شعر

مختارات من شعر بابلو نيرودا الى العربية

ترجمة: بول شاوول

عشرون قصيدة حب

I

إنه الصباح المليء بالعاصفة

في قلب الصيف.

مناديل بيض للوداع، الغيوم تجنح

والريح يدفعها بيديه المسافرتين.

قلب الريح لا يحصى، ويخبط

حبنا الصمت.

أوركسترالي وإلهي، يهمهم في الشجر

كلغة مفعمة بالحروب والأناشيد.

الريح لص سريع يخطف الشجر

ويحرف سهمه الهادر للطيور

يقلبها في موجة بلا زبد

مادة أصبحت بلا وزن، نيران تنحني.

إناء قبل غارق ومكسور

يهزمه للتو ريح الصيف عند الباب.

II

إنها النحلة البيضاء، السكرى بالعسل، التي

تطن في نفسي، تنكسرين في لوالب بطيئة

من الدخان.

أنا اليائس، الكلمة بلا صدى.

الذي حصل على كل شيء وفقد كل شيء.

الملجأ الأخير، فيك يحطم قلقي الأخير.

أنت في صحرائي الوردة الأخيرة.

آه! أيتها الصامتة!

اغمضي عينيك العميقتين. فالليل يجنح فيهما.

آه! عري جسدك من التمثال الخائن.

تمتلكين عينين عميقتين تصطفق فيهما أجنحة الليل.

وأذرع طرية للزهر وحضن ورد.

ونهدين شبيهين ببزاقات بيضاء.

فراشة ليلية تحط على بطنك.

آه! أيتها الصامتة!

ها هي الوحدة وأنت غائبة عنها.

تمطر. ريح البحر يطرد بجعاً تائهاً.

الماء يمشي بخطى غاربة في الدروب المبللة.

وورقة الشجرة تئن كمريض…

أيتها النحلة البيضاء الغائبة، في همهماتك تدم.

تنبعثين في الزمن، نحيلة وصامتة!

آه، أيتها الصامتة.

من “عشرون قصيدة حب

سأشرح لكم

سأشرح لكم: عندما كنت أعيش في المدينة،

كان شارعي يحمل اسم كابتن

وكان لهذا الشارع جموعه،

حانات الشرب، أسواق بيع الأحذية

محاله المليئة بالمجوهرات.

ما كان يمكن التجول

من شدة ما كان الناس عجولين،

الناس الذين يأكلون، يبصقون،

يتنفسون،

يشترون ويبيعون ملابس.

كل شيء كان يبدو لي مضيئاً،

كل شيء كان يلتهب

ولم يكن سوى رنين

كأن من أجل أبهارنا أو إدهاشنا

مضى زمان ولم أسمع شيئاً عن

هذا الشارع، نعم زمان طويل طويل

غيرت أسلوب حياتي، أعيش بين الحجارة

والمياه المتحركة.

الشارع الذي أتكلم عنه قد يكون مات

ميتة طبيعية.

من “البحر والأجراس”

I

إذا كنت مت من دون أن أعرف

فمن سأسأل عن الوقت؟

أي إذا في فرنسا، يستنفد

الربيع كثيراً وكثيراً من الأوراق؟

حيث يستطيع أعمى أن يعيش

يطارده طيران النحل؟

إذا اختفى الأصغر يوماً ما

فبم سنصنع الخبز؟

II

ماذا تخبئ هنا تحت حدبتك؟

قال الجمل للسلحفاة.

أجابته السلحفاة:

وأنت ماذا تقول لأشجار البرتقال؟

أيكون لشجرة الاجاص من الأوراق

أكثر من “بحثا عن الزمن الضائع؟”

لماذا إذن تحس الأوراق

باصفرارها تنتحر؟

III

سلام الحماقة أهو سلام؟

أيضع الفهد الحرب؟

لماذا يدرس المعلم

جغرافية الموت؟

ماذا يحدث للسنونوات

التي تعد متأخرة الى المدرسة؟

أصحيح أنها توزع عبر السماء

رسائل شفافة؟

من “كتاب الأسئلة

مئة قصيدة حب

أيتها المرآة الكلية: تفاحة اللمم، نار القمر

عطر المحار الكثيف، قطعة ضوء مطروقة،

أي ضوء معتم ينفتح بين عموديك؟

وأي ليل عتيق يلامس حواس الانسان؟

الحب سفر، بكل أسف! من الماء والنجوم،

من الهواء المختنق، من عاصفة طحين مفاجئة:

الحب سفر ومعركة من البروق

وجسدان ضللهما عسل واحد.

أعبر بالقبل لامتناصيك الصغير

أنهارك، ضفافك ذات القرى الصغيرة

والنار الحسية وقد تحولت متعاً

ها هي تجري بدروب ضيقة من الدم

لتسرع كقرنفلة ليلية

وتصبح في الليل مجرد شعاع.

II

أنا لا أحبك كوردة من ملح

الزبرجد.. قرنفل نشاب ينشر النار:

كما نحب بعض الأشياء الغامضة

إنما بين الظل والنفس، سراً أحبك

أحبك كالنبتة التي لا تزهر

التي تحمل في ذاتها، خبيئاً، ضوء هذه الأزهار،

وبفضل حبك يعيش غامضاً في جسمي

العطر المهموم الذي يفوح من الأرض.

أحبك ولا أعرف كيف ولا متى ولا أين،

أحبك بلا مواربة، بلا كبرياء، بلا مشاكل:

أحبك هكذا، ولا أعرف طريقة أخرى للحب،

أحبك هكذا، بدون أن أكون، بدون أن تكوني،

قريباً لدرجة ان يدك على صدري هي يدي

وقريباً لدرجة أن عينيك

تغمضان حين أنام.

من “مئة قصيدة حب”

حجارة السماء

بحثت عن قطرة ماء

عسل، دم: تحول

كل شيء حجارة

دمعاً أو مطراً، الماء

يجري دائماً في الحجارة:

دماً أو عسلاً أخذا طريقهما

إلى عميق

النهر يقطع

ضوءه السائل

النبيذ

يسقط في الكأس

ناره الهادئة تشتعل

في كأس الأرض:

الزمن يجري

كنهر مقطع

يواطئ أمواتاً مهيبين،

أشجاراً تجردت

من حفيفها، كل شيء يمشي نحو الصلابة:

الغبار، الخريف، يمضيان

والكتب والأوراق

الماء: وعندها سنرى شمس الحجارة تلمع

على كل الحجارة.

من “حجارة السماء”

سأعود

في يوم ما ـ أيها المسافر ـ رجلاً كنت أم امرأة ـ

فيها بعد، عندما لا أعود حياً،

أبحث، أبحث عني

بين الحجارة والمحيط،

في ضوء الزبد

العاصف..

ابحث هنا، ابحث عني

لأنني سأعود الى هناك من دون أن أقول شيئاً،

بلا صوت، بلا فم، صافياً

سأعود الى هنا وأكون حركة

الماء، قلبه

المتوحش،

وسأكون هنا تائهاً ومستعاداً

هنا قد أكون حجارة وصمتاً.

من “حجارة تشيلي”

ما من نسيان

إن سألتموني أين كنت

فعلي أن أقول “يحدث أن”

على أن أتكلم عن الأرض التي تسودها الحجارة،

عن الفن الذي يتدمر وهو يطول:

لا أعرف ما إذا كانت الأشياء هي التي تفقدها العصافير،

البحر متروكاً في الخلف، أو أختي التي تبكي

لمَ مد هذه المناطق؟ لم ينضم يوم

إلى يوم؟ لمَ ليل أسود

يتكدس في الفم؟ لمَ الموتى؟

ان سألتموني من أين أجيء، فعلي أن أتكلم

مع الأشياء المكسورة

مع الأواني الشديدة المرارة،

مع الوحوش المنتنة غالباً

ومع قلبي المعذب

ليست الذكريات هي التي تلاقت

ولا الحماقة المصفرة التي تنام في النسيان

وإنما وجوه بدموع

أصابع في الحنجرة،

وما يتساقط من الأوراق:

عتمة يوم مضى،

يوم تغذى بدمنا الحزين.

ها البنفسجات، الحمامات،

كل ما نحب ويظن

على بطاقات على ذنب طويل

حيث يتنزه الزمن والألم.

لكن لا تدخلن أبعد من الأسنان،

لا مغضن الجذوع التي قد يكدسها الصمت،

لأني لا أملك جواباً:

هناك كثير من الموتى،

كثير من المرميين الذين تخترقهم الشمس،

كثير من الرؤوس التي تضربها المراكب،

كثير من الأيدي التي حبست قبلات

كثير من الأشياء التي أريد نسيانها.

من “الاقامة في الارض”

فلينهض الحطّاب

I

إذا سلمت حشودك يا أميركا الشمالية

لتدمير هذه الحدود النقية،

والاتيان بجلاد شيكاغو

ليحكم الموسيقى والنظام

الذي نحب

سنخرج من الحجارة والهواء

لننهشك،

سنخرج من النافذة الأخيرة

لنسكب عليك النار

سنخرج من الأمواج الأعمق

لنسمرك بالشوك

سنخرج من الأثلام لكي نضرب

الموسم كقبضة كولومبية،

سنخرج لكي نمنع عنك الخبز والماء

سنخرج لنحرقك في الجحيم.

