مراجعات الكتب.. ما بين تعويم أسماء وإغراق أخرى/ عماد الدين موسى
تفرد مُعظم الصحف والمنابر والمواقع الإلكترونيّة مساحةً شاسعةً لما يسمّى بمراجعات الكتب، عدا عن وجود صفحات وملاحق ومجلات تختص في هذا المجال دون غيره. وهي حالة لا بُدّ، من خلال ازدياد رقعتها والاهتمام بها، أن تثير العديد من الأسئلة. فهل أتيحت هذه المساحات لتسويق الكتاب، وبالتالي الكاتب ودار النشر؟ أم أن الأمر يتعلق بقيمة نقدية قد تقرب الكتاب أو تبعده من قارئ ما؟
ولعلّ الملفت، لمتابع هذه المراجعات، أنّ ثمّة تفاوتاً جليّاً بين مراجعةٍ وأخرى، فمن العرض السطحي لمحتوى الكتاب، إلى المديح المجاني والترويج لكتب وأسماء معيّنة دون غيرها، وصولاً إلى الإساءة لكتابٍ ما ومؤلفهِ، وبل التشهير بهما أيضاً.
وهذا يطرح سؤالاً جدياً: هل من يقوم بعرض الكتاب أو نقده له تلك المقدرة المعرفية والنقدية التي ينتظرها القارئ وحتى مؤلف الكتاب؟ وهل هناك أشياء تجري في الخفاء لتعويم أسماء وإغراق أخرى؟ بالإضافة إلى أسئلة أخرى حاولنا هنا معرفة إجابات عنها من بعض المشتغلين في هذا المجال:
أنور محمد: سلطة تقييد القارئ واعتقاله
مُراجعة أو نقد الكتب ليس تأسيساً لمعرفة ولكنَّه خطابٌ يقومُ فيما يقومُ به لإغناء القارئ بما يحتوي الكتاب من معلومات تُبَعِّد أو تُقَرِّب – تُروِّج لكلامه، أكان كلاماً دينياً، سياسياً، اجتماعياً، فلسفياً، أدبياً، علمياً. وهذه المراجعات أغلبها دعائي، وليس نقداً يُغيِّرُ جهة الوعي أو الثقافة. لكنَّها محاولة لكسر عوامل الجمود والثبات ما بين القارئ والكاتب، فنصحو من نومنا العميق لنقرأ، مع أنَّ أكثر من 95% من العرب لا يقرأون بعد أن تعلَّموا القراءة والكتابةَ إلاَّ أسماءهم وليس التفكير والبحث العلمي والفلسفي.
مع ذلك فإنَّ مراجعة الكتب تبقى موقفاً أخلاقياً من الموقع أو الصحيفة التي تخصِّص صفحات لها تضعك في مضمون الكتاب حتى لو كان هناك موقفٌ “عقائدي” عدائي تجاه المؤلِّف. ولعلَّ من أكثر الصحف العربية التي أفردت ملحقاً أسبوعياً للكتب جريدة “البيان” في ملحقها (بيان الكتب) على مدى أكثر من عشرين سنة، وترأسَ تحريره الشاعر والكاتب السوري حسين درويش، وقدَّم من خلاله خدمةً معرفية لِكُتبٍ صدرت عن دور نشرٍ عربية وعالمية في علوم وأجناس: الفلسفة، الطب، الجبر، السير والتراجم، علوم اللغة، الرواية، المسرح، الشعر، العقائد، الأديان، الرسم والموسيقى، القانون؛ بشكل مُمنهج يحترمُ العقل الإنساني كي يتجاوز المُطلق إلى التاريخي، وبعيداً عن نظرية الإخضاع واستلاب القارئ، بعكس مراجعات في صحف ومواقع ثانية، كانت وما زالت تقدِّم قراءات مستترة غايتها الترويض والسيطرة على القارئ، إذ هي مواقع (تتكلَّم)، فتستثمر قارئها سياسياً وعقائدياً، فصارت المراجعات هذه تمارس سلطة تقييد واعتقال العقل، كونها أمست جزءاً من الخطاب (الميديوي) العالمي، الذي يحوِّل الإنسان إلى كائن طائع، بعد أن فُتِنَ وسُيِّسَ وقُطِّعَ مزقاً على أنَّ القراءة- قراءة الكتب- تُغني الناس بالمعرفة والقوَّة.
إن مواقع مراجعات الكتب، بعضُها أو أكثرها الآن وإن روَّجَ للمعرفة إنَّما يدعونا لأن نُصارع ونقاوم، حتى لا يتمُّ صَرعُنا صرعُ العقل وهو ما نملك كونه سببَ استدعائنا للحياة.
سامي داوود: مشروع متعدد المستويات
يرقى بعض قراءات الكتب إلى مستوى تحريري. وتشكل منصة نقدية لتداول المادة الإبداعية بين أطراف عملية الإنتاج المعرفي؛ المؤلف والقارئ والوسيط الصحافي الذي يعرض الكتاب للطرفين. وقد حرصت جرائد عريقة على تخصيص ملاحق خاصة لقراءات الكتب، كملحق
الـ(نيويورك ريفيو أف بوكس) الذي أثمر مناظرات خصبة بين المؤلفين وعروض الكتب، وأتاح للقراء حزمة تنبيهات نقدية لاكتشاف الكتب وتحفيزهم على القراءة أكثر. بل وتحولت بعض القراءات التخصصية إلى سجل لتطور بعض الاختصاصات على مدى عقود.
وكذلك يجدر ذكر ملحق (بيان الكتب) لجريدة البيان، الذي يقدم قراءات متنوعة في شتى المجالات، رغم أن المسافة المخصصة لعروض الكتب في الملحق العربي أقل، ولم يؤد إلى ما هو مأمول منه من تفاعل نقدي. وأعزو ذلك إلى التراث الثقافي في المنطقة ككل، الذي يعيق تنشيط التفكير النقدي.
ويتوقف ما تقدم على نباهة العرض، اختيارات الكتب، وقدرة التقاط فرادة المادة الإبداعية في كل موضوع. وهذا يؤدي في النتيجة إلى فرز تخصصي للعروض. لكن تبقى الخشية من أثر العلاقات العامة في تحريف مسار هذه العملية الدقيقة. وضمن زخم الطباعة المعاصر وإدناء الكتب من عملية الأتمتة، وتحقق ما تنبأ به فالتر بنيامين حول الجمهور الذي بات على أهبة الاستعداد لأن يصبح مؤلفاً، باتت عروض الكتب بالتعبير الفرنسي (fragile) حساسة، قد ترفد القارئ بإشارات خاطئة، في زمن محكوم بالتعبير القائم على فكرة الخطف، تويتر وأشباهها.
القراءة مشروع متعدد المستويات. ووجود بوصلة حساسة للقراء لا تكون عبئا على القراءة، سيحدُّ من تجذّر الجهل المعاصر في المجتمعات المحكومة بجبروت “شيخ الجبل/ بودلير” الذي يقيم اليوم ليس فقط في ناطحات السحاب، بل في مجرى المعلومات، وبالتالي في كل مكان.
حسام الدين درويش: التعريف بالكتاب
لوهلة أولى أو أكثر، يبدو أن مراجعات الكتب باتت تحظى بأهمية كبيرة في الصحف والمجلات وغيرها من مواقع النشر المختلفة، الورقية منها والإلكترونية. فمن النادر أن تجد موقعاً للنشر لا يفسح مجالاً ثابتاً لمراجعات الكتب، ويحدّد الشروط التي ينبغي توفرها في هذه المراجعة لكي تكون قابلةً للنشر فيه أو لديه. لكن الاطلاع على (بعض) هذه المراجعات، ومعرفة حيثيات المسألة، وخوض غمار ممارستها، يمكن أن يساعد على معرفة مدى شكلية هذه الأهمية المعطاة للمراجعات، ومدى لا أهمية هذه المراجعات من الناحية المعرفية.
فلنقل إن الفائدة الأهم، وربما الوحيدة تقريباً، لمعظم المراجعات هي التعريف بالكتاب، أو الإسهام في تسويقه. ولعل أهم ما في أغلب تلك المراجعات التعريفية- التسويقية هو اسم كاتبها ومكان نشرها. ما تفتقد إليه هذه المراجعات غالباً هو البعد النقدي، وهذا الافتقاد يجعلها لا تقدِّم أي إضافة معرفية، فهي أشبه بالملخصات السطحية البسيطة، في أحسن الأحوال، والتبسيطية تبسيطاً مخلّاً في أسوأ الأحوال. وغياب أو تغييب البعد النقدي في المراجعات ليس ناتجاً عن قرارات الكتَّاب فحسب، بل مرتبطٌ، أيضاً وأساساً، بصعوبة ممارسة النقد في إطارٍ ثقافيٍّ تغلب عليه أحادية المدح والإشادة أو أحادية الذم والانتقاد. وفي الحالات التي تتضمن المراجعات بعداً نقديّاً واضحاً، يندر أن يتفاعل الطرف المنقود بإيجابيةٍ مع النقد، بطريقةٍ تسمح لهذا النقد بأن يكون بناءً فعلاً.
ونظراً إلى الحضور القوي للشللية والاستزلام والتبعية السلبية وذهنية الشيخ والمريد، في المؤسسات الثقافية والعلاقات المشخصنة ضمنها، وبين كثيرٍ من المشتغلين في الميدان الثقافي، يندر أن تخرج المراجعات عن التلخيص البسيط أو التبسيطي، و/ أو التقديم التقريظي/ التعظيمي، و/ أو العرض الانتقادي/ الذَّمِّي. لهذه الأسباب وغيرها، لا تقدم معظم مراجعات الكتب القيمة المعرفية المفترض بها تقديمها.
عارف حمزة: صورة الكاتب “النجم”
هناك فرق واضح بين عرض الكتاب ونقده، ولطالما تعلّمنا تلك النصائح مباشرة سواء من الصحافة الثقافية، طوال أكثر من 25 عاماً، وكذلك من الكتب نفسها. الكتاب نفسه يقودك للمعاته وعتماته، التي يحاول الكاتب إظهارها لامعة في العادة. في السنوات الأخيرة، ومع ظهور الكثير من المواقع الإلكترونيّة، وازدياد الشراهة في الكتابة الثقافيّة، ومنها نقد وعروض الكتب، دخل أناس كثيرون على عجلة من أمرهم. صحيح أنّ الصحافة الثقافيّة قديماً كانت تحوي أولئك الذين كانوا يُعوّمون أسماء معيّنة، تاركين عيوب الكتاب جانباً، مُحدّقين فقط في صورة الكاتب “النجم” والمصالح المتبادلة معه ومع الجهة التي ينشر فيها، إلا أنّ حتى ذلك كان يجري بمهارة ومعرفة منهم.
ما زال هناك نُقّاد، وعارضو كتب، يُحبّون ذلك القارئ في دواخلهم ويحترمونه، وهم يساعدون القرّاء الآخرين على الوصول إلى الكتب التي لن تُبدّد أوقاتهم سدى، وستشدّ علاقتهم أكثر مع القراءة، كما لو أنّه يُريد مشاركة الآخر، الغامض والذي يثق في كتابته، متعته التي وجدها في كتاب ما، لا أن يبتعدوا عنها ويرموا الكتب التي غشّته مثل البضاعة الفاسدة.
نقد الكتاب موهبة ومعرفة وتجربة متنوعة. هذه الصفات التي قد نُطلقها بسهولة على الكاتب المبدع أيضاً. قديماً كان العارفون أكثريّة والجهَلَة قلّة. ولكنّ الآن لا، إذ نقرأ الآن عبارات، خلال عرض أو نقد كتاب ما، مثل “إنّها تصنع قطيعة مع ما سبق من الشعر من خلال مجموعتها الشعريّة الأولى هذه”!!. أو “تُعتبر رائدة في قصيدة النثر”!!!، رغم مرور عقود طويلة على انتشار قصيدة النثر ونشوب معاركها. أو نقرأ “صوته منفرد ليس على المستوى المحليّ؛ بل على مستوى العالم العربي”… وعبارات كثيرة مثل هذه تدلّ على جهل عارض الكتاب، فما بالكم بناقده.
ماذا قرأ هؤلاء حتى يكتبوا مثل هذه الجمل الجاهلة؟ ألا يُوجد “لُقاح” يشفيهم من الجهل؟
عمران عز الدين: تسويق تجاري
لم تعد مهنة أو مهمة عارِضَ الكُتب- الّتي اِنْحَسَرَتِ الآنَ يقيناً بعدَ غزوِ وسائل التواصل الاجتماعيّ للحياةِ الثقافيّة والأدبيّة- كما كانت عليه قَبلاً، إذْ يكفي الآنَ أنْ يُدبِجَ كَاتبُ العمل خَبراً في صَفحتهِ الفيسبوكيّة عن كِتابٍ صَدَرَ لهُ مَثلاً حتّى يتمَّ نشره على أوسعِ نِطاقٍ من خلالِ اللايك والتعليق والمشاركة من لدن أصدقاء صفحته، بل إنَّ الخبرَ ذاته قد تتلقفه نشراً واِحتفاءً الصحافة الورقيّة والإلكترونيّة والأقنيّة الفضائيّة، أيّ أنَّ خَبراً مُقْتَضَبَاً على جِدارٍ في صفحة فيسبوكيّة ما مِنْ شأنهِ الآنَ أنْ يُحدثَ دويّاً ما كان بإمكانِ جُلّ عارضي الكُتب سَابقاً ـ حتّى لو تكاتفوا وتعاضدوا مثلاً ـ أنْ يأتوا بِما يفوقهُ اِنتشاراً وغَزْوَاً، ولكي لا نغمطَ عارِضَ الكُتب في حقهِ ينبغي علينا التذكيرَ بِما كانَ يقومُ بهِ مِنْ دورٍ تعريفيٍّ في شهرةٍ للكَاتبِ، وتَسويقٍ تجاريٍّ ربّما مِنْ ثَمّ لِكِتَابه، مُروراً بِشهرةٍ للدارِ الّتي طبعت ذلك الكِتَاب، وكنّا كقرّاء ـ وما زلنا ـ نصطدمُ بِعروضٍ للكُتب ما بينَ إبداعيّةٍ وتَعريفيّةٍ، وشَخصيّاً كان العَارِضُ الإبداعيّ ـ وهو كَاتبٌ غالباً آثر أنْ يتمرنَ على الكِتَابةِ الإبداعيّة مِنْ خلالِ قراءاته الصحافيّة العاشقة للكُتبِ ـ والّذي يُركزُ مِنْ خلالِ قِراءتهِ النوعيّة والمُتَأنيّة على فنياتِ الكِتَابِ وجمالياته يُحفزني بشكلٍ أو بآخر على شِراءِ الكِتابِ، وقراءتهِ، والاحتفاظَ من ثَمّ بِذلك الكِتّاب في مكتبتي الخاصّة، على العكسِ تماماً مما كان يقومُ بهِ العَارِض التعريفيّ ـ وهو هَاوٍ غالباً لا عَمَلَ لهُ سِوى أنْ يكونَ عارِضَاً تعريفيّاً مُجنداً لدى (كَاتِبٍ) ما مَثلاً ـ يُجزلُ لهُ العَطاءَ نَفْحَاً ـ أو إحدى دور النشر أو مُسْتَكْتَبَاً لدى صَحِيفَةٍ أو مجلةٍ ما مثلاًـ، إذْ كان يقتصرُ دوره/ قراءته للكِتَابِ على سردِ بائسٍ لعناوين القصّص أو القصائد، ولعدّد صفحات الكِتَاب، وسنة إصداره، واسم دار النشر الّتي طبعته، فضلاً عن مُقْتَطَفٍ مِنَ الكِتَابِ يقترحهُ غالباً كَاتِب العمل على العَارِضِ أنْ يزجَ بهِ في مَقالهِ الفتح.
مناهل السهوي: المراجعات الشفوية
مراجعة الكتب نقطة مهمة ليبدأ القارئ من خلالها، خصوصاً وسط الكمّ الهائل من الكتب التي تصدر كلّ يوم، فالمراجعة أو العرض هما باب صغير تستطيع من خلاله تقريباً إلقاء نظرة على المحتوى، لتقرر إن كنت ستقرأ الكتاب أم لا، لكن ليست المراجعة هي الحكم الصحيح
دوماً في ذلك لأن العديد من المراجعات تقوم على مبدأ الصداقة بين الصحافي والكاتب، ناهيك عن تكريس أسماء لا تستحق لأسباب كثيرة. أذكر أن أحداً أخبرني عن كاتبة أرسلت كتابها إلى العديد من الصحافيين طالبة منهم كتابة شيء ما عنه، فلنتخيل أن ربع هؤلاء كتبوا عن كتاب لا يستحق القراءة مثلاً فهنا الكارثة!
