سورية… موتى بلا قبور -تحقيق-
انتقل النظام السوري ورأسه إلى مرحلة المجاهرة بالقتل، من دون الحاجة لإخفاء جريمته، بما أن استباحة السوريين أصبحت أمراً عادياً بالنسبة للعالم. هكذا، تمرّ الإعلانات الرسمية المتتالية من دمشق عن موت آلاف المعتقلين السوريين في سجون النظام، نتيجة حالات صحية مثلاً أو بـ”قنص الإرهابيين” (وهم داخل الاعتقال)، من دون صدور اعتراض عالمي واحد، أو دعوة واحدة لمعاقبة المجرم، إفساحاً في المجال أمام نظام بشار الأسد للتخلص من عبء ملف المعتقلين البالغ عددهم مئتي ألف في سجونه.
وحدها مدينة داريا سجلت اعتراف النظام بقتله ألفاً من أبنائها قبل أيام، من أصل 2809 اعتقلوا من المدينة منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، تم توثيق 68 منهم قضوا تحت التعذيب وتم إبلاغ ذويهم بوفاتهم قبل صدور القائمة الأخيرة، التي تضم نحو ألف معتقل تمت توفيته.
داريا تلتها مدن سورية عدة تحولت أسماء الآلاف من أبنائها في سجلات القيد المدني من “أحياء” إلى “أموات”، تحت التعذيب بطبيعة الحال. والقائمة هي الأضخم من نوعها منذ أن بدأ النظام اعتماد آلية إرسال قوائم بأسماء المُعتقلين في مدن وبلدات سورية عدة إلى مديريات السجل المدني في مناطقهم لتتم توفيتهم، في إحدى أكثر الصفحات الدموية لنظام الأسد.
إبادة المعتقلين داخل سجون الأسد تمرّ وكأنها خبر عادي في الإعلام العربي والعالمي، لتبقى وصمة عار إضافية في سجل “الضمير العالمي”.
سورية: إبادة المعتقلين بلا فيتو/ عبسي سميسم
تعبّر الطريقة الجديدة في تعاطي النظام مع ملف المعتقلين، من وقاحة واستسهال في التعاطي مع عشرات الآلاف من الأرواح التي أُزهقت تحت التعذيب، وإرسال قوائم جماعية وصلت إلى 1000 معتقل من داريا قضى تحت التعذيب في القوائم الأخيرة، عن الطريقة التي يتعاطى بها المجتمع الدولي مع كل جرائم النظام، والسكوت الذي يصل حد الوقاحة والتبني لكل الجرائم التي ارتُكبت والتي تعتبر بكل الأعراف الدولية جرائم ضد الإنسانية، بدءاً من تدمير المدن بأسلحة عشوائية، كالبراميل المتفجرة والخراطيم المتفجرة وغيرها من الأسلحة العشوائية التي استهدفت المدنيين، مروراً باستخدام كل أنواع الأسلحة المحرّمة دولياً وأسلحة الإبادة الجماعية، بما فيها السلاح الكيميائي، وصولاً إلى قتل عشرات الآلاف تحت التعذيب في المعتقلات وإرسال قوائم بأسمائهم إلى دوائر السجل المدني وتبني عملية إصدار شهادات وفاة طبيعية لهم، حتى دون الاعتراف بأنهم كانوا معتقلين، من خلال اختلاق أسباب لوفاتهم، سواء بذبحات صدرية أو احتشاء عضلة القلب، ومن تمت تصفيته منهم رمياً بالرصاص كُتب بشهادة وفاته أنه قضى برصاص القناصة من الجماعات الإرهابية.
في بداية الثورة السورية كان يتم إخبار ذوي المقتول تحت التعذيب ضمن معتقلات النظام عن طريق الفروع الأمنية بمقتل ابنهم، وكانت تتم مساومة ذويه على توقيع تعهد بأن المعتقل قد قُتل برصاص الجماعات المسلحة حتى يسمح لهم بتوفيته أصولاً، وإلا يبقى قيده في سجلات النظام معلقاً. ولكن بعد أن تحوّل ملف المعتقلين إلى واحد من الملفات التي يتم من خلالها الضغط على النظام ضمن مفاوضات الحل السياسي، وبسبب الكم الهائل من المعتقلين الذين تمت تصفيتهم في المعتقلات، عمد النظام إلى أشدّ الطرق وقاحة، واستهزاءً بكل الشرائع الدولية، من خلال إنكار وجودهم أصلاً على قيد الحياة، فهم بكل بساطة الآن موثقون كمتوفين وفاة طبيعية في سجلات الدولة، فبدأ من إبريل/ نيسان الماضي بإرسال قوائم جماعية بأسماء القتلى تحت التعذيب كمتوفين طبيعياً، بدأها بأول قائمة أُرسلت إلى محافظة الحسكة، تضمّ أسماء مائة معتقل تلتها قائمة أخرى بنحو 500 معتقل، ثم بدأ بإرسال القوائم تباعاً لكل المناطق، التي كان آخرها قائمة الـ1000 معتقل من مدينة داريا. طبعاً تمّ هذا الأمر من دون صدور أي تعليق من المجتمع الدولي على هذه الجريمة التي يبدو أنها مرّت حتى من دون الحاجة إلى فيتو روسي لمنع إدانتها.