من “النشيد العام”

قصيدة الى التفاحة

أيتها التفاحة، أريد

أن أحتفل بك

بملء

فمي

باسمك

وأنا آكلك.

دائماً

أنت جديدة كما لا شيء

كما لا أحد

دائماً

من قدك

من الفردوس:

مليئة

نقية

خد مفعل

بالفجر.

كم تكون

على غير راحة

تلك التي تقارن

بك

العنب

الخلوي

المانغا

المعتمة

الإجاص العظمي.

التين

البحري:

أنت تفاحة خالصة

خبز مُطيّب

جبنة

النبات

عندما نقضم

في براءاتك المستديرة

من جديد

وللحظة

نحن أطفال مولودون:

ما زال عندنا شيء من التفاحة.

أريد تدفقاً

شاملاً، تكاثر

سلالتك

أريد

مدينة

جمهورية

نهر ميسسيبي

من التفاح

وعلى ضفافك

أريد أن أرى

سكان

الأرض

موحدين، موحدين من جديد

الفعل الأبسط على الأرض:

قضم تفاحة.

من “كتاب القصائد الثالث”

سيف اللهب

I

رودو المحارب كان قد هاجر

من عمق الرمال اللامتناهية للصحراء الكبرى:

كان عاش عصر الرماح الخضر، صاعقة

الخيول، اتجاه البرق.

الرعب جعل من الدم رايته

الموت غطّاه بجداره كما

يغطي الليل الأرض

عندها قرر أن ينذر نفسه للصمت،

الى الغور المجهول،

وبحث عن أرض لمملكة جديدة،

بحث عن مياه ليغسل بها الدم.

حيث تنتهي التشيلي ينكسر الكوكب:

البحر والنار، علم الأمواج،

صدمات البركان، مطرقة الريح،

العاصفة القاسية جداً وغضبها الحاسم

قطعا الأرض والمياه: جزر من فوسفور

كبرت، نجوم خضر، أقنية مدعوة،

عناقيد غابات، استعراضات صاخبة

ففي هذا العالم ذي العطر البارد.

أسس رودو مملكته.

الريح في الجزيرة

أصغي لريح حصان:

كم يجري

عبر البحر والسماء.

ولكي يأخذني: أصغي

كم يعبر العالم

ليأخذني الى البعيد.

خبئيني في ذراعك،

هذه الليلة المستوحدة،

بينما يجرح المطر،

في البحر، في الأرض،

بلا عدد، فمه.

اسمعي كم تدعوني

الريح وهي تجري

لتأخذني الى البعيد.

جبينك على جبيني،

فمك على فمي،

جسدانا مقلعان

نحو الحب الذي يلهبنا،

دعي الريح تمر، فلا تحملني.

دعي الريح تبحر متوجة بالزبد

فلينادني ويبحث عني

جارياً نحو العتمة

بينما أنا غارق في عمق

عينيك الكبيرتين

هذه الليلة المستوحدة،

يرتاح الحب.

من “أشعار الكابتن”

مرثاة

I

ماذا فقدنا، أنا وأنتم

عندما سقط ناظم حكمت كبرج

كما ينهار برج أزرق؟

يبدو لي أحياناً

أن الشمس ذهبت معه الذي كان النهار،

نعم، كان ناظم حكمت نهاراً ذهبياً

يؤدي واجبه أن يولد من جديد كل فجر

برغم القيود والعقوبات

وداعاً، أيها الرفيق المضيء،

سافيتش الحلوة بين سانت باسيل

وبيوت المطار الجديدة،

أو في حي أربات سري أيضاً

متذوقاً نبيذي التشيلي، يسكبه

في جلد الصنبورة للفته

سافيتش، معك ضاعت

النحلة الذهبية

التي خلقت هنا عسل خليتي

يا صديقي العذب، يا رفيقي الشفاف.

II

آه! كثير من الدماء هنا! كثير من الحروب!

وكثير من الرعب! وكثير من العذوبة

ما الذي توآخيه، الأنهر؟ ثلجاً ودماً

المدن، ماذا كانت؟

رماداً ودخاناً. لا شيء آخر.

مع هذا، ثمن حطامها

يقذف الرشاش

يري الأبطال بروقهم.

