تنظّموا، تنظّموا، اتّحدوا اتّحدوا/ ميشيل كيلو
لم ينقص السوريين شيء، في حقبة ثورتهم الأولى، كالتنظيم والوحدة. هذا ما يلاحظه أيضا نشطاء المرحلة الحالية من الثورة، بالسمات التي لم تتوفر لها في القسم الأكبر من مرحلتها الأولى، وأهمها اثنتان:
ـ انفكاك شعبي واسع عن الأسلمة والعسكرة وتنظيماتهما، واستعادة برنامج حقبة التمرّد الثوري الأولى الذي قرن الحرية بالوطنية، كما تتجلى في وحدة الشعب السوري، وهتفت له الملايين، قبل أن يبعدها عنه متأسلمون أخذوها بعيدا عن تطلعاتها، بسبب ضمور وعيها السياسي، وتقليدية تفكيره، واستعداد قطاعاتهم، شعبية واسعة ونخبا هامشيّة، لقبول شعارات شعبوية تُحرز بواسطتها انتصاراتٍ وهميةً، تلبّي حاجتها الشعورية إلى الهروب من هزائم مذلّة، تنوء تحت ثقلها، لأسباب تتعلق تحديدا بدور أوهامها الظافروية في عجزها عن تحقيق انتصاراتٍ تنجزها بالفعل في واقعها. ليس هناك من اليوم فصاعدا مهمة أعظم من استعادة رهان الثورة الأول: الحرية للشعب السوري الواحد من دون زيادات، ومن دون السماح لأحد بخلطه بما ليس منه، أو يتعارض معه.
“سورية بدها حرية والشعب السوري واحد”: هذا هو البرنامج الذي ستُهزم الثورة حتما إن تبنّت أي برنامج سواه، والذي يجب أن يستوطن عقولنا قبل ألسنتنا، ونتمسّك به ضد أي طرفٍ يرفضه أو يضع مكانه برنامجا آخر، بالنظر إلى أن الثورة، مطلق ثورة، لا تنتصر، بل تهزم حتما إن كانت ببرنامجين متناقضين، فكيف إذا كان أحدهما مسلحا وبطاشا ويتاجر بالشعب وأهدافه، وحتى كرامته. نحن في بدايةٍ تستهدف كبح الهزائم التي أنزلها هؤلاء بالثورة الوطنية/ الديمقراطية التي لم يكونوا من صنّاعها، لكنهم تسلطوا عليها باسم الجهاد، فلم يخدموا أحدا، في المحصلة النهائية، غير الأسد وعصاباته، بما ارتكبوه من جرائم ضد شعب المناطق التي استولوا عليها، وشنّوه من حرب شعواء على مناوئيهم وخصومهم من أحرار سورية. ومن الضروري من الآن فصاعدا مواجهتهم بقوة الشعب الذي لفظهم بعد تجارب أعوام ستة، ذاق خلالها الأمرّين على أيديهم، وسينتحر إن هو منحهم مجدّدا أي قدر من ثقته، مهما كان زهيدا.
ـ الحماية التي تتيحها تركيا لسوريي الشمال السوري ضد بطش روسيا وإيران والعصابات الأسدية وسواها من المرتزقة، والوقت الذي تمنحهم إياه للتفكير برويةٍ حول سبل سد الثغرات التي شابت ثورتهم في الماضي، والعيوب التي لازمتها، وظلت لصيقةً بها، وفي وسعهم تحريرها منها، في ظل ما هو متاح لهم من حريةٍ نسبيةٍ ضمن مناطقهم الآمنة، وما هو مطلوبٌ من تنظيم أنفسهم في حلقات تتدرج من الأدنى إلى الأعلى، تتولى مهام متكاملة ومتشابكة تحفز عملهم الثوري وتضبط مساراته، وتحشد لكل مرحلةٍ منه ما هو بحاجة إليه من قوى وقدرات، وتضع لها خططا توحّد جهود الفاعلين فيها، بما أن الجانب الأكثر أهمية من التنظيم هو اليوم توحيد العمل والطاقات والدروب المفضية إلى الهدف الموحّد بدوره، وهو انتصار الحرية وزوال الاستبداد بكل صوره وأشكاله، الدهرية منها، وتلك المتسترة بدينٍ تتناقض رحمانيته وإنسانيته مع وحشية اتباعه وحقدهم على الجنس البشري الذي يشاركهم فيه الأسد ونظامه.
للثورات الحيّة، كما للإنسان الحي، سلسلة بدايات يصحّح في التالية منها ما كان قد ارتكبه من أخطاء في سابقاتها. وثورتنا اليوم أمام بداية جديدة، ليس لمن هم في شمال سورية وحدهم، بل للسوريين جميعا، ممن يجب أن يرتقوا إلى مستوى المسؤولية التاريخية التي يلقيها على عاتقهم نزوعهم إلى الحرية، وما قدّمه شعبهم من تضحياتٍ على دربها.
العربي الجديد