياغة قانون قيصر قبل أيام.
حيث أكد على الأثر الكبير للقانون على تفاقم انهيار الوضع الاقتصادي والمعيشي، والارتفاع الكبير في الأسعار نتيجة انهيار سعر صرف الليرة السورية …الخ، بالإضافة إلى قوله بصراحة كاملة، بأن الولايات المتحدة قد تقدمت للنظام بعرض تغض فيه الطرف عن إزالة النظام وتطالبه فقط بتحسين سلوكه!
********
وبينما يصب الأمريكيون الماء البارد على السوريين القائلين بأن القانون سيكون الضربة القاضية التي ستعجل بسقوط النظام، وأنه لن يضر الشعب السوري، فإن آثار القانون على المواطنين السوريين المنكوبين، (المدنيين، الذين يقول القانون في عنوانه إن هدفه هو حمايتهم!) أي على 90% من الشعب السوري، ستكون مثل أثر صب الزيت على النار.
فالنار أوقدت منذ مطلع عام 2011، بل منذ الثمانينات، وهي منذ ذلك الوقت، وبالأخص خلال السنوات التسع الأخيرة، تزداد اشتعالًا، وبالأخص بعد التخلي عن الليرة السورية، منذ أيام، لصالح الليرة التركية في الشمال المحتل، تركيا، أو لصالح الدولار في منطقة الجزيرة المحتلة ، أمريكيًا.
هذا مع استمرار وقوع أكثرية الدخل السوري في مناطق سيطرة النظام بيد الفاسدين المزمنين واضعي اليد على أموال الشعب، الذين يسارعون، يوميًا، لتبديل الليرات السورية، التي لم تكلفهم شيئًا، بالدولار، إلى أن تصبح الليرة السورية عديمة القيمة، تمامًا، مثلما أصبح عليه النقد الألماني في الحرب العالمية الثانية، ومثل عملات أخرى لسلطات فاسدة في عصرنا.
ولن تقع المعاناة الناجمة عن ذلك على المعاقبين بالقانون، إذ أن أموالهم ستستمر بالازدياد، بل ستقع المعاناة، تحديدًا، على غير المعاقبين بنصوصه، من المدنيين الذين يقول القانون في عنوانه إن هدفه هو حمايتهم، ودون أن يفكر أحد بتعويضهم عن خسائرهم التي لا يحتملونها، وذلك بتوزيع ثمن النفط، المسروق الآن، عليهم، كسلع أساسية.
********
وشهادة حق تقال: إن القانون قد يكون بالغ الروعة لو كنا نعيش في عالم تحكمه مبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون (التي كانت ردًا على أو استجابة لمرسوم السلام الذي أصدره لينين، زعيم الاتحاد السوفييتي الجديد) خلال خطابه يوم 8/1/1918 أمام الكونجرس، والتي وصفها نظيراه الانكليزي والفرنسي بأنها تمثل (الأخلاقية المثالية غير القابلة للتطبيق).
أو لو كانت الإدارة الأميركية الحالية هي تلك الإدارة التي أرسلت في عام 1919، بناءً على قرار من عصبة الأمم ، لجنة كينغ- كرين إلى سورية، لتجتمع في فندق الشرق في ساحة الحجاز، بممثلين من مختلف أطراف سورية الطبيعية، من فلسطين وغيرها، وتكتب تقريرها إلى عصبة الأمم، الذي تقول فيه بأنه تأكد لهم أن الشعب السوري على درجة كافية من الحضارة والمدنية لأن يحكم نفسه بنفسه، دون حاجة إلى أوصياء عليه، بخلاف ما كانت قد قررت عصبة الأمم!
ولو كان العالم محكوما بأمم متحدة نافذة سلطتها على الجميع على قدم المساواة، ولا يعلو عليها سلطة دولة متمردة، مارقة، تعمل عكس مبادئها وقانونها وقراراتها، وهي أبعد ما تكون عن تمثل قيم ومبادئ الحق والعدل على النطاق الدولي، ويقوم رئيسها بإهداء ما لا يملك إلى من لا يستحق، ويهدد المحكمة الجنائية الدولية إذا ما قررت توجيه الاتهام إلى أي مجرم أمريكي، مهما ارتكب من جرائم بحق الغير.
مثل ذلك الجندي الأمريكي الذي يتفاخر علنًا أنه قتل لوحده 2750 عراقيًا مدنيًا، دون أن يتهم من قبل دولته بأي جريمة، في تحصين كامل لكل من ارتكبوا جرائم القتل والتعذيب العمد، سواء ضد العراقيين، أو، بالتكافل والتضامن مع الإرهابيين الصهاينة، ضد الفلسطينيين وغيرهم من العرب.
بل من يرتكبون الجرائم حتى ضد الأمريكيين الملونين أنفسهم، باعتبار أن المجرم، إذا كان عسكريًا أو شرطيًا أمريكيًا، فهو كائن عصي على المحاكمة من قبل من هم “أدنى منه قيمة!” من ضحاياه، أو من قبل محكمة جنائية دولية تقوم على المساواة بين الناس أمام القانون، ويبقى في حِل من العقاب!
ترى ماذا يعني ذلك إن لم يكن شوفينية عنصرية فوق القانون الإنساني الدولي؟، وكيف تكون هكذا عنصرية مستحقة لأن تلعب دور “حكيم العالم” الحامي لحقوق الإنسان في العالم كله، هذه المكانة التي يستحقها، والحق يقال، المفكر الأمريكي الكبير الحي نعوم تشومسكي، وليس، بالتأكيد، رئيس الصدفة الأمريكي دونالد ترامب؟
********
ولكن، قبل توجيه الاتهام لأي دولة أو مسؤول في العالم بممارسة الإجرام، أو بتغطيته والتحريض عليه ، يجب أن نسأل أنفسنا، نحن العرب: هل ترك مجرمو دولنا أي فرصة لمجرم آخر في العالم أن يتصدر ويتفاخر عليهم بالإجرام والإرهاب؟
إن مصداقيتنا رهينة بالأمانة والصدق في الجواب على هذا السؤال، كما أن في هذا الجواب يكمن الشفاء من الداء العضال- داء خسران التعاطف والقيمة إمام العالم، وبالتالي، يكمن الفوز باحترام الذات، أولاً، من أجل الفوز باحترام الآخرين والارتقاء نحو المستقبل الأفضل.
وأخيرًا أقول، لم يبق أمام السوريين، جميع السوريين، إلا إدراك حقيقة أن مصيرهم مرتبط باجتماعهم، وبخروجهم من تحت ظلال الآخرين ومن جيوبهم الصغيرة، بعودتهم إلى الذات وإلى الوطن الديمقراطي الحر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) د. عارف دليلة، هو أستاذ الاقتصاد السياسي والاقتصاد السوري والعربي والدولي في الجامعات السورية، وعميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق سابقًا.
وهو خبير اقتصادي عربي، له العديد من الكتب الاقتصادية المؤلفة والمترجمة المنشورة في سوريا وبيروت، والعديد من الأبحاث الاقتصادية والسياسية
ومعروف عنه معارضته للفساد والاستبداد على مدى عقود، تعرض للصرف من الخدمة عام 1998، وتعرض للاعتقال في 9/9/2001، حيث كان من بين المعتقلين لإخماد ربيع دمشق، وحكم عليه بالسجن الانفرادي لمدة عشر سنوات.
أخلي سبيله عام 2008، وعاد لإلقاء المحاضرات، ونشر البحوث المعارضة، والمشاركة في الحراك الوطني للتغيير، ولكنه لم ينخرط في هياكل المعارضة التي تشكلت في الخارج، لقوله عنها إنها ولدت ميتة، وأنها أنشئت من أجهزة خارجية، وأغرقت بالأموال والسلاح والمتطوعين المتطرفين المعادين لأهداف الشعب السوري التحررية.
—————————–
========================
===========================
تحديث 25 حزيران 2020
—————————–
سينهار الاقتصاد السوري وإن انتهت “الحرب الأهلية”
يواجه الرئيس بشار الأسد تهديدات لا يمكنه إلقاء القنابل عليها، مع اندلاع الاحتجاجات على مستوى المعيشة وظهور الخلافات بين النخبة الحاكمة.
الرئيس بشار الأسد، الذي ربح الحرب الأهلية السورية تقريبًا، يواجه الآن أزمة اقتصادية حادة أفقرت الشعب كله، وسببت انهيارًا في العملة، وأوجدت شرخًا نادرًا في النخبة الحاكمة.
أصبحت الرواتب الحكومية تقريبًا بلا قيمة، اندلعت احتجاجات ضد انخفاض مستوى المعيشة في جنوب البلاد. قيمة الليرة السورية منخفضة جدًا، لدرجة أنه انتشرت منشورات ساخرة على صفحات التواصل الاجتماعية تصوّر العملة السورية كورق للسجائر.
تعاني الحكومة ضغوطًا شديدة للحصول على المال، لدرجة أنها تضغط على رجال الأعمال الأثرياء للمساعدة في دعم الدولة، وهي خطوة دفعت قطب الأعمال السوري إلى انتقاد الحكومة علنًا.
طوال تسع سنوات، استخدم الأسد القوة الوحشية لضرب المعارضة التي سعت إلى إنهاء قبضة عائلته على حكم البلاد الممتد من عقود. ولكنه الآن، بعد أن أنهى معارك كبيرة خلفه، يواجه تهديدات جديدة لا يستطيع أن يلقي عليها القنابل أو الاعتماد على حلفائه القلائل لمساعدته هذ المرة.
انخفضت قيمة الليرة السورية وتضاعفت أسعار السلع الغذائية المستوردة مثل السكر والبن والدقيق والأرز إلى ثلاثة أمثالها
إنّ تجرُّؤ الملياردير، وهو من الدائرة الداخلية للأسد، بطرح نزاعه مع الحكومة على الرأي، دليلٌ على ضعف سلطة الأسد، وإن العقوبات الاقتصادية الأميركية الصارمة التي تدخل حيز التنفيذ الأربعاء من المرجح أن تجعل الأمور أسوأ.
قال داني مكي، المحلل السوري في معهد الشرق الأوسط بواشنطن: “إن مشكلة الأسد هي أنه ليس لديه حل”، وأضاف: “سوف تُخلق أزمة شديدة، وعليه إما أن يتحدث إلى الأميركيين ويقدّم تنازلات لهم، أو أن يتحمّل ما قد يكون انهيارًا اقتصاديًا كبيرًا”.
أدت الحرب إلى اختناق الاقتصاد السوري، حيث انخفض إلى ثلث الحجم الذي كان عليه قبل الحرب، إضافة إلى خسائر تُقدّر بمئات المليارات من الدولارات.
وتشير أحدث أرقام متاحة إلى أن قرابة 80 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن نسبة العاطلين عن العمل بلغت، في نهاية عام 2019، حوالي 40 بالمئة، وزاد معدل البطالة أكثر مع القيود الحكومية للسيطرة على فيروس كورونا.
وأدى انهيار العملة السورية إلى تفاقم الأزمة، حيث كانت قيمة الدولار الأميركي الواحد قبل الحرب تعادل حوالي 50 ليرة سورية، ثم بلغت قيمة الدولار، في السنوات الأخيرة من الحرب، مئات الليرات، ثم بدأت قيمة الليرة الانخفاض في الخريف الماضي، في ارتباط مع الأزمة المالية في لبنان، حيث إن العديد من السوريين يُودعون أموالهم هناك. إضافة إلى أن الضوابط غير الرسمية للبنوك اللبنانية، لتقييد الرأسمال المسحوب، منعَت السوريين الذين يتعاملون مع هذه البنوك من سحب الدولار.
الأسبوع الماضي، انخفضت قيمة الليرة السورية، في السوق السوداء، إلى 3500 ليرة مقابل الدولار الواحد، وأدى ذلك إلى انهيار القدرة الشرائية لموظفي الحكومة. في المقابل تضاعفت أسعار المواد الغذائية المستوردة، مثل السكر والبنّ والدقيق والأرز، مرتين أو ثلاث مرات.
وبحسب السيد مكي، وجميل السيد، رئيس الأمن اللبناني السابق الذي التقى المسؤولين السوريين، فإن الحكومة تستهدف رجال الأعمال السوريين، للحصول على الأموال للمساعدة في تمويل رواتب وخدمات الحكومة، ومعظم رجال الأعمال الذين تم الاتصال بهم وافقوا بهدوء، ولكنهم لم يذكروا المبلغ الذي دفعوه إلى الحكومة.
لكن أكثر رجل أعمال شهرةً في سورية -رامي مخلوف، الملياردير الاقتصادي الذي يمتلك حيازات في قطاعات الكهرباء والنفط والاتصالات- رفض، وقد خلق رفضه انقسامًا نادرًا على أعلى المستويات في المجتمع السوري.
وكما هو معروف فالسيد مخلوف هو ابن خال السيد الأسد ورفيق طفولته، وقد استخدم علاقات القرابة تلك لكي يصبح واحدًا من أكثر الرجال ثراءً في سورية.
فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على السيد مخلوف في عام 2008 بتهمة الفساد، وجمدت أصولًا كان يملكها في البنوك الأميركية، ووصفته الوزارة بأنه “أحد مراكز الفساد الأساسية في سورية”، وقالت إنه “جمع إمبراطوريته التجارية، باستغلال علاقاته مع أعضاء النظام السوري”، وإنه “تلاعب بالنظام القضائي السوري، واستخدم مسؤولي المخابرات السورية لترهيب منافسيه التجاريين”.
عندما رفض السيد مخلوف الدفع [إلى حكومة الأسد]، أدارت الحكومة المسامير عليه، وحظرت عقوده، وجمدت أصوله، وسحبت حوالي 180 مليون دولار من الرسوم على سيريتل، المشغل الرئيس لشبكة الهاتف المحمول في البلاد، التي هي كالبقرة التي تدرّ نقدًا للسيد مخلوف.
في المقابل، أعلن السيد مخلوف، عن طريق نشر سلسلة من مقاطع الفيديو على حسابه في (فيسبوك)، أنه يشكو من اعتقال موظفيه، وصوّر نفسه على أنه راع لأجهزة الأمن، ودعا الأسدَ إلى تصحيح الأمور. قال مخلوف في أحد مقاطع الفيديو: “الوضع خطير”. وقال إنه إذا استمر الضغط عليه وعلى موظفيه، فسوف تكون هناك “العدالة الإلهية، لأننا بدأنا منعطفًا خطيرا”. لم تنجح الجهود للوصول إلى السيد مخلوف من خلال حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي.ذكر محللون ومساعدون سابقون للسيد الأسد أن حملة السيد مخلوف العامة كشفت عن هشاشة جديدة في الدائرة الداخلية للسيد الأسد، وقال فراس طلاس، وهو شريكٌ سابق لعائلة الأسد انشق في وقت مبكر من الحرب: “يعاني النظام العديد من المشاكل الاقتصادية وغيرها، ولولا ذلك ما تجرأ مخلوف على الظهور في مقاطع الفيديو هذه”.
كعلامة أخرى على الاضطرابات في الحكومة، أقال الأسد رئيس الوزراء عماد خميس، في خطوةٍ قال محللون إنها تسعى إلى تخفيف اللوم عن الضائقة الاقتصادية في البلاد، خوفًا من أن يتذمّر الجمهور في المناطق الهادئة من البلاد، ويؤجج الاضطرابات، واعتقلت قوات الأمن عددًا من المواطنين الذين كتبوا عن الفساد والتدهور الاقتصادي، على وسائل التواصل الاجتماعي.
في نيسان/ أبريل، كتب أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق، زياد زنبوع، على صفحته في (فيسبوك) أنه تم فصله، بعد أن تحدث علنًا عن تآكل الطبقة الوسطى في سورية. كتب السيد زنبوع: “لماذا يعاقَب أستاذ جامعي، في وجود المؤسسات والقانون؟ لأنني ارتكبتُ أكبر قدر من الوقاحة: لقد تحدثتُ؟!”
اندلع الغضب بشأن انخفاض سبل العيش، حتى بين أفراد الأقلية العلوية التي ينتمي إليها الأسد، الذين قاتل شبانهم بأعداد كبيرة مع قواته، ليكتشفوا أنهم سيشاركون في فقر البلاد بدلًا من جني ثمار النصر. ذكر رجل علوي له أقارب في الجيش أن انهيار العملة جعل رواتبهم بلا قيمة عمليًا، وفي وقت يحصل الضباط في الجيش على راتب يعادل أقل من 50 دولارًا في الشهر، فإن الجنود يتلقون أقل من ثلث ذلك.
قال الرجل، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن اسمه لتجنب الاعتقال: “لقد ضحّينا بعشرات الآلاف من أبنائنا ورجالنا، للدفاع عن سورية الموحدة والقوية، وللعيش بكرامة، على الرئيس أن يجد حلًا أو يرحل”.
السيد الأسد، الذي يَظهر أحيانًا في الأماكن العامة مرتديًا بدلات داكنة وربطة عنق رسمية، لم يردّ علنًا على السيد مخلوف، إنما ألقى باللوم على مؤامرات أعداء أجانب -الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وغيرها- يقفون وراء مشاكل بلاده.
نادرًا ما عالج الأسد المعاناة الاقتصادية التي تثقل كاهل مواطنيه، لكنه قال، الشهر الماضي، للجنة: إن القيود المفروضة على الأعمال والحركة التي تهدف إلى منع انتشار فيروس كورونا قد حاصرت السوريين، “بين الجوع والفقر والحرمان من جهة، والموت من جهة أخرى”.
تمكّن السيد الأسد من استعادة معظم البلاد، باستثناء بعض الجيوب في الشمال ومعظم الشمال الشرقي، بمساعدة عسكرية سخية من روسيا وإيران. لكن هؤلاء الحلفاء، الذين هم أنفسهم يصارعون في ظل العقوبات الغربية، من غير المرجح أن ينقذوه ماليًا. وقد أثار المسؤولون في كلا البلدين تساؤلات حول كيف سيدفع لهم السيد الأسد مقابل دعمهم.
قال المحلل السوري مكي: “الروس والإيرانيون والحلفاء لن يقوموا بدفع الأموال إلى سورية، إنهم يريدون عائدًا على استثمارهم”.
المزيد من الألم يلوح في الأفق، إذ ستفرض الولايات المتحدة عقوبات جديدة شاملة، عن طريق قانون قيصر، يمكن أن تستهدف رجال الأعمال الذين يحتاج إليهم الأسد لإعادة بناء المدن المدمرة.
قانون قيصر، الذي سُمّي على اسم مصور الشرطة السوري الذي انشق وأخذ معه صور آلاف السجناء الذين تعرضوا للتعذيب والقتل في الحجز السوري، يجيز لرئيس الولايات المتحدة معاقبة أي شخص يتعامل مع الحكومة السورية أو مسؤوليها، أو يقدم دعمًا كبيرًا لها. ويستهدف على وجه التحديد أي شخص يقدّم قطع غيار الطائرات، أو يقدّم خدمات لصناعة النفط السورية، أو يشارك في مشاريع هندسية أو إنشائية للدولة، أو الأشخاص المرتبطين بها.
وقال محللون إن التشريع واسع للغاية، لدرجة أن كيفية تطبيقه غير واضحة تمامًا، لكنه خلق بالفعل حالة من الجمود، من خلال شركات المنطقة التي تتطلع إلى فرص للاستفادة من جهود إعادة الإعمار في سورية.
قال خضر خضور، محلل شؤون سورية في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت: “إذا كنتُ رجل أعمال، ولديّ بضعة ملايين من الدولارات لأستثمرها، فلن أذهب إلى سورية اليوم، إنها مخاطرة كبيرة”.
العنوان الأصلي للمادة Syria’s Economy Collapses Even as Civil War Winds to a Close
الكاتب Ben Hubbard
المصدر نيويورك تايمز 15 حزيران/ يونيو 2020
الرابط https://www.nytimes.com/2020/06/15/world/middleeast/syria-economy-assad-makhlouf.html?searchResultPosition=1
المترجم وحدة الترجمة- محمد شمدين
lvö, pvl,k
————————
قانون “قيصر سورية” للحماية المدنية… ما له وما عليه/ حسان الأسود
مقدّمة:
بتاريخ 17 كانون الأول/ ديسمبر 2019، وافق مجلس الشيوخ الأميركي على “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”. وقد مرّ مشروع القانون بمراحل متعددة قبل أن يرى النور، وكان لأفراد كثر من الجالية السورية المؤيدة للثورة والمعارضة لنظام الأسد دورٌ كبيرٌ في صدوره، بدءًا من التواصل مع المصوّر في الشرطة العسكرية المنشق عن نظام الأسد، لتأمين سبل تقديم شهادته أمام الكونغرس، وصولًا إلى لحظة توقيعه من قبل الرئيس ترامب، وطوال الأشهر الستة التي تلت ذلك لبدء سريانه.
في إجابته عن سؤال حول القوى التي ساهمت في استصدار قانون قيصر، يقول رئيس المجلس السوري الأميركي الدكتور زكي لبابيدي: “أسهم كثير من أعضاء الجالية في إنجاز القانون، سواء أكانوا يعملون في منظمات أو من خارج تلك المنظمات الست التي كانت فاعلة في ذلك الوقت، وهي منظمة طوارئ سورية، والمجلس السوري الأميركي، وأميركيون من أجل سورية حرة، والمعهد السوري للتقدم، ومنظمة كيله، ومنظمة سوريون مسيحيون من أجل السلام. وقد دفعت الجالية مبالغ مالية كبيرة لتأمين عقد لقاءات مع أعضاء الكونغرس (أعضاء مجلس الشيوخ أو أعضاء مجلس النواب) لتمرير قانون قيصر، وكان هذا الأمر مهمًا جدًا، ولذلك تم العمل عليه سنوات عديدة، ولم تبخل الجالية بجهد كي يتم تمرير القانون” [1].
احتاجت الجالية السورية إلى خمسة أعوام من العمل المتواصل والدؤوب، للوصول إلى توقيع الرئيس الأميركي ترامب “قانون قيصر”، فقد اضطرت إلى تمريره في مجلس النواب مرّة في عهد أوباما، ومرّتين في عهد ترامب، لكنّه كان يسقط كلّ مرة في مجلس الشيوخ، بسبب معارضة السيناتور راند بول. وأخيرًا تمّ تمرير القانون في مجلس الشيوخ، كجزء من قانون موازنة الدفاع الوطني للسنة المالية 2020، وبتاريخ 20/12/2019، وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
توصيف القانون:
يُعدّ قانون قيصر أحد أشكال العقوبات القاسية التي يمكن أن تفرضها دولة على دولة أخرى، وتأتي أسباب القسوة من عوامل عدّة، لعلّ أهمّها أنّ القانون يمتلك أدوات تنفيذه؛ فالولايات المتحدة الأميركيّة ليست كأي دولة أخرى في العالم، لأنها تستطيع أن تلحق الضرر بأي دولة أو شركة أو منظمة أو فرد تستهدفه بعقوباتها؛ وذلك بسبب قوّتها الاقتصادية وتحكّمها إلى درجة كبيرة في النظام المالي العالمي، من خلال المؤسسات المالية والبنوك، ومن خلال قوّة عملتها المسيطرة على نسبة كبيرة من التبادلات التجارية العالمية.
يمكن مقارنة قانون قيصر، من حيث القوّة، بالعقوبات التي يفرضها مجلس الأمن تحت الفصل السابع، على الرغم من اختلاف آليات تنفيذ كلّ منهما. غير أنّ قانون قيصر لم ينصّ على استخدام القوّة العسكرية لفرض العقوبات الواردة فيه، بعكس العقوبات الأممية المذكورة التي رأينا تطبيقها الصارم على العراق، بعد احتلال الكويت عام 1990.
تبقى العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر عقوبات فردية وليست أممية، ويعود ذلك بالتأكيد إلى وصف القانون ذاته، فهو قانون أميركي لا يدخل ضمن منظومة القانون الدولي. ويترتب على ذلك مسائل مهمة تتعلق بتفسير أحكام القانون، عند وقوع التباس حول بعض المصطلحات، أو عند تقييم بعض الأعمال أو الإجراءات المنصوص عليها فيه. وكمثال على ذلك، يمكننا طرح معيار “الأهميّة” الواجب اتّصاف النشاط بها، وقد تحدّثت عنه الفقرة (دال) من المادة 101 من القانون، حيث نصّت على “تقديم خدمات بناء أو خدمات هندسية مهمة إلى الحكومة السورية، بشكل مباشر أو غير مباشر”.
فالذي يحدد ما هو مهم أو غير مهم، في معرض تقييم الخدمات المقدمة إلى الحكومة السورية، هو الإدارة الأميركية وأجهزتها المتخصصة، وليس أحد غيرها. كذلك ينطبق الأمر على حالات الاعتراض التي يمكن أن يلجأ إليها الأفراد أو التي يمكن أن تقدّمها الكيانات المدرجة على لائحة العقوبات، فهذه ستقدّم ضمن إطار النظام القانوني الأميركي حصرًا.
الفرق بين قانون “قيصر” وبين العقوبات الأميركية السابقة
سبق أن فرضت الإدارات الأميركية المختلفة عقوبات على سورية، قبل اندلاع الثورة السورية، فكانت العقوبات المفروضة عام 2004، بموجب الأمر التنفيذي 13388 لمواجهة سياسة النظام السوري بمواصلة احتلال لبنان ودعم الإرهاب ومتابعة برامج أسلحة الدمار الشامل والصواريخ، ثم تبعتها العقوبات المفروضة بموجب الأمر التنفيذي رقم 1399 التي جاءت بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري واثنين وعشرين لبنانيًا آخرين عام 2005، وبعد اندلاع الثورة السورية، فرضت إدارة الرئيس أوباما العديد من العقوبات على النظام السوري، من بينها القانون الخاص بمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في سورية.
لكن ما يتميّز به قانون قيصر عن تلك العقوبات أنه: [2]
يستهدف القانون جميع المتعاملين مع الحكومة السورية، ومن ضمنهم الأشخاص الأجانب من غير الأميركيين، بينما استهدفت العقوبات الأشخاص الأميركيين فقط.
حدد القانون مدّة خمسة أعوام قابلة للتجديد لسريان مفاعيله، بينما جاءت العقوبات السابقة مفتوحة المدّة، وتبقى سارية إلى أن يتمّ إلغاؤها بأمر تنفيذي خاص من الجهة التي أصدرتها.
مفردات القانون ومطارح تطبيقه
توزّعت مواد قانون قيصر على أقسام عدّة، عالج كل قسم فيها موضوعًا محددًا، وفي كل قسم تمّ تحديد مطارح معيّنة لتطبيق العقوبات الواردة فيه، سنذكرها بحسب الترتيب التي وردت به.
أولًا: القسم الخاص بالإجراءات الإضافية المتعلّقة بالأمن الوطني الأميركي بخصوص سورية. ويشمل هذا القسم:
* تدابير متعلّقة بالبنك المركزي السوري، فقد نصّت المادة 101 من القانون على أن يحدد وزير الخزانة الأميركي، في موعد أقصاه 180 يومًا، إمكانية وجود أسباب منطقيّة للاستنتاج بأن البنك المركزي السوري هو مؤسسة مالية تعنى أساسًا بغسل الأموال [3].
* عقوبات مفروضة على الأشخاص الأجانب من غير الأميركيين، إذا قاموا عن عِلم بأيّ من النشاطات المنصوص عليها في المادة 102 من القانون، وهي:
أ – توفير دعم مهم مالي أو مادي أو تقني للحكومة السورية.
ب _ الدخول في صفقة كبيرة مع:
– الحكومة السورية أو أي كيان تملكه أو تسيطر عليه، أو مع شخصية سياسية رفيعة في الحكومة السورية.
– شخص أجنبي، مقاول عسكري أو مرتزق أو قوة شبه عسكرية تعمل عن عمد، بصفة عسكرية، داخل سورية لمصلحة حكومة سورية أو باسمها، أو حكومة الاتحاد الروسي، أو حكومة إيران.
– شخص أجنبي خاضع للعقوبات بموجب قانون الصلاحيات الطارئة الدولي (الأميركي طبعًا) في ما يتعلق بسورية أو أي حكم قانوني آخر يفرض عقوبات على سورية.
ج – بيع أو تقديم سلع أو خدمات أو تكنولوجيا أو معلومات أو دعم مهم أو أي دعم آخر يسهّل بشكل كبير صيانة أو توسيع الإنتاج المحلّي للحكومة السورية للغاز الطبيعي أو البترول أو المنتجات البترولية.
د – بيع أو تقديم قطع غيار للطائرات، أو قطع الغيار التي تستخدم لأغراض عسكرية في سورية لصالح أو نيابة عن الحكومة السورية، لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة معها.
هـ – توفير سلع أو خدمات مهمة مرتبطة بتشغيل الطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية في سورية لصالح أو نيابة عن الحكومة السورية، لأي شخص أجنبي يعمل في منطقة تخضع لسيطرة مباشرة أو غير مباشرة من قبل الحكومة السورية أو القوات الأجنبية المرتبطة معها.
و – تقديم خدمات بناء أو خدمات هندسية مهمة إلى الحكومة السورية، بشكل مباشر أو غير مباشر.
* تشمل هذه العقوبات المنصوص عليها في المادة 102 ما يلي:
– الحجز على أملاك وأموال المخالف الموجودة داخل الولايات المتحدة أو في حوزة أو سيطرة شخص من الولايات المتحدة.
– إلغاء تأشيرات وسمات الدخول (الحالية) إلى الولايات المتحدة الممنوحة للمخالفين، وحرمانهم من الحصول عليها.
– المنع من الحصول على أي منفعة بموجب قانون الهجرة والجنسية.
* تطبّق هذه العقوبات على أي شخص ينتهك أو يحاول انتهاك أو يتآمر على الانتهاك، أو يتسبب في انتهاك هذه العقوبات.
ثانيًا: القسم الخاص بالمساعدة المقدّمة للشعب السوري
يشمل هذا القسم مجموعة من الأحكام التي نصّت عليها المادة 201 من القانون، وهي:
تقييم ومراقبة برامج المساعدة الأميركية الحالية.
تقييم الطرق المحتملة لتحسين حماية المدنيين في سورية.
دعم جهود جمع الأدلّة التي تتعلق بانتهاكات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية.
قوننة أو تدوين بعض الخدمات من أجل دعم النشاطات المرخصة للمنظمات غير الحكومية.
أحكام حول تقديم الرئيس الأميركي لاستراتيجيته للمساعدة في تسهيل قدرة المنظمات الإنسانية على الوصول إلى الخدمات المالية، من أجل تسهيل تقديم المساعدة في الوقت المناسب وبشكل آمن إلى المجتمعات المحتاجة في سورية.[4]
ثالثًا: القسم الخاص بالتعديلات على قانون محاسبة انتهاكات حقوق الإنسان في سورية لعام 2012، وتشمل: [5]
فرض عقوبات على بعض الأشخاص المسؤولين أو المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد المواطنين السوريين أو أفراد أسرهم.
فرض عقوبات، في ما يتعلق بنقل البضائع أو التكنولوجيا إلى سورية، التي يُحتمل أن تُستخدم لارتكاب انتهاكات حقوق إنسان.
مجالات تطبيق القانون
واضح من قراءة نصوص قانون قيصر أنّه يفرّق بين نوعين من العقوبات: أحدها يمكن وصفه بـ “العقوبات القطّاعية” التي تستهدف قطاعات اقتصاديّة أو ماليّة محددة، مثل قطاعات الطيران والنفط والغاز والتكنولوجيا ومواد البناء والخدمات الهندسية، ومثل القطاعات المالية والمصرفية، وثانيها يوصف بـ “العقوبات الفردية” التي تستهدف فئات محددة من الأشخاص والكيانات التي تربطها بالحكومة السوريّة علاقات تعاون تساعدها في ارتكاب مزيد من الجرائم بحقّ المدنيين السوريين.
تهدف الفئة الأولى من العقوبات إلى حرمان الحكومة السورية من مواردها الاقتصاديّة والمالية، وكذلك الحدّ من خدمات التكنولوجيا التي تساعدها في تطوير قدرات أجهزتها الأمنية والعسكرية، والنتيجة الحدّ من قدرتها على الإضرار بالمدنيين في سورية.
أمّا الفئة الثانية، فتهدف إلى ردع المتعاملين مع الحكومة السورية بشكل خاص، بحيث يُجبرون على المقارنة بين الفوائد التي يمكن أن يجنوها من تعاملهم معها، وبين الخسائر المحتملة من منعهم من التعامل مع الحكومة الأميركية. كما تهدف إلى خلق حالة من الردع العام لكلّ من يفكر في التعامل مع الحكومة السورية، لكونه سيغامر بخسارة مصالح أكبر وأعمق يمثلها تعامله مع الحكومة الأميركية.
ومن النقاط المهمّة التي تجب الإشارة إليها، أنّ قانون قيصر لا يمنع المواطنين والأشخاص الأميركيين من التعامل مع الحكومة السورية فقط، بل يستهدف أي شخص غير أميركي طبيعي أو اعتباري، وكذلك الكيانات والدول الأجنبية.
ولا بدّ من ملاحظة أنّ القانون استخدم عبارة “الحكومة السورية”، عندما تكلّم عن مطارح تنفيذ العقوبات والأشخاص والكيانات المفروضة عليها في حال تعاملها معها، ولم يستخدم العبارة الرائجة في التعامل السياسي أي “النظام السوري”. مردّ ذلك -بطبيعة الحال- إلى الفرق بالمصطلحات بين لغة التشريع والقانون وبين لغة السياسة. لا يستخدم المشرّع مصطلحات عائمة غير معرّفة بموجب قواعد قانونية ثابتة، فلغة القانون تتسم بصفات عديدة من أهمّها العمومية والثبات، بينما يستخدم الساسة مصطلحات عائمة مرنة غير واضحة الحدود بشكل قاطع، للتعبير عن مواقف متغيّرة بتغيّر المصالح الموجبة لاتخاذها. وعندما استخدم القانون عبارة أو مصطلح “النظام السوري” في الفقرة 3 من البند 1 من المادة 301، في معرض اشتراطه “إطلاق سراح جميع المساجين السياسيين الذين يتم احتجازهم قسرًا في نظام السجون في نظام بشار الأسد”؛ فإنه كان يميّز بين الحكومة الرسمية التي لا تملك أي سيطرة فعلية على هذا الملف، وبين الأجهزة الأمنيّة صاحبة القرار الفعلي فيه.
لعلّ هذا التوضيح يُبدد بعض المخاوف التي ثارت في نفوس كثير من السوريين (التي عززتها بطبيعة الحال سياسة البروباغندا التي استخدمها النظام السوري لمواجهة استحقاقات هذا القانون) من أنّ العقوبات لن تستمر لتشمل سورية بعد حصول التغيير السياسي فيها. سيكون لشرح القسم المتعلّق بوقف تنفيذ هذا القانون، وللقسم الخاص بإنهاء العمل به، أثرٌ واضحٌ في إجلاء هذه المخاوف.
سيكون من المهمّ في هذا المجال التذكير بموقف عدد كبير من منظمات المجتمع المدني السوري التي وقّعت على ورقة تحدد فيها موقفها من العقوبات المفروضة على سورية، والتي تشمل بطبيعة الحال الموقف من قانون قيصر، على الرغم من عدم الإشارة إليه في تلك الورقة، لكن وحدة السبب والأهداف بين هذه الإجراءات والعقوبات تجعلنا نفترض وحدة الموقف منها.
ورد في تلك الورقة ما يلي:[6]
إنّ هذه العقوبات وسيلة فعّالة لمحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية في سورية، في ظل تباطؤ آليات المحاسبة الأخرى في الوقت الحالي، ولكنها بالتأكيد ليست بديلًا عن المحاكمات العادلة لمرتكبي جميع انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية في سورية.
إنّ العقوبات أداة مهمة للضغط على النظام السوري وحلفائه ورجال الأعمال المرتبطين به، من أجل وقف انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية في سورية، ولكنها ليست هدفًا بحدّ ذاتها. لذلك يجب التأكيد على أن يكون الهدف من هذه العقوبات هو العدالة الانتقالية، والسعي نحو التحوّل الديمقراطي الفعلي والحقيقي الذي يؤسس لسلام مستدام.
لا شكّ في أنّ للعقوبات، وخاصّة العقوبات القطاعيّة، أضرارًا جانبية على المدنيين في سورية، ولكن القول بأنّ هذه العقوبات هي سبب الأزمة الاقتصادية والإنسانية في سورية هو كلام غير دقيق، يتم الترويج له بشكل أساسي من قبل النظام السوري وحليفته روسيا. ولذلك لا بدّ من التأكيد أنّ السبب الأوّل والرئيس للأزمة الإنسانية والاقتصادية في سورية هو الدمار الهائل الذي تسبب به القصف الجوي من قبل النظام السوري وروسيا خلال السنوات الماضية. عشرات المدن والبلدات السورية مدمّرة بشكل شبه كامل، إضافة إلى الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنى التحتية ومن ضمنها المشافي والمدارس والمعامل، وأدّى ذلك إلى نزوح أكثر من نصف سكان سورية، وساهم بشكل كبير في نقص اليد العاملة وهجرة رؤوس الأموال إلى الخارج وانهيار الليرة السورية، وتسبّب بالأزمة الإنسانية والاقتصاديّة الحالية. ومن الممكن القول إن العقوبات قد تكون ساهمت في تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية، ولكنها ليست بالتأكيد السبب الرئيس لهذه الأزمة.
تعليق تطبيق القانون
تحت بند العنوان الثالث: أحكام عامة، نصّت المادة 301 من قانون قيصر على الحالات التي يمكن فيها تعليق تطبيق هذا القانون، وهي:
أولًا: بصفة عامة – يجوز للرئيس أن يعلق كليًا أو جزئيًا فرض العقوبات التي يتطلبها هذا القانون لفترات لا تتجاوز 180 يومًا، إذا قرر الرئيس أن المعايير التالية قد استوفيت في سورية:
لم تعد الحكومة السورية أو حكومة الاتحاد الروسي يستخدمان المجال الجوي فوق سورية لاستهداف السكان المدنيين من خلال استخدام الأجهزة الحارقة، ومن ضمنها البراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والأسلحة التقليدية، ومنها الصواريخ والمتفجرات.
لم تعد المناطق المحاصرة من قبل حكومة سورية أو حكومة الاتحاد الروسي أو حكومة إيران أو شخص أجنبي ورد وصفه في “هذا القانون” معزولة عن المساعدات الدولية وإمكانية الوصول بانتظام إلى المساعدات الإنسانية، وحرية السفر، والرعاية الطبية.
قيام الحكومة السورية بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذين يتم احتجازهم قسرًا في نظام السجون في نظام بشار الأسد، وسماح الحكومة السورية بالوصول الكامل إلى نفس التسهيلات لإجراء التحقيقات من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية المناسبة.
في حال لم تعد قوات الحكومة السورية وحكومة الاتحاد الروسي وحكومة إيران وأي شخص أجنبي موصوف في “هذا القانون” متورطة في استهداف متعمد للمرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية وأماكن التجمع المدني بما في ذلك الأسواق، في انتهاك للمعايير الدولية.
ثانيًا: يجب على الحكومة السورية أن
تتخذ خطوات للتحقق من وفائها بالتزاماتها، بموجب اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدميرها، المبرمة في جنيف في 3 أيلول/ سبتمبر 1992، ودخلت حيز التنفيذ في 29 نيسان/ أبريل 1997 المعروفة باسم “اتفاقية الأسلحة الكيميائية”، ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، المبرمة في واشنطن ولندن وموسكو في 1 تموز/ يوليو 1968، ودخلت حيز التنفيذ في 5 آذار/ مارس 1970.
إحراز تقدم ملموس نحو أن تصبح من الدول الموقعة على اتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والسامة وتدمير تلك الأسلحة، المبرمة في واشنطن ولندن وموسكو في 10 نيسان/ أبريل 1972، دخلت حيز التنفيذ في 26 آذار/ مارس 1975.
ثالثًا: أن تسمح الحكومة السورية بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شردهم النزاع.
رابعًا: أن تتخذ الحكومة السورية خطوات يمكن التحقق منها، لإقامة مساءلة ذات معنى لمرتكبي جرائم الحرب في سورية والعدالة لضحايا جرائم الحرب التي يرتكبها نظام الأسد، بما في ذلك المشاركة في عملية حقيقية وموثوقة للحقيقة والمصالحة.
إذن، يحق للرئيس الأميركي -وفقًا لنص قانون قيصر- وقف تنفيذ العقوبات المفروضة بموجب هذا القانون، في مدّة أقصاها 180 يومًا، إذا تحققت الشروط المذكورة أعلاه، وهذا هو السبب الأول والمعلن من وراء صدور القانون.
يقدّم الرئيس الأميركي خلال 30 يومًا، من تعليق فرض العقوبات، إحاطة للكونغرس يقيّم فيها الوضع الناشئ عن وقف تطبيق القانون. ويقوم الرئيس بإعادة فرض أيّ عقوبة معلّقة التطبيق، في حال وجد أنّ معايير التعليق المنصوص عليها في القانون لم تعد مُستوفاة.
استثناءات تطبيق القانون
نصّت المادة 302 من قانون قيصر على نوعين من الاستثناءات، تحت مسمّى التنازلات والإعفاءات، وهي التالية:
أولًا: الإعفاءات
تعفى الأنشطة والمعاملات التالية من العقوبات المأذون بها بموجب هذا القانون:
1 – أي نشاط يخضع لمتطلبات الإبلاغ، بموجب العنوان الخامس من قانون الأمن القومي لعام 1947.
2 – أيّ معاملة ضرورية للامتثال لالتزامات الولايات المتحدة بموجب:
أ – الاتفاقية المتعلقة بمقر الأمم المتحدة، الموقَّعة في 26 حزيران/ يونيو 1947، ودخلت حيز التنفيذ في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947، بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة.
ب – اتفاقية العلاقات القنصلية، المبرمة في فيينا في 24 نيسان/ أبريل 1963 ودخلت حيز التنفيذ في 19 آذار/ مارس 1967.
3 – أي اتفاقية دولية أخرى تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها.
ثانيًا: التنازلات العامة
بصفة عامة، يجوز للرئيس، لفترات لا تتجاوز 180 يومًا، التنازل عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون، بالنسبة إلى شخص أجنبي، إذا كان الرئيس يقرّ لجان الكونغرس المناسبة بأن هذا التنازل في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
ثالثًا: التنازلات الإنسانية
بصفة عامة، يجوز للرئيس أن يتنازل عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون على المنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدة الإنسانية التي لا يغطيها التفويض الموصوف في القسم 201، إذا أقرّ الرئيس، لفترات قابلة للتجديد لا تتجاوز سنتين، للجان الكونغرس المناسبة بأن هذا التنازل مهم لتلبية الحاجة الإنسانية ويتسق مع مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.
وبناء على ذلك؛ يمكننا القول إنّ القانون قد نصّ على استثناء حالات محددة من العقوبات المنصوص عليها في القانون، وتنحصر هذه الحالات بما يتعلق بتلبية الحاجة الإنسانية ولا يتعارض مع مقتضيات الأمن القومي الأميركي، وبمقتضيات اتفاقيّة مقر الأمم المتحدة واتفاقية العلاقات القنصلية، وأحكام أي اتفاقية دولية تكون الولايات المتحدة طرفًا فيها.
تاريخ انتهاء سريان القانون
نصّت المادة 305 على أن “ينتهي سريان هذا القانون، بعد 5 سنوات من تاريخ سن هذا القانون”.
سيكون لذلك أثر إيجابي بالنسبة إلى الجالية السورية في الولايات المتحدة، فإذا ما فاز الديمقراطيون بالانتخابات القادمة، ومن المتوقّع أن يعرقلوا تنفيذه كما فعل الرئيس أوباما سابقًا؛ فإنهم لن يتمكّنوا من التأثير بشكل كبير على مساعي تجديده، باعتبار أنّ فترة ولايتهم ستنتهي قبل انتهاء مدّة سريانه. سيسمح هذا الأمر للجالية السورية المساندة للثورة بتكثيف جهودها لتمديد العمل بالقانون، في حال عدم تحقق عملية الانتقال السياسي في سورية خلال هذه الفترة.
آثار تطبيق القانون
تتوزّع آثار تطبيق القانون على نواحٍ عدّة، يجب النظر إليها جميعًا لتغطية النتائج المحتمل ترتّبها عليه.
أولًا: الآثار السياسية
أوقف القانون المساعي السياسية التي يبذلها عدد من أنظمة الحكم العربيّة لإعادة تأهيل النظام السوري، وأعاق بشكل كبير جهود روسيا لاختراق الساحة العربية، من خلال دول محددة مثل الجزائر والسودان والإمارات العربية المتحدة ولبنان والعراق.
سيمنع القانون روسيا من ترجمة انتصاراتها العسكرية التي حققتها باستخدام العنف المفرط والأسلحة المحرّمة دوليًا، إلى نتائج سياسيّة. وسيكون من المستحيل على روسيا الادعاء بأنّها صنعت السلام بعد أن انتصرت عسكريًا، لأن السلام يحتاج إلى الاستقرار الاقتصادي، وهذا لن يتحقق بدون عودة السكان النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم، وهذا لن يتم دون تحقيق انتقال سياسي يزيل السبب الذي دفعهم إلى النزوح والهجرة، ولن يتحقق رجوع هؤلاء إن لم يكن هناك برنامج واضح المعالم ومدعوم دوليًا لإعادة الإعمار، وهذا الأخير لن يتم بدون تحقق الشروط التي حددها القانون.
لا شكّ في أنّ روسيا تحاول مقايضة الملف السوري مع الأميركيين بملفات أخرى أكثر استراتيجية وحساسية وارتباطًا بأمنها القومي ومجالها الحيوي، مثل ملف القرم والملف الأوكراني، لكنّها ليست في موقع يسمح لها بفرض شروطها، فهي الخاسر الأكبر من حالة الاستنزاف الدائم مع عدم القدرة على التعويض في ظلّ الانهيار الكبير الذي وصلت إليه الأوضاع المالية والاقتصادية في سورية. لذلك سيضاف هذا الأمر إلى سجلّ الانتكاسات التي مُنيت بها السياسة الخارجية الروسية.
ولا شكّ في أنّ بإمكان المعارضة السورية أن تجني بعض المكاسب السياسية، إن استطاعت أن تستغلّ فرصة الضغط الهائلة التي يوفرها القانون على الدول الإقليمية وعلى الفاعلين الدوليين في الملف السوري، لكن عليها أولًا أن تستعيد شرعيتها الشعبية التي فقدتها خلال السنوات الماضية، لأسباب كثيرة لا مجال للتطرّق إليها الآن، وعليها ثانيًا أن تشكّل خلّية أزمة سياسية لتجديد المطالبة بحقوق السوريين، وبيان تقاطع ذلك مع مصالح الدول المختلفة في استتباب الأمن والاستقرار والسلام الدوليين. إضافة إلى ذلك عليها أن تعمل على استثمار الجاليات السورية المساندة للثورة والمقيمة في أوروبا، لاستصدار قوانين عقوبات شبيهة بقانون قيصر، لأنّ حرمان النظام السوري وداعميه من التعامل مع الدول الأوروبية سيشكل نقطة فارقة في مسار التحوّل السياسي في سورية، لأنه ببساطة يحاصر ويحدّ من أسباب إعادة تأهيل هذا النظام وإعادته للساحة الدولية.
سيدقّ القانون مسمارًا كبيرًا في دفّة العلاقة بين النظام السوري والنظام الإيراني وتوابعه الإقليمية مثل “حزب الله”. وسيشدد الحصار على موارد الطرفين من العملات الصعبة، وسيصعّب على حلفاء النظام إمداده بالمعونات والمساعدات ومقوّمات الاستمرار في الحرب على الشعب السوري.
ثانيًا: الآثار الاقتصادية
سيكون للقانون تأثير هائل على إعاقة جهود إعمار سورية، في ظلّ استمرار نظام الأسد في الحكم. أي إنّ هذه العملية ستتوقف إلى حين تحقيق الاشتراطات التي نصّ عليها القانون. ومن المعروف أنّ أكبر الممولين المحتملين لإعادة الإعمار هم الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية، مثل السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والكويت. وسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، على هذه الجهات التفكير في تمويل إعادة الإعمار في سورية في ظلّ نفاذ أحكام قانون قيصر.
سيؤثر القانون -بلا شك- على الوضع المعيشي للسوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، وسيحدّ من قدرة مؤسسات الدولة على تأمين الوقود وقطع غيار الطائرات والتكنولوجيا الخاصة بالاتصالات وغيرها من المواد والخدمات التي يحتاج إليها المواطن. لكنّ الأولوية كانت على الدوام -بالنسبة إلى هذا النظام- تأمين إمدادات الجيش والأجهزة الأمنية، وآخر ما كان يفكر فيه تأمين احتياجات المواطنين.
سيؤثر القانون على مصادر القطع الأجنبي الرسمية للنظام السوري، ولذلك سيلجأ النظام -كعادته- إلى إفراغ جيوب السوريين منها باستصداره القوانين والقرارات التي تحرّم التعامل بها خارج إطار مصارفه ودورته المستندية، سيحاول أن يجبر المواطنين السوريين على استلام حوالاتهم المالية التي يرسلها إليهم أبناؤهم من خارج القطر، وفق أسعار الصرف التي يحددها هو. وستنهار الليرة السورية أكثر فأكثر، حتى تصبح بلا أي قيمة عمليًا. لكنّ السبب الأساس في ذلك ليس القانون بحدّ ذاته، بقدر ما هو الخراب والدمار الذي سببته سياسة النظام ذاتها بتدمير مصادر الإنتاج الزراعي والصناعي ومقومات التجارة والسياحة.
الآثار القانونية
سيدعم القانون جهود جمع الأدلّة التي تتعلق بانتهاكات جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في سورية، وقد يكون لذلك أثر ملحوظ في المستقبل على سير التحقيقات بشأن هذه الانتهاكات الجارية، في سورية، وعلى مسيرة الملاحقات القضائية الجارية لمرتكبيها، خارج سورية.
خاتمة
قانون قيصر ليس أوّل العقوبات المفروضة على سورية، فقد خبرت البلاد عقوبات كثيرة، خلال الخمسين عامًا الأخيرة التي حكمتها فيها عائلة الأسد. لكنّ قانون قيصر -بكل تأكيد- هو الأشدّ ممّا سبقه، وستكون له تأثيرات مديدة تحيق -بالدرجة الأولى- بالزمرة الحاكمة في سورية، أفرادًا ومجموعات.
[1] – موقع “سوريتنا” الإلكتروني – تاريخ 16/6/2020
[2] دراسة بعنوان “لمحة مختصرة عن بعض أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا” – البرنامج السوري للتطوير القانوني. تاريخ 29/3/2020 صفحة 24-25
[3] – الترجمة الرسمية لقانون قيصر للغة العربية والمعتمدة من وزرارة الخارجية الأمريكية. موقع “كلّنا شركاء”
[4] – دراسة بعنوان “لمحة مختصرة عن بعض أنظمة العقوبات المفروضة على سوريا” – البرنامج السوري للتطوير القانوني. تاريخ 29/3/2020 صفحة 35
[5] – المرجع السابق- صفحة 34
[6] – رؤية منظمات المجتمع المدني السوري حول العقوبات المفروضة على سوريا – البرنامج السوري للتطوير القانوني – تاريخ النشر 14/11/2019
مركز حرمون
—————————–
“قانون قيصر” أو الفصل الأخير من وظيفة الأسد/ منير الربيع
ثمة أمل ينمو في قلوب السوريين. التصوّر الحالم بالاستفاقة فجراً على خبر “بشار الأسد غادر سوريا” أو بشار الأسد وافق على حلّ سياسي يتضمن مرحلة انتقالية كاملة الصلاحيات لصالح مجلس انتقالي، ووافق على دستور جديد يبقيه صورياً إلى مرحلة يتبلور فيها بديل عنه أصبح قابلاً للتحقق.
عملياً سيكون الأسد بين هذين الخيارين، إما ان يوافق طواعية بعد كل الضغوط عن التنازل عن صلاحياته بموجب الحل السياسي، وإما سيجبر على مغادرة سوريا. سيناور إلى النهاية، سيستثمر في الوقت مراهناً على تغيّر موازين القوى، وعلى توقيع اتفاقيات وعقود تُخرج بعض داعميه كالإيرانيين مثلاً، أو تحجّم نفوذهم مقابل أن يتمكن من البقاء. لكنه لن يتمكن. وحتى لو تمكن من إطالة أجل بقائه سيرحل فيما بعد، وهناك تجارب كثيرة مشهودة.
كان بشار حاجة روسية، وحاجة انتفاء وجود البديل. هو حاجة إيرانية مستمرة، وحاجة إسرائيلية أيضاً، لا يمكن مقايضتها إلا بما تراه إسرائيل مناسباً. كل المؤشرات تفيد بأن بنية النظام الأساسية أصبحت في حالة تخلخل. في مقابل مضيّ الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ سياستها الضاغطة التي ستزيد من الترهل وستدفع الكثيرين إلى الانفضاض من حوله.
أوجدت الولايات المتحدة الأميركية سلاحاً أمضى وأفعل من حشد الأساطيل وحاملات الطائرات لفرض معادلات سياسية جديدة في الشرق الأوسط. يفعل سلاح العقوبات الاقتصادية والمالية فعله في كل دول محور الممانعة أو المحور الإيراني. أصبحت الدول التي تباهى الإيرانيون بأنهم يبسطون سيطرتهم عليها وأنهم يسيطرون على أربع عواصم عربية كلها في عداد الدول المنهارة، بشعوبها ومجتمعاتها واقتصادها وعملاتها. حال هذه الانهيارات من حال انهيار الاقتصاد الإيراني وعملته. كل النظريات الإيرانية التي تحدثت سابقاً عن الانكفاء الأميركي من الشرق الأوسط قد سقطت. وخصوصاً في سوريا التي لن يكون فيها أي حل سياسي لا يوافق عليه الأميركيون. قانون قيصر القابل للاستمرار لأشهر وسنوات، هو الورقة الأميركية الأقوى للتحكم بمفاصل التسوية السورية والحل للأزمة.
ثلاث نقاط مهمة يمكن تسجيلها بعد دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ، والذي ستبدأ آثاره بالظهور بعد أسابيع أو خلال ثلاثة أشهر، أولها وأهمها على الإطلاق أن الولايات المتحدة الأميركية دخلت بثقلها إلى القضية السورية، وهي تمسك بكل الأوراق على الساحة السورية، التي ستستخدمها الولايات المتحدة ضد النظام وضد إيران وتستثمر فيه بالتفاوض مع روسيا. ثانيها، أن قانون قيصر هو قانون سياسي يفرض عقوبات اقتصادية، وليس قانون عقوبات، وهو نتيجة عدم التزام نظام الأسد بالقرار ٢٢٥٤، فعندما أقر القانون منح النظام فرصة ٦ أشهر لتطبيق القرار ٢٢٥٤، وبالتالي الضغط في سبيل وقف إطلاق النار كجزء من عملية السلام ومفاوضات بين النظام والمعارضة، لتحقيق الانتقال السياسي، ووضع دستور جديد، وانتخابات. سيهدف القانون لدفع النظام إلى تنفيذ مدرجات هذا القرار، لتجنّب العقوبات، مع الإشارة إلى أن هناك مساعدات غذائية وصحّية تدخل إلى سوريا.
ثالثاً، هو قانون سياسي يستخدم وسائل اقتصادية بدلا من استخدام وسائل عسكرية، للوصول إلى تطبيق القرار الدولي، سيحاول النظام استخدام لعبته الدائمة في تحميل المسؤولية للأميركيين بتجويع السوريين، ولكن لا يمكن لبشار الأسد أن يبقى في سوريا، حتى روسيا عندما دخلت إلى سوريا أعلنت أنها تريد الحفاظ على مؤسسات وليس على أشخاص والمؤسسات دُمرت من قبل بشار. وهو لا يمثل وجود دولة لتحافظ عليها روسيا، التي ستجده عبئاً ثقيلاً عليها.
الولايات المتحدة الأميركية منحت روسيا حق البقاء في سوريا مقابل انسحاب كل القوات الأجنبية الأخرى، وبالتالي لم يعد من حاجة لبشار الأسد الذي لم يعد لديه أي وظيفة. المشكلة الأصعب تبقى في الوجود الإيراني، الذي يتم تحجيمه في سوريا. بحال توصل الروسي والأميركي إلى تفاهم على حلّ سياسي، عندها لن تتمكن إيران من البقاء في سوريا.
