أيادٍ نحيلة لكن ممتنّة/ باولو فاليزيو
تحجيب
الثلج على أبواب روما:
على هذه
التلال المريمية خمارٌ
بالغ الخِفّة
لا يرمي سوى للعكس: أن يُذكّرنا
أنّ الحياة الكامنة يُمكن أن تكون
دوماً وأبداً مُتّقدة.
■ ■ ■
مُغريات
(إلى ستيفان مالارمي)
“أخاف الموت نائماً بمفردي”
يبدو اليوم أمراً غير مفهوم
لناسك المدينة.
الموت دوماً مشتبَه به أملس،
أكان السرير مشتركاً أو مفرداً.
(“السرير وردة:
لا تنام، بل ترتاح”).
ولكن في هذه المرحلة من الحياة
النوم بجانب الآخرين
أمر أشبه بطِباق –
النوم بمفردنا: بصيغة الجمع الوهمية
مظلّة الزوجين –
أقرب لتجديف.
إنه بعزقة، حشد
محموم ومُهلهل
يمكن أن يُهزم بالقاضية.
مختلف،
هو السَّفر ليلاً في السرير
بالفعل وحيداً منقبضاً:
الذات تجمع طاقاتها
من مبدأ تفرّدها .
■ ■ ■
صائت
الخيط (الذي سيغدو قريباً
حبلاً قوياً)
من الصوت يحدّد
في جسد المغنّية غير المرئية
استمرارية خلّابة:
من مثلّث الجنس الغامض
للقمّة الشاهقة
الشفوية ـ الرنانة.
هذا التدفُّق الصوتي هو شلّال
يتحدّى الطبيعة متّسعاً
من الأسفل إلى الأعلى: من المغارة
كوكب الزهرة في دائرة الارتفاع.
كأفعى مسحورة يتمّ تحريرها.
■ ■ ■
ما هو أبعد
بمجرّد وقوعه
ثقيلاً رخواً، الستار –
المخمليّ
المثنيّ –
للصمت،
من أحد الأسوار الخفيضة تأخذ
الكلاب في النباح
على نحو مفزع. أمّا هو فيحاول
أن يُسمِع أفكاره
إلى ما هو أبعد من سور
ذلك النباح.
■ ■ ■
الإناء
طيور النورس عند غروب الشمس على الشاطئ،
تصطاد كائنات صغيرة
تسحبها الموجة وتتراجع
على الشريط الرطب الداكن
بين رمال جافّة وبحر،
تنشر أجنحتها مبحرةً
على أطراف الهواء، بالتوازي
مع خط الزبد.
بمجرّد تحديده
رأساً نحو الكائن،
وجهاً لوجه مع موضوعها؛
لا تشكّ في الوجهة،
في الوجه، في الرغبة.
الآن بدأت بالإبحار
بجوار الكائنات،
ذات إلى جانب ذوات
(ولكن سفينة الأنا
تنسكب بلطف
وتصبح إناء ضيافة)،
ومن هناك ترمي بسهامها إلى السماء:
صلوات
لسعادة متّصلة
مستقلّة ومنفصلة،
جواهر سليمة.
■ ■ ■
الرقصة القديمة
بالرومي، بالراقص الشاعر
هو معجب
لكنه غير قادر على الارتقاء إلى نشوته.
هو مقلِّد مجهول يجترّ الكلمات
ثقيلاً على الأرض.
لكن حتى على الأرض تمتدّ له
الحنونة الناعمة
اليد الخفيفة.
■ ■ ■
تذكرة لشاعر
“كلّ حرب هي حرب أهلية”،
كتب
شاعرٌ في رواية.
وأضاف قارئ في نفسه:
“كلّ نصر
هو نصر باهظ”.
والآن سباق السنين
يسمح له بإضافة:
“كلّ هزيمة يُدفع ثمنها في الحاضر،
وفي المستقبل يُحسم ثمن كل نصر”.
■ ■ ■
صداقات
هو يعيش صداقاته كالبرق:
بمعنى أنها تأتي من فوق.
فيه يمكن أن يميّز
شرارات نِعمة
نحوها تُمتد
أيادٍ نحيلة لكن ممتنّة.
■ ■ ■
القلب ـ البحيرة
وبقيت في بحيرة القلب
(الجحيم، الفصل الأول، 19)
جاءت من الشرق إلى الغرب
أم أنها كانت دوماً موجودة
متجذّرة في الماء
فكرة أنّ البحيرة قَلْب؟
ولكن ما يهمّ هو أن نفهم:
قلب من؟ ماذا؟
يفكّر السائر ويتدبّر.
بالتأكيد، كلّ بحيرة هي قلبُ ذاتِها.
لكن المتأمّل يشعر
أنّ ذلك ليس كافياً؛ عليه هو أن يقرّر
إن كان القلب الموجود داخل الصدر
يتمتّع (إلى متى، وبعد) بدقّات يحوزها
ضمن قانونه – أو.
عسى أن يجد كلُّ قلب نفسه داخل بحيرة
(كما في إحدى أساطير جبال الدولوميت):
القلب والبحيرة كلاهما حوض
ينسكب إلى الأعلى.
■ ■ ■
كلُّ باب موصد يشبه باباً مفتوحاً
كلّ باب موصد يشبه باباً مفتوحاً
حين يكون في الليل مجرّد
صندوق شاحب.
مَن في صحوته المفاجئة،
يقف في مواجهته
بروح من التأمّل
والاهتمام الخالص
ينجح أحياناً
في المرور عبره.
* Paolo Valesio شاعر وكاتب وناقد إيطالي من مواليد 1939 في بولونيا، وهي مدينة في الشمال الإيطالي. درّس الأدب الإيطالي في جامعات هارفارد، ونيويورك، وييل، قبل أن يختتم حياته الأكاديمية في جامعة كولومبيا الأميركية. وضع بالاشتراك مع اللساني لويجي هيلمان النسخة العاشرة لمعجم المفردات الإيطالية Zingarelli. صدرت له عشرات المؤلّفات في النقد الأدبي والشعر والرواية والقصة القصيرة، من آخرها أنطولوجيا شعرية بعنوان “مستكشفات منفردات” التي حازت على جائزة Rhegium Julii الإيطالية المرموقة. كُرّم مؤخّراً عن مجمل أعماله في مهرجان Ritratti di Poesia الشعري بروما.
** ترجمة عن الإيطالية أمل بوشارب، والقصائد من مجموعة الشاعر “مستكشفات منفردات”، منشورات رافاييللي، 2018.
العربي الجديد