تقاطعات العلاقة بين القصة الأدبية والخبر الصحافي/ مارك ليتز
ترجمة: عبده حقي
هل يمكن أن نجري محاولة لمقارنة بين الكتابة الأدبية للقصة والكتابة الصحافية للمقال، باعتماد ثلاثة معايير حسب نظام البنية السردية على مستوى الأسلوب ودرجة من الجاهزية، لا تقبل البرهنة ولا التفنيد بهدف الكشف عن الاختلافات غير القابلة للاختزال، التي تفصل بين هذين الجنسين السرديين؟
إن التنسيق البنيوي لمقال صحافي يتطلب عدة أمور إجبارية: قواعد العنونة واحترام التسلسل الزمني، من خلال الإعلان الأولي للمعلومات الأساسية وإقفال الشكل النهائي… هذه العناصر التركيبية تحد من القدرة على الاستقلالية الإبداعية. على سبيل المثال، يصبح من الصعب إدراج مؤثرات التشويق السردي، على الرغم من ملاحظة أوجه التشابه بين المقال وخصوصية القصة القصيرة.
يهتم كل من الجنسين الكتابيين بمرحلة خاتمة النص، لكن بالنسبة للكاتب في مرحلة حيث يمكنه بناء تأثير إنتاجه وبتعبير إدغار آلان بو، يجب على الصحافي إيجاد طرق أخرى بما أنه يكشف عن تأثير مقاله منذ العنوان. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن الكتابة الصحافية ليست نمطية بالتمام، وأن هناك هامشا مريحا من الحرية في التأليف. والشيء نفسه بالنسبة للقصة القصيرة، حيث من شروطها المحددة أن يكون شكلها مختزلا، ويتم تركيز تأثيرها في الفقرة الأخيرة. يتعلق الأمر هنا بمفهوم اختصاري يعتمد على نموذج القصة القصيرة الواقعية، التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وهو النموذج الذي لم يعد ينطبق على الكتابة القصصية المعاصرة الراهنة.
هناك أيضا خط تعريفي آخر، قد يكمن في وجود أو غياب سارد معبر عن نفسه، لكن القصة القصيرة لا تعتمد دائمًا على شرط الذاتية، التي تعبر عن نفسها في بلاغتها تمامًا مثلما يمكن لمقال صحافي أن يأخذ منعطفًا لا علاقة له بحقيقة الأحداث التي تم نشرها.
من الافتتاحيات إلى النقد الأدبي مرورا بالتقارير الرياضية غالبًا ما يكون للأنا المتكلم حق في الحضور في وسائل الإعلام. إذا لم يوفر المسار البنيوي مؤشرات حاسمة لتبرير الاختلاف فقد تكون المقاربة الأسلوبية أكثر ملاءمة. ولتبسيط هذا الأمر عندما يعمد الكاتب إلى تجاهل، بل تبخيس الإكراهات الخارجية ذات الطبيعة التجارية، أو المتعلقة بالاحتياجات والقدرات المفترضة لجمهور كثيف، يكون الصحافي جزءًا من بنية اقتصادية، تتأسس على المردودية. يجب عليه أولاً أن يفكر في الجمهور الذي يخاطبه، قبل تلبية اختياراته الشخصية الأسلوبية ضمن المنطق التواصلي: «هناك بالفعل «كتابة صحافية». القصة أصلية تقريبا في كل الأحوال. طريقة للكتابة تعتمد على الآخرين وتستوحي منهم ولا تتردد في بعض الأحيان في تشويههم، ولكنها تصبح أسلوبًا بحد ذاتها. البعض يسميها» الكتابة الإعلامية والبعض الآخر يسميها «الكتابة الصحافية» ونحن نفضل هنا أن نسميها «الكتابة التواصلية» (13). وهذا لا يمنع من تواجد وضع سردي، حيث أن البنية السردية والمظهر الأسلوبي يمكن أن يساعد أكثر على فهم المعلومات، ويجعل قراءتها أكثر متعة. بهذا المعنى تتعدد أدوات الممارسة الصحافية ، عندما تطالب بكتابة صورية تلجأ بتلقائية إلى أشكال الأسلوب.
يجب أن تبقى الكتابة التواصلية حية على إيقاع الصور والتوضيب المتسارع، على غرار الأفلام الحالية. يجب على الصحيفة أن «تقول» الأشياء وفقًا للنموذج السردي الراهن. وفي الوقت الحالي المعروف بتأثير التلفزيون والسينما والأدب، يجب اتباع هذا النوع من السرد، ولكي يتعلق القارئ بالمعلومة، فإنه يشترط أن نقصصها عليه بطريقة حقيقية ومنطقية، وذلك من خلال اللجوء إلى جميع تقنيات السرد (14) «المرجع السابق».
