مهاجم وهمي ومدافع افتراضي.. لماذا تصيبك مراكز اللاعبين بالحيرة؟/ لؤي فوزي
أولا، العنوان نفسه أصابنا بالحيرة. نحن لسنا متأكدين ما إذا كانت مراكز اللاعبين هي التي تصيبك بالحيرة أم أن المهام المختلفة لكل مركز هي ما يصيبك بالحيرة، وهذا وضعنا في حيرة كما ترى، وأسوأ أنواع الحيرة هي التي تحدث عندما تحتار بين أمرين يسببان الحيرة.
المهم أنه منذ خرجت لفظة مهاجم وهمي للنور ونحن دخلنا في نفق لا يبدو أننا سنخرج منه أبدا، بعدها أتى المدافع الوهمي أيضا، ثم أعلن جيمي ريدناب في أحد أستوديوهات سكاي ذات مرة أن ليفربول دخل المباراة بخطة 4-4-1، مدشنا عصر اللاعب الوهمي عموما بغض النظر عن مركزه. (1)
بعدها اكتسبت لفظة “وهمي” ذاتها بريقا معينا، لا بسبب أن الفكرة ذاتها طازجة، ولكن بسبب عبقرية التنفيذ من ميسي، وبالطبع نال غوارديولا إشادة أكثر من تلك التي يستحقها في هذه النقطة لأن أي لاعب آخر لم يكن ليصبح بالفتك نفسه والفاعلية ذاتها في هذا المركز. أصلا الفكرة ذاتها منسوبة بالكامل ليوهان كرويف وخطة 4-4-2 الماسية التي.. لحظة، ليس هذا موضوعنا.. ماذا كنا نقول؟ نعم، الحيرة التي تسببها الحيرة بين مراكز اللاعبين ومهامّهم.. حسنا، هذا أول سبب للحيرة فيما يبدو(2)
من أنتم؟
سنخبرك بقصة طويلة مملة أولا. عندما بدأ الخلق يلعبون كرة القدم كانت القواعد شبيهة نوعا بتلك الموجودة الآن، هناك مرميان وحارسان و20 لاعبا (Outfield Players) سيحاولون حشر الكرة في الشبكة أكبر عدد من المرات، من هنا خرج أول تصنيف في اللعبة، وانقسم لاعبو كل فريق إلى مجموعتين؛ مجموعة ستحاول التسجيل في المرمى الآخر، ومجموعة ستحاول منع الخصم من فعل المثل. مفاجأة أليس كذلك؟
أخذت اللعبة في التطور والتعقّد حتى وصلنا إلى الثمانينيات، طبعا كانت هناك لحظة أخرى من التعقيد في السبعينيات مع راينوس ميتشلز وأياكس، ولكنك تعلم هذه القصة بالفعل، وإن كنت لا تعلمها فاسمح لنا بتجاهلها هذه المرة. المهم أن جوناثان ويلسون يقول إن هذه الفترة شهدت بداية عصر 4-2-3-1، والتي تعتبر تنويعا مفصلا على 4-4-2 المسطحة المعتادة آنذاك. واحد من المهاجمين سيتحرك رأسيا لتوفير زيادة عددية على خط الوسط الرباعي السائد لدى الخصوم حينها، هذا أثناء الدفاع، ثم سيوفر حلولا إضافية من العمق بدلا من الاكتفاء بعرضيات الأطراف، هذا عندما يحصل فريقه على الكرة، وطبعا سيمتلك أفضلية مواجهة المدافعين ووجهه لهم ولمرماهم. (3)
طبقا لويلسون، هذه الفكرة سيطرت على مونديال 1986 بأسماء مختلفة، واستُخدمت حتى في خطط غير 4-2-3-1. باختصار، تفككت أغلب الثنائيات الهجومية إلى مهاجم صندوق ومهاجم متأخر، وهذا المهاجم المتأخر تحول لاحقا لصانع اللعب الكلاسيكي الذي تعرفت عليه في التسعينيات، اللاعب المهاري الذي يصعب مواجهته في المساحات ويمكنه التسبب في مشاكل ضخمة إن تُرك بلا رقابة.(4)