بدأت المشكلات داخل بنية النظام الأساسية، في القوى الأمنية والعسكرية، والاعتقالات التي تحصل والتخلي عن كثير من الحاشية، يدل ذلك على الدخول في مرحلة جديدة من الصراع يتوّجها التصنيف الأميركي للفرقة الرابعة على لائحة العقوبات ما سينعكس حتماً على كثير من آليات الصراع والسيطرة العسكرية والجغرافية، خصوصاً في ظل السعي الروسي إلى التخلص من تلك الفرقة، بينما القوى التي كانت داعمة للنظام أصبحت تتلهى بما يمكنها تحصيله من حقوق وعقود، وهذا لن يمنح أي حماية لـ بشار الأسد بعد اليوم، يعمل الأميركي على قانون يصنف بشار الأسد وأركان نظامه كمجرمي حرب. هذا المسار سيستكمل، لن يقف عند حدود زمنية وطبعاً سيكون طول مدتها قاسياً على السوريين الذين يدفعون ثمن لعبة الأمم، لكنه حتماً سيتوج فيما بعد بخروج الأسد من الحكم، وخروج الإيرانيين ولو بعد سنوات طويلة لأن وجودهم ضد الطبيعة.
تلفزيون سوريا
——————————
قانون قيصر… أمريكيٌّ: هل يقف خلفه سوريون؟ ولماذا؟/ عمار ديوب
لم يصدر قانون قيصر منفرداً، حيث تم رفض إصداره من قبل، وأمّا صدوره الأخير فجاءً مرفقاً بقانون ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية. مشروع القانون، بدء بنقاشه في الإدارات الأمريكية منذ 2014، ولم يقر إلّا في 2019، وبُدِءَ بتطبيقه 17/6/2020. إذاً، ليست مصالح الشعب السوري هي غايات هذا القانون، ولو كان الأمر غير ذلك، لأقرَّ منذ 2014، أو منذ أن بدء النظام بتدمير سوريا وتهجير شعبها، واعتقاله وقتله وسواه. هو قانونٌ أمريكيٌّ بامتياز، ولحماية الأمن الوطني الأمريكي فعلاً، والمقصود هنا، حماية أمن إسرائيل، الأن، ومستقبلًا، سيما أن الوضع السوري المتأزم غير قابلٍ للاستدامة، بضغط من هذا القانون، أو لأسبابٍ متعدّدة، تخص النظام، أو تخص إيقاف الحرب، أو تخص الدول المتدخلة في سورية، وبالتالي، استوى الوضع وأصبح يفترض تسويةً أو حلاً سياسيّاً ما.
“قيصر”.. ليس قانونا لحماية المدنيين
هو ليس قانون لحماية المدنيين، سيما أن أكثر من عشرة ملايين مدني أصبحوا خارج سورية، وملايين أخرى، انتقلوا من مدنهم الأصلية إلى مدنٍ أخرى داخل سورية. ولو أردنا التحدث عن أوضاع السوريين منذ 2011، وحصار المدن منذ حينه، وسواه، لتعجبنا من “ثرثرة” القول إن القانون لحماية المدنيين. لنشيح النظر عن كل ذلك، ولنتأمل الوقائع: ساهمت أمريكا في إقرار اتفاق جنيف 2012، وفي إقرار كافة القوانين الدولية لمعاقبة النظام، وأخذت من النظام السلاح الكيمياوي الذي قصف فيه الشعب، ولاحقاً تدخلت بحرب عالمية ضد قوى الإرهاب 2014، ولا سيما داعش، وأيضاً هي تشرف على قوات كردية وتحتل مناطق واسعة في شرق سورية. السؤال: أليس كل هذا التدخل يقتضي حماية المدنيين؟ لماذا لم تفعل ذلك؟ أيضاً، هناك مسلمة تقول: إن روسيا دخلت إلى سورية بطلبٍ إيرانيٍّ وموافقةٍ أمريكية، وكثير من التصريحات الأمريكية تؤكد أن روسيا هي الدولة الشرعية الوحيدة في سورية، وأن أمريكا مستعدة لإخراج قواتها من سورية شريطة خروج القوات الإيرانية وسواها، وإبقاء القوات الروسية للإشراف على أيّة تسوية أو حلٍّ سياسيٍّ سوري، وكذلك للبقاء في سورية مستقبلاً. أليس هذا موافقة أمريكية واضحة الدلالة على عدم تغيير النظام السوري، وترك روسيا تفعل ما تشاء. نضيف أيضاً، لماذا وافقت أمريكا على إصدار قانون 2254 ولدينا اتفاق جنيف؟ كذلك لماذا سمحت بمسار الآستانة ولاحقاً سوتشي ومناطق خفض التصعيد، واللجنة الدستورية، وغيرها. أليست هذه وقائع تشير أن أمريكا ليست مهتمة أبداً، بمصالح الشعب السوري، وتستهدف تدمير كل من النظام والمعارضة وسورية بالنهاية. أليس هذا ما حدث فعليّاً، بعد كل أشكال التدخل الأمريكي والروسي والتركي، وقبلهما جميعاً عبر النظام وإيران وحزب الله والمليشيات الأجنبية الشيعية المدارة من قبل إيران!
قانون قيصر… هل يقف خلفه سوريون؟ ولماذا؟
قانون قيصر، الذي عَمِلَ من أجله سوريون أمريكيون كثيراً، يتضمن بنوداً ممتازة، ولكن للقانون ملحقات كثيرة، وبدأت تظهر تباعاً، وسيُطلب تنفيذها أثناء تطبيقه، أي ليس فقط القانون سيطبق وكذلك ملحقاته، والتي هي مفتوحة لتقديرات السياسة الأمريكية ومصالحها ومصالح حلفائها، وبالتالي أصبح القانون سيفاً بيد الأمريكان، وسيهددون به كافة دول المنطقة، وليس فقط النظام السوري وروسيا وإيران، وإيقاف كل علاقات النظام بالخارج. هناك أهدافاً إضافيةً للقانون، وبدء الإعلان عنها، كتسليم ما تبقى من الأسلحة الكيماوية التي هربها النظام! وإنهاء الطابع العدواني للنظام السوري المستقبلي، أي ليس نظام الأسد الحالي فقط، بل أيِّ نظامٍ مستقبليٍّ كذلك، وإلا لن يطوى القانون! المقصد هنا بالتحديد، نزع أي موقف وطني لاستعادة الجولان أو للوقوف مع الفلسطينيين في نضالهم التحرري ضد إسرائيل. الأهم هنا، أن الدولة الامريكية، تريد عبر قيصر الحفاظ على أمن إسرائيل مستقبلاً. هي لن تتسامح بالتأكيد مع أيّةِ دولةٍ تُهدّد أمن مُدللتها في منطقتنا، ولكنها أضافت هذا البند، لابتزاز الروس أكثر فأكثر، ولإذلال النظام والمعارضة، وإجبار الجميع على الاعتراف بإسرائيل مستقبلاً، وإقامة علاقات طبيعية معها!.
بعد إضافي
قانون قيصر يعطي أمريكا، بعداً إضافياً على وجودها في سورية، فهي لم تعد تحتل شرق سورية فقط، ولم تعد خيرات سورية الباطنية والمائية تحت سيطرتها، بل وكذلك كل الاقتصاد السوري، وبذلك تفتح بازاراً جديداً، للتفاوض مع الروس. ليس مخطئٌ من يقول إن قيصر يتقصد الضغط على الروس، ولكنه بالوقت ذاته يستهدف ما أشرنا إليه أيضاً. إذاً، مع هذا القانون لم تعد أمريكا في شرق سورية بل أصبحت مؤثرة على كل ما يخص سورية الحاليّة والمستقبليّة. رغم ذلك، تؤكد مراراً وتكراراً، أن سورية من حصة روسيا. هذا يمكن تحليله، ضمن الصراعات الدولية، وابعاد روسيا عن تحالفها مع الصين، كمسألة استراتيجية، وكذلك لأن سورية ليست مكاناً مثاليّاً للاستثمار الأمريكي، ربما فقط كمكانٍ لتنفيذ بضع سياسات أمريكا في المنطقة كالضغط على إيران وتركيا ورفض تسليم سورية لروسيا كاملة قبل الاتفاق على ملفاتٍ كثيرة، ومنها إنهاء الوضع في سورية وإخراج إيران من سورية وإضعاف العلاقات بين روسيا وإيران.
باعتبار القانون أمريكيّاً، كان جدالنا أعلاه في مواضيع كثيرة. الآن، كيف سيؤثر القانون على السوريين؟ أهل سيؤثر على النظام أم على الشعب أم على الاثنين معاً. القانون، الذي ليس قانوناً أممياً، أو محمياً بشقٍ عسكريٍّ لمراقبة تطبيقه، والتهديد بالتدخل العسكري لتنفيذه، يظلّ قانوناً أمريكيّاً، وصادر عن الدولة الامريكية، وبالتالي تطبيقه مسألة واجبة، وسيخضع بالضرورة لمصالح الدولة الامريكية داخلياً وخارجياً.
محض بروباغندا
أن يعدُّ القانون، لحماية المدنيين السوريين، فهذا محض بروباغندا، يكرّرها بعض المعارضين الحالمين بالوصول إلى السلطة كبديل عن النظام، أو الناقمين عليها، مستخدمين أكذوبة لطالما أخفقت في دول كثيرة، وبالتالي كيف ستنجح في سورية؟ أهل نسينا كيف نشرت أمريكا الحرية والديموقراطية في العراق؟ يَستثني القانون الغذاء والأدوية من عقوباته، والمساعدات. وبخصوص الأخيرة، لطالما “عفشها” النظام، ووزعت وفقاً لسياساته مع السوريين ومنذ 2011 وقبلها: سَرقَ أعوانه أغلبها، ووزِع بعضها على أفراد جيشه، وبيعت أقسام منها في السوق بأسعار مخفضة، ووصل القليل منها للشعب؛ لن يتم استثناء المساعدات إذاً. بخصوص الغذاء والأدوية، فقلد بدأت مفاعيل التأثير عليها، قبل تطبيق القانون وحينما لُوِحَ به، وبعد تطبيقه: غلاءً شديداً في الأسعار، فقدان أنواع متعدّدة من الأدوية، إغلاق محالٍ ومشاريع كثيرة وبالجملة، وبالتالي، هناك ازدياد في أعداد العاطلين عن العمل، وارتفاع نسبة المفقرين والمدقعين منهم. ولو أضفنا الشعور النفسي بالمأساة والتعاسة والمرض، فحدث ولا تتوقف عن ذلك ابداً.
لو كان هناك بالفعل إعفاءً للأغذية والأدوية أو للمساعدات أو الحوالات البسيطة، لتضمن قانون قيصر بنوداً واضحة، عن كيفية ضمان وصول تلك الحاجيات للناس، وهو ما حاجج به الدكتور عارف دليلة في أكثر من حوارٍ، على وسائل التواصل الاجتماعي أو الفضائيات التلفزيونية، وكتبه كذلك في مقالةٍ طويلة نشرها على صفحته. لم يتضمن القانون، شيئاً عن ذلك، وبالتالي، ترك الأمر للإدارة الأمريكية وللبحث عن آلية للمراقبة. أسوأ ما يسمعه المرء هذه الأيام من بعض المؤيدين للقانون، التأكيد على أنّه لحماية المدنيين! وأن على الشعب السوري أن يراقب تطبيقه، بل وراح البعض يتكلم عن تشكيل مجموعات هنا وهناك لمتابعة تطبيقه، وإرسال الملاحظات حوله للإدارة الأمريكية وذلك بهدف تصويب الأغلاط تلك… هذا المثال، يوضح رداءة الفعاليات التي وقفت خلف إقراره، وعدم الأخذ بعين الاعتبار أن الإدارة الأمريكية ليست جميعة خيرية، ولم تحمِ السوريين منذ 2011، وليست معنية ب11ألف شهيد التي تكلّم عنها السيد قيصر. القصد أن السوريين سيعانون من قانون قيصر، وسيضيف هذا القانون إلى معاناتهم كوارث إضافية أكثر فأكثر، وسيُرهن مستقبل سورية إلى مفاوضاتٍ وتسويات بين روسيا وأمريكا وإسرائيل وتركيا، وقد تُجبر أية حكومة مستقبلية على الاعتراف بإسرائيل كما هي دولة صهيونية، محتلة لأراضٍ كثيرة، وساعية لتكون دولة لليهود فقط.
بكل الأحوال، وباعتبار روسيا مهيمنة على سورية، نأمل أن تظهر حصافةً، ولو لمرةٍ واحدةٍ، وفهماً عميقاً لدورها “الانتدابي” نفسه، وتتقدم بمبادرةٍ وتسوية للأمريكان، بما يسهل لها احتلال سورية، والبدء بمرحلةٍ انتقالية للوضع السوري. إن تحقق ذلك، فسيكون لقيصر إيجابية واحدة، والإيجابية الثانية، إن أُشرِك الشعب في تلك المرحلة؛ سوى ذلك، وتأخر حدوث ذلك، فسيكون قانون قيصر أداةً جديدة، وهو كذلك الآن، لتحقيق مصالح أمريكا وحلفائها في سورية والمنطقة.
حكاية ما انحكت
———————————-
«قيصر» يكشّ الأسد… أيّاً تكن السيناريوهات/ عبدالوهاب بدرخان
أثار “قانون قيصر” نقاشاً سورياً حيوياً. ومع أنه لم يبتعد عن الإصطفافات المعروفة بين موالاة ومعارضة، إلا أنه أبرز آراء هاجسة بمستقبل سورية يمثلها مجتمع-مدنيون متعدّدو الطيف، بمعزل عن النظام والمعارضة. لا يؤشّر ذلك الى ولادة تيار ثالث، لأنه موجود منذ بداية الأزمة واستمر حتى الآن، وهو منسجم مع معظم الاطروحات المدنية للتغيير لكنه يفضّل التمايز عن تيارات المعارضة لئلا يُقحَم في تلوّناتها الدينية أو ارتباطاتها الاقليمية.
لم يكن متوقّعاً من الموالين أن يروا في “قيصر” غير مؤثّراته السلبية على معيشتهم التي ابتأست قبل صدوره والشروع في تفعيله، وبالتالي فقد صبّوا انتقاداتهم على الولايات المتحدة والعقوبات متناغمين مع خطاب النظام، لكن أمكن التقاط احباطهم من الحال التي أوصلهم إليها هذا النظام الذي أفقرهم وأذلّهم في سعيهم الى أبسط متطلبات العيش.
ومع أنهم لا يجهرون بتحميله المسؤولية في ما يغردون أو يفسبكون، إلا أن أي تواصل مباشر مع قريبين من حلقة بشار الأسد أو بعيدين عنها بات يشير إليه بأقذع الأوصاف، عدا التساؤل لماذا وكيف أوصلنا الى هنا، وماذا سيفعل الآن، وهل سينفق من “ثروته الخاصة” (على افتراض أنها “حرّ ماله”!) لتسيير أجهزته وشبّيحته (وإذا فعل، فإلى متى؟).
حتى قبل البدء بتطبيق العقوبات المشدّدة، كان نظام الاسد بدأ يتعرّف الى ما تسمّيه واشنطن “الضغوط القصوى”. شكّل الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان الإنذار الأخير للنظام ولحليفه الإيراني ممثلاً خصوصاً بـ “حزب الله”. كان ذلك الانهيار غير مسبوق منذ نشوء الدولة في لبنان، إذ لم تلجأ الى صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي لإنقاذ الاقتصاد أو انتشال العملة، وكانت مساعدات دول الخليج جاهزة دائماً لمساندتها، حتى غداة حرب صيف 2006 التي انتقدتها تلك الدول وأطلق فيها حسن نصرالله قوله المأثور “لو كنا نعرف لما…”. هذه المرّة تُرك لبنان يواجه كارثته وحده. قبل ذلك كان على نظام الأسد أن يتذكّر الضغوط القصوى على نظام صدّام حسين، وبعده على نظام الملالي في إيران.
كان النظام جرّب روسيا وإيران طوال العام 2019 عندما اشتدّت الأزمة المعيشية في مناطق بيئته الموالية، ولم يتمكّن حليفاه من نجدته، بل أن الروس لم يلبّوا رغبته في مواصلة الحرب إذ أرادها هروباً من أزمته الداخلية، وراحوا يتدبرون مصالحهم مع تركيا. غير أن الموالين يقولون اليوم إن النظام لم يهتمّ يوماً بالأزمة الاجتماعية، إلا في ما يخصّ أدوات تسلّطه، وأنه أوجد حلولاً لها بتقسيم مناطق سيطرته إقطاعات لعساكره وشبّيحته، لكن ما يعفّشونه ويسرقونه من أبناء الشعب لم يعد كافياً لإشباعهم. بل إن الروس والإيرانيين باتوا منافسين على تقاسم مرافق البلد وسرقتها، و”لم يعودوا قادرين على تعويم النظام”، وفقاً لجيمس جيفري.
عندما يتحدّث المعارضون عن “قانون قيصر” فإنهم يضعون العقوبات الموجّهة ضد “عصابة النظام” في مقابل جرائمها. إذ أن العقوبات لم تكن سبب مأساتهم الكبرى بل نتيجة للمجازر والقتل والاعتقالات والتدمير والتهجير. لم يسجّل لأي مسؤول روسي أو إيراني أو تابع للنظام أيَّ موقف يشير ولو كذباً الى أيٍّ من تلك الجرائم والممارسات، بل كانوا ولا يزالون يواجهون التقارير كافةً بالنفي والازدراء والاستهزاء. كما أن “مسار استانا” الذي وضع ملف المعتقلين على جدول أعماله لم يتمكّن من إعطاء أولوية لهذه المعضلة أو إظهار جدّية حقيقية لمعالجتها على رغم إدراك أعضائه أن حسمها يساعد في تحريك ملفات أخرى. كان الروس والايرانيون يتهرّبون من عقد أي اتفاق على إطلاق المعتقلين، لأن تطبيقه سيكشف حجم جرائم القتل بالتعذيب، معتقدين أن الأطراف الأخرى تجهل أن عشرات الآلاف قضوا في السجون.
هذا بالتحديد ما كشفه “قانون قيصر” الذي صار “البديل” اللازم والضروري لإنصاف الشعب السوري، بديلاً من مجلس الأمن الذي تعطّله روسيا والصين، ولا يهمّ أجاء من الكونغرس الأميركي أو من أي جهة أخرى ذات قدرة وفاعلية. وعندما يهاجم الروس والايرانيون أو النظام والموالون هذا القانون فهل تعني انتقاداتهم شيئاً آخر غير أنهم يؤيّدون مواصلة احتجاز سجناء وتعذيبهم حتى الموت، ويؤيدون استمرار قتل المدنيين وقصف المراكز الطبية والأسواق والمدارس، ويؤيدون تعويق المساعدات الإنسانية (أو نهبها واستخدامها للتربّح من جانب أدوات النظام)، ويرفضون عودة اللاجئين والمهجّرين، كما يرفضون محاسبة مجرمي الحرب.
قد يستحق “قانون قيصر” التهليل له كعنوان للخلاص من النظام ولو بعد “خراب البصرة”، وقد يستحق تأثيماً لأنه يضاعف بؤس الشعب ومعاناته من دون أن يأتيه بالسلام الذي ينشده. الموقفان تنازعا السوريين، ومن حقّهم أن يشككوا انطلاقاً من مراراتهم ومن التجربة التي قاسوها، وإذ أصبح يوحّدهم الآن فقدهم الثقة في النظام فالأكيد أنهم لا يثقون بأيٍّ من حليفيه أو بتركيا وأميركا واسرائيل، ومن الطبيعي أن يستذكروا ما عاشه الشعب العراقي تحت وطأة العقوبات وما تأتّى عنها من نقص في التغذية فتك بمئات آلاف الأطفال وتسبّب بتدهور الحال الصحية العامة. وكما نظام صدّام حسين، كذلك نظام الأسد، فكلاهما لم يترك لنفسه خط رجعة داخلي أو حتى خارجي للحؤول دون الانهيار، والفارق بينهما أن صدّام انتظر الغزو الأميركي ولو كلّفه نهايته أما الأسد فاستدعى “الحلفاء” لإنقاذه معتقداً أنهم سيلعبون اللعبة التي يديرها.
ليست للأسد مخارج، ولا للمعارضة، فالأزمة أضحت منذ أعوام دائرة مغلقة على الجميع، في انتظار تفجير حربي لن يحصل أو توافق أميركي – روسي يبقى مرجّحاً. عدا ذلك فإن أي “مفاجأة” يمكن توقّعها ستراوح بين أمرين: إما أن يُقبل النظام (بضمان وضغطٍ روسيين) على انخراط فاعل في تطبيق القرار 2254 آملاً في المشاركة في هندسة “الانتقال السياسي”، أو أن يستمرّ في التعنّت فلا يبقي لروسيا عندئذٍ سوى بتّ مصيره (بالتفاهم مع إيران). وإذا كان لـ “قانون قيصر” من مغزىً جديد فهو أنه يشير الى تغيير في سلوك الولايات المتحدة، إذ باتت أكثر وضوحاً برفضها للأسد واستحالة الاعتراف بـ “شرعيته” إن هو أقدم على مسرحية انتخابية أخرى للبقاء في منصبه. وبهذا المعنى فإن “قيصر” صمّم ليكشّ الأسد، أيّاً تكن السيناريوات.
ما يُكسب هذا الموقف جدّية أن عقوبات “قيصر” تطاول النظام وروسيا وإيران معاً، بعدما عجز هؤلاء عن تغيير سلوكهم بل رفضوا ذلك متأبطين “الانتصارات” التي حققوها وباتت ترتدّ عليهم. لا مرجعية أخلاقية أو حقوقية للنظام وحلفائه، وطالما أنهم لا يكترثون بالشعب السوري فإن أي اهتمام تُظهره دولة – حتى لو كانت أميركا – بـ “حماية المدنيين السوريين” لا بدّ أن يكون مرحّباً به.
جنوبية
——————————–
هل سينهي قانون قيصر النظام وسورية معاً؟/ د . كمال اللبواني
من شبه الحتمي أن تكون عقوبات قيصر قاتلة للنظام السوري، بسبب وضع النظام الحالي المتداعي أصلاً بعد ما فعله بسورية، فالمزيد من العقوبات عليه وعلى داعميه ستكون ضربة قاسمة لهذا النظام، لكن قتلها للنظام يمر عبر موت سورية أيضاً، إذا لم يترافق بجهد ديبلوماسي، وربما عسكري، يسرّع إسقاط النظام قبل موت الدولة وتفككها.
إصرار الإدارة الأمريكية على تطبيق العقوبات الخانقة يحظى بدعم وتأييد كل من تضرّر من هذا النظام، فنصره العسكري الذي حققه بمساعدة دول عظمى، سيتحوّل لهزيمة اقتصادية بفعل العقوبات، والحاضنة الاجتماعية التي دافعت عن النظام لسنوات ولم تحركها المشاعر الوطنية والإنسانيّة، وتغاضت عن الجرائم المروّعة التي طالت أغلب الشعب، لا بد أن تحرّكها غريزة البقاء وألم الجوع، فلم تترك الظروف طريقة أخرى لدفعهم للتخلّي عن هذا النظام المجرم سوى التهديد الحيوي وتحريك المشاعر الغريزية فيهم، لكن حركتهم لا يرجّح أن تتحلى بالوعي والنضج، بل ستكون أشبه باندفاع بهيمي نحو التوحش، حيث سيسود النهب والجريمة التي تقوم بها عصابات الشبيحة الجائعة، ولن تتوجّه للنظام الذي يجيد الدفاع عن نفسه بالاستعانة بعصابات وميليشيات أجنبية، في بؤر أمنية محددة. وهكذا، قد يصبح موت سورية هو النتيجة الفعلية لقانون قيصر، وربما يكون هو الهدف الخفي من وراء تطبيقه بهذه الطريقة.
فالعارف بالشأن السوري وبوضع النظام، وبحسب ما يقوله لنا مقرّبون منه، أنّ رحيل بشار لا يتطلّب كل هذه اللفة الطويلة، هناك طرق أخرى لم تستخدم، أقلّها، اتصال هاتفي من جهات معينة تأمره بالرحيل، وهي قد تعمدت تطمينه سرّاً طول المرحلة السابقة، ثانيها عمليات استخباراتية نوعية تطال رموز وأركان نظامه، وأوضحها عمل يطاله شخصياً، طبعاً هناك ما يكفي لتبرير مثل ذلك الفعل، لكن التحجّج بعدم وجود قانون دولي هو مجرد ذريعة، بعد إدانته بالكيماوي وبجرائم الحرب طالت مليون إنسان، ومع ذلك فإنّ هذه السلبية وهذا الامتناع الغربي عن ممارسة ضغوط معينة تطال رأس النظام، وتردع داعميه، يخفي خلفه ما يخفي من نوايا، ربما تشرحها رغبة في موت سورية، وتقسيمها لمناطق نفوذ لفترة زمنية طويلة، فالدول المتدخلة تستطيع تحقيق مصالحها أكثر وأسهل بواسطة تقاسم النفوذ، وهكذا تحتفظ روسيا بالساحل وتقلص وجودها له، وتحتفظ أمريكا بالمنطقة شرق الفرات تحت العلم الكردي، وتحتفظ تركيا بالشمال، بينما يبقى الوسط والجنوب ساحة صراع ومواجهة بين إسرائيل وبين إيران، مع تدخل من بعض الدول العربية، عندها قد ترى إسرائيل ضرورة لاجتياح الجنوب لفرض إبعاد إيران عنها مسافة ١٠٠ كم، كما اتفقت مع الروس، وقد تكون حماية دروز سورية ذريعة إضافيّة بالنظر للضغط الكبير الذي تستطيع الطائفة تشكيله على حكومتها.
ما لا نستطيع الجزم به هو النوايا، ولكن هذا الاحتمال يبقى قائماً طالما أنّ التفاهم الروسي والأمريكي بقي حبراً على ورق في موضوع إزاحة الأسد وتشكيل مجلس حكم يسعى نحو حلّ سياسي، خلال مهلة الشهرين التي حددوها.
فقط إذا تحرّكت روسيا وباشرت عملية التغيير من الداخل، أو وجّهت إسرائيل ضربات موجعة للجناح الإيراني في النظام، أقصد ماهر وبشار والفرقة الرابعة والأمن العسكري، فقط هذه الإجراءات يمكنها أن تقنعنا بما يقوله قرار ٢٢٥٤، وما يصرّحون به عن وحدة سورية وسيادتها، وتحقيق تطلعات شعبها.
هناك عامل قد يكون مفيداً في ترجيح كفّة هذا المسار، وهو تحرك الحاضنة الموالية ضد نظام بشار، وشيوع خطاب وطني جامع يقفز فوق الحدث لرسم مصير سورية من دون الأسد وزمرته. فالدول متعبة وتختار عادة الحلّ الأرخص، ولذلك قد تقبل بالسير في هذا المسار إذا اقتنعت أنّ معظم مصالحها يمكن أن تتحقّق من خلاله، فالعامل المرجّح لهذا المسار، والعامل الحاسم لبقاء سورية وعدم موتها، يتقرّر بيد الشعب السوري، ويتطلّب تحرّك الحاضنة الصامتة ضدّ النظام والاحتلال الإيراني، مثلما فعلت السويداء، وهذا يسجل لها، وتبنّي المعارضة لخطاب أكثر مرونة مع الموالاة، بشرط عدم القبول بالأسد وإيران، واحترام مبدأ العدالة الانتقالية، لكن الحدث الذي لا يتماشى مع هذا المسار، هو ما طالب به الكرد مؤخراً حيث رفعوا السقف بشكل يقطع الطريق أمام التوصل لخطاب وطني جامع، متغطين بالدعم الأمريكي والأوروبي الصريح، وهو ما يثير الريبة مجدداً في نوايا هذه الدول، ويجعلنا نشدد المناشدة للتحرّك الوطني لإنقاذ سورية وعدم تركها تموت مع موت الأسد، الذي طالما قال إنّها سورية الأسد (الأسد أو نحرق البلد)، ربما هذا هو أيضاً شعار الدول النافذة التي لا تضمر الخير للشعب السوري.
ليفانت – د. كمال اللبواني
———————————-
موجةُ فقرٍ جديدة ستخرجُ منْ رحمِ المعاناةِ بقوانين قيصريّة
لمْ أعدْ أريدُ القولَ بأنّ منْ يدعي الثّورة في سوريّا لمْ يتعلمْ منَ الماضي، ما أقولهُ بصراحة بأنّهم لا يريدون التّعلم أنّه لا حرّيّة بقوانينِ الغرب وعقوباتهِ ولا مصلحة لأيّ شعبٍ في العالم بهذه العقوبات، على العكس تماماً فقدْ أثبتتْ التّجارب التّاريخيّة على مستوى سوريّا والعالم، بأنّ هذهِ العقوبات ماهي إلا تدمير للإنسان قبلَ الاقتصاد.
تمّ إقرار قانون قيصر ودخل حيّز التنفيذ، قانون تمّ تسميته بكلّ سذاجة ” قانون قيصر لحماية المدنيين السّوريين” مهمتهُ الوحيدة المزيد من الإعجاز للمواطنينَ السّوريين الّذين مازالوا مضطرين للبقاء في الدّاخل.
لمحة تاريخيّة عن العقوبات في سوريا والعالم
من كوبا، إلى إيران، إلى اليمن، إلى العراق ثمّ كوريا الشّمالية، والآن، سوريا، ما قامتْ بهِ العقوبات هوَ فقطْ توطيد للسّلطة الدّيكتاتوريّة الّتي استغلتْ هذهِ العقوبات بفتحِ قنواتٍ موازيّة، قامتْ بتأمينِ كافةِ احتياجات الاستمرارِ بالحكم عنْ طريق تأسيسِ شبكات “سمسرة” زادتْ أرباحها، بفرضِ عمولاتٍ إضافيةٍ على كلّ شيء. ثمّ قامت الشّعوب التي أنهكها الفقر واستنفذ قواها بالشّكل الّذي عزّز رأسمالية الدّولة وزادَ منْ أرباحِ الطبقاتِ الحاكمة. إذا ما أردْنا التّكلم عن سوريّا، فقد عانت في ثمانيناتِ القرنِ الماضي منْ عقوباتٍ غربيّة جعلتْ المواطنينَ السّوريين يقفونَ في طوابيرٍ لساعاتٍ منْ أجلِ لترٍ منَ الزّيت، أو عُلبة سكر، وأحياناً ربطةَ خبزٍ، في الوقتِ الّذي كانتْ فيهِ السّيارة ذاتْ السّمعة السّيئة، والمعروفة باسم “السّتيش”، وغيرها منَ السّيارات، تطوفُ شوارعَ البلادِ باحثةً عنْ المُنتفضينْ الأوائل ضدَ الاستبداد في رابطةِ العمل وغيرها. لماذا لمْ تَشملْ العقوباتُ الغربيّة هذا الصّنف منَ الأشياء الّتي تُعتبر بالنّسبة للشّعب منَ الكماليات؟، هلْ علينا أيضاً تذكيركمْ بحواماتِ غازيل الفرنسيّة الّتي مازالَ الجّيش السّوري يستخدمها حتّى اليوم؟
ماهيَ تأثيراتِ العقوبات الّتي فرضتها الدّول الغربيّة على سوريّا منذ عام 2011 حتّى الآن؟
تمّ فرضْ حزماً عديدة منَ العقوبات الاقتصادية منْ قبلِ الدّول الغربيّة على سوريّا منذ عام 2011، ومنْ أجلِ الالتفافِ عليها قامَ النّظام بتشكيلِ شبكاتِ “سمسرة” من أجلِ تأمينِ احتياجاتِ استمرارِ بقائهِ في الحكمْ، وبذلكَ زادتْ تكلفةُ المواد التّموينيّة على الشّعب، واستطاعتْ الحاضنةُ المؤثرةُ للنّظام تقويةَ نفوذها الاقتصادي، عنْ طريقِ احتكارِ السّوق لصالحها، بشكلٍ اضطرَ النّظام نفسهِ والشّعب قبولهِ لعدم وجود خيارٍ آخر، ولكونَ أنّ كافة البنوك الخاصة العاملة في الأراضي السّورية هي فروعٌ لبنوكٍ لُبنانيّة وأردنيّة، وأصبحَ تنفيذ اعتماداتِ الاستيراد والتّصدير والتّحويلات عنْ طريقِ هذهِ المصارف من أجلِ الالتفاف على العقوباتْ، ما زادَ أيضاً تكاليفَ الموادِ الغذائيّة على الشّعب ونقل الثّروة من جيوب الفقراء إلى جيوب الأغنياء.
لازلتُ أذكرُ كيفَ انقطعَ حليبُ الأطفال من الصّيدليات، وأصبحَ الحصول على عبوةٍ منْ هذهِ المادة يكلّف المواطن ضعفيَ أو ثلاثةَ أضعاف سِعرها الحقيقيّ، إلى حينِ إبرامِ عقدٍ مع شركاتٍ إيرانيّة حاصلة على ترخيص لتعبئة مادة الحليب المجفف من ماركة “نان” في خطوةٍ ساعدت الاقتصاد الإيراني حليفَ النّظام السّوريّ.
من جهةٍ أُخرى، لمْ يجرؤ مصرفُ سوريّا المركزي على فرضِ تقييدٍ على تجارة السّيارات وأجهزة الاتصالاتِ النّقالة، حتّى لا يُعادي تجارَ هذا القطاع، الأمرُ الّذي بدّد خزينةَ مصرف سوريّا المركزيّ من القطعِ الأجنبيّ على أمورٍ تُعتبرُ من الثّانويات.
هلْ سيُسقط “قيصرُ ترامب” قيصرَ روسيا في سوريّا، و هلْ سوفَ يحقّق أهدافَهُ؟
سأتجهُ في هذهِ الفقرة مباشرة إلى المادة (301) من قانون قيصر: “نصّت المادة (301) على إعطاءِ الرّئيس الأمريكيّ صلاحيات تعليقِ فرضِ العقوبات كليّاً أو جزئيّاً في حالِ توقفتُ الحكومةُ السّوريّة والرّوسيّة عن استخدامِ العنفِ ضد المدنيين السّوريين”.
تُذكرنا هذهِ المادة بلحظةِ تحرّكِ الأسطولِ الأمريكيّ في البحرِ المتوسط، بنيّةِ قصفِ مواقعَ النّظامِ لاستخدامهِ السّلاح الكيماويّ، حيثُ قامت بعدَها الدّبلوماسيّة الرّوسيّة ومنْ خلالِ صفقةٍ لمْ يُعرف منْ تفاصيلها، حتّى الآن، سوى تفكيك النّظام ترسانتهُ الكيميائيّة بإشراف مُنظمة حظرِ الأسلحة الكيميائيّة بسحبِ فتيلِ هذا الهجوم وبقاء النّظام.
في هذه المادة (301)، وحسبَ البراغماتيّة السّياسيّة فهي تُعطي دائماً طريقَ عودةٍ، تُتيح للجّانب الأمريكيّ المفاوضة مع الجانب الرّوسيّ وحلفائِه على مكتسباتٍ سياسيّة ستحصل عليها مُستخدمةً الشّعب السّوري ومعاناتهِ والمُعتقلين الّذين أصدرَ النّظام فيهم شهادات وفاةٍ _معروفةٍ بشهادات السّكتة القلبيّة_ في حينْ يقومُ، بينَ تارةٍ وأخرى، بالإفراج عن آخرينَ أحياء، في خطوةٍ للمناورةِ السّياسيّة بما يخصّ هذا الملف، بعدمِ وجودِ معتقلين في السّجون.
وفي قراءةٍ للواقع ولبعضِ الأحداث، النّظام وروسيا لنْ يرضخوا لأيّ تهديداتٍ واردة ضمنَ قانون قيصر، وبَدا هذا واضحاً على لسانِ بُثينة شعبان الّتي طلبت ممنْ تبقى من الشّعب السّوريّ في الدّاخل بالصمود، وفي تحدٍّ لهذا القانون قامت روسيا بعد إقرارهِ بتسليمِ عددٍ منْ طائراتِ “الميغ-29” للنّظام السّوري خلال عرض عسكري أُجريَ في قاعدةِ حميميم، في رسالةٍ واضحة بأنّها لنْ تتوقّفْ عنْ إمداد النّظام بالسّلاح.
منْ جهةٍ أُخرى، قامتْ روسيا بمنحِ سفيرها في سوريّا صلاحياتِ الرّئيس الرّئيسيّ، في خطوةٍ ستجعل أيّ تمادٍ أمريكيّ على الأراضي السّوريّة هو بالدّرجة الأولى تحدٍّ لروسيا، مايمنح الرّوس صلاحياتٍ سياسيّة أوسع للتّهرّب من تطبيق قانون قيصر.
المُضحك المبكي في الأمر، عدمَ تضمنِ القائمةِ الأولى للعقوبات “اسم رامي مخلوف” الدّاعم الأكبر للنّظام السّوريّ، وهنا يأتي التساؤل التالي:
هلْ الخطابات الّتي وجهها رامي مخلوف في فيديوهاتهِ المُسجلةِ التي تمّ نشرها مُجردَ مسرحيّة للتّهرب من قانون قيصر بحجةِ انقلابهِ على النّظام؟، كلّ هذهِ المُعطيات تُشير إلى أنّ قانون قيصر _الّذي مُدّة سريانهِ تحدّدتْ فقطْ بخمس سنوات_ سيؤثر على الشّعب وليسَ على النّظام وحلفائِه.
بالعودةِ لعام 2011، قامتْ الدّولُ الغربيّة بقصفِ نظامِ “معمر القذافي” في ليبيا، على الرّغمِ منْ استخدامِ كلٍّ منْ روسيا والصّين حقّ الفيتو، فلماذا لمْ تقمْ بهذا في سوريا؟
هلْ فعلاً لو أرادتْ الحكومات الغربيّة الكشف عنْ مصيرِ المعتقلين وحمايةِ المدنيين يتوجّبُ عليها إقرارَ قانونِ قيصر الّذي لن يأتي إلا بمعاناة أكبر على ممن تبقوا من الشّعب السّوريّ في الداخل؟
وهنا لا بدّ لنا منَ التّّذكير، بأنّ العقوبات الأمريكيّة على نظامِ “صدام حسين” مازالت مُطبّقة بعدَ سبعةَ عشرَ عاماً من سقوطه، في تأكيدٍ واضح بأنّ هذهِ العقوبات كانتْ تستهدف الشّعب العراقي الّذي مازال يرزحُ حتّى الآن تحتَ ضغوطاتِ الفقرِ والحياة المعيشيّة الصعبة.
ليفانت – وسام أبو حسون
—————————–
“قيصر”… بوتين أمام استحقاق “مصير” الأسد/ عبدالوهاب بدرخان
دخلت الأزمة السورية مرحلتها الرابعة. في الأولى حاول النظام كسر انتفاضة الشعب. في الثانية ضاعفت إيران تدخلها لإنقاذ النظام بعدما أصبح في خطر. وفي الثالثة، بعد فشل الإيرانيين، جاءت روسيا فأنقذته وصنعت لها وله انتصارات تمثّلت باستعادة النظام سيطرته على مناطق كان خسرها. وفي الرابعة، الحالية، تدور حربٌ اقتصادية ضروس أفرغت كل الانتصارات من مضمونها، وسلّطت الضوء على دور أميركي تبيّن للروس والأسديّين والإيرانيين أنه استطاع، بتدخّل عسكري محدود، أن يضعهم في إرباكات ويخلط أوراق تحالفاتهم، إذ أنهم يهجسون اليوم جميعاً بانعكاسات عقوبات “قانون قيصر” عليهم. وفيما تعتمد حرب الاقتصاد على تسعة أعوام من العقوبات الأميركية والأوروبية، إلا أنها استندت منذ عامين ونيّف الى: 1) الحؤول دون استعادة النظام سيطرة كاملة وحرمانه من استغلال كامل للموارد الطبيعية، 2) انعدام أي دعم خارجي للنظام وتراكم ديونه لطهران التي جعلتها العقوبات تُقصِر تمويلها على ميليشياتها، 3) منع كل دعم مالي يمكن أن يتوفّر للنظام من أي تطبيع عربي معه، 4) وصول روسيا الى وضعية خاسرة في سورية فهي تتولّى منذ خمسة أعوام تكاليف عملياتها العسكرية ولا تبدو الاستثمارات التي تحصّلت عليها كافية ثم أنها تراهن على استثمار النفط السوري الذي أبقاه الاميركيون في أيدي الأكراد.
الهلع الاستباقي من تفعيل “قانون قيصر” ظهر خصوصاً في الخلاف الذي تفجّر علناً بين بشار الأسد ورامي مخلوف، وفي الهبوط اليومي لقيمة الليرة السورية، كما في تفاقم الأزمة المعيشية. كل ذلك انعكس على البيئة الموالية، سواء بناسها العاديين أو برجال أعمالها، فهي تحمّل النظام، تحديداً رئيسه، مسؤولية تدهور أحوالها. طوال الحرب لم يشعر النظام ولا بيئته الحاضنة بتداعيات مؤثرة للعقوبات، وعلى رغم أن الاقتصاد راح يسجّل تراجعاً مستمرّاً عاماً بعد عام، ظلّ النظام (وليس الدولة) قادراً على تكديس الأموال، بل استطاع تفريخ عدد من المليارديريين والمليونيريين الذين استفادوا من تسهيلاته وأفادوه بنسبة معتبرة من أرباحهم، لكن هؤلاء وجدوا أنفسهم أخيراً مرغمين على اقتطاع جزء من “أموالهم” لسد حاجات النظام من دون أن يعرفوا أين سقف هذه الحاجات وأين قاعها. أما رامي مخلوف فطولب بجلّ ما “يملك” لأنه “أموال آل الأسد” في الأساس، ويبدو أنه نسي ذلك أو تناساه حين وزّع “أمواله” في الخارج. في أي حال شكّلت المواجهة صدعاً داخل النظام بين الرئيس السياسي ووصيفه الاقتصادي، وشرخاً عائلياً بين بشار ابن العمة ورامي ابن الخال (انعكس أيضاً على الطائفة العَلَوية)، وبالتالي مؤشّراً الى تنامي الضعف في أوصال النظام، وهو ما يفتح مجالاً للاستغلال من جانب الروس (بحماية رامي) والايرانيين (باستتباع ماهر الأسد).
ما كشفه “قانون قيصر”، حتى قبل تطبيقه وبمعزل عمّن وعمّا سيمسّ من كيانات وأفراد، هو حجم النوافذ والثغر التي أبقتها منظومة العقوبات فمكّنت نظام الأسد من اختراقها خصوصاً عبر النظام المالي والاقتصادي اللبناني وبدرجة أقل عبر العراق، ولم يكن هذا الاختراق مجهولاً لدى الدول الغربية بل ساهم بعضٌ منها في تغذيته بذريعة إبقاء قنوات مفتوحة مع النظام طالما أن الأزمة لم تبرز أي “بديل” منه. أما المخاوف التي تعظم اليوم فمردّها الى أن “قانون قيصر” سيعمد الى سد كل النوافذ والثغر، مهما كبرت (دول) أو صغرت (شركات ومصارف وأفراد). ومع أن الاميركيين والأوروبيين يؤكّدون بل يقدمون براهين على أن أي عقوبات لا تشمل تلبية الحاجات الإنسانية، إلا أن أوجاع العقوبات ومفاعيلها تفتك بالشعب وبمعيشته، لأن النظام يستحوذ على أي مساعدات انسانية ليلبي أولاً متطلّبات تسلّطه. هذا ما أظهرته تجارب العقوبات على عراق صدّام وليبيا القذافي وإيران خامنئي وسورية الأسد ويمن الحوثيين، وصولاً الى لبنان “حزب الله”.
الهدف الاميركي المعلن لـ “قانون قيصر” وضع جميع داعمي النظام تحت ضغوط جديدة لإرغامهم والأسد على التعاون في انجاز حلّ سياسي، ولإرغامهم على إدراك أن الأزمة بلغت أخيراً مرحلة التنازلات. كانت سياسة الولايات المتحدة ملتبسة تجاه سورية وتحديداً حيال الأسد، ولعلها اعتمدت على التدخل الروسي لجعله ونظامه قابلين لإعادة التأهيل، لكن هذا المسعى فشل، وباستثناء تصريحات فقاعية عابرة لم تعلن واشنطن بوضوح أنها يمكن أن تتعايش مع نظام بات ملفه الاجرامي موثّقاً. مع ذلك استغرق “قانون قيصر” أعواماً طويلة قبل أن يقرّ ليصبح أقوى أدوات السياسة الأميركية رفضاً للأسد ونظامه، ولم يولد القانون إلا بعدما تأكّد أن الروس أخفقوا في ترجمة الحسم العسكري تفعيلاً للحل السياسي، وبعدما تبيّن أن قدرات الإيرانيين على التخريب (بالتنسيق مع النظام) أكبر من قدرة الروس على ضبطهم، كذلك بعدما انكشفت حدود فاعلية تفاهمات موسكو مع واشنطن وإسرائيل في الحدّ من النفوذ الإيراني الذي لا يزال يتنامى معتمداً في بعضٍ منه على بيئات سنّية مستضعفة ويجري ابتزازها بالترهيب والجوع بغية للحصول على تشيّعها.
بديهي أنه يصعب الوثوق بأميركا، كما بالنسبة الى روسيا وإيران، فضلاً عن تركيا وإسرائيل، لكن هذا هو الخيار المتاح: قيصر في مقابل الأسد… ولكي تنجو روسيا من عقوبات جديدة تضرب مكتسباتها وشركاتها في سورية سارعت الى تعيين مندوبها السامي ألكسندر يفيموف كمشرف سياسي واستثماري. وإذ حاولت أخيراً التمسّك بأوهامها في لعب “ورقة الأسد” فقد خرجت من اتصالاتها الأخيرة مع الاميركيين والأوروبيين بنتيجة مفادها من جهة أن هذه الورقة افلست واحترقت، ومن جهة أخرى أن على موسكو أن تنسى نهائياً أي دعم غربي، مالي أو سياسي في سورية، إذا أتاحت للأسد الاستمرار بالمماطلة حتى 2021 للحصول على ولاية رئاسية رابعة عبر مهزلة انتخابية جديدة. لذلك تحاول روسيا تعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة، مغدقةً الوعود بالتزام القرار 2254 حتى بما ينصّ عليه من “انتقال سياسي”، وبدفع الحلّ السياسي دستوراً وانتخاباتٍ وحتى بضمان “بيئة آمنة ومناسبة” لعودة النازحين الى مواطنهم.
قد يكون الروس بلغوا نهاية الطريق من الأسد، بعدما تضاءلت فائدته لمشروعهم، لكنهم بدّدوا وقتاً طويلاً كان يكفي لإنضاج حلّ سياسي متوازن. وقد يكون الهدف المعلن لـ “قانون قيصر” ملبياً طموح الشعب السوري بالتخلص من حكم دكتاتوري لم يعد له مستقبل، لكن شعاره الدعائي وما يرافقه من تطوّرات اقليمية قد يشكّلان نقلة جديدة في المساومات على مستقبل سورية وخريطة المنطقة.
—————————-
الحل في سوريا لم يعد في يد الأسد!/ هدى الحسيني
بينما العالم بما فيه المعادون للنظام يبكي على ما سيعانيه السوريون بسبب عقوبات «قانون قيصر»، كانت ردة فعل الرئيس السوري بشار الأسد وعقيلته أسماء وأولادهما التقاط صور له مع بعض الجنود المخلصين للنظام في محاولة لإبداء الثقة بأنه سيتجاوز العقوبات الأميركية رغم انهيار الاقتصاد. وكان الأمر المثير، الابتسامة التي غطت وجه أسماء الأسد بعدما صار اسمها على قائمة العقوبات، مؤكدة دعمها جرائم الحرب ضد الشعب السوري.
كان الاعتقاد أن يصاب النظام وحلفاؤه بلحظة وجوم ويتذكرون صور الخمسين ألف جثة التي تمزقت تحت التعذيب والتي خضت العالم، لكن العكس حدث. الأسد بصوره التي نشرها مع بعض جنوده أكد أنه مستمر في قتال شعبه. وقيل إن الصور التقطت في بلودان بالقرب من دمشق، وقد يكون أكثر شجاعة لو زار درعا المشتعلة وكذلك السويداء ودير الزور. مدن لم يزرها الأسد أو والده منذ أكثر من 50 عاماً.
ثم يطل علينا أحد الموالين لـ«حزب الله» في لبنان بتوجيه الشكر إلى إيران التي ترسل الوقود إلى فنزويلا والآن ستساعد سوريا بالوقود والدواء للشعب السوري. وكمن «يصرخ» يكتب: سوريا لم تسقط عسكرياً، سوريا لن تسقط اقتصادياً. المقرب من «حزب الله» لم يذكر شيئاً عن تهريب الوقود والديزل من لبنان إلى سوريا برعاية الحزب، كما لم يلاحظ أن سوريا سقطت أخلاقياً بعد قتلها 55 ألف أسير تحت أسوأ أنواع التعذيب. ويشكر إيران التي تحرم شعبها من أجل إنقاذ نظام صار جالساً على كرسي من دون أرجل. وقد يبدو الأمر مألوفاً فمع اقتصاد مزقته الحرب الأهلية وجيوب جديدة من المقاومة المناهضة للنظام، فإن الدولة السورية على وشك الانهيار، والأسد أضعف من أي وقت مضى.
عام 2015 وقبل التدخل الروسي لإنقاذ النظام، زادت الانقسامات في الجيش السوري؛ إذ ركزت إيران على بناء قوات الدفاع الوطني، وهي قوة شبه عسكرية موالية للأسد شخصياً، على حساب مساعدة الجيش النظامي، ومنذ ذلك التاريخ أخذت إرادة القتال لدى الجيش النظامي في الانخفاض. أيضاً في ذلك الوقت غرق الاقتصاد السوري وانخفضت الليرة السورية تجاه الدولار من 47 إلى 315، فتوجه وفد سوري إلى إيران طلباً للنجدة، فما كان من نائب وزير الخارجية الإيراني آنذاك أمير عبد اللهيان إلا أن طلب منهم أن تحذو سوريا حذو إيران وتحقق الاعتماد على الذات من خلال «اقتصاد المقاومة»!
لكن بناءً على قيمة العملة، فإن وضع سوريا اليوم يختلف اختلافاً جذرياً لأنه أسوأ بكثير. الأسبوع الماضي تم التداول بالليرة السورية في السوق السوداء بسعر 3500 مقابل الدولار. إن متوسط الراتب الشهري في سوريا يشتري اليوم بطيخة واحدة أو كيلوغراماً من البرتقال، ويُقدر أن 80 في المائة من السوريين يعيشون الآن في فقر. ثم في شمال سوريا خارج حلب الذي سيطرت عليه تركيا عسكرياً صار نحو 10 في المائة من السوريين يستخدمون الليرة التركية، وتخطط أنقرة للقيام بالشيء نفسه في إدلب، حيث يقيم 18 في المائة من السوريين. ولتحيا هكذا سيادة سورية في ظل بشار الأسد.
من ناحية أخرى، أدت الأزمة في لبنان المجاور، حيث يودع الكثير من السوريين أموالهم في المصارف هناك، إلى تفاقم الوضع، مثلهم مثل اللبنانيين لم يتمكن السوريون من سحب أموالهم من المصارف اللبنانية. لكن مثلما كشف انهيار الليرة السورية ضخامة المشاكل التي كانت موجودة منذ بدء الحرب الأهلية، فإن احتجاجات جديدة وانتقادات عامة غير عادية من المقربين من النظام تكشف إلى أي مدى ساءت الأمور على الأسد على الرغم من ادعاءاته بالنصر على بلد في حالة خراب.
لم ينفع المقاتلون اللبنانيون الذين تم إرسالهم إلى السويداء لـ«تهدئة الوضع»، فقد شهدت محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، والتي تسمى سلة الخبز، احتجاجات مناهضة تجلت يوم الأحد الماضي بالهتاف «سوريا لنا وليست لبيت الأسد». كان هتافاً يسمعه لأول مرة المتظاهرون الذين أطلقوا الثورة عام 2011 في درعا، فرد عليهم يومها شبيحة الأسد: الأسد أو نحرق سوريا وظلوا يحرقونها حتى اليوم. كما عادت المظاهرات إلى إدلب التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، وكم مرة حاول النظام استرجاعها ومُني بالفشل. كما بدأت المظاهرات في أنحاء أخرى من البلاد. وتظهر الصور الملتقطة في دمشق، سائقي السيارات وهم يدفعون بسياراتهم من خارجها بحثاً عن الوقود.
لا تخفي المظاهرات الانقسام الداخلي للنظام والذي أصبح علنياً وطال رامي مخلوف ابن خال الأسد، الملياردير الذي كان حتى وقت قريب أكبر ممول للنظام، وأطلقت عليه وزارة الخارجية الأميركية عام 2008: «الملصق السوري للفساد».
النقد الذي وجهه مخلوف للأسد يؤدي إلى اختفاء أي سوري آخر في السجون السورية. لكن هذا النقد أثار عدداً من التعليقات حول ما يعنيه هذا الانقسام حقاً: بعض المراقبين يرون فيه أن الأسد يحاول توطيد السلطة بين يديه وحده وأن الآخرين ولو من العائلة، يمكن التخلص منهم بمجرد انتهاء دورهم.
الآن مع الضغط فعلياً على النظام عبر العقوبات الدولية والإجراءات الأميركية الجديدة الأكثر صرامة والتي تستهدف بشكل خاص الدائرة الداخلية للأسد، قد يكون الرئيس السوري في حالة يأس، خصوصاً أن دائرته تقلصت إلى زوجته أسماء وشقيقه ماهر الذي يرأس النخبة من الحرس الجمهوري في الجيش.
إن تحييد المنافسين المحتملين وخاصة الأقارب الذين كانوا يعتبرون من الدائرة الداخلية، ليس بجديد على عائلة الأسد التي تقبض على السلطة عبر حسابات قاسية جداً. إن توطيد السلطة بالنسبة إلى عائلة الأسد هو موضوع رئيسي للحكم، ويعود ذلك إلى الوالد حافظ الأسد الذي جاء إلى السلطة بحركة تصحيحية عام 1970. الأسد فعلها في الثمانينات بالتحرك ضد شقيقه رفعت الذي قاد له مجزرة حماة، والابن منذ عام 2005 يتبع النمط نفسه، حيث لم يتردد في قتل أعضاء كثر من دائرته الداخلية بما في ذلك صهره آصف شوكت. شيء مشابه جداً يمكن أن يكون في طور الحدوث الآن.
أسس الوالد نموذج نظام درسه الابن بدقة. أعضاء الأسرة في القمة وفي أكثر المواقع حساسية، ومن ثم أشخاص معروفون بولائهم حتى نهاية السلسلة، بمن فيهم العلويون والأقليات الأخرى والتحالفات مع السنة. لكن إذا ترك بشار السلطة الآن فإن هيكل السلطة العلوية سينهار، لأنه يقوم على الولاء للرجل. لم يعد العلويون قادرين على الوحدة وإيجاد اتفاق ديمقراطي فيما بينهم.
قد يكون بشار الأسد أخذ عبرة من تاريخ عائلته وتاريخ سوريا. في الفيلم الوثائقي: «داخل السلالة السورية القاتلة» (ناشيونال جيوغرافي)، يروي دنيس روس الدبلوماسي الأميركي المخضرم، ردة فعل حافظ الأسد عام 1994 على وفاة نجله الأكبر باسل الذي كان يعده لخلافته. قتل باسل في إحدى السيارات الباهظة الثمن التي كان يملكها صبيحة يوم بارد من شهر يناير (كانون الثاني) ذلك العام. وكشف رد حافظ الأسد عندما جاء مستشاروه لإبلاغه بوفاة ابنه، كما يقول روس، عن الهشاشة التي كان يشعر بها الأسد الأب في منصبه، في ذلك الوقت. إذ عندما دخل عليه رئيس أركان الجيش ورئيس الحرس الجمهوري سأل: هل وقع انقلاب؟ كان ذلك عام 1994 وكان في السلطة منذ عام 1970 وكان يسيطر بقبضة من حديد ونار على السلطة، ومع هذا سأل: هل هو انقلاب!
وكما شعر والده عام 1994 بعد وفاة باسل، يخشى بشار من مصير مماثل على الرغم من وجوده في السلطة لعقدين وحافظ على قبضة الحديد والنار طوال السنوات التسع الماضية من الحرب الأهلية، وبكل الأثمان.
روسيا تعبت منه والكرملين يبحث عن شخصية أخرى. إيران غارقة في مشاكلها ويوم السبت الماضي هبط الريال الإيراني إلى أدنى سعر له على الإطلاق مقابل الدولار، فقد ارتفع إلى 193.300 ريال للدولار مما كان عليه يوم الجمعة الماضي 188.200 ريال، وذلك في السوق السوداء، في حين سعّرت صحيفة «دنيا» الاقتصادية الدولار بـ190.800.
روسيا تغرق في أبعاد تمدداتها في الشرق الأوسط، وإيران غارقة لا محالة، يبقى أن الأسد الآن في مشكلة، فهو ليست لديه حلول، ثم إنه لا يعرف ما مصيره! ربما يبدأ باستدعاء الإعلام الغربي وإعطاء مقابلات كلها «مواعظ» عن تحليلاته المستقبلية، حيث العالم سيغرق مع سوريا إذا لم يهب لإنقاذ نظامه!
والسؤال الآن: أما آن لهذا البشار أن يتنحى؟
الشرق الأوسط،
————————————–
================================
=====================
تحديث 26 حزيران 2020
—————————
هل ينجح قانون قيصر فيما فشلت فيه الحرب؟ التشريع قد يسقط النظام السوري أو يجبره على الحل السياسي
ردود فعل نظام الأسد على قانون قيصر
تداعيات قانون قيصر
علاقة قانون قيصر بالانهيار الذي يعانيه اقتصاد النظام
عوامل اقتصادية
عوامل سياسية
عوامل إدارية
هل يؤدي تطبيق قانون قيصر إلى سقوط نظام الأسد؟
دخل قانون “حماية المدنيين في سوريا” الذي يعرف اختصاراً باسم “قانون قيصر” حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران الحالي، ليفرض معادلة جديدة على مسار الأزمة السورية، تهدف إلى زيادة العزلة السياسية التي يعاني منها نظام بشار الأسد، وفرض نمط جديد شديد يحكم الحصار المالي والاقتصادي ضده، ومعاقبة حلفائه، بغية إجباره على القبول بالحل السياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254.
يهدف قانون قيصر بشكل أساسي إلى تجاوز التعطيل الروسي المستمر لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بالأزمة السورية، من خلال استخدام حق النقض الفيتو ضد جميع المسارات الدولية الساعية إلى إيجاد حل سياسي في سوريا. فقد أمنت هذه الحماية الروسية لنظام الأسد حرية تعطيل جميع المبادرات والمسارات الدولية، وإفراغها من مضمونها والالتفاف عليها، واللعب على كسب عامل الوقت من أجل القيام بالحسم العسكري. هذا التمرد على الإرادة الدولية ما كان ليتم لولا الحماية المطلقة التي أمنتها روسيا لنظام الأسد.
لكن وكما فشلت مساعي النظام وحلفائه في كسر إرادة الشعب السوري ووأد ثورته عسكرياً، فهم اليوم وجهاً لوجه أمام عقوبات واستحقاقات سياسية، سوف يكونون فيها مرغمين على قبول الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، الذي يقضي بوجود مرحلة انتقالية ليس للأسد ونظامه فيها حصة في الحكم.
ردود فعل نظام الأسد على قانون قيصر
تعليقاً على “قانون قيصر”، قال وزير خارجية نظام الأسد وليد المعلم “إذا كانوا يتوهمون أن مثل هذا الإجراء الأحادي سوف يُخضع سوريا لشروطهم، دعهم يحلمون، لن نرضخ لأي شرط”. وتابع “الهدف الحقيقي من قانون قيصر، إلى جانب تجويع الشعب السوري، هو فتح باب لعودة الإرهاب كما كان منذ عام 2011″، متحدثاً عن “تهويل إعلامي وحرب نفسية” حول تأثيرات القانون وتصويره على أنه الضربة القاضية للنظام.
وأضاف: “نحن في تحالف وثيق مع روسيا والموقف الروسي الداعم لسوريا مستمر وهناك تشاور شبه يومي مع موسكو. كما أن الوفد الإيراني الذي زار دمشق قبل أيام أكد أن بلاده لن تترك سورية وحدها”.
كما زاد قائلاً: “نرحب بأي خطوة إماراتية من أجل تعزيز العلاقة مع سوريا بصرف النظر عن تحذيرات جيفري”.
مصادر من داخل دمشق، ذكرت أن المؤتمر الصحفي الذي نظمه وليد المعلم، تم بطلب روسي وبإطلاع الحاكم إلكسندر يفيموف على نصه مسبقاً. وهدفُ المؤتمر الصحفي كان تبرير إرسال مرتزقة إلى ليبيا بذريعة دعم الجنرال المهزوم خليفة حفتر، ودعوة الإمارات لمواصلة تطبيع علاقاتها مع النظام.
تداعيات قانون قيصر
تداعيات قانون قيصر بدأت تظهر، حتى قبل دخوله حيز التنفيذ، حيث تسبب بأزمة اقتصادية خانقة في مناطق سيطرة النظام داخل سوريا، وأثارت موجة خوف وقلق لدى قطاع واسع من رجال الأعمال والتجار اللبنانيين الذين يتعاملون مع نظام الأسد ويمدونه بأسباب البقاء والاستمرار.
مما لا شك فيه أن قانون قيصر لحماية المدنيين، سيعمل على حرمان النظام من قدر كبير من الدعم الذي يقدمه له حلفاؤه الروس والإيرانيين وغيرهم، وسيخسر الموارد التي يستخدمها في حربه على السوريين، كما سيعمل القانون على تعطيل الحل العسكري بشكل نهائي، وإعادة البوصلة نحو العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة.
وزارة الخارجية الأمريكية أدرجت 39 شخصاً وكياناً على قائمة العقوبات التي يشملها “قانون قيصر”، ووعدت بفرض المزيد من العقوبات خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، على أفراد وكيانات يدعمون نظام الأسد، مما يشير بوضوح إلى أن واشنطن ماضية قدماً في تطبيق هذا القانون.
المبعوث الأمريكي المكلف بالملف السوري جيمس جيفري، أوضح بأن المسار السياسي التفاوضي ما زال متاحاً، وأن قانون قيصر ممكن تجميده في حال توقف النظام عن القتل والاعتقال والتهجير، وقدم خطوات عملية في ملف المعتقلين. وهذا ما يجعل القانون فرصة حقيقية لإنقاذ سوريا، والتحرك نحو حل سياسي فعلي وفق القرارات الدولية بما فيها 2254 وصولاً لانتقال سياسي شامل من شأنه أن يضمن عودة آمنة للاجئين السوريين ويبشر بإعادة إعمار ما دمره النظام وحلفاؤه.
علاقة قانون قيصر بالانهيار الذي يعانيه اقتصاد النظام
لا شك بأن صدور قانون قيصر أسهم في انهيار اقتصاد النظام السوري. لكن الزعم بأنه السبب الوحيد أو الرئيسي في انهيار اقتصاد النظام مجاف للحقيقة ومخالف لأبسط القواعد الاقتصادية.
ثمة عوامل أدت الى انهيار الاقتصاد السوري، منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو إداري.
عوامل اقتصادية
انخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، ما أثر بشكل سلبي على الدول الداعمة للنظام، بسبب اعتمادهم على تجارة البترول بشكل كبير في اقتصاداتهم. وانخفضت على أثره مساعدات إيران النقدية لسوريا.
خلو البنك المركزي السوري من النقد الأجنبي والذهب، حيث يعتبر وجود احتياطي العملات الأجنبية والذهب الركائز الأساسية التي تستند عليها العملات الوطنية. وقد أصبح البنك المركزي فارغاً من احتياطي النقد الأجنبي، بسبب توقف ايرادات ترانزيت النقل البري والبحري والجوي، وتوقف حركة التصدير، المساهم الأكبر في إيرادات العملات الأجنبية.
توقف شبه كامل لعجلة الإنتاج، فأصبح النظام يستورد السلع الضرورية من الخارج، حيث تتم عمليات الشراء بالنقد الأجنبي وخصوصاً الدولار، مما أدى إلى زيادة الطلب عليه، ونقصه في السوق، وبالتالي ارتفاع سعره على حساب الليرة المحلية.
خروج النفط والقمح والبقوليات وعدد من السلع الاستراتيجية الهامة من أيدي النظام.
انخفاض الناتج القومي المحلي في سورية، وتوقف عجلة الإنتاج والاقتصاد بدرجة كبيرة. بسبب قيام النظام بتدمير المصانع وخطوط الإنتاج، وتدمير البنية التحتية التي تعتبر أهم دعائم الاقتصاد.
ارتفاع مستوى الفقر عند السوريين، بسبب النزوح في الداخل والهجرة للخارج، وتحول ما يزيد عن نصف السكان من عاملين منتجين إلى مستهلكين عاطلين عن العمل.
توقف التحويلات المالية من الخارج، حيث بات السوريون في الخارج معنيين بدعم وإغاثة أهاليهم الذين تحولوا إلى نازحين داخل القطر، ولاجئين في بلاد الشتات.
عوامل سياسية
– العقوبات الاقتصادية على الدول الداعمة للنظام السوري، إيران أولاً ثم روسيا، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار في كل من لبنان والعراق، رئتي النظام اللتين يتنفس من خلالهما، سيما لبنان، وتحديداً المصارف والبنوك اللبنانية التي تعتبر مخزن عملات التجار الذين يتعاملون مع النظام بتأمين العملات الأجنبية، حيث منعت تلك البنوك صرف مبالغ كبيرة لعملائها، مما خلق أزمة نقد وسيولة لدى النظام بدرجة كبيرة.
– العقوبات الأمريكية والأوربية المفروضة على شخصيات رئيسية في النظام السوري، والتي تعتبر أذرعه الاقتصادية، مثل رامي مخلوف، وسامر الفوز، ووسيم قطان، وعدد غير قليل من المسؤولين والتجار الذين يؤمنون احتياجات النظام من الخارج.
– تمويل الحملات العسكرية ضد قوات المعارضة، والإصرار على خيار الحسم العسكري طيلة تسع سنوات متتالية، سلبا النظام كل ما يملك من مقدرات اقتصادية.
– انخفاض نشاط المنظمات الدولية، في مناطق المعارضة والنظام على حد سواء؛ هذه المنظمات كانت تقدم المنح وتفتح المشاريع الإغاثية بالنقد الأجنبي، مما كان يشكل أحد الموارد الهامة للعملة الصعبة في سوريا.
– أدى تفاقم الخلاف بين مخلوف والأسد، إلى توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية التي كانت مرتبطة بشركات مخلوف، وأصبحت شركاته تحول أرصدتها من العملة المحلية للعملات الأجنبية، ثم تحولها إلى خارج البلاد، فزاد الطلب على الأخيرة، كما زاد عرض الليرة السورية، فهبط سعرها.
– أصبح أمراء الحرب يحولون أرصدتهم من الدولار إلى خارج سوريا، مع اقتراب تنفيذ قانون قيصر.
– المخاوف من التوترات المحتدمة في الشرق الأوسط، وهو ما يعكس ضعف إيران وعجزها عن دعم الاقتصاد السوري.
عوامل إدارية
غياب منطق الدولة لدى المؤسسات الحكومية، منذ أن فرض النموذج الإيراني نفسه في سوريا، فتحولت الدولة السورية/النظام، من مؤسسات إلى مجرد ميليشيات تعتبر نفسها حامية الوطن، لا تحترم قانوناً، ولا تطبق سياسة، ولا تراعي تعليمات، فبات الاقتصاد أسير أمراء الحرب، من القادة الميدانيين في جيش النظام والميليشيات التي جنت أموالاً طائلة من الحرب، وشلت حركة مؤسسات الدولة، وفقدت قدرتها على اتخاذ قرارها المستقل.
ويأتي البنك المركزي في مقدمة مؤسسات الدولة التي تعاني من الشلل، وعدم القدرة على اتخاذ القرار السيادي المناسب؛ فكان من الطبيعي أن يعجز عن التصدي لمشكلة هبوط الليرة.
هذا بالإضافة لسلسلة من السياسات النقدية الفاشلة التي أدت على مدار سنوات الحرب إلى تدهور سعر الليرة أمام الدولار، وهذا ما ساهم في فقدانها قيمتها أمام بقية العملات.
يقول رجل الأعمال والخبير الاقتصادي الأردني طلال أبو غزالة: “إن اقتصادات الدول تعتمد بشكل رئيسي على عملتها المحلية وتحتاج للدولار فقط لتمويل التعاملات المالية والتجارية الخارجية”. وإن “هبوط العملة السورية مؤخراً يعود بشكل رئيسي إلى عامل نفسي، وإن العقوبات الأمريكية من الممكن أن تؤثر على سعر الصرف، لكن من غير المعقول أن تحدث تدهوراً كبيراً”.
ويشير أبو غزالة إلى أن 90% من التعاملات في الدول تكون بالعملة المحلية، فيما تبلغ حصة الدولار من التعاملات 10% – 15% فقط، لذلك هو يستبعد أن يكون انكماش الاقتصاد السوري وراء تراجع الليرة، إذ لا يمكن أن يؤثر الانكماش على الليرة السورية بهذا القدر، معتبراً أن التراجع يعود إلى عامل نفسي، وليس اقتصادياً.
ويشير أبو غزالة إلى إمكانية اعتماد دمشق نظام المقايضة عند إبرام الاتفاقات التجارية الخارجية لتجاوز العقوبات الأمريكية، خاصة وأن بداية التجارة في العالم انطلقت من مبدأ المقايضة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن قانون قيصر يستثني من العقوبات المواد الأساسية، التي تشمل الغذاء والدواء والحاجيات الأساسية.
هل يؤدي تطبيق قانون قيصر إلى سقوط نظام الأسد؟
تظهر تجارب العقود الماضية، من حصار كوبا المستمر منذ عام 1959، أن العقوبات الغربية لم تفلح في إسقاط الأنظمة المعادية للغرب، بدءاً من العراق أيام صدام حسين، وليس انتهاء بفنزويلا أيام خافيير شافيز، مروراً بكوريا الشمالية وكوبا وليبيا وإيران وغيرها.
صحيح أن العقوبات الدولية لا تسقط أنظمة الحكم. وأنها تساهم في إضعافها وإرغامها على تقديم تنازلات في قضايا محددة دون أن تسقطها، وأن المسؤولين الأمريكيين يصرحون جهاراً نهاراً بأن واشنطن ليست بصدد إسقاط نظام الأسد، وإن كانت ترى ضرورة رحيله.
غير أن المعطيات المتوفرة حالياً على الساحة السورية، مرشحة لإفراز حالة قد تخرق القاعدة أعلاه. لأن نظام الأسد كان آيلاً للسقوط منذ نهاية عام 2012، لولا الدعم الإيراني اللامحدود، والتدخل العسكري الروسي.
وكما هو معلوم للقاصي والداني بأن نظام الأسد قائم على قدميه، ليس بفعل إمكاناته الذاتية، إنما بالاعتماد على القوى الخارجية، روسيا وإيران تحديداً، وهذا ما يصرحون به على الدوام. فإنه من غير المنطقي قياس حالته على الحالات الأخرى.
بل يمكن القول بأن مصير الأسد ونظامه، مرتبط مباشرة بالإرادة السياسية التي تقف خلف تطبيق قانون قيصر، وطبيعة وحجم الضغوط التي ستمارسها الإدارة الأمريكية. وهذا سيشكل امتحان مصداقية لترامب وفريقه على أعتاب الانتخابات الأمريكية.
بقدر من الدبلوماسية مع موسكو، وبتنسيق وتعاون مع بروكسل وأنقرة، ومزيد من الضغوط على طهران، سيكون بمقدور دونالد ترامب وضع الأزمة السورية على سكة الحل، فيدخل الانتخابات وفي رصيده نصر تاريخي عظيم.
———————————-
عارف دليلة وقانون قيصر/ كامل عباس
بداية أنا من الناس الذين يحترمون الدكتور عارف دليلة واجد به مناضلا صلبا منسجما مع قيم النضال كما يفهمها وغير متلون ككثير من كوادر المعارضة السورية وقد دافعت عنه بوجه من اتهموه في موقفه من القانون وقالوا عنه (مخّرف) لكنني هنا مضطر لإبداء وجهة نظري في القانون التي لاتتفق مع فهمه له وارجو ان يتسع صدره لوجهة نظري لا ان يرجمني كما رجمني قبله رفاق سابقين له .
فوجئت بقول الدكتور في مقاله عبر صفحته المعنون القانون يصب الزيت على النار وجاء فيه بالحرف الواحد (ان القانون يكرس تشظي سورية ويديم سرقة ما تبقى فيها واستعباد واهلاك شعبها وتحطيم ابنائه !)
كنت اتوهم ان الدكتور تجاوز الى حد ما فهم البعث لأمريكا وامبرياليتها لينظر اليها دولة مؤسسات وليس نظرة البعثيين كزعيمة للإمبريالية , اعتقد شخصيا ان الادارة الحالية لامريكا داعمة للنظام اكثر مما هي داعمة للشعب السوري ولكن يا صديقي الادارة الحالية ليست باقية الى الأبد وما فعله السوريون من اجل اخراج القانون يجب ان يشكروا عليه والبقية علينا لكي نضغط قدر الامكان حتى يأتي التطبيق منسجما مع نص القانون . هذه مهمتنا كسوريين على ما أعتقد يساعدنا على ذلك اذا استعنا بمفكرين امريكيين انسانيين امثال صموئيل هنتغتون وبرنارد لويس وجون رويلز ومؤخرا الممثلة الأمريكية سوزان سارندون التي أجرت جيزيل خوري لقاء معها في هيئة الاذاعة البريطانية
بكل الأحوال اتفق مع الدكتور في ان العقوبات الاقتصادية تضر بالشعوب اكثر مما تضر بالأنظمة ولكن هذه المرة اذا أحسنا صنعا كسوريين يمكن ان نستفيد من القانون لنحرك قضيتنا عبر مسار جنيف وليس عبر مسار استانا . وهاهي موسكو تحيي مسار استانا من جديد لتلتف على القانون فتدعو الى مؤتمر وحدة وطنية يتسابق فيها ناطقون باسم الطائفة العلوية للحوار معهم .
يقول الدكتور في مقاله الثاني المعنون – توضيحات اضافية – انصح السوريين ان يقرؤوا مقال روبرت فورد السفير الاميريكي السابق في سورية والأكثر معرفة بالوضع ألسوري والذي يؤكد فيه الرأي القائل ان القانون سيؤدي في التطبيق الى عكس ماجاءت به نصوصه القائلة انه سيحمي السوريبن المدنيين وسيضر النظام ورجاله فقط .
بصفتي سوري لن آخذ بنصيحتك يا دكتور , روبرت فورد بالنسبة لي منافق متقلب له ألف غرض وغرض من هذا الكلام اما بالنسبة لغليون فهو مثل صديقه عزمي بشارة يريد ان يناضل من قطر ومتفوق عليه في انه سيناضل ايضا من الامارت فهل انت كذلك يا صديقي !!
اخيرا سأروي لك هذه الحادثة التي جرت لي مع كوادر بعثية في جناح ألف يمين داخل السجن عام 1988 . دار الحديث عن اسرائيل , ارادوا احراجي كوني أصفها بانها دولة حضارية , اخرجوني عن طوري فاضطررت للقول حرفيا ؛ اسرائيل دولة حضارية في المنطقة ولن نتغلب عليها الاعندما نصبح ديمقراطيين مع شعوبنا بنفس القدر التي هي ديمقراطية مع شعبها. هّموا بضربي فهربت من المهجع يادكتور ماههو رأيك دام فضلك ؟
الفيس بوك
———————————–
مصير النظام ومصير سوريا/ خيرالله خيرالله
سوريا تحصد للأسف الشديد ما زرعه النظام بعدما ارتضى بشّار الأسد أن يكون بحماية إيرانية، إنّه ثمن باهظ يدفعه بلد كان مرشّحا أن يكون من أفضل بلدان المنطقة وأكثرها ازدهارا.
ترديد الكلام البائس
لم يعد الخلاص من النظام السوري مجرّد حلم. هناك للمرّة الأولى، منذ فترة لا بأس بها، إشارات متلاحقة تؤكّد أن المسألة مسألة وقت فقط وأنّ على النظام أن يتغيّر جذريا في ضوء عجزه عن تغيير نفسه. لم يعد السؤال المطروح هل يتغيّر النظام بمقدار ما المطروح مصير سوريا.
كان آخر إيحاء بأنّ التغيير سيحصل الكلام الصادر عن جيمس جيفري مسؤول الملفّ السوري لدى الإدارة الأميركية الذي يعقد بين حين عن طريق الإنترنت ندوات افتراضية يجيب فيها عن أسئلة متعلّقة بالوضع السوري والمواقف الأميركية منه.
لم يخف جيفري في الندوة الأخيرة أن الهدف الأميركي إحداث تغيير في سوريا. ما يؤكّد ذلك قوله إن الولايات المتحدة تريد تغييرا في سلوك النظام ولا تريد تغيير النظام. مثل هذا الكلام يشير بوضوح إلى الرغبة في الانتهاء من النظام. يدلّ على ذلك الشروط الأميركية السبعة التي يشدّد عليها جيفري وغيره من كبار المسؤولين الأميركيين منذ فترة طويلة. إنّها شروط يستحيل على النظام تنفيذها كي يتخلّص يوما من “قانون قيصر”.
بكلام أوضح، إن أميركا تقصد عكس ما تقوله، خصوصا أنّ المسؤولين فيها يعرفون جيّدا أن النظام السوري لا يستطيع تغيير سلوكه، بدءا بإطلاق المعتقلين وانتهاء بخروج القوات الإيرانية وتوابعها، مرورا بتنفيذ القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يدعو هذا القرار، بين ما يدعو إليه، إلى “فترة انتقالية” في سوريا. هناك نظام لا يقبل أيّ فترة انتقالية ولا يقبل أيّ دستور جديد، إذا لم يكن هذا الدستور على مقاس بشّار الأسد.
مجرّد تغيير النظام لسلوكه يعني أوتوماتيكيا تغيير النظام. في النهاية، إن عمر هذا النظام نصف قرن إلّا خمسة أشهر تقريبا وهو يعمل وفق قواعد محدّدة في مقدّمها التخلّص عن طريق السجن أو القتل من المعارض أو حتّى من المشكوك بولائه.
لكنّ أهمّ ما في الكلام الصادر عن جيمس جيفري حديثا تأكيده أن السياسة التي تتبعها واشنطن تجاه سوريا وإيران ليست سياسة الإدارة الحالية برئاسة دونالد ترامب، بل هي “سياسة أميركا”. الترجمة العملية لذلك أن الانتخابات الأميركية لن تؤدي إلى أي تغيير في السياسة الأميركية حتّى لو فاز الديمقراطي جو بايدن على ترامب الجمهوري.
هناك من ينسى أن طرح “قانون قيصر” في الكونغرس كان في عهد باراك أوباما الذي كان بايدن نائبه. مرّ القانون ابتداء من العام 2016 بمراحل عدّة قبل تمريره في الكونغرس وإيصاله إلى البيت الأبيض حيث وقّعه دونالد ترامب في كانون الأوّل – ديسمبر الماضي تمهيدا لأن يصبح نافذا في السابع عشر من حزيران – يونيو 2020.
الأكيد أنّ النظام السوري لا يستطيع الاعتراف بأنّ “قانون قيصر” يعني نهايته. لذلك، ليس لدى وزير خارجيته وليد المعلّم سوى ترديد ما تمليه عليه مجموعة من الذين يعيشون في عالم لا ينتمي من قريب أو بعيد إلى الواقع عن أنّ “ما يسمّى قانون قيصر هو قانون اليائس لأن سوريا سجّلت انتصارات في الميدان وعلى قوانين سابقة أحادية الجانب”.
ليس معروفا عن أيّ انتصارات يتحدّث وليد المعلّم أو أولئك الذين طلبوا منه قول مثل هذا الكلام البائس. كيف يمكن أن يكون الانتصار على الشعب السوري المنتفض منذ تسعة أعوام من أجل بعض من كرامة انتصارا؟ كيف يمكن لنظام الكلام عن انتصارات في حين أن سوريا تحت خمسة احتلالات، هي الإيراني والروسي والتركي والإسرائيلي والأميركي؟
فهمت روسيا أنّ عليها التكيّف مع “قانون قيصر” في حال كانت تريد المحافظة على مصالحها في سوريا في مرحلة ما بعد رحيل النظام. سيكون لروسيا مكان في سوريا، خصوصا في ظلّ المباركة الأميركية لوجودها فيها وفي ظلّ التفاهم القائم بينها وبين كلّ من إسرائيل وتركيا.
تدفع سوريا اليوم ثمن إصرار نظام أقلوي على ممارسة لعبة التذاكي طوال نصف قرن. ما نشهده حاليا هو نهاية للعبة التذاكي التي تكشف جانبا منها مذكرات الرئيس اللبناني السابق أمين الجميّل الذي تولى المسؤولية الأولى في لبنان بين العامين 1982 و1986. تكشف وقائع موثّقة من أمين الجميّل لسلسلة اجتماعات طويلة عقدها مع حافظ الأسد في بداية العام 1986، بحضور عبدالحليم خدّام وفاروق الشرع وعبدالرؤوف الكسم، أن حافظ الأسد يفاوض من أجل التفاوض لا أكثر وأنّ همّه كان تمرير الاتفاق الثلاثي الذي توصلت إليه “القوات اللبنانية” ممثلة بإيلي حبيقة (حليف سوريا بعدما كان حليف إسرائيل) وحركة “أمل” الشيعية والحزب التقدّمي الاشتراكي الدرزي.
لم يكن ذلك الاتفاق سوى صيغة من أجل جعل لبنان تحت المظلّة السورية ولا شيء آخر غير ذلك. كان على أمين الجميّل إلغاء نفسه كرئيس للجمهورية اللبنانية من أجل أن يصبح مرضيا عنه في دمشق. صمد في وجه حافظ الأسد ودفع ثمن صموده من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه لبنانيا.
في السنة 2020، انتهت لعبة التذاكي التي وضع قواعدها حافظ الأسد والتي لم يستطع بشّار الأسد السير فيها إلى النهاية بعد سلسلة من الأخطاء المريعة التي ارتكبها منذ العام 2000 بسبب الحلف الذي أقامه مع إيران من دون أخذ في الاعتبار للنتائج التي يمكن أن تترتب على جرائم من نوع المشاركة في اغتيال رفيق الحريري، أو تغطيتها، على سبيل المثال وليس الحصر…
دخلت سوريا بعد دخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ مرحلة جديدة. لم يعد المطروح فيها هل يبقى النظام بمقدار من أنّ المطروح كيف ستتوزّع مناطق النفوذ فيها. كيف سيخرج الإيرانيون وأتباعهم وإلى أي حدّ ستتقدّم تركيا، وهل تصل منطقة نفوذها إلى محيط حماة، في وقت تبدو روسيا مهتمّة أكثر من أي وقت بالشريط الساحلي السوري وبدمشق ومحيطها.
تحصد سوريا للأسف الشديد ما زرعه النظام بعدما ارتضى بشّار الأسد أن يكون بحماية إيرانية وذلك منذ اليوم الأوّل الذي خلف فيه والده. إنّه ثمن باهظ يدفعه بلد كان مرشّحا أن يكون من أفضل بلدان المنطقة وأكثرها ازدهارا.
المؤسف أكثر أن المأساة السورية تنسحب على لبنان الذي لم يستطع الخروج بدوره من الوصاية الإيرانية فإذا به يصرّ على أن يتحوّل إلى بلد فقير ومفلس لا وجود فيه لقيادة سياسية تعرف شيئا لا عمّا يدور في المنطقة، بما في ذلك في الداخل السوري، ولا عمّا يدور في العالم…
إعلامي لبناني
العرب
———————————-
الأسد أمام توقعات كارثية قريبة/ صالح القلاب
لم يجد بشار الأسد ما يلوّح به في وجوه الذين باتوا يهدّدونه فعلياً وجدياً، بعدما بات «قيصر» يقف على أبواب دمشق، إلا بقايا «شراذم» حزب البعث الذي بقي منسياً على مدى سنوات طويلة منذ أزاح «القدر» من أمامه شقيقه باسل بحادث سيارة، لا تزال تدور حوله الشبهات، في 2 يناير (كانون الثاني) عام 1994، ثم إنه لا تزال تدور تساؤلات كثيرة أيضاً حول مقتل زوج شقيقته، آصف شوكت، في انفجار لا يزال غامضاً، كان استهدف مكتب الأمن القومي السوري الذي كان محصناً بطريقة معقدة.
كان حافظ الأسد قد توفي بالمرض العضال في عام 2000 بعد حكمٍ بالحديد والنار، كما يقال، بدأ فعلياً وعملياً في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970، وهذا مع أنه كان رقماً رئيسياً في معادلة النظام منذ عام 1966 وكان أساسياً في اللجنة العسكرية السرية التي تشكلت بعد الوحدة المصرية السورية في القاهرة خلال وجود عدد من كبار الضباط السوريين هناك، بدون أي عمل وأي مهام، ومعظمهم من الضباط «العلويين» مثل محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وأحمد المير، وحقيقة أنّ هؤلاء هم الذين قاموا بالانقلاب على «الانفصاليين» في 8 مارس (آذار) عام 1963.
والمعروف أنّ الصراع قد دبّ بين رموز هذه المجموعة، التي كان يتصدرها اللواء صلاح جديد، وإلى أن أصبح حافظ الأسد، الذي احتفظ بموقع وزير الدفاع لأعوام عدة، القوة الرئيسية في هذه المجموعة، إلى أن قام بانقلابه على رفاقه في نوفمبر عام 1970 واعتقلهم، وبخاصة صلاح جديد، ويوسف زعين، واثنين من الأردنيين، هما ضافي الجمعاني، وحاكم الفايز، وآخرين من بعض الأقطار العربية، إلى أن توفي بعضهم في سجن المزة (المعروف) وخرج الآخرون لينتظروا الموت لاحقاً، كرئيس الدولة نور الدين الآتاسي، ورئيس الوزراء يوسف زعين، ووزير الخارجية إبراهيم ماخوس، ووزير الداخلية محمد عيد عشاوي.
المهم أنّ حافظ الأسد بقي يحكم «القطر العربي السوري» بقبضة من حديد، وأنه استعان بعدد من المساعدين، من بينهم عبد الحليم خدام، الذي أصبح نائباً له لفترة وجيزة، ومصطفى طلاس الذي كان رئيساً للمحكمة العسكرية التي كانت حاكمت بعض المنشقّين عليه، والمعروف أنّ هذين الاثنين قد أصبحا في عهد ابنه بشار (الرئيس الحالي) لاجئين سياسيين في فرنسا، وقد توفيا هناك، ودفنا كغيرهما في ديار الغربة كصلاح البيطار الذي تم اغتياله في باريس عام 1980 بعدما رفض التعاون مع الرئيس السوري السابق، وقد تم دفنه في بغداد، مع أنه «شامي» أصيل، وكان المفترض أن يدفن في دمشق.
وهكذا؛ وبالعودة إلى البدايات فإنّ بشار الأسد، الذي هبطت عليه مسؤولية حكم دولة، ليس من السهل حكمها، وحيث توصف سوريا بأنها بلد الانقلابات العسكرية المتلاحقة، قد أهمل حزب البعث الذي من المفترض أنه قد «أهَّل» والده حافظ الأسد إلى حكمٍ تواصل على مدى كل هذه السنوات الطويلة منذ عام 1970 حتى وفاته، وتواصل معه هو منذ عام 2000 حتى الآن.
ومشكلة بشار الأسد بعد كل هذه السنوات أنه لم يقرأ تاريخ هذا البلد، بلد الألاعيب السياسية والانقلابات العسكرية، جيداً، وأنه لم يأخذ بعين الاعتبار أنّ حزب البعث الذي من المفترض أنه كان القاطرة التي أوصلت والده إلى الحكم هو حزب انقلابات عسكرية، وأنه كان عليه ألا يُهمله بعد كل هذه السنوات الطويلة، ولم يتذكره إلا بعدما جاء «قيصر» كحالة سياسية، ليستهدف وجوده على رأس دولة لا تزال تحمل عنوان «الصراع على سوريا»!!
إنّ مشكلة بشار الأسد الذي تربّع حتى الآن على سدة الحكم كل هذه السنوات الطويلة أنه لم يتذكر «حزب البعث» إلا بعدما بات «قيصر» هذا يقف له على باب قصر الرئاسة في منطقة «المهاجرين»، وأنه بادر إلى لملمة شمل حزب بقي على مدى كل هذه الفترة الطويلة على رصيف الحكم ورصيف العملية السياسية، في بلد تناوبت عليه أنظمة كثيرة، وشهد انقلابات عسكرية متعددة متلاحقة؛ أولها انقلاب حسني الزعيم في عام 1949 على الرئيس شكري القوتلي، وأخيراً وليس آخراً، انقلاب والده على رفاقه في عام 1970… والقادم أعظم كما يقال.
بشار الأسد لم يتذكر حزب البعث، الذي كان ما تبقى منه قد توفي مع وفاة والده حافظ، إلا بعدما باتت التحديات الفعلية تقرع أبواب مقره الرئاسي، وهنا، وفي مثل هذه الأمور، فإنه لا قيمة إطلاقاً لتلك الحكمة القائلة: «أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً». فقد سبق السيف العذل، ولعلّ ما هو منتظر، وهو ما يعرفه الرئيس السوري معرفة أكيدة، هو أنّ رامي مخلوف ابن خاله بات يعدُّ نفسه للانتقال من بيته الذهبي في دمشق، إلى قصر الرئاسة… وإلا ما معنى ألا يشمله الأميركيون بقرار «قيصر» الذي بات يفعل فعله في سوريا وبهذا النظام المهترئ.
لقد أصبحت سوريا ساحة صراع إقليمي ودولي، منذ عام 2011 حتى الآن… وحقيقة وقبل ذلك، هناك الإسرائيليون والأميركيون والروس والإيرانيون والأتراك ورئيسهم رجب طيب إردوغان الذي قد تجاوزت تطلعاته الإمبراطورية الحدود كلها، وقفز بهذه التطلعات إلى أفريقيا، مستعيناً بالتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» وبحركة «حماس» الفلسطينية، وأيضاً بقطر، وبعض الدول العربية التي ليس فيها مجرد ذرة واحدة من العرب والعروبة!!
والواضح أنّ غالبية العلويين (أبناء الطائفة العلوية) باتوا على قناعة راسخة بأنّ عائلة الأسد قد انتهى دورها مع الرئيس الحالي بشار الأسد، وأن البديل لحزب «البعث»، الذي انتهى دوره هو أيضاً، بعد كل هذا المشوار الطويل الذي «ابتلع» خيرة قياداته العلوية… وأيضاً السنية والدرزية، هو الحزب «القومي السوري» الذي بالإمكان أن يكون واجهته رامي مخلوف، على اعتبار أنّ هذه العائلة كلها إمّا منتمية لهذا الحزب، أو موالية له سياسياً واجتماعياً.
ويقيناً، إنّ تحقيق هذه الافتراضات هو في غاية الصعوبة، فالشعب السوري الذي باتت أكثريته منثورة في 4 رياح الأرض، لا يمكن أن يقبل بوصاية «علوية» جديدة، ثمّ إنّ ما بات معروفاً ومؤكداً أنّ القرار في هذا البلد الذي كان ولا يزال ساحة صراعات دولية وإقليمية، لم يعد قرار «العلويين» بعد كل هذه التحولات الراهنة والمتوقعة، وبعد إزاحة هذا النظام الذي غدا مهترئاً بالفعل، والذي قد يتحوّل الصراع عليه إلى مواجهات طائفية، وإلى تدخلات خارجية، من أهمها التدخل الإسرائيلي، وللأسف، بات يقف لأي متغيرات في هذا البلد العربي بالمرصاد… بالفعل!!
إنّ نظام بشار الأسد قد بات ساقطاً لا محالة، على المدى القريب أو على المدى الأبعد قليلاً، وهكذا في الحالتين، يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ هناك الآن تدافعاً دولياً وإقليمياً في هذه المنطقة، وعلى سوريا تحديداً، وكما هو واقع الحال في ليبيا… وفي العراق وفي اليمن أيضاً، وأنّ هذا البلد قد غدا ساحة صراعات دولية بين دول متعددة وكثيرة… الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران ثم قبل كل هذه الدول هناك إسرائيل التي تنتظر في هضبة الجولان، التي كانت قد «ضمّتها» إليها في وقت مبكر، وبصمت مطبق من قبل بشار الأسد، ومن قِبل والده قبله.
نقلا عن الشرق الأوسط
————————————-
هل يلحق الأسد بحفتر؟/ علي حسن باكير
بعد عملية درع الربيع التي شنتها تركيا ضد نظام الأسد والميليشيات الموالية له في إدلب في شهر مارس الماضي، أدّت الخسائر الجسيمة التي مُني بها على مستوى الأفراد والمعدّات العسكرية إلى النظر في خيارات جديدة لمحاولة رفع التكاليف على الجانب التركي. وعليه، كثّف النظام السوري من تعاونه مع أمير الحرب حفتر في ليبيا، وتمّ تتويج هذا التعاون بتوقيع اتفاقية بين الطرفين قيل إنّها أتت بعد زيارة سرّية قام بها حفتر إلى دمشق في نفس الشهر.
وفقاً لتقرير الخبراء المرفوع إلى الأمم المتحّدة في شهر أبريل الماضي، بلغ عدد المرتزقة الموالين لنظام الأسد ممّن تمّ إرسالهم إلى ليبيا للقتال إلى جانب ميليشيات حفتر قرابة ٢٠٠٠ عنصر. وبحسب التقرير، تمّ نقل هؤلاء منذ بداية العام حتى تاريخه من دمشق إلى بنغازي الليبية عبر أكثر من ٣٠ رحلة جوّية وذلك على متن خطوط “أجنحة الشام” التي تخضع لعقوبات أميركية بسبب دورها السابق في نقل دعم الحرس الثوري والمرتزقة الروسية إلى نظام الأسد.
وبموازاة الدعم البشري، وثقت تقارير سابقة التجارة غير الشرعية التي تربط الأسد بحفتر لا سيما لناحية تجارة المخدرات والسلاح والتي تدرّ ملايين الدولارات على المنتفعين في ظل توحّد جهود الداعمين الإقليميين والدوليين لمساعدة الديكتاتورَين على تثبيت سلطتَيهما في سوريا وليبيا على حد سواء، وعلى رأسهم إيران وروسيا والإمارات. وفي نظرة سريعة إلى طبيعة العوامل المشتركة التي تجمع جميع هذه الأطراف، نجد أنّ الرغبة المشتركة في احتواء تركيا تكاد تطغى حتى على بعض التباينات التي قد تكون موجودة بينهم.
من هذا المنطلق، من الممكن فهم التحالف الأسدي- الحفتري على أنّه توحيد للجهود المشتركة في مواجهة “عدو” مشترك. هذا التوحد يربط إلى حدّ ما مصير الرجلين ببضعها بعضاً نظراً لتشابه الأجندة والأهداف والداعمين. يتطلّع كلا الديكتاتورَين إلى إضعاف الجانب التركي على أمل أن يفيد ذلك أياً منهما في المضي قدماً في مخطّطاته للسيطرة على مزيد من الأراضي. المشكلة في هذه المعادلة أنّ انهيار ميليشيات حفتر خلال الشهرين الماضيين أمام قوات حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً والمدعومة من قبل الجانب التركي أربك حساباتهما معاً.
ففي حين كان الأسد يحشد قواته على تخوم إدلب بمساعدة من إيران وروسيا في محاولة لإدخال تركيا في مواجهات عسكرية بجبهتين متزامنتين في ليبيا وسوريا، انهارت قوات حفتر بشكل سريع غرب ووسط البلاد، الأمر الذي وضع أنقرة في موقع سياسي وعسكري متقدّم في الملفين السوري والليبي، ودفع داعمي حفتر إلى تكثيف الجهود لمنع انهياره بالكامل الأمر الذي تطلّب تحشيد مزيد من الموارد المالية والعسكرية في وقت بدا فيه أنّ نظام لأسد ينهار اقتصادياً أيضاً قبيل تطبيق قانون قيصر.
تشترط حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً في ليبيا ألا يكون حفتر حاضراً في أي من المفاوضات المتعلقة بمستقبل ليبيا على اعتبار أنّه أثبتَ مراراً وتكراراً أنّه لا يلتزم بأي من الاتفاقات التي يتم التوصّل إليها فضلاً عن دوره الإجرامي في نشر الإرهاب وقتل المدنيين وتعزيز الانقسام في البلاد. وعلى هذا الأساس، فإنّ انطلاق عملية سياسية جدّية ذات صِدقيَّةٍ في ليبيا تعتمد على مدى قرار داعمي حفتر التخلي عنه، إذ يجري التفاوض حالياً بين القوى الإقليمية والدولية المعنية على صيغة لإعلان وقف دائم لإطلاق النار وإطلاق العملية السياسية.
هذه الصيغة تشبه إلى حد كبير النقاش الذي كان قائماً في سوريا والذي يتم إعادة طرحه الآن مع دخول قانون قيصر حيّز التنفيذ وهو ضرورة تنحيّ الأسد عن المشهد تماماً حتى يتيح ذلك عملية انتقال سياسي في البلاد ووضع دستور جديد وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتّحدة. لسنوات استطاع نظام الأسد تجاهل ذلك رغم وجود قرارات دولية بهذا الشأن. إذا ما نجحت معادلة إخراج حفتر في ليبيا، فهذا قد يعدّ مؤشراً إيجابياً لناحية إمكانية حصول نفس الشيء في سوريا.
وبالرغم من أنّ الأسد ونظامه أكثر رسوخاً من حفتر وميليشياته في ليبيا، إلا أنّ قانون قيصر سيشدّد الخناق عليه ليدفعه باتجاه سلوك الانتقال السياسي بنفسه أو مواجهة الانهيار المحتوم. من الناحية المالية، الاقتصاد السوري دخل مرحلة الانهيار قبل تطبيق قانون قيصر، ومع تشديد الخناق أيضاً على حلفاء الأسد في الإقليم سواءً لبنان أو إيران أو حتى روسيا، فإنّ إمكانية الاستعانة بهؤلاء لإبقاء الاقتصاد السوري عائماً تصبح شبه معدومة. هذا الوضع سيبقى على الأقل حتى نهاية العام الحالي، إذ من المنتظر أن تشهد الولايات المتّحدة انتخابات رئاسية يأمل نظام الأسد وحلفاؤه ألا يتم خلالها التجديد لترامب حتى يستطيعوا الخروج من أزمتهم.
لكن المؤكد أنّه إذا سقط حفتر في ليبيا، فسينعكس ذلك بشكل سلبي من دون شك على نظام الأسد وحلفائه. مثل هذا الربط يأتي من حقيقة أنّ كلا الديكتاتورَين ربَطا مصيرهما ببعضهما بعضاً، وبما أنّ تحالفهما بُنِيَ كذلك على معاداة تركيا، فإنّ سقوط حفتر قد يؤمّن لتركيا يداً عليا فتكون الخسارة مضاعفة للمحور الآخر في ليبيا وسوريا معاً.
كاتب لبناني
تلفزيون سوريا
—————————————–
==============================
========================
تحديث 27 حزيران 2020
————————
سوريا الثقيلة على محتليها/ عمر قدور
أحد الجوانب المهمة التي كشف عنها كتاب جون بولتون، مستشار ترامب السابق للأمن القومي، هو غياب القضية السورية عن اهتمامات الطبقة الأمريكية الحاكمة. ذلك لا يتعلق بترامب شخصياً، فهو كما نذكر أعلن مرتين عن نيته سحب قواته نهائياً من سوريا، والعودة عن قراره مرتين أتت بضغط من أركان الإدارة لأسباب لا تتعلق بالسوريين. الاشتباك مع طهران هو الذي أبقى القوات الأمريكية، وفي ما عدا ذلك ربما ينظر طاقم ترامب إلى سوريا بوصفها مجرد “رمال وموت” وفق تعبيره هو، أي بوصفها صفراً كقيمة استراتيجية منفصلة.
كان أوباما حريصاً على عدم التورط في سوريا، لولا اضطراره إلى محاربة داعش. في حقبته أيضاً كانت السياسة الأمريكية تمرّ كتفصيل صغير ضمن الاشتباك مع طهران، ونُقل عنه تلهيه بكمبيوتره اللوحي عندما كانت جلسات الأمن القومي تصل إلى مناقشة البند السوري. كان هدف أوباما الرئيسي توقيع اتفاق نووي مع طهران، ولم يكن ليمانع في تقديم أرض “الرمال والموت” كرشوة لتوقيع الاتفاق، ولم يمانع لاحقاً التدخل الروسي لإنقاذ بشار، هو الذي أظهر علناً احتقاره المعارضة السورية واعتبارها غير مؤهلة لتكون بديلاً عنه.
الاستهلال السابق يكشف لنا عن القيمة المستقلة للقضية السورية من وجهة نظر قوة احتلال هو الأقل كلفة ضمن القوى الأخرى، فالوجود الأمريكي يقتصر على بضع مئات من العسكريين وعلى قدر محدود جداً من الإنفاق ربما لم يعد يضاهي المساعدات الإنسانية التي تقدّمها الإدارة للسوريين. وهذا الوجود “فوق محدوديته” مؤثر في تحرك القوى الأخرى وفي مستقبل الصراع في سوريا وعليها، لكن ذلك كله لا وزن له أمريكياً إلا ضمن المصالح المتشابكة مع القوى الأخرى، أي روسيا وإيران وتركيا وإسرائيل.
موسكو تقلل عادة من كلفة تدخلها في سوريا، وتنوه أحياناً بمكاسب من صفقات أسلحة أبرمتها على خلفية تجريبها في اللحم السوري. والواقع أن الكلفة المتدنية المزعومة يتم إبرازها بين الحين والآخر لتضخيم مكاسب محفوفة بالتساؤلات، فالحصول على قواعد عسكرية “جوية وبحرية” في سوريا لن يجعل من روسيا قوة متفوقة بالمقارنة مع التواجد الأمريكي في عموم المنطقة والكفة التقنية الراجحة له، وأبلغ دليل على قيمة المكاسب الاستراتيجية المزعومة موافقة واشنطن عليها عن طيب خاطر وعدم استخدام قدرتها على إزعاج موسكو سورياً.
أول ما يطعن فكرة “النصر الروسي” أن بوتين ذهب إلى أرض متروكة أمريكياً، وسبقه إلى فراغها العديد من القوى والتنظيمات، وهو كان حتى الآن مضطراً إلى السير بتوازن بين القوى الإقليمية الأخرى المتصارعة، تركيا وإيران وإسرائيل، على حساب قدرته على احتكار المسألة السورية. إعادة سوريا إلى ما كانت عليه تفوق قدرة الديبلوماسية والجيش الروسيين، ودونها حروب مع تلك القوى الإقليمية، وصولاً إلى حرب مستحيلة ضد الوجود الأمريكي. أهم ما في الأمر أن الطريق غير ممهدة أمام بوتين ليفرض مشيئته على التركيبة الأسدية، لقد سبقه الإيرانيون بأشواط في هذا المضمار، وطهران لن تتخلى عن نفوذها خاصة وهي تراهن على رحيل ترامب وعودة الديموقراطيين.
طهران من جهتها لا تملك سوى خيار مقاومة إجلائها عن سوريا، فهي دفعت ثمناً باهظاً من الأموال ومن ميليشياتها ليتباهى قادتها بالسيطرة على أربع عواصم عربية. ما دفعته طهران انعكس إفقاراً للإيرانيين الذين كان يتعين عليهم رؤية الحلم التوسعي هدفاً يستحق التضحية، والانهيار الكلي لمشروع التوسع سيكون له ارتدادات داخلية عميقة على حكم الملالي. لا تستطيع طهران المضي إلى الأمام في سوريا، ولا إلى الخلف، ولا تساعدها الظروف الحالية على استرداد جزء من ديونها على الأسد، مثلما لا تساعدها على إنقاذه من التدهور الاقتصادي على النحو الذي فعلته من قبل. كل ما في وسعها فعله التسلل من شقوق الغارات الإسرائيلية على مواقعها وإمداداتها، من دون القدرة على الرد أو على صوغ سياسة ذات أفق باستثناء ما تسميه “الصبر الاستراتيجي”، إذا لم ينفذ الصبر من البوابة اللبنانية.
أنقرة التي تملك حضوراً في جزء معتبر من الشمال السوري ليست في حال أفضل، فهي قد دفعت ثمن وجودها بصفقات ومقايضات تحسر تأثيرها في الملف السوري إلى عتبة هواجسها إزاء المسألة الكردية. خسرت أنقرة من جنودها، ودفعت أثماناً اقتصادية، من دون يقين بجدوى سياساتها ضمن ازدحام القوى الموجودة في سوريا، فهي رضخت أكثر من مرة لضغوط موسكو التي نقضت تفاهمات سابقة، ومضطرة في الجانب المقابل إلى القبول بتحالف واشنطن مع الفرع السوري لحزب العمال. الوضع الداخلي، على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لم يعد مريحاً لحزب العدالة وسياسات أردوغان في سوريا داخلة في صلب جدل القوى السياسية، وسيزداد التصويب عليها مع اقتراب الموسم الانتخابي. لقد انتهت سياسة “صفر مشاكل” التي منحت تركيا مكانة إقليمية ودولية غير مسبوقة، واليوم هناك قوى إقليمية “خليجية تحديداً” تسعى إلى هزيمة أنقرة عسكرياً، أو تهميشها في أية تسوية لاحقة من خلال النفوذ الذي ستكتسبه تلك القوى بتمويل إعادة الإعمار. أيضاً، تركيا عالقة بحيث يصعب عليها الانسحاب، ولن يكون جني المكاسب “أو الحفاظ على الوضع الحالي” مضموناً.
باستثناء واشنطن، ليس لدى القوى الأخرى سياسات واضحة للخلاص من الورطة السورية، والاستثناء الأمريكي يقتصر على قانون قيصر إذا جاز اعتباره أول خريطة طريق مُتفق عليها داخلياً، مع التأكيد على تحاشي إدارة ترامب التورط في الموضوع السوري خلال الزمن القصير الذي يفصلها عن الانتخابات الرئاسية، إلا إذا كانت الأطراف الأخرى جاهزة لمنح ترامب إنجازاً يستثمره فيها. ثمة تحركات روسية مؤخراً، منها إيفاد مبعوث بوتين ليلتقي بالرئيس السابق لائتلاف المعارضة أحمد معاذ الخطيب، سقف التحركات التقاط إشارة المبعوث الأمريكي إلى رغبة بلاده تغيير سلوك الأسد لا تغييره، والفشل أقرب إليها عطفاً على سوابق الديبلوماسية الروسية غير الجادة. في ما عدا ذلك، الاحتمالات مفتوحة على خسارات إضافية لمختلف اللاعبين، سواء بسبب تبعات قانون قيصر أو جراء نزاعات المأزومين.
المدن
—————————–
“قيصر” يقرع الأجراس/ أحمد طرقجي
“نتوقع أن يشهد عام 2021 نهاية العمليات العسكرية في سوريا”. هي جملة تداولها العديد من الدبلوماسيين منذ أكثر من عام. هذه القراءة عن وصول مرحلة المعارك إلى نهايتها وتغير طبيعة الصراع تجسدت بوضوح مع إعلان قانون “قيصر”. وعلى الرغم من انقسام الشارع السوري حول مدى التغييرات المتوقعة من القانون، إلا أن الأهم هو أن يتمكن السوريون من فرض أولوياتهم الوطنية على الأجندات المطروحة الآن.
فالتدخل العسكري الروسي في سوريا هو من الأكبر حجماً في العقود الماضية وقد نتج عنه قواعد عسكرية لن تغادر سوريا لخمسين سنة على الأقل حسب الاتفاقات التي وقعها النظام مع روسيا. أي أن معظم قراء هذا المقال لن يكونوا على قيد الحياة لمشاهدة القواعد الروسية ترحل عن سوريا. كما أن تصريحات الدبلوماسيين خصوصا الأميركيين واضحه بالموافقة على الوجود العسكري الروسي على مدى السنين القادمة. وبالتالي يبدو مستبعداً أن يقود قانون “قيصر” بحد ذاته لتغيير وضع هذه القواعد إلا في حالة حدوث تغيرات على مستوى عالمي كانهيار الدولة الروسية إقتصادياً أو اندلاع حرب واسعة النطاق في المنطقة أو في حال استطاع السوريون خلق معطيات جديدة لتغيير شروط التفاوض.
تختلف القراءة قليلاً من ناحية إدارة الدولة في المرحلة القادمة حيث تتداخل السياسة مع الاقتصاد. فالروس يتطلعون لتغطية كلفتهم المالية من أي نظام قادم في سوريا بالإضافة لضمان مصالح مستقبلية لشركاتهم الاستثمارية. تفرض هذه الأولويات أسلوب حكم سوري تتحكم فيه مجموعة سياسية اقتصادية صغيرة (أوليغارشية) بمسار الدولة بصورة مشابهة تماماً لما حدث في روسيا نفسها أواخر تسعينات القرن الماضي. بالتالي فإن الانتقال السياسي كما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة قد يوقف الانتهاكات وهو مطلب كل السوريين أو قد يقصي جزءاً من النظام، ولكنه لن ينتج بالضرورة نظام حكم متطور في السنوات المقبلة.
من هذه الزاوية تماماً تظهر أهمية إحياء تيار وطني سوري قوي قادر على إدارة هذا الملف بندية مع روسيا ومع باقي الدول المؤثرة خلال المفاوضات الحالية لوضع نواة دولة قوية بدلاً من نموذج الحكومات المفككة التي رأيناها بعد الحروب الأهلية. كما نعلم فلا النظام و لا الائتلاف ولا الإدارة الذاتية لديهم الآن الشرعية الشعبية أو أدوات التفاوض اللازمه لمواجهة هذا التحدي.
يشكل توقيت قانون “قيصر” عامل حسم أكثر أهمية من مفردات القانون نفسه. فالخزينة العامة السوريه مستنفذة ومن دون موارد ثابتة ما يكبّل حركة النظام ويجعله غير قادر على الهروب للأمام. والشمال الشرقي والغربي غير قادرين على تحقيق أي استقرار محلي ذاتي. دولياً لن تتمكن انتصارات الدبلوماسية الروسية من الحفاظ بمفردها على مكاسب طويلة الأمد. ولن تستطيع سياسة الضغط الأقصى الأميركية أن تقلب أوراق المعادلة الحالية بالكامل ولكنها ستركز على أولويات السياسة الأميركية في الملف السوري.
لكن ماذا لو تابع الاقتصاد السوري انهياره بعد بدء تطبيق قانون “قيصر” والتزمت الشركات الروسية بالقانون أو حتى تبرعت روسيا للسوريين بجزء من إنتاجها الهائل من القمح؟ هل سيدفع الفقر حينها السوريين للخروج في مواجهة أمراء الحرب أو حتى لمواجهة القوات الروسية؟ أم سيحاولون إيجاد طرق جديدة للتعايش مع اقتصاد الحرب والعقوبات؟. تاريخياً اتجهت الشعوب للحل الثاني في النزاعات السابقة، وتدريجياً فقدت العقوبات قوتها كأداة لتحسين شروط التفاوض. لكن من يدري فالسوريون يثبتون كل يوم أنهم استثناء.
بعد معركة ميسلون ودخول الجنرال غورو دمشق عام 1920 عمل تيار المحافظين والحركة الوطنية على ردم الفجوة بينهم ليتمكنوا من خوض صراع سياسي قانوني طويل مع الانتداب حتى نالوا استقلالهم بعد ربع قرن.
مما لا شك فيه أن التحديات الحالية للوطنيين السوريين أصعب من تحديات الماضي بسبب الانقسام الحاد وغياب منصات الحوار المباشر بالإضافة إلى خروج معظم أوراق السيادة من أيدي السوريين. بيد أن ردم هذا الانقسام على أسس العدالة والمواطنة هو الخطوة الأهم لوقف تهميش الملف الوطني. أجراس المرحلة القادمة تُقرع بقوة على أرضنا، يوسف العظمة ورفاقه لم يربحوا معركة ميسلون لكنهم صنعوا لنا التاريخ.
المدن
——————————————
مصير النظام ومصير سورية/ خير الله خير الله
لم يعد الخلاص من النظام السوري مجرّد حلم. هناك للمرّة الأولى، منذ فترة لا بأس بها، إشارات متلاحقة تؤكّد أن المسألة مسألة وقت فقط وأنّ على النظام أن يتغيّر جذريا في ضوء عجزه عن تغيير نفسه. لم يعد السؤال المطروح هل يتغيّر النظام بمقدار ما المطروح مصير سوريا.
كان آخر إيحاء بأنّ التغيير سيحصل الكلام الصادر عن جيمس جيفري مسؤول الملفّ السوري لدى الإدارة الأميركية الذي يعقد بين حين عن طريق الإنترنت ندوات افتراضية يجيب فيها عن أسئلة متعلّقة بالوضع السوري والمواقف الأميركية منه.
