في أغراض زيارة البشير الأسد-مقالات مختارة-
البشير والأسد: ماذا وراء لقاء متعوس مع خائب رجاء؟
حاكم السودان عمر البشير يتفوق على حاكم سوريا بشار الأسد في أنه جاء إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في سنة 1989، في حين أن الثاني ورث السلطة عن أبيه وتسلمها عبر مهزلة دستورية في سنة 2000. وما خلا فارق الـ11 سنة في الحكم، لا يختلف الاثنان كثيراً لا سيما في التبعية للخارج والتمسك بالكرسي، أو عصا المارشالية، أياً كانت الأثمان. وإذا كان البشير مطلوباً بمذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية منذ سنة 2008 لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في دارفور، فإن الأسد ينتظر دوره أمام محاكم دولية عديدة بسبب مسؤوليته عن جرائم حرب أشد فظاعة وبشاعة.
ولكن إلى جانب اللقاء الطبيعي الذي يمكن أن يجمع أي «متعوس» مع أي «خائب رجاء» كما يقول المثل الشعبي الشهير، هنالك أولاً محاولة البشير الهروب إلى الإمام من مشكلات السودان الداخلية المستفحلة، والتي تشمل الاقتصاد والسياسة والمجتمع، وتدفع الفئات الشعبية السودانية إلى حضيض الفقر والبؤس. وإلى جانب مشكلات البطالة والغلاء وانحطاط الخدمات العامة، يبلغ دين السودان الخارجي 56,5 مليار دولار، والتضخم يقفز بمعدلات فلكية، والعملة الوطنية تنحدر أكثر فأكثر، وهذا يفسر احتجاجات الشارع الشعبي التي انفجرت مراراً، وخاصة في 2013 و2016، وقابلتها السلطة بحملات قمع واسعة النطاق. كذلك يتخذ البشير إجراءات تطهيرية داخل مؤسسات السلطة والاستخبارات والجيش استعداداً لترشيح نفسه لدورة رئاسية جديدة في سنة 2020، فأقصى في هذا السياق وزير الخارجية، ثم مدير جهاز الأمن والمخابرات، وأتبعهما بإعفاء رئيس الأركان المشتركة ورؤساء أركان القوات البحرية والبرية والجوية.
ويسعى البشير ثانياً إلى الذهاب أبعد في تحويل السياسة الخارجية للسودان إلى لعبة مناورة بين المتناقضات والمحاور في المستوى العربي والإقليمي، وكذلك على نطاق دولي. فمن المعروف أنه يلمس التغيرات التي طرأت على مواقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تجاه الملف السوري إجمالاً، ومصير بشار الأسد بصفة خاصة، ولهذا فإنه يسارع إلى استباق احتمالات التطبيع، لا سيما مع نظام شبيه بنظامه من حيث العزلة عن الشعب والدولة الفاشلة. وهو يسترضي موسكو التي زارها أواخر العام الماضي وأعرب منها عن تأييد سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، بل بلغ به الأمر درجة طلب الحماية العسكرية من الكرملين، وأبدى الاستعداد لاستضافة قاعدة عسكرية روسية على أرض السودان.
ومن المنطقي ثالثاً ربط تحرك بخيار الانفتاح على دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي تجسدت أولى دلائله في إعلان رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو أن السودان سوف تكون الدولة العربية التالية التي سوف يزورها بعد سلطنة عمان، ثم السماح للطائرات الإسرائيلية بالمرور في الأجواء السودانية. والمساعدات المالية التي تتلقاها سلطة البشير من الرياض وأبو ظبي تصب عملياً في خدمة «صفقة القرن»، وهو التعهد الذي قطعه محمد بن سلمان ومحمد بن زايد مع جاريد كوشنر، عرّاب الصفقة ومستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طبقاً للتقارير التي افتضح أمرها قبل أشهر.
هي ساعات قليلة قضاها متعوس في ضيافة خائب رجاء، ومن المنطقي أن تكون حصيلتها مجرد مسرح استعراض بائس.
القدس العربي
البشير في دمشق.. تعدد التفسيرات وغموض المواقف
الخرطوم: فاقت زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، الأحد، إلى دمشق، كل التوقعات، وجاءت بذات الغرابة التي تمت بها وبعدها المفاجئ. وتفاوتت الآراء عن طبيعتها وجدواها في هذا التوقيت وما حملته، باعتبارها أول زيارة لرئيس عربي إلى دمشق منذ اندلاع الثورة السورية 2011.
وهي من المرات النادرة التي لا تعلن فيها الرئاسة السودانية عن زيارة خارجية للبشير، قبيل مغادرته للبلاد، وإنما جاء الإعلان قبل ساعة فقط من عودته إلى الخرطوم وبتكتم كبير عن الوجهة التي ذهب إليها.
وكما أحدث لقاء “البشير ببشار” زخماً خارجياً، اكتسبت الزيارة أهميتها أيضا داخلياً، باعتبار أنها جاءت في وقت تشهد فيه البلاد ضائقة اقتصادية متفاقمة خرجت على إثرها مظاهرات محدودة في مناطق مختلفة من البلاد على مدار اليومين الماضيين.
وقللت الحكومة السودانية من أهمية تلك التظاهرات، واعتبرتها “أصوات سالبة”، بل حرصت على توجيه الشكر للشعب السوداني على صبره على الضائقة الاقتصادية، ودعته لتفويت الفرصة على دعاة عدم استقرار البلاد.
ورغم ضبابية مضامين زيارة الرئيس السوداني، ورغم إعلان الخرطوم رسميا أن الزيارة “تحرك سوداني خالص” يهدف للتقارب العربي، إلا أن المراقبين والمحللين يتفقون على أن لها مدلولات خارجية وداخلية، ترتبط أحياناً وتحظى في أحيان أخرى بتأويلات وأهمية أكثر من الأخرى.
وأجرى البشير، الأحد، زيارة إلى العاصمة السورية استغرقت يوماً واحدًا، أجرى فيها مباحثات مع رئيس النظام السوري بشار الأسد.
تغيير مواقف
ذهب بعض المحللين إلى أن الزيارة لها علاقة وثيقة بتغيير الخرطوم لموقفها من المحور “السعودي- الإماراتي”، الذي شهد تقارباً في السنوات الأخيرة، باعتبار أن حكومة البشير تضع حداً لعلاقتها مع هذا الحلف، بتقاربها مع دمشق الحليف الأكبر في المنطقة لإيران.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن موقف “السعودية والإمارات” من الأزمة الاقتصادية، التي تعاني من بلاده، لم يكن مرضياً للحكومة، ولم تبديا أي استعداد للوقوف مع السودان في أزمته الممتدة منذ مطلع العام الحالي.
وفي أوقات سابقة علت الأصوات الناقدة والحانقة على “قلة” الدعم المالي الخليجي للخرطوم من أطراف سودانية ذات تأثير، وعلى رأسها البرلمان والصحافة التي دعت لسحب القوات السودانية – المنضوية تحت التحالف العربي – من اليمن.
ومنذ مارس/ آذار 2015 يشارك السودان في التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن.
ولم يعلن السودان رسمياً عن تعداد قواته المشاركة في عمليات التحالف، لكنه سبق أن أبدى استعداده لإرسال 6 آلاف جندي إلى اليمن.
يضاف إلى ذلك توسع السعودية والإمارات في دول شرق القارة الإفريقية، من دون أن يكون للخرطوم دور في هذا التوسع، ربما أقلق السودان من نوايا حلفائها في حرب اليمن.
هذا الواقع، بحسب بعض المراقبين، جعل العلاقات بين السودان ودول الخليج تشهد فتوراً في الأشهر الأخيرة، رغم إعلان الرئاسة السودانية المتواصل بأنها مستمرة في التحالف العربي دفاعاً عن أرض الحرمين.
كذلك فإن تقارب الخرطوم مع الرياض وأبوظبي لم يأت بأي نتائج سلبية على علاقات “الخرطوم بالدوحة”، والتي ظلت متماسكة، في ظل تقارير عن ضغوط غير معلنة من هذه الدول على الخرطوم للتخلي عن قطر.
ليس ذلك وحسب بل ذهب بعض المتابعين إلى أن هناك نقطة أخرى هي من تسببت في هذا الفتور، تتمثل في ضغط المحور السعودي الإماراتي على البشير من اجل التخلي عن الإسلاميين بالسودان.
وظل البشير يؤكد -في أكثر من مناسبة- أنه من حركة إسلامية ولن يتخلى عن مبادئها، والحركة الإسلامية هي المرجعية الفكرية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يترأسه البشير، والذي قاد انقلاب الإسلاميين واستولى على السلطة العام 1989.
كسر العزلة عن طريق موسكو
في اتجاه آخر، يرى متابعون ومحللون أن زيارة البشير لسوريا – وبطائرة روسية- حسبما نقلت وسائل إعلام محلية، في هذا التوقيت يشير إلى أن الخرطوم سئمت من محاولاتها الدائمة إرضاء الولايات المتحدة دون أن تحقق نتائج ملموسة على صعيد رفعها من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وتقترب أكثر من موسكو.
لأجل ذلك استجابت الحكومة السودانية للمطلب الروسي بالتقارب مع سوريا وكسر عزلة الأسد في محيطه العربي، كخطوة أولى تتبعها تسهيلات روسية تساعد في فك الأزمة الاقتصادية من خلال دعم السودان بالوقود والقمح الروسي.
