أبرز الخاسرين في عام 2018: السوريون والكرد والفلسطينيون/ بكر صدقي
يؤسس القرار الأميركي الأحادي بالانسحاب من سوريا لمرحلة جديدة عنوانها الأبرز تفرد روسيا بالسيطرة على التطورات في سوريا وجوارها الإقليمي القريب. وهو ما يعني، مباشرةً، خسارة مطلقة للسوريين الذين تراجعت فرص امتلاكهم لمصيرهم إلى الحضيض. وخسر كرد سوريا حماية الحليف الأميركي لمصلحة كل من النظام الكيماوي وتركيا. أما الفلسطينيون فقد تراجعت “مركزية” قضيتهم العربية إلى مستوى غير مسبوق، لينشغل العرب، حكاماً وشعوباً، بصراعات مختلفة يتصدرها صراع “شيعي – سني” و”الحرب على الإرهاب” وتندرج تحتهما صراعات داخلية في كل بلد لها امتدادات إقليمية.
سواء تدخل الأميركيون، في الصراعات الإقليمية، أم لم يتدخلوا، أو انسحبوا بعد تدخل، فهم يتسببون بسلسلة من المشكلات، أو يزيدون الأمور تعقيداً كما يقال. حُسِبَ على الثورة السورية، بلا وجه حق، أنها دعمت من الولايات المتحدة، وأن واشنطن عملت على الإطاحة بنظام بشار الأسد. هذه هي رواية محور الممانعة وإعلامها، وقسم مهم من بقايا اليسار الغربي. وتنتهي هذه الرواية بالنهاية السعيدة المظفرة، معلنةً “فشل” الولايات المتحدة في الإطاحة بالنظام، وانتصار هذا الأخير، مع حلفائه، عليها! في حين أن الولايات المتحدة عملت بكل ما تملك من وسائل على إحباط أي تقدم ميداني لما كان يسمى بالمعارضة المسلحة، حين كان النظام في أضعف حالاته، باعتراف الإيرانيين والروس وحزب الله جميعاً.
وفي ذروة تدهور قوة النظام، في خريف 2013، أنقذته إدارة باراك أوباما من خلال صفقة الكيماوي المشؤومة، فمدت في عمره سنوات إضافية. ومع ذلك احتاج النظام إلى التدخل العسكري الروسي المباشر بعدما بدت إيران بكل جهودها وإمكاناتها عاجزة عن انتشاله من هاوية السقوط. هذا التدخل الذي ما كان ممكناً لولا غض النظر الأميركي عنه، إن لم نقل بتشجيع منه.
واليوم ينهي ترامب الوجود الأميركي في سوريا، تاركاً الجمل بما حمل لروسيا، على ما يمكن تأويل عبارته التي وجهها للرئيس التركي أردوغان أثناء المكالمة الهاتفية الشهيرة، حين قال له: “تريد سوريا؟ خذها. نحن عائدون إلى الوطن”. ولأن “خذها” موجهة، بصورة غير مباشرة، لبوتين أكثر مما لأردوغان، فقد ارتبك هذا الأخير أمام هذا السخاء الأميركي غير المتوقع، وبات في وضع أكثر ارتهاناً للمشيئة الروسية. وهو ما يمكن تلمسه من مخرجات المباحثات الثنائية التي جرت، يوم أمس، في موسكو، وخلاصتها “التنسيق الثنائي في مكافحة الإرهاب في سوريا”.
أما الكرد فقد خذلهم الحليف الأميركي مجدداً، في سوريا هذه المرة، كما خذلهم في العراق العام الماضي. ومن المحتمل أن التيار الأوجلاني الممثل في حزب الاتحاد الديموقراطي سيعود إلى حضن نظام الأسد بإشراف روسي، مقابل مزيد من ارتهان أحزاب “المجلس الوطني الكردي” لتركيا، بمعية “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية” أو تحت مظلته. أما حزب العمال الكردستاني الأم في تركيا، فهو يعيش واحدة من أكثر فترات تاريخه انتكاساً، وواجهته السياسية “حزب الشعوب الديموقراطي” تتعرض لحملة متواصلة من القمع الحكومي بسيف مؤسسة القضاء الملحقة بالسلطة التنفيذية.
ولم يعد لدى الفلسطينيين أي جدار يسندون ظهرهم إليه، بعدما تراجعت قضيتهم إلى مستويات متدنية من سلم اهتمامات العرب والعالم، مقابل تمتع إسرائيل بفترة ذهبية من الشعور بالمناعة والقوة والخروج من العزلة حتى في جوارها العربي. وذلك بفضل نوع من تحالف غير معلن إسرائيلي – عربي ضد النفوذ الإيراني. ومن المحتمل أن القيادة السعودية ستكون أكثر طواعية للمشيئة الأميركية، ثمناً لاستمرار حمايتها من عواقب جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي. صحيح أن الانسحاب الأميركي قد “صدم” الإسرائيليين، كما عبرت وسائل إعلامهم، لكنهم، بالمقابل، باتوا في وضع رأس الحربة في احتواء النفوذ الإيراني، وبخاصة في سوريا، الأمر الذي رأينا بدايته في الضربات الأخيرة التي وجهها سلاح الطيران إلى محيط دمشق.
وبالنسبة لإيران، لا يمكن اعتبار الانسحاب الأميركي من سوريا يصب في مصلحتهم، لأنهم ليسوا في وضع يمكنهم من استثمار نتائج هذا الانسحاب، وما دامت إسرائيل مستمرة في تنفيذ المهمة، إضافة إلى هشاشة الوضع الداخلي الإيراني الذي يتوقع أن يزداد سوءا مع ظهور نتائج العقوبات الأميركية القاسية باطراد.
تركيا التي قد تتظاهر بأنها تخلصت من عقبة أمام أحلامها في توسيع مناطق نفوذها داخل سوريا، وجدت نفسها مدفوعة إلى الالتصاق أكثر بمحور سوتشي، وبخاصة أكثر ارتهاناً لروسيا بوتين، مع وضع اقتصادي غير مستقر، ومستقبل سياسي غامض. وإذا كان رائز أنقرة الرئيسي، في سياستها السورية، منع قيام كيان كردي بإدارة ذاتية من نوع ما، فنجاحها في تحقيق هذا الهدف يرتبط بإقناع موسكو بهواجسها، في حين أن الروس أكثر ميلاً لمنح الكرد شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية في إطار وحدة الكيان السوري، كما يمكن أن نستشف من مسودة دستور سربوه العام الماضي. وقد يكون تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، في الفترة القادمة، ثمناً لتسكين الهواجس التركية بشأن كرد سوريا. وهو ما قد يضغط الروس باتجاهه أكثر فأكثر، في الفترة القادمة، في إطار جهود تعويم نظام الأسد عربياً وإقليمياً. وكانت أبرز محطات هذا التعويم زيارة الرئيس السوداني إلى دمشق، وافتتاح السفارة الإماراتية في سوريا.
تلفزيون سوريا