مختارات شعرية لـ فيسوافا شيمبورسكا
Wisława Szymborska
الروح
لا تتواجد الروح إلا أحيانًا
لا أحد يملكها دائمًا، بلا انقطاع.
بدونها،
يمكن أن يمر اليوم بعد اليوم،
السنة بعد السنة.
أحيانًا، فقط
تعشش لفترة أطول،
في الدهشات ومخاوف الطفولة
أحيانًا، فقط في استغرابنا
من كوننا كبارًا في السن.
نادرًا ما تؤازرنا
في أعمالنا الرتيبة
كتغيير أماكن الأثاث
وحمل الحقائب
أو ذرع الطريق بحذاء ضيق.
في لحظة ملء الاستمارة
وتقطيع اللحم،
ينتهي يوم عملها.
في آلاف الأحاديث،
تشارك في واحد،
وهذا ليس قطعيًا
لأنها تفضل الصمت.
حين تبدأ أجسادنا بالتألم والتألم
تنسل خارجة من مناوبتها.
صعبة الإرضاء:
بنفور ترمقنا في الزحام،
يقززها صراعنا لأجل أي تفوق
وأية مصالح مهزوزة.
السعادة والحزن
ليسا شعورين منفصلين بالنسبة لها،
في اتحادهما فقط،
تكون موجودة إلى جانبنا.
يمكننا الاعتماد عليها
عندما لا نكون متأكدين من أي شيء
ويثير فضولنا كل شيء.
من الأشياء المادية
تحب ساعات البندول
والمرايا، التي تعمل بحماس،
حتى عندما لا ينظر فيها أحد.
لا تقول من أين أتت
ومتى سنفقدها من جديد،
ولكن من الواضح أنها تنتظر هكذا سؤال.
ما يبدو من الأمر هو
أننا وهي نحتاج بعضنا البعض
من أجل شيء ما.
••••••••••
إلى قصيدتي الخاصة
Do własnego wiersza
في أحسن الأحوال
ستُقْرَئين بعناية،
سَيُعَلّقُ عليك وتُحْفَظين
في أسوأ الأحوال
سَتُقْرَئينَ فقط
الاحتمالُ الثالث-
ستُكتَبينَ في الواقع
لكنْ بعدَ ذلك سَتُرْمين إلى سلة المهملات
ما زال لديك احتمالٌ رابعٌ للاستفادة منه-
أنْ تَختفي دون أن تُكْتَبِي،
وأنتِ تُتَمْتِمينَ لنفسك بارْتِياح.
ترجمة: هاتف جنابي
••••••••••
كلّ واحد ذات يوم
Każdemu kiedyś
كل واحد ذات يوم يموت له قريبٌ ما،
بين أنْ يكونَ أو لا يكون
عليه أن يختار الخيارَ الثاني.
يصعبُ علينا الاعترافُ بهذه الحقيقة المبتذلة،
الداخلة في مسيرة الأحداث،
طبقا إلى الإجراءات؛
عاجلا أم آجلا على جدول الأعمال،
مساء، ليلا أو في صباح يوم شاحب؛
وهو حقيقي ككلمةٍ في الدليل،
كبندٍ في القانون،
كتاريخ في بداية
التقويم.
لكن هذا هو يمينُ ويسار الطبيعة.
هذي هي عشوائيةُ فألِها وآمِينها.
هذا هو سجلها وقدرتها الكلية.
وأحيانا فقط،
إحدى مجاملاتها الصغيرة-
تُلقي بأقربائنا الموتى
إلى الحلم.
ترجمة: هاتف جنابي
••••••••••
هناك مِن الذين
Są tacy, którzy
هناك مَنْ يُؤدون حياتَهم بكفاءة
لديهم نظامٌ داخلَهم وحولهم
لكل شيءٍ طريقةٌ وإجابةٌ صائبة
يُخمّنون حالا، مَنْ هذا وذاك، مَنْ ومَع،
بأيّ هدفٍ، وفي أيّ اتجاه.
