أن تعيش ليلاً/ إتيل عدنان
منذ بضع سنوات وأنا أفكر في الليل
أفكر؟ لست متأكدة اني افكّر. انه امر مختلف عن التفكير واكبر من مجرد التفكير. انه توظيف لكياني في حضور الليل، في معناه الجسدي بامتياز، توظيفه في ذلك المفهوم الغريب الذي يشمل حياتنا اليومية منذ الولادة.
انا كائن مسائي
لابعد ما تعود بي الذاكرة، كان يحيّرني إنهيار الليل على نهاراتي. هي ستارة تنسدل بالمعنى الحرفي للكلمة في ساعات مختلفة، حسب تنوّع الفصول، ولكن المؤكد انها تنسدل. ما الذي تحمله لنا؟ تحمل شموعا وقناديل، بالتأكيد، وتحمل عشاوات ثم نوم. نوم ليس هو غياب اليقظة، وانما هو بدايةٌ لعالم مختلف. وانا كنت دوما مولعة بالنوم، حميمية النوم وطابعه المغامر. ففي النهاية، الليل هو مملكة الاحلام والاحلام هي أعظم عملية توسيع لاذهاننا.
الليل تجربة مخمليّة
عتمة الليل، حتى في ذروتها، تمتلك نورا خاصا بها. نور يعرفه بعض الحيوان اكثر مما نعرفه نحن. بل انه عالم حيث الرؤيا، حين توجد، تبلغ ارقى درجاتها. انه المادة التي يتكّون منها الفضاء بين الكواكب. انه أقرب مقاربة ممكنة للمادة التي يتكوّن منها الكون.
كثيراً ما افكّر بمصير الجنس البشري
لو أنه عاش في الليل
لو انه نام خلال النور المعمي لنهاراتنا. لعلنا كنا صرنا أكثر حساسية للحب. من يدري؟ ولعل ذلك الطريق الى مستقبل ما. من يدري؟
اني أدعوكم لعدم النوم هذه الليلة
أدعوكم لأن تخرجوا الى العراء. ليس هذه الليلة فقط وانما في عدة ليال على التوالي. أدعوكم لأن تقودوا سياراتهم في الليل فقط. ان تستجلسوا على ضفة نهر، نهر الراين، نهر الإلب، او نهر الامازون، وان تنصتوا لذاك النهر. أن تعيشوا بالليل يعني ان تعيشوا بواسطة الأذن، والعين تتبع الأذن فتتسع منها الرؤية. وسوف تكتشف آذانُ روحكم وأعينها صداقةً وعالماً ودودًا يختلف عن العالم الذي تعرفون، عالم يحملكم في رحلات لم تتصوّرها المخيلة بعد.