سياسة

تفاوض سياسي مؤجّل بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام/ رانيا مصطفى

 

 

انتهت الجولة الأولى من المفاوضات بين مجلس سوريا الديمقراطية (المظلة السياسية لقوات سوريا الديمقراطية الكردية – العربية والنظام السوري)، في دمشق بتأسيس إدارة مشتركة تخصّ الجانب الخدمي، مهمّتها التنسيق بين الإدارات.

لم يتم التطرق إلى الجانب السياسي فهو مؤجَّل بالنسبة إلى النظام السوري، إذ مثّله في المفاوضات وفد أمني بقيادة علي مملوك، دون حضور شخصيات سياسية أو حكومية من قبله.

هناك اتفاقات بين النظام ومجلس سوريا الديمقراطية حول تقاسم ثروات النفط في شرقي الفرات، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على 70 بالمئة من الموارد النفطية والغاز، فضلا عن الموارد المائية في سدي الطبقة وتشرين. أما ما تحقق على أرض الواقع، فهو السماح بذهاب فنّيين ومهندسين إلى مناطق قوات سوريا الديمقراطية لإصلاح عنفات توليد الكهرباء في سد الطبقة على نهر الفرات، وعودة موظفي المنشآت الصحية. فيما وقّع النظام اتفاقا مع شركة كندية لصيانة أنابيب نقل النفط في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، مقابل حصوله على حاجته من النفط من حقلي العمر والتنك الخاضعين للسيطرة الكردية، لنقله إلى مصفاة حمص عبر حقل اليتم في دير الزور؛ ولنقل الغاز من حقول العمر وتنك والجفرة عبر معمل كونكو في دير الزور إلى محطة جندر في حمص.

دمشق وموسكو تريدان استرجاع عائدات النفط بشكل مباشر، بعد أن كان يتمّ الحصول عليها عبر سماسرة الحرب، بنقل النفط في صهاريج من حقلي الرميلان والعمر إلى مصفاة حمص، وبنفس الطريقة كان يتم تصريف النفط عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية يسيطر على منطقة شرق الفرات.

التوافقات بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام حول القضايا الخدمية هي تبادل مصالح مرحلية؛ لكن كلّ طرف منهما يعتبر ذلك خطوة أولى للحصول بشكل تدريجي على مآرب سياسية مختلفة ومتعاكسة.

يريد الأكراد الاحتفاظ بما أنجزوه من استقلالية وإدارة ذاتية خلال السنوات الأخيرة، وأن لا تعود علاقتهم مع النظام السوري كما كانت عليه قبل 2011، حسب تصريحات القيادي الكردي صالح مسلم. وبالتالي يريدون الحصول على لامركزية كاملة وإدارة ذاتية يعترف بها النظام.

يدرك المفاوضون من مجلس سوريا الديمقراطية، كما داعش من قبل، قوة الورقة النفطية بأيديهم ويراهنون على بقاء واشنطن في مناطق شرق الفرات باعتبار أن لها قواعد عسكرية، وأن أمامها مهمة تقليص النفوذ الإيراني، ومهمة إنهاء تواجد تنظيم داعش في آخر جيوبه في “هجين”، بالإضافة إلى وجود برنامج أميركي لتجنيد الشباب لحماية الحدود مع العراق.

يدعم موقف الأكراد أن واشنطن لا تزال ضامنا لقوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات وتدفعها للحصول على صلاحيات قريبة مما هي عليه الآن. ورغم أن لا مطامع لواشنطن في النفط السوري، لكنها تخشى من حدوث فراغ أمني عسكري يسمح بإعادة توليد داعش، كما حصل بعد الانسحاب الأميركي من العراق. وهي لا تزال تقدم الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، إذ أدخلت لها الأسبوع الماضي 150 عربة وشاحنة تحمل أسلحة ومعدات عبر معبر سيمالكا الحدودي مع العراق.

يعمل مجلس سوريا الديمقراطية على تأسيس إدارة مشتركة، مقرّها عين عيسى شمال الرقة، تُعنى بالجانب الخدمي والاقتصادي والسياسي في مناطق قوات سوريا الديمقراطية؛ ورغم أن هذه القوات ستضطر إلى تغيير سلوكها المحلي الذي بات غير مرغوب به من الأهالي، لكنها تريد بهذه الخطوة تقوية موقفها في مفاوضاتها مع النظام.

عوامل القوة هذه، التي يعتقد الأكراد أنهم يمتلكونها، دفعتهم إلى التعامل مع النظام بعلاقة ندّية عبر مبادرتين. الأولى؛ للمشاركة في الهجوم على إدلب وعفرين. لكنهم أغفلوا أن الهجوم على إدلب، أو على أجزاء منها، مرهون بموافقة روسيا التي لا تزال تحتفظ باتفاقاتها مع تركيا حول خفض التصعيد في إدلب، وحول سيطرة غصن الزيتون بدعم تركي على عفرين. والثانية؛ في بيان حول استعداد قوات سوريا الديمقراطية لمبادلة مخطوفي السويداء من قبل داعش بمخطوفي التنظيم لديها، وعن استعدادها لحماية السويداء من هجمات داعش.

في الجانب الآخر، يرفض النظام السوري وجود سلطات موازية ضمن الأراضي السورية، وهو كما يرغب ويحشد لاستعادة السيطرة على إدلب، آخر معاقل المعارضة في الشمال الغربي، فهو أيضا يرفض احتفاظ الأكراد بالإدارة الذاتية. الممكن لديه هو إعطاء الأكراد لامركزية إدارية وفق قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2012، مع الاعتراف بحقوقهم الثقافية وطقوسهم الاحتفالية، وسيطرته على المعابر الحدودية مع العراق وتركيا ورفع العلم الرسمي فيها، وعلى المؤسسات العامة، وأنه يجب تفكيك البنى العسكرية للأكراد وضمّها إلى جيش النظام.

إذا كانت قوات سوريا الديمقراطية تراهن على بقاء واشنطن في سوريا لفترة أطول، فإنّ دمشق تراهن على انسحابها عاجلا أم آجلا. وبعد الانتصارات التي حققها النظام في استعادة سيطرته على دمشق وحمص والجنوب، واستمراره في الحكم، يراهن على استمرار الدعم بغطاء جوي روسي، ودعم بري إيراني. وبالتالي يملك مسؤولو النظام نفَسا طويلا في التعاطي مع حلفائهم الأكراد، فهم لا يزالون المتحكمين في مناحي المفاوضات، مستغلين حاجة الأكراد وقلقهم على ما حققوه من إنجازات تخصّ إدارتهم الذاتية، بعد معاناتهم لعقود من تهميش الحكومات المتعاقبة، وحرمانهم من ممارسة حقوقهم الثقافية، وحرمان بعضهم من الجنسية السورية.

يتفاوض الجانبان، النظام ومجلس سوريا الديمقراطية، ويشكلان اللجان ويعقدان صفقات التبادل النفطي ويتبادلان خطوات حسن النوايا؛ فدمشق سمحت بفتح مكاتب لقوات سوريا الديمقراطية في دمشق ومحافظات سورية، وستسمح لحزب سوريا المستقبل، الممثل الأبرز للعرب ضمن مجلس سوريا الديمقراطية، بفتح مكاتب في دمشق والسويداء. في المقابل تتعاون قوات سوريا الديمقراطية مع النظام في ملفات عدة، منها الملف النفطي، وسلمته أحياء في حلب ومطلوبين من المعارضة.

لكنّ أي تقدم على صعيد التفاوض السياسي مؤجّل، لأنه مرهون بمشيئة اللاعبَيْن الدوليين الرئيسيين في الملف السوري، واشنطن وموسكو. فمجلس سوريا الديمقراطية يؤجل بانتظار قبول دمشق بالإدارة الذاتية كأمر واقع؛ والنظام يراهن على كسب الوقت للانتهاء من تسوية إدلب، وبانتظار الانسحاب الأميركي من سوريا.

كاتبة سورية

العرب

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى