الناس

سوريا: صحافيّو النظام في سجونه/ محمد فارس

لا جديد في تعامل النظام السوري مع احتجاج صحافيين وناشطين يؤيدونه، على أزمة نقص الوقود والكهرباء. سجن وإخفاء قسري وطرد وتهديد بحجة أحكام تشريعية ذات ألفاظ متموجة، كما يصفها مختصون.

لم ينعكس تزايد التذمر من عجز النظام عن حل أزمة الوقود، احتجاجاً. ومرد ذلك، كما يرى سوريون التقاهم «درج» هو «الخوف من انتقام الحكومة». لكن الأهم من ذلك هو أن الشكوى لا تلقى آذاناً صاغية من المسؤولين الرسميين. «إذا اشتكيت، فلا يرد عليك أحد. وأمامك فقط الكتابة بالألغاز على فيسبوك» يعلّق أحدهم.

ويبدو أن في الواقع ما يثبت كلامه. فقد صدرت تهديدات بحق من «يغرّد خارج السرب». وجاء التهديد الأهم على لسان الرئيس بشار الأسد في خطاب ألقاه في 17 شباط / فبراير، حين قال إنه يخوض حرب الإنترنت والمواقع الاجتماعية، وأن للطرف الآخر اليد العليا لأن مناصريه يتمكّنون من تسويق أفكار، لأن جمهوره أقل حذراً في التعامل مع المعلومات التي تأتيه. وأشار الأسد إلى خوض نظامه حرباً عسكرية يرى إنجازاتها بفضل قواته المسلحة ومن يقف معها، وأنه يخوض حرباً اقتصادية هي حرب الحصار الغربي، وأن نظامه غالباً ينجح فيها. لكنه اعترف في الوقت ذاته بوجود «فاسدين» يشنُّ حرباً ضدهم. واعتبر الأسد أن ما يواجهه هو «توفير المواد والاحتكار والأسعار وانعدام العدالة في التوزيع والفساد» حيث قال إنها «يجب أن تتغير آليته».

لكن ابن عم الرئيس الأسد، وسيم، وصف أزمة الغاز بـ«الفتنة الخارجية» واضعاً «الشعب العاقل» أمام خيارين، هما أن يُترك لمسلّحي المعارضة لـ«ينتهكوا أعراضهم»، أو أن يعاني من انقطاع الغاز. وزعم في تسجيل مصوّر نشره في كانون الثاني/ يناير الماضي أن الولايات المتحدة الأميركية «أغرقت» سفينة و«صادرت» اثنتين، كانت تحمل الغاز إلى سوريا من دون إعطاء تفاصيل عن الحادثتين. وبحسب تسريبات إعلامية، فإن وسيم، 39 عاماً، مطلوب للسلطات بجرائم مختلفة.

ويضمن الدستور السوري مبدأ حرية التعبير، «لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة». وينص الدستور على أن «كل شخص يُقبض عليه يجب أن يُبلغ أسباب توقيفه وحقوقه، ولا يجوز الاستمرار في توقيفه أمام السلطة الإدارية إلا بأمر من السلطة القضائية المختصة».

غير أن المخابرات ما تزال تعتقل مدير شبكة «دمشق الآن» الإخبارية الموالية، وسام الطير، منذ إجرائه استطلاعاً عن الوضع المعيشي في ظل نقص الوقود وانتشار صور لطوابير الغاز. وسحبت الصور ذرائع تقصير النظام بمواجهته «حرباً كونية» و«إرهابيين» على رغم أنها لا تزال تتهمهم باستهداف البنية التحتية كالاعتداء في شباط بقذائف على محطة محردة الكهربائية. وأرجع آخرون سبب اعتقال الطير إلى رفضه نشر مقالة أرسلها له حيدرة سليمان، ابن الرئيس الأسبق للفرع الداخلي (251) بإدارة أمن الدولة، اللواء بهجت سليمان.

كما طردت قناة «الميادين» إيرانية التمويل، مراسلها في سوريا، رضا الباشا، لتحميله الحكومة مسؤولية نقص الوقود. وحذفت قناة «الإخبارية السورية» الحكومية مقابلة أجرتها في شباط مع النائب البرلماني، فارس الشهابي، لكشفه فيها أسماء «مافيات الحرب» في سوريا «لا تقوى الضابطة الجمركية على مواجهتهم». وتقول وسائل إعلام إن رجل الأعمال المقرب من النظام، خضر طاهر، هو من تمكّن من إجبار القناة على حذف المقابلة عن موقعها.

وأكّد إعلامي سوري منشق عن وسائل الإعلام الحكومية أنه لا يسمح للصحافي هناك أن يطاول اتهامُه بالفساد مسؤولاً صغيراً. وأضاف: «هي صحافة مخصية، لا يسمح فيها لأحد، حتى لو كانت لديه أدلة على فساد مسؤول كبير، بطرح ملفه أمام الرأي العام إلا بقرار أمني؛ فإدارة الفساد بيد المخابرات».

وساق الإعلامي، الذي تحدث إلى «درج» شرط عدم الكشف عن هويته، مثالاً على ذلك إصدار وزير الداخلية، محمد الرحمون، في شباط تعميماً على مخافر وأقسام الشرطة بمنع التعامل مع خضر طاهر أو الاتصال به، أو دخوله  أو استقباله في الوحدات الشرطية. وعاد الرحمون فتراجع عن التعميم بعد أقل من 20 يوماً من دون بيان أسباب صدور التعميم أو مبررات التراجع عنه. وسأل الإعلامي عما إذا كان قرارات «مترددة» كتلك تنال من «هيبة الدولة» أم لا.

«هيبة الدولة»

ولدى السلطة القضائية في سوريا أحكام جنائية فضفاضة تسمح للمحاكم بمعاقبة الأفراد جراء حرية التعبير. وتعد مفاهيم «إضعاف الشعور القومي» و«وهن نفسية الأمة» و«النيل من هيبة الدولة» أداوات لتجريم حرية التعبير. وهددت القاضية هبة الله سيفو، رئيسة النيابة العامة المختصة بجرائم المعلوماتية والاتصالات، بمواد إشكالية من قانون العقوبات السوري.

وتنص المادة (286) على أنه يستحق العقوبة بالأشغال الشاقة الموقتة من نقل في سوريا، في زمن الحرب أو عند توقع نشوبها، أنباء يعرف أنها كاذبة أو مبالغ فيها من شأنها أن توهن نفسية الأمة، وإذا كان الفاعل يحسب هذه الأنباء صحيحة فعقوبته الحبس ثلاثة أشهر على الأقل. كما تنص المادة (287) من القانون ذاته على أن كل سوري يذيع في الخارج، وهو على بينة من الأمر، أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها، من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو مكانتها المالية يعاقب بالحبس 6 أشهر على الأقل وبغرامة تتراوح بين 2000 إلى 10000 ليرة سورية (4.58 إلى 22.93 دولار أميركي).

وذكرت سيفو أن الصحافيين في سوريا محكومون بقانون الإعلام الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 108 للعام 2011. لكنها استدركت بالقول إن الصحافي الذي يكتب منشورات معينة على صفحته الخاصة على «فيسبوك»، يعاقب وفقاً لقانون العقوبات.

وتنص المادة (95) من القانون على أن كل من أقدم خطأ على نشر أخبار غير صحيحة أو أوراق مختلقة أو مزورة، يعاقب بالغرامة من 100000 إلى 500000 ليرة سورية (229.35 إلى 1146.78 دولار أميركي).

وأضافت سيفو أن النشر على وسائل التواصل الاجتماعي محكوم بقانون التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 17 لعام 2012. وتنص المادة (28) على أنه إذا طبق نص في القوانين الجزائية النافذة على إحدى الجرائم المنصوص عليها في قانون، تنفذ العقوبة التي هي أشد، ويضاعف الحد الأدنى للعقوبة المقررة لأي من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية النافذة الأخرى، إذا ارتكبت الجريمة باستخدام الشبكة أو وقعت على الشبكة.

وعلّق المستشار القانوني والخبير في القانون العام، سام دله، على صفحته في «فيسبوك»، بأن وظيفة القاضي ليست تخويف الناس بل «حمايتهم من تصرّفات السلطة ومن الأحكام التشريعية المنفلتة». وأضاف: «أن تخرج قاضيـ (ة) بالأحمر الفاقع محذرة الناس – بمضمون تهديدي – من الوقوع تحت طائلة عقوبات لأحكام منفلتة في قانون العقوبات تتعلق بـ”وهن عزيمة الأمة”، فذاك لا يخرج فقط عن وظيفتها، بل إن وظيفتها عكس ذلك تماماً».

وفي كتابه «الجرائم الواقعة على أمن الدولة» المطبوع عام 1963، ينتقد رئيس جامعة دمشق الأسبق، الدكتور محمد الفاضل، المادة (285) من قانون العقوبات، بقوله: «التعبيرات التي استخدمها الشارع هنا وهناك في تجريم الأفعال الماسة بأمن الدولة غير واضحة المعالم ولا محددة الأطراف، وظلال الألفاظ متموجة تكاد تتسع لكل شيء». وفي تعليقه على المادة (286) من القانون ذاته يسأل الفاضل: «من ذا الذي يستطيع أن يعين فحوى الدعاوى التي ترمي إلى إضعاف الشعور القومي؟ أو أن يحدد الأنباء التي من شأنها أن توهن نفسية الأمة؟». ويختم الفاضل: «لا عاصم للفرد أو المواطن من هذا السلاح الخطير الذي تملكه الدولة سوى شرف ضمير القاضي، ونزاهة وجدانه، واستقلاله ورهافة حسه في تمييز الغث من السمين».

آخر الانتهاكات

ولا تنحصر الانتهاكات التي يرتكبها النظام بحق الصحافيين في سوريا على السوريين، بل تشمل صحافيين عرباً وأجانب. فقد حمّلت محكمة أميركية في كانون الثاني/ يناير، النظام السوري مسؤولية قتل الصحافية الأميركية ماري كولفن، خلال تغطيتها الأحداث في مدينة حمص عام 2012. وقضى الحكم بإلزام النظام السوري بدفع مبلغ قيمته 302 مليون دولار.

وفي شباط، أعلنت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” مقتل الناشط الإعلامي السوري بلال عبد الكافي المحمد، تحت التعذيب في سجون النظام، بعد ست سنوات على اعتقاله.

كما استدعت الحكومة الأردنية في 9 آذار/مارس القائم بأعمال السفارة السورية لديها، بسبب اعتقال الصحافي الأردني، عمير الغرايبة، في سوريا، ووجّهت طلباً للحكومة السورية من أجل الإفراج عنه. ونفت الخارجية السورية علمها بملابسات اعتقال الغرايبة.

وتتذيل سوريا التصنيفات الدولية من حيث ارتفاع معدلات الفساد وتدني مستوى الديموقراطية، وحرية الصحافة، والحرية، كما أنها، ومنذ سنوات، خارج تصنيف تقرير التنافسية العالمي ومؤشر الحرية الاقتصادية.

ويبدو أن رقيب النظام «الإعلامي» مواظب على إبقاء الصحافة الموالية للنظام، تحت سقف يحدده ويسميه «سقف الوطن». ولا يبدو أن ذلك سيتغير في المدى المنظور، بعد 8 سنوات على اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظام الأسد، والتي «توسلت السلطة» في بدايتها «رؤية مسلح أو قناص».

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى