احمد جلل..لوحات كفرنبل هاجرت بعد استشهاد رائد/ أحمد مراد
ارتبط اسم كفرنبل بلافتات ولوحات غير مألوفة رافقت التظاهرات، بما تحمله من هزلية الموقف وبساطة التعبير، والمباشرة في طرح الأفكار، وارتبطت باسم رائد الفارس، الذي اغتالته “هيئة تحرير الشام” قرب منزله نهاية العام 2018.
يقف خلف الحراك السلمي في المدينة الواقعة جنوب إدلب فنانون وإعلاميون وناشطون، أحدهم كان أحمد جلل رسام لوحات كفرنبل الذي استقر به المطاف في تركيا هارباً من قبضة “تحرير الشام” بعد اغتيال رائد الفارس وحمود جنيد.
يروي أحمد جلل لـ”المدن” رحلة خروجه إلى تركيا هارباً بعد سيطرة “هيئة تحرير الشام” على إدلب. يقول: “مر بي شريط الذكريات وأنا أقطع الشريط الحدودي السوري، مهجراُ إلى تركيا، منذ أول مظاهرة في كفرنبل في شهر نيسان/أبريل من العام 2011، حين خُطت أولى لافتات المدينة الواقعة جنوب إدلب، وتطورت لترتبط مظاهراتها اليومية بتاريخ الثورة السورية”.
يقول جلل: “من كفرنبل المحتلة، إلى كفرنبل المحررة، إلى كفرنبل المغتصبة، أركض خلف المهرّب كما كنا نهرب من جيش النظام حين كنا مطاردين في الحقول. لحظات كادت تخرج الروح من مكانها، قوات النظام لم تستطع أن تبعدنا عن الضيعة، كنا نتوارى بين قرى ريف إدلب الجنوبي، نعود للقرية لننظم المظاهرات، وسرعان ما نهرب مجدداً”.
ويضيف: “حتى بعد اغتيال رائد وحمود جنيد، وملاحقتي من قبل تحرير الشام، بقيت متخفياً فيها لكني كنت مطمئناً، فأنا ما زلت داخل سوريا ويمكننا أن نعيد التظاهرات وأرسم اللوحات وفاءً لرائد. لكني اليوم أفر هارباً لا أحمل معي سوى حقيبة الكتف وفيها مئات اللوحات التي كتبتها ورسمتها بخط يدي في جهازي المحمول”.
استقر الرحال بأحمد في تركيا، قرب الشريط الحدودي، يعود اليوم لمهنته كمخبري للأسنان. استطاع إنقاذ عشرات لوحات ولافتات كفرنبل من قبضة “تحرير الشام” التي حكمت عليه وعلى ثورة كفرنبل بالسجن في “عقاب”، أحد أسوأ سجون الهيئة وأكثرها فظاعة، كما حكمت من قبل على المحامي ياسر السليم وسامر السلوم ورفاق درب التظاهرات الأولى في المدينة.
تحدث جلل لـ”المدن” عن لحظة ولادة لوحات كفرنبل في شهر أيلول / سبتمبر من العام 2011. يقول: “اللافتات باللغتين العربية والإنكليزية أصبحت ضرورة في كل تظاهرة، كان رائد والخطاط ياسر الموسى يخطان اللافتات، كنت أساعدهم بكتابة لوحات كرتونية بخطي المتموج غير الجيد وكانت اللوحات التي أكتبها ممهورة بعنوان كفرنبل المحتلة، هي تلك اللوحات المميزة بوجود اللونين الأحمر والأسود، لم نكن نهتم لتأريخ اللوحات حينها، فالنظام آيل للسقوط. في شهر سبتمبر من العام الأول للثورة كنا ما نزال في الخيام على مشارف المدينة، يومها كتبت اللافتة، لكني رأيت رسماً كاريكاتورياً في هاتف أحد المتظاهرين، عملت على نقله على إحدى قطع الكرتون المخصصة للكتابة، وكانت تلك أولى لوحة ترفع في التظاهرات رغم عدم تناسق الألوان، كانت حدثاً جديداً في تظاهرات البساتين، وأصبحت اللوحة واللافتة عنواناً لتظاهرات كفرنبل. بعدها عملت على تطويرها لوجود الموهبة لدي، وطورت الرسومات بعد عدة تظاهرات وأضفت اليها الألوان المائية”.
من يذكر كفرنبل وتظاهراتها لا يذكر سوى رائد الفارس ولا يعرف سواه، لكن من زار اتحاد مكاتب الثورة أو ما يسمى بـ “المقر”، ذلك المكان الواقع شمال شرق المدينة، تعرّف على الشهيدين خالد العيسى وحمود جنيد وعلى عبد الله السلوم وغيرهم من مبدعي تظاهرات كفرنبل. كان أحمد بعيداً عن “المقر”، يواظب على العمل في مختبر الأسنان الذي افتتحه في المدينة قبيل انطلاقة شرارة الثورة السورية بشهر واحد، وسرعان ما هجره مع دخول الجيش للمدينة، ثم عاد إليه بعد التحرير في شهر آب / أغسطس من العام 2012، في الوقت ذاته هو قريب من رائد، يتبادلون الأفكار حول الجمعة القادمة ورسوماتها ولوحاتها ولافتاتها.
يرى أحمد جلل أن لا ضرورة لظهوره الإعلامي مع وجود رائد الفارس. “لم أكن معروفاً خارج كفرنبل لأني لا أحب الظهور، ولأن للمدينة واجهة هي المظاهرة، في المظاهرة لوحات ولافتات، مهندس هذه التظاهرات وواضع الأفكار لها رائد، هو أكبر من كفرنبل، كان رائد مشروعنا الذي آمنا به ووهبناه كل طاقتنا، لم نكن نعتقد أنه سيموت في يوم من الأيام، لأن موته يعني موت المدينة التي لم تكن تعرف قبل الثورة إلا بكثافة المتطوعين من أبنائها في سلك الشرطة وتخصصهم في قسم المرور، أو مجاورتها لـ “آثار البارة” وموقع “شنشراح” الأثري”.
ويضيف: “حين تعرض للاغتيال للمرة الأولى، كنا نعرف أننا في خطر وأننا في حرب باردة مع الفصائل المتشددة، وحتى لا نخسر التظاهرات كنا نقسو عليهم في مظاهرة، ونتجنب ذكرهم في أخرى، ليس لأننا نخشاهم، بل لخشيتنا على مشاريع الثورة التي خرجت من كفرنبل كمجلة المنطرة وراديو فرش ولخشيتنا على رائد”.
اغتيال رائد الفارس وحمود جنيد أخرج أحمد جلل عن صمته، وكان سبباً في خروجه من سوريا. بدأت كتاباته في صفحته في فايسبوك تشير بأصابع الاتهام نحو تحرير الشام. حتى بعد مقتل رائد وظن الناس أن التظاهرات قد ماتت بموته، عاد أحمد الى كتابة اللوحات ورسمها في آخر تظاهرة رسمية تحمل طابع كفرنبل الفريد، وطويت الصفحة على آخر لوحة خطها ووقعها بعنوان “من كفرنبل”، كتب فيها “إلى مخلفات القاعدة.. آن أن تنصرفوا”.
المدن