لماذا يتجاهل ترامب سوريا تماماً؟/ رضوان زيادة
من المحق القول أن الرئيس ترامب وإدارته تمتلك خطة سياسية تجاه إيران يطلق عليها اليوم “The Maximum Pressure”، أي “أقصى درجات الضغط”، هذه السياسة تتجلى في حصار إيران اقتصاديا ومعاقبتها على أفعالها في سوريا ولبنان واليمن، لكن ترامب لا يمتلك أية سياسة تجاه سوريا، بالنسبة له سوريا ملحقة بإيران وعقاب إيران يعني ضمنا معاقبة سوريا، سوريا بالنسبة له كلها “موت وصحراء” لا تستحق حتى تطوير استراتيجية لها أو حتى الاكتراث لأرواح آلاف المدنيين الذين ماتوا ويموتون هناك، سيما أن لا فائدة اقتصادية أو منفعة استثمارية ستعود على الولايات المتحدة من هذا البلد الفقير المعدم الذي يحكمه نظام رئيسه “حيوان”.
وعلى ضوء ذلك يشعر النظام في سوريا بالراحة قليلاً أنه ليس المستهدف أو أنه في الحقيقة لا يمثل شيئا يستحق أن يستهدف من أجله لا اليوم ولا في المستقبل، دولة فاشلة وستبقى كذلك على مدى العقود القادمة، لا قدرة لها على إطعام شعبها أو ما بقي منهم ولا قدرة لها على السيطرة على حدودها، كل مواردها الضعيفة ستستخدمها في قتل ما تبقى معارضاً داخل الحدود السورية الافتراضية، نهاية مؤلمة لثورة عظيمة أرادت يوما ما أن تغير خارطة المشرق العربي للأفضل فانتهت إلى ما هي عليه اليوم.
لم تختلف سياسة ترامب عن أوباما فيما يتعلق بسوريا، فمنذ أن جاء الرئيس ترامب إلى السلطة في يناير كانون الثاني عام 2017 لم يلق أي خطاب رئيسي عن المأساة السورية، بل على العكس من ذلك حملت كل جمله وعباراته الخوف من التورط في الأزمة السورية بسبب تعقيدها وبسبب التدخل الروسي هناك، ولذلك أكد أكثر من مرة أن الأولوية هناك هي لمحاربة التنظيمات المتطرفة مثل داعش والقاعدة وغيرهم، وهذا هو السبب في أنه ليس من المُستغرب أن يقترح عدة مرات خلال حملته الانتخابية التنسيق مع روسيا من أجل “إنهاء” الأشرار هناك.
ثم تلى ذلك تصريحه العجيب خلال اجتماعٍ لحكومته كي يؤكد سحب القوات الأمريكية من هناك “لأنه لا شيء هناك سوى الصحراء والموت” ليظهر بشكل أو بآخر مدى “شغفه” بالمسألة السورية أو اهتمامه بها، صحيح أن روسيا موجودة اليوم في سوريا وبقوة وهو لا يريد الصدام معها بأي شكل من الأشكال لأسباب من الصعب فهمها وعلينا الانتظار حتى نرى تقرير مولر الذي من المفترض أن يكشف خبايا العلاقة بين ترامب وروسيا. فعندما أصبح ترامب رئيسا بقيت نفس القضايا في سوريا كما كانت في عام 2016 مع الفارق الوحيد أنه وبشكل رسمي جرى فتح تحقيق جنائي فيما يسمى “التواطؤ” بين روسيا وحملة ترمب ودور روسيا في التدخل في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2016؛ وفي وقت لاحق، عيّنت وزارة العدل مولر مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق ليكون المستشار الخاص لقيادة التحقيق في هذه المسألة.
وبالتالي فإن أي خطوة للرئيس ترامب باتجاه روسيا سوف تكون عكسية هنا في السياسة الأمريكية الداخلية، وربما تؤخذ ضده بشكل دائم.
أدى استخدام حكومة الأسد للسلاح الكيماوي في خان شيخون في شباط / فبراير 2017 إلى ظهور ترامب آخر مختلف عما كان عليه في الحملة الانتخابية، صحيح أن السبب في أنه كان عليه أن يفعل ذلك هو أن يميز نفسه عن “الخط الأحمر” الشهير للرئيس السابق أوباما الذي لم ينفذ وعوده أبداً، فإعادة استخدام الأسد للسلاح الكيماوي مجدداً في دوما بعد عام تقريبا من استخدامه للسلاح الكيماوي في خان شيخون استلزم رداً عسكريا آخر من قبل الرئيس ترامب، هذا الرد كان أوسع لكنه كان محدوداً أيضا لدرجة أنه لم يوصل أية رسالة سياسية والأهم ينم عن غياب كامل للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط وفي سوريا تحديداً، وهو ما جعل روسيا تستقبل هذه الضربة بوصفها حفظاً لماء وجه القادة الثلاث، فترامب وعد بأن يكون مختلفاً عن أوباما في تنفيذ الخط الأحمر، والرئيس الفرنسي ماكرون الذي كرر أكثر من مرة أن فرنسا سترد ولو كانت وحيدة على تجاوز الخط الأحمر متمثلاً في استخدام الأسد للسلاح الكيماوي ، ولذلك وبمجرد انتهاء الضربة عاد ترامب لتغريداته ضد أعدائه “الديمقراطيين” وخاصة التحقيق الذي يقوده مولر، وعاد الرئيس الفرنسي لحل مشكلة فرنسا المستعصية مع البطالة وإضرابات التي لا تتوقف، أما رئيسة الوزراء البريطانية فعادت للبحث عن حلول لمشاكل بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، أما الأسد فعاد في استراتيجيته المتمثلة في الاعتماد على روسيا في سحق المعارضة عسكريا مع الترديد الأجوف بالحل السياسي ومهما كانت التكلفة أو الثمن بحق المدنيين الذي لا وجود لهم في الحسابات الروسية أو السورية أو في أحسن الأحوال يتم تهجيرهم أو طردهم من بيوتهم .
صحيح أن المفهوم الأمريكي لسوريا يبدو مختلفا تماما عن المفهوم الروسي لسوريا المفيدة التي أشار لها الرئيس الروسي بوتين، فالمفهوم الأمريكي تحت إدارة ترامب يعتمد بشكل رئيسي على مبدأ عدم الاكتراث، وأن تحقيق النصر ضد داعش كافٍ بالنسبة للإدارة الأمريكية التي تنهكها الخلافات الداخلية وتعصف بها الفضائح المحلية من مثل تحقيق FBI بعلاقة حملة ترامب الرئاسية بروسيا والاستقالات المتكررة من قبل المسؤولين داخل الإدارة الأمريكية، وبالتالي فلا تجد الإدارة الأمريكية لا الوقت ولا تستشعر بالجدوى في توفير الموارد السياسية أو المالية من أجل الدفع بعملية الانتقال السياسي في سوريا قدماً.
تلفزيون سوريا