إعلان Gillette : كيف تحقق شركة أرباحها عبر إعادة تشكيل الوعي؟
كل صيت هو دعاية حسنة، ما لم تكن مدير علامة تجارية عالمية يبلغ رأسمالها مليارات الدولارات، أطلقَت ما نعتَته إحدى مجلات الدعاية بـ”أسوأ حركة تسويقية في العام”، وما اعتبره بيرس مورغان إذلالاً للرجولة.
عام 1989، أطلقت شركة Gillette حملة دعائية بعنوان “ما يستحقه الرجال” خلال مباراة السوبر بول (المباراة النهائية في بطولة الدوري الوطني الأميركي لكرة القدم). كشَف أحد أشهر شعارات تلك الحملة الدعائية عن الجانب الناعم من الحياة الذكورية الأميركية، إذ يقول “الرجال الأقوياء يمارسون الرياضة، الرجال الشجعان ينطلقون نحو الفضاء، بينما الرجال الأنيقون يقبِّلون نساءً جميلات”. كل شيء معَدّ لشَدو أنشودة حماسية تلائم عِقد الثمانينات من القرن العشرين. في كل حال حقّقت تلك الحملة الهدف الذي يفترض بالدعاية أن تحققه: خلق رؤية خيالية عن الرجولة؛ رؤية تعتمد على عضلات البطن المشدودة والعيون الجذابة وسائلَ لبيع المنتجات.
مؤخراً تحوّلت Gillette تحولاً درامياً عبر إطلاق حملة دعائية جديدة استجابةً لحملة #MeToo، تحثّ الرجال على أن يكونوا أفضلَ وأقلَّ ذكوريّة وعلى التوقّف عن اختلاق الأعذار للسلوك السيئ عبر القول إن الأولاد سيظلون دوماً أولاداً. يصوِّر الإعلان أباً يتدخّل لإنهاء شجار، وصديقاً يوقف صديقه عن التحرش بامرأة في الشارع، ورجلاً يتفاصح على امرأة في اجتماع عمل. أنكَر المتحدث باسم الشركة أن الإعلان كان معَداً لبثه في مباراة السوبر بول الأخيرة.
ركِبَت شركة إنتاج شفرات الحلاقة موجةَ الحراك الاجتماعي عبر إعلانٍ عمِلَ عليه فريق إبداعي من الرجال في الولايات المتحدة وأخرجته واحدة من أفضل مُخرِجي الإعلانات هي كيم غيريغ التي تحمّلت الكثير من الإساءة في النهاية. فقد أصبحت Gillette حالة يقظة. وعلى رغم أن الآلاف اشتكوا وهدَّدوا بمقاطعة منتجات الشركة، إلا أنَّ الإعلان نالَ أيضاً الكثيرَ من الثناء ووُصِف من قِبَل عدد من المشاهير بأنه “جميل” (إليغا وود) و”مؤثّر” (جيسيكا شاستين) و”تجب مشاهدته” (أريانا هافينغتون).
ووِفقاً لِشركة التحليل الإعلامي Sprout Social فإنّ 63 في المئة من التغريدات الموجَّهة لحساب @Gillette كانت إيجابية.
لم تكن Gillette الشركة الوحيدة التي تستغل الحراك الاجتماعي والسياسي في الدعاية من أجل تحقيق الربح. فقد حققت الشركة الأم Procter and Gamble نجاحاً كبيراً في حملتها بعنوان “مثل فتاة”، والتي بُثّت خلال مباراة السوبر بول عام 2014. لقد أصبح تسليع النسوية نهجاً متّبعاً في مجال الدعاية والتسويق لما يقرب من 5 سنوات وحتى الآن، فقد أصرت العلامات التجارية على أن المرأة تشعر “بالتمكين” باستخدام كل شيء، ابتداءً بنوع الشامبو الذي يستخدِمنه (Pantene) مروراً بالفوط الصحية (Always) ومستحضرات الترطيب (Dove)، وصولاً إلى فواتير الكهرباء التي تدفعها (EDF).
عام 2015، لتحقيق المساواة بين الجنسين، تخلّت شركة Lynx عن استخدام نساء شبه عاريات لبيع منتجات مزيل العرق للرجال. وتشجع الآن Lynx (التي تُباع منتجاتها باسم Axe خارج المملكة المتّحدة)، على مقاربة أكثر حساسية وشمولية للذكوريّة، تحت شعار “اكتشف سحرك”؛ وبَنَت بذلك زَخَماً لهذه الصيحة الإعلانيّة. لكن بعد عامين فقط أخطأت شركة Pepsi عبر إعلانٍ مسيء تلعب فيه كيندال جينر دورَ البطولة، وتؤدّي دور ناشطة اجتماعية تتمكّن من إحلال السلام والوحدة في تظاهرة شعواء، عبر توزيع “الكولا” على رجال الشرطة.
