بين إخوان العسكر وعسكر الإخوان/ هوشنك أوسي
مصر لم تدم للفراعنة ولا للبطالمة، ولا للرومان، ولا لعمرو بن العاص، ولا للفاطميين، ولا لصلاح الدين الأيوبي، ولا للمماليك، ولا لمحمد علي، ولا لجمال عبد الناصر، مروراً بالسادات وحسني مبارك وصولاً إلى لمحمد مرسي، حتى تدوم لعبد الفتاح السيسي. مصر ليست هؤلاء. مصر للمصريين والمصريات، دامت بهم، ولأجلهم، وستبقى هكذا.
موقفي النقدي من الجماعات العقائدي الإيديولوجيّة الدينيّة واليساريّة، ليس بحاجة إلى تكرار وتوضيح، لمن يتابع ما كتبته وأكتبه بهذه الخصوص. وسواء ضمن أرشيف مقالاتي المنشورة في موقع تلفزيون سوريا، أو في صحف أخرى، هناك ما يمكن الاعتماد عليه للتثبّت من الموقف الناقد السالف الذكر. وأيّاً تكن درجة اختلافي مع جماعة الإخوان المسلمين، وهي عالية وشديدة، إلاّ أنني أعتبر وفاة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، بتلك الطريقة وفي ذلك المشهد، أمام المحكمة، هو إهانة لمصر والمصريين الذين صوّتوا لمحمد مرسي في انتخابات ديمقراطيّة والذين عارضوه وخرجوا في المسيرات والاعتصامات التي رافقت الانقلاب عليه. أيّاً يكن الأمر، كان محمد مرسي في يوم من الأيّام رئيساً لمصر. والإهانة التي تعرّض لها، لم يتعرّض لهما الملك فاروق، غداة خلعه وطرده من مصر، ولم يتعرّض لها حسني مبارك الذي كان طوّب مصر إقطاعاً باسمه واسم أولاده وحاشيته وحاشية حاشيته.
الكثير ممن صوّتوا لمحمد مرسي ونظام حكم المرشد، بعد أن عاينوا سياسات وممارسات هذا النظام، ندموا على تصويتهم. والكثير ممن خرج في المظاهرات والمسيرات التي رافقت الانقلاب على محمد مرسي، بعد أن عاينوا وعايشوا نظام السيسي، لم يندموا على تصويتهم وخروجهم في تلك المظاهرات وحسب، وبل صاروا يترحّمون على أيّام محمد مرسي وأيّام حسني مبارك أيضاً.
ربما يقول قائل من المصريين؛ هذا شأن مصري، ولا يحق لأحد التدخّل أو الخوض فيه. لكن طالما الفن والإبداع والأدب في مصر شأن عام، كذلك السياسة في مصر شأن عام. وعلى كل من يتململ أو يمتعض من الخوض في الشأن السياسي المصري، أن يتوقّف عن الثرثرة والقول: “مصر أمّ الدنيا”! طالما هي “أمّ الدينا” وهي كذلك، فإن أيّ شأن من شؤون مصر، لا يخصُّ المصريين فقط، بل يخصّ الدنيا كلّها بمن فيها وعليها. طالما “مصر أم الدنيا” فلكل الناس الحق في الحديث وإبداء الرأي حيال ما يدور في “أمّ الدنيا” من كوارث ومصائب وأحزان وأفراح. هل وصلت الفكرة؟ أم ليس بعد؟!
كثيرة هي المصادر التي وثّقت علاقة جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان المسلمين، وأن ناصر كان رجل الإخوان ضمن عسكر الملك فاروق. وكان الإخوان يعوّلون على جمال عبد الناصر. بخاصّة بعد البدء بمحاكمة قتلة حسن البنا من نظام عبد الناصر. لكن الأخير خذل الإخوان، وبل اصطدم بهم، وسرعان ما تحوّل الوئام إلى خصام، ثم صِدام، ثم احتدام العداوة، إلى أن حسم الدم وأعواد المشانق الطلاق النهائي
بين الإخوان والعسكر في تلك الحقبة. نيران الأحقاد والتمزّق التي أوقدها عبد الناصر والهضيبي في المجتمع المصري، استمرّت حتى سنة 2012-2013. فحين عزل الإخوان المشير محمد حسين طنطاوي، بحجّة الإحالة على التقاعد، وعيّن الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي الفريق عبد الفتاح السيسي قائداً للجيش ووزيراً للدفاع في 12/8/2012، كان الإخوان يعوّلون على السيسي، في تلك المرحلة الحرجة، أيّما تعويل. وفي مواجهة منتقديهم من السلفيين وجهات إسلاميّة أخرى، كان مرسي والإخوان يدافعون عن قرارهم عبر وصف السيسي بأنه “صوّامٌ قوّام”! ولكن وقع مرشد الإخوان محمد بديع ومحمد مرسي في نفس الخطأ الذي سقط فيه حسن الهضيبي عبر التعويل على العسكر وجمال عبد الناصر! بالمحصّلة؛ السيسي على كرسي الرئاسة، وربما إلى الأبد، ومبارك في بيته، ومرسي إلى القبر في ظروف مؤسفة ومخجلة ومخزية.
