البِيض يرتكبون معظم جرائم القتل المتطرف لكنهم ليسوا إرهابيين
غصّت النائب الأميركية من أصل فلسطيني رشيدة طليب هُنيهةً حين غمرتْها المشاعر، بينما كانت تقرأ مقتطفاتٍ من إحدى رسائل الكراهية الدنيئة التي أرسلها إلى مكتبها عبر البريد الإلكتروني، شخص أبيض مُتعصّب. ممّا ورَد في الرسالة، وقرأتها طليب بصوتٍ مختنق، تعليقاً على مجزرة نيوزيلندا، “لقد شعرتُ بسعادةٍ غامرة عندما سمعتُ عن مقتل 49 مُسلماً”. وواصلَت طليب -وهي إحدى أول امرأتين مسلمتين تفوزان بعضوية الكونغرس الأميركي عام 2018- ودموع غزيرة تتساقط على وجهها وقرأت بقيّة الرسالة بصوتٍ مرتعد “لقد أصيب كثيرون آخرون في نيوزيلندا. هذه بداية رائعة. دعونا نأمل ونصلي من أجل أن تتواصل مثل هذه الهجمات هنا في الولايات المتحدة الأميركية التي لا مثيل لها”. وبعد وقفة قصيرة، أنهت طليب قراءةَ البريد الإلكترونيّ، “المسلم الجيّد الوحيد هو المسلم الميّت”.
علّقت طليب بعد قراءة الرسالة قائلةً “نتلقّى الكثير من مثل هذه الرسائل، وأظلّ أتساءل ماذا يحدث؟ ماذا يحدث لهؤلاء الأفراد؟”. وأضافت بكل مرارة وأسف “أنا صادقة للغاية. أنا أمّ، وأريد أن أعود إلى منزلي وإلى أولادي الاثنين”.
لسنواتٍ، تلقى الأميركيّون المسلمون -وبخاصة البارزون منهم- ذلك النوعَ من التهديدات التي تنمّ عن الكراهية. (لقد تلقّيتُ تهديداتٍ بالقتل من قِبَل المتعصبين البِيض لمجرّد أنني مسلم، وأتّسِم بالجرأة الكافية للحديث علناً عن كراهيتهم في مقالاتي). بيد أن الفرْق هذه المرة هو أن طليب لديها القدرة على إحداث تغيير في القضية.
في الواقع كان هذا هو السبب الذي دفع لجنة الرقابة الداخلية داخل الكونغرس إلى عقد جلسة استماع، بعنوان “مواجهة التعصب الأبيض: كفاءة الاستجابة الفيدرالية”، التي قرأتْ فيها طليب هذه الرسالةَ الإلكترونية. وعندما انتهت، لم تسعَ إلى جذب التعاطف، بل سعَت إلى تغيير القوانين من خلال الضغط على مساعد مدير قسم مكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالي، مايكل ماكغاريتي، الذي كان يدلي بشهادته أمام اللجنة، للحصول على تفسير للسبب الذي يدفع إلى عدم التعامل مع مثل هذه التهديدات باعتبارها إرهاباً محليّاً.
وجواباً على ذلك، أعرب ماكغاريتي عن تعاطفه، لكنه ردّ قائلاً “لا توجد تهمة تسمّى الإرهاب المحلّي”.
أنا واثق أن هذا الأمر سيكون مفاجأة للبعض. كيف لا يكون لدينا قانون فيدرالي يُمكن من خلاله توجيه اتهام إلى شخص أو إلى منظّمة بالضلوع في جريمة إرهاب محلي؟
هناك الآن، بموجب القانون الفيدرالي، قانونٌ يُعرّف “الإرهاب المحلّي”. تنص الفقرة رقم 2331 من المادة 18 من قانون الولايات المتحدة على أنّ الإرهابَ المحلي يعني الأنشطة التي “تنطوي على أفعال خطيرة على حياة الإنسان، والتي تُشكّل انتهاكاً للقوانين الجنائية في الولايات المتحدة أو أيّ دولة أخرى”، و”أن يكون القصد منها ترهيب السكّان المدنيّين أو إرغامهم”، أو “التأثير في سياسة الحكومة من طريق التخويف أو الإرغام” أو “التأثير في سلوك الحكومة من خلال التدمير الشامل، أو الاغتيال، أو الخطف”.
ما ينقصنا هو وجود قانون فيدرالي يعاقِب الشخص على الضلوع في مثل هذا السلوك. من الواضح أنّ التهَمَ ستظلّ توجَّه إلى الأشخاص الذين يرتكبون أعمالَ عنفٍ متّصلَةً بجرائمِهم؛ ولكن عكس الأشخاص الذين يتآمرون لمساعد تنظيم الدولة، لن توجّه تهمة الإرهاب إلى شخصٍ من المتعصّبين البِيض إذا ما دخَل إلى كنيسة، وأخذ يقتل أشخاصاً سوداً على أمل ببدء حرب عرقية. في الواقع، مثَّلَ هذا جزءاً من الحقائق التي انطوت عليها التبعات القانونية في قضية ديلان روف، وهو من مؤيدي سيادة العِرق الأبيض، وقد قتَل عام 2015 تسعةَ أشخاص -جميعَهم من الأميركيّين الأفارقة- في كنيسةٍ شهيرة للسود في ولاية كارولينا الجنوبيّة، وحتّى الآن لم توجَّه إليه تهمة الإرهاب.
الآن قد يتساءل البعض ما أهميّة إن كان شخصٌ ما متّهماً رسميّاً بـ”الإرهاب المحلّيّ”، إن أخذنا في الاعتبار أنّه سيظلّ يُحاكَم بموجب قوانين أخرى؟ هنالك بعض الأسباب المقنعة. أوّلاً، قد يزيد هذا من وعي الأميركيّين بالخطر الذي يمثّله الإرهاب المحليّ على شعبنا، ومن ثمّ يدفع الناس إلى الضغط على الحكومة الفيدراليّة لتخصيص المزيد من الموارد لكبح جماح هذه المشكلة القاتلة المتنامية.
تلك النقطة تحديداً هي ما أشار إليه النائب الديموقراطيّ عن ولاية ماريلاند جيمي راسكين، رئيس جلسة الاستماع تلك، حين أوضح أنّه بين عامَي 2009 و2018، كان متطرّفو اليمين المتشدّد مسؤولين عن 73 في المئة من حالات القتل على أيدي متطرّفين، فيما كان الإرهابيّون الدوليّون مسؤولين عن 23 في المئة. (عام 2018 وحده، وفقاً لبيانات “رابطة مكافحة التشهير” ADL، كان هناك تنامٍ في الإرهاب اليمينيّ، إذ شهِد العام مقتل 50 أميركيّاً، وهو عدد أكبر من قتلى تفجيرات مدينة أوكلاهوما عام 1995). إلّا أنّ مكتب التحقيقات الفيدراليّ، كما أشار راسكين، “يخصّص موارده بشكل غير كاف؛ مكرّساً 80 في المئة من عملائه في الميدان لتوقيف ومكافحة الإرهاب الدوليّ، ومن بينه التطرّف الإسلاميّ، فيما يخصّص 20٪ فقط لمواجهة الإرهاب المحلّيّ، ومن أشكاله تطرّف تيّار اليمين المتشدّد وتفوّق العِرق الأبيض”.
ربّما كان مصدر هذا النقص في الموارد الفيدراليّة لمواجهة الإرهاب المحلّيّ يأتي من الأعلى؛ إذ أعلَن دونالد ترامب منذ بضعة أشهر فقط أنّه رغم تصاعدٍ ملحوظ في إرهاب تيّار تفوّق العِرق الأبيض، إلّا أنّه لا يعتقد أنّ هناك مشكلة حقيقيّة في أميركا. بدلاً من ذلك، أهمل ترامب الأمر واصفاً إياه بأنّه عمل ”فئة صغيرة من الناس“.
سبب جوهري آخر لسنّ قانون بشأن الإرهاب المحلّيّ هو ما بيّنته مدّعية عامّة فيدراليّة سابقة بعد الهجوم المفزع على معبد شجرة الحياةTree of Life، في مدينة بيتسبرغ في كانون الأول/ ديسمبر الماضي على يد متطرّف من تيّار تفوّق العِرق الأبيض. أشارت إلى أنّ قانوناً مثل هذا قد يمثّل فرصة أفضل لحفظ السجّلات، إذ إنّ وزارة العدل في وضعها الراهن “تفتقر إلى بيانات شاملة عن حوادث الإرهاب المحلّيّ في البلاد”. وتأمل المدّعية العامة بأن يُساهِمَ تحديد تلك الأعداد إلى “تحسين دقّة البيانات، وتعزيز استراتجيّات لمواجهة ذلك الخطر والتهديد”.
وإذا اتّهمت أجهزة إنفاذ القانون هؤلاء الفاعلين بتهمة الإرهاب، فإنّ هذا قد يعني أنّ الإعلام أخيراً قد يستخدم تلك الكلمة في وصف متطرّفي تيّار تفوّق العِرق الأبيض وغيرهم من الإرهابيّين في الداخل. وبصراحة، بعض العاملين في الإعلام لا يرتاحون لاستخدام وصف “إرهابيّ” حين يكون “الفاعل” من البِيض. لقد شهدت هذا بنفسي مباشرةً. إلّا أنّه حين يوصف متطرّف من تيّار تفوّق العِرق الأبيض رسميّاً بالإرهاب، سيكون مطلوباً من الإعلام استخدام تلك الكلمة لتوصيف الحدث والفاعل.
كلّ هذا ينصبّ حول الحفاظ على سلامة الولايات المتحدة. يمثّل سنُّ قانون فيدراليّ لاتّهام البعض بتهم الإرهاب المحلّيّ، وتخصيص موارد لمواجهته، خطوة كبيرة في هذا الاتّجاه. ويبقى السؤال ما إذا كان ترامب قد يوقّع يوماً على تحويل إجراء إلى قانون يستهدف متطرّفي تيّار تفوّق العِرق الأبيض وغيرهم من متطرّفي تيّار اليمين؟ بالنظر إلى ما شهدناه حتى اللحظة من تصرّفات ترامب، فإنّ الإجابة عن هذا السؤال ستكون بغاية المأساوية.
هذا المقال مترجَم عن thedailybeast.com ولقراءة الموضوع الأصلي زوروا الرابط التالي
درج