كما أن حكومة البشير -رغم استمرار الأزمة السورية والحرب لسنوات- لم تقطع علاقتها بدمشق وظل سفيرها يعمل هناك طوال السنوات الماضية.
وطالب السودان أكثر من مرة بأن يتم حل الأزمة السورية داخلياً وبالحوار السياسي بين أطرافها، ويحمل التدخلات الخارجية تفاقم الأزمة.
وفي نوفمبر 2017، أكد البشير-من سوتشي- تطابقه موقف بلاده مع روسيا فيما يخص الشأن السوري، وقال، خلال لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “مواقفنا في سوريا متطابقة ونحن نرى أن السلام غير ممكن من دون الأسد”.
وأشار البشير، في كلمته، إلى أن “ما يحدث في سوريا هو نتيجة التدخل الأمريكي هناك”. مضيفا أن “عدم الاستقرار في المنطقة ناتج عن التدخلات الأمريكية” في المنطقة.
الشأن الداخلي
رأي آخر دفع به بعض المراقبين، بدأ واضحا في مطالبة “البشير وبشار”، بعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول.
واستدلوا بذلك على أنها النقطة الأبرز فيما خرج به اجتماع الجانبين، حيث “اتفقا على أن العمل العربي يجب أن يقوم على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية مما يقود إلى تحسين العلاقات العربية لخدمة مصلحة الشعب العربي”.
وهي إشارة لدى المراقبين بأن البشير يعاني كبشار من تدخل خارجي في شؤون بلاده من دول بعينها، وكأنه أراد إرسال رسالة بالكف عن التدخل في شؤون السودان.
إيران في آخر الطريق
تقارب السودان وسوريا قد يزعج دولاً كثيرة ويرضي البعض، بحسب الخبراء، لكنه لن يذهب أبعد من ذلك، باعتبار أن “دمشق وطهران” تشكلان حلفاً صمد طويلاً في مواجهة التغيرات والتحولات في المنطقة.
ويستبعد الخبراء أن تقود زيارة البشير إلى دمشق إلى عودة العلاقات السودانية الإيرانية، لأن توجهاً كهذا مرة أخرى يجد معارضة داخلية لن يقوى عليها البشير.
فمنذ العام 2014، اتخذت الخرطوم، عدة خطوات لتحجيم علاقتها مع طهران، انتهت بقطع العلاقات الدبلوماسية رسمياً في 2016.
وليس هناك أي مؤشرات حالياً حول أن التقارب السوري السوداني، ربما يقود إلى عودة علاقة بين الأخيرة وإيران. (الأناضول)
البشير وبشار.. بؤس التطبيع/ بشير البكر
زيارة الرئيس السوداني عمر البشير دمشق هي أول خطوة تطبيع من رئيس دولة عربية مع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، منذ بدء الثورة السورية. وهي بذلك تكسر طوق العزلة العربية والدولية، وتفتح الباب أمام بلدان أخرى لاستعادة العلاقات مع دمشق، على الرغم من الجرائم التي ارتكبها الأسد ضد الشعب السوري خلال أكثر من سبعة أعوام.
سيرة البشير ليست عطرة إلى حدٍّ يمكن أن نستغرب زيارته دمشق في هذا الوقت، فهو يمكن أن يفرّط بأي شيء إلا كرسي الحكم، ويقدم على أي فعل، طالما أنه يخدم بقاءه في السلطة. وتعودنا على ذلك من متابعة مساره الطويل على انقلاباته الكثيرة التي يحكمها هدف واحد، هو تجديد عمره في السلطة، فهو، منذ شارك في انقلاب عام 1989 ضد حكم ديمقراطي منتخب، ينتقل من طور إلى آخر على طريق تثبيت نفسه. ولذا أطاح أولا حليفه الذي هندس الانقلاب الشيخ حسن الترابي ونكّل به. وبعد ذلك صفّى رفاقه العسكريين الذين حملوه إلى كرسي الحكم وأكلهم قبل أن يأكلوه، واختلق حرب دارفور، حيث ارتكب نظامه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفرّط بوحدة السودان كي يبقى في السلطة، لكنه لم يترك الجنوبيين يتفاهمون على بناء كيان خاص، بل عمل على افتعال الفتن بينهم وتغذية الحروب حتى أوصل الجنوب للاستنجاد به أكثر من مرة.
ولعب البشير عدة أوراق في الخارج. وفي زمن سابق، استضاف بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، وفتح خطوطا مع إيران، وشارك أخيرا في عملية عاصفة الحزم التي أطلقتها السعودية في مارس/ آذار 2015، وأرسل قواتٍ كي تقاتل إلى جانب السعودية كي تحمي حدودها من هجمات الحوثيين، ودعم قوات الإمارات التي تقاتل على الساحل الغربي، وغالبية القوات التي أرسلها تتشكل من الجنجويد المتهمة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور. ولا يوجد أي تفسير لإرسال البشير قوات للمشاركة في حرب اليمن سوى السمسرة والارتزاق، وهو بذلك يشتري ود أبوظبي والقاهرة والرياض، ويسهل الطريق لعلاقةٍ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وسربت الصحف الإسرائيلية، قبل أسبوعين، أن رئيس البلد الأفريقي الثاني الذي سيزور إسرائيل، بعد رئيس تشاد إدريس ديبي، سيكون عمر البشير، وجاء كشف السر ليؤجل المسألة فقط، وهناك معلومات متداولة في أوساط مطلعة عن تبادل زيارات بين نتنياهو والبشير في الفترة المقبلة.
هناك من استخفّ بزيارة البشير إلى بشار، وتعامل معها باستهجان شديد، كون السودان بلدا خارج المعادلة والحسابات السورية، ولم يسبق له أن انخرط فيها، ثم إن رئيسه رجل مطلوب للقضاء الدولي. وعلى الرغم من هذه الاعتبارات، الزيارة على درجة عالية من الخطورة، وما أقدم عليه البشير، على ضآلة تأثيره في القضية السورية، مرشّح لأن يشكل سابقة، ويفتح الطريق لغيره، وهذا يكفي، فهو غير مطلوب منه أن ينتشل الأسد من وضعه المزري، فهذه مهمة لها من يتكفل بها في موسكو وطهران وتل أبيب والرياض، المطلوب من البشير أن يجعل من زيارة الأسد أمر عاديا في عيون الآخرين. ومن هنا، فإن ذهاب البشير إلى دمشق ليس نزوة من نزواته الكثيرة، وإنما جاء ضمن سياق سياسي، ومن يقف وراءه قام بدراسته جيدا.
وربما استغرب بعضهم أن تكون هناك صلة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان وزيارة البشير المفاجئة إلى دمشق، لكن التطورات في الوضع العربي باتت مرشّحة لكثير من هذا النمط من الانتكاسات والمهازل، منذ أن أصبحت الرياض وأبوظبي تقودان القاطرة السياسية.
العربي الجديد
لقاء البشير وبشار.. وصفات ” التكيف” ورسائل الإقليم/ حمزة المصطفى
في عام 2007 نشر الباحث، والمختص بالملف السوري، ستيفين هايدمان (Steven Heydemann) دراسة شيقة بعنوان “Upgrading authoritarianism in the Arab world” في فحص ما كان يسمى “Arab exceptionalism ” أو ” الاستثنائية العربية” ديمقراطيًا. قيمة هذا المقال أو الدراسة لا تنبع من أنه أسس نظريًا لما يعرف في دراسات عدة بـ “التعلم السلطوي” أو “Authoritarian Learning”. لكنه نجح إلى جانب مساهمات إيفا بيلين ” Eva R. Bellin” في لفت الأنظار غربيًا إلى ضرورة دراسة “استثنائية الأنظمة العربية” عوضًا عن التركيز على الجانب الثقافوي (الثقافة الأبوية، الإسلام). ضمن هذا السياق، يدعي هايدمان أن الأنظمة السلطوية العربية التي راكمت خبرات الاستبداد عبر عقود طويلة أنتجت آليات جديدة أكثر قدرا على التكيف “adaptation” لاحتواء المطالب الديمقراطية داخليا والضغوط الدولية خارجيًا.
من المنظور السابق، يعتبر نظام عمر البشير في السودان من أكثر الأنظمة نجاحا في “التكيف السلطوي” على مستوى المنطقة والعالم. فالنظام الحاكم في السودان، المحسوب نظرياً على جماعة الإخوان المسلمين، وصل إلى السلطة بانقلاب عسكري دموي، وحكم لما يقارب ثلاثة عقود دون مشروع تحديث أو دون الادعاء بذلك. أكثر من ذلك، استمر هذا النظام بالسلطة رغم التفقير والتهميش، وفشل
الدولة الوطنية، وانتشار الميليشيات، وانقسام البلاد رسميا إلى قسمين، وتشظيها إلى خمسة، وقتل عشرات الآلاف من البشر في دارفور وغيرها. وبخلاف كل الانظمة الأخرى، لم يتعرض النظام السوداني إلى هزات بنيوية عميقة على الرغم من خروج موجات شعبية ضده إلى درجة أن البشير يعد العدة لإصدار تشريع يسمح له بالبقاء بالرئاسة إلى الأبد.
قصارى القول، أن البشير بزيارته إلى دمشق ولقائه بشار أراد نقل ثلاث رسائل. أولها: إن مجرم الحرب يمكن أن يستمر في الحكم. وثانيها؛ إن البقاء في الحكم له ثمن إقليمي. وثالثها: كل الطرق الاستبدادية تؤدي إلى تل أبيب.
الرسالة الأولى: تقوم على استحالة الحكم بالطريقة السورية الحاليّة. لذلك لا بد من خلق هامش جيد من الحريات والعمل السياسي على أن يكون هذا الهامش محكوما كليا من أجهزة الدولة بحيث تصادره عند الحاجة إلى العودة إلى آليات الهيمنة التقليدية (القمعية). والتجربة السودانية حاليا خير برهان، إذ يبدي نظام البشير ليونة تجاه عمل المعارضين ونشاطهم السياسي، والعمل الصحفي والثقافي المعارض مع الإيحاء بأن النظام القائم يريد حوار وطنيا جديا للخروج من الأزمة الوطنية الحادة. وفي الوقت عينه، تجري عملية استمالة بعض المعارضين وتقسيم الأحزاب الأخرى لمنع تشكل قطب وازن قادرعلى تشكيل بديل ديقراطي. وبهذا المعنى، تعيد ” المعارضة” ما فقده النظام من “مشروعية”، ويستطيع من خلالها الادعاء بوجود عملية سياسية وطنية.
الرسالة الثانيّة: إن أولى خطوات البقاء تكمن في رفع العقوبات الدولية المفروضة على النظام، وهذا لا يتحقق إلا بدفع ثمن إقليمي لدول قادرة على التأثير في السياسات الغربيّة.ضمن هذا السياق، يعد نظام البشير أبرز الأمثلة الناجحة، فقد استغل صعود دول خليجية حليفة من ترامب لتزعم المشهد العربي (الإمارات والسعودية)، وسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة معها لكونها تفضل الأنظمة الاستبدادية على النماذج الأخرى. فمع أن إيران قدمت
مساعدت جلية للبشير، لكن الأخير لم يتردد لحظة في التخلص منها عندما رأى في ذلك طوق نجاه لنظامه، وبوابة لدخول قلب ترامب. ومع بروز اللحظة الخليجية في المشهد العربي أغلق البشير المراكز الثقافية الإيرانية، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وأرسل قواته لتعمل بالأجرة بدلا عن جنود التحالف العربي في اليمن. وحتى لا يضع البيض في سلة المملكة، حافظ البشير على علاقات جيدة مع تركيا وقطر مع خلال منحمها مشاريع استثمارية واقتصادية ساهمت في تقوية نفوذهما الإقليمي في منطقة البحر الأحمر وإفريقيا.
الرسالة الثالثة: إن التطبيع مع إسرائيل ونسج علاقات معها وإهمال القضية الفلسطينية، والاعتراف بشرعية الاحتلال هو مدخل أساسي لتطوير العلاقات مع الغرب عموما، والولايات المتحدة على وجه خاص. من هذا المنطلق، شرع نظام البشير وقبل سنوات بتحسين العلاقات بشكل تدريجي مع إسرائيل لتصل مؤخرا بعد رفع العقوبات الأميركية عن السودان إلى مستوى يطالب فيه نتنياهو علانية بالتطبيع الجوي “علانية” تمهيدا للتطبيع الدبلوماسي، كما يجري حاليا مع دول خليجية عدة.
باختصار، نقل البشير “شروط” إعادة تأهيل النظام السوري عربيا وإقليميا تمهيدا لتأهيله على المستوى الدوليّ، وهي “شروط” لا يمانع النظام في تنفيذها لكن قد لا يستطيع بحكم التغلغل الإيراني في الأرض والذي لا تقدر موسكو على موازنته حتى الآن.
تلفزيون سوريا
البشير والبشار..وثالثهما بوتين/ ساطع نور الدين
لم يكن سقوطاً أخلاقياً للرئيس السوداني عمر حسن البشير، بل كان إرتقاء سياسياً.
الزعيم السوداني الذين ينتمي الى جيل مخجل من الزعماء العرب، يضم البعثين العراقي والسوري، والعقيدين معمر القذافي وعلي عبد الله صالح ويفسح المجال للكثير من الملوك والامراء العرب.. زار دمشق في مهمة أكبر من حجمه: التعبير المتواضع والهامشي عن التضامن والتعاون بين الطغاة العرب، والتمهيد لإعادة إنتاج النظام العربي بصيغة جديدة ليس فيها أثر لأي ثورة أو إنتفاضة أو تمرد شعبي.
القول أنه مرسلٌ من قبل نادي الزعماء العرب الذين وقفوا جنباً الى جنب لدرء خطر الربيع العربي قبل سبع سنوات، لاستكشاف فرص عودتهم تباعاً الى دمشق، يزيد الضابط السوداني قيمة، ويضفي على دوره أهمية لن ينالها. يمكن لزيارة علنية يقوم بها وفد عسكري سعودي أو إماراتي أو مصري الى العاصمة السورية أن تحدث فارقاً سياسياً أكبر بكثير من الزيارة الرئاسية السودانية الخاطفة.
منذ أن أُخمدت الثورة السورية بقوة روسية وإيرانية هائلة، بات السؤال عمن سيكون الزعيم العربي الاول الذي سيزور دمشق، أو عن العاصمة العربية الاولى التي ستستضيف الرئيس بشار الاسد. (كانت بيروت ولا تزال مرشحة لمثل هذا الدور الصعب). لكن الاغلب ان دمشق كانت تتوقع وتتمنى ضيفاً عربياً أهم من الرئيس السوداني، يقوم بزيارة دولة رسمية تمتد لإيام وتشمل جولة سياحية في معظم الانحاء السورية الخاضعة لسيطرة النظام، وأشرطة مصورة وسط ركام حي الوعر في حمص أو داخل أنفاق جوبر او على أطراف قلعة حلب..
كسر الرئيس السوداني بلا شك حاجزاً نفسياً وقضائياً، أكثر من كونه إنتهك قراراً للجامعة العربية، فرضته الصدفة ولم يحترمه أحد: نظام يقتل شعبه بهذا الشكل المريع، يحتاج الى تربية وتعليم، لا الى تأنيب وتأديب. فما هي في الاصل وظيفة أي نظام عربي؟ القتل بلا صخب وبلا مجازر.. وبلا إستدراج عقوبات او ملاحقات دولية إضافية محرجة، تتطلب التحايل على القانون الدولي، على نحو ما جرى مع البشير نفسه الذي كان مطلوباً للعدالة الدولية، قبل ان يصبح واحداً من الأسلحة الروسية في وجه الغرب.
الرئيس السوداني في زيارته الدمشقية الخاطفة، والذي حملته طائرة عسكرية روسية، بدا كأنه موفد رسمي روسي يستكمل الحملة المكثفة التي يخوضها الكرملين من أجل إعادة تأهيل النظام السوري بشكل تدريجي هادىء وثابت، وتبديد جميع الدعاوى والقضايا القانونية التي تلاحق رموزه، مستفيداً من تجربة البشير بالذات، الذي فتحت له الاحضان العربية والدولية، وإستعاد شرعيته ومصداقيته ووظيفته في مختلف الحروب والازمات العربية.
اللقاء الدمشقي كان تحدياً روسياً جديداً للقوانين والأعراف الدولية، يشجع بقية الزعماء العرب على الاستخفاف بقيم العدالة ومحاكمها، وعلى الانضمام الى النادي الذي يطمح الكرملين الى تأسيسه من غلاة المتمردين العرب على الغرب او المختلفين معه. وأبواب العضوية مفتوحة لمعظم الزعماء العرب، الذين إهتزت تحالفاتهم التقليدية مع واشنطن او بقية العواصم الاوروبية الغربية، وباتوا يشعرون بالقلق حتى بمجرد التفكير في زيارة أي من هذه العواصم.
والحال أنه كلما إضطرب الحلف القديم بين هؤلاء الزعماء العرب وبين الاميركيين والاوروبيين سستكون الطائرات العسكرية الروسية جاهزة لنقل أي زعيم عربي يرغب في زيارة دمشق، أو لمرافقة طائرته لدى دخولها الاجواء السورية.. مع ان العامل الايراني الذي لم يؤخذ في الاعتبار لدى جلب الرئيس السوداني الى العاصمة السورية، يمكن ان يكون مؤثراً في تحديد مواعيد وتفاصيل الزيارات الرسمية العربية المقبلة. فخروج إيران من سوريا كان شرطاً لمثل هذه الزيارات وربما لا يزال.
الرحلة الرسمية التالية الى دمشق تحسم هذا الشرط.. وترد أيضاً على السؤال اللبناني الملحّ عما إذا كانت بيروت هي ملتقى التطبيع العربي مع النظام السوري، وثمنه.
المدن
#البشير_يزور_بشار والإعلام الرسمي يستعيد “عروبته”!/ وليد بركسية
“كلهن رح يرجعوا يبوسوا صرمايتك يا أسد”. بهذه العبارة النافرة، علق الموالون للنظام السوري على زيارة الرئيس السوداني عمر البشير، الى العاصمة السورية دمشق، ولقائه برئيس النظام بشار الأسد، في أول زيارة لرئيس عربي للبلاد منذ اندلاع الثورة السورية العام 2011.
واستعاد إعلام النظام السوري حسه العروبي الذي تخلى عنه طوال السنوات الماضية، لصالح ترسيخ هوية جديدة للسوريين بوصفهم مشرقيين لا عرباً، أو حلفاء للأصدقاء في روسيا وإيران بدلاً من “الخيانة العربية”، وتم الحديث في نشرات الأخبار الرسمية، عن دور سوريا المهم ضمن محيطها العربي، انطلاقاً من زيارة البشير، وهو خطاب نادر في السنوات الماضية.