من خلال متابعتي لردود الأفعال على حادثة وفاة الرئيس المصري السابق، المعزول؛ محمد مرسي، لفت انتباهي مستوى تفاعل وتغطية القسم العربي في وكالة الأناضول التركيّة. ذلك أن عدد الأخبار والمتابعات والتصريحات المنشورة والتي نقلتها “الأناضول” تشير بأنها وكالة مصرية وليست وكالة حكومية رسمية تركيّة. مما لا شكّ فيه أن حادثة الوفاة تلك مهمّة ومؤسفة جدّاً، إلاّ أن حجم تفاعل وكالة “الأناضول” كشف مرّة أخرى مدى نفوذ ومستوى سيطرة الإخوان المسلمين المصريين والسوريين عليها. ولأن الشيء بالشيء يذكر، قبل ما يزيد عن ست سنوات، وبتكليف من معهد العربية للدراسات، وقتذاك، كتبتُ دراسة تتناول المقارنة بين تجربتيّ الإخوان في حكم مصر وتركيا، وفي الختام، خلصت إلى نتيجة استشرافية تشير إلى احتمال سقوط نظام الإخوان وحكم المرشد في مصر. الدراسة منشورة في نيسان 2013، حين كان الرئيس المصري الراحل محمد مرسي ما زال على رأس الحكم في مصر[1]. وجاء في ختام تلك الدراسة: “إن رعونة الإخوان المسلمين في مصر، أو جشعهم وشراهتهم في الاستحواذ على المزيد من الدولة والسلطة، وربما “نشوة النصر”، قد تدفعهم لخسارة ما ربحوه من مكاسب. وبالتالي، قد يتسببون في الإطاحة بأنفسهم، وإعادة النظام السابق أو ما يشبهه للحكم، من حيث لا يحتسبون! ولئن السلطة هي مفسدة الإيديولوجيا، فإن بريق المظلومة والتقى والورع والدعة… التي كان الإخوان المسلمون يحيطون أنفسهم بها خلال العقود الماضية، يبدو أنه موشك على الزوال. وربما إن الخطوة الأولى والخطيرة للوراء، لِما يقال عن “الصحوة الإسلاميّة” و”المشروع الإخواني – الإسلامي” ستكون في مصر، بمعيّة نهم وشراهة الإخوان للسلطة. وحينئذ، لن تنفع كل محاولات الـ”برويستوريكا” التي يمكن أن تظهر لاحقاً لإنقاذ هذا المشروع وإعادة بنائه، لأن الزمن سيكون قد تجاوزه، كما تجاوز المشروع الإيديولوجي اليساري”[2].
ومن نقاط الاختلاف بين تجربتي الإخوان في تركيا ومصر الواردة في تلك الدراسة، المنشورة في نيسان 2013، أعيد نشر التالي:
1 – رغم إن الإسلام السياسي تأسس في تركيا بعد مرور أربعة عقود ونيّف من انطلاقته في مصر، إلاّ أن الإسلاميين في تركيا، شاركوا الحكم، بشكل مباشر، منتصف السبعينات، ومنتصف التسعينات. وصاروا يحكمون تركيا منفردين منذ سنة 2002. بينما إسلاميو مصر، كانوا المعارضة، منذ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، وحتّى قبل انتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهوريّة.
2 – إسلاميو تركيا، ورغم الضغوط التي طاولتهم، إلاّ أنهم لم ينزلقوا إلى ممارسة العنف ضدّ الدولة والنظام باستثناء تجربة حزب الله التركي. وهو تنظيم متطرّف أسسته الاستخبارات التركيّة مطلع التسعينات، لمواجهة حزب العمال الكردستاني. وفي نهاية التسعينات، قامت الدولة بتصفية واعتقال قياداته. ومع استلام العدالة والتنمية للحكم والاصلاحات القانونيّة التي أجرتها الحكومة، أطلقت السلطات التركيّة صراح الآلاف من عناصر الحزب الذي تعرّض للانشقاق، وانضم أحد الاجنحة المنشقّة منه إلى حزب العدالة والتنمية، وجناح آخر بقي ينشط بشكل شبه علني حتّى الآن تحت اسم حزب الله التركي. وهو حزب سنّي، يتخذ من تجربة الخميني منهجاً له. بينما إسلاميو مصر فقد لجؤوا إلى استخدام العنف ضدّ الدولة وضدّ المعارضين لهم، قبل وبعد استلامهم الحكم.
3 – حكومة أردوغان، دخلت في مواجهة مع الجيش والمحكمة الدستوريّة، بعد وصولها للحكم، بست سنوات. بينما دخل إسلاميو مصر في صراع مباشر ومكشوف مع القضاء والجيش والمؤسسة العسكريّة والمجتمع، فور وصول مرسي لرئاسة الجمهوريّة.
4 – إسلاميو تركيا، أرسلوا كوادرهم إلى مؤسسة الجيش والأمن والبوليس والقضاء…، تمهيداً لإيصالهم لمناصب عليا، فيما يشبه التحضير المبرمج والطويل الأمد. بينما لا يوجد، أقلّه حتّى الآن، بين مؤسسة الجيش والأمن المصريّة، موالين لجماعة الإخوان المسلمين.
5 – إسلاميو مصر، يمتلكون شبكة من المؤسسات الاقتصاديّة والإعلاميّة، إلاّ أنها لا تصل لقوّة ما يمتلكه إسلاميو تركيا من اقتصاد وإعلام.
6 – إسلاميو تركيا، أكثر مرونة، وبراغماتيّة، بينما إسلاميو مصر، أكثر دوغمائيّة وتزّمتاً من إسلاميي تركيا.
7 – إسلاميو تركيا، أصحاب طموحات، قوميّة إسلاميّة، نيوعثمانيّة، ويمتلكون شبكة علاقات إقليميّة ودوليّة، وتربطهم علاقات اقتصاديّة وتحالفات عسكريّة مع قوى إقليميّة (إسرائيل) ودوليّة (أميركا، روسيا، الصين، الاتحاد الأوروبي). بينما تقتصر طموحات إسلاميي مصر على أسلمة مصر وحسب، مهما كانت الأكلاف.
8 – الجانب القومي لإسلاميي تركيا شديد البروز، والمصالح القوميّة تأتي في رأس سلّم الاولويّات، بحيث يمكن أن يتحالف الاسلاميون مع العلمانيين ضدّ المسألة الكرديّة أو الأرمنيّة أو القبرصيّة…، كما نجد أن الإسلاميين الأتراك يسعون إلى تنشيط واستثمار الورقة القوميّة التركمانيّة في العراق وسوريا خدمةً لمصالح تركيا. وهذا ما أكّده الخبير في الشؤون التركيّة د. محمد نورالدين في مقاله المنشور بجريدة “السفير” اللبنانيّة يوم 17/12/2012 حيث قال: “تعتبر الأقليات التركمانية في العراق وسوريا ولبنان من الأوراق التي تحاول تركيا دائما استخدامها في سياساتها الخارجية، ليس مع حزب العدالة والتنمية فقط بل في العقود السابقة”. وأضاف: “وإذا كان وضع التركمان في العراق الأبرز في مراحل سابقة وارتباطه بالوضع في منطقة كركوك، فإن اندلاع الحرب في سوريا أظهر الورقة التركمانية التي انعكست في تشكيل كتائب خاصة بالتركمان وإطلاق تسميات عثمانية عليها”، في إشارة منه إلى مؤتمر تركمان سوريا المنعقد في 15/12/2012 بإسطنبول، وحضره وزير الخارجيّة التركي أحمد داوود اوغلو وإرشاد هورموزلو (تركماني عراقي) كبير مستشاري الرئيس التركي عبد الله غول. (وقتذاك، كان غل رئيساً لتركيا، وأردوغان رئيساً للوزراء).
بينما نجد إسلاميي مصر، قسّموا مصر بين “نحن وهم” – مؤمنين وكفرة / (ثوّار) وفلول النظام البائد!
9 – ترتكب حكومة أردوغان كل الانتهاكات والموبقات فيما يخصّ حريّة التعبير وتقويض الإعلام ومحاصرته، عبر القوانين، وليس كما يسعى إسلاميو مصر، عبر الترهيب والتهديد والحرق والكسر والاغتيال. حيث نقلت وكالة رويترز في تقرير لها أعدّه جوناثان بريتش يوم 19/12/2012 من أنقرة عن منظمة “صحافيون بلا حدود” وصف الأخيرة لتركيا بأنها “أكبر سجن للصحافيين في العالم”.
10 – إسلاميو تركيا يجيدون فنون التغلغل في المعارضات الإسلاميّة الإقليميّة، وخاصّة السنيّة، بحيث يمكن القول: إن ولاء الإخوان المسلمين في سوريا والعراق هو لأنقرة وليس للقاهرة وهي تحت حكم الإخوان، الذين من المفترض أن يكونوا المرجعيّة العربيّة للإخوان المسلمين في العالم. فالإخوان المسلمون الحاكمون في تركيا، نجحوا في السيطرة على نظام الأسد في سوريا قبل الثورة السوريّة، وهم الآن يسيطرون على الثورة والمعارضة السوريّة أيضاً. بل قطعوا أشواطاً كبيرة في مسعى أخونة الثورة السورية، على الطريقة التركيّة. بخلاف إسلاميي مصر الذين لا زالوا يفتقرون لثقافة وتجربة إدارة الدولة. زد على ذلك، إن السمعة التي استحصل عليها إسلاميو تركيا لجهة الاعتدال والوسطيّة والانسجام مع العلمانيّة والدولة المدنيّة، أتلفها إسلاميو مصر برعونتهم وتشجنهم وتصادمهم مع الدولة والمجتمع.
11 – لم يضع إسلاميو تركيا، معاداة إسرائيل نصب أعينهم، وصولاً لقطع العلاقات معها، حين وصلوا للحكم، بالرغم من التحرّش الإعلامي لأنقرة بتل أبيب بعد الحرب الإسرائيليّة على غزّة!. بينما إسلاميو مصر، لا يخفون نواياهم، لجهة إعادة ترتيب علاقات مصر الدوليّة والإقليميّة، بما ينسجم والأجندة الإيديولوجيّة، وليس المصالح الوطنيّة. ومنها، إعادة النظر في اتفاقيّة كامب ديفيد، وربما إلغائها.
12 – إسلاميو تركيا ومصر، يشتركون في وجود الأجندة الخفيّة لديهم، ويختلفون في الأدوات والأساليب التي يستخدمونها لفرض هذه الأجندة، التي ترمي إلى إعادة إنتاج الدولة وفق شعار “الإسلام هو الحل”.
13 – رغم الانقلابات العسكريّة التي شهدتها تركيا (1960/ 1971/ 1980 /1997)، إلاّ أن الإسلام السياسي التركي، نما في مناخات شبه ديموقراطيّة، خلافاً لما كانت شهدته مصر، طيلة حكم العسكر. ما عزز لدى الإسلاميين الأتراك الميول المدنيّة، بدلاً من المواجهة الفجّة، وتحريك الشارع، كما فعل إخوان مصر، بخاصّة بعد ثورة 25 يناير ووصول مرسي للرئاسة وإعلانه الدستوري وارتجاجات
هذا الإعلان وما نجم عنه من ردود أفعال عنيفة، مؤيدة ومعارضة له. ذلك أن إسلاميي تركيا كانوا قادرين على تحريك الملايين، حين كان يهددهم خطر العلمانيين، عبر الدعوة المرفوعة بحقّ حزب العدالة والتنمية أمام المحكمة الدستوريّة. إلاّ أنهم لم يفعلوا ذلك، ولم يدخلوا الدولة في أزمة خانقة، مرجّحين المصلحة القوميّة والوطنيّة على المصلحة الحزبيّة الإيديولوجيّة.
14 – إخوان تركيا لم يأتوا إلى السلطة عبر ثورة، ولم يلتفّوا على حلفائهم، كما فعل إخوان مصر، الذين لم ينخرطوا في الثورة على نظام مبارك في أيّامها الأولى، وامتطوا الثورة، ونكثوا بوعودهم وبحلفائهم في الثورة، وانفردوا بالسلطة، عنوةً وتحايلاً. بينما إخوان تركيا، إنفردوا بالسلطة عبر مشاريع التنمية الاقتصاديّة التي غطّت على انتهاكات حقوق الإنسان والتضييق على حريّة الصحافة والتعبير عن الرأي، كما ذكرنا.
15 – لا يوجد في تركيا “مكتب إرشاد” يتحكّم برئيس الحكومة أو رئيس الدولة، كما هو حاصل في مصر. فالنسخة الإخوانيّة التركيّة تعطي هامشاً أكبر لرئيسيّ الدولة والحكومة، بحيث لا يكونان “دمية” في يد مكتب الإرشاد، كما يجري الحال في مصر.
ما هو مفروغ منه، أن إخوان مصر، كشفوا عن نواياهم وأجندتهم، في وقت جد مبكّر. وكلّ كلامهم عن الدولة المدنيّة والديمقراطيّة ودولة الحقوق والمؤسسات، كان لزوم الاستهلاك المحلّي. ما يعني، أنهم لم يتحلّوا بحنكة ودهاء ولؤم الإخوان المسلمين الأتراك، وكيف أنهم استحوذوا على الدولة وكل سلطاتها، خلال مسيرة عمل، لأكثر من عقد (2002 – 2013) شهدت بذل الكثير من الجهد والكد والعمل، والتنمية الاقتصاديّة، والدور السياسي الوازن، وأمور كثيرة اقنعوا بها الشعب التركي، إلى درجة كبيرة، بالإضافة إلى إقناعهم للمنطقة وشعوبها. فإلى جانب الشعارات البرّاقة التي كانت في مجملها للاستهلاك المحلّي – التركي والخارجي، بخاصّة منه العربي والإسلامي، إلا أن عجلة التنمية والنهضة الاقتصاديّة لتركيا، كانت على زمن الإخوان المسلمين الأتراك، بحيث أصبح الاقتصاد التركي الأسرع نموّاً في أوروبا سنة 2011، بنسبة 8,5 بالمئة، بحسب تقرير صندوق النقد الدولي سنة 2012. وتوقّع الصندوق أن اقتصاد تركيا سيكون الثاني بعد الصين، سنة 2013. وبالتالي، كل انتهاكات حقوق الإنسان والتضييق على الحريّات العامّة وابتلاع الدولة ومؤسستها، التي لم تحرّك في الأتراك ساكناً، بفضل ارتفاع مؤشّرات التنمية الاقتصاديّة. وبالتالي، كل الحصاد السياسي والقانوني للإسلاميين في تركيا، أتى بطريقة جد ناعمة وسلسة وطويلة الأمد نسبيّاً. بينما إخوان مصر، أدخلوا الدولة والشعب والمجتمع والسلطة والقضاء، في معمعة معركة، بهدف حصد المزيد من الخنادق والامتيازات، بشكل عاجل، من دون الأخذ في الحسبان، أن الدولة المصريّة، وفلول النظام العسكري _ الأمني، الاقتصادي السابق، في (الجيش + المحكمة الدستوريّة + المخابرات المصريّة + رجال الأعمال من بقايا الحزب الوطني…) لم يبلغوا من الضعف والهشاشة التي تجعلهم يستسلمون أمام معركة الإخوان المسلمين. ذلك أن رحيل الديكتاتور، لا يعني البتّة، زوال الدكتاتوريّة!. زد على ذلك أن ازدياد حجم المعارضة الاجتماعيّة – السياسيّة لحكم الإخوان، والمجتمع المصري الذي أطاح بدكتاتوريّة مبارك، من الصعب أن يقبل بدكتاتوريّة جديدة تحكمه، حتّى لو كانت باسم الدين.
على أيّة حال، تلك الدراسة التي أعدتُ ذكر بعض المقتبسات منها، موجودة وفق الرابط المرفق بهذا المقال، لمن يود العودة إليها. وبعد مضي ست سنوات على عزل مرسي ورفاقه وسجنهم، أصبح إخوان مصر لاجئين عند إخوان تركيا. ومصالح تركيا وبراغماتية الأتراك عموماً، والإخوان المسلمين الأتراك، ستجعلهم ينفتحون على مصر السيسي، حتى لو كان ذلك على حساب جماعة الإخوان المسلمين في مصر. نفس البراغماتية التركيّة الإخوانيّة، ستدفع تركيا لإعادة مياه علاقاتها مع نظام الأسد لمجاريها السابقة، هذا إن لم تكن قد باشرت بفعل ذلك.
خلاصة القول: في مصر، كان الإخوان إخوان العسكر، لكن العسكر خذلوهم وانقلبوا عليهم. وفي تركيا، كان العسكر أعداء الإخوان، لكنهم صاروا الآن؛ عسكر الإخوان، بخاصّة بعد فشل الانقلاب العسكري الأخير الفاشل في تركيا سنة 2016.
[1] https://www.alarabiya.net/pdfServlet/pdf/3205e2c5-5cae-4366-8121-2dab53176c35
[2] https://www.sudaress.com/hurriyat/106016
تلفزيون سوريا