الأسد وإعادة الإعمار سلاحا التغيير في سورية/ سميرة المسالمة
تحدد الولايات المتحدة الأميركية عملية الانتقال من سورية «الحالية» إلى سورية «مختلفة» بإجراءات ليس من بينها إلزام الأسد على الرحيل، وإن كان رحيله يسبب سعادة للأميركيين، وهو شرط السلام الدائم الذي رفعه الرئيس التركي، إلا أن هذا، أي «مصير الأسد شأن يقرره السوريون أنفسهم» ما يمكن أن يبشر باقتراب السوريين «كشعب» من امتلاك فرصة الاختيار، وتحديد مآلات المرشحين عبر الانتخابات «الحرة»، ويفترض بذلك أن يأتي في سياق عملية إصلاحية ينص عليها الدستور الجديد، شرط أن يؤمن السوريون به ليكون سبيلهم إلى الخلاص من الأسد، أو القبول «به» باعتباره «المنتصر» ديمقراطياً، لقيادة حكومة سورية نحو المواصفات التي حددها جيمس جيفري المبعوث الأميركي إلى سورية، وهي تتلخص: بأنها حكومة لا تهدد شعبها أو جيرانها، ولا تستخدم السلاح الكيماوي ضد معارضيها، ولا توفر لإيران منصة لإطلاق الصواريخ على إسرائيل وتضمن محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب.
وعلى رغم أن كل بند مما ذكره المبعوث الأميركي في حديثه إلى «الشرق الأوسط» (26/9) هو بمثابة تهديد كامل الأركان للأسد، كنظام، وكرئيس، حيث تقر الولايات المتحدة بأنه المسؤول عن تنفيذ هجوم كيماوي على دوما في نيسان 2018، ما أسفر عنه ضربات تأديبية ثلاثية (أميركية- بريطانية- فرنسية) ضده، وسبق ذلك استخدام الكيماوي في خان شيخون قبل عام تقريباً، ما أدى أيضاً سابقاً إلى ردة فعل أميركية بضرب مطار الشـــعيرات، ما يعني أن الشرط في عدم استخدام الكيماوي هو بمثابة الفخ المؤجل للنـــظام، والذي يمكن اللجوء إليه كسلاح فعال عند تعثر المفاوضات لمحاصرة روسيا وإجبارها الأسد على المضي بعملية سياسية وفق الشروط الأممية، والتي سعى النظام السوري إلى تعطيلها مراراً بدعم كامل من حليفته إيران، وبحماية روسية في الأروقة الدولية.
ويأتي في السياق ذاته وفي توقيت لافت للنظر، ما لوحت فيه الجولة الرابعة من المرافعات النهائية في المحكمة الدولية في لاهاي الخاصة باغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري منتصف هذا الشهر، حول تحميل حزب الله، والنظام السوري من خلفه، المسؤولية في هذه الجريمة، ما يعني زيادة عملية الافتراق بين مواصفات النظام السوري كحكومة حالية متهمة وبين شرط أن تكون مقبولة دولياً، لا تهدد جيرانها، أي أننا أمام جملة أحداث مرتبطة ببعضها وتقود إلى إحكام الضغط على روسيا من خلال فرد أوراق الإدانات الدولية للنظام السوري، سواء بعملياته خارج سورية أو داخلها من خلال ملف المعتقلين.
وبالنظر إلى «المبادئ» الأميركية التي تمهد لحل سياسي دائم، وتنقل سورية من إطار الدولة المنعزلة دبلوماسياً والمفلسة اقتصادياً، إلى المعترف بها دولياً كدولة عادية، فإن ثمة انفراجات عملت عليها موسكو خلال اجتماعاتها مع الجانب الأميركي، وهي ذاتها التي منحتها الغطاء للاستمرار بعملياتها العسكرية، لإنهاء ملف المعارضة المسلحة، وسط صمت أميركي ملحوظ، ولكنه مرهون ومقيد «بعدم استخدام السلاح الكيماوي فقط».
ما يعني في الوقت ذاته أنه فرصة متاحة للنظام السوري في حال أعلن بداية عن قطيعته مع السياسات الإيرانية، وترحيل أدواتها العسكرية (كحزب الله والمليشيات الطائفية) خارج حدوده، وهو الأمر الذي أعلنته روسيا بالنيابة عن النظام بتصريحها عقب عملية إسقاط طائرتها (أيل 20) عن ابتعاد إيران عن الحدود مع إسرائيل بمسافة 140 كلم، ما يمكن إدراجه ضمن سياق تنفيذ مرحلي للإرادة الأميركية- الإسرائيلية في سورية.
أي أن الحل السياسي الذي أصبح الطريق إليه ممهداً وفق وجهة النظر الأميركية، عبر عمليات التسوية التي عقدتها روسيا، وآخرها اتفاق إدلب بين روسيا وتركيا، ووفر فرصة «الاستقرار العسكري النسبي» أو الآني الذي يسمح بالذهاب إلى عملية سياسية، أصبحت مقتصرة على تعديلات أو إصلاحات دستورية، تقوم بها لجنة متوافق عليها دولياً بإسم السوريين من طرفي النزاع المعارضة والنظام، ويمكن من خلالها الوصول إلى سورية جديدة قائمة على المبادئ التي اعتمدتها «اللاورقة»، أو وثيقة المجموعة المصغرة لدعم سورية (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية والأردن ومصر).
وحيث تجدد الدول دعمها للعملية السياسية، فإنها تشدد على ربط ذلك بعملية المساهمة في إعادة الإعمار، وتؤكد على توضيح مسار هذه العملية من خلال التعديلات الدستورية، أو إنتاج دستور جديد، يتم خلاله اختصار صلاحيات الرئيس، وتوزيعها على البرلمان والحكومة، وضمان استقلال القضاء ومؤسسات الحكومة المركزية والإقليمية على أساس مناطقي، ما يعني هدم شكل الدولة الشديد المركزية السابق، والانتقال إلى شكل جديد يسقط معه تلقائياً نظام الحكم القائم، وتعزز العملية الانتخابية وفق قانون جديد يزيل القيود عن الترشيحات، ويمكن اللاجئين والنازحين من عمليتي الترشيح والانتخاب، ما يهدد فعلياً قوة الأسد الحالية بالهيمنة على مضمون العملية الانتخابية، وتسييرها وفق منهجية إرادة القوى الأمنية الاستبدادية المتعارف عليها لعقود طويلة.
إلا أن ما يمكن السؤال عنه اليوم في ظل استفراد روسيا في العمل الميداني ضمن مناطق النظام والتسويات، يكمن حول من يحمي التعديلات الدستورية، ويمنحها آليات تنفيذية تمكنها من إجراء عملية التغيير في شكل الدولة وأدواتها؟ فحيث لا يوجد نص دستوري «حالي» يبرر الجرائم المرتكبة ضد السوريين، على يد أجهزة الأمن والجيش وآلته العسكرية، فإن ثمة قوانين ومراسيم أتاحت لهذه «المؤسسات» فرصة النجاة من المحاسبة والمحاكمة، ما يعني أن الحاجة التي تسبق التعديل الدستوري هي: بوجود أدوات حيادية (قوة تنفيذية) لتطبيق الدستور، ما ينتج تساؤلات عديدة منها:
هل روسيا الموجودة عسكرياً بقرار من النظام، وباعتراف دولي، هي الجهة المعتمدة أميركياً في هذه المهمة شديدة التعقيد، (كون روسيا هي الداعم الرئيسي للنظام السوري الحالي)، والذي حال دون تحميله أي عقوبات ملزمة على ما سبق من أعمال، انفردت الولايات المتحدة وشريكتيها بريطانيا وفرنسا بتجريمها، واتخاذ العقوبات اللازمة حيالها؟
وهل خروج إيران «الشكلي» من سوريا من دون اعتماد مبدأ مراجعة عمليات هيمنتها الاقتصادية من خلال العقود الموقعة مع النظام، يمكن السوريين من عملية بناء سورية الجديدة التي لن تكون منصة لإيران لاحقاً؟
وهل يكفي تلازم شرط إعادة الإعمار بوجود عملية سياسية لا يتم التراجع عنها، لإلزام روسيا بتطبيق القرارات الدولية ومنها القرار 2254؟
إن التزامن بين تشديد الحملات والعقوبات الاقتصادية على إيران، وما نتج عنه من انهيارات في اقتصادها، وتأزم الوضع الداخلي للنظام الإيراني مع معارضيه، يسهل على روسيا عملية إقصاء إيران من شراكتها في سورية، كما يفتح شهية موسكو على تسريع خطوات الحل السياسي لتجاوز العقوبات المفروضة عليها، وفتح صفحة جديدة في علاقاتها الدولية، في حال رغبت فعلياً في استعادة دورها الدولي، على رغم حالة الفوضى السياسية والعسكرية التي نجمت عن إسقاط طائرتها في اللاذقية، إلا أن ذلك سيضعها في مواجهة مع النظام الذي يرى في العملية السياسية وفق الرؤية المطروحة ما يهدد فرص نجاته، وحفاظه على نسب تصويتية تمكنه من الاستمرار في حكم سورية، حتى ضمن إقليم ما يمكن تسميته «سورية المفيدة».
* كاتبة سورية
الحياة