وفيما رأى ناشطون موالون للنظام الزيارة تأكيداً على “الانتصار” الذي حققه النظام وأن بقية زعماء العالم “المهمين” سيأتون تباعاً، ذكّرت صفحات موالية بالشائعات الأخيرة حول رغبة عدد من الدول العربية بإعادة فتح سفاراتها في دمشق، وكانت المبالغة في الاحتفال الذي أظهره الموالون، بالزيارة، دليلاً من وجهة نظرهم على “انتصار” النظام في “الحرب الكونية”.
وإن كانت الزيارة تطرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل العلاقات العربية مع النظام السوري، بعد سنوات من القطيعة، إلا أن المشهد الذي أثاره الإعلام الموالي يبقى مبالغاً فيه. فقبول رئيس عربي واحد بالتطبيع مع النظام، لا يعني انفتاحاً عربياً شاملاً عليه، على الأقل في الفترة الحالية. خصوصاً أن البشير نفسه، عرف بمواقفه المتناقضة واللينة تجاه الأسد، منذ سنوات، فضلاً عن كونه يشترك في صفة أساسية مع الأسد، وهي أنه مجرم حرب بدوره.
ففي العام 2014 رفضت الخرطوم أن يمنح المقعد السوري في جامعة الدول العربية، لوفد الائتلاف الوطني السوري المعارض، ما أدى إلى ردود أفعال غاضبة. كما قال البشير العام 2016 في تصريحات صحافية، أن الأسد لن يرحل بشكل سلمي عن الحكم، وإنما سُيقاتل حتى يُقتل. في حين اعتبر خلال لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 أنه “لا تسوية سياسية من دون بشار الأسد”.
والحال أن الزيارة تأتي وسط تغييرات إقليمية، حيث يرغب النظام في كسر عزلته عربياً، وبدأ ذلك بالتنسيق مع الجارتين لبنان والأردن وفتح معابر حدودية كانت مغلقة، إلا أن ذلك التنسيق يبقى في حده الأدنى وقد لا يرتقي إلى مرحلة إعادة العضوية في الجامعة العربية لدمشق. خصوصاً أن التطبيع مع الأسد، يبقى فعلاً مستنكراً، من شريحة واسعة من السياسيين والناشطين السوريين والعرب، بعد كل هذه السنوات من الحرب والدم والثورة في البلاد.
يمكن تلمس الموقف السابق في هاشتاغ #البشير_يزور_بشار الذي تم تداوله على نطاق واسع، إثر الزيارة المفاجئة، حيث اعتبر الناشطون الزيارة محاولة لخرق العزلة العربية المفروضة على دمشق في محاولة لإعادة إحياء نظام قتل مئات الآلاف من السوريين واعتقل أضعافهم وشرد الملايين من بيوتهم، وإن كانت تلك المحاولة أقل مما تبدو عليه في الواقع. في وقت تحدث آخرون عن خوفهم على اللاجئين السوريين المتواجدين في السودان، في حال حدوث أي تقارب إضافي بين السودان والنظام السوري في الفترة القادمة.
والحال أن البشير نفسه ملاحق دولياً بتهمة “مجرم حرب”، وترفض معظم دول العالم استقباله، حيث أصدرت محكمة الجنايات الدولية بحقه مذكرة اعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة في 14 يوليو/تموز 2008. وبالتالي قد يشكل نظام الأسد الوجهة المثالية له من مبدأ أن “الطيور على أشكاله تقع”، كما قال أحد المغردين، علماً أن الأسد نفسه لم يزر منذ العام 2011 أي دولة سوى حليفته روسيا التي زارها ثلاث مرات والتقى خلالها بوتين.
المدن
البشير في دمشق بتوقيت موسكو/ محمد قواص
اهتاج إعلام النظام في سوريا لتغطية خبر وصول الرئيس السوداني عمر حسن البشير الأحد إلى العاصمة السورية للقاء زعيم النظام بشار الأسد. الحدث لافت استثنائي بالنسبة لدمشق، يستحق تعظيما وتضخيما وتفخيماً، على النحو الذي يوحي بأن في الأمر تحوّلاً قد يشي بأن النظام السياسي العربي، الذي جمّد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية في نوفمبر 2011، يدلي بأعراض نقيضة ويتحضّر لانعطافة لا تشكل زيارة البشير إلا إرهاصاتها الأولى.
لا شك أن لحدث زيارة الرئيس السوداني إلى سوريا معاني لا يمكن إغفالها ولا التقليل من رمزيتها. غير أن لقاء البشير-الأسد ليس بالضرورة تعبيراً عن مزاج عربي متبدّل وليس مناسبة من الممكن البناء عليها لاستشراف صعود صاعق للمسألة السورية داخل الأجندة العربية. فإذا ما كان للزيارة تفسير منطقي، فالأجدى في ذلك قراءتها داخل خارطة الدول المؤثرة مباشرة على مسار سوريا ومستقبلها.
لا نخطئ القول بأن العرب، بمنظومتهم الجامعة أو بأجنداتهم المتفرقة، هم الآن خارج أي فعل في سوريا. بمعنى آخر، فأن يأتي البشير وغير البشير من الشخصيات العربية في هذه الأوقات لزيارة العاصمة السورية، فذلك تفصيل مهمّ في الشكل فارغ المضمون لا حساب له في تغيير موازين القوى الناظمة لخرائط اللاعبين الحقيقيين. فما بين أستانة وجنيف، مرورا بواشنطن وموسكو وأنقرة وطهران، انتهاء بعواصم الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، لا يبدو أن للخرطوم مكانة أو دوراً بإمكانهما أن يتداعيا مباشرة على قرار دمشق كما قرار العرب من دمشق.
لم يكن السودان طرفاً في الصراع السوري منذ عام 2011. بقي التواصل الخفي والعلني حاضراً، ولم يُلحظ للخرطوم خطاب أو موقف خارج الموقف الجمعي للنظام السياسي العربي حيال الأزمة في سوريا وحيال نظامها. وعليه لا يمكن لأي تحول عربي نوعي لافت إزاء نظام الأسد، أن يكون عنوانه سودانيا. تعرف دمشق من هي الدول العربية الأساسية التي يتعلق بها قرار العرب حيالها، وتدرك أن لزيارة البشير رسائل أخرى ليست بالضرورة ذات عناوين عربية.
تمسك روسيا بمفاتيح اللعبة المعقدة في سوريا دون منازع. على ضفاف الفعل الروسي تمارس إيران وتركيا وإسرائيل تمارين الكرّ والفر. تملك هذه الأطراف جميعها أدوات الحسم والرسم لتحسين مواقعها الإقليمية والدولية من خلال نفخ أحجام حصصها الموعودة داخل سوريا الجديدة.
وحدها الولايات المتحدة تأتي على نحو حيوي (يساعدها في ذلك موقف أوروبي واضح وتواطؤ صيني خبيث) ليس فقط لمنافسة الدور الروسي وقواعده، بل لتهديد كل الركائز التي بنتها موسكو منذ التدخل العسكري في سبتمبر 2015.
يصل البشير إلى دمشق على غفلة وخارج سياق أي عملية دبلوماسية معلنة. كان المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا قد أعلن، ما كانت ألمحت إليه موسكو، عن قرب التوصل إلى اتفاق لتشكيل اللجنة الدستورية. لا معطيات عن سرّ هذا الاتفاق الداهم الذي يدور أساساً حول رفض دمشق، وطهران من ورائها، للائحة اقترحها دي ميستورا لتمثيل المجتمع المدني جنبا إلى جنب مع لائحة النظام ولائحة المعارضة. لكن الداهم الوحيد لفك عقدة اللجنة العتيدة، هو تهديد واشنطن، عبر دعوة مبعوثها الخاص لشؤون سوريا، جيمس جيفري، إلى إنهاء عمليتي أستانة وسوتشي للتسوية السورية إن لم يتم تشكيل اللجنة الدستورية السورية في منتصف ديسمبر الحالي.
يأتي البشير إلى سوريا في عمل يصب في حسابات روسيا وليس حسابات العرب. ترسل موسكو من خلال الرئيس السوداني رسائل للأميركيين والأوروبيين أن العرب يستعدون للتطبيع مع نظام الأسد لعل في تلك الرسائل ما يخفف من عناد العالم الغربي في مقاربته لمسائل إعادة الإعمار واللاجئين. تقول موسكو لواشنطن إن خرائطها للتسوية ناجعة، ليس فقط في ترويض طبائع الأتراك والإيرانيين، بل هي بدأت تعرض للواجهات الأولى لعملية ترميم علاقات النظام العربي بنظام دمشق.
يجتمع الموقف الأميركي والأوروبي، والذي لا يجتمع على ملفات كثيرة هذه الأيام، على نظرة متطابقة لكيفية التعامل مع المسألة السورية. يشترط العالم الغربي الشروع بعملية سياسية حقيقية تؤسس لمرحلة انتقالية قبل الحديث عن سبل دفع الأموال لإعادة إعمار ما دمرته أعوام الحرب السبعة. وهنا تبدو روسيا، التي تحرّكت إلى سوريا لأن الغرب أباح ذلك، أسيرة موقف غربي لم يستطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحقيق اختراقات داخله ما بين ضفتي الأطلسي.