تاريخ كرة القدم مليء بالتحولات والأفكار الجديدة، كل شيء في بداياته يكون أكثر قابلية للنمو والتطور عن أي وقت آخر، هذا بديهي، ولكننا نعتقد أن هذه اللحظة كانت فارقة للغاية في عمر اللعبة. أنت تسمع عن لوبانوفسكي وتشابمان وغيرهم من المجددين الآن، ولكن في أزمانهم كانت أفكارهم مقصورة على دوائر محدودة، عصر التليغراف والهاتف وكل ذلك، أما مونديال 1986 فكان من أوائل البطولات التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة، وبعدها تصاعد الأمر بجنون وأنت تعلم الباقي. (5) (6) (7)
اللحظة الفارقة
لماذا كانت تلك واحدة من أهم اللحظات الفارقة؟ لأن صانع اللعب كان مشكلة كبيرة جدا اسمها الحركية (Mobility). طبعا كل اللاعبين كانوا يخالفون مراكزهم المرسومة عدة مرات في كل مباراة بطبيعة الحال، ولكن صانع اللعب كان يفترض به أن يكون أكثر حركية حتى ولو كان أقلهم لياقة، بمعنى أنه متحرر من ذات القيود التي تكبل زملاءه ويمكنه طلب الكرة في أي مكان في الملعب، يستطيع الانضمام لأحد الجناحين على الأطراف وتحميل اللعب على جهة دون غيرها، حرية ليست متاحة لظهير الجنب مثلا أو مهاجم الصندوق آنذاك، ويستطيع انتظار العرضيات على حدود المنطقة مندفعا بلا رقيب. الحل؟ أن يُعيَّن له رقيب طبعا، هذا واضح.(3)
بالتالي مثلما تفككت الثنائيات الهجومية تفككت ثنائيات المحور بالتبعية، وانتهت الأيام الجميلة حينما كان يُطلق على الثنائي “CM – Central Midfielder” هكذا بلا تفصيل أو شرح، ذهب المدرب إلى أحدهم وأخبره أن عليه أن يرافق صانع اللعب مثل ظله وأن يمنعه من استلام الكرة أصلا. بمعنى آخر، ظهرت الحاجة إلى مدافع متحرك جديد يتظاهر بأنه لاعب وسط ليواجه المهاجم المتحرك الجديد الذي يتظاهر بأنه لاعب وسط.
بعدها بدأت كرة الثلج في التدحرج، لأن المدافع المتحرك الذي يتظاهر بأنه لاعب وسط لم يستطع أن يُخفي حقيقة أنه ما زال مدافعا في الأصل، ومن صفات المدافع في هذا الزمن أنه لا يجيد لعب كرة القدم بمعناها الحِرفي أو المهاري، لا يستطيع التمرير بالدقة المطلوبة في لاعب الوسط، ولا يجيد تحريك الكرة وإرسال الطوليات خلف خطوط الخصوم والانضمام للثلث الأخير إذا تطلب الأمر، وبالتالي اختل التوازن الذي كان موجودا من قبل، وأصبح ضروريا أن يرافقه في المحور ما عُرف لاحقا بصانع اللعب المتأخر (Deep Lying Playmaker). لماذا هو متأخر؟ لأنه يجب أن يكون بالقرب من المدافع المتحرك الذي يتظاهر بأنه لاعب وسط عندما يفتك الكرة، يجب أن يوفر له خيار تمرير سهلا وآمنا يجنبه الحاجة إلى التظاهر بأنه صانع لعب أيضا. ساكّي كان يصف ماكيليلي بأنه قاطع كرات عظيم ولكنه لا يجيد أي شيء آخر، هذا يلخص الأمر.(8)
لماذا أخبرناك بهذه القصة الطويلة المملة؟ لأن تلك اللحظة هي التي شهدت انقسام المهام في لاعبي المركز الواحد، ومن هناك خرجت كل التسميات التي تكرهها غالبا؛ ريجيستا وتريكوارتيستا وغيرها، وأخذت تتكاثر كالبكتيريا لتصف كل طراز من اللاعبين باسم مختلف، كلهم يتحركون في عمق الملعب ولكن على مسافات رأسية مختلفة، من ثم كلهم يلعبون في “المركز” نفسه طبقا للقواعد القديمة، الـ “CM” نفسه الذي كان يُسمى متوسط ميدان هكذا بلا تفاصيل أو شرح، ولكنهم مختلفون فيما بينهم اختلاف بيرلو عن غاتوزو. (9) (10)