سيف اللهب

1

رودو المحارب كان قد هاجر

من عمق الرمال اللامتناهية للصحراء الكبرى

كان عاش عصر الرماح الخضر،صاعقة

الخيول ،اتجاه البرق

الرعب جعل من الدم رايته

الموت غطاه بجداره كما

يغطى الليل الارض

عندها قرر ان ينذر نفسه للصمت

الى الغور المجهول

وبحث عن ارض لمملكة جديدة

بحث عن مياه زرق ليغسل بها الدم

حيث تنتهى التشيلى ينكسر الكوكب

البحر والنار، علم الامواج

صدمات البركان ،مطرقة الريح

العاصفة القاسية جدا وغضبها الحاسم

قطعا الارض والمياه ..جزرمن فسفور

كبرت ، نجوم خضر ، أقنية مدعوة

عناقيد غابات ، استغراضات صاخبة

ففى هذا العالم ذى العطر البارد

أسس رودو مملكته

2

آه يا رفيقى ! قال سيد الغابات

لماذا نعرف أننا عاريان؟

كل الثمار كانت ملكنا

عندما علمت البراكين السبعة

إننى لا استطيع العيش من دون عينيك

وإننى بلا جسدك احتضر

وإننى اشعر بالضياع فى حضورك

والآن القلعة بلا جدران

شلالات الملح ، قمر السرو

الغابة ، الجذور الغضوب ، صمت

الجذوع الضخمة المنجمة ، العزلة الفارغة

تلك التى سعيت اليها ، وعليها ، المملكة العاصفة

المرة، المؤسسة من الشمس والمطر

وتماثيل الماضى الميتة

وحفيف الريح بين منحل الشجرة

الكثافة التى يخترقها غناء شيكو

كضحكة، كنشيج ،هبوب أو هروب

وثلوج جبال رالون ، حيث يبدأ

الأرخبيل الرهيب واجراسه الصقيع

آه يا رفيقى ، حوائى – الوردة ، وردتى – الزهرة-

تتركنى بما اننا نعرف

إنها غابة شجرة الحياة ، عنقود

كل نبات ، تقل الثمرة البرية

غذيانا فجأة ،بقينا عاريين

عاريين حتى الموت حبا، الموت ألما

3

ماذا جرى على الارض؟

هذا الرجل اكان الأخير أم الاول؟

وفى منطقة من الشقاء والسعادة

ولم تأسيس الانسانية من جديد؟

لماذا كانت تقفز الشمس من غصن الى غصن

الى درجة تأخذ فيها حنجرة عصفور لكى تغنى ؟

ماذا عسانى افعل ؟ قالت الريح

لم تحولت ذهبا ؟

قال القمح ، نعم ،ما نفع الوصول

الى الخبز اذا لم يعد ثمة أيد ولا أفواه

الفراغ الأرضى ينتظر

خارج الأنسان أو داخله

كل الحروب قتلتنا حتى آخر واحد فينا

لم ينج أبدا أى حى

منذ الحرب الاولى

بالحجر ،وبعدها

بالسكين وبالنار

لم ينجح احد

أراد الموت ان يكرر عنصره

بإختراع بشر جدد مخادعين

بشر ، يبدأون ألآن بالإثم

بالتقاتل – ويقتلنا

قابيل وهابيل غالبا ما سقطا

قتلا مليون مرة

مليون قد وبلوى

قتلا بالمسدس والخنجر

بالسم والقنبلة

أخذا بالجريمة ذاتها

وفى كل مرة كانا ينثران كل دمهما

لا احد كان يستطيع أن يعيش

لأن المقتول كان مذنبا

لكون أخيه هو القاتل

وأن القاتل قد مات

مات هذا المحارب الأول

لأنه قتل أخاه

4

رودو ، مخلفا وراءه ما يسمى ماضيا

كف عن أن يكون شريكا فى الجريمة ، جريمة

شريكا فى ما أرتكب أم لم يرتكب ، شريك

الآخرين ، كل الآخرين

وعندما رأى نفسه مضرجا بالدم

الدم البعيد أو القديم أو الحاضر أو الآتى

كاسروا الزمن ، وصل الى قدره

صار من جديد الإنسان الأول من جديد وحيدا

ما عاد احد يريده هذه المرة

الشوارع المظلمة تنبذه

القصور الفارغة

لم يعد فى وسعه الدخول الى المدن لأن الجميع هجرها

لم يعد احد فى حاجة اليه ، كلا لا أحد ، لا أحد

لم يعد يعرف كثيرا ان كان ما يتبقى

فى الافران طحينا أم رمادا

ان كان ما يتبقى سمكا أم أفاعى

فى السوق بعد ذلك الحريق

وإذا ما كانت الهياكل العظيمة المنسية فى الحفرة

مجرد فحم أو جنود مفحمة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى