ثمان قصائد/ تشارلز بوكوفسكي
ترجمة ماجد الحيدر
تشارلز بوكوفسكي Charles Bukowski: شاعر وقاص وروائي وكاتب مسرحي أمريكي. يعد واحداً من أهم شعراء أمريكا في النصف الثاني من القرن العشرين، رغم أنه لم ينل شهرة واهتماما كبيرين داخل بلاده إلا في أواخر حياته خلاف ما ناله في أوربا على وجه الخصوص حيث حظيت أعماله بطبعات وترجمات كثيرة واستحسانا واهتماما واسعين من قبل القراء والنقاد على حد سواء، حتى بلغ الأمر بجان بول سارتر الى وصفه بـ “أعظم شعراء أميركا”
ولد عام 1920 في مدينة أندرناتش غرب ألمانيا لأم ألمانية وأب أمريكي كان جنديا ضمن القوات الأميركية المحتلّة لألمانيا في الحرب العالمية الأولى لكنه فضل البقاء في ألمانيا حيث تزوج وازدهرت أعماله لفترة قبل أن تعصف أزمة العشرينات الكبرى بالاقتصاد الألماني مما دفعه الى الهجرة بعائلته إلى الولايات المتحدة الأميركية بحثا عن حياة أفضل، لكن الأمور جرت عكس توقّعاته بسبب الكساد الاقتصادي الكبي الذي ضرب أميركا مع نهاية العشرينات من القرن الماضي مما دفع بالأب إلى صفوف العاطلين عن العمل، ليتحوّل شخصاً عنيفاً ومحبطاً ناقلاً إحباطه ومعاناته الى إفراد أسرته التي صار يعاملها بقسوة وعدوانية تصل أحياناً الى الضرب المبرح، الأمر الذي أثر على نشأة بوكوفسكى فنشأ شابا خجولا وانطوائيا. وضاعف من هذا الاتجاه إصابته بحالة متفاقمة من مرض حب الشباب. وكان أطفال الحى يسخرون من لكنته الألمانية وملابسه التي كان والده يجبره على لبسها. وتشكّل ذكريات بوكوفسكي الطفولية القاسية جزءاً مهماً من كتاباته، وقد عبّر عنها في العديد من قصصه القصيرة مثل(موت الأب) أو رواياته مثل(هام أون راي) كما في العديد من قصائده.
في هذه الظروف القاسية وجد بوكوفسكي ملاذه الفعلي في أمرين اثنين: الخمر والكتب. حيث انغمس في عالميهما بهوس عجيب استمر طيلة أعوامه اللاحقة. وتأثر على وجه الخصوص بأعمال تشيخوف و كافكا وهمنغواي وهنري ميلر ودوستويفسكي ولورانس وكامينغز وغيرهم.
بعد تخرجه من مدرسة لوس انجلوس العليا، التحق بوكوفسكي بكلية مدينة لوس انجلوس لمدة سنتين وتلقى دورات في الصحافة والفن والأدب. في سن الرابعة والعشرين نشر أولى قصصه القصيرة، غير أنه فشل في اقتحام عالم النشر مما سبب له صدمة دفعته الى ترك الكتابة لعشرة أعوام عاش فيها في حالة من السكر شبه الدائم وتنقل بين وظائف عدة من غاسل صحون في مطعم، إلى سائق شاحنة، إلى ساعي بريد، إلى موظف مرآب، إلى عامل مصعد إلى عامل في مجزرة والعديد من المهن الدنيا الأخرى مما جعله يحتك بالمجتمع السفلي وحياة الفقراء والمعدمين مما شكل مادة أساسية لكتاباته اللاحقة. لكنه ، وقد بلغ التاسعة والأربعين من عمره، اتخذ قراره النهائي بالتفرغ كليا للكتابة حيث كتب لأحد أصدقائه (لدي خيار من اثنين: أن أستمر بعملي في مكتب البريد وأصاب بالجنون أو أن أمضي بالكتابة وأموت جوعاً، ولقد قررتُ أن أموتَ جوعاً). وهكذا كتب روايته الأولى (مكتب البريد) بسرعة قياسية وبطريقة محمومة لتجد الطريق الى النشر خلال شهر واحد ليواصل بعدها طريقه من خلال سبعين كتابا بين مجموعات شعرية وروايات ومسرحيات شكلت سيرته الشخصية وعلاقته بالخمر والنساء وحياة الفقراء والكادحين والبؤساء المادة الأساسية لأغلبها.
