سورية.. سنوات الدمار والرماد الروسية/ بشير البكر
دخلت سورية في مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي السنة الخامسة من الوصاية الروسية التي بدأت مع التدخل العسكري الروسي في 30 سبتمبر/ أيلول 2015، والذي جاء من أجل نجدة نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، بينما كان يتقهقر بسرعةٍ أمام تقدّم المعارضة المسلحة، ولم يبق تحت سيطرته أكثر من 20% من المساحة الكلية للبلد. وبعد أن أوقف الروس عجلة تراجع النظام، أعلنوا أن تدخلهم جاء قبيل أسبوعين من سقوط النظام بيد المعارضة التي كانت تتقدّم في اتجاه العاصمة.
بالمقاييس كافة، لم يكن التدخل الروسي سهلا وبلا أثمان، بل على العكس، كان غاية في الصعوبة وعالي التكلفة، وعرف الروس هذه المعادلة، منذ زجّوا ثقلهم العسكري في الحرب. وقبل ذلك لم يكونوا بعيدين عن مجريات الأحداث، وكانوا يسندون النظام بالخبرات والسلاح والمعلومات، ويمدّون الإيرانيين بكل سبل الدعم. وحين أدركوا أن الوضع خرج عن السيطرة قرّروا التدخل المباشر، واضعين في اعتبارهم أن اتباع استراتيجية القتال التي انتهجها النظام والإيرانيون يحتاج جرعة إضافية، فقصف الطيران والأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة ومعسكرات الاعتقال الجماعية لا تكفي، ووضعوا على الأرض السياسة التي اتبعوها في الشيشان، أو ما بات يعرف بمبدأ غروزني الذي يقوم على سياسة الأرض المحروقة، وإجراء تسوياتٍ مع المقاتلين الناجين، وتوجيههم ضد رفاقهم القدامى، واخترعوا من أجل ذلك كحامل لهذه السياسة مناطق خفض التصعيد الأربع في ريف دمشق والجنوب وريف حمص وإدلب، والتفوا على كل الاتفاقات التي وقعوها مع تركيا وإيران، وكانت النتيجة أنهم سيطروا على المناطق الثلاث الأولى، وهجّروا قرابة مليونين نحو إدلب التي باتت آخر جيبٍ تحتمي فيه المعارضة المسلحة، وينتظر فيه قرابة أربعة ملايين مدني مصيرهم الغامض.
بدأت السنة الخامسة للتدخل الروسي وسورية مقسّمة إلى ثلاثة كانتونات، يسيطر النظام والروس على 60% منها، والـ40% الباقية تسيطر عليها المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا والإدارة الذاتية الكردية التي ترعاها الولايات المتحدة وبعض بلدان أوروبا، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا. وباستثناء جزء بسيط من المنطقة الأخيرة والعاصمة، فإن الدمار يعم سورية من الجنوب نحو الوسط في حلب وحمص وحماة وإدلب والشمال الشرقي في الرقة ودير الزور. وعلى الرغم من الوعود والأماني بإعادة الإعمار، فإن المعطيات على الأرض لا تبشّر بشيءٍ من هذا القبيل. وفي كل يوم، تكرّر الدول التي لديها القدرة على توظيف رأس المال في هذا المشروع الكبير أنها ليست مستعدّة أن تُقدم على هذه الخطوة من دون عملية سياسية، تسمح بعودة طوعية وآمنة لملايين اللاجئين الذين ينتشرون في أوروبا ودول الجوار التي تعاني من استضافة عدة ملايين، كما حال تركيا ولبنان والأردن.
كل عام تمر فيه هذه الذكرى، يحتفل الروس والنظام والإيرانيون بالنصر الذي حققوه، ولكن هذا النصر لا يتجاوز إبقاء النظام على قيد الحياة، في حين أنه عليل، ولا يملك شيئا من أسباب البقاء والاستمرار، وذلك في وقتٍ لا تلوح في الأفق أية بادرة دولية من أجل إخراج سورية من المأزق الخطير، بل يتفرّج العالم بأكمله عليها، وهي تتدحرج نحو هاويةٍ تبدو كأنها لا قعر لها. وفي السنة الخامسة، صار ثابتا أن الحل في سورية بدون روسيا مستحيل، ولكن أيضا ليس لدى روسيا وحدها أي قدرة أو إمكانية من أجل الحل. وإذا لم يتنازل الروس ويتخلوا عن مجرمي الحرب، ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، ويتحلوا بالواقعية من أجل تمهيد الطريق إلى حل سياسي، فسوف يبقى الأفق مسدودا.
العربي الجديد