لم يخف جيفري في الندوة الأخيرة أن الهدف الأميركي إحداث تغيير في سوريا. ما يؤكّد ذلك قوله إن الولايات المتحدة تريد تغييرا في سلوك النظام ولا تريد تغيير النظام. مثل هذا الكلام يشير بوضوح إلى الرغبة في الانتهاء من النظام. يدلّ على ذلك الشروط الأميركية السبعة التي يشدّد عليها جيفري وغيره من كبار المسؤولين الأميركيين منذ فترة طويلة. إنّها شروط يستحيل على النظام تنفيذها كي يتخلّص يوما من “قانون قيصر”.
بكلام أوضح، إن أميركا تقصد عكس ما تقوله، خصوصا أنّ المسؤولين فيها يعرفون جيّدا أن النظام السوري لا يستطيع تغيير سلوكه، بدءا بإطلاق المعتقلين وانتهاء بخروج القوات الإيرانية وتوابعها، مرورا بتنفيذ القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. يدعو هذا القرار، بين ما يدعو إليه، إلى “فترة انتقالية” في سوريا. هناك نظام لا يقبل أيّ فترة انتقالية ولا يقبل أيّ دستور جديد، إذا لم يكن هذا الدستور على مقاس بشّار الأسد.
مجرّد تغيير النظام لسلوكه يعني أوتوماتيكيا تغيير النظام. في النهاية، إن عمر هذا النظام نصف قرن إلّا خمسة أشهر تقريبا وهو يعمل وفق قواعد محدّدة في مقدّمها التخلّص عن طريق السجن أو القتل من المعارض أو حتّى من المشكوك بولائه.
لكنّ أهمّ ما في الكلام الصادر عن جيمس جيفري حديثا تأكيده أن السياسة التي تتبعها واشنطن تجاه سوريا وإيران ليست سياسة الإدارة الحالية برئاسة دونالد ترامب، بل هي “سياسة أميركا”. الترجمة العملية لذلك أن الانتخابات الأميركية لن تؤدي إلى أي تغيير في السياسة الأميركية حتّى لو فاز الديمقراطي جو بايدن على ترامب الجمهوري.
هناك من ينسى أن طرح “قانون قيصر” في الكونغرس كان في عهد باراك أوباما الذي كان بايدن نائبه. مرّ القانون ابتداء من العام 2016 بمراحل عدّة قبل تمريره في الكونغرس وإيصاله إلى البيت الأبيض حيث وقّعه دونالد ترامب في كانون الأوّل – ديسمبر الماضي تمهيدا لأن يصبح نافذا في السابع عشر من حزيران – يونيو 2020.
الأكيد أنّ النظام السوري لا يستطيع الاعتراف بأنّ “قانون قيصر” يعني نهايته. لذلك، ليس لدى وزير خارجيته وليد المعلّم سوى ترديد ما تمليه عليه مجموعة من الذين يعيشون في عالم لا ينتمي من قريب أو بعيد إلى الواقع عن أنّ “ما يسمّى قانون قيصر هو قانون اليائس لأن سوريا سجّلت انتصارات في الميدان وعلى قوانين سابقة أحادية الجانب”.
ليس معروفا عن أيّ انتصارات يتحدّث وليد المعلّم أو أولئك الذين طلبوا منه قول مثل هذا الكلام البائس. كيف يمكن أن يكون الانتصار على الشعب السوري المنتفض منذ تسعة أعوام من أجل بعض من كرامة انتصارا؟ كيف يمكن لنظام الكلام عن انتصارات في حين أن سوريا تحت خمسة احتلالات، هي الإيراني والروسي والتركي والإسرائيلي والأميركي؟
فهمت روسيا أنّ عليها التكيّف مع “قانون قيصر” في حال كانت تريد المحافظة على مصالحها في سوريا في مرحلة ما بعد رحيل النظام. سيكون لروسيا مكان في سوريا، خصوصا في ظلّ المباركة الأميركية لوجودها فيها وفي ظلّ التفاهم القائم بينها وبين كلّ من إسرائيل وتركيا.
تدفع سوريا اليوم ثمن إصرار نظام أقلوي على ممارسة لعبة التذاكي طوال نصف قرن. ما نشهده حاليا هو نهاية للعبة التذاكي التي تكشف جانبا منها مذكرات الرئيس اللبناني السابق أمين الجميّل الذي تولى المسؤولية الأولى في لبنان بين العامين 1982 و1986. تكشف وقائع موثّقة من أمين الجميّل لسلسلة اجتماعات طويلة عقدها مع حافظ الأسد في بداية العام 1986، بحضور عبدالحليم خدّام وفاروق الشرع وعبدالرؤوف الكسم، أن حافظ الأسد يفاوض من أجل التفاوض لا أكثر وأنّ همّه كان تمرير الاتفاق الثلاثي الذي توصلت إليه “القوات اللبنانية” ممثلة بإيلي حبيقة (حليف سوريا بعدما كان حليف إسرائيل) وحركة “أمل” الشيعية والحزب التقدّمي الاشتراكي الدرزي.
لم يكن ذلك الاتفاق سوى صيغة من أجل جعل لبنان تحت المظلّة السورية ولا شيء آخر غير ذلك. كان على أمين الجميّل إلغاء نفسه كرئيس للجمهورية اللبنانية من أجل أن يصبح مرضيا عنه في دمشق. صمد في وجه حافظ الأسد ودفع ثمن صموده من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه لبنانيا.
في السنة 2020، انتهت لعبة التذاكي التي وضع قواعدها حافظ الأسد والتي لم يستطع بشّار الأسد السير فيها إلى النهاية بعد سلسلة من الأخطاء المريعة التي ارتكبها منذ العام 2000 بسبب الحلف الذي أقامه مع إيران من دون أخذ في الاعتبار للنتائج التي يمكن أن تترتب على جرائم من نوع المشاركة في اغتيال رفيق الحريري، أو تغطيتها، على سبيل المثال وليس الحصر…
دخلت سوريا بعد دخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ مرحلة جديدة. لم يعد المطروح فيها هل يبقى النظام بمقدار من أنّ المطروح كيف ستتوزّع مناطق النفوذ فيها. كيف سيخرج الإيرانيون وأتباعهم وإلى أي حدّ ستتقدّم تركيا، وهل تصل منطقة نفوذها إلى محيط حماة، في وقت تبدو روسيا مهتمّة أكثر من أي وقت بالشريط الساحلي السوري وبدمشق ومحيطها.
تحصد سوريا للأسف الشديد ما زرعه النظام بعدما ارتضى بشّار الأسد أن يكون بحماية إيرانية وذلك منذ اليوم الأوّل الذي خلف فيه والده. إنّه ثمن باهظ يدفعه بلد كان مرشّحا أن يكون من أفضل بلدان المنطقة وأكثرها ازدهارا.
المؤسف أكثر أن المأساة السورية تنسحب على لبنان الذي لم يستطع الخروج بدوره من الوصاية الإيرانية فإذا به يصرّ على أن يتحوّل إلى بلد فقير ومفلس لا وجود فيه لقيادة سياسية تعرف شيئا لا عمّا يدور في المنطقة، بما في ذلك في الداخل السوري، ولا عمّا يدور في العالم…
المصدر
العرب
———————————
=======================
================================
تحديث 29 حزيران 2020
———————————
تحديات يفرضها قانون قيصر على العمل المدني
أثارت عقوبات قيصر نقاشات واسعة في مختلف الأوساط السورية، دارت بشكل رئيسي حول مدى تأثير هذه العقوبات على حياة السوريين ومعيشتهم، وبالتوازي مع ذلك، حول ما هو متاح أمام العاملين في الشأن العام اليوم، وما يطرحه ذلك من تحديات على المستويات الإنسانية والسياسية، وعلى مستوى العمل المدني. وقد تحدثت الجمهورية مع عدد من السوريات والسوريين الذي يشغلون مواقع مؤثرة في منظمات مدنية أو في مجالات العمل البحثي والنشاط السياسي، وتوجهت لهم بأسئلة حول الأولويات والتحديات التي ينبغي التركيز عليها لدى فاعلي الشأن العام السوري، وذلك مع تدهور الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، والجمود على مستوى العملية السياسية، ودخول عقوبات قيصر حيّز التنفيذ. بالإضافة إلى أسئلة حول الخطاب الذي يمكن توجيهه للمقيمين في مختلف المناطق السورية، والذي يمكن توجيهه لصنّاع القرار على المستوى الدولي.
علا رمضان، المديرة التنفيذية لمؤسسة بدائل
لم تتغير الأولويات الأساسية التي كنا نعمل عليها خلال السنوات الماضية، ألا وهي تحقيق انتقال سياسي دون وجود للأسد في المرحلة الإنتقالية، إلى جانب العديد من القضايا وأهمّها المطالبة بالمعتقلين والمغيبين قسرياً، وهو المطلب الذي أرى أنه صار الآن أشد إلحاحاً، بالإضافة إلى ضرورة دعم مسارات العدالة الخجولة التي بدأت في أوروبا، لأنها تمثل بصيص أمل للسوريين في سبيل تحقيق العدالة الإنسانية.
أما بالنسبة لعقوبات قانون قيصر، فإنها تضعني شخصياً أمام معضلة، ذلك أنني من الداعمين لفرض عقوبات اقتصادية على النظام من أجل تقويض سلطاته وإضعاف أعوانه، لكن هذا الموقف أصبح الآن أكثر هشاشة، لأننا لا يمكن أن ننكر أن عقوبات قيصير تستهدف بشكل أساسي مؤسسات الدولة ورجال الأعمال في بلد ليس فيه قطاع خاص بالمعنى الفعلي، ذلك أن الاقتصاد برمته مسيطر عليه من قبل النظام ومحاسيبه، ولا يمتلك الأفراد فيه إمكانية إنشاء أعمال مستقلة، ما سيجعل الأفراد والمواطنين في سوريا يدفعون ثمن هذه العقوبات.
وبالطبع، نحن الآن لا نتكلم عن انهيار اقتصادي سيحدث نتيجة دخول عقوبات قيصر حيز التنفيذ، إذ أنّ هذا الانهيار الاقتصادي بدأ بشكل تراكمي منذ عشر سنوات، نتيجة سوء استخدام النظام لموارد البلد وتجييرها من أجل قتل شعبه أولاً. لكننا أمام معضلة عميقة، لأنّ عقوبات قيصير هي سلاح ذو حدين، فهي من جهة تضغط على النظام وتقوض الدعم الاقتصادي الذي يحصل عليه من روسيا وإيران، وغيرهما من الدول المشاركة في التطبيع مع النظام والداعمة له في مرحلة إعادة الإعمار، ولكن من جهة أخرى، سيدفع الناس ضريبة هذا الانهيار الاقتصادي مما يهدد بشكل خاص الأمن الغذائي للشعب السوري.
عمل النظام السوري خلال السنوات الماضية على تأسيس بروباغندا مفادها أن الانهيار الاقتصادي هو نتيجة للعقوبات الاقتصادية الغربية، في الوقت الذي نعرف فيه جيداً أن النظام استخدم كافة موارده للحرب على الشعب السوري. ومن جهة أخرى، يجب أن نركز على أن آثار عقوبات قيصر ستظهر على على المدى المتوسط والطويل، لكن الناس أصيبت منذ أن دخلت عقوبات قيصير حيز التنفيذ بنوبات خوف شديدة تشير بوضوح إلى الأثر النفسي والاجتماعي لهذه العقوبات على المواطنين السوريين، والتي هي أكبر في الوقت الحالي من أثرها الاقتصادي المباشر. ويقتضي هذا التفكير في أشكال أخرى من التواصل مع السوريين الذين يعيشون داخل سوريا، ومساعدة الأفراد والأسر على تفعيل دور الاقتصاد الجزئي من أجل تعزيز الدخل الرديف، واقتراح سبل أخرى لتخفيف من حدة تأثير الانهيار الاقتصادي على أساسيات المعيشة.
أعتقد أنّ أهمّ النقاط التي يجب أن تذكر في هذا السياق هي تسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وتكثيف الدعم للقطاع الإنساني، وهذا بدوره تحدٍ كبير، خاصةً بعد أزمة كورونا وآثارها الاقتصادية، التي ستدفع الدول الداعمة إلى تركيز اهتمامها على أزماتها الداخلية كأولوية، بدلاً من دعم الدول الأفقر أو التي تشهد نزاعات وصراعات وانتهاكات لحقوق الإنسان.
ماريا العبدة، المديرة التنفيذية لمنظمة النساء الآن للتنمية
أكبر المخاوف اليوم تأتي من العلاقة مع المؤسسات المصرفية، فنحن نعاني منذ العام 2014 من تخوف البنوك من أي حسابات بنكية ترتبط بسوريا، ونتوقع أن تصبح الإجراءات أشدّ، إذ قد تنتقل تلك المؤسسات إلى إغلاق حسابات المنظمات الإنسانية والمدنية السورية، وذلك عملاً بقاعدة صفر مخاطر التي تتّبعها تلك المؤسسات.
أضف إلى ذلك التضييق الذي نتعرض له من دول الجوار، ما يجعل التحويل النقدي إلى داخل سوريا أصعب بكثير، ويترافق ذلك مع انهيار لسعر صرف العملتين السورية واللبنانية، ما يؤثر كثيراً على تمويل المشاريع التنموية للسوريين.
الأوليات بالنسبة لنا اليوم هي العمل على حماية المدنيين من تبعات عقوبات قيصر، وحماية عمل المؤسسات الإنسانية المستقلة بما يتضمن الحماية القانونية لها، في ظل التخوف من أن تتحول تلك المساعدات ومعها كثير من الأنشطة داخل سوريا إلى هدف لمافيات جديدة، ما يمنع وصولها للسوريين. المؤسسات السورية هي التي تتحمل العبء القانوني الأكبر بخصوص التحويلات المالية إلى الداخل، إذ يجب علينا شرح تلك التحويلات للجهات الممولة، وللدولة أو الدول التي تمرّ الأموال عبرها.
تقع مسؤولية أخلاقية كبيرة علينا نحن المؤسسات المدنية والإنسانية السورية التي تعمل انطلاقاً من خارج البلاد، فعلينا أن نوضّح رفضنا لأي عقوبات تطال آثارها المدنيين، وأن نثبت بأنّ عملنا ورؤيتنا تحكمها حقوق الإنسان المتساوية للجميع. نحن نرفض أن يدفع مدنيون ومدنيات ثمن إجرام النظام.
أما بالنسبة لبرمجة أنشطتنا داخل سوريا ومع السوريين، فإن علينا العمل على إيجاد فرص عمل للنساء والرجال. لدي شخصياً خوف من تأثير نموذج العقوبات النيوليبرالي على الوضع بسوريا، مما يؤدي إلى أن يكون التوجه العام هو التعامل مع أزمة إنسانية، بينما القضية بالنسبة لنا هي حق الإنسان في العيش الكريم، وليس منع المجاعة فقط. كذلك فإن لدى مؤسساتنا تخوف كبير من تأثير العقوبات على النساء، من خلال انخفاض فرص العمل المتاحة وزيادة العنف، كما حدث في العراق خلال التسعينات.
د. عبد الرحمن الحاج، باحث وناشط سياسي
يجب أن ينخرط السوريون في تنفيذ القانون، بدل لعب دور المتفرج. يحتاج القانون الأميركي، الذي تمّ إقراره بمساعي من سوريين، أن تتمّ ملاقاته بين السوريين والإدارة الأميركية، كما يحتاج الأميركيون إلى استشارة السوريين باستمرار حول توجيه العقوبات، وعلى السوريين أن يوفروا ما يستطيعونه من توجيه للعقوبات نحو أركان النظام ومموليه وأثرياء الحرب، وتجنيب باقي السوريين النتائج الوخيمة التي تترتب على تنفيذ القانون ما استطاعوا، وذلك من خلال المراقبة لتطبيق القانون على الواقع وتقديم العون في التوجيه.
تستطيع الجهات الفاعلة في الشأن العام، وخصوصاً منظمات المجتمع المدني، لعب دور مهم في ذلك .
يجب الانخراط في تنفيذ القانون بدل الترقب وانتظار النتائج، فالقانون فرصة مهمة لإضعاف النظام وحلفائه، ولكن يجب أن لا يتمّ التعويل عليه في انهيار النظام أو الرهان عليه في مسألة إسقاطه. ربما ينبغي أن يأخذ الفعلون السوريون يعين الاعتبار أنّ هذه فرصة يجب اغتنامها، عبر إعادة تنظيم أنفسهم استعداداً لمرحلة مقبلة ستكون على الأرجح في صالح السوريين. النظام وصل إلى انسداد في العمل العسكري في إدلب، ويفتقد إلى الموارد، وهو الآن يعاني ضغطاً إضافياً. هذه مؤشرات لمرحلة جديدة.
كذلك يجب تكثيف عمل منظمات المجتمع المدني وتطويره لمواجهة تداعيات قانون قيصر على الحياة اليومية قدر الإمكان. ثمة شعور واسع بالتضامن مع جميع السوريين، وخصوصاً مع الذين يعيشون تحت سلطة النظام، والمطلوب اليوم هو تطوير الأداء والتكيف مع المرحلة، للتخفيف من نتائج تطبيق القانون على عموم السوريين.
مازن غريبة، ناشط سوري وعضو في اللجنة الدستورية
قانون قيصر هو قرار سياسي للإدارة الأميركية، وبالتالي فإن تأثير الفاعلين السوريين على شكل وتطبيق القانون محدودٌ جداً، إن لم يكن معدوماً، على خلاف ما يعتقده كثيرون منا. وأعتقد أن تأثيره المباشر على العمل الإنساني يقتصر على زيادة الصعوبات اللوجستية المتعلقة بالتحويلات البنكية والمعاملات المالية للجهات السورية العاملة في المجال الإنساني، وهذا ليس أمراً جديداً، ذلك أن هذه المعوقات موجودة قبل إصدار القانون، لكنها ستتزايد خلال الفترة المقبلة. وبالمقارنة، فإنّ التأثير المباشر لجائحة كورونا على انخفاض الدعم المالي واللوجستي، المقدم من الجهات المانحة الأساسية، سيكون أكبر من الآثار المتوقعة لقانون قيصر على العمل الإنساني.
لا يمكن إلقاء مسؤولية الانهيار الاقتصادي في سوريا اليوم على العقوبات الاقتصادية فقط. لا شكّ أنّ هذه العقوبات لعبت دوراً في التضخم غير المسبوق لليرة السورية، لكن الأسباب الأساسية لهذا الانهيار هي تفشي الفساد، والخلافات في بنية الشبكة الزبائنية المرتبطة برأس النظام السوري، والسياسات النقدية الفاشلة التي تبناها المصرف المركزي السوري، وتسخير كل موارد الدولة لخدمة آلة حرب النظام السوري، وبالتأكيد انهيار البنى التحتية الأساسية نتيجة سنوات الحرب.
أرى أن الأولويات الحالية بالنسبة للعمل الإنساني والنشاط السياسي يجب أن تركز؛ أولاً على الانهيار الاقتصادي وتأثيره على الجانب الإنساني، إذ يجب على الفاعلين السوريين أن يتوجهوا بشكل مباشر إلى كل المتضررين وفي كافة المناطق السورية، بما يشمل المدنيين في مناطق سيطرة النظام السوري، لمحاولة العمل على تخفيف العبء الاقتصادي. ويمكن العمل في هذا السياق على مشاريع تمويل أو إقراض صغيرة، من شأنها دعم مشاريع تنموية ذات عائدات مالية.
أما فيما يتعلق بالعملية السياسية، النظام السوري اليوم في أضعف حالاته، وقانون قيصر قطع الطريق أمام إعادة التطبيع المباشر معه، وألغى احتمال البدء بإعادة الإعمار دون انتقال سياسي حقيقي يضمن المساءلة والمحاسبة والعدالة الانتقالية والعودة الآمنة والطوعية للمهجرين السوريين. وقد يتيح ذلك فرصة مهمة لزيادة الضغط على النظام السوري لخوض عملية سياسية حقيقية، تركّز أولاً على الإفراج عن جميع المعتقلين والمعتقلات في السجون الرسمية وغير الرسمية للمخابرات السورية. إضافة إلى ذلك، هذا الضغط قد يساعد في إعادة تفعيل العملية السياسية التفاوضية متعددة المجالات وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، ومن ضمنها العملية الدستورية بما يضمن أن تكون مدخلاً لتحريك ركود المفاوضات السياسية في جنيف بسلالها الأربع.
إنّ عقوبات قيصر، وما سبقها من عقوبات اقتصادية أخرى، فُرضَت لأسباب وشروط واضحة، منها الإفراج عن المعتقلين والمعتقلات والانتقال السياسي في سوريا، بالتالي فإنّ رَفعَ هذه العقوبات وغيرِها مرتبط بشكل أساسي بتحقيق هذه الشروط، وهذا ما ينبغي على الشارع السوري الدفع نحوه، وأعتقد أنّ الحراك الشعبي في محافظة السويداء هو مؤشر واضح لمطالب السوريين السياسية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالوضع الاقتصادي الحالي.
فادي ديري، المدير الإقليمي لمنظمة هاند أند هاند، وعضو اللجنة التوجيهية لتحالف المنظمات السورية غير الحكومية SNA
تم تصميم العقوبات بشكل جيد لتستهدف أشخاصاً وكيانات بعينها، ساهمت في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، لكن عندما نأتي إلى تطبيقها فإن الأمر يختلف، إذ سنكون أمام معضلة جديدة هي زيادة التدقيق في البنوك على حركة النقود باتجاه المنظمات غير الحكومية العاملة في سوريا، من أجل أن تتأكد أنّ النقود المحولة ستصرف في الهدف المعلن عنه من قبل المنظمات. زيادة التدقيق هذه ستسبب تأخيراً لا يمكن احتماله بالنسبة للمستفيدين، كما أنّ ذلك سيضع عبئاً إضافياً على البنوك، وبما أنها لا تحصل على أرباح كبيرة من العمل مع المنظمات غير الحكومية، على عكس العمل مع الشركات الخاصة، فإنّ كثيراً من المؤسسات المصرفية ستفضّل إغلاق حساباتنا، لأنّ الأمر لا يستحق من وجهة نظرهم ربما هذا العمل الإضافي والمخاطر المرافقة له.
نحن بحاجة إلى إيصال رسالة واضحة للمجتمع السوري حول أنّ الأسوأ سيأتي قبل أن نبدأ برؤية بعض التقدم، وقبل أن تبدأ الأشياء في التحرك في الاتجاه الصحيح، كما أن طريقة عملنا سوف تتغير بشكل كبير. مثلاً، حالياً هناك صراع لتمويل العمليات الحالية ناهيك عن تلبية الاحتياجات المستقبلية، بالإضافة إلى تأثير جائحة كوفيد-19 على المانحين، سواء كانوا أفراداً أو حكومات حول العالم، وهو ما سينعكس علينا بالطبع.
يدرك المانحون تماماً الاحتياجات والتحديات الإنسانية، ورسالتنا مرتبطة بالقضايا الأساسية اليوم، مثل التوثيق الحقوقي وقضايا المعتقلين والعدالة والمساءلة. هذه بعض الرسائل التي نود تذكير صناع القرار السياسي بها.
أزمة سوريا هي أزمة حماية، ينبغي منح المدنيين مساحة آمنة وأملاً بالسلام، وسيكونون قادرين على الصمود والنجاة مهما كان الدعم قليلاً.
تتفق هذه الآراء إذن على أن السياسة المالية والمصرفية تجاه سوريا، وما تتركه من آثار على الدعم المقدم للعمل الإنساني والمدني في البلاد ودول الجوار، هي أحد أهم المسائل الملحّة التي ينبغي التعامل معها اليوم. كما تتفق على ضرورة القيام بكل ما يمكن القيام به للتخفيف من آثار العقوبات على المعيشة اليومية لعموم السوريين في سائر مناطق البلاد، مع التركيز دوماً على أن لا يتم تجاوز المسائل الرئيسية المتعلقة بالانتقال السياسي والعدالة والمحاسبة، التي لا بديل عنها لإخراج السوريين من دائرة الموت والمعاناة.
موقع الجمهورية
—————————-
رسائل قانون قيصر/ رضوان زيادة
يمكن القول إن القانون يستهدف الأشخاص والشركات الروسية والإيرانية بشكل رئيسي وكل شركة أو شخصية تحاول أن تقدم الدعم لنظام الأسد بشكل عام، وهو ينص على مجموعة عقوبات في قطاعات النفط والطيران والمالية وإعادة الإعمار بشكل رئيسي، إذ ينص القانون أنه يجب على وزارة الخزانة الأميركية في موعد لا يتجاوز ١٨٠ يوماً أن تقرر فيما إذا كان البنك المركزي السوري مؤسسة تعنى بغسل الأموال وبالتالي يجب فرض العقوبات عليها، فإذا ما قرر وزير الخزانة مينوتشين في تقريره أن البنك المركزي مؤسسة لغسل الأموال فسيتم وضع البنك على لائحة العقوبات وبالتالي تحظر أية مؤسسة مالية من التعامل معه وخاصة المصرف المركزي اللبناني والمصارف الخاصة وهو ما يعني نهاية كل رصيد من العملة الأجنبية ومن الدولار في البنك المركزي السوري وهو ما من شأنه أن يهوي بالليرة السورية إلى القاع، والتي هي أصلا في حالة سقوط حر حيث وصل سعر صرف الدولار لليرة إلى أكثر من 3000 ليرة سورية بعد أن كان لا يتجاوز 45 ليرة قبل عام 2011.
كما تشمل العقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر كل شخص أجنبي دعم مالياً أو مادياً أو بشكل تقني حكومة الأسد أو أيَّ كيان تملكه أو تسيطر عليه أية شخصية سياسية رفيعة في الحكومة وكل شخص أجنبي عمل كمقاول أو كمرتزق أو شكل مليشيا داخل سوريا لصالح الأسد أو لصالح روسيا أو إيران، كما تشمل العقوبات كل من يقدم سلعاً أو خدمات أو معلومات أو تكنولوجيا أو أي شكل من أشكال الدعم يساهم في صيانة أو توسيع إنتاج الحكومة من الغاز الطبيعي أو النفط أو المشتقات النفطية، كما تشمل العقوبات أيضاً من يبيع أو يقدم قطع غيار للطائرات التي تستخدم لأغراض عسكرية لصالح نظام الأسد أو لصالح روسيا وإيران وأيضا كل من يقدم مساعدة هندسية أو في البناء لإعادة الإعمار لصالح الأسد وبالتالي فهو يقطع الطريق نهائيا على إعادة تأهيل نظام الأسد.
أما نوع العقوبات المفروضة في قانون قيصر ستشمل حظر كل المعاملات والممتلكات كما تشمل منع التأشيرات لدخول أميركا وإبطال التأشيرات في حال وجودها وتجميد كل الأصول المالية للأشخاص والمؤسسات والكيانات المشمولة بالعقوبات ويتم استثناء المساعدات الإنسانية والمواد الطبية التي لا تشملها وهي هنا شبيهة تماما بالعقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على حكومة الأسد منذ عام 2011 رداً على العنف المفرط الذي واجه به المظاهرات السلمية بدء من آذار/مارس 2011.
إذاً: يبقى السؤال ما الفارق بين العقوبات المتضمنة في قانون قيصر وتلك العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية منذ عام 2011، في الحقيقية لا يوجد فرق كبير في طرق ووسائل آليات التأثير لجهة تجميد الممتلكات والأرصدة ومنع منح تأشيرات السفر وغيرها لكن هناك فرق في اللائحة بين الطرفين، الأهم برأيي أن قانون قيصر قد دخل حيز التنفيذ بفضل دعم كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي فقد وقع قادة كلا الحزبين رسالة إلى الرئيس ترامب تحثه فيها على التطبيق الأقصى للقانون لأن الشعب السوري يستحق حكومة وحياة أفضل من تسع سنوات من الحرب والبراميل المتفجرة.
فالعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر هي عقوبات مشرعة من قبل الكونغرس الأميركي ولا ترتبط بالرئيس سواء أكان ديمقراطياً أو جمهورياً وبالتالي رفع هذه العقوبات يكون بقرار جديد من الكونغرس بلجانه المختلفة الشؤون الخارجية والمالية وتلك الخاصة بالقضاء والموازنة.
في النهاية يتضمن قانون قيصر مواد تنص على ما يسمى تعليق العقوبات أو رفعها تمثل خارطة طريق فيما إذا رغبت الحكومة برفع العقوبات عنها، وذلك إذا توقف نظام الأسد وروسيا عن استخدام المجال الجوي لاستهداف السكان المدنيين بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والتقليدية بما في ذلك الصواريخ والقنابل المتفجرة، كما يجب لتعليق العقوبات أيضاً رفع الحصار من قبل النظام وروسيا وإيران على المناطق السكنية والمدنيين والسماح بوصول المساعدات الإنسانية بانتظام وضمان حرية السفر والرعاية الطبية للمدنيين في مناطق الحصار كما أن على النظام إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الذي احتجزهم قسراً في السجون والسماح للمنظمات الإنسانية الدولية بالدخول إلى هذه السجون والكشف عليها.
يضاف إلى هذه الشروط وقف استهداف المشافي والمرافق الطبية والحيوية والمدارس والمناطق السكنية والأسواق وغيرها من المناطق المدنية كما على النظام اتخاذ خطوات للوفاء بالتزاماته فيما يتعلق باتفاقية حظر استخدام وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية وتدميرها وأن تصبح من الدول الموقعة على اتفاقية حظر تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والسامة وتدمير هذه الأسلحة، كما على النظام أن يسمح بالعودة الآمنة والطوعية والكريمة للسوريين الذين شردهم النزاع كي يتم التعليق بالعمل بقانون قيصر، أما الشرط الأخير فينص على ضرورة أن يتخذ النظام خطوات جادة وحقيقة لتحقيق المساءلة والمحاسبة لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وضمان تحقيق العدالة للضحايا بما يفتح الباب لعملية حقيقية لضمان معرفة الحقيقة والمصالحة.
كما لابد أن نذكر أن القانون نص على مجموعة من الإعفاءات والاستثناءات الخاصة بالحاجات الإنسانية والدوائية وفقاً لطلب من الرئيس إلى الكونغرس وفق لجانه المختلفة.
لقد نص قانون قيصر أن على الرئيس أن يصدر في موعد لا يتجاوز ١٨٠ يوماً (هو تحديداً تاريخ ١٧ حزيران) من تاريخ سن القانون اللوائح اللازمة لتنفيذه، وكما كان متوقعاً فمن صباح يوم 17 حزيران وفي الساعة الثامنة صباحاً بتوقيت واشنطن أي قبل بدء الدوام الرسمي أعلن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو عن أول مجموعة من الأسماء التي طالها قانون قيصر بالعقوبات، والتي شملت للمرة الأولى أسماء الأسد زوجة بشار ألأسد وزوجة أخيه أيضاً منال الجدعان زوجة ماهر الأسد وبشرى الأسد أخته المقيمة في الإمارات.
ونص بيان وزير الخارجية على أن كل “شخص في أي مكان في العالم” يتعامل مع الأسد سيكون عرضة للعقوبات وفقاً لقانون قيصر، وقد ضمت اللائحة الأولية ٣٩ اسماً وكياناً بعضهم يخضع للعقوبات الأميركية للمرة الأولى.
في البداية يجب أن نتوقف عند الرمزية التي حملتها العقوبات المنصوص عليها في القانون، إذ ليس تفصيلاً صغيراً أبداً أن تفرض عقوبات على رئيس الدولة وزوجته وأخته وأخوه وزوجة أخيه (كل أفراد العائلة دون استثناء) وهو ما يظهر للعالم أجمع بنية هذا النظام الفاسد العائلية ومدى مشاركتهم في قتل وتجويع أبناء وطنهم.
وقد شملت القائمة أيضاً بالإضافة إلى بشار الأسد وعائلته مجموعة من رجال الأعمال الذين يعدون الداعمين الرئيسيين والممولين الرئيسيين للأسد في حربه ضد الشعب السوري من مثل محمد حمشو وزوجته وكل أفراد عائلته زوجته رانية رسلان الدباس وأخوته سمية صابر حمشو وأحمد صابر حمشو وأولاده علي محمد حمشو وعمرو حمشو، لأن كل الشركات التي اعتاد حمشو على تأسيسها للالتفاف على العقوبات كانت مسجلة بأسماء إخوته وأبنائه.
كما شملت القائمة غسان علي بلال والذي يعتبر الذراع اليمنى لماهر الأسد ومدير مكتبه وقد كان تحت طائلة العقوبات الأميركية والأوروبية منذ عام 2012 لكن بشار الأسد عينه الشهر الماضي كمحافظ للحسكة في تحد لهذه العقوبات.
وشملت اللائحة أيضاً مجموعة من الشركات التي حاولت الالتفاف على العقوبات السابقة والقيام بما يسمى مشاريع إعادة الإعمار على حساب أملاك اللاجئين والنازحين السوريين وعلى أرضهم وممتلكاتهم كشركة بنيان دمشق المساهمة وغيرها من شركات رامي مخلوف التي تهتم بالفساد وغسيل الأموال مثل شركة دمشق الشام للإدارة وشركة دمشق الشام القابضة وراماك للمشاريع التنموية والإنسانية.
تلفزيون سوريا
———————————
قيصر الولايات المتحدة الأميركية… الوحدة الكردية والمخلب التركي!
دخل قانون قيصر الذي يتضمن عقوبات اقتصادية أميركية قاسية على سورية، حيّز التنفيذ. ويحتوي القانون الذي أُسند بدعوى ومزاعم “حماية المدنيين”، على عقوبات تشمل الشركات التي ستتعامل تجاريًا مع سورية، في مجالات عديدة في مقدمتها الطاقة والطيران والإنشاءات وقطاع المبادلات المالية والسلع والخدمات التي من شأنها المساهمة في إعادة إعمار البلاد. وبناء على ذلك، فإن القانون يزيد -من الناحية العملية- شدة وطأة وعبء الدمار والخراب الذي خلفته الحرب الدائرة منذ ما يزيد على 9 سنوات، على كاهل الشعب السوري. وكما قالت صديقتنا هدية ليفينت: إن الولايات المتحدة التي نعلم كم هي تواقة لنيل شعوب الشرق الأوسط حرياتها!! تكون من خلال العقوبات التي فرضتها على سورية أمس “قد حكمت على الشعب، من أجل مصلحة الشعب، بالجوع!”. وباعتبار أن النسبة الكبرى من التجارة الخارجية السورية تتم عبر شركات لبنانية، فليس من الصعب التكهن بأن أكثر من سيتأثر من هذه العقوبات، بعد سورية، هو لبنان الذي يعاني أصلًا أزمة اقتصادية حادة.
العقوبات الأميركية تشمل، إلى جانب النظام في سورية، كلًا من روسيا وإيران والمناطق التي يسيطر عليها “حزب الله” اللبناني. أما مناطق الحكم الذاتي الكردية في شرق الفرات، وإدلب والمناطق الخاضعة للإدارة التركية، فقد بقيت بمنأى عن العقوبات. ومن الواضح أن هذه العقوبات تهدف، عبر فصل المناطق الثلاثة سالفة الذكر، واقتطاعها عن سورية اقتصاديًا، إلى تقسيم البلاد فعليًا إلى ثلاثة أجزاء: منطقة الحكم الذاتي الكردية، والمناطق الخاضعة لإدارة تركيا (حيث يمكن إدخال إدلب فيها بشكل جزئي)، والمناطق التي بقيت في يد النظام. لكن سفيرة الولايات المتحدة الأميركية الدائمة لدى للأمم المتحدة كيلي كرافت، صرّحت في خطابها أمام مجلس الأمن الدولي بأن الموجب لهذه العقوبات هو “منع نظام الأسد من تحقيق نصر عسكري”. غير أن كل من يتابع ما يجري في سورية، قليلًا أو كثيرًا، يعلم أن محاولات “منع نظام الأسد من كسب نصر عسكري” لا تعني في الحقيقة سوى محاولة منع روسيا من تحقيق نصر حاسم في سورية، ومن ثم منعها من تعزيز موقعها في صراع الهيمنة والتقاسم مع الولايات المتحدة في المنطقة.
كانت “حكومة الإنقاذ” التابعة لهيئة تحرير الشام المدرجة في تركيا ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، وهي أكثرها قوة وفاعلية في إدلب، قد أعلنت أنها ستقوم اعتبارًا من حزيران/ يونيو، بدفع الرواتب والأجور وسائر المدفوعات، بالليرة التركية. وهذا يعني أن عملية اندماج وتكامل إمارة هيئة تحرير الشام في إدلب، مع تركيا (نتيجة الثقة بالسلطة في تركيا بالطبع) تبدو وكأنها جاهزة للانطلاق، منذ البارحة!
وبطبيعة الحال، كانت المناطق التي تشرف عليها فصائل الجيش السوري الحر، بدعم من السلطة في تركيا، تدار كإحدى المناطق الإدارية التابعة لتركيا.. فمثلًا، يتم تنسيق إدارة منطقة عفرين من قبل محافظة هاتاي. وبذلك تكون كل العقبات التي تقف في طريق التكامل الاقتصادي لهذه المناطق مع تركيا قد أزيلت مع العقوبات الأميركية.
ولكيلا يُفهم الأمر خطأ، نقول: ليس لدى تركيا أطماع في أرض أحد. وما العمل جنبًا إلى جنب مع الولايات المتحدة إلا من أجل الشعب السوري!
وعلى الرغم من أن العقوبات الأميركية تبدو وكأنها تقوّي يد إدارة الحكم الذاتي الكردية التي بقيت خارج نطاق هذه العقوبات، فإنها عمليًا تهدف إلى فصل الإدارة الذاتية عن سورية، ثم استبعادها عن مسارات الحل معها. وقد قال ألدار خليل، من حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) في مقابلة أجراها في إحدى البرنامج على قناة تلفزة (روناهي): “نحن لم ولا نفكّر بالانفصال عن سورية، وإن التحديات التي خلفها هذا الوضع قد فرضت علينا ثلاثة خيارات، كل واحد منها صعب بالنسبة إلينا. فإما الدينار العراقي، أو الليرة التركية، أو الدولار الأميركي (…) حيث يتعين عليك حينها أن تعلن أنك لن تستخدم النقد السوري. ولذلك، فإن هذا الأمر يحتاج إلى قرار سياسي. وإن هذه القرارات والخطوات التي ستتخذ ستنعكس بتأثيراتها علينا نحن أيضًا”.
في اليوم الذي دخلت فيه العقوبات الأميركية حيّز التنفيذ، وردت أنباء عن توصل كل من ENKS (المجلس الوطني الكردي السوري) الذي شكلته الأحزاب التي تسير على خطى البارزاني، وPYNK (أحزاب الاتحاد الوطني الكردي) التي يقودها PYD، إلى تفاهم حول مسألة الوحدة، بعد مباحثات كانت تجري منذ مدة في “روجآفا”. وقد ورد في البيان المشترك الصادر في سياق القضية أن التفاهم تحقق من خلال المساعي التي قام بها كل من قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي، والمستشار الأميركي في التحالف الدولي وليام روباك. وأنه سيتم التوقيع على الاتفاقية العامة الشاملة المتعلقة بـ “الإدارة والشراكة والأمن والدفاع”، خلال وقت قصير.
ويمكن لفت الانتباه إلى بعض النقاط المتعلقة بهذا الاتفاق الذي تم بوساطة من الولايات المتحدة الأميركية:
أولًا؛ إن قضية الوحدة تحمل بالنسبة إلى الأكراد أهمية حيوية، في سبيل كسر الخناق المفروض عليهم من قبل الأنظمة الرجعية والعميلة، وإزالة العقبات التي تعترض طريق تحديد مستقبلهم وتقرير مصيرهم، سواء في سورية أو في عموم المنطقة.
ثانيًا؛ إن الولايات المتحدة التي توسطت في هذه المفاوضات إنما تسعى -من خلال دعم المطالب الديمقراطية القومية الكردية- لتحقيق مصالحها السياسية في الصراع لتقاسم المنطقة؛ وهذه حقيقة لا تدع مجالًا للنقاش، وهو ما يراه العديد من السياسيين الكرد ويعبّرون عنه بوضوح.
ثالثًا؛ بالنظر إلى العقوبات المفروضة على سورية، يمكن القول إن هذه الخطوة كانت خطوة من الولايات المتحدة في اتجاه إبعاد الأكراد عن التسوية/ المصالحة مع النظام السوري، ومحاولة منها لتوحيد أكراد كل من سورية والعراق، حول محورها السياسي، من زاوية أخرى.
أخيرًا؛ على الرغم من وصفها من قبل الأوساط السياسية الكردية بأنها “خطوة تاريخية”، فمن الصعب القول إن هذا الاتفاق سيزيل الغموض والتهديدات عن الأكراد، بسبب التجاذب بين متطلباتهم السياسية وبين حسابات الولايات المتحدة الأميركية الإقليمية. وعند هذه النقطة بالذات، كانت عملية المخلب-النمر التي أطلقتها الحكومة التركية في حفتانين، تطورًا من التطورات المهمة الأخرى التي ساهمت في الكشف أكثر عن الوجه الحقيقي للإمبريالية التي لعبت دور الوسيط، سواء في مسألة العوائق التي تقف في طريق الوحدة بين الأكراد أو فهم حدود هذه الوحدة.
وكنا قد قلنا وكررنا، مرارًا، إن مثل هذه العمليات، وإن كانت تبدو أنها تضمن “التفوق العسكري” لتركيا في المنظور القريب، ستلعب دورًا في تعقيد عملية الحل، وجعل المشكلة أكثر دولية، تكون فيها تركيا وجهًا لوجه مع أكثر من لاعب، على المدى البعيد. لكن الأمر اللافت، من زاوية نقاشنا، هو موقف كل من إدارة البارزاني والولايات المتحدة الأميركية من هذه العملية. فإدارة البارزاني في إقليم كردستان العراق ما زالت تلتزم الصمت حيال العملية، كما لو أنها ليست على علم بها. والسبب في ذلك هو إعطاؤها الأولوية للحفاظ على علاقاتها السياسية والاقتصادية مع السلطة السياسية في تركيا. ومهما كانت القضية تطرح على الواجهة على أنها بالنسبة إلى إدارة البارزاني قضية “سامية”، فإن حدود السياسة في ما يتعلق بالوحدة الكردية تحددها المصالح الخاصة لهذه الإدارة. فهي تتناسى الوحدة، وتتجاهل أخاها حين ترى أن مصالحها ستتعرض للخطر.
وليس سرًّا أن الذي يعين حدود الصداقة، لدى الإمبريالية الأميركية، هو مصالحها الإقليمية الخاصة أيضًا. لذلك نرى أن الولايات المتحدة التي سارعت مشمرة عن ساعديها، كراعية للأكراد في سورية، تساند العملية العسكرية التركية ضد PKK في العراق. والسبب أنها في سورية بحاجة إلى الأكراد من أجل بعثرة أوراق وحسابات خصومها. أما في العراق، فهي تدعم وتساند هذه العمليات من أجل الحيلولة دون صيرورة PKK الذي ترى فيه عنصرًا مسببًا للفوضى وعدم الاستقرار، كقوة بديلة عن KDP (الحزب الديمقراطي الكردستاني)، والأهم من ذلك كسب السلطة السياسية في تركيا إلى صفها، في استراتيجيتها الإقليمية (حصار إيران)، عبر استغلال المشكلة الكردية.
من حيث النتيجة، انظروا إلى القضية، من أي زاوية تشاؤون، تروا أن خلاص شعوب المنطقة من هذا الكابوس الجاثم على مستقبلها لا يبدو ممكنًا، ما لم تتخذ خطوات نحو الوحدة والنضال على أساس ديمقراطي، بالشكل الذي تفسد فيه حسابات القوى الإمبريالية، والرجعية الإقليمية.
اسم المادة الأصلي ABD’nin Sezar’ı, Kürtlerin birliği ve Türkiye’nin Pençesi!
الكاتب يوسف كاراطاش
المصدر وتاريخ النشر صحيفة أفرنسال التركية- 19.06.2020 Evrensel Gazetesi
رابط المادة https://qoshe.com/evrensel/yusuf-karatas/abd-nin-sezar-i-kurtlerin-birligi-ve-t-/76607655
مركز حرمون
—————————————
أسئلة الشعب السوري المشروعة حول قانون قيصر
انهمك نظام الاستبداد والتسلط المشرقي في سورية ومنذ اختطاف السلطة عام 1970 ، على يد المجرم الأول حافظ الأسد، في سياسة كم الأفواه، وإلغاء السياسة من المجتمع السوري، ولجم أية محاولة شعبية أو مجتمعية للنهوض، على أي مستوى من المستويات، حتى باتت كل مفاصل المجتمع السوري ملحقة بالتغول الأسدي، ولم يعد بالإمكان لأي حراك سياسي أو إنساني أو اقتصادي أن يجد له أي مكان في البيئة السورية بعيدًا عن الحالة النهبوية الفاسدة والمفسدة، وهو واقع سوري لاشك أسس لما بعده، عندما تم توريث السلطة السورية لبشار الأسد بعد موت الأسد الأب/حافظ عام 2000، وجاء ذلك كما نعلم بمباركة أميركية على يد وزيرة الخارجية (أولبرايت)، بعد اجتماعها ومباركتها للوريث الجديد، الممسك باستمرار الدور الوظيفي المشبوه الذي سبق وأن لعبه أباه قبله، ملتزمًا كل الالتزام بالخطوط الحمر الأميركية، وأولها الحفاظ على أمن إسرائيل، والإمساك بحماية حدود إسرائيل بكل إخلاص ودقة، منذ أن تم توقيع اتفاق فض الاشتباك عام 1974، بعد حرب تشرين التحريكية، والتي كادت أن تكون حربًا تحريرية، لولا الدور الوظيفي المنوط بحافظ الأسد.
اليوم وبينما نحن جميعًا نترقب مصير النظام الأسدي، جراء البدء بتطبيق قانون قيصر/ سيزر الأميركي، إبان تفاعلات قضية تسريب ما ينوف عن 55 ألف صورة شهيد ملتقطة في سجون الموت الأسدي، لأكثر من 12 ألف معتقل تم قتلهم تحت التعذيب، كان قد أنهى حيواتهم النظام السوري في السنوات الأولى للثورة السورية ثورة الحرية والكرامة.
في هذا السياق وحيث يترقب الشعب السوري وغير السوري ما يمكن أن يؤول إليه حال السلطة في دمشق بعد البدء بتنفيذ قانون قيصر، فإن الأسئلة الأساسية تبقى ماثلة في المخيال السوري وهي هل سيساهم تطبيق هذا القانون الأميركي، في الوصول حقًا إلى عملية الانتقال السياسي المنصوص عنها في قرارات الأمم المتحدة، ومسار جنيف، المتوقف عسفًا من قبل النظام وداعميه الروس؟ وهل يمكن الاعتماد على الوعود والسياسات الأميركية في تحقيق رغبات ومتطلبات شعب سورية الذي يطمح لمجتمع ديمقراطي حر وكريم؟ وهل انتهى الدور الوظيفي المنوط ببشار الأسد ونظامه القمعي؟ وهل الواقع الدولي والإقليمي اليوم بات متهيئًا بحق لإنهاء حكم الأسد، والوصول بسورية إلى بر الأمان، منهيًا بذلك عذابات السوريين؟
كل هذه الأسئلة التي ما برحت مشروعة وحقيقية لدى كل السوريين، بالرغم مما شهده المجتمع الدولي وعرفه عن هذا النظام الذي دمر شعبه وأوصله إلى خسائر لم تمر مطلقًا على واقع السوريين من قبل، فخسائر الاقتصاد السوري على يد الجلاد بلغت، حتى نهاية العام الماضي، نحو 530 مليار دولار، منها أكثر من 65 ملياراً جراء تضرر 40 في المائة من البنية التحتية، وفق دراسة للمركز السوري لبحوث السياسات (مستقل) مركزه بيروت.
حتى أن رأس النظام (بشار الأسد) نفسه كان قد اعترف في كانون الأول/ديسمبر2019، أن كلفة إعادة الإعمار في سورية تقدر بنحو 400 مليار دولار في فترة تمتد من 10 سنوات إلى 15 سنة، وهذا الرقم يساوي أو يقترب من تقديرات الأمم المتحدة التي أكدت في آب/أغسطس 2019، بأن كلفة إعادة الإعمار تبلغ 400 مليار دولار، بينما تقديرات أخرى تشير إلى تجاوزها حافة 450 مليار دولار بعد العدوان الأسدي على إدلب وريف حماة وريف حلب الغربي في فترة ما قبل توقيع اتفاق ادلب الأخير بين تركيا وروسيا في 5 آذار/ مارس 2020.
ومع ذلك فهناك من يتحدث اليوم عن أن قانون قيصر سيمارس نوعًا من الضغط الجدي غير المسبوق على النظام السوري وداعميه، سيقوض أركان النظام المجرم. ويقولون إن قانون “قيصر سيلاحق المشروعات والاستثمارات التي قدمها الأسد خلال فترة الحرب لشركائه وداعميه بموسكو وطهران. إذا لم ينسفها القانون، فعلى الأقل سيوقفها ويمنع استمرار بيع واستنزاف ثروات السوريين، كما سيلاحق الشركات التي تأسست في لبنان بأشكال وأسماء وهمية ومزيفة، وحتى المساعي الإماراتية ومحاولات دول في أوروبا الشرقية، الذين رأيناهم جميعاً خلال الفترة الأخيرة يعززون العلاقات ويسعون لحصة من كعكة خراب سورية”.
وهنا يصعد السؤال هل سينهي قانون قيصر هذا النظام بالضربة القاضية؟ القراءة المتأنية تشير إلى أن هناك نوع من قضم متدرج، سياسياً واقتصادياً ومالياً. لذا ليس من ضربة قاصمة، بل اختناق بطيء. وفي هذه المجابهة لا حاجة لخوض أي حرب أو افتعالها. خصوصاً أن الحرب يصعب خوضها في بلاد غارقة في فقر مدقع وجوع فاحش.
وهناك من يصر حسب قراءات تاريخية لأنواع من الحصار والعقوبات تبين أنه ” لم يسقط نظام صدام حسين إلا بتدخل عسكري مباشر، ولن يسقط نظام بشار الأسد إلا بتدخل مباشر، لكن اليوم، أو بالأحرى منذ التدخل العسكري الروسي المباشر إلى جانب النظام في خريف العام 2015، لم تعد فكرة شن حرب غربية على النظام واردة،”
وهذا يعيد كل السوريين إلى أسئلتهم السابقة المشروعة، في محاولة عاقلة ورصينة إلى الدفع بعملية الاعتماد على الذات، وعلى قوى الثورة والمعارضة، والحاضنة الشعبية للثورة السورية التي عادت تتمظهر في غير مكان من سورية، ليس آخرها ما جرى ويجري في محافظة السويداء من هبة شعبية ملفتة قد تقلب كل حسابات النظام ومناصريه.
لعل العودة للاعتماد على الذات والشعب السوري وفاعلياته، هي الأهم قبل المراهنة على تغيير قد يأتي من الخارج وقد لا يأتي، وإن أتى فسيكون من أجل مصالح أخرى ليس بالضرورة أن تتقاطع مع رؤى وآمال الشعب السوري ومصالحه وما قام من أجله.
———————————–
بماذا تواجه “قانون قيصر”؟/ يحيى العريضي
في لندن، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية و”الكومنولث” البريطاني “جاك سترو”، وصف وزير خارجية الأسد القرار الدولي 1559 بـ”القرار التافه”؛ وعلى إثره خرجت قوات الأسد ذليلة من لبنان. وحدها إسرائيل تستطيع أن تضرب عرض الحائط بالقرارات الدولية، وما من أحد يعكر صفوها، حيث أطفأت مثلاً القرار 242 دون اكتراث. حدث ذلك في وقت كانت سوريا والعرب يتمسكون به بأظافرهم؛ ليتبيّن أن ذلك التمسك كان خلّبياً؛ وليتّضح أن عودة الجولان لسوريا تُسقط مبرر “المقاومة والممانعة”، الذي عاش عليه نظام الاستبداد. والآن، كما القرار 1559 (الذي كان دولياً، لكن أمريكا تحديداً وراءه)، كذلك قانون قيصر، الذي يأتي بزخم وثقل يتجاوز بقوته ما واجه المنظومة الأسدية تاريخياً؛ فبأي أدوات سيواجه هذا القانون، وهل يراه تافهاً أيضاً؟
هل يواجه النظام قانون قيصر بمزيد من الانفصام عن الواقع، كأن يعتبر كلام “جيمز جفري” الذي دعا فيه النظام لتغيير أو تحسين سلوكه، عرضاً أمريكياً لبقاء النظام؟! فهل من جديد في تصريح جفري، عندما يعرف القاصي والداني أن النظام وسلوكه شيء واحد. هل ستكون المواجهة ببيع المزيد من مقدرات سوريا إلى المحتل من أجل البقاء. وهل يفكر النظام بمواجهته بمجتمع نهب ثرواته، وأفقره، ودمّر نسيجه، وشرّده، وأذلّه؟!
بعد توقيعه من الجهة التي سنّته، أعطى القانون هذه العصابة نصف عام لرفع مفاعيله؛ ولكنها ضربت بهذا الوقت الطويل عرض الحائط. لقد قال القانون برفع الحصار ووقف التجويع؛ فزادت العصابة الحصار، وتفاقم العوز. قال بإطلاق سراح المعتقلين؛ فزاد الاعتقال، ووصل المزيد من بيانات الوفاة في السجون إلى أهالي المعتقلين. قال بزيارة المعتقلين؛ فزادت الرشاوى لسماسرته. قال بالدخول الجدي في العملية السياسية، فزاد التلاعب والتهرب والعرقلات.
لم يجمع رئيس النظام أركان حربه، ولا جبهته الوطنية التقدمية، ولا أركان حزبه، ولا وزارته، ولا عقول مراكز البحوث وإدارة الأزمات لمواجهة هذا القانون؛ بل اكتفى باجتماع مع بعض القطيع من الماعز والأغنام في الطريق إلى غداء عائلي. يعرف أن أركان الحرب -برضاه- منشغلون بالتعفيش وتهريب أولادهم وأموالهم خارج سوريا، بعد أن أخرسوا ما تبقى من “الشعب الإرهابي”؛ ويدرك أن جبهته الوطنية وحزبه البعثي يسهرون على اختيار مرشحين لـ“مجلس الشعب” أفضلهم راشٍ ومرتش، أو من أقرباء ومحاسيب المكلفين بمهمة الاختيار. أما وزارته فغير معروف مَن رئيسها؛ أهو “الخميس” الذي ساهم بتوجيهاته بالسرقة والخراب، والمودع في السجن الآن، أم “العرنوس” السمسار الآخر المُحرج بالتعرف على قريبه بين صور “قيصر”. ربما يعتمد في المواجهة على مراكز البحوث وإدارة الأزمات، والتي تأتي على رأسها الدكتورة البروفيسورة المستشارة السياسية والإعلامية بثينة شعبان التي ترى أن كل مسألة قيصر مفبركة، وما على السوريين إلا “الصمود”.
أراهن أن تلك المخاليق الإجرامية وجدت في قانون قيصر أداة وفسحة جديدة لشد الحبل على عنق الإنسان السوري، لجعله بلا صوت على الإطلاق. وإذا كان هذا النظام أساساً يأخذ الشعب السوري رهينة، فإنه سيجد في هذا القانون أداةً إضافية لمزيد من الابتزاز والخنق والمساومة. لقد كانت ردة فعله الرسمية الأولى بأنه اعتبر القانون جزءاً لا يتجزأ من “المؤامرة الكونية” التي- كما يعتقدون ويشيعون- لم تتمكن من نظام “الصمود والتصدي والمقاومة والممانعة”، فتلجأ للحرب الاقتصادية. هكذا بالضبط أتحفنا وزير خارجية العصابة، الذي قرر يوماً إزالة أوربا عن الخريطة. باختصار، ربما يرون فيه المشجب الذي تعلق عليه العصابة الفتك بكل مناحي الحياة السورية. وكما داعش والنصرة كانت الحجج التي ساقتها العصابة لوصم السوريين بالإرهاب، كذلك هذا القانون الذي ستعلق عليه جوع السوريين، وتشردهم، ودمار بلادهم. وهو الذي ستبرر من خلاله ارتماءها بأحضان الاحتلال الإيراني والروسي كـ “حلفاء”.
