السينما والفلسفة ماذا تُقدِّم إحداهما للأخرى/ مروان ياسين الدليمي
العراق ـ «القدس العربي»: ما العلاقة التي يمكن أن تجمع السينما بالفلسفة؟ سؤال جوهري يطرحه الكتاب الموسوم «السينما والفلسفة ماذا تقدم إحداهما للأخرى» الصادر عام 2017عن مؤسسة هنداوي سي آي سي، وقد تعاون على تأليفه داميان كوكس ومايكل ليفين، وتولت ترجمته نيفين عبد الرؤوف وراجعة هاني فتحي سليمان.
يبدو هذا السؤال مفتوحا في الفصول الأربعة من الكتاب، إذ يشكل بؤرة مركزية للدخول إلى كافة العناوين التي تناولها، وهذا ما يدعو القارئ بالتالي لأن يتساءل في ما إذا بوسع الفيلم أن يكون نصا فلسفيا؟ بما يعني إمكانية أن تكون صناعة الأفلام إضافة إلى ما تحققه من متعة نوعا من التفلسف، وبطبيعة الحال سوف تصبح عملية تلقي الفيلم نوعا من التفلسف، على هذا المنوال تُطرح العلاقة بين السينما والفلسفة من قبل مؤلِفي الكتاب، ولاجل تدعيم ما يطرحانه من تساؤلات يستشهدان بما قاله موراي سميث، أحد منظري الفلسفة والسينما، حيث يقول: «إن قدرة الأفلام على أن تصبح فلسفية من منظور عام أمر لا خلاف عليه، تلك حقيقة لا تبعث على الدهشة إذا نظرنا إلى كل من السينما بوصفها شكلا فنيا والفلسفة كامتدادات لقدرة البشر على الوعي بالذات، أي قدرتنا على تأمل أنفسنا».
ببساطة شديدة إذا فكرنا في الفلسفة كونها تعبيراً عن قدرة البشر على التأمل، فإن الأفلام تشترك بجلاء في هذه القدرة، هذا ما يطرحه الكتاب من مقاربة بين السينما والفلسفة، بهدف الكشف عن أبعاد أكثر عمقا في هذه العلاقة. ولكي يصل بالقارئ إلى مرحلة من التفكير بالإمكانات الفلسفية للسينما يستعيد المؤلفان مجموعة أسئلة طرحها بازلي ليفينجستون كان قد صاغها على شكل فرضيات: «هل في وسع الأفلام تقديم إسهامات بارزة وإبداعية ومستقلة إلى الفلسفة، باستخدام وسائل يتفرد بها الوسيط السينمائي، مثل المونتاج والعلاقات بين الصوت والصورة، وهي إسهامات مستقلة من حيث كونها متأصلة في طبيعة السينما، وليست قائمة على التعبير الفلسفي اللفظي، مثل التعليقات أو الشروح؟». وتزعم هذه الفرضيات، حسب رأي المؤلِفَين، أن مساهمة السينما في الفلسفة، إن كانت حقيقية، فهي قطعا مساهمة لا تقبل الاختزال أو الاستبدال بأي شكل آخر من أشكال التواصل. إنها بالفعل فرضية قوية، لكن ما الذي يدفعنا إلى الاعتقاد بأن القيمة الفلسفية للسينما يحددها تفرد السينما الفلسفي؟ وفي هذا السياق من التساؤلات يجيب عليها ليفينجستون نفسه إذ يقول: «يجب علينا التخلي عن الفرضية الجريئة التي ترى السينما نوعا من الفلسفة، والتحول إلى فرضيات أكثر اعتدالا ً وقابلية للتطبيق». على ما يبدو فإن مطبوعا يأتي بهذا العمق في تناول العلاقة بين السينما والفلسفة يهدف إلى تعريف القراء بمجموعة متنوعة من القضايا الفلسفية عبر عدسة السينما، فضلا ًعن قضايا أخرى تتعلق بطبيعة السينما.
عمد المؤلفان إلى تقسيم محتويات الكتاب إلى أربعة فصول، ناقشا فيها جملة موضوعات تشتبك فيها السينما مع الفلسفة، منها على سبيل المثال: السينما كوسيط فلسفي، لماذا تشكل السينما وسيلة جيدة لمعالجة القضايا الفلسفية؟ وكيف يمكن تدعيم النقاشات الفلسفية من خلال السينما؟ كما تناولا بعض القضايا الفلسفية التي تطرحها السينما ذاتها، وأخرى تتعلق بطبيعة السينما والمشاهدة السينمائية، من خلال طرح مجموعة من الأسئلة من قبيل: لماذا تستهوينا أفلام معينة؟ كيف نستطيع اكتشاف تلاعب فيلم ما بحكمنا الفلسفية؟ كيف ندرك البديهيات التي بنينا عليها هذا الحكم؟ كيف نستطيع استغلال نقاط الالتباس التي تعجُّ بها الأفلام لأغراض فلسفية؟ وقد ركزالفصل الثاني من الكتاب على الأفلام التي تثير تساؤلات حول نظرية المعرفة وما وراء الطبيعة. كما ناقش أفلاما تتصل بما يطلق عليه الحالة البشرية التي تدور حول الإرادة الحرة والهوية الذاتية والموت ومعنى الحياة.
ومن البحوث المهمة التي تناولها الكتاب ما يتعلق بطبيعة المشاهدة السينمائية؛ إذ ركز على أفلام الرعب لاسيما أفلام الرعب الواقعي. وهنا طرَح تساؤلا عما يجذب الجمهور إلى تجربة الرعب؛ أي إلى مشاعر الخوف والتقزز؟ كما تصدى لموضوعات تتعلق بقضايا الأخلاق والقيم، حيث توقف عند الأفلام التي تعالج موضوعات مثل دوافع العيش في حياة أخلاقية، والحظ الأخلاقي، وأخلاق الواجب، ونظرية العواقبية ونظرية الفضيلة. وللتعبير عن منظور قائم على معرفة فلسفية فإن السؤال الأساسي الذي يرصد طبيعة الرابط الذي يجمع السينما بالفلسفة، يشير المؤلفان إلى أن كلا من الممارسة الشفهية للفلسفة والممارسة السينمائية لهما طريقتان للتفكير في الآراء والحجج، جديٍا ومنهجيا، أطلقا عليها مصطلح «الفرضية المعتدلة» كما أشارا إلى أن «الفرضية الجريئة» تزعم أن التمثيل السينمائي للفلسفة فريد من نوعه، ولا يمكن اختزاله إلى أشكال أخرى من الممارسات الفلسفية.
كما تزعم فرضية «البُطلان» أنه لا يوجد ما يُدعى التمثيل السينمائي للفلسفة. بينما تزعم الفرضيةالمعتدلة أن التمثيل السينمائي للفلسفة موجود، وأنه بالفعل تمثيل للفلسفة. والتمثيل السينمائي للفلسفة ليس عصياً على الترجمة إلى أشكال فلسفية لفظية؛ إذ يمكن إعادة التعبير عن الفلسفة لفظيا بدون خسارة، على الأقل من حيث المبدأ. ويؤكد المؤلفان في تناولهما موضوع حضور الفلسفة في السينما على أن ممارسة الفلسفة سينمائيا لا تتطلب اتباع نفس طريقة ممارستها لفظيا، وهذا لا يدفع بالضرورة لاستنتاج أن ممارسة الفلسفة سينمائيا تمنحنا مدخلا إلى معارف وحقائق فلسفية، يستعصي على الفلاسفة الذين يمارسون الفلسفة بطرق غير سينمائية الوصول إليها.
الكتاب يقدم للقارئ نظرة عامة على موضوعات هي في صميم الفلسفة، ومن منظور الكتابات التي تبحث عن العلاقة بين الفلسفة السينما. وهذا ما أشار إليه المؤلفان «إن تناول كل مِن فلسفة السينما، والفلسفة في الأعمال السينمائية في هذا الكتاب، يدعم كل منهما الآخر». وعليه فإن مجمل ما تم تناوله من مفردات يدعم فكرة محورية، تؤكد على أن الأفلام وسيط صالح للنقاش الفلسفي من عدة أوجه؛ إذ يمكن استخدامها لتسليط الضوء على قضايا فلسفية، وكوسيلة لاختبار نظريات فلسفية أو إجراء تمهيد لتجارب فكرية فلسفية، وكمصادر لمعضلات أو ظواهر مثيرة للاهتمام، تستدعي الاستقصاء الفلسفي، وكطريقة لفهم مغزى قضايا فلسفية أو تحديد الاحتمالات الفلسفية. ففي بعض الأحيان نستخدم نظريات فلسفية لتفسير الأفلام، وفي أحيان أخرى نستخدم الأفلام لتسليط الضوء على النظريات الفلسفية.
القدس العربي»
لتحميل الكتاب من الرابط التالي