خالد خليفة: احتاج الأصدقاء كي استمرّ في العيش
وضع الرواية العربية أفضل هذه الأيام .. الاهتمام بالترجمة والحضور حيث يجب كان له دور مهم
روايته “الموت عملٌ شاق” وحيدةً تدافع عن نفسها في نيويورك
رامي غدير
حُبّك للكتابة لا يكفي لتصبح كاتباً، عليك أن تعمل وتعمل لتصل… هذا ما قاله خالد خليفة الروائي السوري صاحب الروايات الست: “حارس الخديعة”، “دفاتر القرباط”، و”مديح الكراهية” التي رُشحت لنيل جائزة البوكر العربية، إضافةً إلى روايته “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” الفائزة بجائزة نجيب محفوظ للأدب، و”الموت عمل شاق” التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة الكتاب الوطني الأمريكي وأيضا إلى القائمة القصيرة لجائزة أحسن كتاب مترجم إلى الإيطالية … وآخرها رواية ” لم يُصلِّ عليهم أحد “.
برأي #خالد_خليفة الكتابة عمل يحتاج لجهد ووقت، تمسك الورقة والقلم، أو تفتح ” اللابتوب ” وتجلس كل يوم عدة ساعات حتى لو لم تكتب حرفاً واحداً.
قبل أن أحاوره أخبرته أنّ روايته “لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة” لم تعجبني كثيراً .
“الموت عمل شاق” عنوان ملفت يجعلنا نفكر ونتساءل كيف يمكن أن يكون الموت عملاً شاقاً، حدثنا عن اختيارك للعنوان والأحداث التي تدور حولها الرواية بشكل عام؟
أي عنوان بالنسبة إليّ يحتاج إلى تأمل ووقت طويلين، هنا أتى العنوان في الوقت المناسب بعد تجربة عدة اقتراحات، ولم احتج إلى وقت طويل حتى أعرف أنه العنوان النهائي، أما عن الرواية وأحداثها فبشكل عام بدأت حين تعرضت لجلطة قلبية عام 2013 وكان السؤال الأساسي: ماذا سيحدث لجثماني لو متّ الآن.
رأيت الرواية كاملةً خلال دقائق في ذهني. وكانت الحكايات المفزعة التي يتم نشرها عن عشرات آلاف السوريين الذين اضطروا إلى دفن أحبتهم في حدائق منازلهم تضيف إلى ألمي ألماً، وإلى الرواية المزيد من الأسباب لضرورة كتابتها.
كتبتَ على الفايس بوك: كان يجب أن أتواجد في حفل جائزة National Book Award في نيويورك يوم 20 تشرين الثاني، روايتي الموت عمل شاق ستدافع عن نفسها من دوني، لأني لن أسافر . ما الذي جعلك تأخذ هذا القرار مع العلم أن سفرك وحضورك كان مهماً لك وللرواية ؟
الحضور ليس مهماً إلى هذه الدرجة التي تتخيلها، في لحظات كثيرة يجب أن تدافع الكتب عن نفسها، هذا ما اعتقده، أما عن عدم حضوري فهو يندرج في خانة الكسل ليس أكثر، انتهت فيزتي الأمريكية من ثلاث سنوات ولم أجددها، وتجديدها يحتاج الذهاب إلى بيروت وسفر وإنجاز أوراق، والوقت قصير، لذلك في لحظة شعرت بأنه ليس لدي هذه الهمة التي تتطلبها هذه السفرة، ببساطة اعتذرت، وقام كتابي بالدفاع عن نفسه بشكل جيد في هذا المكان الهام جداً.
في عام 2009 حين سُئلت هل هناك رواية عربية عالمية؟ أجبت بما معناه: “نعم، هناك الكثير من النصوص الجيدة، ولكن نحن لا نعرف الطريق الصحيح لتصدير ثقافتنا، وهذه المشكلة تحتاج إلى وقت طويل كي نصلح الأخطاء التي وقعت فيها محاولات الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية”. لقد رُشحت كتبك للعديد من الجوائز الهامة عالمياً، وتُرجمت أعمالك إلى العديد من اللغات، برأيك هل تمَّ إصلاح بعضاً من هذه الأخطاء؟
لا.. الأخطاء لم تُصحّح، لكننا الآن كثقافة في وضع أفضل بكثير مما كنا عليه قبل عشرين سنة، وبدأنا كجيل، وكأفراد نحاول إتقان التعامل مع مستحقات الترجمة والتواجد في المحافل والمعارض العالمية والثقافات الأخرى. اليوم وضع الرواية العربية في الغرب أفضل بما لا يقاس مما كان عليه، لكن هذا غير كافٍ ولم يتحقق الاختراق الكبير، أقصد الاختراق التجاري، الأمور تسير بشكل بطيء لكنه جيد، الشيء الوحيد المطلوب من الثقافة العربية أن تعمل كثقافة واحدة ولغة واحدة وليس كثقافات.
لا يمكن إنكار أهمية الجائزة بالنسبة للمبدع وللعمل الإبداعي، أين تكمن هذه الأهمية؟ وهل تعتبر الجائزة معيار لأهمية وجودة العمل ؟
الجوائز ليست تعبير عن أهمية العمل، بل عن الحظوظ الأفضل لأية رواية، كثيرة هي الأعمال التافهة التي حازت جوائز وماتت في الوقت نفسه، وفي المقابل هناك أعمال عظيمة عاشت ولم تحظَ بالجوائز، أنا شخصياً أحب الجوائز لكني لا أسعى إليها، أي لا أبذل جهوداُ للحصول عليها، وحين تصل الجائزة أنساها بعد أسبوع، كأن شيئاً لم يحدث. نسيان الجوائز والتكريم والشهرة والتواجد في المحافل الدولية أمر ضروري لاستمرار العمل لأي مبدع.
كان لك أعمال تلفزيونية هامة ولازالت بالذاكرة، مثل “سيرة آل الجلالي” و”هدوء نسبي” و”قوس قزح” و”المفتاح”… وغيرها، هل هناك فكرة للعودة إلى عالم السيناريو؟
أنا لم أهجر السيناريو، لكن المهنة تراجعت كثيراً في الظروف الحالية، وحسابات شركات الإنتاج القليلة التي مازالت تنتج اعتقد لا تتطابق مع وجهة نظري فيما حدث. لكني أراه وقتاً ذهبياً أخصصه كله للرواية، وهذا لم يحدث منذ زمن بعيد. سأعود للعمل مع شركاء أتفاهم معهم وأثق بهم.
لو طُلب منك تحويل رواية لك إلى مسلسل تلفزيوني أو فيلم هل توافق؟ وأية رواية ستختار؟ ومن السيناريست غير خالد خليفة الذي تثق بأن تعطيه روايتك؟
لو استطعت لمنعت تحويل أية رواية لي إلى مسلسل أو فيلم، على الأقل في حياتي لن أسمح، وحين أموت ليفعلوا ما يشاؤون في كتبي. ببساطة لا أريد رؤية بلبل في “الموت عمل شاق” على الشاشة، أريد أن أعيد رسمه في ذهني مرات لا متناهية، لكن إن حدث وكان لي الخيار، أريد أن تُحوَّل دفاتر القرباط إلى السينما. أما عن السيناريو، اعتقد من ضمن تقاليد العمل بأنه لا يجوز للروائي تحويل روايته إلى سيناريو، سيحتاج إلى سينارست آخر ليعيد كتابة الرواية مرة أخرى، أما لِمن… هناك أسماء سورية كثيرة أثق فيها وهي جديرة بتحويل أية رواية إلى عمل ناجح.
كتبتَ على الفايس بوك: “أنا رجل معطوب احتاج إلى أصدقائي وصديقاتي بقربي دوماً كي أستمر في العيش” ومعروف عنك أنك لا تستطيع العيش بدون كتابة… حاليا تتنقل بين دمشق واللاذقية وحولك الكثير من الأصدقاء، ماذا عن الكتابة هل هناك عمل روائي جديد؟
كما تعرف رامي أنا لا أتوقف عن الكتابة، وبالنسبة إليّ فالعيش مع الأصدقاء المقربين هو الذي ينقذني من الانتحار، لا تكفي الكتابة لفعل ذلك، أنا فعلاً احتاج إلى تلك العيون والقلوب المُحبّة للأصدقاء كي تحيطني وتنهش قلبي لينفجر ينبوع الحب.
الكتابة الآن في مرحلة جديدة بالنسبة إليّ، لأول مرة أتخلى عن فكرة الكتابة في المقهى، استيقظ صباحاً وأسير على البحر، أو أتأمله ملياً من نافذة منزلي، وأعود إلى طاولة الكتابة لبدء يوم عمل جديد، إنه سحر إضافي أن أقسم وقتي بين اللاذقية ودمشق، وكل يوم انتظر عودة أصدقائي من منافيهم الإجبارية والاختيارية، لدي أمل دائم بعودتهم، لا أصدّق ما يقولون عن عدم عودتهم إلى هذه الأرض الملعونة.
أنت طباخ ماهر وللدقة أنت ابن المطبخ الحلبي، تتحدث من باب الدعابة عن روابط بين الرواية والطبخ، وتطلق تسميات سريالية على بعض الأطباق التي تعدها مثل “عجل يطير كالفراشات”، وتردد دوماً أنك ستؤلف كتاب عن الطبخ، ما هي الروابط بين الطبخ والرواية من وجهة نظرك؟
أولاً هناك روابط أكيدة بين كتابة الرواية وبين الطبخ، ثانياً أنا أهدد أصدقائي بأنني سأكتب كتاباً عن الطبخ، لكني اعتقد بأنه سيبقى ضمن التهديد ولن يتحول هذا الكتاب إلى واقع، رغم أن فكرتي عن الكتاب تعجبني وإن حدث سيكون كتاباً عن الطبخ والرقص الشرقي واللانجري.
الكتاب موجود في ذهني لكن يحتاج إلى وقت وبحث كبيرين لا أعرف إن كنت سأستطيع أو سأمتلك الوقت لفعل ذلك، كأنني انتظر مؤلف أكثر جدية مني ليكتبه، وقتها سأعفي نفسي من هذه المهمة. وأحب أن أخبرك شيئاً ليس سرياً بأن شغفي في الطبخ يزداد يوماً بعد آخر، وسأبقى أطلق على أطباقي تسميات غريبة الآن لدي طبق باسم ” حين أسير نحو البحر وحيداً ” ولن أكشف لك عن مضمونه. وسأعتبر ذلك تمريناً دائماً على اقتناص عناوين الكتب.
الاتحاد برس