إن الطريق الأقصر والأنجع لمواجهة قانون قيصر تكون بتطبيق القرار الدولي 2254؛ وهذا يعني ويستلزم الدخول في مفاوضات العملية السياسية؛ ومعروف أن النظام مستعدٌ لفعل أي شيء إلا الدخول في العملية السياسية، لأن تفاوضه سيكون على رحيله. ولذلك سيجدد طرقه في التحايل على المفاوضات وعرقلتها ونسفها إن استطاع لذلك سبيلاً. ومن هنا على السوريين دفع المجتمع الدولي وخاصة صناع القرار إياه لدعوة مَن لم يشاركوا النظام إجرامه للقيام بعملية التفاوض؛ وعلى “المعارضة” أن تجعل ذلك شرطاً للتفاوض.
لا يرفع مفاعيل هذا القانون (غير التافه) إلا زوال المتسبب بكل هذا الدمار لسوريا وأهلها. وها نحن أمام سباق مع الزمن بين شعب يريد أن يعود إلى الحياة، ومنظومة لا تعيش إلا بسحق هذا الشعب. منظومة تعرف أن بقاءها هو الموت النهائي لسوريا. ومن هنا، على السوريين أن يدركوا درجة اللامسؤولية والأنانية واللاوطنية بموقف هذه الطغمة. ومن هنا، فإن آخر من يحق له التحدث عن الوطنية والفداء والصمود والمقاومة هو هذه المنظومة. قانون قيصر سيرتفع؛ ولكن ذلك لن يحدث إلا بزوال الاستبداد. وعلى السوريين أن يختاروا بين استمرار مأساة نصف قرن، أو الطلوع إلى الحرية.
تلفزيون سوريا
———————————
في المقارنة بين “قيصر” و”النفط مقابل الغذاء”/ فيكتوريوس بيان شمس
أدّى تسارع الانهيارات الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة في سوريا ولبنان إلى ربط الأزمة من قبل البعض باقتراب بدء تطبيق قانون “قيصر”، وهو التفسير الذي يتبنّاه النظام في سوريا بشكل أو بآخر ويعمل على ترويجه انطلاقًا من افتراض ضمني، أنه قبل تطبيق القانون الأمريكي على النظام “المعادي للإمبريالية” و”المكافح للإرهاب”، كانت الأوضاع طبيعية، مع أن نسبة من وصلوا لما دون خط الفقر قبل تطبيق القانون بأشهر طويلة وصل إلى 80%. هذا بالإضافة إلى من يفترضون أن القانون جاء تمهيدًا لعملية تقسيم سوريا، وكأن أمريكا تحتاج إلى قانون كهذا لتقسيم سوريا إذا ما كان التقسيم جزءًا من استراتيجيتها، في حين أن النظام حكم قبل الثورة ما أنتجته “سايكس- بيكو”، إلا أنه في الواقع كرّر ما يُعرف بـ”الاتحاد السوري” الذي فرضته فرنسا عام 1922، لكن بشكل أكثر جهنمية.
جاء قانون “قيصر” نتيجة جهود الجالية السورية في الولايات المتحدة، التي استطاعت أن توصل صوتها إلى البرلمان الأمريكي، تمامًا كما استفاد الناشطون السوريون في ألمانيا من مبدأ “الولاية القضائية العالمية” لملاحقة أكثر من 1000 قاتل سوري تسلّلوا إلى الأراضي الألمانية، وهم ممّن كانوا يعملون في أجهزة مخابرات النظام السوري. يذكر أن الرئيس اللبناني الحالي كان قد لجأ إلى الكونجرس الأمريكي منذ العام 2001 لاستصدار ما بات يعرف فيما بعد بـ”قانون محاسبة سوريا”. هذا يعني أن السوريين استفادوا من القوانين والظروف في البلدان التي يقيمون فيها لاستصدار القوانين وملاحقة المجرمين، ولا يعني، بحال من الأحوال، أن هذه البلدان غيّرت استراتيجياتها، وقرّرت محاسبة قَتَلة الشعب السوري.
وفي حين ينعم الاقتصاد “الإسرائيلي” بالتقدّم والاستقرار والازدهار والأمان، تنهار الأوضاع الاقتصادية بشكل غير مسبوق في دول ما يعرف بـ”محور المقاومة”، وهي تسمية تخفي وراءها التسمية الصريحة للدول المسيطَر عليها إيرانيًا (أي مذهبيًا) في المنطقة العربية، والتي انهارت اقتصاداتها كلها تقريبًا، بما فيها إيران نفسها، لا بل إن الفشل والانهيارات يلاحقان حتى الدول “التوتاليتارية” البعيدة عن المنطقة والمتحالفة مع هذا المحور، ككوريا الشمالية وفنزويلا، وهذه كلها دول تتشدّق بالعداء للإمبريالية التي ثبت أنها تُعاقِب (بكسر القاف) بينما لا تستطيع تلك الدول سوى الرضوخ للعقوبات، أو اعتبار تلك العقوبات “جائرة”، وكأنها تربأ بعدوها أن يعاقبها، وتعيب عليه ذلك!
هل يشبه قانون “قيصر”، الذي فرضته الولايات المتحدة على النظام السوري، ما فُرض على النظام العراقي السابق من عقوبات شاملة في آب عام 1990؟
من المعروف أن العقوبات التي فُرضت على العراق بعد احتلال الكويت كانت عقوبات شاملة، منع على إثرها من كل أشكال التصدير والاستيراد، وهو ما تسبّب بكارثة إنسانية راح ضحيتها مليونًا ونصف مليون طفل، ودفعت مجلس الأمن في العام 1995 لإعادة النظر بالعقوبات، فأصدر القرار “986” الذي عرف فيما بعد ببرنامج “النفط مقابل الغذاء” والذي بدأ العمل فيه في العام 1996. أُتيح للعراق بعده أن يستورد الغذاء والدواء بشكل حصري، إلا أن الأوضاع لم تتحسن عما سبقها كثيرًا بسبب المحسوبيات وعمليات الفساد التي ارتبطت بصفقات بيع النفط في إطار ذلك القانون.
لم يستطع النظام العراقي آنذاك الاحتيال على القانون، وهو المحاط من كل الاتجاهات بأنظمة شديدة العداء. وقد بقيت هذه العقوبات مفروضة حتى سقوط النظام في العام 2003.
في المقابل، اعتاد النظام السوري على العقوبات، التي كانت فيما سبق تؤثّر فعليًا على المواطنين لا عليه، كالعقوبات الأمريكية التي فُرضت على سوريا في العام 1979 بعد عملية مطار “هيثرو”، ثم العزلة الخانقة التي تعرّضت لها سوريا طوال عقد الثمانينيات، والعقوبات الأمريكية في العام 2004 على خلفية حرب العراق وفتح النظام السوري حدود البلاد أمام المقاتلين، وحُزَم العقوبات العربية والأوروبية والأمريكية بعد انطلاق ثورة العام 2011، وصولًا إلى قانون “قيصر” الذي فُرض على النظام السوري لـ”تغيير سلوكه” كما صرّح المسؤولون الأمريكيون مرارًا وتكرارًا.
على امتداد كل تلك السنوات، كوّن النظام السوري خبرة في عملية الاحتيال والهروب من العقوبات، إضافة إلى أنه كان يعتمد في كثير من الأحيان، كما هو حاصل اليوم، على لبنان كمنفذ، يمكن من خلاله تمرير ما يشاء ذهابًا وإيابًا، بالإضافة طبعًا إلى إمكانية استخدام العراق كمنفذ، على غرار ما تفعل إيران للتهرّب من الحصار المفروض عليها، هذا عدا عن بعض المناطق السورية التي يستثنيها القانون، بما أنها خارج سيطرة قوات النظام، كإدلب، والجزيرة السورية، والتي قد يجد النظام طريقة ما للاستفادة منها، خاصة أن هنالك محاولات جرت خلال أيار الماضي من قبل “هيئة تحرير الشام” في إدلب لفتح معبر تجاري مع النظام، قوبلت بمظاهرات معارضة من أنصار الثورة السورية.
تشمل العقوبات القطاعات التالية:
الطيران، والطاقة، والمصرف المركزي، وأجهزة الأمن والمخابرات، والشركات والأفراد الذين يقدمون دعمًا للنظام. كما يُمنع بيع قطع الغيار والمواد المستخدمة في أنشطة عسكرية وعمليات استخراج النفط.
وهي في أغلبها لا علاقة للمواطنين السوريين فيها، إذا ما استثني منها قطاع الطاقة، لا بل إن بعض هذه القطاعات شديد العداء للشعب السوري.
يستثني القانون بشكل واضح: المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية التي تقدم المساعدات في سوريا، وهو يسمح بشكل واضح بدخول الأغذية والأدوية والمواد الإغاثية.
ومن المعروف في هذا السياق، أن هناك كثيرًا من الفضائح التي تورّطت بها بعض لجان “الأمم المتحدة”، عندما كانت ترسل المساعدات إلى مناطق النظام بدلًا من أن ترسلها إلى المناطق التي يحاصرها النظام.
يمكن وقف العمل بقانون “قيصر” في حال نفّذ النظام التالي:
– التوقف عن استخدام المجال الجوي لاستهداف المدنيين.
– التوقف عن استهداف المراكز الطبية والمدارس والمناطق والتجمعات السكنية.
– إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، والسماح للمنظمات الإنسانية بدخول المعتقلات.
– السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة من قبل النظام.
وهي كلها نقاط تفوّق فيها النظام السوري على النظام النازي، ومن المتوقّع ألا يلتزم بأي شرط منها.
عنب بلدي
————————————–
تداعيات قانون قيصر سياسيًا واقتصاديًا في ندوة حوارية
عقد مركز حرمون للدراسات المعاصرة في فرع الدوحة، السبت 27 حزيران/ يونيو 2020، ندوة عبر البث المباشر، بعنوان “عقوبات قيصر… الآثار السياسية والاقتصادية ومخاوف التجويع“، شارك فيها د. كرم شعار، الباحث في معهد الشرق الأوسط، وفضل عبد الغني، رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، وأدارها عمر إدلبي، مدير فرع الدوحة لمركز حرمون.
ناقشت الندوة الأهداف الأميركية من تطبيق قانون قيصر على النظام السوري، وتأثيرها على مسار الحل السياسي في سورية، والآثار الاقتصادية للقانون على الاقتصاد السوري وتداعياتها المحتملة على الوضع المعيشي للمواطنين.
في بداية الندوة، تحدث الدكتور كرم شعار عن الواقع الاقتصادي في سورية، وعن الآلية التي أدار من خلالها بشار الأسد وحكومته اقتصادَ البلاد، خلال سنوات الثورة، وهي التي أدت إلى انكماش الناتج القومي الإجمالي في سورية، ليتحول إلى ثلث ما كان عليه في عام 2010، مشيرًا إلى أن هذا الانهيار كان متسارعًا في الفترة ما بين 2012 و2015، ليعاود بعدها النمو بشكل بطيء للغاية في عامي 2017 و2019. وأضاف: “الأهمّ هو فهم ما حدث لرأس المال، ففي عام 2019 تم تقدير رأس المال بأنه عشرون في المئة مما كان سيكون عليه، لولا الصراع الحاصل منذ عام 2011، وهذا الانهيار يُقدّر بحوالي 62 مليار دولار، وإن أكثر قطاع تضرر -عمليًا- من حيث تكوين رأس المال هو القطاع العقاري، وذلك بسبب القصف. وبالانتقال إلى الأسعار، ارتفعت الأسعار حوالي ثمانية عشر ضعفًا خلال السنوات التسع الماضية، والسبب الأساسي في ذلك هو السياسة الحكومية التي انتهجت طباعة النقد لتغطية العجز، وهذا العجز تم تقديره في موازنة عام 2020 بالثلث، أي أن ثلث الميزانية تم تمويلها من طباعة النقد. المشكلة الكبرى التي يواجهها النظام حاليًا هي سعر الصرف، وعدم توافر القطع الأجنبي”.
وتحدث شعار عن تغيّر هيكل الاقتصاد السوري الذي كان في السابق يقوم بتصدير السلع (نسيج، نفط)، ليتحول الآن إلى اقتصاد لا يُنتج سوى السلع الزراعية والحيوانية، حيث ارتفعت صادرات سورية من السلع الزراعية والحيوانية، من 20 في المئة عام 2010، إلى 60 في المئة عام 2018، منبّهًا إلى أن هذه الأرقام لا تصدرها حكومة النظام، وإنما تصدرها الدول المستوردة.
وفي الحديث عن قطاع النفط وأهميته في تمويل اقتصاد النظام، ذكر شعار أن هذا القطاع كان الأهم في الموازنة السورية، وبحسب تقرير أصدرته منظمة النقد الدولية عام 2015، أسهم النفط في تمويل ما يراوح ما بين 17 إلى 25 في المئة من إيرادات النظام السوري، لافتًا إلى انخفاض إنتاج النفط في سورية بعد عام 2011، من 385 ألف برميل، إلى حوالي 100 ألف برميل، 25 في المئة منها ينتجها النظام في المناطق المحيطة بمحافظة حمص وتدمر، والجزء الباقي -وهو الأكبر- يُستخرَج من المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية”، وبذلك؛ تحوّل النفط من أهم مصدر لتمويل نفقات النظام، إلى أهم مجال للإنفاق، حيث تستورد سورية نحو مليوني برميل شهريًا، غالبيتها تأتي من إيران، والباقي يتم تهريبه من مناطق “قوات سوريا الديمقراطية”، بمعدل 10 آلاف برميل يوميًا.
ناقشت الندوة أسباب انهيار الاقتصاد السوري بشكل كبير، خلال الشهر الذي سبق تطبيق قانون قيصر. ويقدّر شعار أن هناك أربعة أسباب أدت إلى تدهور الاقتصاد السوري منذ بداية عام 2020، وأول هذه الأسباب وأهمّها هو ما حدث في إيران، باعتبارها مصدرًا مهمًا لتمويل النظام السوري بمبلغ تجاوز 30 مليار دولار، حيث أدت إعادة فرض العقوبات على إيران إلى تدهور وضعها الاقتصادي بشكل كبير، إضافة إلى مشكلة انخفاض أسعار النفط وتبعات جائحة كورونا. أما السبب الثاني فهو ما حدث في لبنان وأزمة البنوك التي عصفت بالبلاد، وما نتج عنها من رفض البنوك تسليم المودعين أموالهم، حيث يتم تقدير حجم الودائع المالية السورية في النظام المصرفي اللبناني بما يتجاوز 40 مليار دولار، وهذا أثر بشكل مباشر في تمويل النظام، وبالدرجة الأولى أثر في مقدرته على استيراد السلع من بلدان أخرى. وعزا شعّار السبب الثالث إلى ما حدث في سورية بسبب أزمة كورونا، على الرغم من أن النظام السوري لم يتعامل مع الفيروس كما يجب، لكنه كذلك فرض حظرًا للتجول والسفر بين المحافظات، وقد أثّر هذا في الوضع الاقتصادي. أما السبب الرابع فهو الخلاف بين بشار الأسد وابن خاله رجل الأعمال رامي مخلوف، ويعتقد شعار أن هذا السبب ليس شديد الأهمية، مقارنة بالأسباب السابقة، مشيرًا إلى أن رامي مخلوف يسعى إلى تهويل حجم أهميته في الاقتصاد السوري. وأضاف: “هذه العوامل الأربعة هي فقط الأسباب المباشرة، بمعنى أنها الشعرة التي قصمت ظهر البعير، لكن السبب الأساسي هو سوء الإدارة في سورية”.
وحول قدرة النظام على ضبط سعر الصرف والتحكم فيه، ذكر شعار أن النظام غير قادر على ذلك، بدليل ما حدث خلال السنوات التسع الماضية، مشيرًا إلى أن النظام قد يكون قادرًا على إحداث بعض التأثير، لكنه لن يستطيع أن يكبح انهيار سعر الصرف، مرجعًا السبب في ذلك إلى تغيّر بنية الاقتصاد وتحوّل سورية، من بلدٍ مصدّر، إلى بلد يقدّر العجز في ميزانه التجاري سنويًا ما بين 4 إلى 5 مليارات دولار.
ويرى شعار، في ضوء المتغيرات التي يشهدها اقتصاد الدول الداعمة للنظام وعلى رأسها إيران، أن إيران قد لا تكون قادرة على تقديم دعم مستدام للنظام، لافتًا إلى أنه لا بديل عن هذه العقوبات، من أجل إضعاف قدرة داعمي النظام، ما سيؤدي في النهاية إلى انهيار النظام أيضًا.
وتطرقت الندوة إلى مدى قدرة هذه العقوبات على التأثير في الوضع المعيشي للسوريين، وبيّن شعار أن التخوّف الحقيقي هو ألا يتنازل النظام السوري في المرحلة الأولى، وذلك لأن العقوبات تؤثر بشكل مباشر على المدنيين، لافتًا إلى أن أحد أشكال التأثير هو أن العقوبات ستؤثر في سعر الصرف، وهذا بدوره سيؤثر في أسعار المواد المستوردة، ومن ضمنها المواد الطبية، ومن ثم سيؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار الدواء، لأن 60 في المئة من المواد المستخدمة في صناعة الأدوية مستوردة. وأشار شعار إلى أن هناك مشكلة في التعامل مع الاستثناءات التي حددها قانون قيصر، وقال: “العقوبات تستثني تمامًا أي شيء يرتبط بالسلع الغذائية أو الأدوية، ولكن في المقابل ارتفعت كلفة الشحن إلى سورية بمقدار الثلث، منذ بدء تطبيق العقوبات، بسبب تخوف الشركات من تبعات التعامل مع نظام فُرض عليه عقوبات، إضافة إلى وجود تكاليف تتعلق بإثبات أن هذه الشركات لم تخرق العقوبات، وبالتالي سيكون التعامل مع الاستثناءات كما يجب مكلفًا”.
وعرّجت الندوة إلى سبل مساعدة السوريين في الداخل، في ظل التأثيرات الكبيرة التي ستطال أوضاعهم المعيشية، بسبب العقوبات المفروضة، ورأى شعار أن الطريقة الأفضل والأكثر نجاعة هي مطالبة مؤسسات الأمم المتحدة بتوزيع المساعدات من خلال أفرعها، لا عبر تمريرها من خلال مؤسسات النظام. وأوضح شعار أهمية هذه المساعدات للنظام السوري، حيث ساهمت بنسبة، من 20 إلى 30 في المئة، من الناتج القومي الإجمالي، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن مكتب تنسيق الإغاثة في الأمم المتحدة، وراوحت قيمة هذه المساعدات ما بين 35 إلى 40 مليار دولار، وبالتالي تحولت هذه المساعدات إلى شريان حياة للنظام الذي يقول إنه ضد الغرب، لكنه ما كان ليصمد لولا هذه المساعدات.
في الشق السياسي من الندوة، تحدث فضل عبد الغني عن تفاصيل العقوبات المفروضة على النظام منذ عام 2011، والفرق بين عقوبات قانون قيصر والعقوبات التي فُرضت سابقًا على النظام من قبل أميركا والاتحاد الأوروبي وحوالي 50 دولة أخرى حول العالم، وقال: “إن قانون قيصر يفرض عقوبات على أربعة قطاعات أساسية وهي: النفط، الغاز الطبيعي، الطائرات العسكرية، البناء والهندسة، إضافة إلى البنك المركزي السوري. وهناك عقوبات أميركية سابقة، فُرضت على النظام منذ عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وأبرزها الأمر التنفيذي 13582 الذي صدر عام 2011”.
وبحسب عبد الغني، هناك ثلاثة أسباب تميّز قانون قيصر عن غيره من العقوبات، وأول وأهم ميزاته أن هذا القانون متعدّ، ولا يقصر فرض العقوبات على النظام فقط، كما في العقوبات السابقة، بل يستهدف الدول والمؤسسات والأفراد الذين يتعاملون مع النظام، وحتى من يتعامل مع جهات تتعامل مع النظام. الميزة الثانية لقانون قيصر هو أنه تم إقراره من قِبل الكونغرس الأميركي، لا عبر مراسيم رئاسية، كما في العقوبات السابقة، وبالتالي سيكون من الصعب إبطاله أو إيقافه. أما النقطة الثالثة، وهي التي ستشكل ضغطًا على روسيا، فهي مسألة إعادة الإعمار. ويضيف عبد الغني: “من خلال هذه الميزات، يختلف قانون قيصر من الناحية السياسية عن العقوبات السابقة، وبالتالي يمكن توظيف هذه الاختلافات في الضغط على روسيا وإيران في العملية السياسية وعملية إعادة الإعمار، بمعنى أن روسيا لم تعُد قادرة على الاستفراد في العملية السياسية إلى حد كبير، بالرغم من الانتصارات العسكرية التي حققتها مع النظام”.
وأشار عبد الغني إلى أن أميركا تعمل على حشد حلفاء لها، من أجل تبنّي قانون قيصر، وكانت هناك دعوات من قبل أميركا، على هامش مؤتمر بروكسل، لكل من بريطانيا وبلجيكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، في هذا الخصوص، لافتًا إلى أن وجود إيطاليا ضمن هذه الدول يدعو إلى التفاؤل، كونها ترتبط بعلاقات أمنية واسعة مع نظام الأسد.
في المقابل، انتقد عبد الغني قانون قيصر، كونه لا يتضمن بندًا لاستخدام القوة العسكرية، كأحد أساليب الضغط على النظام، وعدم تحديده جدولًا زمنيًا للانتقال السياسي، ما قد يطيل معاناة السوريين المتضررين من هذه القانون، إذا لم يتحقق الحل السياسي، ولم تُرفع هذه العقوبات.
وناقشت الندوة أيضًا مدى قناعة روسيا وإيران، بضرورة الانتقال للحل السياسي في سورية بموجب قانون قيصر، ورأى عبد الغني أن إيران هي الطرف الأكثر خبرة في الالتفاف على العقوبات، ومن هنا تأتي أهمية الاستمرار في تطبيق هذا القانون، لأنه يحمل في طياته بعدًا سياسيًا، وليس فقط فرض عقوبات، إضافة إلى أن هذه العقوبات ستزيد عزلة النظام، وبالتالي قد تساعد في رضوخ روسيا وإيران، لأنه من غير المتوقع أن تكونا قادرتين على تقديم دعم مستدام للنظام.
وفي نهاية الندوة، أجاب الضيفان على أسئلة المتابعين وتعليقاتهم.
مركز حرمون
————————————-
===============================
=========================
تحديث 30 حزيران 2020
——————————
صور قيصر.. ملاحظات لابد منها/ بشير البكر
حركت صور الضحايا التي سربها المصور قيصر الكثير من المواقف بعد دخول القانون حيز التنفيذ في السابع عشر من الشهر الماضي. واللافت أن الكثير من الصور سبق نشرها بعد أن أقر الكونغرس القانون في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولكنها لم تثرْ نفس ردود الفعل الحالية التي نشهدها منذ حوالي أسبوعين، وبشكل خاص على وسائل التواصل. وأكثر المواقف تأثيراً تلك التي تصدر عن أقارب ضحايا بدؤوا يتعرفون على صور ذويهم، ومثال ذلك الكاتب عدنان زراعي الذي نعاه أصدقاء ومعارف يوم السابع والعشرين من الشهر الماضي، ونشر البعض صوراً تجمعه به، وصوراً أخرى له مع بعض أفراد عائلته وصورة من ملفات قيصر هناك من قطع بأنها تعود له. وهناك مثال آخر يتعلق بالمقدم حسين الهرموش أول الضباط الذين انشقوا عن جيش النظام في عام 2011، وتم استدراجه من تركيا وإلقاء القبض عليه، وظهر على التلفزيون الرسمي لاحقاً، ومن بعدها انقطعت أخباره. والصورة المنشورة نقلاً عن ملفات قيصر شديدة الشبه بالهرموش، ولكن شقيقه نفى أن تكون الصورة التي جاءت في ملف قيصر عائدة لشقيقه، وساق بعض الأدلة المقارنة بين الصورة الأصلية وتلك التي جاءت في ملف قيصر، ولكن الأدلة تبدو واهية ذلك أن الشبه بين الصورتين كبير جداً، والأمر ذاته بالنسبة للكاتب الزراعي، حيث نفى أقاربه بعد ساعات أن تكون الصورة الواردة في ملفات قيصر عائدة له، الأمر الذي دفع الأصدقاء إلى سحب النعوات وحذف الصور، وإصدار توضيحات اعتمدت على ما نشره الكاتب ممدوح حمادة: “وردني من جهة قريبة من أسرة الكاتب عدنان زراعي أن أهله ينفون خبر وفاته تحت التعذيب وأن لديهم معلومات أخرى تثبت عدم صحة ذلك“. وبعد أقل من ساعة جرى الرد على هذه المعلومة ببيان منسوب إلى عائلة الزراعي ولم يتم التأكد من صحته “نحن عائلة الشهيد الفنان عدنان الزراعي نرد على الأساتذة الذين نفوا استشهاد عدنان في أقبية النظام. عدنان اعتقل عام ٢٠١٢ ومن ثم زوجته عام ٢٠١٣ التي خرجت بعد مدة زمنية ليست بقصيرة ، وعدنان لم نعلم عنه أي خبر منذ ذلك الوقت، ونؤكد على أن الصورة التي صدرت من ملف قيصر تعود للشهيد عدنان تقبله الله بإذنه تعالى والحمدلله الذي شرفنا بشهادته“. وجرى التشكيك من قبل بعض رواد وسائل التواصل برواية شقيق الهرموش، وأكد المشككون على أن أهالي بعض الضحايا المعروفين تلقوا تهديدات من أجل إصدار مواقف من قبيل التشكيك بالصورة أو خبر القتل تحت التعذيب على يد أجهزة الأمن السورية. وهناك بعض الوجاهة في هذا الرأي بعد أن بدأت الصور التي توالى نشرها خلال الأسبوعين الأخيرين تشكل رأياً عاماً محلياً وخارجياً. وفي الداخل ظهرت صور لأشخاص تمت تصفيتهم تحت التعذيب في حين أنهم لم يكن معروفاً عنهم أنهم حتى من المشاركين في التظاهرات السلمية، ويبدو أن بعض هؤلاء ذهب ضحية وشاية أو تقرير مخبر، وهذا يشكل إدانة كبيرة لأجهزة الأمن، ولا يقف الأمر هنا بل يذهب نحو ملفات بقية المعتقلين المختفين قسرياً منذ بداية الثورة السورية، والتي وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أسماء حوالي 140 ألفاً، علماً أن ملفات قيصر تقف عند عام 2013، وتحتوي على 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل تم تصفيتهم. أي أنها توثق فترة قصيرة وهذا ما ركز عليه الإعلام الأجنبي وردود الفعل الدولية التي وقفت عند الشرط الوارد في قانون قيصر، والذي جاء فيه ” إطلاق المعتقلين السياسيين المحتجزين قسراً، ومنح المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حق الوصول إلى السجون ومراكز الاعتقال في سوريا.” ومن خلال ردود الفعل التي رافقت نشر الكثير من الصور يمكن تسجيل عدة ملاحظات على درجة كبيرة من الأهمية. أولى الملاحظات يمكن أن تشكل الصور مادة إعلامية مهمة اليوم من أجل تحريك الرأي العام الدولي الذي تراجع في السنوات الأخيرة تجاه الثورة السورية وتغاضى عن جرائم أجهزة الأسد بسبب جرائم داعش. والملاحظة الثانية أن يتم التعامل مع ملف الصور على أنه شأن على درجة عالية من الحساسية، ولذا يجب تنظيم عملية النشر لأن العشوائية في النشر خلقت ردود فعل سلبية، في حين يمكن توجيه المسألة سياسياً. والملاحظة الثالثة أن يتم التعاطي مع نشر الصور على وسائل التواصل بمسؤولية، ليس على سبيل احترام الضحايا وذويهم، وإنما احتراماً للعدالة. تلفزيون سوريا
——————————
هل يفتح “قيصر” الباب لصفقة أميركية روسية؟ / رضوان زيادة
عبر قانون قيصر (أو سيزر)، حتى تمريره في الكونغرس الأميركي، بمراحل عدة، منذ ظهور المسوّدة الأولى عام 2015، حيث عارضت إدارة الرئيس السابق، أوباما، مشروع القانون بشدة، لأنه يتضارب مع أولوياتها في الحوار مع إيران بشأن برنامجها النووي، بغية الوصول إلى الاتفاق الخاص بتجميد نشاطها النووي. وفي الوقت نفسه، كانت إدارة أوباما تتحجج بأن من شأن قانون سيزر أيضا أن يعقد مفاوضاتها السياسية مع روسيا، بغية الوصول إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار في سورية. مع وصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض في بداية عام 2017، كانت هناك رغبة عارمة للرئيس ترامب في إعادة ترتيب العلاقات مع روسيا، بهدف تخفيف التوتر المتصاعد داخليا مع اتهام حملته الانتخابية بالتنسيق مع روسيا، وخارجيا مع فرض مزيد من العقوبات على روسيا، بسبب تدخلها في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، كان مشروع القانون يحظى بدعم كبير من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. وكانت باستمرار تظهر أصواتٌ تطالب بتمرير القانون نوعا من الضغوط على نظام بشار الأسد وعلى روسيا، للوصول إلى حل سياسي في سورية. لكن وبسبب الانقسامات الحزبية داخل الكونغرس، تأخر القانون أكثر من عامين، قبل أن يقرّر زعيم الأغلبية الجمهورية، وبدعم ديمقراطي، إلحاقه بقانون ميزانية وزارة الدفاع، ليكون ملحقا في نهاية العام الماضي. وفعلا مر القانون بأغلبية كبيرة، ووقعه الرئيس الأميركي ترامب، نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كي يصبح نافذاً. كان ردة فعل الأسد على قانون قيصر كالعادة خروج مسيرات تأييد إجبارية في مدن سورية، السيناريو الرغائبي يقول إن قانون قيصر يفتح الباب لتطبيق قرار مجلس الأمن 2254 منها طرطوس والسويداء. وفي الوقت نفسه، حاول الأسد حرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية، وتحميل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها سورية على قانون قيصر، بوصفها “عقوبات على الشعب السوري”، مبرّرا انهيار الاقتصاد السوري وغلاء الأسعار وارتفاع التضخم وانهيار القدرة الشرائية للمواطن السوري نتيجة قانون قيصر، من دون أن يدرك أن هذا الانهيار هو نتيجة سياسات مالية واقتصادية وسياسية أدّت إلى العجز الحالي، فبعضها يعود إلى أسباب اقتصادية ومالية، من قبيل عدم وجود مخزون احتياطي من العملة الصعبة لدى المصرف المركزي السوري لدعم الليرة، وتحوّل سورية إلى مستورد صافٍ للنفط، وانعدام الدورة الإنتاجية. وفيما تتصدّر سورية قائمة الدول الأكثر فقراً في العالم، إذ يقبع 83% من سكانها تحت خط الفقر، بحسب أرقام صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في مارس/ آذار 2019، فالعقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق محصورةٌ بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وليست ملزمةً بقرار أممي، فقد اعتمدت روسيا وإيران على التجارة والاستفادة من نظام الأسد، باعتباره ليس خاضعاً لعقوبات أممية. ولذلك جاء قانون قيصر ليسدّ هذه الثغرة، ويضع الشركات التي تتعامل مع الأسد، بما في ذلك الروسية والإيرانية، ضمن العقوبات الأميركية. لذلك، من شأن هذه العقوبات زيادة عزلة النظام السوري الاقتصادية، خصوصاً أنها تقلل “83% من السوريين تحت خط الفقر، بحسب أرقام يونيسيف في مارس 2019” حظوظه في الاستفادة من حلفائه الروس والإيرانيين، أو التحايل على القانون الجديد. وهو ما من شأنه أن يزيد من انهيار العملة السورية، وبالتالي إيجاد مزيد من الضغط على النظام من حاضنته الشعبية لتغيير السلوك السياسي للنظام، وإجباره على القبول بحل سياسي، بعد الاستجابة للنقاط الست التي تسمح بتعليق العقوبات أو إلغائها، مثل توقف الطائرات السورية والروسية عن قصف المدنيين، وتوقف القوات الحكومية وحلفائها عن تقييد وصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوقف قصف المنشآت الطبية والسكنية والمدارس، وتحقق إمكانية العودة الآمنة للاجئين والنازحين، وتحقق العدالة لضحايا جرائم الحرب، ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم. وهو ما يفتح الباب لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 المتعلق بإيجاد حل سياسي في سورية. ولكن، يبدو هذا السيناريو أشبه بالرغائبي، بالنظر إلى ردة الفعل الأولية لنظام الأسد على القانون، وتبرير إعلامه بأن الرد على ” قيصر” والأزمة الاقتصادية إنما يكون بإغلاق الحدود، عبر تجريم التعامل بغير الليرة، والاعتماد على الذات. بلغةٍ أخرى، عودة إلى سنوات الثمانينيات القاسية التي مرّت بها سورية، بعد إدراجها على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وعانت وقتها سورية من عزلة دولية، كان ثمنها سنوات من الفقر المعمم وتدمير القطاعات الصحية والتربوية والتعليمية، بسبب ضعف الإنفاق الحكومي. ولكن، واضح من لائحة العقوبات المعلنة أنه ليس هناك أية شركة روسية أو إيرانية (هناك لواء فاطميون الممول من إيران)، وهو الهدف الأساسي للقانون. وهذا يعني نافذة للمفاوضات حتى المرحلة الثانية، حيث يمكن ضم هذه الشركات الروسية والإيرانية، فكل العقوبات تفرض تدريجيا لدراسة أثرها وتقدير الخطوة الثانية من المفاوضات، لكن هذا يرسل رسالة لفتح باب المفاوضات السياسية مجدّداً مع روسيا بشأن سورية قبل تطبيق القانون للشركات الروسية، وخصوصا النفطية التي تسيطر على كل الحقول السورية من النفط والغاز.
العربي الجديد
——————————-
قيصر والقياصرة/ سلام الكواكبي
إن الملفات التي تمسّ في محتواها عمومَ الناس لا تحظى، بشكل طبيعي وتلقائي، بإجماعِ عموم الناس. هل هذا أمرٌ بديهي في كل قطاعات الحياة؟ يمكن أن يكون هذا السؤال نفسُه غيرَ مرضٍ لكثيرين ممن يدفعون الإحراج عن تفكيرهم، كما أن الجواب، بنعم أو بلا، بشكل قطعي، سيكون أيضًا غيرَ مرضٍ لعموم الناس. وفي الملف السوري الدامي والمتفجر والمتقلب والشائك، على الأقل، هناك اصطفافات قاتلة تكاد تكون أسوأ من الهويات القاتلة التي تحدّث عنها أمين معلوف. وهنا، لا مقاربة البتة للثنائية الصفرية: معارضة وموالاة؛ ففيها ما كتب العرّافون من الكره والتجني والبغض، ومن الرغبة في القتل أو الإيذاء أو الإقصاء. ولن يكون عرضي بتلك الجرأة الكافية لمواجهة مثل هذه الثنائية، بمحاولة التحليل. أما الجرأة الجزئية المتاحة لهذا العرض، في زمنٍ لا يعرف حدودًا في نشاطه السلبي، فهي تُحمل على النظر في ما سبق من توصيفات، توجد وتنمو وتتكاثر في طرف واحد من المعادلة. وفي حالتنا سيكون ذلك الطرف حتمًا هو الطرف المعارض. فمنذ اليوم الأول من انطلاقة الثورة السورية، وقبل انتقالها إلى مرحلة المقتلة، اختلف المعارضون على جنس الملائكة. وصارت التفاصيل مبعثًا على الصراع، فما بال من يطرح قضايا أساسية وجوهرية؟! وبدأ الأمر من تحديد تاريخ الانطلاقة، وتوقف طويلًا مع اجتهادات تملأ القواميس حول اللجوء إلى استخدام السلاح؛ فمن قائلٍ بوجوبه، وفي مواجهته من يعارضون وجوده واللجوء إليه بشكل قاطع (ويعدّهم البعض من الطهرانيين)، وصولًا إلى من يسعى للمحافظة على المشهد السلمي المُبتغى لنجاح التعبير الاحتجاجي في الوصول إلى أهدافه، ولكنه بالمقابل يعي عسف السلطة ودرجة العنف الذي تمارسه وآلة القتل التي تُعملها، حيث لا يمكن، حتى في المدينة الفاضلة، أن يحافظ الناس على التزام السلمية، في ظل الموت الذي يهيمن يوميًا على وقع سقوط مئات الضحايا من المتظاهرين السلميين بدايةً، باعتراف أهل القمع أنفسهم. ومن خلال الأخطاء الفادحة والأقل فداحة، سياسيًا وفكريًا، التي اعترت مسار الثورة منذ يومها الأول، ندر من تصدّى لها من أهلها، ولو بالتوثيق كما فعل بجرأة برهان غليون منفردًا في “عطب الذات”. بل إن أغلب من تصدر المشهد ما زال مقتنعًا بأنه لم يخطئ، وبأنه اخترع العجلة منذ اليوم الأول، وبأن عدم دورانها ليس عائدًا إلى أنه صنعها مربّعة، بل لعوامل خارجة عن إرادته أدت إلى تحول الدائرة إلى مربع! أخطاء لم يتمكن أهلوها من الاعتراف بها، ولكن من هم على المدرجات متفاعلون مع المشهد، حيث انقسموا بين متحمّس أعمى، وشتّام ليس بأصمّ. ولم يكن هناك من يُغلّب فكرة أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. فإما هو رجل المرحلة والحل والعقد، أو أنه خائن، لولا الحياء لوجب إعدامه! وكذلك تخندق الناس في ما يتعلق بالمسائل الطائفية والإثنية، فلا حاجة إلى إعمال الحسّ الوطني أو إلى تحريض العقل وأدواته، أو إلى الوسطية أو النسبية أو الشك في المسلمات، أو إلى التشكيك بالسرديات التاريخية بمظلومياتها وبانتصاراتها! وكذلك، نظروا إلى العلاقة مع الخارجي، دولةً كان أم منظمة، فإمّا هو الحل الوحيد الذي يستحق بذل المستطاع من الذلّ الذاتي والجماعي للدفاع عنه وتبرير إقحامه، أو أنه من موبقات البشر، وإذا أصابتنا النوائب، فهو -أي الخارجي- وحدَه مصدرها! لا مكان للجغرافيا السياسية أو مصالح الدول أو للعلاقات الدولية أو للمشاعر الشخصية أو للطموحات المتناقضة، بين هذا الزعيم أو ذاك، فإما هم ملائكة أو شياطين. حفلت السنوات التسع الماضية بمجلدات من المعادلات الصفرية التي لم يقبل أحد ممن اجترحها أن يتراجع عنها، ولو نسبيًا، أو يقبل بمساءلتها، أو حتى يقبل بالتشكيك في حتميتها، ولو في جزئية بسيطة منها. وها هو قانون قيصر يصطدم بهذه المعضلة السورية ذات المعادلات الصفرية. فبالنسبة إلى من عمل على إصداره، ومن آزرهم ممن آمن بنجاعته، فهو الترياق الشافي من الاستبداد، وهو الحلّ الذي سيفضي إلى الخروج من جهنم القتل والاعتقال والتهجير والتدمير، إلى جنة السلام والبناء والديمقراطية والكرامة التي لطالما سعى إليها السوريون أو جزء منهم. أما بالنسبة إلى من لم يقتنع به، وإلى من كان لديه موقف مسبق مما يأتينا من الخارج خصوصًا؛ فهو مصيبة المصائب، وستكون له آثار مدمّرة للمدنيين، وسيغتني من ورائه المستبدون، وإن إصداره هو إهانة للذكاء البشري، وإن من أصدره لا تهمه مصلحة الناس، كل الناس، بل هو يبحث عن مصالحه الذاتية الضيقة. هل يمكن، والحال هذه، لمن لديه قراءة وسطية وموضوعية، أن يُقحم نفسه في النقاش العام، إن أراد ألا تصيبه التقييمات المقولبة التي تخرج من الأفواه، كما من الأقلام، حتى قبل أن تكتمل صياغتها في ذهن من يتبناها؟ هل من الممكن النظر إلى إيجابيات القانون واستعراض سلبياته؟ هل من الممكن اقتراح جلسات عصف ذهني بعيدًا عن الخندقة، تسعى من خلالها جميع أطراف المعادلة الصفرية إلى وضع بعض التغيير في المعادلة، وجعلها قابلة لعدد من الاحتمالات ليست كلها من طرف واحد؟ هل من الممكن مناقشة قانون قيصر من غير قياصرة؟!
مركز حرمون
——————————-
قانون قيصر (سيف أميركي) لتقسيم سوريا/ سليمان يوسف يوسف
تسع سنوات وأكثر والادارة الأمريكية تضع (الزيت الأمريكي) على نار الحرب السورية. أمريكا ( زودت فصائل المعارضة بالسلاح) لإطالة أمد الحرب، لأجل قتل وتهجير وتشريد أكبر عدد ممكن من السوريين وتدمير ما يمكن تدميره في سوريا. بعد أن حققت الادارة الأمريكية ما أرادته من الحرب( قتل، تهجير، تدمير)، خرجت على العالم بما سمته “قانون قيصر لحماية المدنيين” وقع عليه ( دونالد ترامب) يوم 20 كانون الأول 2019، ليدخل حيز التنفيذ يوم 17 حزيران الجاري، يستمر العمل به لمدة عشر سنوات قابلة للتمديد. ينص القانون على ” فرض عقوبات جديدة و قاسية على القطاعات الأساسية للاقتصاد السوري وعلى كل من يخترق بنود هذا القانون من دول وشركات وأفراد ومؤسسات، لإرغام النظام السوري على الانخراط في (العملية السياسية) للتوصل الى حل سياسي للأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254 “. أن يُفعل (قانون قيصر) بعد انحسار المعارك في سوريا و(شبح المجاعة) يخيم على البلاد، (أكثر من82% من الشعب السوري تحت خط الفقر وفق تقديرات الأمم المتحدة) ، يطرح الكثير من التساؤلات والشكوك حول (الأهداف الأمريكية) من قانون قيصر “حماية المدنيين“. (روبرت فورد )، السفير الأميركي السابق لدى سوريا والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، في مقال له نشر في صحيفة (الشرق الأوسط) يوم الأربعاء 24 حزيران الجاري بعنوان ( هل يزيد قانون قيصر فرص الحل في سوريا؟ ) يقول: “من الغريب أن نسمع مسؤولين في واشنطن ينفون أن تضر العقوبات بالمواطنين السوريين في الوقت الذي يتمثل الهدف منها في زيادة الضغوط بوجه عام على الاقتصاد”. يضيف (فورد): ” للأسف الشديد لا أتوقع من جانبي أن تثمر عقوبات قيصر حلا قريباً، وإنما بدلاً عن ذلك أعتقد أنها ستجلب مزيداً من المعاناة واليأس إلى المواطنين السوريين.”.. السوريون لا يستغربون نفي (الادارة الأمريكية) أن تلحق عقوباتها أضراراً بهم وتعمق محنتهم. السوريون يستغربون فرحة وتصفيق المعارضات السورية في الخارج( الائتلاف – هيئة التفاوض)، للعقوبات الأمريكية ونفيها للحقيقة التي اعترف بها صديقها الأمريكي(روبرت فورد) . من حق المعارضات السورية أن تفرح لقانون أمريكي أنعشها مع جرعة أمل بالبقاء على قيد (الحياة السياسية). أمر مخز أن نرى معارضون سوريون، ممن أمنوا اسرهم في الخارج من مخاطر العقوبات الأمريكية سعداء بهذه العقوبات. نقول هذا ليس دفاعاً عن (نظام دكتاتوري)، مطلوب تغيره، وليس تبريراً للجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري سنوات الحرب، وإنما دفاعاً عن (لقمة عيش) الفقراء والمسحوقين من السوريين ممن صمدوا وتحملوا ويلات الحرب لأجل أن يبقى وطناً أسمه (سوريا). في الماضي (العقوبات الأمريكية) لم تُجوع نظام الأسد الأب، واليوم (العقوبات الأمريكية) الجديدة لن تُجوع نظام الأسد الأبن. حتى لو أنهار الاقتصاد السوري، سيبقى الجائع والموجوع وحده (الشعب السوري). خلال مؤتمر افتراضي نظمه معهد الشرق الأوسط يوم الاثنين 22 حزيران الجاري، تعقيباً على تفعيل (عقوبات قيصر)، قال المبعوث الأمريكي الخاص بالملف السوري (جيمس جيفري): ” لا نقول إن على الأسد أن يرحل، نؤكد أن عليه وحكومته تغيير ممارساتهم .. أن الولايات المتحدة تريد أن تعود الأوضاع في سوريا إلى ما كانت عليه قبل العام 2011.. “. كلام جيفري يطيح بكل آمال و أحلام المعارضات السورية التي تشيد بقانون قيصر وترى فيه ” دور إيجابي مهم في عملية التغيير بسوريا“. مفاعيل وأضرار (عقوبات قيصر) لن تقتصر على الوضع (الاقتصادي والانساني)، ثمة (مخاوف وطنية) حقيقية من أن يصبح هذا القانون ( سيف أمريكي لتقسيم سوريا ). قد يرى البعض مبالغة في هذه المخاوف. لكن المتابع لما يجري في المناطق السورية المحتلة والخارجة عن سلطة الدولة(النظام)، من تغيير ممنهج (ديمغرافي، ثقافي ،سياسي، اقتصادي، تربوي، تعليمي، اجتماعي) سيتيقن بأن التقسيم قد يصبح أمر واقع وحصيلة حاصل مع إطالة عمر الأزمة السورية لسنوات أخرى وربما لعقود أخرى، وهو ما تريده وتخطط له الادارة الأمريكية من خلال تفعيل (عقوبات قيصر). إدارة ترامب، تسعى (لإجبار النظام السوري وحلفاءه على وقف المعارك ، منع النظام من السيطرة على كامل الجغرافية السورية والابقاء على سوريا المقسمة الى مناطق نفوذ، وضع فيتو أمريكي يحول دون إعادة إعمار سوريا)، كل هذا بذريعة (أن النظام يرفض الرضوخ للشروط والمطالب الأمريكية لقاء رفع العقوبات عن سوريا). الادارة الأمريكية تدرك جيداً بأن النظام وحلفاءه وداعميه لن يستجيبوا لشروطها وهي تدرك، مع إطالة عمر (الأزمة السورية) تصبح المناطق المحتلة والخارجة عن سلطة الدولة السورية، (كانتونات متمايزة عن الهوية الوطنية السورية وتضعف علاقتها بالمركز دمشق)، لتنفصل لاحقاً أو ضمها من قبل دولة الاحتلال(تركيا). تركيا العثمانية على لسان أكثر من مسؤول، كشفت عن أطماعها القديمة الجديدة بالأراضي السورية. فمن غير المستبعد أن تقدم (تركيا الأردوغانية ) على ضم الأجزاء التي تحتلها في الشمال السوري. الأكراد من جهتهم رفعوا سقف مطالبهم الى حق ” تقرير المصير” يعني “الانفصال”. جولات الحوار بين القوى الكردية المتخاصمة، (الاتحاد الديمقراطي PYD ومن معه) و (المجلس الكردي ومن معه)، جرت برعاية ( أمريكية- فرنسية)، انتهت بوضع ( وثيقة تفاهم )، أُعلن عنها مع بدء تفعيل عقوبات قيصر. أقر الأكراد في وثيقتهم ” سوريا دولة موحدة لكل سكانها نظامها فيدرالي يحصل الاكراد فيها على جميع حقوقهم بما فيه حق تقرير المصير “. معلوم أن الأكراد يسيطرون على معظم منطقة شرق الفرات(الجزيرة). وقد باتت هذه المنطقة الحيوية من سوريا (محمية أمريكية)، حيث تنتشر فيها العديد من (القواعد العسكرية الأمريكية) أقامتها في إطار الحرب على داعش. عن احتمالات تقسيم سوريا ، في ذات المقال المشار اليه، يقول (روبرت فورد) : “من الممكن تخيل نجاح بعض الأقاليم داخل سوريا الخاضعة للحماية التركية والأميركية في الحصول على استقلال ذاتي محلي إذا افتقرت الحكومة السورية للقدرة الاقتصادية والعسكرية لفرض إعادة دمج هذه الأقاليم داخل كيان الدول السورية الموحدة..” . أنه لأمر مثير أن يظهر الأمريكي (روبرت فورد) أكثر (مصداقية وواقعية) من المعارضات السورية (الائتلاف- هيئة التفاوض) في مقاربته للأزمة السورية ولمخاطر (قانون قيصر) على مصير ومستقبل سوريا وشعبها. منذ اليوم الأول تعاطت المعارضة مع (الأزمة الوطنية) بعقلية ( الثأر – الاقتصاص من المجرم)، تاركة الوطن يغرق بدماء أبنائه. المعارضة تريد إسقاط (حكم الأسد) بأي ثمن، حتى لو كان الثمن ( سقوط وتفكك الدولة السورية وضياع الوطن وموت الشعب السوري ذبحاً و جوعاً). هكذا معارضة لا تختلف عن موالاة، تردد ” الأسد أو نحرق البلد “. باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
ايلاف
———————————-
قانون قيصر في القرداحة: “كلهن علينا، من قيصر للقيصر”/ حازم مصطفى (اسم مستعار) “شو ما صار فينا، قليل علينا، والله يستر من الأعظم”. عبارة أطلقها على أسماعنا مختار إحدى القرى الصغيرة في ريف القرداحة (مسقط رأس الأسد الأب) في حديثه عن واقع حال الساحل السوري بعد أربعة أيام على بدء سريان مفعول قانون قيصر اﻷميركي، حيث يرصد هذا التحقيق تداعيات القرار في الساحل السوري. “شو ما صار فينا، قليل علينا، والله يستر من الأعظم“. عبارة أطلقها على أسماعنا مختار إحدى القرى الصغيرة في ريف القرداحة (مسقط رأس الأسد الأب) في حديثه عن واقع حال الساحل السوري بعد أربعة أيام على بدء سريان مفعول قانون قيصر اﻷميركي. كتابات على جدران القرداحة ربما منذ عقود لم يحدث أن يعلو صوت سكان الريف العلوي بهذا الشكل العلني ضد حكم عائلة اﻷسد، وفي عقر داره. فمع سريان قانون قيصر بساعات معدودة انشغلت مدينة القرداحة بوجود دوريات أمنية حضرت منذ الصباح الباكر بعد وصول إخبار بوجود كتابات “ضد الرئيس” على بعض الحيطان وحاويات القمامة، حيث أغلقت الطرقات المؤدية إلى مناطق الكتابات لتفتح بعد أقل من ساعة قامت فيها الدوريات بمحو تلك الكتابات دون أن نتمكن من تصويرها وتوثيقها. وبالتوازي مع انتشار الدوريات، أغلقت غالبية محلات القرداحة أبوابها، خاصة السوق الرئيسي، في حين بقيت محلات بيع القهوة والاتصالات مفتوحة تقريباً، ووصل سعر صرف الدولار إلى ما فوق 3200 ل.س. وتأتي هذه التطورات بعد المعركة اﻷخيرة التي تم فيها “تشليح رامي أمواله وشركاته، وعلى عينك يا تاجر ودون أي وجه حق” كما يقول المختار. هذا الرأي الذي يتضامن مع رجل اﻷعمال رامي مخلوف يمثّل رأي قسم لا بأس منه من سكان القرداحة ومحيطها، ويتأكد ذلك من اﻹجراءات المتخذة من قبل أسماء اﻷسد ضدّ جمعية البستان الخيرية التي تم إلغاؤها نهائياً ونقل ممتلكاتها إلى مدينة حمص تحت مسمّى “مؤسسة العرين” وبإدارة أسماء مباشرةً، وهو ما مثّل ضربة قاصمة لتاريخ طويل من خدمة أهل المنطقة وعموم السوريين ممن يمكن من الوصول إليها، دون نسيان جانبها الثاني في تطويع الشباب العاطل عن العمل ضمن الميليشيات ما شكل مصدرا ماليا لهم من جهة، ورفد من جهة ثانية المليشيات التي كان يحتاجها النظام في حربه. تحليق اﻷسواق الجنوني لم تهدأ أسواق الساحل منذ قرابة شهرين، إلا أن بدء تنفيذ قانون قيصر، أصابها بشبه شلل واختناق. ولم يغفر للسكان فيه أن غالبية البضائع الموجودة في اﻷسواق إنتاجٌ محلّي، إذ وصل سعر كيلو البرغل المجروش إلى 1200 ل.س (نصف دولار فأكثر بسبب عدم استقرار الأسعار)، ومع زيادة إنتاج الخضروات توقع الناس انخفاضها إلا أن هذا لم يحدث، وبنفس الوقت الذي وصل فيه سعر طن اﻷعلاف إلى مليون ومئتي ألف ل.س (أكثر من ٥٠٠ دولار) دون وجوده كثيراً في السوق، واختفى السماد اﻷزوتي الضروري جداً لأشجار والخضار من الأسواق نهائياً بعد السيطرة الروسية على معمل أسمدة حمص. في جولة سريعة على اﻷسواق تتفاوت أسعار المادة الواحدة بين محل وجاره، تقول السيدة (نوار/ مستعار) لحكاية ما انحكت، وهي موظفة في الريجي منذ عشرين عاماً: “في أول محل كان سعر صحن البيض 2300 ل.س، في الثاني 2500، والثالث باعني إياه ب 2000 ل.س، وأكيد رابح على اﻷقل 300 ل.س، لا رقابة ولا دولة ولا من يهتم، كلهن علينا، من قيصر للقيصر“. أزمات متلاحقة كانت تطلّ برأسها قبل سريان قيصر، أخذت محلها بالتدريج، إذ أن شبح أزمة خبز بدأ بالتوازي مع أزمة مماثلة المواد الغذائية أجبرت نصف محلات المدينة على اﻹغلاق، وخاصة محلات اﻷطعمة الشعبية الجاهزة بعد أن وصل سعر قرص الفلافل إلى 50 ل.س (دولار قبل اﻷزمة). يدرك كثيرٌ من الناس أن سريان قيصر ليس السبب الوحيد لما يحدث من انهيار اقتصادي في البلاد، وهو ما أشار إليه (جمال/ اسم مستعار)، وهو أستاذ جامعي في جامعة تشرين محسوب على المعارضة منذ زمن طويل بقوله: “نعرف أن قانون قيصر ﻻ علاقة له بالغذاء والدواء نظرياً، لكن اﻷكيد أن له علاقة بسعر الصرف الذي قفز فوق ثلاثة آلاف ل. س للدولار الواحد، ولحقه ارتفاع أسعار الدواء بأكثر من مئة بالمئة مع اختفاء 400 صنف دوائي من السوق دون أن يدري أحد لماذا، وبالمثل، فإن أسعار الغذاء قفزت هي اﻷخرى أكثر من الضعفين، وهذا على أرض الواقع وليس تكهنات“. يضيف المعارض القديم لحكاية ما انحكت: “فرضت العجرفة اﻷميركية على العراقيين قانون النفط مقابل الغذاء عقدين كاملين لم تتأثر بهما قصور صدام حسين التي نهبها اﻷميركيون بعيد غزوهم العراق، وسقط في هذين العقدين آلاف مؤلّفة من العراقيين قتلى بسبب الجوع، ولم يسقط نظام صدام حسين، في ذلك الوقت قالت وزيرة الخارجية اﻷميركية: لقد كان اﻷمر يستحق، كل ما نخشاه أن تعاد الأسطوانة عندنا ويحدث فينا ما حدث مع العراقيين“. ليس هذا الاعتراض هو الوحيد الذي توّجه المعارضة الداخلية ضد قانون قيصر، يقول يوسف (مستعار/ 45 عاماً) من حزب الشعب سابقاً: “أقرّ قانون قيصر العام 2016 وليس اليوم، وهو موجّه ضد الروسي واﻹيراني بشكل رئيسي وينفّذ فوق المنصة السورية لا أكثر ولا أقل، وإذ يقصد منع اﻹعمار في البلاد دون الدفع إلى انتقال سياسي في سوريا، فإن هذا كله محكوم ببساطة بالتوازن الدولي واﻹقليمي وليس برغبة الشعب السوري الذي أصبح شتاتاً في بقاع الأرض كلها، وعاش أسوأ تجربة منذ عشر سنوات كان يمكن تجنبها لو كان هناك إرادة دولية حقيقية في تغيير النظام السوري، لكن ذلك لم يحدث، ولن يحدث بسبب قانون قيصر، وإن من يتوهم غير ذلك، سيقع في نفس الفخ الذي وقعت به شعوب أخرى ومعارضات أخرى“. الموالاة: كغيره سيزول! أقام فرع حزب البعث في طرطوس وقفة تضامنية مع الدولة السورية ضد قانون قيصر وفق ما أسماها، وقد أثارت الوقفة سخرية السوريين على مواقع التواصل الاجتماعي حتى من الموالاة نفسها. “الوقفة التضامنية هذه رفعت سعر الدولار فوق 3200 ليرة، ياهيك أفعال يابلا!”، يعلّق إبراهيم الموظف في مديرية مياه طرطوس، ويضيف ضاحكاً: “الطريقة القديمة نفسها، قام المدير بإجراء التفقد بذات نفسه، وأخبرنا أنه ممنوع الغياب، ومن يغيب يتحمل مسؤولية نفسه، وبالتالي لم يكن أمامنا إلا الحضور والدبكةّ“. إلى جانب ذلك قامت الشرطة المحلية بسحب أوراق جميع السرافيس العاملة إلى مدينة طرطوس (من بانياس وصافيتا والدريكيش) وأجبرت أصحابها على نقل موظفي تلك المدن إلى الوقفة التضامنية، ولكن رغم كل هذا، فإن عدد الحاضرين لم يتجاوز بضعة آلاف، وللمرة اﻷولى لا يتم التصوير الجوي لهذه (الحشود) حيث اكتفى اﻹعلام الرسمي بنقل الصور من الأرض. على عكس هذه الحال، تحدث لنا أمين فرقة حزبية بعثية في منطقة بانياس قائلاً: “الولايات المتحدة فرضت عقوبات على سوريا منذ عام 1980، يعني أن ما يحدث ليس جديداً، جعنا على أيام الرئيس الراحل حافظ الأسد ﻷجل مواقفنا الوطنية والقومية، ولن نتنازل عن حقوقنا بوجه العدو الغاشم، من أعجبه هذا ليبق ومن لم يعجبه لينقلع من البلاد“. وحين نسأله عن “حقه في طرد الناس من البلاد”، يقول: “هذه بلدنا، ونحن من يقرر سياستها وليس اﻵخرين، ندرك أن الروسي يختلف عن اﻷمريكي، ولولاه لخسرنا البلد، وبفضل تعاوننا مع الروسي واﻹيراني سنتجاوز الحصار كما تجاوزنا حصار الثمانينات، أصلاً إن وضعنا الراهن أفضل من الثمانينيات فاليوم لدينا أصدقاء أقوياء مثل الصين وفنزويلا، ولن نركع مهما فعلوا بنا“. خلاصة سريعة دون كثير تفاؤل، إن قانون قيصر وفقاً لكثيرين هنا، سوف لن ينفع في تغيير سياسات النظام السوري إلا إذا ترافق مع ضغط دولي على روسيا باتجاه الانتقال صوب حل سياسي يشارك فيه كل السوريين. بالمقابل، فإن العقوبات اﻷميركية الجديدة التي سرّعت الانهيار الاقتصادي، لم تنفع السلطة في محاولة استثمارها في إعادة إحياء مفهوم الوطنية السورية في ظل تشرذمها بين الروسي واﻹيراني والتركي واﻷميركي وغيرهم من الرعاة اﻹقليميين، وهو ما يتضح فعلاً في الضغط الممارس على الناس، الموظفين من جديد، ﻷجل حضورهم وقفات تضامنية، هي في أحد جوانبها كما يقول أحد الموظفين لحكاية ما انحكت: “باب للسرقة والفساد“! كاتب وصحفي سوري مقيم في اللاذقية
حكاية ما انحكت
———————————-
روسيا منذ التدخل العسكري حتّى تنفيذ قانون قيصر/ مصطفى سعد
جاء التدخل الروسي العسكري المباشر في سوريا عام 2015، بمثابة نقطة تحوّل أساسيّة بعلاقات روسيا الإستراتيجية مع منطقة الشرق الأوسط، وتمثّل للدور الذي تبحث عنه السياسة الروسية الخارجية كلاعب أساسي في المنطقة والعالم، فعلى الرغم من التنسيق الروسي_الأميركي الواضح حول التدخل الروسي في سوريا، وهو ما ترجم في القرار 2254، وانعقاد (جنيف3) حول الأزمة السورية، إلا أنّه على الجانب الآخر بدا للجميع بأنّ روسيا تبحث عن إعادة ترسيخ نفسها كقوة أكثر تأثيراً على السياسات الدولية في مواجهة واشنطن وحلفائها، من خلال ضمان دور لها، ومشاركتها في سياسات المنطقة حاضراً ومستقبلاً. وعلى الرغم من وجود خطاب رسميّ روسيّ يتحدّث عن رفضها التدخلات الخارجية في البلاد التي تشهد الصراعات الداخلية، ووجوب احترام سيادة هذه الدول، إلا أنّه من الواضح للجميع أنّ السياسة الروسية كانت تبحث عن قاعدة أساسية لها في المنطقة، حيث ستحوّل سوريا إلى ما يمثّل قاعدة متقدّمة لها في الشرق الأوسط، تضمن من خلالها مصالحها في المنطقة، وإن كان بغير طريقة قطبي الحرب الباردة (الشيوعي_الرأسمالي)، بل بطريقة أقرب لأن تكون شريكاً للولايات المتحدة، برؤية مختلفة قليلاً، مع وجود خطوط عريضة متفق عليها بين الطرفين، وخاصة مع تركيز خطابات الرئيس «ترامب» على الرغبة الأميركية بالانسحاب من المنطقة، والتي هي استكمال لسياسة الرئيس «أوباما»، من قبله، بالتوجّه نحو الشرق الأقصى. هذه التغيّرات لم تكن وليدة الساعة، بل يمكننا أن نرجع عقارب الزمن إلى الوراء لنكوّن رؤية أوضح حول دور روسيا الجديد، فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي في حقبة «يلتسن» خلق هذا الوضع الجديد انشغالاً داخلياً لروسيا على حساب همومها الخارجية، وذلك لإعادة ترتيب أوضاعها الداخلية، فلم يعد الاتّحاد السوفياتي موجوداً على خارطة العالم السياسية والجغرافية، وتحوّلت العديد من الجمهوريات المنفصلة عنه إلى دول ضمن الناتو، وضمن الاتحاد الأوروبي، المنظومتان اللتان تمثلان كل ما هو مناوئ للتوجهات السوفياتية، وتمثلان اتجاهات لتحجيم موسكو بوتين، ويجب عدم فصل التوّجه الجديد لروسيا عن رؤى وشخصية الرئيس «بوتين» الذي اجتاح الشيشان عام 1999، ليظهر كرجل روسيا الاتحادية الباحث في التاريخ عن أمجاد القياصرة. تميّزت حقبة بوتين بالعديد من القرارات الإستراتيجية التي كانت تكشف عن رؤاه المستقبلية، فقد قام بزيادة الميزانيّة العسكرية لروسيا، واستبدال هوية روسيا الأيديولوجية والعقائدية، بأخرى تحمل روح الدولة الوطنية القوية الساعية إلى فرض سيادتها، والبحث عن تأمين مجالها الحيوي، ويحمل حلم أجداده القياصرة بالوصول إلى المياه الدافئة لشرق المتوسط. وللنظر بدقة إلى الدور الروسي الجديد، علينا أن نرى علاقات روسيا مع إسرائيل، وكونها مقبولة من الأطراف المشاركة في الملف السوري (تركيا ودول الخليج العربي وإسرائيل)، أكثر من إيران “الراديكالية”، وبعد غزو العراق، قام الرئيس بوتين بزيارته إلى إسرائيل ليكون أول رئيس روسي يقوم بزيارة الأراضي المحتلة، وفي إحدى زياراته الأخيرة إلى إسرائيل، عنونت صحيفة هآرتس الإسرائيلية الزيارة بالقول: “مع زيارة موسكو يؤشر نتنياهو لشرق أوسط ما بعد أميركا”، ويمكننا أن نفسر هذه العلاقة المستجدة بالتغيّر النهائي للعالم الثنائي القطبية، يمثّل كل منهما رؤية مختلفة للعالم، فالعالم الرأسمالي، وتمثّل الولايات المتحدة رأس حربة هذا المعسكر، أما على نقيضه فكان العالم الاشتراكي، وقد كانت في حينها روسيا السوفياتية تمثّل وجه هذا المعسكر. أما بعد الانهيار فقد تحول العالم سياسياً واقتصادياً إلى عالم بقطب واحد، تمثّله الولايات المتحدة وحلقات قوية على الصعيد العالمي تحت قبة هذا القطب، مثل الصين التي تصعد بقوة ساعية للحصول على دور منافس لأميركا، على الأقل، في الشقّ الاقتصادي، وروسيا كقوة إقليمية عظمى، فتحوّلت القوى الثلاثة إلى قوى رأسمالية الفكر، وإن كانت التجارب الصينية والروسية الاقتصادية يمكن وصفها برأسمالية الدولة، مقابل أميركا النيوليبرالية، ولأنّ الوضع الاقتصادي الروسي لا يسمح لها بمقارعة أميركا باستخدام ما يمكن أن نسميه بالقوة الناعمة، كما الصين، فإنّ سياسة روسيا الخارجية تعتمد على عدة عوامل، منها مخزونها العسكري الهائل، وإرثها الدولي السابق كقطب كبير، وانكفاء أميركا عن التواجد في منطقة الشرق الأوسط، بعد ما صنّفته بتجربة فاشلة في العراق. فكان تدخل روسيا العسكري المباشر في الأزمة السورية، عام 2015، نقطة تحوّل في تاريخ المنطقة وعلاقات روسيا الخارجية، وكان الروس يرون التدخل كخيار وحيد في ظل هذا الفراغ للقوة، وخصوصاً، بعد التجربة الليبية السابقة، وخسارتهم امتيازاتهم والعقود الموقعة مع نظام معمر القذافي، بعد محاولتهم لعب دور الوساطة بين نظام معمر القذافي و”المجلس الوطني” بقيادة «مصطفى عبدالجليل»، وتقوم الرؤى الروسية في الحالتين على إرادة الإصلاح لا التغيير، أي بمعنى آخر تبحث عن الاستقرار في المنطقة، بغضّ النظر عن نوعية هذا الاستقرار، وارتكزت في كل هذه القرارات على توافقية بنسبة معيّنة مع الشرائع الدولية فلم تصطدم بمصالح الأطراف المشاركة في الأزمة السورية، وتعتبر أنّها قد نالت شرعيّة الدخول بمجرد أنّها دخلت بناءً على طلب من حكومة دمشق في المشاركة، فهي ترى الحل في سوريا يجب أن يرتكز على لجنة دستوريّة، ومؤتمر سوتشي، لا على بيان جنيف والقرارات الدولية. ولا تتعامل روسيا مع كل قضية من القضايا التي تشارك بها على حدة، فهي بتدخلها الصريح والمباشر في القضية السورية، إلى جانب الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة، كانت تسعى إلى درء المخاطر عن مصالحها الحيوية، كما في دعمها انفصال أجزاء من جورجيا وأوكرانيا وضمها لجزيرة القرم، فهي اليوم تتعامل مع كل قضاياها دفعة واحدة، فقضية أوكرانيا، وكذلك ما يجري في ليبيا (روسيا مقابل تحالف تركي_أمريكي)، لا يمكن فصلهما عن القضية السورية (أمريكا مقابل تحالفات روسية_تركية) ولا يمكن فصل هذه القضايا، أيضاً، عن الأبعاد الاقتصادية لروسيا التي تمتلك شركات حكومية متخصصة في مجال الطاقة الغازية والنفطية، فصراعها على مناطق من جورجيا وأوكرانيا يتضمن فعلياً تأمينها لخطوط نقل الغاز إلى روسيا من مناطق الاستخراج، وفي دراسة بعنوان “الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط” يرى عدد من الباحثين: “تملك روسيا مصالح مهمة اقتصادية، وأخرى تتعلق بالأعمال في قطاع الطاقة في الشرق الأوسط، يتراوح من الطاقة النووية إلى النفط والغاز. شركاتها التي تملكها الحكومة، مثل غازبروم (Gazporm) وروزاتوم (Rosatom)، تحتفظ بمصالح مهمة في مجال الطاقة ويشمل ذلك أسواق استهلاك رئيسة، وحقول نفط وغاز، وزبائن للبنية التحتية من الطاقة النووية في بلدان، مثل إيران والعراق وتركيا، بالإضافة إلى إقليم كوردستان وشرق المتوسط. إن تقلّب أسواق الطاقة العالمية، مترافقاً مع اعتماد روسيا المتزايد على عائدات النفط نتيجة للتباطؤ الاقتصادي، لديها وللعقوبات الاقتصادية الغربية، ألقى بضغط أكبر على موسكو وراء مكاسب في أسواق الطاقة الشرق أوسطية، ومع الأزمة الاقتصادية العالمية، بسبب انتشار فايروس كورونا، التي امتدت بقوة لتؤثر على موسكو وبعدها البدء في تنفيذ قانون قيصر _وقع الرئيس الأميركي عليه في يوم 20 كانون أول 2019 لتحويله إلى مرسوم تنفيذي على أن يبدأ تنفيذه في شهر حزيران 2020_ والذي يُعتبر من قبل الكثير من الدارسين والأخصائيين الاقتصاديين، أنّه يؤثر على روسيا في المقام الأول، لصعوبة تنفيذ العقود المبرمة والاستثمارات المتفق عليها مع الحكومة في دمشق، واستحالة البدء بإعادة إعمار سوريا قبل الوصول لحلّ سياسي ينهي الأزمة السورية في جنيف، وليس في الشمال أو الشمال الشرقي السوري. قانون قيصر زيت يصب على النار التي يكتوي بها السوريون، وبحسب جميع المصادر الرسمية، في الولايات المتحدة الأمريكية، ليس الغاية منه إسقاط النظام، بل تغييره، وهذا متفق عليه ومرحب به، بين كل من واشنطن وموسكو، إن كان عبر قرار جنيف1، والقرار 2254. فهل وصلت الأزمة السورية لمرحلة أصبحت بها عبئاً على القوى الدولية والإقليمية الفاعلة، وأصبحنا على أبواب الدفع لبدء حلّ سياسي حقيقي في سوريا عبر مسار اللجنة الدستورية يمهد لرسم مستقبل، كل من سوريا وليبيا، وإلى حدّ كبير إيران؟ الحلّ السياسي سيأتي مهما تأخر، لكن علينا أن ندرك أنّ هذا الحل، وبأحسن صوره، سيكون لهيمنة الخارج على الداخل، وأنّ على السوريين جميعاً العمل لبناء وطن حرّ ومستقلّ تسوده قيم المواطنة والديمقراطية.