يحسب بوكوفسكي أحيانا على جيل البيت (beat) رغم عدم ارتباطه بهم عمليا، فقد انطلق، مثلهم، من خارج المؤسسة الأدبية والسياسية والاجتماعية الرسمية في أميركا، فاعتُبر من كتّاب الهامش أو(الأندرغراوند)، وكرس مثلهم الكتابة اليومية، وأبرز العنصر الاحتجاجي وحياة المهملين والمهمّشين، وساهم مثلهم في احداث انقلاب على صعيد مفهوم الكتابة سواء في صلتها بالسائد والمكرّس أو في مقاربتها للحياة والواقع، أو في معاييرها الكتابية والإبداعية واللغوية.
على الرغم من كتابته الكثير من القصص القصيرة والمسرحيات والروايات (التي جعل بطل معظمها شخصية تدعى هنري شيناسكي، أو هانك التي تحضر أيضاً في العديد من قصائده بوصفها أناه العليا)، لكنه أبى إلا أن يبقى شاعراً قبل أي شيء ، رغم أنه أدخل إلى شعره الكثير من خواص الرواية والقصة القصيرة ولا سيما الحوارات والسرد، وحرص على أن يبقى شعره بسيطاً طوال الوقت غير مدَّعٍ أو متثاقف.
توفي بوكوفسكي عام 1994م في كاليفورنيا بعد معاناة من مرض سرطان الدم عن عمر يناهز الثالثة والسبعين .
من أهم أعماله: زهرة، قبضة، وجدار بوهيمي (1959)، قصائد طويلة المدى للاعبين مفلسين (1962)، رسوم وقصائد (1962)، تقبض على قلبي بيديها (1963)، اعترافات رجل مجنون بما يكفي للعيش مع الوحوش (1965)، أنا وكل سفلة العالم (1966)، عبقري الحشد (1966)، في شارع الرعب وطريق العذاب (1968)، قصائد كتبت قبل القفز من نافذة الطابق الثامن (1968)، ملاحظات عجوز أزعر (1969)، الأيام تعدو كجياد وحشية على التلال (1969)، الإطفائية (1970)، الطائر الغريد يتمنّى لي الحظ الطيب (1972)، جنوب الشمال (1973)، الاحتراق في المياه، الغرق في النار، قصائد مختارة (1973)، الحب كلب من الجحيم (1977)، نساء (1978)، شكسبير لم يفعل هذا أبداً (1979)، موسيقى المياه الحارة (1983)، تحت التأثير (1984)، الحرب طوال الوقت (1984)، وحيد في زمن الجيوش (1986)، نقاد السينما (1988)، لا نملك مالاً حبيبتي لكن لدينا المطر (1990)، في ظل الزهرة (1991)، قصائد آخر ليلة على الأرض (1992)، مشهور افتراضياً (1992)، صرخات من الشرفة: رسائل مختارة (1993)، الكذب على الحظ، رسائل مختارة (1995)، القبطان خرج لتناول الغداء والبحارة استولوا على السفينة (1998)، أكثر ما يهم هو بأي براعة تمشي على النار (1999)، مفتوح طوال الليل، قصائد جديدة (2000)
الطائر الأزرق
في قلبي طائرٌ أزرق يتوقُ للخروج
لكني قاسٍ معه.
أقول له: ابق ها هنا، فلن أسمحَ لأحدٍ
بأن يراك.
…
في قلبي طائرٌ أزرق يتوقُ للخروج
لكنني أسكب عليه الويسكي وأغرقه بدخان سجائري
فلا تعلم المومسات
ولا سقاة الحانات
ولا عاملو البقالات
بأنه.. يمكث هناك.
…
في قلبي طائرٌ أزرق يتوقُ للخروج
لكنني قاسٍ معه
أقول له: امكث هنا
ها تريد ارباك أعمالي؟
هل تريد ضربَ مبيعات كتبي
في أوربا؟
…
في قلبي طائرٌ أزرق يتوقُ للخروج
لكنني شديد الذكاء
فلا أخرجه إلا في الليل
حين ينامُ الجميع.
أقولُ له: أعرفُ أنك هناك
فلا تحزن.
ثم أعيده.
لكنه، وهو هناك، يغني بعض الأحيان؛
إذ لم أدعه ليموت تماماً
فننام معا، على هذه الحال
ومعنا.. ميثاقنا السرّي.
نعم. هذا لطيف حدّ أنه
يدفع الرجل للبكاء،
لكنني لا أبكي..
هل تبكي أنت؟
ما حالُ قلبك؟
في أسوأ أوقاتي:
على مصطبات الحدائق،
في السجون،
أو العيشِ مع المومسات،
كانت عندي
هذي القناعة
ان أسمّيها سعادةً.
كانت شيئا.. أكبر من اتزانٍ داخلي
يفرض الرضا بكل ما يحدث
ويعينني في المصانع
أو حين تسوء
صِلاتي بالنساء!
صيفٌ بارد
ليس بالسوء الذي
يمكن أن يبلغه،
لكنه.. سيء بما يكفي:
خارجاً من المشفى،
داخلا الى المشفى،
خارجاً من غرف الأطباء،
داخلاً إليها،
معلَّقاً بخيط:
– “إنك تتشافى..
لا. انتظرْ،
ثمة خلّيتان جديدتان
وأقراصك الدموية في هبوطٍ شديد،
هل عدتَ للشراب؟
قد نفحص غدا
عينة أخرى من نخاع عظامك”
…
الطبيب مشغول
وغرفة الانتظار في ردهة السرطان
مزدحمة.
…
الممرضات لطيفات،
يمزحن معي؛
أظنه أمراً لطيفا
أعني أن تمزحَ وأنتَ
في وادي ظِلال الموت.
زوجتي معي.
أشعر بالأسى على زوجتي.
أشعر بالأسى.. على كل الزوجات.
…
ثم ننزلُ الى موقف السيارات.
تقودُ أحيانا، وأقود أحيانا،
والآن جاء دوري.
كان صيفا بارداً
-“ربما عليك أن تستحم قليلا حين نصل البيت”
تقول زوجتي.
…
إنه يوم أدفأ من المعتاد
…
-“بالتأكيد”
أجيبها، وأنا أغادر الموقف
..
إنها امرأة باسلة
تتظاهر أن كل شيء
يسير كالمعتاد
…
لكن عليّ الآن
أن أدفع الحساب عن
كل ما بذّرت من سنين،
وهي كثيرة، كثيرة.
حان وقت التسديد
وان يقبلوا
غير دفعة واحدة أخيرة
..
بلى..
ربما اخذُ حمّاماً.
وحيداً.. مع الجميع
ثم تُكسى العظامُ لحماً
ويركِّبون عقلاً..
وروحاً، بعض الأحيان،
وتشرع النساء بتحطيم المزهريات
وضربها بالجدران،
والرجالُ.. بالإفراط في السكر،
ولا أحد.. لا أحد يعثر على من يريد.
لكنهم يواصلون النظر
والزحف الى الأسرّة ومنها.
تُكسى العظامُ لحماً
ويبحثُ اللحم عما هو
أكثر من اللحم.
…
لا فرصة.. لا فرصةَ أبداً:
كلنا واقعون
في شراك مصير وحيد.
…
لا أحد.. لا أحد يعثر على من يريد.
…
تمتلئ مزابل المدينة
تمتلئ ساحات “الخردة”
تمتلئ مشافي المجانين
تمتلئ المستشفيات
تمتلئ المقابر
ولا شيء.. لا شيء غيرها يمتلئ.
والآن؟
جاءت الكلمات ثم ذهبت.
أجلسُ أنا مريضاً.
يرنُّ الهاتفُ.
تنامُ القطةُ.
وتشغِّل “لندا” المكنسة.
وأنا.. أنتظرُ أن أعيش..
أنتظرُ أن أموت.
ليتني طلبتُ بالهاتفِ بعض الشجاعة.
إنه حلٌّ سخيف
لكن الشجرة التي بالخارج
لا تعرف أنني أراقبها ‘ذ تهتز مع الريح
تحت شمس الأصيل.
هنا ليس ثمة ما يمكن قوله،
ليس غير الانتظار،
وكل يواجهه لوحده.
آه، قد كنت فتيّاً ذات يوم،
قد كنتُ ذات يوم..
فتيا بما لا يصدَّق!
أدِرِ النرد
إن كنتَ تنوي أن تجرّب
فامضِ الى آخر الشوط
وإلا
لا تُقدِم على البدء
…
إن كنتَ تنوي أن تجرّب
فهذا قد يعني خسرانك لحبيباتٍ
زوجات
أقرباء
وظائف
وربما.. عقلك!
…
امضِ الى آخر الشوط.
هذا قد يعني ألا تأكل لثلاثة أيام أو أربعة
هذا قد يعني أن تتجمد فوق مصطبة متنزهٍ ما
هذا قد يعني أن تدخل السجن
قد يعني الاحتقار
السخرية
العزلة.
العزلة وحدها نعمةٌ وهبة
وما خلاها ليس سوى اختبار
لاحتمالك،
لقوة رغبتك
في أن تفعلها.
ولسوفَ تفعلها
رغم الرفض، ورغم أسوأ المفاجآت.
ولسوف يكون هذا
خيرا من كل ما تخيّلت.
…
إن كنتَ تنوي أن تجرّب
فامضِ الى آخر الشوط.
ما من شعور يضاهيه:.
ستكون وحيدا مع الآلهة
والليالي .. سينيرها اللهيب.
…
افعلها، افعلها، افعلها
افعلها
…
الى آخر الشوط.
الى آخر الشوط.
…
ستمتطي صهوة الحياة
صوب الضحكة المطلقة.
وهذه.. المعركة الصالحة الوحيدة.
أنا نفسي أفعلها
مكابداً كل هذي المسافات
ما بيننا
مواجها نفسي
حين يطغى الصمت والظلام
عاملا، وأنا أفقد رغبتي
قاطناً في مدينةٍ غادرتني من زمانٍ بعيد
دافعاً أيامي أمامي
ساعياً كي أعيش أحلامي
قابضاً على غدي
قارئاً كلمات “وايلد”
مبتسماً رغم ذلك
لأنني..
لأنني أفعلها!
وقتٌ عصيب (1)
وفرةٌ
أو قلةٌ
أو نزرٌ شحيح.
…
سمنة
أو هزال
أو لا أحد
…
ضحكٌ
أو دموعٌ
أو لا مبالاة نظيفة
…
كارِهون
محِبّون
…
جيوشٌ تركضُ في شوارعَ من دمٍ
تلوِّحُ بقناني النبيذ
بحِرابها تطعن العذارى ..تفتضُّهنّ
…
شيخٌ في غرفةٍ رخيصةٍ
بها صورةٌ لمارلين مونرو
حشودٌ من شيوخ في غرفٍ رخيصات
دونما صور
حشودٌ من عجائز
يمسِّدنَ المسبحات بينا يفضِّلنَ
لو مسَّدنَ أعضاء ذكرية
…
في هذا العالم
ثمةً وحشةٌ هائلة
حتى لتراها
في دبيب عقارب الساعات البطيء
في هذا العالم
ثمة وحشة عظيمة
حتى لتراها في وميض أضواء النيون
في لاس فيغاس، في بالتيمور
في ميونخ
…
ثمة بشرٌ متعَبون
مكلومون
مهانون من الحب
أو اللاحب
حتى ليغدو شراء علبةٍ
من تونةٍ مخفضة السعر من السوبرماركت
أعظم لحظاتهم
أعظم انتصاراتهم
…
لسنا بحاجةٍ لحكوماتٍ جديدة
لثورات جديدة
لسنا بحاجة لرجال جدد
لنساء جديدات
لسنا بحاجةٍ لطرقٍ جديدة،
لتبادل شركاء الفراش
لأسِرَّةٍ محشوة بالماء
لكوكائينٍ كولومبي فاخر
لأراجيل
لقضبان اصطناعية
قطع مطاط بجذوع من الفلين،
لساعات تعرض اليوم والتاريخ.
…
لا وداد بين البشر
الواحد ضدٌّ للواحد
الى الجحيم بماركس؛
الخطيئة ليست في تسلط أنظمة بعينها.
الى الجحيم بالمسيحية؛
الخطيئة لم تكن في قتل ربٍّ بعينه.
الأمر لا يعدو أن…
لا وداد بين البشر.
…
خائفون نحن
نظن أن الضغينةَ
تعني البأسَ
نظن أن نيويورك
أعظم مدن أمريكا
…
ما نحتاجه:
قدر أقلّ من الذكاء
قدر أقل من التعليمات
ما نحتاجه
عدد أقل من الشعراء
عدد أقل من البوكوفسكيات (2)
عدد أقل من البيلي كراهامات (3)
ما نحتاجه
مزيدُ من البيرة،
كاتبةُ طابعةٍ،
مزيد من العصافير
ومزيد من قحابٍ زرق العيون
لا يأكلن قلبك
كأقراص الفيتامين
…
هكذا نحن
لا نفكر برعبِ إنسانٍ أوحد
يتوجع في مكان أوحد
لا يلمسهُ أحد
لا يكلمه أحد
يسقي نبتةً
لا هاتف لديه
هاتفا لا يرن أبداً
لأنه ما من أحد.
…
الكارهون يفوقون المحبين
وشرائح الدينونةٍ والهلاك
كأنها أوشحة من حرير
…
لا وداد بين البشر
لا وداد بين البشر
لا وداد بين البشر
…
وتظل حبات المسبحة تتأرجح
والغيومُ تغيم
والكلاب تبولُ على الورود
والقاتل يقطع رأس الرضيع
كأنه يقضم مخروط آيس كريم
والمحيط يجيء ويروح
ويروح
يديرُهُ كيفَ شاء.. قمرٌ مخبول
…
ولا..
لا ودادَ بينَ البشر! (4)
====
1= يمكن أيضا ترجمة عنوان القصيدة الى الطحن، السحق، الجرش.. الخ.
2= إشارة الى اسم الشاعر نفسه بالطبع.
3= إشارة الى بيلي غراهام (Billy Graham) مبشر إنجيلي أمريكي ولد عام 1918، تبنته الأوساط الحاكمة الأمريكية منذ منتصف القرن كداعية مدعوم من المؤسسة الرسمية و(مستشار روحي) للرؤساء الأمريكان، امتلك وأدار امبراطورية إعلامية وتبشيرية عالمية كبيرة. عرف بكراهيته للشيوعية وتأييده للتدخل الأمريكي في فيتنام.
4= لهذه القصيدة (كما للعديد من قصائد بوكوفسكي) ثلاث نسخ على الأقل، منها ما سبقني بعض الزملاء الى ترجمته، فاقتضى التنويه.
الأسلوب
الأسلوبُ جوابُ كلِّ شيء
الأسلوب مدخلٌ طازجٌ ناضرٌ
للدنوِّ من كلِّ خطير
أو مملٍ أو ثقيل.
…
وإنكَ إذ تستعينُ بالأسلوب
لِتفعلَ شيئاً مملاً،
لَخيرُ من أن تجترحَ الفعل الخطير
دونَ عون منه!
…
أن تجترح الفعل الخطيرَ بأسلوبٍ
هو ما أسميّه بالفنّ
مصارعة الثيران قد تكون فنّاً
الملاكمة قد تكون فنا
الحبُّ قد يكون فنا
فتح علبة سردينٍ قد يكون فنا
…
من يملكونَ الأسلوب ليسوا بالكثيرين
من يحافظون على الأسلوب ليسوا بالكثيرين
قد رأيت كلاباً ذات أسلوبٍ أفضل من البشر
رغم أن القليل منها يملك الأسلوب.
أما القطط فتملك الكثير منه.
…
حين نثر “همنغواي” دماغه على الجدار
بطلقة من بندقيته
كان هذا أسلوباً.
أحياناً يمنحك الناس أسلوباً
“جان دارك” كانت ذات أسلوب
“يوحنا المعمدان”
“المسيح”
“سقراط”
“قيصر”
و “غارسيا لوركا”
…
قابلتُ في السجن أناساً ذوي أسلوب.
قابلتُ في السجن أناساً ذوي أسلوبٍ
أكثر مما قابلت خارجه
…
الأسلوب هو المغايَرة
هو طريقة للفعل،
طريقة للصيرورة
…
ستةٌ من طيور مالكِ الحزين
ينتصبون بوقارٍ في بركةِ ماء
أو أنتِ وقد خرجتِ عاريةً من الحمّام
دون أن تلحظيني !
ماجد الحيدر: شاعر وقاص ومترجم من كردستان العراق. ولد ببغداد عام 1960. يكتب ويترجم بالعربية والكردية والانكليزية.
أصدر العديد من المجموعات الشعرية والقصصية والترجمات.