النظام السوري واسرائيل: الفرق بين مجرمَين وجريمتَين/ ماجد كيالي
اشتعلت المناقشات في مواقع التواصل الاجتماعي، حول جواز المقارنة بين النظامين الإسرائيلي والأسدي، من عدمه، على خلفية إفراج إسرائيل عن عهد التميمي ووالدتها، في حين كان النظام الأسدي يصدر قوائم القتلى تحت التعذيب في سجونه، في مفارقة مؤلمة ومحزنة، وتدلّ على مدى المأساة التي يعيشها السوريون.
هكذا، ثمة من رأى بعدم جواز المقارنة بين النظامين، بسبب الفرق بين النظامين والقضيتين، وثمّة من رأى أن هكذا مقارنة لا ينبغي أن تحصل لأن إسرائيل دولة عدوة، ولا يجوز إجراء مقارنات قد تستفيد منها أو تقلّل من جريمتها، أو تمنحها قيمة أخلاقية. ثمة، أيضاً، من رأى أن هذه المقارنات لا ضرورة لها، ولا فائدة منها، لأن الجريمة جريمة، ولا توجد جريمة تبرّر أخرى أو تغطّي على أخرى.
أما وجهة النظر المقابلة، فترى أنه لا فرق بين مجرم “داخلي”، ومجرم “خارجي”، فالجريمة هي جريمة بغضّ النظر عن مرتكبها، وأنه لا ينبغي التذرّع بإسرائيل للسكوت عن جرائم النظام السوري، وغيره من الأنظمة الاستبدادية، وأن هذه المقارنة لا تفترض منح أي قيمة إيجابية لإسرائيل، بقدر ما أنها تتوخّى توضيح بشاعة أنظمة الاستبداد ومظالمها، بعد أن تفوّقت في وحشيتها على إسرائيل، ناهيك بشعورها بغربتها عن شعبها، بمثل ما هي إسرائيل غريبة في هذه المنطقة.
في غضون هذا الجدل المحتدم في وسائط التواصل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام، تمكن ملاحظة أن النقاش الحاصل سهى عن مسألتين مهمّتين، أولاهما، أن الواقع أبشع بكثير من مجرّد الحديث عنه، إذ مهما شطح الخيال، فإنه لا يمكن أن يحاكي الآلام والعذابات والأهوال التي عاشها المعتقلون السوريون، رجالاً ونساء، كباراً وصغاراً، إلى حين مغادرتهم الحياة. فلا أحد يمكن أن يتصوّر حقاً حدود الألم الذي كابده أو اختبره هؤلاء المعتقلون قبل أن يودّعوا الحياة، وقبل أن يلفظوا أنفاسهم، لأنه لا توجد أداة قياس لذلك أصلاً. وثانيتهما، أن المسؤول عن إثارة هكذا مقارنة، أو هكذا جدل، هو النظام نفسه، فمن دون قيامه بهذا الفعل الفاضح والمشين ضد شعبه ما كان لهكذا مقارنات أو مجادلات أن تحصل، أي أن النظام ليس الضحية هنا، لمقارنات “خاطئة” أو “متسرّعة”، وإنما هو هنا المجرم أو صاحب الفعل الذي تسبّب بهذه المقارنة، لذا فهو الذي يتحمّل وحده مسؤوليتها، وتالياً فهو الذي يستحق الإدانة الأخلاقية والسياسية.
كما أن بعض محابي النظام يرون في هذه المقارنات كشفاً لهم، وفضحاً لضمائرهم الميّتة، أو الضامرة، في حين أن بعض رافضيها، يخجلون من تلك المقاربات التي تخدش معتقداتهم أو بديهياتهم، التي تعتبر أن إسرائيل هي ذروة الشرّ، في المنطقة.
بيد أن المسألة الأكثر خطورة وأهمية في هذه المقارنات والمجادلات، وهي غابت عند كثيرين، مفادها أن النظام الأسدي يقتل شعبه (أو في ما يفترض أنهم مواطنوه) ويشرّده ويدمّره، من دون أي حساب، وبمعزل عن أي اعتبار، في حين أن إسرائيل، المجرمة والمصطنعة والاستعمارية والعنصرية، تقتل من تعتبرهم أعداء لمشروعها، بمعنى أنها لا تقتل مواطنيها، إذ هي عرفت بأنها ضنينة بنقطة دم منهم، وحتى بنقطة دم من أي يهودي في أي نقطة من العالم، بل إنها تفعل كل شيء لحمايتهم ورعايتهم وتحسين نمط عيشهم، وهذا هو الفارق الأساسي بين النظامين المجرمين، الأسدي والإسرائيلي، وهنا يفترض أن يكمن جوهر أي مقاربة بينهما.
“حذار من حرب ضحايا ضد ضحايا”
تأسيساً على ذلك فإن الفكرة الثانية التي أود أن أطرحها هنا تفيد بضرورة الحذر من الانزلاق نحو منح قيمة أخلاقية لأي مجرم أو لأي جريمة بدعوى أنها أخفّ جريمة بالمقارنة مع ما فعله مجرم آخر، إذ لا توجد جريمة تخفّف من أخرى، ولا مجرم يغطي على آخر، إذ لا يجوز لمشاعر الغضب والإحباط أن تأخذ أصحاب القضايا العادلة إلى الوقوع في فخ المفاضلة بين جريمة وأخرى. والحال فإنه في الوقت الذي تتم فيه إدانة جرائم النظام الأسدي لارتكاباته بحق شعبه، من السوريين (والفلسطينيين السوريين) تجب إدانة الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، الذين احتلت أراضيهم وشرّدتهم وحرمتهم الهوية والوطن، لا سيما أننا إزاء دولة استعمارية استيطانية احتلالية عنصرية بل ودينية. لذا لا يجوز الوقوع في فخ استدراج من هذا النوع، لاعتبار أن إسرائيل أضحت تقنن عنفها ضد الفلسطينيين، أو تأخذ في الاعتبار الرأي العام، والعلاقات الدولية، في حين النظام متفلّت من كل ذلك، لذا هنا بالضبط يكمن خطأ المقاربة بين النظامين المجرمين وضرره.
والخلاصة، حذار من حرب ضحايا ضد ضحايا، فالمفروض أن الضحايا يتعاطفون مع ضحايا مثلهم، وثمة شيء مأسوي في حسد ضحية لضحية أخرى، لأن جلّادها أنعم أو أسلس، أو يقوم بدوره بطريقة مقنّنة… ولعل أهم ما يفترض أن يدركه المتجادلون أن قضايا الحرية والكرامة والعدالة لا تتجزّأ، فما هو صواب وحق للسوريين هو صواب وحق للفلسطينيين وبالعكس… وبالإمكان الوقوف ضد إسرائيل الاستعمارية والعنصرية والمتوحّشة، وفي الوقت ذاته الوقوف ضد النظام الاستبدادي المتوحّش، لأن الاثنين يتغذيان من بعضهما في هذا الواقع.
درج