من جهتي أفضل المراجعات التي تسرد أحداث الرواية بشكل مكثف دون حرق للأحداث المهمة، مضيئة على بعض الجوانب التقنية والنقدية، ولا أحبذ الإطالة في النقد لأنني كقارئ أود اكتشاف الرواية من خلال تجربتي الخاصة.
من جهة أخرى، أجد أن المراجعات الشفوية التي تحدث بيني وبين الأصدقاء عن كتب أحببناها هي الأكثر شغفاً، وتشكل في الكثير من الأحيان نقطة لقراءة شيء جديد. مراجعة الكتب فنّ، كلٌّ يتقنه على طريقته ويستحيل تقريباً أن نُخْرِج تجربتنا الشخصية من هذا العمل حتى ولو بنسبة قليلة للغاية.
عبدالمجيد محمد خلف: هناك من يفضل الكتابة الانطباعية
تحتاج مراجعات الكتب إلى دراية ومعرفة كبيرة بالعمل الذي يقوم الكاتب بإجراء مراجعة له، لكيلا تأتي تلك المراجعة بسيطة، سطحية وساذجة عن ذلك العمل أولاً، ولا تفي الكتاب حقه ثانياً، لذلك لا بد من أن يكون الكاتب على اطلاع تام على الموضوع الذي سيقوم بمناقشته، والكتابة عنه إلى أي جهة كانت، ويتقن عمله حتى يستطيع تقديم مراجعة جيدة، تكون على مستوى النص المقدّم.
تختلف المراجعة من كتاب لآخر، ففي بعض الأحيان نرى كتّاباً يفضلون الكتابة بطريقة نقدية صرفة، اعتماداً على المصطلحات النقدية المتداولة في عالم النقد، وهناك من يفضل الطريقة الانطباعية، وهي أن يقوم بالكتابة عن النص، وفق ما يراه من منظوره الشخصي، ويسقط عليها شيئاً من روحه، لتأتي في حلّة بسيطة، بعيدة عن المصطلحات النقدية، ولكن المشكلة الأكبر تكمن في عدم القيام بالمراجعة من قبل بعض الكُتّاب إلا من أجل مدح الكِتاب، وإضفاء طابع التهويل والمبالغة عليه، على الرغم من أنه لا يحتاج كل هذه القيمة، أو هو دون المستوى المطلوب، ولكن، وبما أن الهدف من المراجعة هنا هو تسويق النص، وترويجه، يقوم الكاتب، باستعمال مصطلحات، وإطلاق صفات على العمل لا تتوافر فيه، مع أنه يتطلب نقد العمل بطريقة سلبية، توضح مواطن الضعف فيه، وتبين مثالبه، فتضيع قيمة تلك المراجعة، ولا تأتي بفائدة على أي طرف منهما، الكاتب/ العرض، والكاتب/ المؤلف على حدّ سواء.
لذلك لا بد أن يكون الكاتب حريصاً على هذه المسألة بشكل كبير، وينتبه إلى ما لها من مثالب، وينتقد العمل كما ينبغي؛ ومن دون انحياز له، أو لصاحبه، أو حتى لشهرته، وشهرة العمل، فيمكن أن تكون هناك وراء تلك الشهرة دوافع وأسباب كثيرة، ويقع الكاتب في معضلة عدم التبصّر، وينجرّ هو أيضاً إلى الوقوع في الخطأ بسبب ذلك.
فايز علام: أس الثقافة وأساسها
في الآونة الأخيرة انخفض عدد مراجعات الكتب في الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وصارت معظم هذه الجهات تفضّل أن تنشر أشياء أخرى في قسم الثقافة، وبرأيي أن هذا فيه شيء كثير من التفكير الخاطئ، فحتى لو كانت مراجعات الكتب لا تقرأ بالشكل الكافي فإن استمرار وجودها ضرورة، أولاً وبشكل أساسي لأني لا أستطيع فهم كيف يمكن لقسم ثقافي أن يخلو من الكتب، وهي أس الثقافة وأساسها، وثانياً لأن هذه المراجعات والمقالات تعدّ وسيلة من وسائل الإعلان والدعاية عن الكتاب، وكما نعرف فإن وسائل الإعلان عن الكتب قليلة جداً، لعدة أسباب من أبرزها أنه لا يمكن للكتاب أن يُحمّل تكلفة التسويق له بطرق يمكن أن يسوّق بها لمنتجات أخرى رابحة أكثر.
انخفاض الجهات المهتمة بنشر مقالات عن الكتب هي المشكلة الأولى التي نعاني منها اليوم، وأما المشكلة الثانية، فهي ناتجة عن هذا الانخفاض، إذ من الطبيعي حين ينخفض العدد أن ينخفض التنوّع في أشكال المراجعات والمقالات، فصرنا لا نقرأ مقالاً نقدياً يبحث في أسلوب الكاتب وفي شغله ضمن النص، ولا مقالاً يحلل رموز النص وأبعاده وتأويلاته، إلا في ما ندر، والشكل السائد الآن بمعظمه هو إما قراءة انطباعية للنص، أو مراجعة تشير إلى الكتاب وتبرز أهم الأفكار التي يطرحها بشكل سريع ومختصر، وأنا هنا لا أعترض على وجود هذا الشكل، بل أعترض على وجوده وحده، والذريعة الدائمة للمواقع والمجلات أن هذا ما يُقرأ وهذا ما يريده القراء. وعلى الرغم من أني أعرف تمام المعرفة هذه المعلومة، وألمسها بشكل مباشر، إلا أني مقتنع بأن كل شيء يمت للثقافة بصلة، من أدب وفن وموسيقى وسينما، يجب ألا يخضع إلى ما يريده الناس، بل أن يرتقي بهم إليه.
وأما المشكلة الثالثة التي أحب ذكرها، فهي أن الصحافيين والنقاد والكتّاب الذين ينشرون مقالات عن الكتب، يركّز أغلبهم دوماً على الكتب التي يعرفون أصحابها، ولذا من الممكن جداً أن تُنشر عن كتاب واحد (ربما يكون ضعيفاً) عشرات المقالات لأن صاحبه “أخطبوطي” العلاقات، وبالمقابل يُنشر عن كتاب آخر (ربما يكون عظيماً بكل المقاييس) مقال أو اثنان أو ثلاثة (وربما لا ينشر حتى مقال واحد) لأن صاحبه لا يستثمر علاقاته ليروّج لشغله.
الأمر الأخير لا ينطبق فقط على الكتّاب بل يسري أيضاً على المواقع والصحف، فهي تروّج لدور النشر وللكتّاب الذين تعرفهم.
محمد ميلود غرافي: شروط مذكرة القراءة في كتاب
مبدئياً مراجعة كتاب أو ما يطلق عليه في المجال الأكاديمي بمذكرة القراءة في كتاب، تقتضي الالتزام ببعض الشروط أهمها تلخيص الكتاب باقتضاب ورصد الإشكالية ووضع الكتاب في سياقه الأجناسي والتاريخي والاجتماعي وإبراز منهجيته إن كان الكتاب نقدياً ومناقشة الكاتب في طرحه مع الالتزام ما أمكن بالموضوعية والأسلوب النقدي. هذه الشروط للأسف ليست متاحة لكل الأقلام، الصحافية منها خاصةً. وحتى إن توفرت، فمراجعة الكتب المنشورة في الصحف والمجلات غير الأكاديمية هدفها في أغلب الأحيان مساعدة الناشر والكاتب في تسويق الكتاب، مما ينتج عنه طبعاً الكثير من الذاتية والانحياز والأسلوب غير العلمي في قراءة الكتاب والتعليق عليه. وهذا ما نلاحظه في الكثير من الصحف والمجلات العربية.
في أوروبا أيضا ليست كل المراجعات للكتب علمية ودقيقة، لأن الكتاب لديها هو منتوج استهلاكي وتجاري مهم ترصد له دور النشر أموالاً كثيرة لتسويقه والإعلان عنه. لكن هناك صحف متخصصة بشكل مهني في مراجعة الكتب مثل صحيفة لوموند الفرنسية التي تخصص كل أسبوع ملحقاً خاصاً اسمه (عالم الكتب) نجد فيه قراءات دقيقة للكتب الحديثة الإصدار. ورغم أن اختيارها لكتب دون أخرى للمراجعة هو في حد ذاته اختيار ذاتي أو أيديولوجي، فإنها تعطي فكرة واضحة وغير مغشوشة عن محتوى الإصدار تساعد القارئ في اقتناء الكتاب أو عدم اقتنائه.
ضفة ثالثة