عن ظهور شخصيّة وهمية جديدة ضمن صحراء البورنوغرافيا العربيّة/ عمّار المأمون
هناك إحصائيّة وهميّة، غير دقيقة، غير علميّة وغير منهجيّة، يرصدها المراهق في سوريا في بدايات الألفيّة الجديدة، قبل ديموقراطيّة الانترنيت وأثناء فصل الصيف، حينها كان تبادل الأفلام البورنوغرافيّة على الهاتف المحمول عبر البلوتوث.
ويمكن للمُلاحظ الشبقيّ، أن يتلمّس ازدياد أعداد الشرائط الجنسيّة الهاويّة التي تتضمّن أفراداً من “شبه الجزيرة العربيّة”، وكأن هناك ارتباط بين تدفّق وتبادل هذه الشرائط وموسم السياحة في المنطقة، الذي تصفه الحكايات والنميمة الشعبيّة بأنه موسم الباه والغنى، و”استغلال” السائحين الجدد الباحثين عن الفَرْجِ الورديّ.
خزّان “السوائل” الوهميّ
المعطيات الهشة والإشاعات السابقة، تعني أن هناك صورة نمطيّة مُرتبطة بمن يدفع مقابل الجنس أو مقابل مشاهدته، وأن هناك سوق من السوائل الدفينة بانتظار الاستثمار، يُروّج من يريد الربح منه لخصائص جسمانيّة محدّدة، ويستهدف جنسيات محدّدة تشكّل أساس هذا السوق الوهميّ، كحالة الإشاعة التي لاحقت الممثلة السورية “لونا الحسن” والتي تبرّر أن قيامها بتصوير شريط جنسي، هو البحث عن “زوج” من بلاد النفط.
المثير للانتباه هو ظهور شخصيّة جديدة ضمن صحراء البورنوغرافيا العربيّة تتبنّى التقسيمات الوهميّة السابقة، وهي دانا العتيبي، التي تدّعي أنها سعوديّة، وتتوجه بـ”الدعوات” لمن يمتلكون الريالات، ويرغبون بقدّها و”مكوتها” المخصّصة لأصحاب العقالات، وكأنها تواجه خزّان السوائل الوهميّ، وتبحث عن استثمار ضمنه، متقمّصة جسديّاً ورمزياً – حدّ الابتذال – الصورة النمطيّة التي من المفترض أن تدرّ عليها الربح.
https://www.youtube.com/watch?v=t4xwi0Ur22Y
المتابع لنشاط العتيبي على اليوتوب بداية، يلاحظ حضور فيديوهات لها مع حبيبها الذي اختار اسم “عيد الدوسري هويّان”، هما يلعبان ويمرحان كأيّ عاشقين، ولا شيء يثير الاهتمام بخصوصهما، لكن الجدل اشتعل، بعد أن طرحت العتيبي العام الماضي أغنية وفيديو مصوّر لها بعنوان “كلّ ما أريد فعله”، الذي لم يشتره أحداً من iTunes، حتى لحظة كتابة هذه المقالة، وترى فيه العتيبي نفسها “شرمـ…” تأخذ نقود “السعوديين”، وتتحدّى “هيفا”، كما تروّج لنفسها كبديلة عن الزوجة التقليديّة، كونها تفعل “كل شيء”، فالفيديو يوصل ببساطة رسالة مضمونها أنها جاهزة للدعارة.
نشاهد في الأغنية المصوّرة الثانيّة التي طرحتها العتيبي بعنوان “viral” تكثيفاً دلالياً، إذ توظّف الكلمات العربيّة بشكل أوسع، وتلتفح عدّة مرّات بالعلم السعودي، كاشفة عن جسدها الموشوم بشعار المملكة وبعض الكلمات العربيّة، كما تتلوىّ على السرير غارقة بـ”الريالات”، مردّدة أن الجميع ينزع “حجابه” بمجرّد مغادرته للمملكة.