ليفانت – مصطفى سعد
——————————-
=========================
=======================
تحديث 02 تموز 2020
—————————
الفيلق الخامس الثقافي في مواجهة قانون قيصر/ علي سفر
يفرض قانون قيصر، بعدما أمسى مبرماً، أسئلة مهمة على النخبة الثقافية السورية، وكذلك على مثيلتها العربية، فالحيز الاقتصادي ليس كل شيء في مثل هذه الحالات. نعم، هناك عقوبات اقتصادية ستشمل بعض مؤسسات وشخصيات النظام، وكذلك أخرى مرتبطة به، دعمته ويسّرت أموره. لكن ماذا عن أولئك الذين دعموه في سرديته؟ وعلى الأخص أولئك الذين تحولوا أبوقاً له، تاركين خلفهم أدوارهم المفترضة كمثقفين من مثل مناصرة المضطَهدين كواجب إنساني وأخلاقي!؟
لا يلحظ قانون قيصر هذه المسائل، فدوره لا يتصل بها، ولا يجب أن يتصل أصلاً، بسبب من محدودية مجاله. حيث أن المسألة التي بُني عليها، بوصفه قانوناً يحاسب على جريمة تستند على أدلة هي صور العسكري المنشق قيصر، كان يجب على جميع المثقفين من شعراء وروائيين وقصاصين وفنانين أن يعلنوا رفضهم لها بوصفها جريمة ضد الإنسانية. لكن جزءاً كبيراً من هؤلاء صمت، ثم ما لبث أن أنكر وقوع الجريمة، ثم أعجبهم الدور، فمضوا في تكرار أوليات سردية النظام عن الإرهابيين، ثم بنوا عليها ما كرروه طيلة عقد كامل من مثالب الثورة السورية! المفارقة في تحولات هؤلاء، بالتوازي مع حيثيات قانون قيصر، أن التفاصيل تؤكد وقوع جرائم القتل تحت التعذيب، لعشرات الآلاف من المعتقلين التي يؤكدها “قيصر”، بين العامين 2011 و2013، أي في المرحلة التي لم تكن فيها التنظيمات الجهادية قد استولت على المشهد، وصارت بؤره الدالة.
ففي ذلك الوقت لم تكن جبهة النصرة مسيطرة على مناطق في سوريا، ولم يكن داعش قد ظهر بشكله المعروف لاحقاً! ما يؤكد أن انحياز هذه الشريحة من المثقفين للنظام وروايته للأحداث، غير مرتبطة بالسياق الحدثي وبراهينه، قدر ارتباطها بالأسباب الكامنة وراء الموقف السياسي، وضمن هذه التفاصيل يمكن أن نجد الموقف الطائفي، وكذلك الموقف السياسي المتواطئ، وبالتأكيد الموقف المصلحي. إذ شكلت الخلخلة التي سببتها انشقاقات الكتلة الثقافية المؤيدة للثورة، عن مؤسسات النظام، فرصة لصعود كثيرين إلى سدة المناصب والواجهات، حيث يقبضُ المثقفُ ثمن موقفه منصباً، وربما بعض الاهتمام، وبما يرضي نواقصه النفسية!
قانون قيصر عاجز فعلياً عن محاسبة أي شخص على موقفه الأخلاقي، لكنه يفتح المجال للسؤال عما يمكن فعله حيال تعاطي المثقفين مع الجرائم ضد الإنسانية! وإذا كان الكثيرون يحيلون هذه المواقف وأشكال التعاطي، إلى محكمة التاريخ الافتراضية، المعلقة في فضاءات الخيال الإبداعي، حيث سيحكم الناس أنفسهم على المحالين إليها، أحكامهم الافتراضية أيضاً، فإن حجم الجريمة وطبيعتها واستمراريتها إلى اللحظة الراهنة (لا أحد يعلم عدد من قتلهم الأسد في سجونه) يجعلها أكبر من مجرد الإحالة إلى محكمة أخلاقية يمكن للزمن أن يطويها، أو للكتب أن ترويها، وبما يكفي المؤمنين شر القتال!
جريمة قتل المعتقلين تحت التعذيب، ونحن نشهد فصولها الدامية مع معرفة الأهالي بمصير أبنائهم، ومع معرفة الأوساط الفنية والثقافية بمصير المبدعين الذين غابت أخبارهم منذ أن اعتقلتهم أجهزة النظام، تتضخم في عقول ونفوس السوريين وغيرهم، حتى لتكاد تسيطر على العقل اليومي لمن يتابعها، مع السؤال عما حل ويحل بالباقين من الغائبين! وضمن هذا السياق ستتحول المواقف من أولئك الذين ساندوا النظام ودعموه، من عتبة الحياد والترك في ضفة المنبوذين، إلى التفكير الجدي بمحاسبتهم بوصفهم شركاء للنظام في أفعاله!
إنهم فصيله العسكري في عالم الثقافة. لقد لعبوا أدوارهم بانضباط كامل، من ترهيب المثقفين الذين خالفوهم في الرأي، إلى قيام بعضهم بارتكاب أفعال يندى لها الجبين، كالتحول إلى مخبرين وكتبة تقارير بزملائهم، وصولاً إلى الدور الأساسي وهو إنكار أفعال النظام، وتثبيت سرديته، مروراً بأدوار ثانوية صغيرة كشتم الآخرين وتخوينهم في شبكات التواصل الاجتماعي، وكذلك الترحيب بالإيرانيين والروس، إلخ.
وضمن سلسلة الأدوار السابقة، يتفرد هؤلاء حالياً، ومع تطبيق القانون، بدور جديد يقوم على التعريض به وإشاعة استهدافه للشعب السوري، وإحالة كل مصائب السوريين الراهنة إليه وتعليقها على شماعته! وفي أغلب ما يكتبه هؤلاء، لن يعثر المتابع والقارئ على أي إشارة إلى وجود جريمة أدت إلى ظهوره، بل إن بعضهم ينكر الصور، ويعتبرها مزورة وملفقة، كما أن بعضهم الآخر يختصرها بعبارة “الظروف” التي أدت إليه!
لا يستطيع أحد الآن أن يحاسب هؤلاء على ما فعلوه، طالما أن النظام الذي يحتويهم مازال في مكانه. كما أن مسألة العدالة للضحايا في الحدث السوري، والتي قيل في تضاعيفها القانونية الكثير، متروكة فعلياً إلى مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد، وبالتالي لن يستطيع أحد محاسبة هؤلاء على أفعالهم، كما أنه لا قانون وطنياً أو عالمياً يجرّم من ينكر وقوع جريمة قتل المعتقلين السوريين تحت التعذيب، ما يؤدي في المحصلة إلى استمرارهم في ما يفعلون، بلا رادع يردعهم سوى أخلاقهم، في حال تحركت ضمائرهم يوماً ما!
لكن ماذا عن محاولات ترتيب أنشطة ثقافية وأعمال فنية مشتركة بين المثقفين والفنانين المعارضين وبين أولئك المؤيدين؟
كيف يستوي لدى من يشاركون بهذا، وقد فعلوا ذلك مرات عديدة عبر أعمال فنية درامية وأخرى سينمائية، إغماضهم لعيونهم ولعقولهم عن حقيقة أن مثل هذا التوليف مع آخرين لا يرون المذبحة وجرائم الأسديين بحق شعبهم وزملائهم، يشبه في واقع الحال أن يشترك فصيل ثائر حر مسلح مع مفرزة أمنية أسدية، في حراسة سجن يتم فيه تعذيب المعتقلين!
لقد حاول الروس منذ احتلالهم لسوريا أن يقترحوا على القوى العسكرية المعارضة توليفة ميدانية سُميت بالفيلق الخامس، تتولى العمل في مناطق المصالحات، وأيضاً الأعمال العسكرية ضد داعش والفصائل الجهادية الأخرى. وفي جهة الثقافة ثمة من يقومون بهذا الدور، فيقترحون أعمالاً مشتركة مبنية على رؤية للواقع السوري معقمة من الجرائم الحاصلة فيه، وفيها السوريون أحباب متراضون ليس لديهم معتقلون مغيبون، ولا آخرون مقتولون! والنازحون والمهجرون واللاجئون صاروا هكذا من دون سبب ومسبب، وأيضاً لا وجود لصور قيصر ولا من يحزنون!
أعمال لا تشير بأصبعٍ للقاتل، ويصبح فيها اللباس العسكري معمماً على الجميع، والرصاص طائشٌ، والضحايا مقتولون لأنهم سوريون!
هذه مقولات الفيلق الخامس الثقافي، تُرضي الجميع، كما تتوهم أنها تدين الجميع! وبالتأكيد لن يناسبها وجود حيز واضح للفاعل والفعل والمفعول، كما يقدمها قانون قيصر! ولهذا ستجد أصحابها يشنون حملاتهم الآن عليه، وهم يرددون المقولات ذاتها؛ فالعقوبات التي تستهدف الأسد وزمرته تستهدف بالنسبة لهم الشعب السوري بلا تمييز بين مجرم أو بريء!
ومع السكوت عن الأسد وعن أفعال نظامه التي خربت كل شيء في البلاد، من الاقتصاد حتى الحياة الاجتماعية، ومع الانتقائية في الطروحات التوفيقية من دون محاسبته، ومع الاستزلام المزمن، يصدمك هؤلاء دائماً حينما يباغتونك بالسؤال: ألسنا جميعاً في سوريا سوريين؟!
المدن
—————————
قانون قيصر وأخلاق السياسة تيار المواطنة
تعتمد فلسفة العقوبات الاقتصادية بالعموم، على إجراء تعويضي، لانعدام الإرادة في الانخراط السياسي والعسكري المباشر بالتعامل مع الأطراف أو الدول المستهدفة، وذلك بغية الضغط الاقتصادي، لإضعاف ومعاقبة الأنظمة السياسية “التي عادة لا تنصاع إلى القانون الدولي أو تمارس انتهاكات إنسانية، كجرائم الحرب مثلاً، أو تشكل خطراً على الأمن والسلم الدوليين” وذلك، إما لإجبارها على تغيير سياستها والانخراط من جديد في سياسات منسجمة مع المعايير والقوانين الدولية ذات الصلة، أو المساهمة “مع عوامل أخرى” في اسقاطها، والدفع باتجاه تكوين أنظمة حكم تراعي بالمجمل الأسباب التي فرضت من أجلها تلك العقوبات. و بهذا المعنى يمكن ان ندرج العقوبات الاقتصادية أو قانون حماية المدنيين وما اصطلح على تسميته قانون قيصر على النظام السوري، وذلك للضغط على النظام السوري وحلفائه، بهدف معلن وكما كرره أكثر من مسؤول أمريكي، هو تغيير سلوك النظام و إجباره على الانخراط في العملية السياسية، وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254 والقرارات ذات الصلة.
تعتبر العقوبات الاقتصادية وآليات تطبيقها، والمتعلقة بقانون قيصر، غير مسبوقة في تاريخ العقوبات، وكما يبدو هذه المرة أنها قاسية جداً، باستهدافها ليس فقط أركان النظام وشبكاته، والأسماء الجديدة التي أضيفت حديثاً على أسماء شُمِلت بعقوبات سابقة، وقطاعات الطيران العسكري والبنى التحتية، لا بل كذلك البنك المركزي، المتهم بتبيض الأموال، والأهم من هذا كله، الاطراف الخارجية أفرادً، وجماعات، أو دول تتعامل مع مؤسسات النظام بمجال تطوير الصناعات العسكرية، أو إعادة الإعمار، وهذا يستهدف بالضرورة حلفاء النظام وبالتحديد روسيا وإيران والميلشيات التابعة لها، فهي عرضة للمزيد من العقوبات في حال تعاونت معه اقتصادياً وعسكرياً. وأكثر من هذا، فإن دول الجوار كذلك هي تحت المجهر الأمريكي، بغية الحيلولة دون الالتفاف والتحايل على العقوبات المفروضة، وهذا ما سيؤدي إلى التأثير الفعّال على الأنشطة المالية والاقتصادية، مما سيفاقم من أزمة النظام، التي ستؤول في نهاية المطاف إلى تجفيف مصادر تمويل آلته العسكرية والأمنية. بطبيعة الحال ومع الأسف الشديد، هذا سيؤدي أيضاً إلى إصابة المجتمع السوري “المنهك اصلاً من سنوات الصراع الطويلة” بأضرار إضافية. وكما هو معلوم فإنه مع أي عقوبات تفرض على الدول، هناك بالضرورة ضررٌ سيصيب المجتمع، وبالأخص الفئات الأكثر فقراً، حيث ستعاني من الآثار غير المباشرة لتلك العقوبات.
مع دخول قانون قيصر في 17 من يونيو/ حزيران الماضي حيز التنفيذ، وبما تضمنه من عقوبات اقتصادية على النظام السوري وحلفائه، وفي الوقت التي شهدت فيه الليرة السورية تراجعاً غير مسبوق في قيمتها مقابل الدولار الأميركي، تزامناً مع الارتفاع الحاد في أسعار السلع والمواد الأساسية، ونقص الأدوية و السلع وفقدانهما من السوق السورية، كل ذلك نتيجة ليس فقط لحالة الترقب والخوف من مستقبل الليرة بعد تفعيل العقوبات، وانما أيضا لما وصل إليه حال الاقتصاد السوري من انهيار، بعد أكثر من تسع سنوات من الصراع الدامي في سوريا، دون أن نغفل دور السلطة الطغمة المستبدة القابعة في دمشق منذ أكثر من خمسة عقود، والذي يعود لها الدور الأساس في سياسة الإفقار والإذلال التي اعتمدتها ضد المجتمع.
بطبيعة الحال، وكما هو متوقع مع مرور الوقت سيفاقم القانون من معاناة المواطن السوري، ليس فقط في مناطق سيطرة النظام، وإنما في مختلف مناطق النفوذ والسيطرة. ويحاول النظام، كعادته، استغلال القانون، وما يحمله من عقوبات، للتهرب من مسؤولياته لما آلت إليه أوضاع البلاد والعباد من أزمة اقتصادية خانقة لامست حدود المجاعة الحقيقية، وتوظيفها في خدمة بروباغاندا “المقاومة والصمود في وجه المؤامرة الكونية”. كذلك وبنفس السياق برز أيضا انقسام داخل صفوف المعارضة السورية، حيث عبّرت شخصيات مهمة من المعارضة عن مخاوفها وقلقها بشأن قانون قيصر، منطلقين من موقف قيمي وأخلاقي تجاه زيادة معاناة المواطن السوري المنهك أصلاً، حيث بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر بين السوريين الـ 85%، ودون ان يمس هذا النظام بشكل ملموس حتى الآن، سواءً على صعيد المؤسسات أو الأفراد.
وفي هذا السياق، يتم تقديم الاعتراض على القانون بوصفه “مشكلة أخلاقية”، مطلوب الوقوف عندها، وهو موقف لا يمكننا إلا احترامه من جانبه العاطفي، وباعتباره جزءاً من الجدل الفلسفي الطويل بين السياسة والأخلاق. وحيث أننا في تيار مواطنة طالما ربطنا السياسة بالأخلاق، وعبرنا عن ضرورة ترابطهما؛ وعلى اعتبار أننا أيدنا -ومن مبدأ أخلاقي أيضاً- قانون قيصر، ولكي لا يبدو المؤيد للقانون بصورة توحي بعدم الإحساس بالمسؤولية، وكأنه لا يكترث لمعاناة المواطن السوري في الداخل جرّاء تلك العقوبات، لذلك نرى التالي لوضع الأمور في نصابها.
في البداية لابد من لحظ مؤشرات الاقتصاد السوري الحاليّة، قبل تطبيق القانون، ومستوى معيشة المواطن السوري في ظل هذا الاقتصاد، وصولاً إلى معرفة ما إذا كان تطبيق القانون يمثل “معضلة أخلاقية” فعلاً؟ ففي أحدث الدراسات حول الأثر الاقتصادي للصراع الدائر في سورية منذ عشرة أعوام؛ بلغ حجم خسائر الاقتصاد السوري مئات مليارات الدولارات، مع نسبة دمار في البنية التحتية تصل إلى 40 %، كما بلغت نسبة البطالة أرقاماً خيالية، و بلغت نسبة من هم تحت خط الفقر بين السوريين في الداخل الى 85%.
إذاً، نحن نتحدّث عن اقتصاد سوري مُنهار فعلياً قبل تطبيق العقوبات. وإن كان الانهيار الحالي في سعر الصرف ما هو إلا حلقة في سلسلة بدأت مع أزمة المصارف اللبنانية، والتي قيدت حجم السحب من القطع الأجنبي لزبائنها، ومنهم السوريين الذين تبلغ ودائعهم في المصارف اللبنانية 45 مليار دولار. ولا يغيب عن أذهاننا كذلك سبب رئيسي في مفاقمة الأزمة هو الصراع داخل النظام السوري، بين بشار الأسد ورامي مخلوف وغيره من رجال الأعمال، وليأتي بعدها تفعيل العقوبات الاقتصادية، كحلقة أخيرة في سلسلة تدهور الاقتصد وهبوط الليرة السورية.
إذاً، لم يساهم القانون بشكل مباشر في تراجع سعر صرف الليرة السورية وارتفاع الأسعار، وإنما طول مدة الحرب وفساد نظام الأسد وداعميه من تجار ورجال أعمال هم من تقع عليهم المسؤولية المباشرة عما حدث لليرة من انهيار.
وبالنسبة للعقوبات المتعلقة بعملية إعادة الإعمار؛ فإنها لن تأثر بشكل مباشر على المواطن، ولكنها بالتأكيد، ستؤثر بشكل مباشر على النظام وداعميه؛ لأن عملية إعادة الاعمار، وفقاً لتصور النظام وحلفائه، تهدف إلى القفز فوق الحل السياسي، وتعويم النظام وتدعيم انتصاره العسكري بشكل سياسي واقتصادي، إضافة إلى مكافأة مجرميه وداعميه من حيتان الأقتصاد، بفتح مجالات للاستثمار في مشاريع ومدن سكنية فاخرة، لا يحلم المواطن السوري العادي، حتى بالمرور قربها، فضلاً عن السكن فيها.
بالتالي، المعضلة الأخلاقية ليست في أثر عقوبات “قانون قيصر” على المواطن السوري، وإنما في طريقة تعاطي أصحاب الموقف العاطفي المعارض للقانون مع هذا القانون، فهم ينظرون إلى زاوية خاصة بالعقوبات فقط، ومن سيطالهم أثر تلك العقوبات من السوريين، في حين يتناسون جوهر القانون وأسباب صدوره، والأهم من ذلك شروط تجميده وإيقاف العمل به.
وهنا السؤال لأصحاب الموقف الأخلاقي: ماذا نقول لـ 13 مليون نازح داخلي وخارجي من السوريين وحقهم بأن يعودوا إلى منازلهم بأمان؟ هل وقفنا على حالات القهر والذل وحجم الآلام التي يعيشونها هناك؟ هل عالجنا حالات الانتحار وحرق الآباء والأمهات لأنفسهم، نتيجة العجز عن تأمين لقمة الخبز للأبناء؟ ماذا عن مئات ألاف المعتقل في سجون النظام؛ أما آن لهم أن يرتاحوا من جحيم معتقلات الطاغية؟ هل يمكن لنا أن نتخيل حجم الألم غير المسبوق في التاريخ -وغير القابل للوصف- لأب أو لأم ثكلى تفتش عن صورة ابن قد يكون قضى تحت التعذيب في معتقلات الاسد؟ وهل يمكن لأحدنا أن يتخيل ذلك الجحيم الذي صنعه طاغية دمشق لدى السوريين؟ أليس من حق ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرة النظام أن تعيش بأمان بعيداً عن قصف طائرات الأسد وسلاحه الكيميائي؟ والسؤال الأكثر أهمية: ما البديل عن قانون قيصر للضغط على النظام و الدول الداعمة له للانخراط بجدية في العملية السياسية؟
وفي الختام لا بد من التنويه إلى الشروط التي حدّدها القانون لتجميد العقوبات، حيث تعتبر أيضاً بوصلة حقيقية لأي موقف أخلاقي.
حتى وإن كنا نعتقد بأن العقوبات لم تسقط نظاماً ديكتاتورياً في الماضي -على الرغم أنها فعلت كما هو الحال في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا “الأبارتيد” حيث كان للعقوبات الغربية الدور الكبير في إسقاطه- وإن لم يكن الدور الوحيد، حيث ساهم مع نضالات شعوب جنوب أفريقيا وعلى رأسهم الزعيم “نيلسون مانديلا” الذي لم يضيّع البوصلة أبداً، فلم يترك مناسبة إلا وحضّ فيها الدول المعنية على فرض عقوبات اقتصادية على نظام الأبارتيد آنذاك.
قد لا تسقط العقوبات نظام الأسد اليوم، ولكن يبقى قانون قيصر الخطوة الأكثر جدّية من قبل الولايات المتحدة للضغط على النظام عبر البوابة الاقتصادية. ومن دونه، سيستمر هذا النظام وستستمر معه معاناة السوريين، ولن يكون أمامنا سوى التباكي واتهام المجتمع الدولي بالتخاذل وترك السوريين لقمة سائغة بين أنياب الضباع.
تيار مواطنة- المكتب الإعلامي
———————————
” قيصر” يخلط الأوراق في سوريا ومشروع إيران على المحك/ منير الربيع
تشكل الضربة التي وجهتها الطائرات الإسرائيلية لمواقع إيرانية في سوريا الأسبوع الفائت، تحولاً نوعياً في مسار الصراع لتحجيم النفوذ الإيراني على الجغرافيا السورية.
مجموعة أهداف في مناطق مختلفة بعيدة عن الجنوب أو الحزام الآمن الذي كان يطالب به الإسرائيلي. وقد تطورت الضربات لتصل إلى الشمال السوري والشرق على الحدود السورية العراقية. تأتي الضربات بعد تفجير حصل في أحد المواقع العسكرية النووية الإيرانية والتي ترجح المعلومات أنه فُجّّر سيبرانياً.
تتصاعد رحى المعارك، وما سينجم عنها من نتائج سياسية، تنعكس على سوريا ولبنان معاً. وهنا توتر إيران وحلفائها أصبح مشهوداً في الساحتين، في ظل دراسة تبعات ما قد يحصل في المرحلة المقبلة.
لن تكون معركة إخراج إيران من سوريا مسألة سهلة. أمامها صعوبات ومعارك كثيرة. لن تتنازل إيران عن نفوذها بعد الكمّ الهائل من الخسائر التي تكبدتها. لا يمكن ضرب مشروع إيران الإمبراطوري إلا في سوريا، التي تشكل النقطة الاستراتيجية لأي مشروع توسعي أو تأثير إيراني في المنطقة. استفادت إيران منذ العام 2001 إلى اليوم من الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، فعزز الإيرانيون سطوتهم على العراق، سوريا ولبنان. كانت حقبة محاربة الإرهاب مجالاً لتحجيم النفوذ السني في المنطقة. اليوم حان وقت حقبة تحجيم النفوذ الشيعي الذي تمثله إيران.
لقانون قيصر تداعيات لا تنحصر في الشق المالي والاقتصادي فقط إنما سيكون لها الأثر السياسي والجيوسياسي على واقع المنطقة ككل، خصوصاً أنه سيدفع روسيا إلى البحث عن مهرب من تداعيات هذا القانون عليها بتدفيع إيران والنظام في سوريا ثمنها بتقديم تنازلات كبيرة. كل ذلك سيؤدي إلى نوع آخر من المفاوضات الروسية الأميركية يختلف عن ثابتة أساسية، وهي تأمين أمن إسرائيل وحمايتها والسماح لها بشن الغارات واستهداف المواقع الإيرانية التي تريدها في سوريا. إنما البحث عن طريق جدي لتطويق إيران وتحجيم نفوذها في سوريا ولبنان معاً، من خلال قطع طريق إمدادها الاستراتيجي الذي يربط الأراضي الإيرانية بالعراق وسوريا وصولاً إلى لبنان. روسيا في المقابل، تسعى للسيطرة على معظم المناطق الغنية في سوريا، وهي لا تريد شريكاً فيها، ستصب اهتمامها على السيطرة على حقول الفوسفات والنفط في الوسط السوري، وانتداب أوصياء على كل منطقة أو محافظة في سوريا، كما تفعل في درعا، والسويداء، ستفعل في البادية وحمص. وهؤلاء سيكون لهم ارتباط مباشر بالمندوب السامي الجديد الذي عينه فلاديمير بوتين ممثلاً له في سوريا.
إلى جانب زيادة منسوب الضربات الجوية على أهداف ومواقع إيرانية في سوريا، فإن روسيا ستزيد من منسوب تحركاتها السياسية والعسكرية على الأرض، ليس من خلال التفاوض مع رموز من المعارضة وشرائح اجتماعية مختلفة بحثاً عن بلورة للمرحلة الانتقالية. لن يقف الوجود العسكري الروسي عند الحدود التي لها حالياً، جزء كبير من المفاوضات الروسية الأميركية يتركز على تطويق إيران أكثر في سوريا، وصولاً إلى الحدود اللبنانية السورية، وسط معلومات تتحدث عن استعداد روسي للسيطرة على مدينة القصير المعقل الأساسي لحزب الله وكمعبر رئيسي واستراتيجي يربط المناطق والمحافظات السورية بعضها ببعض. هذا المسار سيكون له انعكاسات وتداعيات كبيرة على الوضع في البلدين.
إيران التي تجد نفسها محرجة ومحشورة، تبحث عن إجهاض أي محاولة من هذا النوع، ولو كلف ذلك خوض معارك عسكرية أو استخدام مجموعات مسلحة تابعة لها لاستهداف أي تقدم باتجاه هذه المناطق. ستحمل الأشهر التي تفصل عن الانتخابات الرئاسية السورية، أيام ستكون حبلى بمفاجآت كثيرة.
منير الربيع
تلفزيون سوريا
—————————————
=======================
======================
تحديث 04 تموز 2020
——————————
روسيا بعد الاستفتاء: قيصر في إهاب ديناصور كسيح/ صبحي حديدي
في سنة 2005 قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه إذا قرر الزعماء تعديل الدستور لأغراض تخدمهم، بهدف تمديد ولاياتهم على وجه التحديد، فلن يتبقى شيء من الدولة؛ وفي 2020 لم يفعل هذا الذي حذّر منه، وعلى نحو فضائحي أسوأ، فحسب؛ بل وضع موقع الرئاسة، والدولة بأسرها في الواقع، رهينة 12 سنة مقبلة من حكمه بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة. الروس صوتوا لصالح أكثر من 200 تعديل دستوري، من كلّ واد عصا كما يجوز القول، بنسبة قاربت 77,92 ٪ لا يصحّ أن تُستبعد منها تلك النسب التي صنعتها سحوبات الجوائز، أو المكافأة الرئاسية بقيمة 10 آلاف روبل، للمشاركين في التصويت.
والخلاصة الأبرز أنّ قيصر روسيا المعاصر لم تعد تشبع نوازعه الاستبدادية تلك الصيغة القديمة من «التناوب الديمقراطي» بين الرئاسة/ رئاسة الوزراء مع ظلّه الطيّع ديمتري مدفيديف، والتي ظلت سارية المفعول منذ سنة 2008 وحتى مطلع 2020. وربما أدرك أنّ أحوال الاتحاد الروسي الراهنة، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً على مستوى الداخل، ثمّ إقليمياً وأوروبياً وعالمياً على صعيد التدخلات العسكرية الخارجية واستئناف الحرب الباردة هنا وهناك؛ باتت تستدعي قبضة استبداد أشدّ صرامة، لم تعد تليق بها 20 سنة سالفة من أنساق الحكم. بهذا المعنى منحت التعديلات الرئيس الروسي صلاحيات إضافية، بينها حلّ البرلمان إذا رفض ثلاث مرّات متتالية تثبيت وزير أو نائب وزير، وإقالة أيّ عضو في مجلس الوزراء، وتعيين القضاة والمدعي العام ونوّابه، وتقوية مجلس الدولة الاستشاري (إذا شاء بوتين أن يترأسه، بعد العام 2036!).
وليس من دون حاجة ثقافية ماسة، وتطلّع إلى مكاسب مباشرة تتجاوز الحشد الشعبوي أو الاستقطاب الغوغائي، أنّ بين التعديلات الدستورية ما يحثّ الفتية على الإيمان بالله، واحترام السلف، وتكريم ذكرى «المدافعين عن الوطن» وضمان «الحقيقة التاريخية». ولم يعد خافياً أنّ الانحيازات القوموية والعنصرية باتت تسيّر سلوك الملايين من الروس، ممّن لم يعودوا بحاجة إلى مهرّج مثل فلاديمير جرينوفسكي (زعيم «حزب روسيا الليبرالي الديمقراطي»، الذي حلّ ثالثاً في الانتخابات التشريعية الروسية الأخيرة) كي يحرّك نوازعهم إلى نموذج القيصر ألكسندر الثالث؛ فثمة بوتين، قيصر هذه الأيام، الذي يزعم استعادة أمجاد الإمبراطورية ويستأنف رفعة القياصرة عبر القوّة والجبروت والهيمنة.
مفيد، هنا تحديداً، استذكار تلك المعركة المحتدمة في ميادين إيديولوجية، ليست سوى السقوف الظاهرة من بواطن اجتماعية واقتصادية عميقة؛ بين استقطابين عملاقين تتمحور من حولهما وتلتقي فيهما، أو أحياناً على النقيض منهما كلما اقتضت الحال، غالبية تيارات الشارع السياسي والشعبي الروسي؛ الشيوعية، الليبرالية، الاشتراكية الإصلاحية، «اشتراكية السوق»، والنزعات القومية المعتدلة أو تلك المتطرفة: الاستقطاب الاستغرابي (نسبة إلى الغرب)، والاستقطاب الأورو – آسيوي (نسبة إلى موقع روسيا الفريد على التخوم الحاسمة بين قارّتين شهدتا، وتواصلان احتضان، أعمق الصراعات الحضارية على مرّ التاريخ). وهذه معركة تصنع كلّ يوم، وبالتالي تُبلور أكثر فأكثر وتفرز على الأرض، المشهد الفسيفسائي المعقد الذي يرسم قسمات روسيا ما بعد طيّ صفحة الاتحاد السوفييتي.
واضح، في المقابل، أنّ بثّ روح النوستالجيا الإمبراطورية في نفوس الروس، فضلاً عن سياسات فعلية في التدخل العسكري الخارجي، أو السعي الدائم إلى إعادة فرض القطبية الثنائية في العلاقات الدولية وتوازن القوّة بين الجبابرة؛ لم تفلح، لأنها فعلياً لا تكفي، في ترقية موقع موسكو على خريطة النظام العالمي، إذا ظلت المعطيات الجيو – سياسية والاقتصادية أكثر تواضعاً، أو أدعى إلى التدهور والانحطاط. ففي روسيا، وليس في طاجكستان أو تركستان أو جورجيا أو أوكرانيا، يلجأ الملايين من عمّال المناجم إلى سلاح الإضراب المفتوح، لا من أجل زيادة الأجور أو تحسين شروط العمل أو تحقيق مطالب مهنية؛ بل ببساطة من أجل استلام الأجور ذاتها، في المقام الأوّل! وأن تلجأ الرئاسة الروسية إلى رشوة المواطنين كي يتوافدوا على صناديق التصويت لصالح التعديلات الدستورية، فما قيمة 10 آلاف روبل إذا كانت لا تشتري 150 دولاراً!
وحتى إذا وضع المرء جانباً حروب أسعار النفط وما تُلحقه من أضرار بليغة بالميزانيات الروسية المتعاقبة، أو تغاضى عن العقوبات الاقتصادية التي تضرب روسيا منذ سنوات؛ فإنّ ما يبقى ثابتاً وصارخاً هو ذلك الانحدار الحثيث لمستوى المعيشة، والتآكل المضطرد في القدرة الشرائية، والفشل المتواصل في الخطط الاقتصادية، والتضخّم والعجز والبطالة والمافيا. وها أنّ روسيا تدخل العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين وكأنها ترتدّ إلى أوائل القرن العشرين، ليس لجهة تعاظم الاستبداد وشرعنته واستفحال أوهام القوّة والجبروت والأمجاد، فحسب؛ بل كذلك لمرأى أكوام من الروبلات (وليس الكوبيكات!) لا تكاد تبتاع سلّة خضار. الدولار هو العملة الوطنية غير المعلنة في الأسواق والمصارف والشوارع، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي هما السيف المسلط على عنق السيادة الوطنية، تماماً كما هي الحال في كثير من اقتصادات أنظمة «العالم الثالث».
وإذ تتفاقم مآزق البلد، وتتعدد مشكلاته على خلفية بحث الكرملين عن موقع القوّة العظمى المهيمنة عسكرياً، الساعية إلى بوابات النفوذ عبر الجيوش والصواريخ والميليشيات، وليس عبر الاقتصاد والتجارة والتصنيع غير العسكري؛ فذلك لأنّ روسيا هذه الأيام هي نتاج كاريكاتور التحديث الليبرالي، الذي يتجلّى في سلسلة من أكثر أصنافه غرابة وتشوّهاً: مخلوق ديناصوري نووي اغترب عن هويته وعن أطرافه الجغرافية والسكانية (أكثر من 25 مليون مواطن روسي يقيمون في بلدان الجوار غير الروسية)؛ كسيح عاجز عن التقدم خطوة إلى الأمام، إلا إذا توقّف في المكان بمعدل زمني يساوي خطوتين إلى الوراء؛ فاشل في مجاراة أعدائه الرأسماليين القدماء، تماماً مثل عجزه عن مجاراة حلفائه الشيوعيين القدماء (الصين بصفة خاصة)؛ ولم يكن يكفي تمثيلاً على ديناصوريته الكسيحة من هزال طرائقه في مواجهة فيروس كورونا المستجد.
كأنها روسيا كما أرادها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر (ومن قبله أوائل أنبياء الحرب الباردة)، أو كما يريدها صندوق النقد الدولي: قوّة عظمى تملك ثاني ترسانة نووية في العالم، ولكنها تنزلق رويداً رويداً إلى مصافّ المقاييس التقليدية لدولة عالمثالثية، في المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. اقتصاد نهض على التصنيع الثقيل، ولكنّ أساسه الوطني يعتمد اليوم على تصدير المواد الخام واستيراد المنتجات الغذائية المصنّعة، ويرتهن أكثر فأكثر للرأسمال الأجنبي والاستثمارات متعددة الجنسيات. تباين صارخ في التوزيع الاجتماعي للثروة القومية، وشروخات حادّة بين الأغلبية الأكثر فقراً وبؤساً، والأقلية المنعمة المنشطرة بدورها إلى كومبرادور رأسمالي متحالف مع الشركات الغربية العملاقة، وقطاعات طفيلية متحالفة مع المافيات الداخلية ومجموعات الضغط على اختلاف أجنداتها.
ولن يكون غائباً عن الأذهان، أغلب الظنّ، وفي أوساط الحالمين باستئناف أمجاد القياصرة مثل أولئك الذين يتضورون جوعاً أمام غائلة البطالة وانحطاط المستوى المعيشي؛ أنّ روسيا المعاصرة يحكمها رجل يطمع إلى التفوّق على جوزيف ستالين، من حيث سنوات الحكم وربما بعض طبائع الاستبداد؛ ولن ينافسه في الرقم القياسي للبقاء على رأس السلطة سوى… بطرس الأكبر نفسه، الذي حكم روسيا 43 سنة. فإذا لم تكن هذه هي روسيا «بيت الموتى»، في الوصف الذي اختاره لها أديبها الكبير فيودور دستويفسكي أواخر القرن التاسع عشر؛ فإنها ليست موشكة، في القريب، على مغادرة بيت الديناصور الكسيح.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
———————————–
قانون قيصر وفرص التسوية في سورية/ رانيا مصطفى
يهلّل رهطٌ واسعٌ من المعارضة السورية لبدء سريان قانون قيصر، باعتباره انتصاراً؛ فهو خطوة مؤثرة، من بوابة زيادة الضغوط الاقتصادية على النظام، وعزله كلية بفرض عقوباتٍ على الأشخاص والشركات المتعاملة معه، على الرغم من أن القانون بنصوصه، وبتصريحات المبعوث الأميركي جيمس جيفري، ومسؤولي الخارجية الأميركية، لا يقول بتنحّي بشار الأسد عن الحكم. وأما رحيل عائلة الأسد عن الحكم، وبغض النظر عن بدء سريان قانون قيصر، فقد بات يقيناً، لمعارضيه، ولداعمه الروسي، ولقاعدته الشعبية، وقد دلل عليه التفكك ضمن العائلة الحاكمة، وما نتج عنه من فضائح، ومن انهيار كبير لليرة السورية رافق أزمة المصارف اللبنانية، مع فشله في إدارة الأزمة الاقتصادية، ووصول الفساد البيروقراطي في حكومته إلى أقصاه، وتجدُّد المظاهرات المطالبة برحيله. ولكن السؤال الأهم: لماذا أصدر الأميركان قانونا كهذا، بعنوانه العريض “قانون حماية المدنيين”، بعد تسع سنوات من المجازر المتواصلة؟
لم يهتمّ الأميركيُّون يوماً بوقف المجزرة السورية، على الرغم من تصريحاتهم المندّدة بها؛ فالاستراتيجية الأميركية منذ عهد الرئيس السابق، أوباما، باتت مبنية على تقليص حجم التدخل في الشرق الأوسط، والتركيز على القواعد العسكرية في منطقة المحيط الهادئ، حيث العدو الأكبر (الصين). بناء على ذلك، اتفق الأميركان والروس في جنيف 1، في العام 2012، على أن سورية منطقة نفوذ لروسيا، وما زالوا يعترفون بذلك، وبأن الوجود الروسي شرعي في سورية؛ وبالتالي كان الفيتو الروسي – الصيني على مشاريع إدانة النظام، المتكرّرة في مجلس الأمن، مسرحياتٍ يرضى عنها الأميركيون ضمناً، وكذلك يرضون عن التدخل العسكري الروسي في خريف 2015، وعن تحالف أستانة، وما تلاه من هدن ومصالحات وسيطرة على مناطق واسعة، بعد تعهد روسيا بإجبار النظام على تسليم أسلحته الكيميائية، عقب تهديد أوباما بتوجيه ضربةٍ عسكرية للنظام. وهذا يعني أن روسيا هي المتحكّم الرئيسي بالحل السوري؛ ولكن لواشنطن شروطاً على موسكو تحقيقها، وهي تملك أوراق ضغط تمكّنها من تعطيل الحل الروسي المنفرد، تتعلق باستمرار الوجود الأميركي في شرق الفرات، بحجة مواجهة إيران والإرهاب، ولمنع النظام وروسيا من الاستفادة من الثروات النفطية والزراعية، وتعطيل سيطرة موسكو على الطرق الرئيسية هناك، والآن يأتي قانون قيصر ورقة إضافية حاسمة بيد واشنطن. و”قيصر” قانون هجين، كونه كان نتاج صراع داخل الإدارة الأميركية بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بسبب الخلاف المستمر بشان الاستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وشارك فيه، من جهة أخرى، السوريون الأميركيون، الذين كان لهم الفضل في توصيله إلى الكونغرس بعد ست سنوات من تقديم صور قيصر. وفي كل الأحوال، صيغ القانون بأقلام أميركية، وهو يجيَّر ليكون أداة حاسمة بيد واشنطن، وضدّ الحل الروسي المنفرد.
بقانون قيصر، تفرض واشنطن على موسكو عدة مطالب: أهمّها إيقاف محاولات التطبيع مع النظام وإعادة الإعمار من دون حل سياسي، عبر فرض عقوبات على كل من يتعامل مع النظام، ليس في المسائل العسكرية، بل وفي مجالات التكنولوجيا والبناء. وشملت الدفعة الأولى من العقوبات شركات بناء؛ وبالتالي واشنطن تريد زيادة عزلة النظام وشلّه اقتصادياً، وإجبار موسكو على البحث عن مخرج. وبقيصر، تفرض واشنطن وقفاً دائماً لإطلاق النار، ما يعني تثبيت مناطق النفوذ، ووضع حدّ للطموحات الروسية في السيطرة على كامل إدلب، أو محاولة شن هجوم على حلفاء واشنطن في شرق الفرات، وهذا يعني اعتراف واشنطن بدور تركي في شمال سورية، وهو الحل الأميركي الممكن لإشكالية تهدئة المخاوف الأمنية التركية من الخطر الكردي، وهي محاولة أميركية لتخفيف قوة التحالف التركي الروسي. ولا تصادر واشنطن، بهذه الشروط، أحقية موسكو بوضع حل سياسي، فهي تعترف بدور اللجنة الدستورية التي ترعاها روسيا، وتشترط إطلاق سراح المعتقلين، والبدء بحل سياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، ولكنها أيضاً تشترط تقليص الوجود الإيراني، واستمرار التعاون لمحاربة الإرهابيين. ولإزالة العقوبات، هي تضع شرطاً على الحكومات القادمة يتعلق بمحاسبة مرتكبي الجرائم، وبعلاقات “سلمية مع الجوار”. وأما المحاسبة فيمكن لروسيا إخراج محاكمات شكلية ترضي واشنطن، غير المهتمة فعلياً بتحقيق العدالة في سورية. وأما الشرط الآخر فيفرض على الحكومات القادمة التطبيع العلني مع إسرائيل، والاعتراف بضم الجولان وبصفقة القرن.
إذاً، الكرة بملعب روسيا، ومساحات المناورة بالنسبة إليها ضيقة؛ أولويتها الآن السيطرة الكلية على النظام الذي ما زال يتقوى بالإيرانيين؛ لذلك غيّر بوتين صفة سفيره في دمشق إلى مبعوث رئاسي، أي بمثابة مندوب سامٍ يحكم دمشق، وتعمّدت الصحف الروسية شبه الرسمية انتقاد الأسد، والقول إنه فاسد وغير شرعي، وهي تستغل مظاهرات السويداء، والاحتقان الشعبي المستجد بعد خلاف الأسد مخلوف، وبعد الانهيار الاقتصادي الدراماتيكي الذي رافقه، وذلك لإضعاف الأسد وإظهاره بلا مؤيدين، ويبدو أنه بدأ يرضخ، حيث أصدر أخيرا قرار عفو خاص عن معتقلين من درعا.
ما تريده روسيا من سورية هو الاستفادة من عقود الاستثمار الموقّعة مع النظام، خصوصا ما يتعلق بالموانئ والمطارات والفوسفات والغاز، ومن مجمل عملية تمويل إعادة الإعمار. وهذا يتطلب أمرين، الأول أن تكون هي راعية التغيير القادم بما يناسب ضمان مصالحها، هذا ما دفعها إلى التواصل مجدّداً مع أطياف متعدّدة من المعارضة السورية. والأميركيون لا يمانعون هذا التحرّك الروسي، ولم تكن حزمة العقوبات الأولى من قانون قيصر على نخب سورية في الحكم، من بينها الأسد وشقيقه وزوجتاهما، ذات أثر فعلي، بقدر ما هي إنذار إلى روسيا والنظام بعدم التأخر في تلبية المطالب الأميركية. الثاني البدء بإعادة الإعمار وعودة اللاجئين والسماح بتدفق الأموال إلى سورية، وهذا مرتبط بالحل السياسي الممسوك أميركياً، وإسرائيلياً أيضاً.