يختمون على الحقائق الوحيدة
يرمون الوقائع غير الضرورية لآلة التقطيع،
والأشخاصَ غيرَ المعروفين
إلى الأضابير المخصصة لهم سلفا.
يفكرون بحجم ما يهمهم
دونَ أيةِ لحظةٍ أطول
لأنّ وراء هذه اللحظة يقبع الشك.
وحينما يُسَرَّحونَ من الوجود
يُغادرون الموقعَ
من أبوابٍ محددة.
أحسدهم أحيانا
-لحسنِ الحظ أن هذا سيَزُول.
* من آخر ديوان للشاعرة بعنوان “يكفي”، كراكوف، 2012
ترجمة: هاتف جنابي
Translated by Hatif Janabi
••••••••••
.
قصائد مختارة / فيسوافا شيمبورسكا
|ترجمة: هاتف الجنابي|
.
السماء
من هنا كان ينبغي البدء: من السماء
نافذة بلا عتبة، بلا إطار، بلا زجاج.
فتحة ولا شيء سواها،
غير أنها مشرعة على اتساعها.
لستُ مضطرةً لأنْ أنتظر ليلة رائقة،
ولا أنْ أمدّ رأسي إلى أعلى
كي أُبصِرَ السماء.
السماء خلف ظهري، تحت يديّ وفوق الجفون.
السماء تلفّني بإحكام
وترفعني من الأسفل.
حتى أعلى الجبال
هي ليست أقرب إلى السماء
من الوديان السحيقة.
ليست هي في مكان أكثر
منها في آخر.
الغيمةُ على حدّ سواء بلا رحمة
مطوحّة كقبر في السماء.
الخُلد على حدّ سواء مرفوع
مثل بومة متمايلة بجناحيها.
الشيء الذي يسقط في الهاوية،
يسقط من السماء إلى السماء.
مذرورة، سيّالة، صخرية،
مضطرمة ومتطايرة
رُقَعُ السماء، دقائقُ السماء،
نفثاتُ السماء، وكِدَسُها.
السماءُ كليةُ الحضور
حتى في العتمة تحت الجلد.
آكلُ سماءً، أُفْرغُ سماء.
أنا شرَكٌ في شرك،
ساكنٌ مسكون،
احتضانٌ محضون،
سؤالٌ في جواب على سؤال.
القسمةُ على أرض وسماء
ليست طريقة مناسبة
للتفكير بهذا الكل.
هي تسمح لي أنْ أعيشَ وحسب
بعنوان أكثر دقة،
أسرعَ على العثور عليه،
فيما لو كنتُ مطلوبة.
علاماتي الفارقة
الجذلُ واليأس.
(من ديوان “النهاية والبداية”(1993).)
••••••••••
لا شيء يحدث مرتين
لا شيء يحدث مرتين
ولن يحدث. لهذا السبب
ولدنا بدون مهارة
وسنموت بدون ممارسة.
حتى لو كنا التلاميذ
الأكثر بلادة في مدرسة العالم,
فلنْ نُعيدَ درسَ
أيّ شتاء، ولا أيّ صيف.
ما من يوم سيُكرّر نفسَه
لا توجد ليلتان متماثلتان
ولا قبلتان متساويتان
ولا نظرتان في الأعين متطابقتان.
أمس، حينما اسمك
ردّده أحدٌ على مسمعي
شعرتُ كما لو أنّ وردة
قُذفتْ في غرفتي من نافذة مشرعة.
اليومَ ونحن معًا,
أدرتُ وجهي للحائط.
الوردةُ ؟ كيف تبدو الوردة ؟
هل هي زهر؟ أو ربما حجر؟
لماذا أنت أيتها الساعة السيئة
تضطربين بحذر لا داعيَ له؟
أنت موجودة- إذن ينبغي أن تنقضي.
ستنقضين- وهذا شيء جميل.
مبتسمين, نصف متعانقين
نحاول البحث عن الوئام,
رغم كوننا مختلفين عن بعضنا
كقطرتين من الماء الزلال.
••••••••••
علانية
هذانِ نحن، عاشقان عاريان
جميلان لأنفسنا -وهذا كثير-
بأوراق الأجفان مُتدثران
مستلقيان في عمق الليل.
لكنها تعرفنا بلى تعرفنا
هذه الزوايا الأربع والمدفئةُ الخامسة،
الظلانِ المفترضان الجالسانِ على الكرسيين،
والمنضدةُ التي تستغرق في صمتها ذي المغزى.
ويعرف القدحان لماذا بقايا
الشايِ تبرد في القاع
أما السّقفُ فلا رجاء له
إذْ لا أحد الليلةَ يقرأه.
والطيورُ؟ لا تُعَوّلْ أبدا على الأوهام:
أمسِ رأيتُ كيف كانتْ فوق السماء
تخطُّ بوقاحةٍ ووضوح
هذا الاسمَ الذي أُناديك به.
والأشجارُ؟ قلْ لي ماذا يعني
همسُها الذي لا يكلّ؟
تقول: ربما الريحُ بمعرفتها تمنّ
وإلا فمنْ أين لها أنْ تعرف الريحُ عنا؟
دخلتْ فراشةٌ ليليةٌ عبر النافذة
وراحتْ ذهابا وإياباً
بجناحيها الأزغبينِ تحلّقُ
تحفّ بعزمٍ فوقنا
ربما ترى هي أكثرَ منّا
بحدّةِ النظر الحشريّ؟
أنا لم أحِسَّ أنك خمّنتَ،
أنّ قلبينا ينيران في الظلام.
(من ديوان”نداء ييتي”(1957))
••••••••••
الغياب
كان ينقص القليل
كي تتزوج أمي
السيد زبيغنيف باء من منطقة (زْدونْسْكا فولا).
لو كانت لهما بنتٌ– لما كنتُ أنا هي.
ربما ستكون لها ذاكرة أفضل على تذكر الأسماء والوجوه،
وكل لحن تسمعه مرة واحدة.
ستميز كل طائر بدقة.
ستكون لها درجات عالية في الفيزياء والكيمياء،
غير أنها ستكون أسوأ في اللغة البولندية،
لكنها ستكتب سرًا قصائد أكثر
متعة من قصائدي.
كان ينقص القليل
كي يتزوج أبي في الوقت ذاته
الآنسة يادفيغا راء من مدينة (زاكوبانه).
لو كانت لهما بنت– لما كنتُ أنا هي.
ربما تكون أكثر مني إصرارًا على رأيها.
ستقفز بدون خوف للماء العميق.
وأكثر مرونة للتأثر بالمشاعر الجماعية.
وتُرَى بلا انقطاع في آنٍ واحد في أماكن عدة،
نادرًا أمام كتاب، غالبا في السّاحة،
حيث تركل الكرة مع الأولاد.
ربما ستلتقيان معا
في نفس المدرسة ونفس الصف.
لكنهما لن تكونا زميلتين،
لن تكونا قريبتين،
وفي الصورة الجماعية ستكونان مفترقتين.
يا بنات، قِفْنَ هنا،
-ينادي المصور-
القصيرات في الأمام، وخلفهن الطويلات.
ابتَسِمْنَ جيدًا، عند الإشارة.
لكن تأكدنَ مرة أخرى،
هل الكل حاضرات؟
نعم، أيها السيد، كلنا.
••••••••••
ألف باء
لن أعرف أبدا،
بماذا كان يفكر حولي ألف.
وهل باء سامحتني للنهاية.
لماذا تاء تظاهر بأنّ كل شيء على ما يرام.
وماذا كان دور ثاء في صمت جيم.
ماذا كان يتوقع حاء، إن كان يتوقع.
لماذا تظاهرت خاء، رغم أنها عرفتْ جيدا.
ماذا كان يخفي دال.
ماذا أرادتْ ذال أن تضيف.
هل حقيقة كوني كنتُ بالقرب،
كان له أيّ معنى
بالنسبة لراء، وزاي وبقية الألف باء.
••••••••••
منظور
تقابلا في الطريق مثل غريبين،
دون إشارة أو كلمة،
هي في طريقها للحانوت،
وهو إلى السيارة.
ربما بفزع،
أو ذهول،
أو نسيان،
هما وبوقت قصير
قد أحبّ بعضهما الآخر حتى النهاية.
لا شيء يضمن،
أنهما قد كانا هما.
نعم، ربما من بعيد،
لا من قريب أبدا.
رأيتهما من النافذة،
مَنْ ينظر من الأعلى،
من السهل أنْ يخطئ.
هي غابت وراء الأبواب الزجاجية،
وهو جلس وراء المقود
وانطلق بسرعة.
يعني لم يحدث شيء
حتى لو أنه قد حدث.
وأنا متأكدة مما رأيتُ
عبر لحظة فقط،
أحاول الآن في قصيدة عرضية
أن أقنعكم، أيها القراء،
بأنّ ذلك كان حزينا.
••••••••••
بعد غدٍ – بدوننا
يتوقع أن يكون الصباح باردا وضبابيا.
تأخذ السحب الممطرة بالتجمع
من الغرب.
ستكون الرؤية ضعيفة.
والطرقات زلقة.
تدريجيا سيكون ثمة صحو محليّ
أثناء النهار،
تحت تأثير الضغط العالي من الشمال
لكنه لدى هبوب رياح شديدة متغيرة في عصفها
قد تقع العواصف.
ليلا
سيعم الصحو كلّ البلاد تقريبا،
فقط في الجنوب الشرقي
لا يستبعد سقوط المطر.
ستنخفض الحرارة إلى حدٍّ ما
لكن الضغط سيرتفع.
من المتوقع أن يكون
اليوم التالي مشمسًا،
لكنّ المظلة ستكون
مفيدة لمن سيبقون على قيد الحياة.
••••••••••
دماثة العميان
يقرأ الشاعر قصائده للعميان.
لم يكن يتوقع أن يكون ذلك صعبًا إلى هذا الحد.
يهتز صوته
ترتعشُ يداه.
يشعر أنّ كلّ جملة
ها هنا تمر بامتحان العتمة.
وعليها أن تعتمد على نفسها،
بلا أضواء بلا ألوان.
مغامرة خطرة
للنجوم في شعره،
للفجر، لقوس قزح، للغيوم، للنِّيوناتِ، للقمر،
للسمكة التي ما تزال حتى اللحظة فضية تحت الماء
وللصقر المحلق بلا ضجيج، عاليا في السماء
هو يقرأ –لأنّ الوقت قد فات على عدم قراءته-
حول غلام بقمصلةٍ صفراء في مرج أخضر،
حول سطوح حمراء يمكن عدّها في الوادي،
حول أرقام متحرّكة على قمصان اللاعبين،
وعارية غريبة في فتحة الباب.
أراد أن يتجاهل -رغم أن هذا غير ممكن-
كل القديسين في سقف الكاتدرائية،
وإشارة الوداع من نافذة القطار،
وعدسة الميكروسكوب والإشعاع في الخاتم
والشاشات والمرايا وألبومَ الوجوه.
لكنّ دماثة العميان كبيرة،
كبيرٌ تفهّمهم، ورحابة صدرهم.
هم يصغون، يضحكون ويصفقون.
حتى أنّ أحدهم يدنو
بكتاب مفتوح بالمقلوب
ليطلبَ توقيعا لا مرئيا بالنسبة له.
••••••••••
تمثال إغريقي
بمساعدة الناس وعناصر الطبيعة الأخرى
لم يكن عمل الزمن به سيئا.
في البدء أفقده الأنف، وبعده الجهاز التناسلي،
وفيما بعد الأصابع لدى اليدين وثمة القدمين،
وبمرور السنوات الكتفين، الواحدة تلو الأخرى،
الفخذ اليمنى والفخذَ اليسرى،
الظهرَ والوركين، الرأسَ والرّدفين،
وهذا الذي قد سقط، جزّأه الزمان على أجزاء،
على حطام، على حصباء، على رمل.