لا تقدّم الشرائط المصوّرة صورةً واضحةً عن سبب قيام دانا بها -هناك أغنيتان جديدتان طرحتا هذا العام-، فهل هي تنتصر للمرأة وحرية قرارها بـ”سرقة ” الرجل الذي تريد؟ أم تروّج لنفسها بأنها سعوديّة متحرّرة لا قيد عليها ولا على جسدها؟ أم فقط تتبنى المتخيّلات الجنسيّة الذكوريّة التي نشاهدها في موسيقا الهيب هوب؟
ما يخلق التناقض هو ما نراه لاحقاً في الفيديوهات الجنسيّة التي تظهر فيها وهي تستمني أو تتعرّى لأجل معجبيها، أو تمارس الجنس مع صديقها الذي نراه مسبقاً، وتذكره في الأغنية الأخيرة، خالقةً جدلاً مبتذلاً، هي لا تقدّم نفسها كنجمة بورنوغرافيّة، بل مجرّد فتاة تمتلك “شريطاً جنسيّاً”.
هي مؤدّية تقتبس من المتخيلات الشرقيّة والصورة النمطيّة، وتحوّل جسدها إلى مساحة رمزيّة مصطنعة لمخاطبة المتخيّل “العربيّ”، الذي لا يكفي وشم عبارة عربيّة ما لمحاكاة الفانتازم البورنوغرافي العربي، وخصوصاً في ظل غياب المرجعيات البصريّة للمقارنة، لتبدو كأنها تسعى لمطابقة التسجيلات الهاوية سابقة الذكر، وهذا ما تبين لاحقاً، فالعتيبي أرجنتينيّة غيّرت اسمها الأصلي، بل إنها لا تتحدث العربيّة حتى، هي تحاول فقط الربح من حساباتها الشخصيّة على سناب تشات وانستغرام، ذات الشيء ينطبق على حبيبها غير المختون، الذي لا يمكن التأكّد من جنسيّته، والأهم أن الكثيرين يرون فيها نتاجاً استخباراتيّاً معادياً للسعوديّة.
غياب الوعي بشروط الاستهلاك
غياب الإحصائيات الدقيقة عن الاستهلاك البورنوغرافي في المنطقة العربيّة، يتركنا أمام المنتجات الفرديّة التي تستهدف شبه الجزيرة العربيّة بصورة عامة، وتتبنّى المتخيّلات عن “رجالها”، وتركّز على احتمالات “الدفع” الفرديّ، والتي تدخل ضمن المكونات الإباحيّة، كما نرى لدى العتيبي و”الرموز” التي تتبنّاها جسديّاً ولفظياً، وتمتدّ خارج مساحة الجهد الإباحي الجسدي أيضاً، كما في تجربة السوري أنطونيو سليمان، الذي يتبنّى لهجة خليجية على “سناب تشات” الخاص به، بل ويقدّم نصائح خاصة لـ”أهل الخليج” كي يشتركوا بموقعه ويشاهدوا ما لديه من نساء، دون أن يظهر الاشتراك على فاتورة بطاقة الائتمان.
الغريب أن غالبيّة من يتبنّون هذا المتخيّل هم من ينتجون بورنوغرافيا من المساحات العربيّة أو يستهدفونها، ولا نجده حاضراً في البورنوغرافيا الغربيّة بكثرة، وحسب إحصائيات pornhub العام الماضي، نالت كلمة “عربي” أعلى معدّلات بحث في الهند، بنسبة تفوق 156% من أي مكان على الكوكب حسب تعبيرهم، صحيح أن دقّة هذه الإحصائيّة مرتبطة بحجب المواقع الإباحيّة في السعوديّة والخليج العربي، لكنها تعكس سذاجة هذه المنتجات الفرديّة، التي تحرم الجمهور العربيّ من احتمالات جماليّة وشبقيّة، وتركّز على الربح الفرديّ، دون اختراق الصناعة البورنوغرافيّة نفسها، كونها ترسّخ أساطير ومقولات شعبيّة بالاعتماد على إحصائيّات وهميّة كتلك التي في مقدمة المقال.
صحافي سوري مساهم في عدد من الصحف والمجلات العربية، حاصل على ماجستير في الإعلام وليسانس نقد ودراسات مسرحية.
رصيف 22