ما الريجيستا؟
إلى اللانهائية وما بعدها
حقيقة، نحن لا نعلم من المسؤول عن هذه الجريمة. من هو أول شخص أمسك بالطبشورة وشرح للمهاجم الثاني كيف يتحرك رأسيا ليخلخل الدفاعات ويهرب من رقيبه؟ من الرجل الذي أطلق سلسلة متتالية من التطورات ما زالت مستمرة حتى اللحظة وغالبا ستستمر إلى ما لا نهاية؟ ويلسون بحث عنه كثيرا ولكنه لم يتوصل لاسمه للأسف.
المهم أن الآن هو وقت مناسب جدا لنعود إلى موضوعنا، الحيرة بين أمرين يسببان الحيرة، لأن هذه اللحظة هي التي شهدت انفصالا بين القديم والجديد، بين مراكز اللاعبين التي كانت كافية جدا للتعرف على المطلوب منهم في الملعب، وبين مهامهم التي تعقدت لاحقا وأصبحت تختلف من خطة لأخرى، وحتى لو كان اللاعب الذي سيؤديها سيشترك -نظريا- في المركز نفسه كل مرة. عندما بدأ خوانما ليّو استخدام 4-2-3-1 في كولتشورال ليونيزا بإسبانيا وبدأ يشرح للاعبيه كيف يتحرك المهاجم الثاني في هذه الحالة نظروا له نظرة إنسان الكهف نفسها الأولى للنار. (3)
هذا إذن هو أول جزء من الإجابة.. لماذا تُصيبك مراكز اللاعبين بالحيرة؟ لأنها في بعض الأحيان لا تُعبّر عن مهامهم طبقا للقواعد القديمة. القواعد القديمة كانت تنص أن كل الـ “CMs” متساوون في عين المدرب، وباستثناء الطفرات لم يكن يفرّق بينهم سوى الكفاءة، الآن يتم تعريف كل لاعب فرديا طبقا لقدراته وأفضل استغلال لها.
المصيبة أن الأمر يزداد تعقيدا كل لحظة، لأنه مع مرور الوقت ظهرت نسخ فائقة الجودة من صانع اللعب المتأخر لدرجة أن المركز 10 أو صانع اللعب الكلاسيكي المتعارف عليه في نهايات القرن الماضي قد انتقل من المساحة التي تقع أمام خط دفاع الخصم (تريكوارتيستا) للمساحة الواقعة أمام خط دفاع فريقه (ريجيستا)، وبالتالي ابتكر أحدهم حلا لتعطيله لا بد أنك قد خمنته.. نعم، بالضبط، اللعب بمضاد الرقم 10 (Anti-Ten) في المركز رقم 10، وكان السبق هنا لغوارديولا مع خافي مارتينيز عندما دفع به كصانع لعب أمام دورتموند كلوب بهدف الضغط على هجماتهم من المقدمة قبل أن تتطور. طبعا إن كنت تمتلك لاعبا على قدر من الشمولية فهذا يسعفك في مثل هذه الحالات، وتقريبا هذا هو ما فعله كلوب في مباراتهما الأخيرة في أنفيلد عندما أوكل مهمة الضغط -بعد خط الهجوم- لميلنر، وكان هو أول من يلاحق أي خيار تمرير إضافي يحاول به غوارديولا الهروب من ضغط الثلاثي الأمامي. (11) (12)
هرطقة المهرطقين
طبعا أنت لم تعلم سبب حيرتك وحسب، بل ربما تفكر في التوقف عن متابعة كرة القدم عموما بعد الفقرة السابقة. المدرب الذي يدفع بلاعب ارتكاز في مركز صانع اللعب غالبا ملحد أو يكره محمد صلاح. لا يوجد تفسير آخر. لذا دعنا نخبرك أن هذا هو ليس كل ما فعله غوارديولا. في الواقع، ثلثا أسباب حيرتك تبدأ وتنتهي عند هذا الرجل.