حينما يموت الحيّ بهذه الطريقة،
يتدفق كثير من دمه لدى كل طعنة.
بينما تموت التماثيل المرمرية بيضاءَ
وليس دائما حتى النهاية.
بقي الجذعُ من هذا الذي حوله الكلام،
والنفَسُ كما لو أنه احتبس أثناء جهد،
لأنّ عليه الآن
أن يجلب
لنفسه
كل فتنةِ وانتباهةِ
البقية المفتقدة.
وهذا ما يتحقق له،
هذا يتحقق له أكثر،
يتحقق ويُبهر،
يُبْهر ويدوم-
الزمن يستحق الثناء أيضًا،
لأنه توقف في صنيعه
وأجّلَ شيئا ما لوقت لاحق.
••••••••••
مونولوج كلب عالق بالتاريخ
ثمة كلاب وكلاب. أنا كنتُ كلبا مصطفى.
كانت لديّ أوراق صالحة وفي عروقي دم ذئبيّ.
سكنتُ على مرتفع، كنتُ أتنفس روائح المناظر
المطلة على المرج في الشمس، على الصنوبر بعد المطر
والتربة من تحت الثلج.
كان لديّ بيت معتبر وناس في خدمتي
كنتُ مغذى، مُحَمّما، ومُمَشّطا،
يُخرجونني لنزهات جميلة.
لكن باحترام، وبدون كلفةٍ.
كل واحد كان يتذكر جيدا، كلبَ مَنْ أنا.
كلّ هجين وغد بإمكانه امتلاكَ صاحب.
لكنْ حذار– من التجاسر على المقارنات.
فسيدي كان فريدا من نوعه.
كان لديه قطيع ضخم يمشي خلفه متتبعا خطاه
مُغرما به بإعجاب حذر.
كلها بالنسبة لي كانت مسخرات
بحسدٍ مُبَطّنٍ على نحو رديء.
لأنني أنا فقط من كان له الحق
في استقباله بقفزات هوائية،
أنا فقط مَنْ يُودّعه– ويجرجره بعضّاتٍ من سرواله.
كان يُسْمَحُ لي فقط
ورأسي على ركبتيه
أن أبلغ ملاطفته وجرّ الأذن.
أنا فقط مَنْ كان يُمكنه التظاهر بالنوم جنبه،
وحينئذ كان ينحني ويهمس لي بشيء ما.
طالما كان يغضب وبصوتٍ عالٍ على الآخرين.
كان يزمجر، يصيح بهم،
يروح ويجيء من الحائط للحائط،
أعتقد أنه كان يحبني فقط
ولا أكثر من ذلك بتاتا، لا أحد.
كانت عليّ واجبات أيضا: الانتظار والثقة.
لأنه كان يظهر لفترة وجيزة ثم يختفي بعدها طويلا.
ما الذي كان يستوقفه هناك، في الأودية، لا أدري.
مع ذلك خمّنتُ، أنها قضايا ملحة،
على الأقل مُلحة كالمعركة
مع القطط بالنسبة لي
وكل ما يتحرك بلا داعٍ.
هناك حظ وحظ. حظي تبدل فجأة.
حلّ ربيع ما،
ولم يكن هو قربي.
نشبَ في البيت اهتياج غريب.
أقفاص، حقائب، وصناديق حُشرتْ في السّيارات،
تحرّكتِ العجلاتُ وهي تصِرّ نحو الأسفل
وصمتتْ وراء المنعطف.
احترق عفشٌ ما على الطارمة، خِرَقٌ،
وبُلوزاتٌ صفراءُ، أشرطة بعلامات سوداء
وكثير، كثير جدا من علب الكارتون الممزقة،
حيث تساقطت منها اللافتات.
حلمتُ في خضمّ هذه الفوضى
منذهلا أكثر منه مستاء
أحسستُ بنظرات غير ودّية على وبري،
كما لو كنتُ كلبا سائبا،
شريدا مزعجا،
يُطرَدُ من على السلالم بالمكنسة.