ولكن إذا كان الصحافيون لا يجهلون الاستعارة فإن استخدامها يختلف جذريًا عن استخدامها من طرف الكتاب. عندما يلجأ المبدع إلى المجاز الاستعاري، فلأنه يرغب في مفاجأة قارئه بتأثيث نصي جديد، في حين لا يمكن للصحافي اللجوء إلى هذا النظام الباهظ التكلفة، الذي يتطلب من القارئ بذل جهد كبير في الوقت وفي التفكير. إنه يحترس من خلق هذه الهوة التواصلية ويفضل بدل اختراعها استعمالها حسب تعبير Jean Cohen (15) لقد طورنا هذا التحليل في مكان آخر: C. HuyneBn M. وتفقد الاستعارة وظيفتها في الإبداع اللغوي ووضعها المجازي. تصبح هذه الأخيرة أداة اتصال تستغل العمق المشترك من صور الذاكرة الجماعية، التي لا يمنع استخدامها للرفع من القيمة الأسلوبية. تجدر الإشارة إلى أن الصحافيين يستخدمون بكثرة أسلوب الواقعية المؤثرة، خاصة في الأخبار المتنوعة برغبة تروم الوضوح التواصلي بدل الاهتمام بالكتابة.
وهكذا، فإن الأسلوبية تمكننا من التمييز بين نوعين من النصوص، أو نوعين من الممارسات الاجتماعية، ولكن حتى من دون أن يكون هذا الاختلاف واضحًا، فلا تزال هناك طرق استرداد قائمة. في المقابل إذا اعتبرنا أن الأدب هو فضاء اللايقين والتذبذب، تماشيا مع المقاربات المتعلقة بالإستتيقا وسيميائية التلقي، فإننا سوف نقبل بأن الكاتب ينشئ نصا يحتوي على سلسلة من فضاءات اللاتحديد، البياضات حسب قول فولفغانغ إيزير، تتيح اختلالا في الدلالات. هذه الميزات هي التي تشكل أفق الانتظار لدى القارئ أمام موضوع سيميولوجي سيعرف أنه ينتمي إلى الأدب.
إذا ما استطعنا أن نقبل إلى جانب أومبرتو إيكو، أن النص الأدبي هو «آلية كسولة» [16] U. Eco 1985، Lector in fabula. دور القارئ أو التعاون التفسيري في النصوص السردية»، الذي يتطلب من القارئ أن يعمل بشكل تعاوني مكثف لملء المساحات اللامعبر عنها، أو تلك المعبر عنها في مساحات البياض، يجب الاعتراف بأن القارئ هو من يلعب دور الآلة الكسولة ووظيفة الصحافي، هي سد الثغرات ما أمكن ذلك.
العناوين والعناوين الفرعية والمعلومات الأساسية المكشوف عنها دفعة واحدة: هناك العديد من الفرص لتبسيط الفرضية التفسيرية الشاملة، والحد من قوة ردة الفعل. وعليه فالفرق بين القصة والمقال الصحافي لا يكمن في علاقتهما بالواقع، وبما هو حقيقي سوى في التعارض المختزل بين الاختلاف التأسيسي للفعل الأدبي والتقاطع الحاصل عن العمل الصحافي. فعندما توظف القصة القصيرة الغموض تلقائيا وعنصر الضمنية وتعدد التأويلات، فإن المقال الصحافي يهدف إلى الوضوح والتقريرية والشرح والانسجام.. وفي الوقت نفسه، فإنه يقوض الفكرة القائلة بأن القصة القصيرة يتم استهلاكها بالسرعة التي تقرأ بها، والتي تشكل كلاً منغلقًا على نفسه. إنه الخلط بين الاختصار والسرعة، لا يسمح نص قصير بردة فعل أقل مقارنة مع نص طويل، ويلعب بشكل أكبر على جاهزية لا تقبل البرهنة ولا التفنيد indécidabilité».
وفقًا لفرضيتنا فحتى الكتابة المحايدة السيسموغرافية مثل كتابات غوستاف لو كليزيو هي كتابات أدبية وليست صحافية، كل ما يمكن استنتاجه من عنوان غامض مثل laRonde وأخبار متنوعة أخرى. يمكن أن تفسر هذه الفرضية أيضًا سبب كون الكتاب عندما يسرفون في الكتابة الصحافية يقتصرون فقط على الأنواع الأقل علاقة بالصحافة بالمعنى المعلوماتي، ويفضلون كتابات الأعمدة والافتتاحية وقصاصة الدعابة وتغطية الواقع الثقافي، وجميع الأشياء التي يمكن أن ينجزوها بكتاباتهم ويحافظوا بها على المفارقات والتأرجحات التي تشكل حياتهم العادية. بطبيعة الحال لا يتعلق الأمر، من خلال تأكيد هذه الفرضية إثبات تفوق نوع من النصوص مقارنة مع نص آخر، ولا بعملية وضع الأدب على منصة بارزة على عكس ما يحاول فعله بعض الصحافيين، ولكن للتذكير فقط ببساطة بأنه بالإضافة إلى أوجه التشابه المهمة، فإن القصة الأدبية والمقالة الصحافية تندرجان معا في أنظمة «systèmes» أخرى تمامًا وقيمتهما العملية تتجلى في تشكيل الفرق غير القابل للاختزال.
٭ كاتب مترجم مغربي
القدس العربي