يقول دان كولن شوت، المؤسس المساهم في شركة الدعاية المستقلة Creature في لندن ومديرها التنفيذي: “نحن نعيش في عالم تعتقد فيه العلامات التجارية أنها بحاجة إلى هدف ما. إذ تُظهِر الأبحاث باستمرار أنّ أبناءَ جيل الألفية يريدون من العلامات التجارية أن تفعل وتمثل شيئاً ذات مغزى”. لكن مع ذلك، ينتقد طريقة Gillette والمفارقة والسخرية الكامنة في إعلانها. يقول “مجرد بيع شفراتهم الخماسية والترويج لها، لن يكونا مجديين الآن، لهذا كانوا بحاجة لفعل شيء جريء. أقدِّر محاولتهم، لكن من ناحية التواصل فهذا الإعلان أخرق ومبالغ فيه ونُفِذّ بطريقة سيئة. من الممكن أن يُفكّر المرء أن حراك #MeToo مهم للغاية ويدعم عالماً يكون فيه الرجال أكثر احتراماً ولطفاً، لكن في الوقت نفسه، لا أعتقد أن Gillette مُخوَّلة للحديث عن الأمر”.
يتفق تشارلز أوليف -مخطط ثقافي عمل مع شركة Grey، وهي وكالة الإعلانات المتعاقدة مع Gillette- وإليزا ويليامز، مديرة تحرير مجلة Creative Review مع هذا الرأي. يقول أوليف: “يبدو الإعلان مثل مقطع ساخر من مقاطع Saturday Night Live أو مسلسل South Park”. وتضيف ويليامز قائلة “هو إعلان وعظي متعال، وهذا ليس أفضل أنواع الإعلانات”.
يُقارِن كلاهما الحملات الدعائية لـGillette بحملة Nike، العام الماضي التي شملت كولن كوبرنيك، والتي تبنّت حركة الحقوق المدنية و”حياة السود مهمّة” والنشاط الحقوقي، عبر صورة لنجم كرة القدم الأميركي وبجانبه عبارة تقول “آمِن بشيءٍ ما حتى لو كان هذا يعني التضحية بكل شيء”.
تقول ويليامز: “لقد أصبحت الحملة المعيار الذهبي الجديد للحملات الإعلانية، بجرأتها وتسبُّبها في الانقسام والجدل وتبنّي موضوع يعرفون أنه مَثار خِلافٍ سياسي”.
يقول أوليف “كانت طريقة راقية للمشاركة في الحوار. والشركات الآن تواصل التساؤل “كيف يمكن أن تكون لنا غاية ومعنى وأن نصير مؤثرين ونُساهِم في التغيير؟”، ويضيف: “إنّ لديهم سجلّ أرباحٍ يودُّون حمايته، لكن من المثير والإيجابي أن هذا الأمر يعني أن بإمكان المسؤولية الاجتماعية أن تُحقّق أرباحاً”.
لكن هذا النوع من “غسيل اليقظة”، حيث تقوم الشركات بتبنّي قشرة خارجية من القيم التقدمية لتحقيق الربح، يُزعِج البعض. تقول ويليامز: “سنرى المزيد من الشركات التجارية تحاول تبنّي القضايا الاجتماعية. فهم يتبنّون وجهة النظر القائلة إنّ اتخاذ المواقف المثيرة للانقسام سياسياً يستحق المخاطرة، ومن الإيجابيّ المشاركة في النقاش الدائر”. لكنها تضيف بفتور “وهذا يتماشى مع الاتجاهات الحالية في الصناعة أيضاً”.
تقول ربيكا ستيوارت مراسلة مجلة The Drum، التسويقيّة إنّ الشركات لم تعد تتحمل تكلفة التحفظ والحذر؛ إذ يجب على الحملات الدعائية أن تكون حول نقاط حوار ساخنة لتجلب الانتباه في عصر أصبح “المستهلك العادي يتعرض لـ10 آلاف إعلان يومياً”. وبيع شفرات الحلاقة تجارة شاقّة. قبل عقد من اليوم كانت شركة Gillette تستحوذ على 70 في المئة، من السوق في الولايات المتحدة، وفقاً لوكالة Euromonitor، لكن هذا الرقم هبَط إلى أقل من 50 في المئة العام الماضي، بعد ظهور خدمات الاشتراك في شفرات الحلاقة”. وأجبرت Gillette على التخلي عن 12 في المئة من أسعار بيع منتجاتها.
يقول كولن شوت إن العلامات التجارية تُقامِر وتأمل بأن تكون في الجانب الجيّد من التاريخ ومن هامش الأرباح أيضاً. ويضيف: “من المبكر الحكم على مدى نجاح هذه الحملة بالنسبة إلى Gillette”، مواصِلاً بأسى “لكن حين تكون الحكومة الأميركية مغلقة جزئياً وترى الجميع يتحدثون عن Gillette … كنت أتمنى فقط ألّا يقتصر هذا النقاش المهم على إعلان لشفرات الحلاقة”.
درج