ربما ستكون هناك قضية إشكالية أمام أي تسوية، وهي معضلةُ الاستفادة الروسية من الثروات السورية التي تسيطر عليها أميركا في شرق الفرات. وهذا إذا حصل، فسيشمل قضايا خارج سورية، ربما في أوكرانيا مثلاً.
العربي الجديد
————————
سوريا: عن مجابهة قانون قيصر بالزراعات المنزلية/ مالك ونوس
حتى 23 حزيران/ يونيو، حين تحدث وزير الخارجية السورية، وليد المعلم، عن قانون قيصر، لم تكن الحكومة السورية تحدثت عما ستفعله لمواجهة قانون قيصر، وكأنه واقع على دولة أخرى في قارة نائية.
وإذا ما وضعنا جانباً دعوة المستشارة الإعلامية في القصر الجمهوري، بثينة شعبان، السوريين، في 5 حزيران، إلى الصمود كخيارٍ وحيد للتصدي لقيصر، فإن كلام المعلم الذي أتى بعد 6 أيام من دخول حزمات العقوبات الأولى، التي سيفرضها القانون حيز التنفيذ، لم يجد فيه السوريون سوى ما قرروه بأنفسهم من توجههم إلى الاعتماد على الذات. محاولات جادة، ثم دعوات أطلقها البعض بعد كلام شعبان، للاعتماد على الزراعات المنزلية لمواجهة قيصر، وهي دعوات تُظهر وكأن تعافي الاقتصاد والتغلب على المصاعب المعيشية يمكن أن يتحققا عبر تأمين بعض متطلبات العيش من خضروات، يمكنهم قطفها من على شرفات منازلهم وحسب.
وكان لافتاً أن السخرية التي قوبلت بها دعوة شعبان إلى الصمود، من الموالين قبل المعارضين، قد استبدلت بعد أيام بتبني الموالين خطابها، فتغيرت نبرة السخرية لدى كثيرين منهم إلى نبرةٍ جديةٍ تشدِّد على أهمية الصمود وتأمين أشكاله عبر زراعة المساحات الخالية، وحتى شرفات المنازل، بالخضروات من أجل مجابهة القانون. وربما يعود سبب تغير اللهجة الساخرة إلى خروج التظاهرات في السويداء، وربما إلى إيحاءٍ ما وصل لهؤلاء المؤيدين لتغيير خطابهم، وهم الذين يرزح 85 في المئة منهم تحت خط الفقر، بعدما خسرت ليرتهم قيمتها جراء ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية أضعافاً مضاعفة مقابلها، وبالتالي زيادة أسعار المواد الغذائية إلى درجةٍ غير مسبوقةٍ، أصبحوا بسببها عاجزين ليس عن الصمود، بل عن تأمين قوت أبنائهم.
أما الدعوة إلى الاتجاه نحو الزراعة، فربما يعود سببها إلى جاذبية الدعوة إلى العودة إلى الطبيعة الأم وتلبية النداء الأول، النداء الأزلي للتوحد مع الأرض. ولكن أي طبيعة وأي أرض تتوفّران لدى كثيرين لزراعتها والتعويض بها عن السلع التي تزداد أسعارها؟ وهل تتوقف حياة المواطن على تأمين بعض الخضروات التي لا تكفي لإعداد وجبة لشخصين إلا من خلال تجميعها ليومين أو ثلاثة، بسبب تقلص المساحات القابلة للزراعة بين الأبنية، أو حتى تقلص الأراضي الزراعية التي أهملها كثيرون؟ وذلك بسبب تغير شروط الزراعة فيها بعد غلاء أسعار البذور والأسمدة والأدوية الزراعية، علاوة على تغير أنماط العيش.
كان من الأجدر، والحالة هذه، الدعوة إلى دعم المزارع الذي غالباً ما يكون خاسراً في نهاية موسمه الزراعي بسبب ازدياد تكاليف الإنتاج. لكن الدعوة إلى دعم المزارع غير واردةٍ في بلادٍ لم يدخل في أبجديات اقتصادها، قبل الحرب، مبدأ الحمائية، أو بندُ دعم المنتجين، لضمان استمرار الإنتاج الوطني وتدفق السلع وتأمين حاجيات المواطنين، فكيف سيدخل الآن والمواطن يرى كل ما يحصل من حوله يهدف إلى تحطيمه وتهديم البنيان الذي شيده بعرقه، على رأسه ورؤوس الجميع؟
أثناء الحصار تشكِّل الدول الواقعة تحته خلايا أزمة وتعلن خطط طوارئ اقتصادية، شبيهة بخطط إعلان الحرب والتصدي لهجوم عسكري. وفي حالة سوريا، لم نرَ خططاً من هذا القبيل ولم نسمع عن تشكيل خلايا أزمة ما يدل على أن المواطن تُرك لمواجهة مصيره بيديه العاريتين. أما ما تحدث عنه وزير الخارجية، وليد المعلم، في مؤتمره الصحافي عن إجراءات لمواجهة العقوبات التي فرضها وسيفرضها قانون قيصر، فلم يأتِ على ذكر أيٍّ منها لكي يدخل الطمأنينة إلى قلب المواطنين، وهو ما يترك هذا المواطن فريسة التخمينات حول مصيره. أما المواطن الذي بدا واعياً لسبل التغلب على قيصر عبر إجراء تغييرات داخلية وإصلاحات، وبدء تطبيق بنود الحل السلمي وإدخال البلاد في عملية سياسية، يعرف أن كل ما يراه أو يسمعه لا يعدو أن يكون تأخيراً لهذا الحل.
وفي إشارة إلى عدم وجود نية لدى النظام لإجراء أي تغييرٍ داخليٍّ يوقف سريان هذا القانون، قال وليد المعلم: “معتادون على التعامل مع العقوبات الأحادية التي فُرضت علينا منذ 1978 تحت مسميات عدة، وصولاً إلى ما يسمى قانون قيصر”. قال “معتادون” ولم يقل “مستعدين”. وكلامه هذا لا يختلف سوى بالصياغة عن كلام شعبان ومطالبتها الشعب بالصمود. وليس هذا الأمر بجديدٍ على الشعب السوري، فالمواطنون الذين تركتهم حكومة بلادهم لوحدهم يواجهون المصاعب الحياتية غير المسبوقة، جعلتهم يفكرون، لوحدهم أيضاً، بسبل مواجهة تبعات هذا القانون، قبل أن تقوم هي بواجبها الذي تخلت عنه منذ بدء الحراك الشعبي عام 2011.
وفي هذا السياق، لم يأتِ المعلم على ذكر أي خطةٍ سيتبعها النظام من أجل التغلب على تبعات قيصر، سوى كلامه عن الاعتماد على الذات، الرنانة والفضفاضة. كما لم يقل إن كان النظام سيبدأ بتنفيذ بعض البنود المطلوبة، والمندرجة ضمن خطة الحل السياسي وفق القرار 2254، الصادر عن مجلس الأمن عام 2015، والذي يعد البدء بتنفيذها كفيلاً بدرء أخطار قيصر عن الشعب، ولا سيما منها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وعودة اللاجئين، بل قال “في ما يتعلق بالمسار السياسي نحن ملتزمون بهذا المسار”. لكنه لم يوضح كيف ولا أي البنود يتم تنفيذها. ويعرف الجميع أن بدء العملية السياسية التي ينص عليها القرار المذكور تتم بمشاركة الجميع، من نظام ومعارضة، في الداخل والخارج، لكنه قطع الطريق على هذه المشاركة بعدم اعترافه بمعارضة الخارج، بل واتهامها بالارتهان للسفارات ولحكومات الدول التي تتواجد فيها.
أشار المعلم إلى أن قانون قيصر سيكون فرصة للنهوض الاقتصادي عبر الاعتماد على الذات. ولكن، أين شروط الاعتماد على الذات، وأين البنية التحتية والاقتصاد البديل؟ أولم تكن سنوات الحرب التسع كافية للحكومات المتعاقبة للاعتماد على الذات، عبر تطبيق مبدأ الشفافية ومشاركة الجميع في القرار للبحث في بدائل في مجال الطاقة وإعادة عجلة الإنتاج إلى معامل القطاعين العام والخاص، التي توقفت بسبب عدم قدرتها على منافسة المنتج الأجنبي الذي أغرق الأسواق قبل الحرب وبعدها؟ وفَّرت الحرب “فرصة” للحكومة، للاعتماد على مصادر الطاقة البديلة، التي تبناها الأفراد وسبقوا الحكومة في تشييد تجهيزاتها، ودفعوا من مدخراتهم لتأمين الكهرباء لمنازلهم أو عياداتهم أو ورشهم الصغيرة، لكن الحكومة لم تقتدِ بمواطنيها. كانت تلك فرصتها، لكنها الآن تدعو المواطنين إلى اقتناص هذه الفرصة لقلع الورود وزراعة شتول البطاطا والبندورة والكوسا على شرفات منازلهم، لعلها تزهر لهم بعض الفرح، الذي لن يغني عن جوع.
درج
——————————-
ترامب يهزم الأسد ببطء..وبأقل خسائر ممكنة
بعد عامين من الاحتفال بالنصر في الحرب الأهلية السورية، يواجه نظام بشار الأسد اضطرابات متجددة. هناك تمرد صغير في محافظة درعا، مسقط رأس ثورة 2011. مظاهرات عاصفة جارية في السويداء المجاورة. الاقتصاد يندفع نحو الهاوية.
تتساءل مجلة “فورين بوليسي” الأميركية في تقرير بعنوان: “سياسة ترامب في سوريا تنجح”، ما الذي تغير في عامين قصيرين؟ وكيف تحول انتصار الأسد إلى كارثة؟
وتجيب “فورين بوليسي” على التساؤلات قائلة إن الذي تغير هو “سياسة إدارة ترامب بشأن سوريا. إن تطبيق ضغط هادئ ولكن لا هوادة فيه يحول انتصار الرئيس السوري إلى رماد. ما لم تفعله (إدارة ترامب) بعد هو إقناع روسيا بالتوقف عن دعم نظام الأسد، مما يعني أن الاستراتيجية لا تزال في حالة جمود”.
عندما قال المبعوث الأميركي الخاص لسوريا جيمس جيفري، في 12 أيار/مايو، إن وظيفته كانت جعل سوريا “مستنقعاً للروس”، ذهب التعليق دون أن يلاحظه أحد. اتضح أن كلمات جيفري لم تكن تهدف فقط إلى التعبير عن إحساس عام بمعارضة للخطط الروسية في سوريا. ذهبت العناوين إلى منحى آخر عندما تحدثت عن سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى منع عودة الحياة الطبيعية إلى سوريا التي يسيطر عليها النظام، وإثارة أزمة متجددة، وبالتالي تحويل سوريا من وديعة إلى عبء على كل من موسكو وطهران.
وبحسب “فورين بوليسي”، فالطريقة الرئيسية لتحقيق هذه الأهداف كانت خنق الاقتصاد السوري. الأسد بحاجة ماسة إلى المال لإعادة البناء. لكن حلفاءه الرئيسيين لا يملكون المال ليعطوه. إيران تعاني حالياً من: العقوبات الأميركية، الرد الكارثي على جائحة كورونا، تكلفة الالتزامات الإمبراطورية في اليمن وأفغانستان والعراق وسوريا ولبنان وغزة، وفقدان الرجل الذي أدار تلك الالتزامات اللواء قاسم سليماني. تواجه روسيا انهيار أسعار النفط والغاز، فضلاً عن العقوبات.
خلقت الحاجة الملحة لإعادة الإعمار وغياب الأموال مشكلة للنظام الأسد كانت الولايات المتحدة تعمل عليها بجد. أولاً، حافظت الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي على جبهة موحدة للمطالبة بعدم إتاحة أي أموال لإعادة إعمار سوريا طالما أن النظام يرفض “انتقال سياسي شامل وحقيقي، يتم التفاوض عليه من قبل الأطراف السورية في النزاع على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهو طريق طويل للقول إنه “طالما رفض الأسد التفاوض على رحيله، فإن نظامه لن يحصل على أي أموال”، بحسب المجلة.
ثانياً، تعتزم الولايات المتحدة عرقلة أي طرق هروب اقتصادي محتملة للنظام. بدأ سريان عقوبات “قيصر” ضد الحكومة السورية في 17 حزيران/يونيو. وستعاقب بشدة الأطراف التي تتعامل مع الأسد في سوريا.
ثالثاً، تعمل الولايات المتحدة على منع انتصار عسكري نهائي للنظام. على الرغم من الحديث عن أن الحرب “تتراجع”، لا يزال الأسد وحلفاؤه يسيطرون على حوالي 60 في المئة فقط من سوريا. حوالي 15 في المئة في أيدي الأتراك وحلفائهم الإسلاميين الذين بدأوا مؤخراً في استخدام العملة التركية في تلك المناطق، بدلاً من الليرة السورية المنهارة. وتسيطر قوات سوريا الديموقراطية (قسد) الموالية للولايات المتحدة والأكراد على 25 في المئة إضافية.
وتقول المجلة إن الهدف المباشر لسياسة إدارة ترامب بشأن سوريا -التي نشأت من مكتب وزير الخارجية مايك بومبيو وبإدارته- هو ضمان قبول النظام بوقف إطلاق نار غير محدود. سيؤدي ذلك إلى تجميد خطوط المعركة الحالية في مكانها والسماح ببدء مفاوضات حول المستقبل السياسي للبلاد. الانتخابات الحرة ومغادرة الأسد هي ما تأمل الولايات المتحدة في أن تنتهي المفاوضات، لكن واشنطن ستحتفظ بالقدرة على الضغط الاقتصادي صعوداً أو هبوطاً، اعتماداً على مدى تعاون الأسد وروسيا.
في غياب مثل هذا التعاون، سيستمر، بحسب “فورين بوليسي”، الوضع الراهن المتوتر في سوريا. وهذا يشمل الندرة المتزايدة للسلع الأساسية للمدنيين السوريين وانهيار العملة السورية. كما يشمل الهجمات المسلحة من النوع الذي شوهد في درعا خلال العام الماضي، وتزايد الخلافات في الجزء العلوي من النظام، حيث كافح الأسد مؤخراً لابتزاز الأموال من أفراد العائلة، بما في ذلك إبن خاله الملياردير رامي مخلوف.
بالنسبة للسوريين الفقراء، فإن نتائج كل هذا وخيمة. من المرجح أن يُبرز المتحدثون باسم النظام والمدافعون عنه في الفترة المقبلة الوضع الإنساني الصعب في مناطق النظام ويدعون إلى تخفيف القيود. ولكن من الصعب أن ننسب أي صدق لاكتشاف النظام المتأخر للمخاوف الإنسانية تجاه مواطنيه.
قوات الأسد استهدفت بشكل متعمد البنية التحتية المدنية، بما في ذلك المستشفيات، في حلب في صيف 2012. هذه التكتيكات، التي تم تكرارها في جميع أنحاء البلاد، كانت السبب الرئيسي لخسائر فادحة في أرواح المدنيين خلال الحرب السورية. لم يتم إخبار هؤلاء أبداً بالإنسانية الجديدة التي اكتشفها النظام.
لم تنجح الإستراتيجية الأميركية بعد في هدفها النهائي المتمثل في تغيير حسابات النظام السوري. وبدلاً من ذلك، كانت النتيجة الرئيسية هي الصراع الناشئ بين عناصر مختلفة داخل المعسكر المؤيد للنظام، بما في ذلك الانتقادات الروسية للأسد، والخلاف مع مخلوف، والتوترات المتزايدة بين عناصر الأمن السوري المتحالفة مع إيران والموالية لإيران. لكن استراتيجية من هذا النوع لا تتطلب نتائج فورية. إن التكلفة المباشرة التي تفرضها الولايات المتحدة على الحصار الاقتصادي لسوريا الأسد منخفضة أو غير موجودة.
وتلفت المجلة إلى أن المحيطين بالأسد يمارسون الحروب والسياسة بالوكالة ولا يرحمون لتحقيق أهدافهم. لقد تفوقوا على مدى العقد الماضي على جهود القوى الإقليمية المتحالفة مع الغرب للإطاحة بدكتاتورية الأسد. لكن “كعب أخيل” لهذا المخيم هو ندرة الموارد الاقتصادية. يتم استغلال هذا الضعف الآن، بأقل تكلفة على الولايات المتحدة ودون الالتزامات العسكرية الكبيرة التي يفضل كل من الرئيس ترامب والجمهور تجنبها. الهدف هو تحويل سوريا إلى مستنقع للدكتاتور وحلفائه.
على الرغم من أن الحرب العسكرية في سوريا ربما تكون قد انتهت إلى حد كبير، إلا أن الولايات المتحدة ضمنت بقاء قضاياها الأساسية من دون حل. الجمود الناتج عن ذلك حال دون انتصار الأسد وحلفائه. سيبقى هذا المستقبل العملي الوحيد للبلاد حتى يكون الأسد وحلفاؤه على استعداد أخيراً للتفاوض على الشروط التي يرغب خصومهم في قبولها.
المدن
——————————–
======================
=======================
تحديث 07 تموز 2020
—————————
السياسة الأميركية وقانون قيصر/ عمار ديوب
اشترطت السياسة الأميركية في سورية، أخيرا، ولتسهيل الحل السياسي، ربطه بقرار مجلس الأمن 2254، وبخروج إيران من سورية، ودعم إشراف روسيا على سورية، ومحاربة بقايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ودعم قوات سورية الديمقراطية (قسد) وحزب الاتحاد الديمقراطي (البايادي). وبخصوص تركيا، مكّنت أميركا تركيا في شرق سورية، ودعمتها في إدلب، وكذلك في ليبيا. وأميركا بذلك تدعم تركيا من ناحية وروسيا من ناحية أخرى؛ فالأخيرة أيضاً أصبحت شرق سورية، ومكّنتها من قبل، استعادة درعا.
ليس جديداً هذا، ولو شاءت غيره أميركا لفعلت. ولنتذكّر حينما لوّحت بتدخلٍ عسكريٍّ ضد الجيش السوري في لبنان، فخرج مولياً الأدبار، وكذلك حينما صعَّدت ضد الأسلحة الكيميائية، فسلّمها النظام السوري فوراً. أميركا التي استقر وجودها في شرق سورية، ولم تعد تتأرجح بين مغادرة سورية والبقاء فيها، اقتنعت بأن البقاء في سورية لا يكلفها شيئاً يُذكر، ويسمح لها بمراقبة كل من تركيا وإيران وروسيا ذاتها، وفي الوقت نفسه، تعطي لكل هذه الدول ولسواها الوقت الطويل لتتصارع، وتتهالك! وتستقرّ في مشكلاتٍ لها أوّل وليس لها آخر. لنلاحظ حال إيران المفلسة، وهي تغوص في مستنقعات العراق وسورية واليمن ولبنان وحتى غزة، وكذلك لنلاحظ تركيا التي رفع ترامب عنها العقوبات، كيف تتقدّم في سورية وليبيا والعراق، على الرغم من أن عملتها تعاني بشدّة، والخلافات السياسية الداخلية تتعقد أكثر فأكثر، والأمر ذاته يسري على السعودية والإمارات، وبالتحديد في اليمن وليبيا، وهما تحاولان دعم النظام السوري و”قسد” و”البايادي”.
تراقب الولايات المتحدة المشهد بأكمله، وتدعم هذه الدولة أو تلك، وتورّطها هنا وهناك، وتستنزف اقتصاديات هذه الدول، وفي النهاية: ماذا سيحصل؟ لن تتمكّن أيٌّ منها من الاستيلاء على اليمن أو ليبيا أو سورية. علينا التمهل في فهم أبجديات سياسة أميركا هذه جيداً، والآن يأتي قانون قيصر ليضيف أداة ضغطٍ جديدة على دول المنطقة، وليس على النظام السوري فقط، ذلك أن آثار القانون تتعدّى الشعب السوري، لتشمل المنطقة بأسرها. سيتأثر النظام بالضرورة، فهو سيختنق بدرجةٍ كبيرة، سيما أنه لا يساعد نفسه من أصله، حيث يتشدّد ضد كل أفراد الشعب السوري الذين خارج سيطرته ومن تحت سيطرته، فهو لا يسمح بإعادة الإنتاج الزراعي في الغوطتين مثلاً، وفي درعا أيضاً، كما كانت من قبل.
إفلاس خزينة الدولة السورية، وضعف الإنتاج، والضغطان، الروسي والإيراني، عوامل ستجعل من قانون قيصر الذي يعطي لأميركا الحق بمراقبة كل صلاته الخارجية، وبين مناطقه والمناطق الواقعة تحت سيطرة “قسد” أو تركيا، عاملاً رئيسياً لمفاقمة الوضع الاجتماعي وبنية السلطة كذلك، وستشكل عاملاً ضاغطاً على روسيا، للتفكير مليّاً بخياراتها التحالفية مع إيران، أو مع الشخصيات الرئيسية في النظام السوري. لا قدرة للروس على مواجهة قانون قيصر، وكل السياسة الأميركية في سورية، وهذه السياسة أصبحت مستقرة، وبالتالي أصبح من اللغو بمكان أن يكرّر الروس أنهم شرعيون في سورية وسواهم محتل! يدعم هذه الفكرة أن روسيا ذاتها أقرّت لتركيا بمناطق واسعة في سورية، وتنسق مع الأميركان بشكل حذر في شرق سورية، وهي ذاتها من تسمح لإسرائيل بقصف المواقع الإيرانية في سورية. وبذلك، بعد أن حددت الولايات المتحدة سياساتها في سورية، يقع على روسيا الضعيفة أن تتقدّم بمبادرةٍ تتجاوز ثرثرات اللجنة الدستورية، أو إبقاء الوضع في الثلاجة إلى الانتخابات الرئاسية في سورية 2021، أو “مكابشة” أميركا في سورية، وتجاهل آثار قانون قيصر، وقطعه العلاقات الخارجية مع النظام السوري، وهذا يشمل لبنان والعراق والإمارات والأردن وسواها.
لنفترض أن الروس، وعلى عادتهم، رفضوا الذهاب إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، كما يرغب ويكرّر الساسة الأميركيون، وأن ذلك هو حبل الخلاص لهم، وبدونه فإن قانون قيصر لن يُعلق، وعقوباته ستفاقم الوضع، والروس سيتورّطون في أرض سورية وقد أصبحت مستنقعاً، وهو ما قاله المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري. وقد قرّب الرفض الروسي الشروط الأميركية للتغيير في سورية، ومنذ سنوات، بين تركيا وأميركا، وأجبر روسيا على الاعتراف لتركيا بدورٍ مركزيٍّ في سورية، والآن في ليبيا، وإذا استمرت روسيا في الرفض، فقد تخسر حتى ما حصلته من النظام السوري ذاته، وبالطبع سيطرد السوريون الروس في المستقبل. المشكلة هنا أن نتائج الرفض الروسي ستزيد معاناة السوريين، داخل سورية وخارجها. في الداخل ستتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بشكلٍ مهول، سيما بعد عشر سنوات من الفشل، وبعد إبعاد رامي مخلوف عن الاقتصاد والنظام، وتهديده بأن الاقتصاد سينهار وهو ما يحدث الآن، وبالتدريج.
تدير أميركا الصراع، ولم تعد تفكر بالانسحاب، وهي تترك للدول المحيطة بسورية الفرص لتوسيع سياساتها هنا وهناك، وكي تتورّط وتغرق في المشكلات، وهي جميعها فاشلة وطنيّاً. ولهذا أسبابه المحلية والعالمية، والقضية لا تُفسّر بآثار كورونا أو انخفاض سعر النفط فقط، حيث تأثرت اقتصاديات الدول بهما، إنما تكمن في سياسات أميركا الشعبوية، والصراع مع الصين، والتأزم الكبير في الاقتصاديات العالمية والسياسات العالمية. دلالة ذلك، يمكن رصده في مراقبة الخلافات بين أميركا وأوروبا، وبين أميركا وروسيا، وبين أميركا والصين، وهكذا.
الوضع الاقتصادي والاجتماعي السوري متدهور بشدة، ومنذ سنوات، وهناك تدخل روسي إيراني كبير في البلاد، وفي تفاصيل السلطة السورية، ويشمل ذلك الجيش والأمن، وحتى مؤسسة الرئاسة. وإذا كانت روسيا تحاصر إيران وبالتدريج، فإن المطلوب أميركيا إخراج إيران من سورية. يخوض الروس معركتهم مع إيران بالتدريج في سورية، وفعلاً يستولون على مناطق واستثمارات كثيرة، وأصبحوا اللاعبين الأكبر في التفاصيل أعلاه. وبالتالي، في مقدور روسيا أن تستجيب للشروط الأميركية، والتي من ضمنها تسليم سورية لها! وبالتالي هل تعي روسيا الشروط المعقدة التي حاكتها لنفسها في سورية؟
القيصر الأميركي في مواجهة القيصر الروسي، وهذا يفاقم معاناة الشعب السوري التي تعلمها جيداً أميركا، بل مصلحتها في تدمير سورية كما فعلت في العراق، وهذا سبب مركزي لصمتها عما حدث في سورية، منذ 2011 خصوصا. ولم تتدخل إيران أو حزب الله أو روسيا أو تركيا في سورية إلّا بغطاءٍ أميركي. وعلى الرغم من التراجع النسبي لسيطرتها على العالم، ما تزال أميركا تدير الصراعات فيه، إن لم نقل تقودها. في سورية، ومع قانون قيصر وقبله، كل سياسات أميركا، وبدءاً بمنع إسقاط النظام، أو عدم تسليم المعارضة سلاحاً مضاداً للطائرات، وما ذكر أعلاه، نقول تلك السياسات، كان غرضها تدمير سورية، وعلى المستويات كافة. قانون قيصر يفاقم مأساة سورية، ويعطي للأميركان ورقة جديدة، للضغط على دول المنطقة وابتزازها أكثر فأكثر، حيث ستضطر كل دولة تتعامل مع النظام السوري أو مجاورة له، وتقيم علاقات تجارية معه بموضوع الأدوية أو الأغذية وسواه، أن تأخذ الأذن من الأميركان تحديدا.
الكرة عند بوتين، فهل يغير من سياسات دولته، وقد أحكمت أميركا الخناق عليه في سورية، وأعطته إمكانية رفع الحبل عن عنقه، وضمها إلى إمبراطوريته؟. لنرَ.
العربي الجديد
————————————-
قانون قيصر والوطنية السورية/ كمال شاهين
محاولة لمقاربة تفكك “الوطنية السورية”، بناء على عوامل بنيوية اصيلة وبفعل ممارسات النظام القائم وما تفرضه الحروب والتدخلات الاقليمية والدولية من نتائج.
منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي وحتى اندلاع الحراك في سوريا العام 2011، ساهمت العقوبات الأميركية في تحقيق شكل من أشكال “الوطنية” والتضامن بين السوريين، روّجت لها السلطة على أنها “مقارعة للمؤامرات والمخططات المشبوهة على اﻷمة العربية وليس على سوريا فقط، وتجسيد لصحة النهج الوطني”، بغض النظر اﻵن عن كون هذا التضامن مفروضٌ على الناس ومنسوج على نول السلطة بشكل قمعي يحتكر كل أنواع الاجتماع.
في سياق تلك العقوبات، يأتي قانون قيصر الذي بدأ سريانه منتصف حزيران الحالي. إلا أنه يأتي هذه المرة في ظروف مختلفة كلياً على البلاد، سواء بداخلها أو في محيطها اﻹقليمي والدولي. يعني ذلك أن عدواناً جديداً كهذا سيكون له مفاعيل مختلفة، أبرزها انتقال الصراع السوري – السوري الى عتبات جديدة قد تؤدي إلى تقسيمٍ (ناعم) للبلاد في ظل غياب أي مشروع وطني جامعٍ للسوريين.
سياق الوطنية السورية
حتى اليوم، ما يزال مفهوم الوطنية السورية غائماً، يصعب وضعه ضمن منظومة محددة الملامح. ولا يتعلق اﻷمر بالمنتج الفكري (الديماغوجي) للبعث الذي وضع العروبة واﻹسلام والوطنية في بقجة واحدة، بل هو يرتبط بالممارسة اليومية في السياسة والاقتصاد وغيرها. ويمكن رؤية ما جرى في سنوات الحرب السورية الفائتة على أنه تجسيدٌ حيٌّ لهذا الضياع.
في إطارها المرجعي، وكما في كل مكان آخر، تضم الوطنية في سوريا تنويعة من الهويات الفرعية القائمة في المجتمع، وهذا ما يجعل واقعية وحياة الوطنية السورية واستقرارها منوطان بالتعددية في جانبها اﻷكثر ضرورة للحياة المشتركة.
لقد أثّرت بنية المجتمع السوري، المتناقضة على مستويات متعددة، أفقية وعمودية، حضرية وريفية، مدينية ودينية وطائفية وعشائرية وغيرها.. على مسار تشكّل الهوية الوطنية إذ تحوّلت إلى عناصر إعاقة بسبب استخدامها وتوظيفها من قبل السلطات الحاكمة التي مارست تخريباً ممنهجاً لعلاقات تاريخية مجتمعية واستبدلت تطوراً طبيعياً بآخر مشوّه مبنيٌّ على الولاء والبراء السياسي والديني.
يمكن للإنسان أن يحمل هويات متعددة (دينية أو قومية أو ثقافية أو مناطقية…الخ)، إلا أن المواطنة الفاعلة تتأسس في فضاء دولة جامع ومفتوح، يُفترض به تعريفاً ومبدئياً أن يقبل الآخر أياً تكن هويته.
بالمقابل، لم تستطع البنى المقدّمة كبدائل في الممارسة اليومية (تجربة المزارع الاشتراكية في السبعينيات وكذلك الحزب أو التنظيمات “الجماهيرية” المختلفة) أن تقنع الناس بالخروج من عباءات الجغرافيا والتاريخ. فقد كان تأثيرها ضعيفاً بحكم تشوهها اﻷصلي الناجم عن نقلها عن تجارب شعوب أخرى وتحوّلها في الممارسة إلى شكليات فارغة الجوهر أعادت إنتاج العلاقات القديمة بثوب جديد.
يرى بحث حديث حول سوريا (1) أن علة العلل في سوريا ما بعد الاستقلال هي تشتت “هوية” التيارات السياسية نتيجة اختلاف المرجعية الفكرية (المشروعة) واختلاطها بعلّة العشائرية والإثنية على أرض الواقع، وتَعارض مصالح البرجوازيات الجديدة الحاكمة والبرجوازية ذات الأصول الإقطاعية. وبالتالي فقد بقيت مسألة الهوية والانتماء الوطني موضوعاً للانقسام والتناحر بين الأحزاب السياسية، وهو ما لم يسمح بالاتفاق على قواعد إدارة العملية السياسية، وبناء مؤسسات دولة جميع المواطنين.
لقد استثمرت السلطات السورية في البنى اﻷولية للمجتمع، وساقتها بالاتجاه الذي ترغب به، وما تزال تفعل إلى اليوم، دون أن تقودها إلى الوطنية التي تحقق اﻹنتماء الفعلي (القانوني واﻹنساني). فقد بقي صراع الكتل الدمشقية ـ الحلبية على قيادة البلاد معلماً رئيسياً من معالم تشكيل الحكومات التالية للاستقلال، وكان استبعاد الريف (واﻷقليات) من صناعة القرار الوطني، بما في ذلك ما يتعلق بشؤونه اليومية (الزراعية والإنتاجية)، أحد اﻷسباب التي قادت إلى انفجارات متتالية آخرها عام 2011.
الوطنية في سنوات الجمر
يوجد اليوم في سوريا ثلاث إدارات سلطوية كُبرى (إن لم يكن أكثر) تعمل إلى حد كبيرٍ بالتضاد مع بعضها البعض، ولكل منها رؤيتها لسوريا الحالية والمستقبلية، ولكلّ منها “وطنيتها” وأسبابها التي تزاود بها في علاقتها مع الآخرين.
تفككت “شرعية” السلطة المركزية بعد تفكك شرعيات مؤسسات الدولة وفقدان ثقة الناس بها وباعتماديتها، ليس في المناطق الواقعة خارج سيطرتها، حيث تم تدمير كثير من مؤسسات الدولة بقصدية واضحة (صوامع الحبوب مثالاً)، بل في مناطق سيطرتها، حيث تفشى الفساد والاعتقال العشوائي والنهب المنّظم والابتزاز والتعفيش والسرقة، مع تنامٍ كبير لسلطة الميليشيات العسكرية..
وفي المناطق، تراجعت فيها قدرة مؤسسات الدولة على تلبية احتياجات السكان اليومية، في ظل تقطع شرايين البلاد الاقتصادية والمعارك الطاحنة على امتداد 60 في المئة على الاقل من البلاد، خاصة بعد نزوح ملايين المهجرين باتجاه مناطقها (مما تقّدره مصادر أممية ب80 في المئة من السكّان)، مترافقةً مع ارتفاع كبير في أعداد ضحايا الحرب، والشباب أولّهم جراء استنزافهم على مدار عقد كامل من قبل المؤسسة العسكرية وميليشياتها، مع ما يشير ذلك اليه من تسارع في الفقد السكاني ﻷهم شريحة منتجة في المجتمع، وازدياد انتشار شرائح أكثر اعتماداً على اﻹعانات ودعم الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني (غير المعترف بعملها رسمياً) على حساب كثير من مؤسسات الدولة التي أصبحت شبه خاوية من الموظفين والمنتجين.
هياكل محلية جديدة: مؤقتة أم دائمة؟
إلى جانب فقدان السوريين ثقتهم بالدولة وشرعية مؤسساتها، أتاحت اﻷزمة الطاحنة منذ 2011 ظهور عدد كبير من هياكل السلطات المحلية في مختلف المناطق، بما في ذلك مناطق سيطرة الحكومة، قدّمت نفسها على أنها بديل (شرعي ووطني) للمؤسسات السابقة الموسومة بالفساد وشبكاته. ومع مرور الوقت، أصبحت سلطةٌ يوميةٌ حاضرة وفاعلة، ومتجّذرةٌ في بيئتها بحكم فراغ السلطة المركزية من جانب، وبحكم كونها بديلاً أكثر تماساً مع حاجة الناس.
كانت التجربة اﻷكثر وضوحاً لظهور مؤسسات وهياكل بديلة للدولة، تجربة اﻹدارة الذاتية لشرق وشمال سوريا، حيث طبّقت نموذجاً مختلفاً تماماً عن نموذج الدولة السورية التاريخي (الاشتراكي ـ المركزي) وأعادت هيكلة المؤسسات في منطقة واسعة تشمل ثلاثاً من أغنى المحافظات السورية بالموارد، الحسكة والرقة وشمال حلب، ودمجتها في نظام فيدرالي واسع الصلاحيات ضمن كيان يُدار من قبل مجلس أعيان مشترك القوميات. كما شكّلت نوعاً من اﻹدارة لموارد ومكوّنات المنطقة، يختلف كلياً عن التوجه المركزي السابق الذي شاب إدارته اﻹهمال والفساد لسنوات طويلة. وهذا خلق نموذجاً استطاع الحياة عبر سنوات الحرب بمعزل عن الخسائر في البنية التحتية، دون نسيان أن الاحتلال التركي، لمساحات واسعة من المنطقة والعمليات العسكرية المتتالية منذ العام 2016 على تلك المناطق، تسبب في وقوع تحولات كثيرة في بنية تلك التجربة. وصحيح أن تلك التجربة ما كان لها أن تستمر في الحياة لولا الدعم اﻷميركي وتوفير نوع من الغطاء اﻷمني لها، في ظل صراعات مستعرة بالقرب منها، ورفض لها من قبل الحكومة المركزية التي رأت فيها انقلاباً على شرعيتها من جانب، وانقلاباً على نموذجها في إدارة البلاد عبر المركزية المفرطة.
كانت العلاقة مع دمشق واحدةً من المسائل الرئيسية في دعوة الإدارة الذاتية إلى تشكيل مفهوم جديد للوطنية في الدولة القادمة، مبني على تصوّر مختلف عن التصور القومي العربي البعثي المنشأ، يتمثل في الاعتراف المطلوب بوجود قوميات أخرى (ليس الكُرد وحدهم) ولغات أخرى (السريانية والكُردية وغيرها)، وثقافات أخرى. حتى أن بعضاً من هذه العناصر تقع خارج المنظومة الإسلامية الرسمية (اليزيدية مثلاً)، وهو ما تمّ تظهيره في تلك التجربة، على الرغم من وجود بعض التطلعات القومية الكُردية نحو الانفصال.
التحدي الثاني للوطنية السورية بمعناها القومي ـ البعثي جاء من مناطق سيطرة المعارضة المسلحة على مناطق شمال وغرب البلاد (إدلب والباب وتل أبيض وغيرها)، حيث تمت تنحية الوطنية السورية لصالح عصبيات ما قبل وطنية، إسلامية بالدرجة اﻷولى، تقبل الاحتلال التركي وتدافع عنه وتتعامل معه بالضد من بقية الهويات اﻷخرى. يتضح ذلك في عملية إسكان مهجّري ريف حمص والقلمون في مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية، ومشاركة مقاتلي المعارضة المسلحة في عمليات الجيش التركي ضد “قوات سوريا الديمقراطية” واعتبارها إرهابيةً وفق التصور التركي، وكذلك عملياتها ضد الجيش السوري في مناطق مختلفة.
أحد أوضح خسارات الوطنية السورية جاء من قبول سكان تلك المناطق التدابير التركية في استبدال العملة الوطنية بالليرة التركية (وهو ما يجري على قدم وساق هناك)، سبقها، التأسيس لبنية تحتية مرتبطة بالدولة التركية من الاتصالات والتعليم والطرقات والشؤون المدنية والاقتصادية، وهو ما يؤشر إلى وقوع قطيعة مع المتحد السوري المعرّف بحدود سايكس بيكو. وهذا يقود إلى سهولة تحقق التقسيم الناعم في قادم الوقت، بخروج مناطق واسعة من البلاد من إمكانية الدخول في الحل السياسي.
قصف البلاد ومعاركها
ظهر الخلاف بشكل حاد في كثير من الأحداث، بدءً من أسماء الأسابيع (الثورية) وصولاً إلى الضربات اﻷمريكية واﻹسرائيلية والروسية في البلاد.
على سبيل المثال، وإثر تناقل تقارير عن تجدد استخدام الأسلحة الكيميائية في غوطة دمشق (7 نيسان/ابريل 2018) من قبل قوات الحكومة، تعرّضت البلاد إلى عدة ضربات جوية ـ أمريكية – بريطانية – فرنسية، بموافقة روسية، وهو ما خلق استقطاباً حادّاً بين السوريين داخل وخارج البلاد، وحتى داخل الصف الواحد، موالاةً ومعارضةً، بين مؤيّد للضربات ورافض لها، ولكل منهم أسبابه المُفزعة بالنظر إلى كونهم جميعاً سوريين! وتُظْهر هذه اﻵراء الشرخ الكبير لنسيج الاجتماع السوري، وتحلّل مفاهيم الانتماء والشرعية والسيادة الخ.
في السياق نفسه، تشير المعارك المستمرة في مناطق إدلب وريفها إلى معضلة وطنية أخرى أشدّ التباساً. فهناك جيشٌ وطني كما يُفترض (تدعمه روسيا بحدود معينة) يقاتل القوات التركية التي تعضدها قواتٌ سوريةٌ معارضة (إسلامية الطابع). وهناك اليوم من يستميت بالدفاع عن الوجود التركي في مناطق إدلب وريف حلب، ولا يعتبره احتلالاً مثلما يعتبر الروسي واﻹيراني واﻷميركي. وهناك من يرى أن الوجود الروسي منع انهيار الدولة السورية، دون أن يعتبره احتلالاً، وكل هذا يشير إلى حجم تجاذبات وصراعات “الوطنية السورية” واصطفافاتها في قلب الصراعات اﻹقليمية والدولية.
نموذج آخر تختلط فيه “الوطنية” مع الوضع اﻹقليمي والدولي، يظهرمع الضربات الجوية اﻹسرائيلية على مواقع القوات اﻹيرانية في البلاد، وآخرها ما حدث في السويداء ودير الزور. ولكثير من السوريين (بمن فيهم موالو النظام)، فإن الوجود اﻹيراني في البلاد أصبح عبئاً، ليس بسبب الضربات اﻹسرائيلية فقط، بل وبسبب ما فعلته القوات اﻹيرانية في سياق الحرب السورية من إشعال للنيران الطائفية (ومثلها فعلت قوات المعارضة). وإذا كان بعضهم (موالاة ومعارضة) يفهم الوجود الروسي ويتقبله (مؤقّتاً على الاقل) كبوابة للحل السياسي، فإنه من غير المقبول مثلاً أن تتدخل إيران في صياغة المناهج التعليمية السورية و”تحديثها”! وتصبح علاقة التبعية بين دمشق وطهران مرفوضة من قبل سوريين يرون في علمانية ومدنية مستقبل بلدهم شرطاً أساسياً للدخول في حل سياسي. ويتوافق في هذا اﻷمر بقايا التيارات العلمانية والقومية وحتى اﻹسلامية.
إلى جانب ما سبق، هناك قضايا لا تقل أهمية جعلت من الوطنية السورية موضع سؤال وشك، فالتعامل مع قضية المهجّرين والنازحين غلبت عليه الحسابات السياسية دون الوطنية من جانب النظام، تجّلت في توجيه النازحين إلى مناطق محددة، وبالمقابل تم استخدام المهجّرين في تغيير ديموغرافية مناطق الشمال السوري، وهو اﻷمر نفسه الذي جرى لبعض المكونات العربية في مناطق الإدارة الذاتية. هذا لو تركنا جانباً المقولة الاستعمارية الموطنة محلياً كرد فعل على النزوح الواسع للسوريين الى خارج البلاد، والتي اشارت الى وجود “سوريا نافعة” (هي الموالية) واخرى التخلص منها يجري بلا أسف!
قانون قيصر
بقدر ما يبدو أنّ “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين” ـ اسمه الرسمي ـ موجّهٌ ضد دمشق، إلا أنه موجّه بالوقت نفسه ضد روسيا وإيران، ويصب دون شك في مصلحة إسرائيل التي تشارك بفاعلية في صياغة التوازنات المحيطة بدمشق وأطراف الصراع السوري اﻷخرى. يشترط القانون في أحد أبرز بنوده خروج إيران من الأراضي السورية، وهو الطلب المتفق عليه عربياً وأميركياً وأوروبياً وإسرائيلياً، مع الانتقال إلى عملية سياسية سوريّة منبثقة من القرار 2254، وما يقتضيه ذلك من تغييرات في قلب تكوين النظام السوري. وﻷن هذا الأمر يخضع لصراعات القوى اﻹقليمية والدولية وتوازناتها، يُستبعد أن تنفذه دمشق.
كان هناك ترحيبٌ من شخصيات المعارضة البارزة بالقانون باعتباره نتاج نضالهم (الوطني!)، وهي كذبة أنتجوها وصدقوها، وهم من كان يطالب بالتدخل الخارجي منذ سنوات، ويدركون تماماً أن القانون إياه ناتج عن الاستخدام السياسي للمأساة السورية في أسوأ صورها، ويعرفون تماماً ـ مثلهم مثل النظام ـ أن استجابة دمشق للشروط الموضوعة من قبل واشنطن سوف لن توقف تنفيذ القانون، وأن المطلوب استمرار إنهاك البلاد ووصول ما بقي منها إلى ما وصل إليه العراق بعد أكثر من ربع قرن على حصاره، وتنفيذ “قانون النفط مقابل الغذاء”.
ترافق بدء تطبيق قيصر مع اتفاق كُردي ـ كُردي (أوّلي) يُفترض أنه طوى صفحة خلاف تاريخية بين “المجلس الوطني الكُردي” وأحزاب “الوحدة الوطنية الكُردية” (25 حزباً) بدعم وتنسيق أميركي، على الضد من الرغبة التركية. كان اللافت في الاتفاق قوله أنه “تمهيدٌ لاتفاقات تضم مختلف القوى السياسية السورية بغض النظر عن انتمائها القومي” ـ حسب نص الاتفاق ـ وهو ما يبدو “إيجابياً”، لولا أن هناك تصريحات أميركية تقول بعدم تطبيق قانون قيصر في الشمال السوري (وهو ادّعاء يكّذبه وضع الليرة السورية هناك)، وهو ما يعني صبّ مزيد من الشقاق بين السوريين (مولاةً ومعارضة) في وجه الكُرد، والتسبب بمزيد من الاشتعال في منطقة مشتعلة أصلاً. كل ذلك يجعل من التقسيم أمراً واقعاً في ظل الحديث عن اللامركزية والكونفدرالية وغيرها.
على جانب دمشق، فإن القانون الذي يقيّد حركة كل نشاط مالي، تسبب قبل بدء سريانه بتدهور اقتصادي غير مسبوق، جعل من الواقع المعيشي للسوريين المنكوبين بالحرب (وتوقف النشاط الاقتصادي بسبب جائحة كورونا)، نكبةً مضافة. فلم ترتفع أسعار السلع فقط، بل اختفى قسم منها (400 صنف دوائي)، وبدأ الناس يحجزون صباحاتهم ﻷجل ربطة خبز واحدة، وﻷجل تأمين قوت يومهم بعد فقدان الليرة لحوالي 70 في المئة من قيمتها.
وعلى الرغم من هذا التسارع في تدهور الاقتصاد (والسياسة)، فإن حكومة دمشق وجدتها فرصة لدعوة السوريين إلى مزيد من الصمود والصبر والوقفات التضامنية ضد قانون قيصر، وكأن ما خبروه في السنوات الفائتة لم يكن صموداً! تصريحات مسؤوليهم المنفصلين عن الواقع إلى درجة الدعوة إلى انتخابات لمجلس الشعب ظهر فيها اختراعٌ ديمقراطي جديد اسمه “الاستئناس” سيأتي بالمنتفعين والفاسدين من جديد إلى قبة المجلس. هو استمرار للسياسات القديمة في التعامل مع الواقع الجديد، سواء عند إجبار الموظفين على الخروج اﻹجباري إلى الوقفات التضامنية تلك، أو في الزخ اﻹعلامي الذي يتغنى بصمود من ليس في يدهم أي خيار سوى محاولة الحياة.
يمكن القول، إن “الوطنية السورية” في حالها الراهن، هي في أسوأ وضع لها منذ الاستقلال، وأنها قد تودي بوجود الكيان السوري بشكل لا رجعة فيه. ويشير لقاء روسي جرى مؤخراً مع شخصيات علوية معارضة إلى أن اﻷمر ليس مجرد تخمين، بقدر ما بدأ يتحول إلى سياسات دولية معلنة، ولنا في العراق “أسوةٌ حسنة”.
______________
1-خلود الزغيّر، “سورية الدولة والهوية: قراءة حول مفاهيم الأمّة والقومية والدولة الوطنية في الوعي السياسي السوري” ( 1946-1963)، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ، 2020 بيروت.
السفير العربي
————————————-
طفح الكيل؛ وأزِفَ الحساب!!/ يحيى العريضي
لعل إحدى تجليات الكوميديا السوداء في المأساة السورية هو تعامل ما يُسمّى بالعالم “المتحضر” مع الضحايا السوريين الأبرياء من منطلق “أبناء الست، وأبناء الجارية” مقارنة مع نظرائهم اليهود الذين قُتلوا في معسكر “أوشفيتس”؛ حيث أصبحت محارق اليهود “الهولوكوست” لازمة الشعراء يستحضرها العالم الغربي؛ بينما مآسي السوريين غير المسبوقة في التاريخ هي من المنسيات في أذهان وضمائر من يدعي حرصه على الإنسانية.
لقد لاحق اليهود رجالات النازية وعملاءها وأدواتها وكل مَن تحالف معها في أربع أصقاع الأرض. هناك مَن بلغ التسعين من عمره؛ وكان مع النازية؛ واستطاعت الأيدي الصهيونية من الوصول إليه، والاقتصاص منه. وحتى هذه اللحظة، يستمر ابتزاز ألمانيا بمئات ملايين الدولارات إثر تلك الفعلة.
حَدَثَ ذلك رغم أن ما حصل لليهود على يد النازية، و”الهولوكوست”-المحرقة- التي حلّت بهم؛ يكاد يكون تفصيلاً مقارنةً بما حلّ بالسوريين. أكثر ما يلفت الانتباه بالقصة السورية، والموقف العالمي تجاهها على صعيد إعلامي وسياسي؛ هو أنه حتى أعمق وأقسى التوصيفات لما تعرّض له السوريون، لم تستخدم عبارة “هولوكوست”؛ وكأن هذا التوصيف محتكرٌ حصراً لليهود، ولا يحق حتى لمن عاشوه أن يستخدموا العبارة؛ علماً أن “المحرقة” التي ولّدت العبارة قد عاشها السوريون مرات في أفران صيدنايا على يد نظامهم الذي يحمل هويتهم. ولا ندري إذا أوحت الخمس وخمسون ألف صورة لسوريين قضوا تحت التعذيب خلال أقل من عامين فقط، بشيء يشبه الهولوكوست! ماذا عن الآلاف في السنوات السبع الماضية؟ هل دامت أفران حرق اليهود تسعة أعوام؟ هل تشرد من اليهود اثنا عشر مليون إنسان؟ هل دمرت النازية النسيج الاجتماعي اليهودي؟ هل استدعى هتلر ميليشيات من كذا دولة لقتلهم؟ هل استدعى احتلالين بطائراتهم وفرق قتل متخصصة لسحقهم؟ والسؤال الأغرب؛ ماذا إذا ثَبُتَ أن أحفاد من قضوا في الهولوكوست من اليهود كانوا جزءاً من حماية من ارتكب الهولوكوست السوري بشكل مباشر أو غير مباشر؟ هل يقلل ذلك من قيمة الهولوكوست على يد هتلر، ويدعو للشك به؟ حقيقة لا نريد أن نصل إلى ذلك؛ وما نتطلع إليه ليس إلا الإنصاف والعدالة.
باختصار الهولوكوست السوري لا يقل اطلاقاً عن ذاك الذي أصاب اليهود؛ بل يفوقه بالتأكيد؛ ولكنه لم ينل الانتشار والزخم الذي ناله. يبدو أن الفرق الأساس بينهما يكمن بردة فعل من لحقهم الهولوكوست؛ فكما ذكرت أعلاه اليهود يلاحقون النازيين حتى الآن. ومن هنا على السوريين أن يبدؤوا من الآن بالتفكير بمقاصصة مرتكبي الهولوكوست بحقهم، أكان ذلك المجرمون المباشرون أم أولئك الذين مدوا يد العون لهم. فكما تم إحصاء وتحديد 283 شخصية مجرمة من منظومة الأسد، لا بد من تحديد تلك الجهات الإيرانية والحزبلاتية والروسية التي ساهمت بارتكاب الهولوكوست السوري. لقد استكبرت حقائق التاريخ الكبرى على حكام الكرملين وقُم، الذين يؤمنون بشريعة الغاب لدرجة أنها أعمت بصرهم وبصيرتهم، حيث يعتقدون أن قوتهم التي راكموها بتعسفٍ على حساب رفاهية شعوبهم تخولهم أن يعاقروا القتل العشوائي ضد المدنيين السوريين العزل؛ وأن يتفاخر قادة جيوشهم علناً وتقيّة بأن أجساد السوريين كانت دريئة لاختبار ترسانة أسلحتهم.
لقد نسي هؤلاء أو تناسوا أن التوثيق في عصر العولمة لن يترك جرائمهم تُسجل ضد مجهول، بل إن كل أفعالهم الشائنة بحق أطفال سوريا قد دخلت في سفر الإجرام، ولن تسقط عقوبته بالتقادم. وعلى سبيل المثال لا الحصر، عندما ارتُكِبَت مجزرة حماة عام 1982 لم يسمع العالم الخارجي بتفاصيلها الاَّ بعد مرور زمن طويل على ارتكابها؛ بينما يتم الآن النقل المباشر للمجازر الجماعية التي يقترفها المحتلون الروس والإيرانيون بحق الشعب السوري. فهل يعتقد هؤلاء أنهم ناجون من القصاص للدم السوري الذي سفكوه بأعصاب باردة.
على هؤلاء أن يتذكروا أن ذاكرة الشعوب لا تنسى، وأن القصاص قادم؛ وأن أبناء السوريين الذين قضوا على يد هؤلاء السفاحين سوف تلاحقهم وأجيالهم، ولن يجدوا جحوراً في الأرض تتسع لستر ما اقترفت أيديهم بحق الشعب السوري؛ ولتتذكر منظومة الاستبداد وهؤلاء “المؤازرين” أن لهم عبرة برموز النازيين الذين قتلوا اليهود، حيث لم تستطع مجاهل أميركا الجنوبية أن تنجيهم من انتقام ضحاياهم.
أخيراً، بعد الخيبات التي أصابت السوريين، وبعد أن خذلهم الجميع، وبعد أن أشاح هذا الجميع بطرفه عن منظومة إجرامية فعلت بسوريا وأهلها ما فعلت؛ مبرر للسوريين أن يشعروا باليأس والإحباط؛ مبرر لهم أن يتجرعوا الغصّة وراء الغصة؛ مبرر لهم أن يلعنوا كل شيء بعد رؤية فلذات أكبادهم أكوام عظام بعد أمل الانتظار الذي تبخر. إنه الامتحان الأغرب والأكثر بؤساً وهولاً. عزاؤهم الصبر والإيمان والعمل الدؤوب؛ فما من حق يموت، ووراءه مطالب، وأن ما ارتُكب بحقهم لا يسقطه التقادم أو النسيان أو الاتفاقات؛ فالعدالة قادمة، ولو طال الزمن. كل فعل مُسَجَّل؛ وما عند الله إلا العدل؛ وما على صاحب الحق إلا أن يسعى. نيرون مات، وروما باقية؛ كسرى انتهى، وإيران بقيت؛ وهتلر رحل، وألمانيا منارة؛ ودكتاتورية السوفيت تبخرت، وروسيا بقيت؛ وشاوشيسكو دعسه أهل الثوار، و رومانيا عاشت؛ وكل من استباح سوريا من الداخل ومن الخارج، لن يكون مصيره مختلفاً.
تلفزيون سوريا
—————————————
=============================
========================
تحديث 18 تموز 2020
————————————-
اتفاق إدلب في حساب قانون قيصر/ بشير البكر
جاء اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب بين روسيا وتركيا، مطلع مارس/ آذار الماضي، ليشكل انعطافة مهمةً في مسار المسألة السورية، ذلك أنه لاحت لأول مرة منذ عام 2011 بارقة أمل لحل سياسي. وشكل صمود وقف النار إنجازا سمح بوقف عمليات القتل والتدمير والتهجير القسري التي مارستها روسيا وإيران والنظام السوري. وكانت حصيلة الأعوام الثلاثة الأخيرة كارثيةً على هذا الصعيد، واستقبلت إدلب نحو ثلاثة ملايين مهجّر، أكثر من مليون منهم يعيشون في مخيماتٍ عشوائية على الحدود السورية التركية، ويعتمدون في قوتهم على المساعدات الإنسانية التي ظلت تتراجع حتى باتت تشبه الرمق الأخير، بسبب فيروس كورونا وسياسات روسيا والصين للتضييق على دخول المساعدات من خلال المعابر الحدودية. ومارست موسكو وبكين لعبة التعطيل، من خلال مجلس الأمن، حتى بات وصول المساعدات محصورا بمعبر باب الهوى مع تركيا، بعد أن كان يتم من خلال أربعة معابر.
بقي وقف النار صامدا في المحصلة العامة، تشوبه بعض الخروقات من النظام والمليشيات الإيرانية والقوات الروسية. وفي أحيانٍ أخرى، تعرّض لعمليات تخريب من بعض المنظمات المتطرّفة الموجودة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة. وحصلت عدة مظاهرات وأعمال مسلحة، هدفها تعطيل الدوريات المشتركة التركية الروسية على طريق أم 4 الذي يربط حلب باللاذقية، ويمتد من مدينة حلب نحو الرقّة والحسكة، حتى يصل إلى الحدود السورية العراقية، وهو يشكل شريانا هاما لمرور جزء هام من منتجات المنطقة الشرقية من نفط وقمح وقطن باتجاه الساحل، ما يشكّل أهم عائد اقتصادي على النظام وروسيا في هذه الفترة، خصوصا بعد تطبيق قانون قيصر الذي فرض عقوباتٍ اقتصادية صارمة على النظام وداعميه.
