الشاعرة الإيطاليّة إمّاكولاتا سكيينا تتحدّث "لغة اليدين/ طارق الجبر
في حوارٍ أجريتُهُ مع الشاعِرةِ والكاتبةِ المسرحيّةِ الإيطاليّة إمّاكولاتا سكيينا، في أحد المقاهي المُلقاةِ على ضِفّةِ محطّةِ قطارات “بورتا نووفا” في مدينة تورينو الأنيقة، تكلّمنا عن الكتابة – وخصوصاً كتابة الشِعر – كونَها قرارَ سفرٍ ينبغي أن يكونَ حقّاً مِن حقوقِ الجميع، على حدّ تعبيرِ صاحبةِ قصيدةِ “لغةُ اليدَين” التي بينَ أيدينا الآن.
تبدأ الشاعرةُ سكيينا التعريفَ عَن نفسِها بقولِها إنّها ترعرعتْ في قريةٍ صغيرةٍ ومُغلَقةٍ على سُكّانِها، وتُضيفُ أنّ رغبتَها الشديدةَ بالتعرّفِ على العالم قد جاءتْ – ربّما – مِن طفولتِها القرويّةِ البعيدة. تقولُ عَن كتابةِ الشِعر إنّها بدأتْ بالكتابة لاستكشافِ نفسِها، وسرعانَ ما تحوّلتْ رحلةُ الاستكشافِ تلك إلى “مُهمّة” ضروريّة في حياتِها.
“سببُ الكتابةِ هو سِرُّ نجاحِها” بهذهِ الجملةِ المُختزلَةِ والمُباشَرة تُسلّطُ الشاعرةُ سكيينا الضوءَ على أهميّةِ المواضيعِ في نصوصِها الشِعريّة والمسرحيّة على حدٍّ سواء.
“حبُّ الآخر هو طريقُ الوصولِ إليه”، تُضيفُ شاعرتُنا أنّ مِهنةَ التدريسِ أعطَتْها هديّةَ التعرّفِ على ثقافاتِ دولٍ مُتعدّدة: “كنتُ أسألُ طُلّابي – الذين يأتونَ مِن ثقافاتٍ وخلفيّاتٍ مُختلِفة – عَن طُرقِ وعَن أيّام احتفالاتِهم، وكانوا يقصّونَ عليّ حكاياتٍ مُثيرةٍ ومليئةٍ بالجمال”.
كتاب بعنوان “مَسْرَحة وشَعْرَنة: قطرة حياة” للكاتبة سكيينا، صدرَ عام 2013 عن دار نشر أردوينو ساكّو
تُحاورُني الشاعرةُ سكيينا بعينينِ مِلؤهُما الضوء، وتقولُ إنّها تكتبُ عَن الأملِ والحريّةِ والسلام، وإنّ الكُتبَ التي نقومُ بنشرِها لا تُغيّرُ العالَم، بل “الكلمة” هي التي تفعلُ ذلك: “الكلمةُ التي وصلَتْني عَن طريقِ مَن قالها بصدق، هي التي غيّرتْ نظرتي وطريقةَ تفكيري…وعَن طريقِ الكلمةِ أحاولُ أن أصلَ إلى تفكيرِ الآخرين”.
تُختمُ الشاعرةُ سكيينا حديثَها معي بأنّ هناكَ شِعراً في حياتِها المُستقبليّة. لا تعلمُ كيفيّةَ وجودِهِ أو طريقتِه، ولكنّه سيكونُ موجوداً: “اليوم الذي سأتوقّفُ فيهِ عَن الكتابة، هو اليوم الذي لن أكونَ فيهِ على قيدِ الحياة”.
(لغةُ اليدَين)
اليدانِ تسمعانِ – أيضاً –
وتشُمّانِ العطورَ الضائعة.
ليسَت هناكَ حاجةٌ للأُذنين،
حينَ يفتحُ العقلُ سَمْعَه.
وليسَ بالأصواتِ
نُميّزُ الـهـمسـات،
فالصدقُ كِذْبٌ مالِحٌ.
أمدُّ راحتَيْ
وأرتشفُ اهتزازات الطبيعةِ النقيّة.
هشٌ وحلوٌ هو المذاقُ الذي
يعبرُ أطرافَ أصابعي.
والريحُ التي تنوسُ جلدي
تُبشّرني بجوٍّ جميلٍ
وبردٍ جديد.
نسيمُ الصباحِ الهنيّ
يتحدّثُ إليّ…
تسّاقطُ القطراتُ
ويحدثُ أنّ المَطر
في داخلي ينهمِر.
ألمسُ وجهَكَ براحةِ اليدِ تِلك،
فأعرفُ إن كنتَ قاسياً عليّ.
وتُحدِثُ طُرقاتُ ظِفري عليك
تجاعيدَ وجهٍ غريقٍ
بالذكرياتِ الحَبالى.
أنزلُ بيديَ المفتوحة فوقَ صدرِك،
فأسمعُ صوتَ قلبِكَ – صاخباً –
وتعزفُ في رحاكَ سياطُ حُبِّك
ثمّ تهمسُ بانفعالِكَ لاهِثاً.
ألعقُ برؤوسِ الأصابعِ
كلَّ ما يُحيطُ بي مِن حياة.
أُكشّفُ ضوءَ الموسيقى
وأعبُرُني خِلالَه.
ففي راحةِ اليدِ هذهِ حبٌّ وصِدق
وفي راحةِ اليدِ تلكَ كرهٌ وكِذب.
لُغةُ اليدينِ لا لِبسَ فيها:
رافضةً وصائِبـة
صافِحةً وغـالِبـة
قاهرةً وهـارِبــة.
ليستْ عصيّةً على أحد؛
مِنها الصمتُ ومِنها الكلام،
فيها الصوتُ وفيها العدم.
تستطيعُ غلقَها على الحياة
أو فتحَها عليها…
إسمعْ {بِفتحِ اليدين}.
*شاعر ومُترجِم سوريّ