السبب الثاني المهم للحيرة هو التحذلق. أنت تعلم طبعا أن كثيرا من الناس يتعمدون تعقيد الأمور أحيانا ليمنحوك انطباعا أنهم أكثر ذكاء من غيرهم. غوارديولا يتحذلق أحيانا ولكن هذه ليست المشكلة كلها، المشكلة أن الرجل جذب عددا هائلا لأسلوب لعبه من المهتمين بالتدوين في التكتيك، وبما أنه لا يتوقف عن التجارب أبدا حتى لو كان يلتهم خصومه التهاما، فإن كل ذلك قد خلق حالة من الزخم لا تتوقف تقريبا.
مشكلة هذه الحالة أن المهتمين بها كُثُر، وبالتالي يلجأ بعضهم للتميز عن غيره بمزيد من التعقيد ومزيد من التحذلق، ومزيد من التحذلق يعني المزيد من المصطلحات التي تكرهها، بالتالي لم يعد المهاجم الوهمي والمدافع الافتراضي هما أكبر مشاكلك لأنه أصبح هناك الجناح الوهمي وصانع اللعب الوهمي والارتكاز الوهمي، وقريبا قد تجد المدافع متوازي المستطيلات وظهير ثاني أكسيد الكربون وحارس المرمى الجيلاتيني.
طبعا لا نحتاج إلى التأكيد أن الرجل أدخل العديد من المفاهيم الجديدة في اللعبة تجاوبا مع المستجدات والتطورات، وهذه واحدة من أهم مزاياه في الواقع. قبل موسمين كنت ستتهم بالهرطقة في إنجلترا لو قلت إن الحارس يجب أن يجيد التمرير بدلا من أن تتحول كل ركلة مرمى إلى عملية عشوائية نسبة نجاحها لا تتخطى 30%، ولا شك أن استخدامه لديلف كظهير وهمي -هذه المرة كان وهميا فعلا- للتغلب على إصابة ميندي، ومن قبله لام في بايرن، كان من الحلول المبتكرة غير المألوفة رغم اختلاف البعض على درجة نجاحها، ولكن القاعدة تقول إن كل ابتكار جديد سيجاوره كيلومترات مكعبة من الهراء المتحذلق. الأمر أشبه بالفارق بين براءة الاختراع والنسخ الصينية الرديئة. (13) (14)
ذراع التحكم
إلى جانب ما سبق، فهناك سراب ضخم يركض خلفه الجميع في كرة القدم الحديثة، سراب اسمه القدرة على التحكم في كل شيء حتى أدق تفاصيله، وهذا السراب لا يُغري غوارديولا وحسب، بل جميع المدربين على حد السواء بما فيهم سيميوني الذي يمثل النقيض التكتيكي، والذي بنى مشروعه في الأتليتي على ما أسماه بـ “المساحات المهملة” في اللعبة، التفاصيل البسيطة التي يتجاهلها الجميع عادة لأنها لا تحمل الكثير من التأثير منفردة، ولكن مراكمتها قد تمنحك أفضلية في بعض المواجهات، كل هذه الكسور قد تتجمع لتكون رقما صحيحا أحيانا. (15)
طبعا السراب سيظل سرابا، وغوارديولا وسيميوني وغيرهم يعلمون هذه الحقيقة تمام العلم، ولكن هذا لا يعني أنهم سيتوقفون عن المحاولة. نظرية العزيمة المدّخرة تفرض نفسها هنا وإن كان هدفك الكمال فقد تحصل على ما يليه في الترتيب، وهذا هو ما يسعى له أغلب مدربي الصف الأول بالأساس، ولكن في بعض الأحيان تقع كل قطع البازل في مكانها الصحيح، وتظهر لقطة أو لعبة نجح فيها الفريق في ترجمة تعليمات مدربه حرفيا ثم إنهائها بالنتيجة المرجوة. هنا يأتي دور مهاويس اللعبة ليسلطوا الضوء على هذه اللقطة أو غيرها، ويستفيضوا في شرح التفاصيل.
كل هذا رائع وطبيعي، ومطلوب أيضا. المشكلة تقع عندما يتم تعميم الأمر، ويُهيأ لنا أن دقة التنفيذ الحاصلة في لقطة معينة هي روتين يومي. هذا الخلط يقع أصلا لأن مهاويس اللعبة ليسوا غوارديولا أو سيميوني، بالتالي هم لا يملكون فكرة عملية واضحة عن كم العمل الذي يتطلبه إنجاز لعبة واحدة مثل هذه، وكم المحاولات الفاشلة التي سبقتها، وكم العشوائية التي تفرض نفسها على تحركات اللاعبين أحيانا بسبب المكان الذي خرجت منه الكرة، أو الطريقة التي خرجت بها الكرة، أو وقوع رمية تماس أو ركلة ركنية قبل اكتمال الهجمة، ومن هنا ينشأ الاعتقاد الخاطئ بأن كل ما يجري في المباراة مدروس ومُخطط وتم الإعداد له سابقا.
الحقيقة أن هذا وهم، وهم أكبر حتى من وهم المهاجم الوهمي. بمجرد الاطلاع على خريطة لمسات أي لاعب تقريبا في أي مباراة عشوائية من اختيارك ستجد أن نسبة من مواقعها لا تتوافق مع مركزه ومهامه الأصليين، وهذه النسبة ترتفع كلما اقترب من مرمى الخصم. على سبيل المثال، نادرا ما ستجد جناحا واحدا -حتى لو كان جناح خط تقليديا- قد اقتصرت لمساته على الجبهة التي أقحمه المدرب فيها، وإن كانت لمساته في أي موقع آخر لم ترتبط بتوقيت زمني معين أو مرحلة محددة في المباراة فقد نتجت عن عشوائية اللعبة على الأرجح. العشوائية الحتمية التي لن تُلغى أبدا حتى لو أصدر المدربون تعليماتهم للاعبين عن طريق أذرع تحكم، بل إن بعض المدربين مثل كلوب يبنون فلسفتهم على خلق هذه العشوائية أصلا، وتوصيل المباراة لحالة من السيولة والفوضى يسهل معها ارتكاب الأخطاء في مواقع خطيرة.
صداع من فرط الحيرة
ما يحدث بعدها أن مهاويس اللعبة يحاولون استنتاج النظام من العشوائية، بحسن نية غالبا، وأثناء سعيهم المحموم للتعرف على أنماط اللعب الحاصلة أثناء المباراة، ومع استقرار الاعتقاد الساذج بأن كل شيء محسوب، تبدأ مرحلة أخرى مجنونة من التعقيد، ويصبح كل تحرك معبرا عن فكرة، وكل لعبة وراءها غرض معين، وكل مصادفة قادرة على خلق مركز جديد بمهام جديدة باسم جديد يثير حيرتك، والنتيجة أنك تشاهد سيلفا أثناء المباراة بحركيته المعتادة، ثم تفاجأ بعدها أنه بدأ كـ 6 افتراضي ثم تحول لـ 7 ضلالي مع دخول محرز وأنهى المباراة كريجيستا كذاب للحفاظ على النتيجة.
هذا مستوى من التحكم لا يوفره البلاي ستيشن نفسه، ولو امتلكه غوارديولا أو سيميوني أو غيرهم لفاز بدوري الأبطال مرتين كل موسم، ولكن هذه هي الحالة الوحيدة التي يصبح فيها أثر الشغف سلبيا على اللعبة، لأنه يدفع الناس دفعا لمحاولة استنتاج الكل من الجزء، والجزء الوحيد الذي قد يكون معلوما للجماهير هو التشكيل وخطة اللعب وبعض الإحصائيات والتفاصيل التكتيكية، لذلك يضطرون أحيانا للتعامل مع ما يرونه من الصورة على أنه كل الصورة.
الخلاصة؛ هناك 11 مركزا في كرة القدم بالتعريف، لا ليسوا 11 لأن هناك 11 لاعبا، هذه مصادفة ليس أكثر. هناك حارس المرمى طبعا، وأربعة أنواع رئيسة من المدافعين، ظهير الجنب (Full Back)، والظهير الجناح (Wing Back)، ومدافع القلب (Centre Back)، والليبرو أو الظهير الحر (Sweeper)، وبعدها ينقسم لاعبو الوسط إلى طرازين رئيسين؛ لاعبو العمق (Central Midfielder) ولاعبو الأطراف (Wide Midfielder)، وأخيرا هناك المهاجم الصريح (Striker) والمهاجم غير الصريح أو مهاجم الظل (Second Striker). (16)
عدا ذلك، كل ما تسمعه هو أمر من اثنين لا ثالث لهما؛ إما توصيف للمهام نفسها لا مساحات الحركة، وإما نتاج اختلال التوازن الرأسي في الخطة (Vertical Symmetry)، والذي غالبا ما يكون متعمدا من المدرب. يعني مثلا مهاجم الظل ينبغي أن يكون متحركا بطبعه، ولكن عندما يلعب سارّي بمهاجمي ظل مثل كاييخون وإنسيني فإن هذا يفرض عليه أن يوجد أحدهما خلف الكرة والثاني أمامها، واحد يصنع الفرصة وآخر يسجلها، بالتالي نحتاج إلى وصف تفصيلي لمهام كل منهما، ولكن الثنائي ما زال مهاجم ظل. أمر آخر مشابه يحدث عندما يلعب غوارديولا بدي بروينه وسيلفا رفقة فيرناندينيو في العمق، هنا ينقسم الملعب إلى نصفين تقريبا مثل دائرة ين يانغ الشهيرة، واحد منهم يدفع الآخر للأمام وينزلق أسفله ليؤمن ظهره، دي بروين وووكر بمهام دفاعية أكبر من جهة، وسيلفا وساني وميندي وحفلة اليسار المعتادة بحرية أكبر من الجهة المقابلة، هذا ما يجعلنا بحاجة إلى مزيد من التفاصيل مثل وصف البلجيكي بأنه لاعب 6 والإسباني بأنه 8 وهكذا.
بجمع كل ما سبق يكون هذا هو ما عندنا، ودعنا نرتب الأمر لكي يسهل تذكره؛ المتسببون في حيرتك هم الرجل الذي قرر تحريك المهاجم الثاني في الثمانينيات، خوانما ليّو، بيب غوارديولا، ميسي، فيليب لام، فابيان ديلف، الملحدون الذين يكرهون محمد صلاح، المتحذلقون، والشغف. يومك سعيد، وإلى لقاء آخر.
ميدان