جرى تسجيل عمليات عرقلة تنفيذ الدوريات المشتركة على المنظمات المتطرّفة، وتم اعتبار ذلك في إطار توجهات لتعطيل الاتفاق الذي يصبّ ضد مصلحة هذه التنظيمات التي يتعارض وجودها مع التهدئة والاستقرار في عموم سورية، وليس في محافظة إدلب فقط. ولكن المصلحة في تعطيل الاتفاق، وإبقاء حال اللاحرب واللاسلم، أمر لا يقتصر على المتطرّفين، بل يناسب كلا من النظام وروسيا وإيران. وهناك عدة أسباب لذلك، أكثرها أهميةً أن تطبيق البند الأول من وقف النار بصورة تامة يفتح الطريق حكما نحو البنديْن الثاني والثالث، واللذين ينصّان، على التوالي، على عودة المهجّرين قسرا إلى ديارهم، وبدء العملية السياسية من خلال تفعيل اللجنة الدستورية التي أخفقت في اجتماعها الأول في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بسبب رفض النظام جدول الأعمال. وما كان للوفد الرسمي أن يقوم بهذه المناورة، لو لم يحصل على الضوء الأخضر من موسكو أولا، فهي التي تستطيع أن تعطي الإشارة للذهاب إلى الأمام، أو المراوحة في المكان نفسه، ولا يخفى على أحدٍ أن روسيا لن تسهل عملية الحل السياسي في سورية، ما لم تحصل مقابل ذلك على تعهدات غربيةٍ جادّة في ما يتعلق بإعادة الإعمار التي صارت معلقةً إلى أجل غير منظور، بعد دخول قانون قيصر حيز التطبيق قبل حوالي شهر. وكان واضحا خلال القمة الثلاثية التي جمعت، مطلع شهر يوليو/ تموز الحالي بين قادة تركيا وروسيا وإيران، أنه لا سبيل للمضي بعملية أستانة التي تشكل آلية للحل في سورية بين الدول الثلاث، وذلك بسبب قانون قيصر الذي يهدف، حسب قرار الولايات المتحدة، إلى منع روسيا من الاستثمار السياسي لما حققته عسكريا في سورية، منذ تدخلها لنجدة النظام في سبتمبر/ أيلول 2015. وفي الختام، يصعب الرهان على تقدّم فعلي لوقف النار، ما لم يحصل العكس، ويعود الموقف إلى المربع الأول.
العربي الجديد
——————————————
“قيصر” .. رصاصة الرحمة على الأسد؟/ سعد كيوان
لقانون “قيصر” رمزية كبيرة بالغة الدلالة. هو اسم مستعار لجندي مصوّر في الشرطة العسكرية انشق عن النظام السوري، وفرّ في نهاية عام 2013 حاملا معه 55 ألف صورة توثّق وحشية النظام، وهمجيته، وممارسته التعذيب في السجون، وتم عرضها لاحقا في أكثر من عاصمة غربية، آخرها في مبنى الكونغرس الأميركي في واشنطن، فهل ستتمكّن الإدارة الأميركية التي أقرت هذا القانون لحماية المدنيين السوريين من ترجمة مفاعيل بنوده، وهل هي جادّة فعلا في وقف قتل الشعب السوري، وإجبار بشار الأسد على الرحيل؟ ليست هذه أول عقوبات تتخذ ضد النظام السوري، فقد أقرت الولايات المتحدة والدول الأوروبية منذ بداية الثورة السورية في 11 مارس/ آذار 2011 سلسلة عقوبات اقتصادية وتجارية وعسكرية ضد النظام، ولكنها لم تكن شاملة، ولم تلتزم بها سائر الدول، وفي مقدمهم روسيا والصين وإيران، ولم تصل إلى حد إسقاط الأسد، كما قرر أن يفعل الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، صبيحة الأول من سبتمبر/ أيلول 2013 ثم تراجع في اللحظة الأخيرة. وقد تم يومها الاستعاضة عن التدخل العسكري بصفقةٍ رعاها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وقضت بأن يسلم الأسد السلاح الكيميائي الذي استعمله ضد المدنيين في الغوطة الشرقية، في ريف دمشق في 21 أغسطس/ آب، وأوقع نحو 1500 قتيل في صفوف المدنيين، وخصوصا الأطفال بحسب تقديرات منظمات مدنية غير حكومية. ومع ذلك، استمر النظام باستخدام غاز السارين في أكثر من واقعة، مثل الهجوم الذي شن على بلدة خان شيخون، في 7 إبريل/ نيسان 2017، والذي دفع الرئيس دونالد ترامب إلى الرد بتوجيه ضربة صاروخية على مطار الشعيرات العسكري قرب مدينة حمص.
ولكن قبل ذلك، في صيف عام 2015 كان الأسد على وشك السقوط، على الرغم من تدخل إيران ومليشياتها لدعمه، فسارع بوتين إلى التدخل العسكري لإنقاذه. وها هو اليوم ما زال واقفا على رجليه، أو الأصح على العكازات الروسية التي بدأت تضج من ثقل إعاقته، ومن فساده وضعفه، فهل دنت ساعته، وهل سيعبّد “قانون قيصر” الطريق أمام تسويةٍ ما تفرضها واشنطن على موسكو لإخراجه؟
تفيد التجارب بأن العقوبات لا تسقط نظاما، حتى التي تكون شاملةً، وبقرارٍ ملزم من الأمم المتحدة، وليس من دولة أو مجموعة دول. وأكبر مثال على ذلك العقوبات التي فرضت على نظام بعثي آخر، نظام صدام حسين في العراق، والذي كان خاضعا للعقوبات، ودام محاصَرا أكثر من عشر سنوات، ولم يسقط في النهاية إلا بعد تدخل عسكري أميركي مباشر عام 2003. وسائل الصمود والالتفاف على العقوبات كثيرة ومتعدّدة، والرقابة مسألة معقدّة ومضنية، وعرضة للمساومة والمقايضة. وما تعرّض له النظام العراقي السابق لم يتعرّض له النظام السوري الذي بقيت قنوات طهران وموسكو وغيرها من العواصم القادرة مفتوحة عليه، وداعمة له. لذلك، يمكن استنتاج أن واشنطن غير جدّية في موقفها من النظام، مثلما أثبتت أكثر من مرة، علما أن ترامب كان قد صرح بعد انتخابه أنه لا يسعى إلى إسقاط النظام السوري، وإنما يريد تحجيم إيران وإعادتها إلى داخل حدودها. ومع ذلك، يعكس “قانون قيصر” أسلوبا جديدا وغير مسبوق في فرض العقوبات، فهو أولا يقر عقوباتٍ لم يعرفها النظام السوري، ولم تطاوله من قبل. إذ ينصّ على فرض عقوباتٍ على أشخاص مسؤولين أو متواطئين في ارتكاب انتهاكاتٍ أو نقل سلع أو تقنيات إلى سورية. ويستهدف كل من يتعامل مع البنك المركزي السوري وأجهزة الاستخبارات والأمن السورية، وكل من يقدّم تقنياتٍ تزيد من إنتاج القطاع النفطي أو يشتري النفط السوري. كما ينص القانون، وهذا الأهم، على تجميد المساعدات لإعادة الإعمار، ويستهدف كيانات روسية وإيرانية تتعامل مع النظام. إذا، عقوبات ليس فقط على النظام، وإنما على كل من يتعامل معه، وبالتالي عقوبات على روسيا نفسها ومزيد من العقوبات على إيران! وهذا ما سيؤدي إلى شل كل القطاعات الاقتصادية الحيوية، من صناعية وزراعية وحيوانية ونفطية وسياحية، وسيؤدي إلى خسارة النظام كل وسائل الصمود.
في المقابل، يشترط القانون لتعليق العقوبات وقف استخدام الأجواء السورية لاستهداف المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين، وتوقف قوات النظام وحلفائها (بمن فيهم حزب الله والقوات الإيرانية والروسية) عن مهاجمة المرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية، وإخراج المليشيات من سورية، وغيرها من الشروط .. وكلها عقوبات وشروط يعجز النظام عمليا عن تنفيذها أو الالتزام بها، حتى ولو سلمنا جدلا بأنه يريد أن يفعل، مثل التخلي عن التحالف مع إيران الملالي، وإخراج حزب الله، ووقف الحرب على المعارضة. لماذا تضع الإدارة الأميركية إذا عقوبات تعجيزية تعرف أن النظام لن يقدر على تطبيقها أو الالتزام بها؟ ألا يعني هذا أن الهدف هو إسقاط النظام أو تركه يسقط من شدة الحصار سقوط الثمرة الناضجة؟
وإذا راقبنا، في المقابل، السلوك الروسي، يبدو واضحا انزعاج موسكو من مماطلة النظام والتهرّب من الحل السياسي، وتطبيق الإصلاحات أو محاربة الفساد، ناهيك عن العبء السياسي والعسكري والأمني والمالي الذي بات يشكله بقاء الأسد في السلطة. وهذا ما اضطرّها إلى أن تتخذ إجراءات جذرية، طاولت هرمية القيادة العسكرية، وتشكيل الفرقة الخامسة تحت قيادتها مباشرة، ما مكّنها من تطويق الأسد، والإمساك بدمشق وريفها والجنوب. كما أن ربط واشنطن دعم إعادة الإعمار برحيل النظام بمثابة قصم ظهر لموسكو التي راهنت، في تدخلها العسكري، على موطئ قدم بطبيعة الحال، وخصوصا على كعكة الإعمار التي تقدّر بمئات مليارات الدولارات. كما أن كل الدول التي تدخلت في الحرب، وتحديدا إيران وروسيا، قد استنزفت سياسيا وماليا وداخليا أمام شعوبها. وهذا ما يؤكد أن لا تقاسم للنفوذ، ولا لكعكة الإعمار قبل إطلاق الحل السياسي الذي ينص على قيام مرحلة انتقالية، تنتهي بإخراج الأسد من المعادلة.
وبناء على كل هذه المعطيات، يمكن استنتاج أن أميركا تركت لروسيا أن تتدخل عسكريا، وتحسم السيطرة على جزء كبير من الأرض، وأبقت لنفسها دور فرض الحل السياسي، وخصوصا بعدما أخلّت موسكو بخطة إقامة “مناطق خفض الصراع”، واندفعت في دعم النظام، وتحديدا في معركة حلب في ربيع 2016. وآخر رد أميركي كان منع القوات الروسية من دخول إدلب. وعلى الرغم من الانتصارات العسكرية، باتت موسكو بلا أوراق سياسية، وتحت رحمة واشنطن التي تصر على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي يعني سحب آخر ورقة من يد بوتين أي المساومة على مصير الأسد. علما أن الإدارة الأميركية تسلم لروسيا بالحفاظ على دور وموطئ قدم في سورية، لكي تضمن حماية أمن إسرائيل تجاه أي سلطة ما بعد الأسد. لذلك أعلنت موسكو أخيرا استعدادها للتفاوض على الحل السياسي الذي تريده واشنطن، ويبدو، بحسب بعض أوساط المعارضة التي على تماسّ مع أجواء المفاوضات، أن موسكو وافقت على صيغة مجلس رئاسي يترأسه إحدى الشخصيات من المعارضة، وأن خروج الأسد أصبح مسألة أشهر معدودة! أم إن الحسم سيتأخر إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل؟
——————————————-
======================
========================
تحديث 18 تموز 2020
————————————-
اتفاق إدلب في حساب قانون قيصر/ بشير البكر
جاء اتفاق وقف إطلاق النار في إدلب بين روسيا وتركيا، مطلع مارس/ آذار الماضي، ليشكل انعطافة مهمةً في مسار المسألة السورية، ذلك أنه لاحت لأول مرة منذ عام 2011 بارقة أمل لحل سياسي. وشكل صمود وقف النار إنجازا سمح بوقف عمليات القتل والتدمير والتهجير القسري التي مارستها روسيا وإيران والنظام السوري. وكانت حصيلة الأعوام الثلاثة الأخيرة كارثيةً على هذا الصعيد، واستقبلت إدلب نحو ثلاثة ملايين مهجّر، أكثر من مليون منهم يعيشون في مخيماتٍ عشوائية على الحدود السورية التركية، ويعتمدون في قوتهم على المساعدات الإنسانية التي ظلت تتراجع حتى باتت تشبه الرمق الأخير، بسبب فيروس كورونا وسياسات روسيا والصين للتضييق على دخول المساعدات من خلال المعابر الحدودية. ومارست موسكو وبكين لعبة التعطيل، من خلال مجلس الأمن، حتى بات وصول المساعدات محصورا بمعبر باب الهوى مع تركيا، بعد أن كان يتم من خلال أربعة معابر.
بقي وقف النار صامدا في المحصلة العامة، تشوبه بعض الخروقات من النظام والمليشيات الإيرانية والقوات الروسية. وفي أحيانٍ أخرى، تعرّض لعمليات تخريب من بعض المنظمات المتطرّفة الموجودة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة. وحصلت عدة مظاهرات وأعمال مسلحة، هدفها تعطيل الدوريات المشتركة التركية الروسية على طريق أم 4 الذي يربط حلب باللاذقية، ويمتد من مدينة حلب نحو الرقّة والحسكة، حتى يصل إلى الحدود السورية العراقية، وهو يشكل شريانا هاما لمرور جزء هام من منتجات المنطقة الشرقية من نفط وقمح وقطن باتجاه الساحل، ما يشكّل أهم عائد اقتصادي على النظام وروسيا في هذه الفترة، خصوصا بعد تطبيق قانون قيصر الذي فرض عقوباتٍ اقتصادية صارمة على النظام وداعميه.
جرى تسجيل عمليات عرقلة تنفيذ الدوريات المشتركة على المنظمات المتطرّفة، وتم اعتبار ذلك في إطار توجهات لتعطيل الاتفاق الذي يصبّ ضد مصلحة هذه التنظيمات التي يتعارض وجودها مع التهدئة والاستقرار في عموم سورية، وليس في محافظة إدلب فقط. ولكن المصلحة في تعطيل الاتفاق، وإبقاء حال اللاحرب واللاسلم، أمر لا يقتصر على المتطرّفين، بل يناسب كلا من النظام وروسيا وإيران. وهناك عدة أسباب لذلك، أكثرها أهميةً أن تطبيق البند الأول من وقف النار بصورة تامة يفتح الطريق حكما نحو البنديْن الثاني والثالث، واللذين ينصّان، على التوالي، على عودة المهجّرين قسرا إلى ديارهم، وبدء العملية السياسية من خلال تفعيل اللجنة الدستورية التي أخفقت في اجتماعها الأول في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بسبب رفض النظام جدول الأعمال. وما كان للوفد الرسمي أن يقوم بهذه المناورة، لو لم يحصل على الضوء الأخضر من موسكو أولا، فهي التي تستطيع أن تعطي الإشارة للذهاب إلى الأمام، أو المراوحة في المكان نفسه، ولا يخفى على أحدٍ أن روسيا لن تسهل عملية الحل السياسي في سورية، ما لم تحصل مقابل ذلك على تعهدات غربيةٍ جادّة في ما يتعلق بإعادة الإعمار التي صارت معلقةً إلى أجل غير منظور، بعد دخول قانون قيصر حيز التطبيق قبل حوالي شهر. وكان واضحا خلال القمة الثلاثية التي جمعت، مطلع شهر يوليو/ تموز الحالي بين قادة تركيا وروسيا وإيران، أنه لا سبيل للمضي بعملية أستانة التي تشكل آلية للحل في سورية بين الدول الثلاث، وذلك بسبب قانون قيصر الذي يهدف، حسب قرار الولايات المتحدة، إلى منع روسيا من الاستثمار السياسي لما حققته عسكريا في سورية، منذ تدخلها لنجدة النظام في سبتمبر/ أيلول 2015. وفي الختام، يصعب الرهان على تقدّم فعلي لوقف النار، ما لم يحصل العكس، ويعود الموقف إلى المربع الأول.
العربي الجديد
——————————————
“قيصر” .. رصاصة الرحمة على الأسد؟/ سعد كيوان
لقانون “قيصر” رمزية كبيرة بالغة الدلالة. هو اسم مستعار لجندي مصوّر في الشرطة العسكرية انشق عن النظام السوري، وفرّ في نهاية عام 2013 حاملا معه 55 ألف صورة توثّق وحشية النظام، وهمجيته، وممارسته التعذيب في السجون، وتم عرضها لاحقا في أكثر من عاصمة غربية، آخرها في مبنى الكونغرس الأميركي في واشنطن، فهل ستتمكّن الإدارة الأميركية التي أقرت هذا القانون لحماية المدنيين السوريين من ترجمة مفاعيل بنوده، وهل هي جادّة فعلا في وقف قتل الشعب السوري، وإجبار بشار الأسد على الرحيل؟ ليست هذه أول عقوبات تتخذ ضد النظام السوري، فقد أقرت الولايات المتحدة والدول الأوروبية منذ بداية الثورة السورية في 11 مارس/ آذار 2011 سلسلة عقوبات اقتصادية وتجارية وعسكرية ضد النظام، ولكنها لم تكن شاملة، ولم تلتزم بها سائر الدول، وفي مقدمهم روسيا والصين وإيران، ولم تصل إلى حد إسقاط الأسد، كما قرر أن يفعل الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، صبيحة الأول من سبتمبر/ أيلول 2013 ثم تراجع في اللحظة الأخيرة. وقد تم يومها الاستعاضة عن التدخل العسكري بصفقةٍ رعاها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وقضت بأن يسلم الأسد السلاح الكيميائي الذي استعمله ضد المدنيين في الغوطة الشرقية، في ريف دمشق في 21 أغسطس/ آب، وأوقع نحو 1500 قتيل في صفوف المدنيين، وخصوصا الأطفال بحسب تقديرات منظمات مدنية غير حكومية. ومع ذلك، استمر النظام باستخدام غاز السارين في أكثر من واقعة، مثل الهجوم الذي شن على بلدة خان شيخون، في 7 إبريل/ نيسان 2017، والذي دفع الرئيس دونالد ترامب إلى الرد بتوجيه ضربة صاروخية على مطار الشعيرات العسكري قرب مدينة حمص.
ولكن قبل ذلك، في صيف عام 2015 كان الأسد على وشك السقوط، على الرغم من تدخل إيران ومليشياتها لدعمه، فسارع بوتين إلى التدخل العسكري لإنقاذه. وها هو اليوم ما زال واقفا على رجليه، أو الأصح على العكازات الروسية التي بدأت تضج من ثقل إعاقته، ومن فساده وضعفه، فهل دنت ساعته، وهل سيعبّد “قانون قيصر” الطريق أمام تسويةٍ ما تفرضها واشنطن على موسكو لإخراجه؟
تفيد التجارب بأن العقوبات لا تسقط نظاما، حتى التي تكون شاملةً، وبقرارٍ ملزم من الأمم المتحدة، وليس من دولة أو مجموعة دول. وأكبر مثال على ذلك العقوبات التي فرضت على نظام بعثي آخر، نظام صدام حسين في العراق، والذي كان خاضعا للعقوبات، ودام محاصَرا أكثر من عشر سنوات، ولم يسقط في النهاية إلا بعد تدخل عسكري أميركي مباشر عام 2003. وسائل الصمود والالتفاف على العقوبات كثيرة ومتعدّدة، والرقابة مسألة معقدّة ومضنية، وعرضة للمساومة والمقايضة. وما تعرّض له النظام العراقي السابق لم يتعرّض له النظام السوري الذي بقيت قنوات طهران وموسكو وغيرها من العواصم القادرة مفتوحة عليه، وداعمة له. لذلك، يمكن استنتاج أن واشنطن غير جدّية في موقفها من النظام، مثلما أثبتت أكثر من مرة، علما أن ترامب كان قد صرح بعد انتخابه أنه لا يسعى إلى إسقاط النظام السوري، وإنما يريد تحجيم إيران وإعادتها إلى داخل حدودها. ومع ذلك، يعكس “قانون قيصر” أسلوبا جديدا وغير مسبوق في فرض العقوبات، فهو أولا يقر عقوباتٍ لم يعرفها النظام السوري، ولم تطاوله من قبل. إذ ينصّ على فرض عقوباتٍ على أشخاص مسؤولين أو متواطئين في ارتكاب انتهاكاتٍ أو نقل سلع أو تقنيات إلى سورية. ويستهدف كل من يتعامل مع البنك المركزي السوري وأجهزة الاستخبارات والأمن السورية، وكل من يقدّم تقنياتٍ تزيد من إنتاج القطاع النفطي أو يشتري النفط السوري. كما ينص القانون، وهذا الأهم، على تجميد المساعدات لإعادة الإعمار، ويستهدف كيانات روسية وإيرانية تتعامل مع النظام. إذا، عقوبات ليس فقط على النظام، وإنما على كل من يتعامل معه، وبالتالي عقوبات على روسيا نفسها ومزيد من العقوبات على إيران! وهذا ما سيؤدي إلى شل كل القطاعات الاقتصادية الحيوية، من صناعية وزراعية وحيوانية ونفطية وسياحية، وسيؤدي إلى خسارة النظام كل وسائل الصمود.
في المقابل، يشترط القانون لتعليق العقوبات وقف استخدام الأجواء السورية لاستهداف المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية، وإطلاق جميع المعتقلين السياسيين، وتوقف قوات النظام وحلفائها (بمن فيهم حزب الله والقوات الإيرانية والروسية) عن مهاجمة المرافق الطبية والمدارس والمناطق السكنية، وإخراج المليشيات من سورية، وغيرها من الشروط .. وكلها عقوبات وشروط يعجز النظام عمليا عن تنفيذها أو الالتزام بها، حتى ولو سلمنا جدلا بأنه يريد أن يفعل، مثل التخلي عن التحالف مع إيران الملالي، وإخراج حزب الله، ووقف الحرب على المعارضة. لماذا تضع الإدارة الأميركية إذا عقوبات تعجيزية تعرف أن النظام لن يقدر على تطبيقها أو الالتزام بها؟ ألا يعني هذا أن الهدف هو إسقاط النظام أو تركه يسقط من شدة الحصار سقوط الثمرة الناضجة؟
وإذا راقبنا، في المقابل، السلوك الروسي، يبدو واضحا انزعاج موسكو من مماطلة النظام والتهرّب من الحل السياسي، وتطبيق الإصلاحات أو محاربة الفساد، ناهيك عن العبء السياسي والعسكري والأمني والمالي الذي بات يشكله بقاء الأسد في السلطة. وهذا ما اضطرّها إلى أن تتخذ إجراءات جذرية، طاولت هرمية القيادة العسكرية، وتشكيل الفرقة الخامسة تحت قيادتها مباشرة، ما مكّنها من تطويق الأسد، والإمساك بدمشق وريفها والجنوب. كما أن ربط واشنطن دعم إعادة الإعمار برحيل النظام بمثابة قصم ظهر لموسكو التي راهنت، في تدخلها العسكري، على موطئ قدم بطبيعة الحال، وخصوصا على كعكة الإعمار التي تقدّر بمئات مليارات الدولارات. كما أن كل الدول التي تدخلت في الحرب، وتحديدا إيران وروسيا، قد استنزفت سياسيا وماليا وداخليا أمام شعوبها. وهذا ما يؤكد أن لا تقاسم للنفوذ، ولا لكعكة الإعمار قبل إطلاق الحل السياسي الذي ينص على قيام مرحلة انتقالية، تنتهي بإخراج الأسد من المعادلة.
وبناء على كل هذه المعطيات، يمكن استنتاج أن أميركا تركت لروسيا أن تتدخل عسكريا، وتحسم السيطرة على جزء كبير من الأرض، وأبقت لنفسها دور فرض الحل السياسي، وخصوصا بعدما أخلّت موسكو بخطة إقامة “مناطق خفض الصراع”، واندفعت في دعم النظام، وتحديدا في معركة حلب في ربيع 2016. وآخر رد أميركي كان منع القوات الروسية من دخول إدلب. وعلى الرغم من الانتصارات العسكرية، باتت موسكو بلا أوراق سياسية، وتحت رحمة واشنطن التي تصر على تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الذي يعني سحب آخر ورقة من يد بوتين أي المساومة على مصير الأسد. علما أن الإدارة الأميركية تسلم لروسيا بالحفاظ على دور وموطئ قدم في سورية، لكي تضمن حماية أمن إسرائيل تجاه أي سلطة ما بعد الأسد. لذلك أعلنت موسكو أخيرا استعدادها للتفاوض على الحل السياسي الذي تريده واشنطن، ويبدو، بحسب بعض أوساط المعارضة التي على تماسّ مع أجواء المفاوضات، أن موسكو وافقت على صيغة مجلس رئاسي يترأسه إحدى الشخصيات من المعارضة، وأن خروج الأسد أصبح مسألة أشهر معدودة! أم إن الحسم سيتأخر إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل؟
——————————————-
كيف ساهم قانون قيصر في تعميق علاقات إيران مع النظام السوري؟
بدأت إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بفرض مجموعة شاملة من العقوبات على نظام “بشار الأسد” في منتصف يونيو/ حزيران بموجب قانون “قيصر”. ووفقًا لعرض تقديمي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، فإن القانون يستهدف الأشخاص الأجانب الذين يسهلون حصول نظام “الأسد” على السلع أوالخدمات أو التقنيات التي تدعم أنشطته العسكرية، وصناعة إنتاج النفط والغاز، وأعمال إعادة الإعمار.
وعلى نفس المنوال، يتضمن الأمر التنفيذي 13894، الذي وقعه الرئيس “ترامب” في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، عقوبات تشمل “العزلة عن النظام المالي للولايات المتحدة بالنسبة للأشخاص الأجانب الذين يشاركون أو يمولون عرقلة أو منع وقف إطلاق النار أو الحل السياسي للصراع السوري”.
يوصف قانون “قيصر” بأنه أشد العقوبات ضد النظام السوري حتى الآن، وتهدف الإجراءات العقابية المرتبطة به إلى ممارسة أقصى ضغط على النظام من أجل التنفيذ الكامل للعملية السياسية، على حد تعبير وزارة الخارجية، فيما يذكرنا بشكل خاص بسياسة الولايات المتحدة تجاه طهران؛ الحليف الرئيسي لنظام “الأسد”.
لكن قانون “قيصر” لن يكون له فقط عواقب اقتصادية مدمرة على المدنيين السوريين الذين أنهكتهم الحرب، حيث يمكن أن يمنع القانون أيضًا الأطراف الدولية الفاعلة من الانخراط في المصالحة السياسية أو مبادرات إعادة الإعمار، مما يخلق بالتالي مساحة مناورة أكبر لدولة مثل إيران التي تقع بالفعل تحت “أقصى ضغط” وليس لديها الكثير لتخسره إن واجهت الانتقام الأمريكي.
الارتماء في أحضان إيران
قبل فترة طويلة من تنفيذ العقوبات واسعة النطاق ضد دمشق بموجب قانون “قيصر”، كانت طهران تتطلع إلى توسيع حصتها البالغة 200 مليار دولار في سوق سوريا ما بعد الحرب، وخاصة مع استمرار ضغط العقوبات التي تقودها الولايات المتحدة على الاقتصاد الإيراني.
وقال “حسن ضنايفار”، رئيس المقر الرئيسي لتنمية العلاقات الاقتصادية الإيرانية مع العراق وسوريا، في مقابلة أجريت في أكتوبر/تشرين الأول 2019: “بالرغم من العلاقات السياسية البارزة بين إيران وسوريا، فإن هناك حلقة مفقودة تتمثل في العلاقات الاقتصادية التي كانت ضعيفة بشكل تقليدي بين البلدين، ولا سيما قطاعيها الخاصين”.
وأضاف “ضنايفار” الذي كان سفيرًا سابقًا في العراق، أنه خلال العام الماضي، قامت 12 مجموعة مكونة من 22 رجل أعمال إيراني بزيارة سوريا.
كما استقبلت طهران أعضاء في مجتمع الأعمال السوري لعقد صفقات اقتصادية، فيما سلط “ضنايفار” الضوء على تغلغل روسيا والصين في الاقتصاد السوري ودعا إلى اليقظة فيما يتعلق بـ “المنافسين”.
ومن المتوقع أن هذا التركيز على معالجة “الحلقة المفقودة” في العلاقات بين طهران ودمشق، اكتسب زخمًا بعد دخول قانون “قيصر” حيز التنفيذ في 17 يونيو/حزيران.
ففي نفس اليوم الذي بدأ فيه تطبيق القانون، التقى وفد إيراني برئاسة “ضنايفار” مع رئيس وزراء النظام السوري “حسين عرنوس” في دمشق للتفاوض حول توسيع العلاقات الاقتصادية والثقافية والعلمية الثنائية.
ومن المثير للاهتمام أن “عرنوس” أكد خلال الاجتماع أن “لدى سوريا خطة شاملة لتطوير صناعتها الزراعية والغذائية بهدف زيادة تحمل الشعب السوري للعقوبات القاسية والحصار الاقتصادي على البلاد”.
تقييد حلفاء أمريكا
يأتي الانخراط الاقتصادي المتزايد لطهران في سوريا في الوقت الذي يُتوقع فيه على نطاق واسع أن يقيد قانون “قيصر” حلفاء الولايات المتحدة من الدول العربية.
فقد أبدت الإمارات والبحرين بشكل خاص اهتماماً متزايداً بتطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع نظام “الأسد”، لموازنة النفوذ الإيراني المتزايد جزئياً ومواجهة تركيا.
وفي أواخر مارس/آذار، غرد ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، الذي يقود السياسة الإقليمية الإماراتية، ملخصًا مكالمة هاتفية مع “الأسد” حول انتشار الفيروس التاجي في سوريا، قائلًا: “لقد طمأنته بخصوص دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية. إن التضامن الإنساني في أوقات الشدائد يأتي قبل كل شيء، ولن تبقى سوريا الشقيقة وحدها في هذه الظروف الحرجة”.
ومن الجدير بالذكر أن الموفد الأمريكي الخاص لسوريا، “جيمس جيفري”، حذر حلفاء واشنطن العرب من جهود التقارب هذه في نفس اليوم الذي تم فيه تطبيق قانون “قيصر”.
فقد حذر “جيفري” في 17 يونيو/حزيران قائلًا: “بالنسبة للإمارات، فإنها تعرف أننا نعارض بشكل مطلق الدول التي تتخذ هذه الخطوات الدبلوماسية. إنها دول ذات سيادة ويمكنها اتخاذ هذه القرارات. لكننا أوضحنا أننا نعتقد أن هذه فكرة سيئة”.
وقد تنطبق نفس الديناميكية التقييدية هذه على روسيا، التي تعد أقوى حليف لنظام “الأسد”.
التعاون العسكري
وفي الوقت نفسه، فإن المحاولات الإيرانية لتحويل التهديدات إلى فرص في سوريا -كما يقول صناع السياسة الخارجية في طهران عادة- لا تقتصر على مجالات القوة الناعمة في الاقتصاد والتجارة.
في أواخر شهر يونيو/حزيران، زعمت وكالة “تسنيم” الإيرانية في تقرير نادر تمت إزالته بعد فترة وجيزة من نشره أن قائد فيلق القدس الجنرال “إسماعيل قآني” سافر إلى سوريا للإشراف على “مناطق القتال العملياتية ضد تنظيم الدولة الإسلامية”.
وبعد أقل من أسبوعين، وقعت طهران ودمشق على اتفاقية عسكرية شاملة لتعزيز قدرات النظام السوري على الدفاع الجوي بعد زيارة قام بها رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية “محمد باقري” إلى دمشق في 8 يوليو/تموز التقى خلالها مع وزير دفاع النظام السوري “علي أيوب”.
وقال “أيوب” في إشارة واضحة إلى عقوبات قانون “قيصر” والضربات الجوية الإسرائيلية المستمرة على المواقع العسكرية السورية والإيرانية على الأرض: “سيعزز هذا الاتفاق عزمنا وتصميمنا على التعاون المشترك ضد الضغوط الأمريكية”.
طرحت الصفقة – التي وصفتها مصادر مقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بأنها ذات قيمة إستراتيجية- إمكانية قيام الحرس الثوري الإيراني بنشر منظومات للدفاع الجوي، بما في ذلك صواريخ أرض-جو المتنقلة “بافار 373” في سوريا لمواجهة الغارات الجوية الإسرائيلية التي تواصل روسيا غض الطرف عنها.
يجب أيضًا النظر في زيادة التورط الإيراني في سوريا على خلفية الموازنة الروسية بين إيران و(إسرائيل)، لا سيما في المناطق المجاورة للأراضي التي تسيطر عليها (إسرائيل) مثل مرتفعات الجولان، ومحاولات موسكو لاحتواء المجموعات شبه العسكرية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني.
خلاصة القول هي أن قانون “قيصر” سيزيد من اعتماد النظام السوري على إيران، على غرار ما تسببت فيه حملة “الضغط الأقصى” الأمريكية على فنزويلا.
وبالتالي، بالنظر إلى التطورات على الأرض، فمن المتوقع أن يتسبب هذا القانون في تمكين إيران لتصبح لاعبًا أساسيًا أكبر في سوريا.
المصدر | مايسم بهرافيتش – إنسايد أرابيا – ترجمة الخليج الجديد
======================
=================================
تحديث 15 آب 2020
———————————
تعديل “قيصر” لتخفيف آثاره على السوريين وتشديدها على النظام!
جنفييف زينج – باحثة قانونية في المركز السوري للعدالة والمساءلة
هي إشكالية تنطوي على معضلة: كيف يمكن التوفيق بين الهدف السياسي من قانون “قيصر” الذي يفترض أن يعاقب النظام السوري على جرائمه ضد الإنسانية، وبين واقع هذا القانون الاقتصادي الذي يضيّق الخناق على الشعب السوري، فيصير محاصراً بكماشة بين “قيصر” والنظام؟
فيما تكافح سوريا لمواجهة انهيار غير مسبوق للعملة، أصبحت العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد مادة لنقاش محتدم. فقد شهد سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار انخفاضات قياسية، وهذا يُعزى بدرجة كبيرة إلى المخاوف من جولة جديدة من العقوبات الأميركية والأزمة المصرفية التي يواجهها لبنان. ولأن التقديرات تشير إلى أن ما يزيد على 80 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، فإن التقلبات الاقتصادية الأخيرة ومعدل التضخم يهددان من دون شك قدرة السوريين العاديين على تحمل تكاليف السلع والمواد الأساسية الضرورية، هذا من دون احتساب التأثيرات الكارثية التي قد تترتب عن تفشي فايروس “كورونا”.
أرسلت مفاعيل قانون “قيصر”، والتي ركزت على قطاع العقارات، إشارات مخيفة إلى الشركات الأجنبية التي تفكر في الاستثمار في إعادة بناء سوريا. بينما أثارت المخاوف من التفشي المُحتمل لوباء “كوفيد-19” مناقشات جديدة بشأن دور العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، الأمر الذي شجع الحكومة السورية وحلفاءها الذين وجدوا الفرصة سانحة للدعوة إلى رفع العقوبات عن سوريا أو تعليقها موقتاً. إذ تزعم الحكومة السورية أن العقوبات هي المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار الاقتصادي الذي يؤثر سلباً في المواطنين السوريين العاديين، كما أنها تُعرقل توفير الإغاثة الطبية والإنسانية الضرورية اللازمة لاحتواء فيروس كورونا.
لا جدال في أن القول إن العقوبات الاقتصادية لها بعض التأثيرات السلبية في الاقتصاد السوري بأسره وبالتالي في الشعب السوري ينطوي على شيء من الحقيقة. فضلاً عن ذلك، وكما أوضح أعضاء بارزون في الأوساط الإنسانية والطبية، فمن المؤكد أيضاً أن “المساعدات الإنسانية الاستثنائية” في أنظمة العقوبات تعوقها مسائل خطيرة يتعين التصدي لها على وجه السرعة. بيد أن الخطاب المناهض للعقوبات الذي يتبناه النظام وحلفاؤه مُضلل في نهاية المطاف، سواء من خلال المبالغة في تبسيط القضايا المعقدة التي تحول دون توزيع المساعدات على نحو يتسم بالكفاءة والإنصاف في جميع أنحاء سوريا، أو محاولة تجاهل المخاطر التي قد تترتب على تعليق العقوبات بالنسبة إلى الجهود الرامية إلى مراعاة حقوق الإنسان وتحقيق العدالة وتعزيز المساءلة في جرائم الحرب التي ارتُكبت في سوريا. والواقع أن الخطاب المناهض للعقوبات يتعمّد طمس حقيقة الدور الرئيس الذي تلعبه الحكومة السورية وحلفاؤها في استغلال المساعدات الإنسانية كورقة ضغط، وعرقلة وصول الإغاثات الطبية في الوقت المناسب، وتفاقم الأزمة المالية.
لن يؤدي رفع العقوبات بالضرورة إلى تلبية الاحتياجات الإنسانية والطبية الكافية لمواجهة جائحة “كوفيد-19″، بل على الأغلب لن يكون لذلك أيّ تأثير. تؤكد هذه الحقيقة أدلة قاطعة على أن الحكومة السورية وجهت وراقبت في الماضي مسار المساعدات واستخدمتها كسلاح، وتلاعبت بفعالية بجهود الإغاثة الإنسانية المقدّرة بمليارات الدولارات المقدمة من المانحين الدوليين لسوريا. وتناول تقريران صدرا العام الماضي عن مؤسسة “هيومن رايتس ووتش“، ومعهد “تشاتام هاوس” بالتفصيل نمط التلاعب بتدفق المساعدات الإنسانية الذي تتبناه الحكومة السورية لمعاقبة المواطنين الذين تعتبرهم معادين لها ومكافأة الموالين للحكومة، في حين تناولت الوثائق التي حصل عليها “المركز السوري للعدالة والمساءلة” كيف أدت أجهزة الاستخبارات السورية دوراً محورياً في توجيه جهود المساعدات الإنسانية في سوريا ومراقبتها. لذا لا يمكن بأي حال تصور أن هذا النمط قد يتغير فقط بسبب تفشٍ محتمل لـ”كوفيد-19″. فضلاً عن ذلك، إذا ما عُلقت العقوبات موقتاً، سيظل المجتمع الدولي من دون أيّ نفوذٍ أو أيّ آلية تمكّنه من ضمان التوزيع العادل والمتساوي للمساعدات الطبية والإنسانية المخصصة لمواجهة “كوفيد-19” في جميع أرجاء سوريا، أو حتى أيّة قدرة على مراقبة عملية التوزيع.
برهنت الحكومة السورية مراراً على افتقارها للمصداقية وعجزها أو بالأحرى عدم رغبتها في اتخاذ قرارات سياسية من شأنها منح الأولوية لصحة مواطنيها ورعايتهم اجتماعياً. والأمثلة التي تؤكد ذلك موجودة منذ عهد طويل ولا تزال مستمرة. على سبيل المثال، واصلت الحكومة السورية وحلفاؤها مهاجمة الأهداف المدنية بما في ذلك المدارس والمستشفيات والمؤسسات الطبية حتى مطلع هذا العام، وهو ما يقوضّ صدقية مطالباتهم برفع العقوبات لمصلحة مجهودات الإغاثة.
وفي ظل عدم بذل أي مجهود لتحسين آلية توصيل المساعدات، لا يوجد أيّ أساس جدير بالثقة يدعم الرأي القائل إن رفع العقوبات قد تكون له نتائج إيجابية في ما يتعلق بتقديم المساعدات الطبية والإغاثية في سوريا. لكن على النقيض من ذلك، لدينا عقد كامل تقريباً مملوء بالأدلة التي تدعم بقوة الرأي المضاد.
صحيح أن الغاية القصوى للعقوبات تهدف بالفعل إلى إرغام الأنظمة على تغيير سياساتها، لكن الإخفاق في تحقيق تلك الغاية لا يجعلها عديمة الجدوى أو غير فعالة. بل على النقيض من ذلك، حتى في حال إخفاق العقوبات في الوصول إلى غايتها القصوى، فإن فرضها يكون بمثابة رادع قوي لانتهاكات حقوق الإنسان المتواصلة التي يرتكبها النظام.
وتُعد العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر خير مثال على مدى فعالية العقوبات في حماية حقوق الإنسان، حتى في حال فشل نظام العقوبات ككل في إحداث تغيير جذري في السياسات. فمن خلال استهداف الأفراد والكيانات الأجنبية، خصوصاً حلفاء النظام السوري والمستثمرين المحتملين في عملية إعادة الإعمار، تساعد عقوبات قانون “قيصر” في منع إمكان انتفاع حلفاء النظام من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي. على سبيل المثال، يُقال إن القوات الروسية نفذت هجمات على ثلاث مؤسسات طبية ومدرسة وملجأ للأطفال في شمال غرب سوريا عام 2019، إضافة إلى أن موسكو أعلنت أخيراً انسحابها من نظام “الإبلاغ الإنساني” الذي تقوده اﻷمم المتحدة في سوريا بهدف حماية مراكز تقديم المساعدات الإنسانية مثل المستشفيات والمراكز الصحية لهذا، سوف تمنع العقوبات الشركات والأفراد -لا سيما الذين ينتمون إلى بلدان متهمة بارتكاب جرائم حرب في سوريا- من الانتفاع والتربح من تلك الجرائم.
وفي حين قد تبدو عرقلة جهود إعادة الإعمار منافية للمنطق للوهلة الأولى، ينبغي ألا ينسى منتقدوها أن العقوبات مُعدة خصيصاً لاستهداف مشاريع إعادة الإعمار التي تشرف عليها الحكومة. وقد ركزت الجهود الحكومية لإعادة الإعمار على الاستثمارات المترفة المستجدة التي شيدتها نخبٌ تابعة للحكومة، والتي غالباً ما تكون على أراضٍ مُصادرة من سكانها بعد تهجيرهم او قتلهم. ولذلك، فإن العقوبات الرادعة التي تحول دون عمليات البناء التي تشرف عليها الحكومة قد تساهم في حماية أراضي من شردتهم الحرب قسراً وصون حقوق ملكيتهم.
كيف نوفّق إذاً؟ من الواضح أن نظام العقوبات الحالي يحتاج إلى تعديل وتحسين، خصوصاً في ظل تفشي “كوفيد-19″، والوضع الاقتصادي المتردي. ففي حين توفر أنظمة العقوبات “استثناءات خاصة” للعمل الإنساني، يبدو أن هذه الاستثناءات لا تؤتي ثمارها بشكل فعال على أرض الواقع. لذا يجب تعديل الاستثناءات الإنسانية بحيث تعالج المشكلات التي تواجهها باستمرار الجمعيات والشركات والمنظمات المستفيدة منها. على سبيل المثال، اقترحت الجمعيات الإنسانية والطبية التي تستخدم هذه الاستثناءات بشكل متكرر إصدار الجهات المصدرة للتراخيص مثل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية “خطابات طمأنة” توجه بشكل مباشر إلى المؤسسات المالية المعنية. ومن شأن التراخيص العامة المصحوبة بخطابات الطمأنة تهدئة مخاوف البنوك والمؤسسات المالية التي لا تفضل المجازفة عن طريق تقديم سبل حماية أميركية ملموسة من احتمالات التعرض للملاحقة القضائية في المستقبل بتهمة مخالفة العقوبات.
ثمة مشكلة أخرى تتعلق بجهود الإغاثة الطبية، وهي مشكلة السلع والخدمات ذات الاستخدام المزدوج مثل المواد الخام أو الأدوات التقنية التي يشيع استخدامها في المعدات الطبية والتي يمكن استخدامها أيضاً لأغراض عسكرية إجرامية خبيثة. تمثل هذه السلع، مثل أوكسيد النيتروس المستخدم للتخدير في المستشفيات ومنتجات الكلور المستخدمة في تنقية المياه والصرف الصحي وقطع الغيار الضرورية لأجهزة غسيل الكلى، مشكلةً للجمعيات الإنسانية والطبية التي تحاول استخدام الاستثناءات من العقوبات، إذ تؤدي إلى تأخر قبول طلبات التراخيص ومن ثم تفاقم نقص السلع والمعدات الأساسية. وهناك مشكلة ثالثة ناجمة عن العقوبات وهي تأثير تلك العقوبات في التحويلات المالية من أبناء سوريا المغتربين التي تشتد حاجة المواطنين السوريين العاديين داخل البلاد إليها، في ظل الأزمة المالية الراهنة.
تساعد المعلومات والرسائل الواضحة والدقيقة والشاملة أيضاً في مواجهة آثار العقوبات السلبية على الشعب السوري. حالياً، هناك قصور في معرفة أنظمة العقوبات أو فهمها، بين أفراد الشعب السوري الذي تلقّى سيلاً من الأخبار المضللة والسرديات المسيّسة التي تنشرها حكومة الأسد. وقد تزايدت المخاوف وأوجه القلق المتعلقة بعقوبات “قيصر”، نتيجة نقص جهود الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لتعزيز الوعي بالاستثناءات الإنسانية أو توضيح الآثار المتوقعة للعقوبات الجديدة. تساعد الإرشادات المصاغة خصيصاً على دحض المفاهيم الخاطئة عن العقوبات لدى الشعب السوري في تحسين التصورات عن العقوبات بشكل كبير وتهدئة المشاعر السلبية تجاهها.
من الضروري أن يظل “قيصر” مفعّلاً. فرفع العقوبات سيعرض حقوق الإنسان الأساسية للشعب السوري للخطر ويقوض من المساعي لتحقيق العدالة والمساءلة ويؤيد ضمنياً الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة والمتكررة للقانون الدولي. يمثل رفع العقوبات وتطبيع العلاقات مع الحكومة السورية خيانة للأفراد وجماعات المجتمع المدني السورية، التي وثَّقت انتهاكات حقوق الإنسان وناضلت لتحقيق المساءلة، على رغم المخاطر الشخصية الجسيمة التي تعرضت لها على مدار الحرب. مع ذلك يجب الأخذ في الاعتبار أنه على رغم أن العقوبات ضرورية ومناسبة زمنياً ولها ما يبررها من تصرفات الحكومة السورية وحلفائها، لا تزال هناك حاجة إلى القيام بتعديلات أساسية لأنظمة العقوبات لتخفيف آثارها السلبية على الشعب السوري.
ينشر هذا التقرير بالتعاون مع مبادرة الإصلاح العربي.
————————————–
اقتصاديات النفط و”قيصر” في جغرافيا الشمال السوري/ شفان ابراهيم
تتأرجح تداعيات قانون قيصر على حياة عموم السوريين، بعد توضيح الهدف العميق وراء العقوبات، والتي تجسّدت، وفق المبعوث الأميركي، جيمس جيفري، بمُحدّديْن واضحين، مزيد من إغراق الروسي في سورية، وأن الهدف ليس تغيير النظام، وإنما تغيير سلوكه، وخصوصا تجاه شعبه. ما يفضح أن الإستراتيجية الأميركية في سورية لم تتغير ولا تزال متجسّدة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وإخراج إيران من سورية، وإنجاز تسوية سياسية وفق قرار مجلس الأمن 2254، يُضاف إليها تداعيات قيصر المأمولة أميركياً.
لا يشكل قانون قيصر عصا سحرية، ستنهي مآسي السوريين ومحنتهم التي تحوّلت إلى أقسى محن التاريخ خلال قرنٍ في البلاد العربية، وربما علينا، نحن السوريين، أن نعي جيداً أن القانون ما أُقرّ خدمة للديمقراطية وحماية للإنسانية، التي لو أرادت واشنطن حماية تلك القيم والركائز الأساسية للحياة الطبيعية، لعملت على إنهاء شلال الدم السوري منذ سنوات. ولا يزال مثالا أفغانستان والعراق ماثلين نموذجين عمّا آلت إليه نظرية الفوضى الخلاقة، وتكورت وسائل تفعيل الديمقراطية الأميركية في الشرق عبر الحرب باعتبارها وسيلة أساسية.
وما إن سئم السوريون من المدِ والجزر حول ماهية التأثير العميق والمباشر لتداعيات قانون قيصر على النظام السوري والحكومة وأركان السلطة، حتى لاحت في الأفق قضية الاتفاق النفطي بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وشركة Delta Crescent Energy LLC. ووفق مراقبين، الشركة منشأة بموجب قوانين ولاية ديلاوير، الولاية التي تتيح سرّية أسماء المتعاملين وشركاتهم الخاصة، ما يعني إمكانية وجود شخصيات سورية نافذة، سرا على رأس الشركة، لا تشملهم عقوبات قانون قيصر. وفي المجمل، تتعلق القصة بتداعيات القانون، وكيفية استفادة شرق الفرات وغربه من القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمها الطاقة. وإذا كانت الشركة ستقوم بتطوير الحقول والاستخراج ومنح “قسد” مصفاتين، لتلبية 20% فقط من احتياجاتها كما قيل، فإن واحدا من أشكال العلاقة بين شطري الفرات سيحقق عبر التبادل التجاري، وخصوصا تصدير النفط الخام إلى غرب الفرات الذي يستورد حاجياته من الطاقة من أوكرانيا عبر تركيا، وإذا ما تم منح غرب الفرات حاجته من النفط بالمجان، أو بسعر التكلفة، فإن تطوراتٍ سياسية، وعلى مستوى العلاقات الوطنية، ستجد طريقها إلى التبلور من جديد، بعد قطيعة دامت أكثر من نصف عقد بين شرق الفرات وغربه.
لماذا هذا القانون؟ ولماذا الاتفاق النفطي؟ وإن جعلنا هذين السؤالين المدخل الأساس لهذه المقالة، توجب التنويه إلى أنه لا انتقال سياسيا واضحا في الأفق، خصوصا وأن القرار 2254 جاء بعد البندين الآخرين، القضاء على “داعش”، إخراج إيران. صحيح أن الشروط الأميركية لإيقاف تطبيق قانون قيصر هي إطلاق سراح المعتقلين، وعدم استهداف المدنيين والمنشآت الطبية والمدارس وتوفير سبل عودة المهجّرين … إلخ، ومطالبة دمشق بمحاسبة المتهمين بقتل المدنيين، فهل ستستجيب دمشق لهذا المطلب؟ لا يعتقده عاقل! لكنها كلها لن تحقق لا الإستراتيجيتين الأولى والثانية، ولن تُغرق روسيا في المياه السورية، فلِماذا ستتوقف تداعيات القانون، إن لم يُحقق المطلب والهدف. مع التشديد على أنَّ كل العقوبات لا تستطيع تغيير سلوك الأنظمة، ولنا في تجربة نظام حزب البعث العراقي خير دليل، ولن تكون العقوبات سببا لإزاحة الأنظمة.
ورُبما يمنع “قيصر” وعقد الشراكة النفطية أيَّ هجوم تركي جديد، ويُرجّح أن يُصدر النفط بعد عملية التوقيع من حقول الرميلان وما حولها إلى كُردستان العراق، ومنها إلى تركيا، على الرغم من الاعتراض التركي على عقد الشراكة للتنقيب في الرميلان، والتي تسعى تركيا للاستفادة من الطاقة والسوق في شرق الفرات، يقابله الهدوء الروسي بشأن الموضوع، يشي بحصوله على حصته في عقود التنقيب القادمة في دير الزور. ما يعني ذلك توفير خريطة جديدة للتفاعلات التجارية الحالية، ويدفع صوب تشكيل أنساق اقتصادية – سياسية جديدة، وإنْ كانت غير غائبة بشكل كلي قطعي خلال الأعوام الماضية، لكنها ستصبح واضحةً وعلنيةً ومتعدّدة المواد والسلع المتبادلة بينهما، وما سيترتب عليه من هياكل حكم سياسية جديدة، وسيعني مزيدا من التنسيق والتبادل التجاري بين غرب الفرات وشرقه، خصوصا وأن العقوبات الأميركية على إيران تمنع كُردستان العراق من التعامل التجاري معها، وربما تتجه صوب الاستفادة من أسواق شرق الفرات وغربه لاستيراد المنتجات الغذائية والزراعية وتصديرها. كما تمنع العقوبات تركيا من استيراد الغاز أو النفط من إيران. حيث تُعتبر مناطق الإدارة الذاتية بشقيها، الكُردية والعربية، مستثناةً من هذه العقوبات، وهي، مع غرب الفرات، ممنوعة من التعامل مع العمق السوري، ما يعني تكريس حالة الانقسام الجغرافي أكثر، وقطع أيّ تواصلٍ بين كامل الشريط الحدودي، وبعمق حتى دير الزور والرقة، مع باقي المحافظات السورية. وسيربك هذا المنع حسابات التجار والصناعيين في شمال غرب سورية، وسيعرقل عمل تجار الإدارة الذاتية وعمليات تصدير النفط، ما سيدفعها إلى البحث عن أسواق جديدة بديلة خارج سورية والحفاظ على نسبة الأرباح، أو إيجاد نظام تجاري بينهما كأحد الخيارات الجديدة، خصوصا وأن غرب الفرات وحتى الحدود الإدارية لمحافظة اللاذقية تضرّرت بعمق نتيجة الحملة العسكرية أخيرا على إدلب وريفها؛ لكونها تشكل سلة الاقتصاد لغرب الفرات، ففقدت عديدا من مصادرها الاقتصادية والمعيشية كمصادر للاكتفاء الذاتي والتصدير. مثل منطقة قلعة المضيق التي تضم عدة قرى، وكانت المصدر الرئيسي للأسماك، بحكم وجود المسامك الصناعية فيها، وشكلت مناطق مورك وخان شيخون مركزاً لتصدير الفستق الحلبي إلى دول عديدة، نتيجة كميات من فائض الإنتاج والحاجة، كما أن أجزاء من سهل الغاب كانت السلة الزراعية لشمال غرب سورية، وإغلاق ثلاثة معامل للصناعات الدوائية في ريف حلب الغربي.
وقد دفعت خسارة المناطق التجار إلى استيراد تلك الحاجات الأساسية من تركيا، إضافة إلى حاجتها لاستيراد اللحوم والمعلبات والبقوليات والخضرة، فإنها تستورد ألعاب الأطفال والقداحات المنزلية والإلكترونيات من الصين، وتعتمد على إيران والعراق لاستيراد التمور والجوز والمواد الغذائية، وتحتاج إلى كمياتٍ ضخمة من الوقود المنزلي وللمركبات، وحجم الضرائب والمصاريف أرهقت التجار والمواطنين على حدٍ سواء. لذا فإن التبادل التجاري بين شرق الفرات وغربه، مع تركيا وكُردستان العراق، سينشئ حالة نوعية جديدة سياسيا واقتصادياً. في المقابل، سيتمكّن غرب الفرات من تصدير الزجاج والفخار والألبسة وزيت الزيتون ونبات الشفلح (القبار) والذي يدخل في صناعة أدوية كثيرة، عدا عن الاستعمالات الصحية المتعددة.
أمام هول الفاجعة الاقتصادية المقبلة على سورية، ومنع التعامل الاقتصادي بين شرق الفرات وغربه من جهة، مع المنطقة الثالثة في سورية من جهة ثانية، حيث سيطرة النظام السوري، فإن أبرز انعكاس عقوبات قيصر والاتفاق النفطي ربما يكون مزيدا من تفكيك الأراضي السورية، وتغذية نزعات القطيعة مع باقي الأطراف، وتشكيل جغرافيا سياسية جديدة. ووفق ذلك، فإن قانون قيصر لا يمت بصلة للمعارضة السورية الرافضة كل أشكال التقسيمات الإدارية والسياسية والجغرافية، وهو ليس سوى أداة أميركية تستخدمها لهزيمة خصومها، وإنْ على حساب دماء السوريين.
وماذا لو أجبرت مكونات شرق الفرات على الخضوع للمشروع الأميركي وتشكيل كيان خاص بتلك الرقعة الجغرافية، وتحويل الحدود الأمنية الهشة إلى حدود سياسية دائمة ومستقرّة، وعلى علاقات معينة وواضحة مع إقليم كُردستان، وتركيا، هل سيبقى الكُرد المتهمين الدائمين بالانفصال، خصوصا وأن غرب الفرات أيضاً ربما يدخل في علاقات سياسية جديدة مع تركيا؟ ويبقى السؤال المستقبلي القريب: هل ستتجه أميركا إلى منع أي وسيلة اقتصادية تدّر ربحاً على خزينة دمشق من العمل ضمن شرق الفرات، كالعملة السورية في شرق الفرات، بعد دخول العملة التركية حيز الاستعمال في غرب الفرات، أو كشركات الخليوي، وغيرها؟ حينها، سيزداد الارتباط العضوي لغرب الفرات مع تركيا، وشرق الفرات مع إقليم كُردستان عبر مخدمات الخليوي في الطرفين، وإمكانية ربط العملة في شرق الفرات وغربه، مع كُردستان وتركيا.
الادارة الذاتية
كاتب وصحافي سوري
===========================