ولئن يصل البشير إلى دمشق من داخل الخرائط الروسية، فإن ذلك يتم داخل أعراض جديدة يفصح عنها أصحاب أستانة أنفسهم.
تود إيران التمسك بعملية أستانة بصفتها العملية السياسية الوحيدة التي تمنح الوجود العسكري الإيراني في سوريا غطاء شرعياً، أو على الأقل غطاء روسياً، في لحظة تتكثف فيها ضغوط واشنطن عليها.
وتود تركيا أن لا ينهار صرح أستانة الناظم ضمناً لعملية درع الفرات، والمشرّع لوجودها العسكري في شمال سوريا واحتمالاته ضد الوجود الكردي شرق الفرات، مع ما يحمله ذلك من تناتش مع واشنطن.
يحلّ البشير لساعات معدودة ضيفا على زعيم النظام السوري في اليوم نفسه الذي أعلن فيه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده ستدرس التعامل مع الأسد. يعلن الوزير التركي ذلك في الدوحة على نحو يوحي أنه أساسا ذهب إلى هناك ليعلن ذاك التحول من ذلك المكان. وعلى هذا تظهر ترنيمة جديدة تُعزف بين طهران والدوحة وأنقرة وموسكو، ليأتي الرئيس السوداني وينفخ في طبولها في دمشق.
على أن حدث زيارة الرئيس السوداني يمثل في جانب منه خطوة تؤشر على انقسام إقليمي دولي حول نظام دمشق والموقف من زعيمه، ولا يمثل تحولا إيجابيا موحداً لصالح الطبخة الروسية.
فإذا ما قُرئت الزيارة بصفتها واجهة من واجهات تحالف إيران وقطر وتركيا، فإن ذاك نذير تصدّع إقليمي إضافي يبعد العرب عن دمشق، وإذا ما قرئت بصفتها انقلابا عربيا أرادت روسيا إبلاغه للولايات المتحدة، فإن ذلك سيقابل بتشدد غربي يدعمه تيار عربي واسع لن يحيد عن المطالبة بعملية سياسية كاملة قبل القبول بأي تطبيع، حتى من النوع المبهرج الذي أحاط بزيارة البشير السورية.
ليس صحيحا أن ما بعد زيارة البشير ليس كما ما قبلها، وفق ما أوحت تحليلات دمشق ومريديها. لا شيء سيذكر بعد زيارة البشير ولن يغيّر من أمر الزيارة شيئا على مشهد المواقف الدولية وسقوفها. وليس صحيحاً أن زيارة الزعيم السوداني تمثل إغراء لنظام دمشق بأن عودة عربية إلى سوريا قادمة إذا ما كانت دمشق مرنة في مسألة الدستور ولجانه. ذلك أن ليس لدمشق أن تقرر فيما قرارها في يد رعاتها وحدهم في موسكو وطهران. تكرر موسكو منذ العام الماضي دعوتها العرب لإعادة سوريا إلى متن جامعتهم. زيارة البشير تأتي وفق البوصلة الروسية وتوقيت موسكو.
العرب
هل زيارة البشير انفراجة عربية؟/ أمل عبد العزيز الهزاني
لا مفاجآت في منطقة تموج بالمصالح المتقاطعة والمتضادة، وتتقلب فيها الأحداث والمواقف كل ساعة. هذا أقل ما يقال عن آخر الأخبار الواردة من دمشق حول زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير لبشار الأسد، ووصوله على متن طائرة عسكرية روسية. لكن مفاجآت الرئيس السوداني نفسه هي التي لا تنتهي، فمن سماحه، كما يتردد، لعبور الطيران الإسرائيلي في أجواء السودان، إلى تسليمه جزيرة سواكن السودانية لتركيا لإحياء تراثهم العثماني من خلال مشروع سياحي على البحر الأحمر. مع ذلك، فهذا التحرك من البشير ليس الأول عربياً، وغالباً لن يكون الأخير، فقد شاعت أنباء عن زيارات سرية لوفود عربية لدمشق خلال السنوات الماضية، خصوصاً بعد التدخل الروسي، في محاولة للقفز بالأسد من فوق السياج الذي فرضته عليه الدول العربية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 بعد تسعة أشهر من تعامله الوحشي مع السوريين المعارضين لحكمه. البرلمان العربي الذي يتخذ من جامعة الدول العربية مقراً له رفع قبل أيام توصية للجامعة بإعادة مشاركة الوفود السورية وتفعيل عملها في لجان الجامعة، خطوةً تمهيديةً لإعادة المقعد السوري لنظام الأسد، ورفع التجميد عنه. وهذا تحرك لافت لتوصية تنتظر الموافقة العربية بالإجماع. لكن في الواقع كل هذه المعطيات لا وزن لها أمام الحقائق التي لا يمكن تغييرها لا بالزيارات ولا الشفاعات ولا المبادرات ولا التوصيات. من هذه الحقائق أن نظام الأسد لا يأخذ بجدية ما تقوم به الأمم المتحدة ومبعوثها ستيفان دي ميستورا حول خطته للسلام بالحل السياسي المتمثل في لجنة دستورية ومرحلة انتقالية وانتخابات. الأسد لم يخُض سبع سنوات عجاف ليستسلم أمام نظام ديمقراطي نزيه لم يعترف به يوماً، خصوصاً وهو يجد نفسه اليوم منتصراً أمام تراجع الجماعات الإرهابية؛ «داعش» و«هيئة تحرير الشام»، وكذلك مع قبوله التماهي مع الرغبة الإسرائيلية بتنفيذ مطالبها حول تموضع الميليشيات الإيرانية بعيداً عن هضبة الجولان. الحقيقة أنه مع أهمية الحضن العربي وتقديرنا له، لكنه ليس نقطة جذب لنظام بشار الأسد خلال الظروف الراهنة، كما أن تصريحه للرئيس السوداني بأنه لا يزال يؤمن بالعروبة هو مجرد بقايا من خطاب الأمس العروبي القومي، لكن ما يقوم به الأسد على الأرض أنه اختار أن يكون تحت وصاية الروس والفرس، أما العروبة فتبقى على المنصات الخطابية.
مشكلة نظام الأسد مع العرب أنه وجد حبل نجاته مع غيرهم، لذلك تخلوا عنه وتخلى عنهم. وجد نجاته رغم وحشيته وعنفه وتهجيره لنصف السوريين داخلياً وخارجياً. والقصد بالعرب هنا هم المؤثرون على القرار العربي والدولي وليسوا أصحاب الأجندات الآيديولوجية والأهداف الضيقة الخاصة.
السعودية مثلاً، ترى أن الوجود الإيراني في سوريا غير مقبول، وهو عقبة كأداء في طريق إعادة المفاهمة العربية، وتتفق معها الدول العربية التي ترى في إيران عدواً لدوداً ذا أطماع وتطلعات في قضم الأراضي العربية واحدة تلو الأخرى.
تتفق هذه الدول في ذلك مع الولايات المتحدة التي تشترط لخروج قواتها من سوريا خروج الميليشيات الإيرانية وتوابعها. لكن من ناحية أخرى، تتفق هذه الدول العربية والولايات المتحدة مع الروس ونظام الأسد في ضرورة محاربة الفصائل الإرهابية مثل «داعش» و«هيئة تحرير الشام» المدعومة من جماعة «الإخوان المسلمين» وطردها من الأراضي السورية.
القضية السورية معقدة بسبب الوجود الإيراني في سوريا، وليس بسبب روسيا، وإن كانت الأخيرة هي من انتشلت بشار الأسد من سقوط مؤكد. روسيا لديها علاقات جيدة مع الدول العربية الكبرى رغم اختلاف المواقف السياسية من القضية السورية، وباب المشاورات يظل قائماً معها، لكن مع إيران الوضع مختلف. إيران فعلياً هي العقدة الحقيقية في سبيل الحل السياسي في سوريا، ولن تقبل الدول العربية بتكرار الوضع العراقي داخل سوريا.
تأملوا خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، الذي بلغت جرأته حد أن يطالب بشرعنة ميليشياته المسلحة في لبنان أسوة بـ«الحشد الشعبي» في العراق شرطاً لتشكيل الحكومة اللبنانية! إيران تريد للبنان وسوريا أن يكونا مثل العراق، تتشرب مؤسساتهما الوجود الإيراني وتتحكم فيهما، ويكون لكل دولة منهما وكيل لإيران مثل نصر الله، اسمه مواطن لبناني لكنه يعمل وفق مصالح الولي الفقيه. هذا ما تعمل عليه إيران الخميني في سوريا واليمن والعراق ولبنان والبحرين وسيظل حلمها الكبير ومشروعها الرئيسي. إضعاف إيران اقتصادياً وتضييق الخناق عليها هو السبيل الوحيد لتحجيم أحلامها وميليشياتها. مع إيران ضعيفة منهكة سيتراجع العنف والإرهاب.
بشار الأسد يثق في الإيرانيين لأنه يعرف أطماعهم في بلده ولا يمانع حولها، لكنه لا يثق في الروس الذين قد تتبدل مواقفهم إن رأوا مصالحهم تتجه بعيداً عنه يوماً ما… هذه معادلة، تتغير بتغير أطرافها.
الشرق الأوسط
هل يمكن الوثوق بالأسد؟/ نديم قطيش
لن يتوقف بشار الأسد كثيراً، عند ما سيكتب عن معاني زيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير له في دمشق، من وجهة نظر الدوليين والحقوقيين والليبراليين. لن يدقق في المقاربات التي ستعتبر أن الزائر لا يملك فوائض شرعية يضفيها عليه، وهو أول رئيس في العالم تصدر بحقه مذكرة توقيف من محكمة الجنايات الدولية، ولو رفضت من الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، ودول مثل الصين وروسيا. أي من هذه الاعتبارات لا يدخل في حسبة دمشق. فما ارتكبه النظام السوري بحق شعبه يقزم سجل سواه في المجالات المشابهة.
ما يهتم به الأسد، هو أن البشير يزور دمشق بصفته أول رئيس عربي منذ أن أخرجت سوريا من جامعة الدول العربية في مثل هذه الأيام من عام 2011. ولم يكن بغير دلالة، في هذا السياق، أن الكلمات القليلة التي أدلى بها الأسد خلال الزيارة تمحورت حول فكرة عروبة سوريا، بقوله: «إن سوريا وعلى الرغم من كل ما حصل خلال سنوات الحرب، بقيت مؤمنة بالعروبة ومتمسكة بها». وما يعنيه هذا الكلام أن الأسد يعلن أن التطبيع العربي معه بات مسألة وقت قصير وشكليات، وهذا انتصار كبير له، بعد أقل من ثماني سنوات بقليل على الثورة السورية ضده.
زيارة البشير إلى سوريا هي الإشارة الأقوى على هذا الاتجاه المتنامي. سبقت ذلك ضجة إعلامية كبيرة، حين التقطت عدسات المصورين «لقاءً» هو الأول من نوعه منذ 2011، بين وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، ونظيره السوري وليد المعلم، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. بعدها صرّح الوزير البحريني بأن «اللقاء لم يرتب له مسبقاً، ولكنه يأتي ضمن الحراك العربي لحل الأزمة السورية».
ولعل الإمارات كانت سباقة في بدء هذه المراجعة، بتصريح وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، بأنه «كان من الخطأ إبعاد سوريا عن الجامعة العربية؛ لأن القرار أقصى القوى العربية التي وجدت نفسها مستبعدة من الاجتماعات المتعلقة بسوريا»؛ معتبراً أن هذا يعني «أنه ليس لدينا نفوذ سياسي على الإطلاق، ولا قناة مفتوحة، ولم نتمكن من تقديم منظور عربي لكيفية حل القضية السورية».
وأضيف ما سمعته مباشرة من مسؤول خليجي بارز، أن الموقف العربي يجب ألا يستمر مبنياً على معطيات عام 2011، بعد كل التغييرات التي طرأت على مشهد الأزمة السورية، وأن تترك دولة عربية ليقرر مصيرها الروس والأتراك والإسرائيليون والإيرانيون والأميركيون.
كل هذا صحيح؛ لكن يبقى السؤال: هل يمكن الوثوق بالأسد؟ وهل يمكن الركون إلى أنه لن يقفز من بوادر التطبيع معه إلى اعتبارها انتصاراً لسياسته وتموضعه وتحالفاته؛ بل مقدمة لتصفية الحسابات مع خصومه؟
لا توجد إجابات سهلة أو قاطعة على هذه الأسئلة. فالمقاربة كلها محفوفة بالمغامرة ومحكومة بمتغيرات متسارعة جداً. فالتلاقي بين الأسد وبعض خصومه على الموقف السلبي من سياسات تركيا، لا يشكل أرضية صلبة لنقل العلاقات من حيز التقاطع الظرفي إلى حيز بناء سياسات تمتلك حداً أدنى من التوجه المشترك، أو المصلحة العربية المشتركة. كما أن تركيا، التي بالمناسبة تتمتع بعلاقات مهمة ومتنامية مع السودان، قادرة على إيجاد تفاهماتها الخاصة مع الأسد؛ لا سيما حول الموضوع الكردي. وإيران الغارقة في أزمة العقوبات الداخلية لا تزال لاعباً كبيراً في سوريا، باعتبارها الأكثر انتشاراً على الأرض، عبر الميليشيات الشيعية من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان وغيرها. وإسرائيل التي استأنفت بحذر ضرباتها ضد «الحرس الثوري» في سوريا، محكومة بضوابط، لا سيما روسية، لا حصر لها في مواجهتها مع إيران، وتعرف أن أي مواجهة حاسمة لم يحن أوانها بعد، وقد لا يحين، في ظل الكلفات المتوقعة للحرب. أما أميركا فتبدو متعثرة وهي تنتقل بمهمتها السورية من نطاق تصفية «داعش» إلى نطاق مواجهة إيران وميليشياتها، مع ملاحظة تطور في حدة الموقف الأميركي من الأزمة السورية.
أما روسيا، فتدير موقعاً لها في سوريا بالغ الحساسية، يجمع بين محاولة مراضاة المصالح العربية، وضمان أمن إسرائيل، وبين حاجتها الميدانية لإيران، وبين تنافسها الاستراتيجي مع تركيا.
يدرك الأسد كل هذه التناقضات على الأرض السورية، وهو قد سعى لخلق جزء كبير منها، وتدرج في تحويل السردية السورية من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة إلى مكافحة إرهاب، وصولاً إلى إعادة سوريا إلى لعبتها التقليدية، وهي الاستثمار في ريع الموقع الجغرافي والتقاطعات الدولية على ساحته.
تجربة الأسد تشي بأنه قد يكون أقرب إلى استثمار هذه الفرصة المتاحة انتقاماً ونكداً وكيداً. فليس قليلاً عدد المحاولات التي جرت في السابق لاحتواء النظام وإخراجه من أزمات سياساته، منذ الثمانينات وحتى مبادرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وثبت في كل مرة فشل المحاولة.
لا شيء يوحي أننا أمام معطيات مختلفة الآن، وأخطر ما في هذه اللحظة هو الإجابات المتسرعة، حول كيفية التعامل مع «سوريا الأسد».
الشرق الأوسط
بلادة ما يقوله هؤلاء عن زيارة البشير لبشار/ محمد كريشان
دعونا من الذين نددوا بزيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق ولقائه بنظيره السوري بشار الأسد، دعونا ممن كتب مثلا «مجرم حرب يلتقي بمجرم حرب» أو «رئيس نصف السودان يزور شقيقه رئيس ثلاثة أخماس سوريا». دعونا من هؤلاء الغاضبين الساخطين، ولنلق نظرة عن بعض تصريحات من نزلت هذه الزيارة على قلوبهم بردا وسلاما فأشعرتهم بأن وقوفهم مع «نظام الممانعة» كان وقوفا مع الجانب الأصح في التاريخ.
يقول أحد هؤلاء إنّ الذي أتى بالرئيس السوداني عمر بشير إلى دمشق هو «انتصار سوريا وتخلي معظم الدول بما فيها تركيا عن المعارضة السورية، وإذا نظرنا إلى الدول العربية نجد أن الدول التي كانت معادية لسوريا هي التي تعيش حالة أزمة وليست سوريا التي بات وضعها أفضل من وضع قطر المحاصرة». ويضيف أن «وضع سوريا أفضل من وضع السعودية بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي» وأن هناك دولا «أصبحت في حالة أزمة وليست سوريا وهي تحاول كسر الحصار عن نفسها وليس كسر الحصار عن سوريا (…) ولهذا بعد زيارة البشير سيفتح باب الحجيج العربي والدبلوماسي إلى دمشق».
باحث آخر من جماعة «الممانعة» يرى في زيارة البشير إلى دمشق «مؤشرا على أن حلفه مع السعودية وخاصة في حرب اليمن قد انتهى، بعد أن عرف من هو المنتصر ومن هو المنهزم في هذه الحرب، وبالتالي هو يبحث عن موقع صلب لكي يقف عليه، وقد اختار أن يقف مع محور المنتصرين».
وهذا باحث آخر يحلل فيرى أن «هناك بعدين لزيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير إلى سوريا، الأول يتمثل بأن البشير حاضر على ضفتي التناقض الخليجي مع سوريا، من خلال تحالفه مع السعودية في معركة اليمن، كما أنه موجود بالبعد الإخواني عبر حلفه مع قطر وتركيا، ومن المعروف أن المحورين يتسابقان على كسب ودّ سوريا في المرحلة الجديدة». أما البعد الثاني فيتمثل بأن «السعوديين يخوضون عبر الإمارات منذ زمن حوارا غير مباشر مع السوريين، وقد تكون قد حدثت لقاءات مباشرة سعودية سورية برعاية الإمارات».
وحتى لا ننهي هذا العرض السريع،الذي أغفلنا قائليه عن عمد، دون أي رأي سوداني، ها هو أحد رؤساء تحرير صحف الخرطوم يرى أن «الرئيس السوري أثبت أنه رقم صعب لا يمكن تجاوزه في المعادلة السورية، كما أن المعارضة بشقيها المسلح والمدني أصبحت في غاية الضعف»، مبينا أن «كل الدول المعنية بالأمر السوري، ربما ستراجع مواقفها الحادة التي اتخذتها في السابق بخصوص النظام».
وإذا كان الغاضبون من الزيارة قد أعطوا الأولوية للجانب الأخلاقي القيمي في القصة كلها مستهجنين هذا المشهد السريالي الذي يحاول فيه مـُـلاحـَـق من المحاكم الدولية نجدة ملاحق آخر، فإن المستبشرين بها لم يغفلوا شيئا إغفالهم لهذه المسألة تحديدا، وكأن هذه الجرائم هي من «صغار اللمم»، بل وكأن هؤلاء الضحايا لا قيمة لهم أبدا.
قد يكون الأوائل حالمين معتقدين أنه ما زالت للقيم الانسانية مكانة في هذا العالم المتوحش لكن الآخرين أثبتوا بتجاهلهم الكامل لهذه القيم مدى استهتارهم بتلك الخسائر البشرية المهولة في جنوب السودان ودارفور وحلب وكل أرجاء سوريا. قد يجوز أن نصل في وصف الأوائل إلى حد القول إنهم «طيبون» أو حتى «سذج»، لكن الآخرين هم بالتأكيد شركاء في هذه الجرائم.
للأوائل الحق الأخلاقي في أنهم تحدثوا سابقا، وسيتحدثون لاحقا، عن الجرائم الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وأية جرائم أخرى قد تحدث في أي مكان من العالم، لكن لن يكون للثانين في المطلق أية مصداقية إذا ما تحدثوا يوما عن الممارسات الاسرائيلية، وهم كثيرا ما يفعلون، علما وأن مثل هذه الممارسات تمت في سياق حروب تاريخية عميقة الكراهية الوطنية أو العرقية أو الدينية بينما ما نشهده في السودان وسوريا هو من باب ظلم ذوي القربى. لم يفعل البشير ما فعل إلا بأبناء شعبه ولم يفعل بشار ما فعل سوى بأبناء شعبه كذلك.
لو أن ما كتبه المهللون لزيارة البشير إلى دمشق كتبه فنلندي أو سويدي لتقبلنا بروده الشديد في تناول الموضوع من باب الواقعية السياسية، لكن أصحابنا الذين أشرنا إليهم هم فلسطينيون ولبنانيون، يصرخون في كل مرة إذا ما اعتدت إسرائيل على إخوانهم، وهي عدو، طالبين وقوف العرب معهم ومستنكرين تقاعسهم وخذلانهم، لكنهم في نفس الوقت لا يرون حرجا أبدا في الإشادة بمن ذبح شعبه وقصفه بالكيمياوي والبراميل المتفجرة. المسألة الأخرى الخطيرة التي لم ينتبه إليها هؤلاء أن انتصار الظلم لا يجعل منه عدلا، يجب القبول به، لأن هذا المنطق ذاته سيجرنا للقبول بوضع اليد في اليد مع نتنياهو.
ماذا يمكن أن يقول أحد ضحايا البشير أو بشار وهو يقرأ لهؤلاء؟!! وهل يمكن أن نلومه إن هو كفر بضرورة الوقوف مع الفلسطينيين الضحايا أو اللبنانيين؟!!
لعن الله هذا المنطق الذي قد يدفعه يوما إلى ذلك.
كاتب وإعلامي تونسي
القدس العربي
اندبندنت: محاولة ترامب إنقاذ الأسد عبر البشير معركة خاسرة!
لندن- “القدس العربي”:
تناولت صحيفة ذي إندبندنت البريطانية، زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، إلى سوريا ولقاءه الرئيس السوري بشار الأسد، وقالت إنه لا بد أن يكون الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب هو من كلف البشير بهذه الزيارة، لكن محاولة ترامب إعادة تأهيل الأسد ستكون معركة خاسرة.
وتساءلت الصحيفة: “متى يفهم الغرب أن النوم بالقرب من الوحش يتسبب بالكوابيس؟ ويقول إن الباب صار مفتوحا أمام الأسد مرة أخرى”.
وأوضح الكاتب أحمد أبو دوح، صاحب المقال، أن الخبر ليس هو أن البشير أول رئيس عربي يزور دمشق ويلتقي الأسد، بل الخبر هو من كان وراء هذه الزيارة، وقال إنه لا بد أن ترامب هو من لعب دورا كبيرا في إقرار هذه الزيارة إلى العاصمة السورية.
وكشف الكاتب أنه عندما التقى ترامب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قمة هلسنكي في فنلندا في يوليو/تموز الماضي، فإن الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل توصلت إلى اتفاق مشترك لإبقاء الدكتاتور السوري الأسد في السلطة، وأشار إلى أن ترامب يحبّ الأسد، ويعتقد أن الأسد يعتبر أحد “اللاعبين الأقوياء” الذين تمكنوا من فرض إرادتهم على المجتمع الدولي.
وأضاف أبو دوح أنه بات واضحا أن الأسد صار يوازي في دكتاتوريته كلا من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وتساءل ما إذا كانت هناك استراتيجية أمريكية تجاه سوريا، ويقول إنه إذا كان هناك شيء من هذا القبيل فلا بد أنها استراتيجية مليئة بالثغرات كما لاحظ أن ترامب يفرض أشد حزمة من العقوبات على إيران بسبب سلوكها الخبيث في الشرق الأوسط، غير أنه في الوقت نفسه يلقي بحبل النجاة لأحد أهم حلفائها، ممثلا في الأسد في سوريا.
ولفت الكاتب الانتباه إلى أن ترامب أيضا يطرح تساؤلات إزاء الدور الروسي المتزايد في المنطقة، لكنه يعطي سوريا للروس في اللحظة ذاتها. مضيفاً أن ترامب لا يكرس الكثير من التفكير في المدنيين السوريين أو حقوقهم أو سلامتهم، ويقول إنه سبق لترامب أن لوّح بأن الأسد سيدفع الثمن جراء قصفه المدنيين في الغوطة الشرقية بالأسلحة الكيميائية، غير أن الأمر اختلف الآن وصار يبدو أن ترامب يحاول إعادة تأهيل الأسد.
وأكد الكاتب أن البشير يعتبر كالأسد ولكن على نطاق أصغر، موضحا أن الشعب السوداني لا يزال يعاني جراء الحرب. مؤكداً أن البشير مستعد لعمل أي شيء مقابل البقاء في منصبه، وأنه -كما هي الحال مع الأسد- في الطريق لإعادة التأهيل.
وقال إن الحكومات الغربية تبدو متحمسة لتكرار الأخطاء نفسها، وأن سياسات إعادة تأهيل الطغاة المتعطشين للدماء أدت إلى تحوّل الشرق الأوسط إلى منطقة مليئة بالفظائع اليومية والفوضى والتطرف، وأن السير في الطريق نفسه استراتيجية ساذجة.
وأضاف أنه “بعد سبع سنوات من القتال الشرس في سوريا، الذي تسبب في أكبر أزمة لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، لا يبدو أن أحدا يفهم كم سيستغرق الأمر من الغرب حتى يستوعب أن إنقاذ الأسد يعتبر شأنا خاسرا حتى لو كان الثمن هو قيام بضع قواعد عسكرية أمريكية في شمال سوريا وبعض الضمانات لأمن إسرائيل”.
في أغراض زيارة البشير الأسد/ طارق الشيخ
ضجيج وأسئلة كبرى ودهشة أثارتها زيارة الرئيس السوداني، عمر البشير، المفاجئة دمشق، ولقاؤه نظيره بشار الأسد. ضجة حرّكتها الدهشة أكثر منها القيمة الحقيقية من الزيارة بوصفها فعلا سياسيا. وأثارت هذه الضجة التساؤلات بحثا عن المعنى والغرض من خطوة الرئيس السوداني الذي لم يُعرف له دور أو موقف تجاه الأزمة السورية، سوى بعض المبادرات الباهتة، في فترة مبكرة من الثورة السورية التي اندلعت عام 2011. وأكثر ما قدمه السودان خلال سنوات الأزمة احتضانه سوريين كثيرين، ومعارضين منهم، وقد منح بعضهم جوازات سودانية.
وأغلب الظن أن الزيارة قفزة مغامرة لصاحبها، وبشكل فردي، والأرجح أنها فكرة روسية التصميم، نفذها البشير بطيب خاطر، طالما هو مولع بالمغامرات المثيرة، تماما كدوره في مغامرة الانقلاب الذي نظمته الحركة الإسلامية، واستيلائها على الحكم في السودان عام 1989. والفكرة البارزة من الزيارة كسر عزلة سورية عن محيطها العربي، وإطلاق ضربة البداية أمام تداول عربي علني واسع ومسموع، لفكرة عودة سورية لجامعة الدول العربية. وتأتي هذه الخطوة في تناغم مع الجهود الروسية التي تتجه إلى حسم الوضع العسكري لصالح حكم بشار الأسد، ومن ثم الاتجاه لعودة سورية لمحيطها العربي. والواضح أن الزيارة جاءت طارئة مفاجئة، ولم يرتب لها، بدليل أنها تمت في أثناء وجود وزير الخارجية السوداني، الدرديري محمد أحمد، في دولة قطر، مشاركا في منتدى الدوحة يوم الأحد الماضي (16 /12 /2018).
لم يتناول الرئيس السوداني نفسه، في أحاديثه الصحافية أو خطبه طوال سنوات، الأزمة
السورية، سوى في إشارات قليلة، بدا في غالبها متعاطفا مع المعارضة، بل كانت له آراء غير ودية تماما عن بشار الأسد، ومن ذلك قوله لصحيفة عكاظ السعودية، في مارس/ آذار الماضي، إن آخر اتصال له مع الرئيس السوري تم قبل ثلاث سنوات، وقوله إن الأسد لن يذهب بغير القوة، ولن يرحل، بل سيقتل.
ومن المهم هنا النظر للزيارة من منظورين، الأول مرتبط بالأزمة السياسية والاقتصادية الحادة الداخلية في السودان، وتبدو الصورة هنا أشبه بما قام به الرئيس السابق، جعفر نميري، والذي حينما حاصرت نظامه الأزمات المحلية، أصبح الرئيس العربي الوحيد الذي وقف إلى جانب الرئيس المصري، أنور السادات، مناصرا في اتفاقية كامب ديفيد عام 1978. واليوم يكرر البشير المسلك نفسه بالهروب من الداخل الملتهب إلى ضجيج خارجي، عسى أن يوفر له هذا الأمر الوقت اللازم لمعالجة الأزمة السودانية. ومن الناحية الأخرى، تبدو هذه الخطوة مصممة لإطلاق رسالة تجاه القوى الإقليمية، وخصوصا السعودية والإمارات، اللتين تنفذان تحرّكا في منطقة القرن الأفريقي، تدعمه بقوة الولايات المتحدة الأميركية، شمل كل الدول المحيطة بالسودان الذي استبعد منه. كما أن حكومة الخرطوم تتوجس من دعم إماراتي لقوى قبلية بارزة في شرق البلاد، تمثله قبائل الرشايدة والزبيدية، ويجد عمقا له في إريتريا المجاورة. وعلى ذلك، فإن الرئيس البشير يرمي من هذه الخطوة الإيجابية تجاه الأسد إلى إحراز مكسب شخصي، يتمثل في توفير دعم وتعاطف قوى عالمية، متمثلة في روسيا، وإقليمية مثل تركيا وإيران. بمعنى أنه نفذ خروجا معلنا من تحالف شعر تجاهه بالخذلان من السعودية والإمارات إلى تحالف موازن، يضم روسيا وتركيا وإيران. ويبدو أن الهواجس والشكوك متبادلة بين الرياض والخرطوم، فالسودان يدرك أنه غير موثوق به من السعودية، بدليل الترتيبات التي تتم من حوله حاليا وتطويقه بإريتريا وإثيوبيا اللتين أنهيتا سنوات من العداء، واستعادتا العلاقات الدبلوماسية بينهما بدعم قوي من السعودية. وعلى الرغم من مشاركة الخرطوم في الحرب على اليمن، إلا أنها لم تجد من السعودية سوى النكران
والصد، أبرزها إعادة السعودية آلافا من الأسر السودانية، وإنهاء خدمات آلاف من السودانيين مباشرة بعد مشاركة القوات السودانية في عملية عاصفة الحزم العسكرية في اليمن. كما أن السعودية والإمارات لم تقدما الدعم الاقتصادي والمالي المطلوب للسودان الذي يواجه أزماتٍ تخنق الحكم، وتهدد بانفجار الأوضاع. ولهذا، فالإحساس بالخذلان متجذر لدى الخرطوم. وفي المقابل، فإن موقف الخرطوم المتذبذب والمتأرجح تجاه الأزمة الخليجية، والحصار على قطر، يزيد من مشاعر عدم الثقة في الرياض وأبوظبي.
وعلى الرغم من ذلك كله، الأرجح أن البشير قد غامر بتوقيت الزيارة إلى سورية، فبعد أن تهدأ العاصفة التي أثارتها الزيارة المثيرة، عليه أن ينتظر ضغوطا داخلية، خصوصا في جبهة الشرق التي تزداد فيها الأمور سخونةً. وتشهد تحركات ونشاطا يسبب حاليا كثيرا من القلق للحكومة في الخرطوم. وهو ضغط يستمد زخمه من قوى خارجية، وخصوصا من الإمارات وإريتريا المجاورة. الأمر الآخر أن هذه الخطوة تجاه دمشق مقرونة بالانتقادات الدولية المتزايدة للحرب في اليمن، ستطاول السودان بالضرورة، ما يحتم على الخرطوم النظر بجدية في سحب قواتها من هناك، مع ما يعنيه هذا من تأثيراتٍ كبيرة ومباشرة على العلاقة بين الخرطوم والرياض.
يبقى السؤال الأهم: هل سيتبع عمر البشير مفاجآته بزيارة مماثلة إلى طهران، وإعلانه من هناك استئناف العلاقات السودانية الإيرانية، والتي قطعها طمعا في مقابل مادي يعينه على أزماته الداخلية؟ على كل حال، ستهدأ عاصفة الدهشة من المفاجأة التي تعد مكسبا مهما لبشار الأسد، فيما سيهبط البشير من عليائه، ليجد نفسه محاطا بأزمات داخلية عاصفة، ومتاهة تحالفات تتطاير فيها كل أوراقه.
العربي الجديد
خَبَلٌ سياسي باذخ!/ ياسر الأطرش
ينطبق هذا التوصيف ليس على زيارة “عمر البشير” لسفاح دمشق وحسب، بل على كثير من التحليلات الكيدية التي استثمرت الزيارة لتجميل مواقف أنظمة أشد بؤساً، أو النيل من مواقف دول لم تكن في إطار الصورة ولا في متن النص!.
بداية، كمواطن سوري، وكإنسان، لا أجد وصفاً للقاء “البشير وبشار” إلا أنه لقاء مجرمين سفاحين؛ في عنق كل منهما دماءٌ كثيرةٌ، وفي قلب كل منهما حقد كثير.. وكلاهما يُغلّبُ مصلحته في الحكم على مستقبل بلده وأبناء البلد ، ولعلَّ الخيط الأثخن الذي جمع السفاحَين هو جنون السلطة، إذ يسعى “الأسد” إلى مواصلة القعود ملكاً على تلة خراب وكومة جثث، ويسعى “البشير” إلى عهدة خامسة في السلطة، وهو الذي تعهد، وندم، بأن تكون فترته الرابعة هي الأخيرة له في حكم بلد قَسَّمه وأدخله في أتون حروب وأزمات تتراكم بلا نهايات.
السودان يكاد يكون بلا دواء ولا أمن ولا صحة ولا تعليم، وحتى بلا خبز.. كل شيء في السودان مُقتر بحدوده الدنيا، إلا أن رئيسها الذي أوصلها إلى هنا، يريد أن يستمر على رأس هرم الخراب، ليوصلها إلى الموت بثقة وأمان!.
أما في شأن لقاء الشؤم، فإن أفضل توصيف وقعت عليه، هو توصيف الكاتب الصحفي خالد الدخيل، الذي نعت اللقاء بـ”الخَبَل السياسي”، متسائلاً: “باسم ومصلحة من ذهب البشير للأسد؟ زيارة بلا أدنى حس سياسي: تشرعن جرائم الحرب وجلب الأجانب لقتل الشعوب وتهجيرها ليبقى الرئيس! وتشرعن الدور الإيراني والميليشيا رديفاً للدولة وللتدخل الأجنبي. عودة طوعية للاستعمار بعد قرن من التحرر! هل يحتاج الغرب لمؤامرة أمام خَبل سياسي باذخ كهذا؟”.
وبعكس الاتجاه وفي تغيير وتحريف للمسارات، وصف الكاتب الصحفي عبد الرحمن الراشد، اللقاء بـ”الرمزي”!، مستثمراً الحدث لصب جام غضبه على “تقارب أردوغان مع الأسد”!، ذلك التقارب الذي لا يبدو موجوداً إلا في نوايا ورغبات الراشد، علماً أن أردوغان عبَّر عن موقفه من شخص “الأسد” أول أمس بكل قسوة ووضوح، مردداً تسويغه الدائم لرفض “الأسد” وهو قتله مليون إنسان من “شعبه”.
الزيارة؛ التي ستتلوها زيارات؛ كما توقع مسؤول في نظام الأسد، وهو محق في توقعاته، ليست مستغربة ولا مستبعدة، فالأنظمة العربية الحاكمة والمتحكمة ليست -في مجملها- أفضل من نظام الأسد، إلا أنها لم تخضع بعد للاختبار الأقسى، اختبار قتل الشعب، ونرجو ألا تصل هذه العتبة، وما دام الرؤساء والزعماء يحظون بفترات رئاسية مفتوحة وتمديد إلى أجل غير مسمى لا يحدّه إلا الموت، فهم ليسوا مضطرين لقتل الناس بالجملة، أما القتل بـ”المفرق” فلا مناص ولا بد منه، وهو مصير كل صوتٍ يعلو على صوت المعركة، معركة العرش!.
ويبقى من نافلة القول إن “البشير” المحاصَر الساعي إلى حكم مدى الحياة على جثة السودان، أراد المناورة من خلال هذه الزيارة الهمجية، إذ إنه بعد رفض العرض المُقدم له من “إسرائيل” ودول عربية وغربية ليكون عراب “التطبيع العربي مع إسرائيل”، أراد الانضمام إلى “محور المقاومة والممانعة”، كسباً لود إيران وروسيا في مواجهة أميركا الضاغطة عليه، ودول الخليج التي أدارت له ظهرها بعد كثير من المساعدات والإمدادات التي لم تكن كافية لوصول مركبه إلى بر الأمان.
ويبدو “البشير” في هذه المناورة أقرب إلى “مقاول” بائس، من رئيس دولة يزعم أنه عربي وإسلامي!.
أما “بشار” فلن يستطيع أحد أن يبشرنا به مجدداً، ولن يستطيع فاقدو شرعية أن يشرعنوه، ولعل اللقاء القادم يكون في قاعة خارج دمشق وليس في الخرطوم كذلك، عساه يكون في قاعة محكمة الجنايات الدولية، حيث المكان اللائق بسفاحَين قتلا أكثر من مليوني إنسان بريء.
تلفزيون سوريا