ثمة مَنْ فسخ طوقي المرصّعَ بالفضة.
ثمة من ركل صحني الفارغَ منذ عدة أيام.
وبعدها، آخرُ واحد، قبل أن ينطلق في طريقه،
أخْرَجَ رأسَه من المركبة
ورَماني بطلقتين.
حتى إنه لم يعرف كيف يصيب، كما ينبغي،
لأنني متّ ببطء وألم
وسط طنين الذباب الوقح.
أنا كلبُ صاحبي.
(من ديوان” نقطتان”، دار نشر ألف 5، كراكوف 2005،
••••••••••
محاولة
أوه نعم! أنتِ تهزئين بي أيتها الأغنية
فأنا مهما سموت، لن أزهر كوردةٍ
مثل وردة يمكنها أن تتفتح فقط الوردة، لا شيء آخر، تعلمين ذلك
حاولت امتلاك أوراق، أردت أن أنحني
بنفس مقطوع ليكون ذلك أسرع
انتظرت لحظة انغلاقي كوردة
أيتها الأغنية، التي لا تعرف الرأفة بي
لدي جسد واحد، لا يتحول إلى شيء آخر
أنا وحيدة الكينونة حتى نخاع العظم
*
ت.فهد حسين العبود
••••••••••
ڤيسوافا شيمبورسكا
فيسوافا شيمبورسكا (Wisława Szymborska) (بوزنان، 2 يوليو 1923) شاعرة بولندية حازت جائزة نوبل في الأدب عام 1996م. يؤكد شعرها العذب على العلاقات الشخصية، ويستعرض المنعطفات الغريبة وغير المتوقعة للإنسان في حياته اليومية. استقصت شيمبورسكا من خلال أشعارها الرصينة الدكتاتورية الشيوعية وتهديدها للشخصية الفردية في المجتمعات الحديثة.
ولدت شيمبورسكا بالقرب من مدينة پوزنان وتخرجت في جامعة ياگلويان، وعملت محررة تعنى بالأدب. تصف شمبورسكا أشعارها الأخيرة بأنها أشعار شخصية أكثر من كونها سياسية. غير أن إصدارها الأول هذا الذي نعيش من أجله (1952م) كان متأثراً بالأفكار الشيوعية. ويقارن كتابها استدعاء يتي (1957م) بين الدكتاتور السوفييتي يوسف ستالين وتمثال الإنسان الثلجي المقيت. ومن إصداراتها الأخرى: مائة سبب للسعادة (1967م)؛ناس على الجسر (1986م)؛ رؤية مع حبة رمل (1995م). ولشيمبورسكا شهرة واسعة في بولندا، حتى أن بعضهم يتغنى بأشعارها بمصاحبة موسيقى الروك.
1 حياتها
2 الدراسة
3 الاكتشاف
4 المناصب
5 شعر فيسوافا شيمبورسكا
6 الجوائز
7 اهم اعمالها
8 مراجعات
9 انظر أيضا
10 المصادر
11 وصلات خارجية
حياتها
ولدت الشاعرة فيسوافا شيمبورسكا وهي ايضا كاتبة لمقالات نقدية ادبية ومترجمة للادب الفرنسي عام 1923م في “بنيني” قرب مدينة بوزنان (الجزء الشمالي الغربي من بولندا). وفي عام 1931م رحلت عائلتها الى مدينة كراكوف في جنوب بولندا. وكما تقول الشاعرة وهي تصف موهبتها الادبية فانها كانت مهتمة بالشعر منذ طفولتها:
اتذكر انني كنت اكتب الشعر منذ طفولتي كما انني كنت من وراء هذه الموهبة أحصل على النقود، حيث كان ابي عندما يراني اكتب قصيدة قصيرة وتنال اعجابه كان يخرج محفظته و يعطيني نقودا حوالي 20غروش لا اتذكر بالتحديد وكأنه يشتريها مني ولكن على شرط ان تكون القصيدة فكاهية ومرحة فيمكنني ان اقول ان ذلك كان مصدر رزقي وانا عمري خمسة سنوات.
وخلال الحرب العالمية الثانية استمرت الشاعرة البولندية في دراستها حيث كانت تحضر لقاءات تعليمية سرية ثم بدأت العمل كموظفة في السكك الحديدية في بولندا لتتهرب من ترحيلها الى معسكر العمل في ألمانيا.
الدراسة
درست شيمبورسكا اللغة البولندية وعلم الاجتماع في الأعوام 1945م-1948م في جامعة كراكوف فحياتها الفنية والادبية مرتبطة بهذه المدينة منذ سنين طويلة حيث ان الكاتبة في العديد من المرات اكدت تعلقها بكراكوف . لم تنتهي الشاعرة من الدراسة في الجامعة بسبب ظروفها المادية القاسية ولكنها كانت نشيطة جدا في الوسط الادبي ومهتمة بما يحدث في مجال الادب البولندي ومن الشخصيات التي تاثرت بها الشاعر البولندي المعروف الحاصل على جائزة نوبل تشيسواف ميووش.
الاكتشاف
اول ظهور للشاعرة كان من خلال قصيدتها “أبحث عن الكلمة” عام 1945م المنشورة في الملحق الادبي لجريدة يومية بولندية لكن عندما قدمت اول ديوانها بعنوان “قصائد” للنشر لم تحصل على موافقة السلطات البولندية حيث لم يتوافق شعرها مع متطلبات الواقع الاشتراكي – كما بررت السلطات قرارها في ذلك الوقت، واخيرا ظهر ديوان اخر لفيسوافا شيمبورسكا عام 1952م وعنوانه “ولهذا السبب نعيش”(Dlatego żyjemy) والذي وجد فيه شعر يؤيد النظام الاشتراكي والفكر الماركسي واللينيني مثل القصيدة تحت عنوان “لينين”، وبعد صدور الديوان الاول تم الموفقة على قبول الشاعرة في صفوف اتحاد الادباء البولنديين كما اصبحت الكاتبة في عام 1966م معضوا في حزب العمال البولندي الحاكم في ذلك الوقت في بولندا لكن من الجدير بالذكر ان رغم كل هذا كانت الشاعرة على اتصال بالمعارضة البولندية فمنذ عام 1957 م كانت تتعاون مع مجلة المعارضة البولندية الصادرة في باريس “الثقافة”.((Kultura
المناصب
رئست فيسوافوا شيمبورسكا مجلس تحرير مجلة “الحياة الادبية” خلال الاعوام 1953-1981 وكانت ايضا مسؤلة عن العمود اليومي في المجلة بعنوان ” المنهج الادبي الغير مقرر” والذى تم تجميعه واصداره في كتاب واحد. ومن عام 1981 اصبحت الشاعرة عضو لمجلس تحرير مجلة “المنشور” (Pismo) التي كانت خاصة بالوسط الادبي في مدينة كراكوف.
وفي فترة التقلبات السياسية في بولندا كانت الشاعرة تحتج مع باقي زملائها من الوسط الفني على بعض القرارات الحكومية حيث كانت من ضمن الموقعين على ما سمي بالخطاب رقم 59 والذي كان رسالة احتجاج على تغييرات في دستور الدولة البولندية الذي كان يهدف الى إبرام اتفاقية ابدية مع الاتحاد السوفيتي واستمرار حزب العمل البولندي في الحكم. كما اشتركت فيسوافا شيمبورسكا في تأسيس اتحاد ادباء للبولنديين معارض للحكومة.
حصلت الشاعرة خلال حياتها الادبية على العديد من الجوائز وفي عام 1996 حصلت على جائزة نوبل.
شعر فيسوافا شيمبورسكا
يعتبر شعر فيسوافا شيمبورسكا فريدا من نوعه وذو عمق خاص كما انه يعد ادب فكري حيث نجد فيه معنى باطني فلسفي. تتميز كتابتها بالكلمة المحددة الدقيقة كما تستخدم الشاعرة اسلوب السخرية ونوع من العناد الادبي او التناقض الظاهري و البعد الفكاهي الذي يساعدها في إبراز المواضيع الهامة والمعاني العميقة. تحاول الشاعرة ان تحلل وجدانية الانسان الذاتية وفي إطار مكانه في المجتمع .
وبالرغم من بساطة اسلوبها في الكتابة فان شعرها يعد ادب فكري جاد حيث بطل قصائدها انسان يعيش حياته ولذلك يخطيء. تركز فيسوافا شيمبورسكا شعرها حول المواضيع الانسانية كما تتسائل كثيراعن مدى تأثير التاريخ والسياسة والبيولوجية حتى على مصيره وتحلل هذه التأثيرات على مستوى حياته اليومية. شيمبورسكا لاتعترف باي انتماء لنظام فلسفي ادبي محدد وشعرها ليس تحت تأثير فكر شعري محدد.
توصف شخصية شيمبورسكا الادبية كلغز فهي إنسانة متواضعة منغلقة هادئة تكهرب القارء بكلماتها الحادة والمحددة فاسلوبها البسيط يصل االى اذواق القراء العاديين بشكل مباشر ولايحتاج الى تحليلات ادبية معقدة. علاقة الشاعرة البولندية بقرائها علاقة فريدة من نوعها حيث انها تصل لهم بشكل مباشر فوق رؤوس النقاد ودون مساعدة الاعلام، فدواوين شعرها تنشر باعداد القصص الادبية المشهورة وتختفي من الاسواق بنفس السرعة.
الجوائز
جائزة نوبل للشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا
حصلت فيسوافا شيمبورسكا على جائزة نوبل في مجال الادب عام 1996م ونجد في حيثيات قرار لجنة نوبل: تمنح الجائزة لصاحبة الشعر الذي بسخريته الحادة يظهر سياق التاريخ والبيولوجيا في فتات واقع الانسان. وبعد اعلان منح الجائزة لم تخفي الشاعرة تعجبها ودهشهتها بالقرار وظلت من المرشحين الأكثر تواضعا حيث انها قالت في احد الحوارات التي جرت معها بعد اعلان منحها جائزة نوبل: كنت احاول طوال حياتي ان ابقى انسانا عاديا والان يريدون ان يجعلوا مني شخصية عامة وهذا الذي لم اوافق عليه ابدا لاني احس بالفطرة ان هذا شأن خطر .
اما الشاعر البولندي المعروف الكبير تشيسواف ميووش والحاصل على جائزة نوبل ايضا عندما وصله الخبر قال: كنت اتوقع هذه الجائزة لشيمبورسكا حيث ان الشعر البولندي له تقدير في القارة الاوروبية – وبالفعل شعر شيمبورسكا معروف في العديد من الدول الاروبية وخاصة في السويد.
شاركت الشاعرة البولندية بافكارها مع الجمهور خلال خطابها في ستوكهولم قائلة: المعرفة التي لاتظهر اسئلة جديدة تعتبر معرفة متوفية تفقد حرارتها كما نعلم من التاريخ الحديث والقديم ومن الممكن ان تصبح خطرا على مجتمعات باكملها. لذلك اقدر كلمتين صغيرتين هما: لاادري – صغيرتين لكن ذات اجنحة قوية التي تظهر لنا مناطق غير معروفة بداخلنا او حول كوكبنا هذا. (..) والشاعر الحقيقي يجب ان يكرر هاتين الكلمتين: لاادري ومن واجبه ان يرد على هذا السؤال في كل قصيدة يكتبها وعندما يضع النقطة في اخر بيتين من شعره يبدأ يتردد هل الاجابة كافية وحقيقية وسريعة لا يدرك انها مؤقتة وغير كافية فيحاول ويحاول من جديد لكي في النهاية يستطيع المؤرخون والنقاد أن يجمعوا هذا الدليل على عدم ارتياح الشاعر للاجابات ويلقوا عليه اسم ابداعه الادبي.
اهم اعمالها
قط في منزل خال
النهاية والبداية
حديث مع الحجر