مقالات

لعبة التشكيك:رداً على مقال نبيل سليمان/ عبد الرحمن حلاق

 

 

قدم الروائي السوري نبيل سليمان سرداً تاريخياً للتشكيلات الثقافية السورية التي تأسست بعد الاستقلال في مقالته المعنونة (إشكالات العمل الثقافي السوري: من الرابطة إلى الرابطة!) والمنشورة في موقع “ضفة ثالثة”/ العربي الجديد يوم ( 12 ديسمبر 2018 ) متحدثاً عن طغيان السياسي على الثقافي والارتهان للممول مستدلاً على ذلك من خلال ثلاث تجارب ابتدأها برابطة الكتاب السوريين ( 1951 ) وما تلاها من تشكيلات متباينة وهذا التشكيل كان مستقلاً سياسياً كما كتب نبيل سليمان، ثم تجربة اتحاد الكتاب العرب ( 1969 ) ثم تجربة رابطة الكتاب السوريين (2012) وقد حاول إثبات فكرة طغيان السياسي على الثقافي والارتهان للتمويل من خلال  تجربة اتحاد الكتاب العرساني ( نسبة لزعيمه علي عقلة عرسان والتسمية للكاتب ) وكذلك الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب وقد أشبع الجانب المتعلق باتحاد الكتاب العرساني بالشواهد التي يثبت فيها خضوع الثقافي للسياسي في حين مرّ مروراً عابراً على الاتحاد العام للكتاب العرب دون أن يذكر أي شاهد يدل على خضوعه للسياسي حتى أنه تجاهل ذكر اجتماعه العام في دمشق الأسد دمشق الجرائم وذلك في ( يناير 2018 ) وسط استهجان وتنديد العشرات من المثقفين والكتاب العرب. ثم يسرد الروائي نبيل سليمان سيرته الذاتية في اتحاد الكتاب العرساني وما فيها من قمع له واضطهاد واستسلام للسياسي، وكي يزيل استغراب القارئ الذي يمكن أن يتساءل في داخله عن سر بقائه في الاتحاد يجيب بوضوح وشفافية بأنه (الخوف وافتقاد البديل) وهذه سيكون لي معها وقفة في نهاية المقال.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا وقد صدر عن الدكتور حسام الدين درويش على صفحته الخاصة في الفيسبوك هو:

هل هناك فعلًا تماثل من حيث الجوهر بين تلك الرابطة واتحاد الكتاب العرب؟

في الواقع يدرك نبيل سليمان الفارق الكبير في ظروف ونشأة كل تشكيل على حدة، فالرابطة تأسست في ظروف زلزالية (هو لا يعترف بها ثورة ويسميها زلزالاً) أما الاتحاد فهو ابن النظام الأسدي المستبد، وكان الأولى بكاتب المقال أن يعقد تماثلاً بين نشأة رابطة الكتاب السوريين (1951) ونشأة رابطة الكتاب الحالية، فالأولى كانت مستقلة ولم تتلق أي دعم خارجي والثانية كذلك الأمر، فمن موّل المؤتمر التأسيسي الذي عقد في القاهرة رجل أعمال سوري، لكن على الأغلب لم يعقد كاتب المقال هذه المماثلة لاقتناعه التام بالفكرة الأدونيسية والتي تقول إن المتظاهرين خرجوا من الجوامع ولذلك لا يصح مقارنة هؤلاء الغوغاء بأولئك الأحرار. ثمة سبب آخر ربما هو في قناعة الكاتب التي ذكرها في المقال أن من أسس الرابطة الأولى هم مجموعة من الأدباء الذين تصدروا المشهد الثقافي لعقود بينما هؤلاء يصح فيهم القول (من أنتم؟) كتاب درجة ثانية ربما وبضعة ناشطين سياسيين.

سأصوغ من جهتي سؤال الدكتور حسام بطريقة أخرى: ما الذي جعل الروائي والناقد نبيل سليمان يوحي بأن ثمة تماثلا بين اتحاد الكتاب العرساني ورابطة الكتاب السوريين؟

وإذا كان من الطبيعي أن يتواجد في أي اتحاد أو رابطة أو هيئة بعض الكتاب الذين لا يتمتعون برصيد إبداعي مرموق فلماذا يشير نبيل سليمان لمن هم في رابطة الكتاب الحالية فقط ولماذا يذكر وجود بعض الناشطين السياسيين القياديين بين الأعضاء، (وفي الواقع لا ندري من يقصد بالناشطين) الذين يشبه وجودهم وجود رفعت الأسد ومصطفى طلاس في الاتحاد السلطوي حسب معرفتي، لا يوجد بين أعضاء الرابطة ضباط ولا وزراء سابقون.

الكاتب يقرر أن الرابطة خفت بريقها بعد أن عجزت عن أن تحل محل اتحاد الكتاب العرساني ضمن الاتحاد العام للكتاب العرب وأسباب الخفوت كما يراها (الارتهان للتمويل وعلوّ صوت الإقصاء والتخوين الذي بلغ حد الطائفية وحد النفخ في بوق العسكرة والأسلمة.) عند هذا الحد نكرر السؤال ذاته ومطلوب من الكاتب الإجابة عنه. لماذا توحي لقارئك بأن أعضاء هذه الرابطة هم أناس طائفيون إرهابيون يؤيدون العسكرة، متطرفون متأسلمون؟ أما كان الأولى أن تعرف لنا الطائفية أولاً ثم تشير إلى أعداد مجلة أوراق التي تقطر منها الطائفية أو العسكرة أو الأسلمة. بمعنى آخر أما كان الأولى أن تناقش لا أن تقرر؟

كل هذا الإيهام يقدمه الروائي نبيل سليمان بأسلوبه السردي الذي يجيد تغليف الحقائق ويعرف كيف يكسر أفق التوقع لدى القارئ وذلك بفصل متعمد بين المواقف الفردية الخاصة وموقف الرابطة العام، فالرابطة تأسست على حرية التعبير ولا تملك الرابطة إيديولوجية فكرية ملزمة لأعضائها فما يصدر عن أي عضو فيها إنما يعبر عن موقفه الشخصي لاعن موقف الرابطة، مواقف الرابطة تظهر فيما يصدر عنها من بيانات تأييد أو تنديد، وكاتب المقال في كل ما ذهب إليه من اتهامات قدّم أفكاره مغلفة بتعميم دون الاستشهاد بدليل واحد، وغياب الدليل يكشف غياب المتابعة أصلاً وغياب المتابعة سيجعله يقع في خطأ من مثل ( المجلتين اللتين أصدرتهما ” أوراق / دمشق”) علماً أن الرابطة لم تصدر سوى مجلة أوراق.

لماذا يوحي نبيل سليمان بتماثل بين الاتحاد والرابطة؟ لأن نبيل سليمان رجل عصيّ على التصنيف يتملكه الخوف إن حُسب على طرف تماماً مثلما كان الخوف (باعترافه) سبباً في بقائه ضمن الاتحاد السلطوي، هو يريد أن يكون صديق الجميع إلى أن تتضح الرؤيا وصديق الجميع ليس صديقاً لأحد. وبهذه العقلية ضَمِن بقاءه في اللاذقية وضَمِن تنقلاته بين دمشق ودبي، وفي الوقت ذاته لا ضير في أن يظهر على تلفزيون سورية ضمن برنامج المنعطف والذي كرر فيه تسمية الحدث السوري بالزلزال ليوهم المتلقي (على الطرفين) بأن هذا الحدث أتى قضاء وقدرا وربما يكون مؤامرة كونية. وليتابع من خلاله أيضاً لعبة التشكيك ذاتها.

وفي العودة لسبب بقائه في الاتحاد السلطوي (الخوف وافتقاد البديل) رغم كل ما تعرض له، يمكن لنا أن نسائل نبيل سليمان الشخصية الروائية والمهمومة بالتغيير منذ رواياته الأولى: ما موقفك من هذا الزلزال الذي أطاح البلد؟ كانت البدايات باعتراف رئيس البلد مظاهرات سلمية وكانت اللحظة التاريخية للتغيير جد مواتية، اعتدى عليك الشبيحة وخرجت وعدت وخرجت وعدت وبقيت ممسكاً بالعصا من الوسط، لو أنك ساهمت من خلال موقعك (كشخصية اعتبارية) في جعل رابطة الكتاب السوريين أكثر فاعلية وقد كانت الدعوة مفتوحة للجميع أم أنك رأيت حينها أن صادق جلال العظم ونوري الجراح وحسام الدين محمد وروزا ياسين ورشا عمران وحسين العودات وسلامة كيلة وفرج بيرقدار وخطيب بدلة وجودت سعيد وغيرهم الكثير غير جديرين بأن يشكلوا بديلاً عن اتحاد الكتاب العرب؟ وأنهم ليسوا من الكتاب الذين يمكن أن يتصدروا المشهد الثقافي؟ وهنا سأتوجه لك صديقي نبيل بسؤال: ألا ترى معي أن لعبة الإيهام والإيحاء وذكر المقدمات الطويلة لتقرير هذه الحقيقة التي تراها (تماثل الرابطة والاتحاد السلطوي) ألا ترى معي أن هذه اللعبة هي استمرار للعبة التشكيك التي دأب النظام عليها من بداية الثورة ضد كل من عارضه؟

أما عن نظرتك المستقبلية في إفساح المجال أمام تشكيل هيئات وروابط واتحادات متنوعة تخدم التنوع والديمقراطية والتخلي عن الأفكار الشمولية التي تتناسب مع زمن المنظمات الشعبية، فأعتقدها بعيدة المنال في الداخل السوري الذي يصر مثقفوه على المضي قدماً خلف  نضال الصالح في محاربة الصهيونية والإمبريالية تحت راية الملالي، أما في الخارج السوري فأعتقد أن التركيبة الاجتماعية التي أفرزتها الثورة والتدخلات اللاأخلاقية من النظام وإيران وبقية الدول الإقليمية ستفرز هيئاتها وروابطها الطائفية تماماً كما أراد لها النظام.

*كاتب من سوريا

ضفة ثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى