دونالد ترامب والعنف العنصري: بحث يشير إلى وجود علاقة واضحة
يسري سم العنصرية في الجسد السياسي الأميركي منذ ما قبل تأسيس الجمهورية. فالولايات المتحدة تأسست على خطيئتين عظيمتين هما: استعباد السود والإبادة الجماعية للأميركيين الأصليين. أما دونالد ترامب، فلم يحاول العثور على ترياق لهذا السم، على أقل تقدير. بل قام في الحقيقة بحقن المزيد منه في البلاد.
وفعل ذلك بطرائق عدة. فهو عموماً، يرغب في تقليص الحقوق المدنية والإنسانية للمسلمين وغير البيض، قبل أن يسلبهم إياها تماماً في نهاية المطاف. كما يلتزم ترامب وإدارته بتقويض افتراض أساسي مؤداه أن المسلمين وغير البيض ومعهم مجتمع المثليين LGBT وغيرهم من المجموعات المهمشة، يتمتعون بالحماية القانونية نفسها، التي يتمتع بها الرجال المسيحيون المغايرون جنسياً.
تتجلى بعض الأمثلة الملموسة على ذلك، عند النظر في النهج العنصري الذي يتبناه ترامب، وكذلك دعوات تفوق العرق الأبيض، من خلال الافتراءات العنصرية ضد المهاجرين واللاجئين اللاتينيين وذوي الأصول الهسبانية بوصفهم “عرقاً” مغتصِباً وأفراد عصابات وقتلة. ومن الناحية السياسية، فقد وضعت إدارته الأطفال والرضع في مخيمات اعتقال، بهدف إلحاق الأذى بهم وبأسرهم، من أجل ردع “الهجرة غير الشرعية” إلى الولايات المتحدة.
أُعدت أجندة سياسة الهوية البيضاء التي يتبعها ترامب لتضمن أن يبقى البيض هم المجموعة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المهيمنة في الولايات المتحدة. فهو يعتقد أن شعب بورتوريكو – وهو إقليم من الجزر تابع للولايات المتحدة، اسمه الرسمي كومنولث بورتوريكو، قُتل فيه ما لا يقل عن 5 آلاف شخص في أعقاب إعصار ماريا- شعبٌ كسول لا يستحق المساعدة. وكما يتضح من سلوكيات دونالد ترامب الأخرى، ينبع موقفه هذا على الأرجح من العداء تجاه غير البيض الناطقين بالإسبانية؛ وهم في الغالب من الديمقراطيين كذلك.
صرح ترامب بعد أعمال الشغب التي وقعت عام 2017 في شارلوتسفيل بولاية فرجينيا، أن بعض النازيين الجدد وأعضاء كلان والمتعصبين للعرق الأبيض الذين تجمعوا هناك، كانوا “أناساً صالحين للغاية”. وقد ادعى هؤلاء المتعصبون البيض ومروجو الكراهية والإرهابيون المحليون أن دونالد ترامب هو بطلهم ونصيرهم.
وثق مكتب التحقيقات الفيدرالي ومركز قانون الحاجة الجنوبي، إلى جانب منظمات أخرى، حدوث زيادة كبيرة في جرائم الكراهية وغيرها من أعمال العنف التابعة للجناح السياسي اليميني، وذلك مع بداية حملة دونالد ترامب وحتى السنة الثالثة من رئاسته. عام 2018، كان هناك ما لا يقل عن 1020 مجموعة كراهية في الولايات المتحدة، وهو رقم قياسي ظل يرتفع خلال وجود ترامب في منصبه. وكما يتضح من الحوادث التي وقعت في جميع أنحاء البلاد، فقد أطلقت مجموعات الكراهية تلك في أحيان كثيرة العنان للعنف القاتل.
إجمالاً، يساعد رئيس الولايات المتحدة في تحديد النغمة الأخلاقية لوطنه. وفي دوره هذا (أو دورها) فهو يعطي الإذن، سواء بشكل فعلي أو ضمني، لسلوك الأفراد والشعب.
يقدم البحث الجديد الذي أجراه علماء السياسة في جامعة شمال تكساس، آيال فاينبرج وريجينا برانتون وفاليري مارتينيز إبيرز، مزيداً من الأدلة على العلاقة بين دونالد ترامب والعنف العنصري في أميركا. وستعرض دراستهم الجديدة التي تحمل عنوان “تأثير ترامب؟ المسيرات السياسية وعدوى جرائم الكراهية”، في اجتماع رابطة العلوم السياسية الغربية لعام 2019.
يوضح مؤلفو البحث منهجهم في مقالٍ لهم نُشر في صحيفة “واشنطن بوست”، قائلين إنهم درسوا الصلة المحتملة “بين المقاطعات التي استضافت واحدة من تجمعات الحملة الانتخابية الرئاسية لترامب عام 2016 والتي كان عددها 275، وبين زيادة حوادث جرائم الكراهية في الأشهر اللاحقة”. وأدرجوا عدداً من الضوابط لعوامل مثل معدلات الجريمة، والأقليات، والمستويات التعليمية، والأرقام الموثقة لمجموعات الكراهية التي سبقت تجمعات حملة ترامب.
يلخص فاينبرغ وبرانتون ومارتينيز إبيرز استنتاجاتهم بهذه الطريقة:
لقد وجدنا أن المقاطعات التي استضافت تجمعات تابعة لحملة ترامب الانتخابية لعام 2016 شهدت زيادة في معدلات جرائم الكراهية المبلغ عنها بنسبة 226 في المئة، مقارنة بالمقاطعات الأخرى التي لم تستضف مثل تلك التجمعات.
بالطبع لا يمكن أن تتيقن تحليلاتنا من أن خطابات ترامب في تلك التجمعات الخاصة بحملته، هي ما حمل الناس على ارتكاب المزيد من جرائم الكراهية في المقاطعة المضيفة. إلا أن الاقتراحات القائلة إن هذا التأثير يمكن تفسيره بوجود كمٍ كبير من جرائم الكراهية المزيفة، هي في أحسن الأحوال غير واقعية. والحقيقة هي أن هذا الاتهام كثيراً ما يُستخدم كوسيلة سياسية لاستبعاد المخاوف المتعلقة بجرائم الكراهية. إذ يشير البحث إلى أن السبب في كون إحصائيات جرائم الكراهية أقل بكثير هو على الأرجح عدم الإبلاغ عنها.
إضافة إلى ذلك، يصعب أن تُقلل من “تأثير ترامب” عندما يشير عدد كبير من جرائم الكراهية المبلغ عنها إلى ترامب. ووفقاً لبيانات رابطة مكافحة التشهير عام 2016، فقد شملت هذه الحوادث أعمال تخريب وتخويف واعتداءات.
بل والأدهى من ذلك هو أن جرائم الكراهية المُبلغ عنها زادت عام 2016 بنسبة 17 في المئة، وفقاً للتقرير السنوي العالمي لمؤشر الجريمة الخاص بمكتب التحقيقات الفيدرالي لعام 2017. ويظهر البحث الجديد أن قراءة تصريحات ترامب المتعلقة بالتحيز ضد مجموعات معينة، تُحفز الناس على كتابة أشياء عدوانية عن المجموعات التي يستهدفها.
طلبتُ من خبراء في علم النفس والعنف المرموقين في البلاد مساعدتي في فهم السياق الأوسع لهذا البحث الجديد عن دونالد ترامب وحركته والعنف السياسي.
الدكتورة باندي إكس لي، هي أستاذة الطب النفسي في جامعة ييل والمحررة الرئيسية للكتاب الأكثر مبيعاً “حالة دونالد ترامب الخطيرة: 27 طبيباً نفسياً وخبيراً في الصحة العقلية يقيمون شخصية الرئيس The Dangerous Case of Donald Trump: 27 Psychiatrists and Mental Health Experts Assess a President”، وواحدة من كبار خبراء العالم في مجال العنف، بعد التشاور مع منظمة الصحة العالمية بشأن نهج الصحة العامة لمنع العنف منذ عام 2002.
ليس هذا مفاجئاً، والأرجح أنه ليس سوى غيض من فيض. ما نعرفه عن العنف هو أنه سلوك منمذج ومُتعلَّم، وتُبين لنا الدراسات البيئية أيضاً أنه حتى العنف الفردي ينتج من عوامل اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية أكثر مما ينتج من العوامل الفردية. والخطابات التي تشجع العنف أو تمجده، بخاصة الآتية من شخصية في السلطة، هي بالضبط ما نتوقع أن يؤدي إلى بدء أوبئة العنف في المجتمع.
ينتهز القادة الذين يمتلكون هياكل نفسية مثل التي يمتلكها ترامب، على وجه الخصوص، هذه الأنماط بسرعة أكبر من غيرهم ويستخدمونها لمصلحتهم -بحماسة وعن قصد- إذ إنهم يريدون وقوع العنف من أجل الحفاظ على سلطتهم. فالعنف يؤكد نظرتهم العالمية، ويؤجج رغبتهم في استخدام القسوة، ويثيرهم إذ يمنحهم إحساساً بالقوة، وهو ما يعوض شعوراً داخلياً لا يطاق بالعجز. إذ إن أكثر أشكال العنف فتكاً وانتشاراً هي التي تكون مخفية وراسخة. ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نتوقع رؤية الخسائر الحقيقية في أعداد القتلى والمصابين، التي تنتجها ثقافة العنف هذه بعد سنوات من ترك ترامب منصبه.
الدكتور هنري فريدمان، أستاذ مساعد في الطب النفسي بمدرسة الطب بجامعة هارفارد، وهو عضو في هيئات تحرير المجلة الأميركية للتحليل النفسي American Journal of Psychoanalysis، ومجلة التحليل النفسي الفصلية، ومجلة الرابطة الأميركية للتحليل النفسي.
يمكننا القول إن خطابات الكراهية تعرضت للقمع، على الأقل العلانية منها، لكن ترامب في تجمعاته شجع جمهوره على إطلاق العنان لمشاعرهم المكبوتة هذه. يجب ألا نفاجأ من تلك الإحصاءات شديدة الوضوح؛ فكلما اقترب المجتمع من مستوى الكراهية المتعالية المذعورة الذي يمثله ترامب، كلما زاد إحساس أفراد هذا الجمهور بأحقيتهم في التصرف بعنف للتخلص من تلك المجموعات التي يرون أنها تستحق كراهيتهم.
وبينما ركز دونالد ترامب على المهاجرين غير الشرعيين باعتبارهم السبب في الحط من مكانة أميركا، يشعر أتباعه -الذين لا يحتكون كثيراً مع المهاجرين غير الشرعيين- بكراهية متراكمة تجاه اليهود والسود ومجتمع الـLGBT، وهم الهدف المعتاد للمتعصبين للعرق الأبيض، لأن هذه الجماعات دائماً ما كانت هي الأهداف التقليدية لمشاعر الكراهية.
في إدارة أوباما، كانت هناك قوة عامة تكبح العنصرية ومعاداة السامية، وهي قوة كبحت حتى أولئك الذين امتلأوا بالكراهية تجاه الجماعات الدخيلة. وحلت المباركة الترامبية لخطابات الكراهية تجاه المهاجرين غير الشرعيين مكان هذه القوة التي كبحت الكراهية، والتي فرضت النبذ الاجتماعي على من تفوهوا بها علناً.
أفسح ما نتج عن ذلك من كبحٍ للكراهية، والرأي الذي مفاده أنهم لم يعودوا مقبولين إذا تفوهوا بها جهراً، المجال لأتباع ترامب لمباركة كراهية المهاجرين غير الشرعيين.
الدكتور فيليب زيمباردو هو أستاذ فخري في علم النفس في جامعة ستانفورد، كتب أكثر من 400 مقالة في المجلات المختصة وألف كتاب “he Lucifer Effect: Understanding How Good People Turn Evil”. زيمباردو كذلك هو صاحب التجربة الشهيرة (أو سيئة السمعة) “اختبار سجن ستانفورد Stanford prison experiment.
الكراهية تجاه الأقليات، أمر شائع في الكثير من دول العالم. لكن الأقل انتشاراً هو ترجمة تلك المشاعر السلبية إلى أفعال عدوانية، بل وقاتلة أحياناً تجاه هؤلاء “الآخرين”.
من بين دوافع هذه الأفعال العدوانية هو إظهار تفوقك على من تراهم أضعف منك إما بسبب عرقهم أو دينهم أو جنسهم أو سلالتهم. الأكثر سهولة وأمناً على مثل هؤلاء الأفراد هو أن يحرضوا على العنف والأعمال القاتلة مختبئين في كنف مجموعة من الأقران متشابهي التفكير.
تلتف مثل تلك الجماعات حول خطابات قائدها التي تمنحهم مبرراً عادلاً لقمع تلك الأقليات المدنسة بشتى الطرائق.
هناك أمران يساهمان في هذا العنف الجماعي، الأول الخطاب العام في وسائل الإعلام التي تساعد في التحريض عليه، من خلال النمذجة المجتمعية لما يبدو الطريق الصحيح لتكون “مواطناً أميركياً حقيقياً”، والثاني هو دونالد ترامب، رئيسنا. يمثل الدليل الإحصائي إدانة واضحة له: ففي المقاطعات التي أقام فيها تجمعات شعبية، ارتفع مؤشر جرائم الكراهية بشدة مقارنة بالمقاطعات الأخرى التي كان ترامب غائباً عنها.
الدكتور جيمس جيليغان، أستاذ مساعد في مدرسة الحقوق في جامعة نيويورك، وله مؤلفات كثيرة، منها كتاب Why Some Politicians Are More Dangerous Than Others وViolence Reflections on a National Epidemic.
أثناء تجمعاته التي كان يقيمها والتي بدأت خلال حملته الانتخابية، كان ترامب يحث أتباعه كثيراً على لكم من لا يتفق معهم في وجوههم وضربهم بشدة حد الإعياء، مع بعض التصريحات مثل ما يلي:
“صدقوني، أود لكمه في وجهه”.
و”لم يكن هذا يحدث في الأيام الخوالي، لأنهم اعتادوا معاملتهم بقسوة شديدة”.
و”أحب الأيام الخوالي. هل تعرفون ما كانوا يفعلونه بأناس مثل هؤلاء إذا وُجدوا في مثل هذا المكان؟ كانوا سيُنقلون على حمالات يا جماعة”.
و”إذا رأيت شخصاً يستعد لإلقاء ثمرة طماطم، أفقده وعيه من فضلك؟ حقاً. أفقده وعيه. وسأدفع أنا الأتعاب القانونية، أعدكم بذلك”.
بل إنه اشتكى من قبل أن أنصاره ليسوا عنيفين بما فيه الكفاية. ثم ضاعف ضخامة العنف الذي حث أتباعه على ارتكابه، عندما ذكّرهم بأن بإمكانهم دوماً اغتيال هيلاري كلينتون إذا ما تم انتخابها رئيسة. وعلى حد قوله “إذا كان سيحق لها اختيار قضاتها، فلا شيء يمكن فعله. ولكن هناك التعديل الثاني من الدستور، ربما هناك ما يمكن فعله، لا أدري”.
وهكذا، في سلسلة لا تنتهي من التهديدات بالعنف، والتباهي بالعنف والتحريض عليه.
وبالنظر إلى تلك الأمثلة وغيرها، على محاولاته تحريض مؤيديه على ارتكاب العنف على نطاق أكثر اتساعاً، فليس من المفاجئ أنهم فعلوا ذلك بالضبط. بل في الواقع، نظراً إلى أنه زعيمهم السلطوي، فالمفاجئ هو ألا يفعلوا تماماً ما يقوله لهم.
أشار كل قاتل جماعي ارتكب جريمة كراهية، في هذا البلد أو في غيره، إلى ترامب باعتباره زعيماً ومثالاً، بما في ذلك الرجل الذي قتل 11 شخصاً في حادثة كنيس بيتسبورغ (وأصاب أربعة ضباط شرطة)، والرجل من ولاية فلوريدا الذي أرسل القنابل بالبريد إلى خصوم لترامب مثل هيلاري كلينتون وباراك أوباما وجورج سوروس وغيرهم، والرجل الذي قتل امرأة وأصاب آخرين إصابات بالغة وهو يقود سيارته بين المارة في مدينة شارلوتسفيل في فرجينيا، والرجل الذي قتل الناس في مسجدين في نيوزيلندا.
هذه الأمثلة الفردية ليست “منتقاة بعناية” وليست نوادر استثنائية، في نتيجة الإحصاء الكمي الأخير على أن المقاطعات الأميركية التي استضافت تجمعات حملة ترامب عام 2016، شهدت زيادة في جرائم الكراهية المُبلغ عنها، والتي كانت أعلى ثلاث مرات من المقاطعات الأخرى التي لم تستضف الحملة.
تفاخر دونالد ترامب، خلال الحملة الرئاسية لعام 2016، بأنه قد يُطلق النار على أي شخص في شارع فيفث أفنيو في وضح النهار، وتم انتخابه مع ذلك. ويبدو أنه كان محقاً. لكن ادعاءه لم يكن تباهياً وحسب: إذ بالنسبة إلى مؤيديه، كان تشجيعاً على العنف. ومثل هذا العنف يُعدي، والرئيس ترامب هو ناقل الأمراض الأبرز في أميركا.
هذا المقال مترجم عن موقع Salon ولقراءة المقال الأصلي زوروا الرابط التالي
درج