ألف قتيل تعذيباً وإعداماً: الأسد يريد وأد ملف المعتقلين/ ريان محمد
في قائمة هي الأكبر منذ بدء تسريب النظام السوري لأسماء المعتقلين الذين قام بتصفيتهم داخل السجون، بعد سنوات من انقطاع أي أخبار بشأنهم، سلم النظام السوري لمديرية السجل المدني، قائمة بأسماء نحو ألف معتقل من أبناء مدينة داريا في الغوطة الغربية من ريف دمشق، قضوا في المعتقلات، وتدوين وفاتهم على السجلات، وسط تساؤلات حول توقيت تسارع وتيرة كشف النظام عن مصير المعتقلين وتعمّده تسريب عدد كبير من الأسماء الذين كانوا قد فارقوا الحياة منذ سنوات تحت التعذيب في معتقلات النظام، قبل أيام من عقد مؤتمر اللقاء العاشر للدول الثلاث الضامنة لأستانة في المدينة الروسية سوتشي نهاية الشهر الحالي. وعلمت “العربي الجديد”، أمس الجمعة، أن “النظام سلّم مديرية السجل المدني، قائمة بأسماء نحو ألف معتقل من أبناء مدينة داريا في الغوطة الغربية من ريف دمشق، قضوا في المعتقلات، ليتم تدوين وفاتهم على السجلات”.
وأفاد عدد من ذوي المعتقلين من داريا، في حديث مع “العربي الجديد”، بأن “مديرية السجل المدني، قامت بتوفية المعتقلين الواردين في تلك القوائم والتي تعتبر شهادة وفاة رسمية، في سجلاتها، فيحصل ذوو المعتقلين المتوفين في حال مراجعتهم أو أحد أقربائهم المديرية على إخراج قيد عائلي أو فردي للمعتقل، يسجّل عليه أنه متوفى ويبين تاريخ الوفاة، التي تعود غالبيتها إلى عام 2013”.
ولفتت المصادر نفسها إلى أن “غالبية المعتقلين الذين تم توفيتهم، هم من الناشطين والمشاركين في الحراك السلمي المطالب بالحرية والكرامة، عامي 2011 و2012، المعروفين بإيمانهم بالسلمية وعدم الانجرار وراء العنف”.
والقائمة هي الأضخم من نوعها منذ أن بدأ النظام اعتماد آلية إرسال قوائم بأسماء المُعتقلين في مدن وبلدات سورية عدة إلى مديريات السجل المدني في مناطقهم لتتم توفيتهم، إذ اعتمد النظام سابقاً آلية مغايرة لتبليغ عائلة المعتقل عن موته، وهي اتصال فرع الشرطة العسكرية أو مختار المنطقة بذوي المعتقل، للمراجعة وتسلم شهادة وفاة المعتقل وهويته الشخصية وأغراضه الشخصية إن وجدت، على أن يقوم ذوو المعتقل بعدها بمراجعة مديرية السجل المدني لتتم توفيته على السجلات، والحصول على شهادة وفاة باسم المعتقل.
وسبق للسجل المدني أن قام بتوفية العديد من المعتقلين السابقين في العديد من المناطق ومنها داريا، بذات الآلية بينهم الأخوان معن ويحيى شربجي، المعروفان في داريا وسورية بأنهما من الناشطين السلميين غير العنفيين.
وبدأ النظام تسليم مديريات السجل المدني في المحافظات السورية، قوائم بأسماء معتقلين فقدوا حياتهم داخل المعتقلات، بعد أن كان مصيرهم مجهولاً لسنوات، منذ شهر إبريل/نيسان الماضي إذ بدأ من محافظة الحسكة التي أُرسلت إليها أول دفعة من المعتقلين المتوفين تحت التعذيب كقائمة جماعية، وذلك بإرسال قائمة من 100 معتقل تلتها قائمة بأسماء 400 آخرين قضوا تحت التعذيب، وتبعها دفعة أخرى في معضمية الشام بنحو 45 معتقلاً تمت توفيتهم، ثم قائمة معتقلي مدينة الزبداني ضمّت 65 معتقلاً. وتتابعت القوائم من يبرود بريف دمشق وحماة وغيرها من المناطق والمدن. وأعاد النظام أسباب الوفاة إلى حالات طبيعية كتوقف القلب المفاجئ أو الجلطة الدماغية، وعدة أمراض أخرى، دون ذكر لحالات الموت أثناء التعذيب والتحقيق، أو إعدامه بقرار من المحاكم الخاصة كالمحكمة الميدانية، المتهمة بإصدار عشرات آلاف أحكام الإعدام بحق الناشطين السوريين. كما أن النظام امتنع عن تسليم جثامين المعتقلين لذويهم، ولم يصرح عن مصيرها أو أماكن دفنها؛ كما كان من اللافت للنظر أخيراً وضع النظام للمرة الأولى خلال هذه الفترة سبباً لموت المعتقلين، وهو القنص من قبل الفصائل المسلحة، والذي يبدو أنه سبب تم اختراعه لتوفية المعتقلين الذين تمت تصفيتهم بالإعدام بالرصاص.
ورأى متابعون أن “النظام حاول التخلص من أهم الملفات الإنسانية التي ألمّت غالبية السوريين طوال السبع سنوات الماضية، وهو ملف المعتقلين، والذي كان أشدّ أوراق الضغط عليه. وقد فاق ملف القصف والحصار والتجويع، وذلك مع اقتراب اجتماع مجموعة أستانة المكونة من روسيا وإيران وتركيا، وبمشاركة وفد من النظام وآخر يمثل جزء من الفصائل المسلحة، إلى جانب الأمم المتحدة والأردن كمراقبين في سوتشي، في ظل أنباء عن تصدر الملف الإنساني جدول أعمال اللقاء الملف الإنساني، والذي يعتبر لملف المعتقلين به حصة الأسد، إذ يعمل النظام على التخلص من عبء كبير هو مصير عشرات آلاف المعتقلين الذين تكتم عليهم منذ سنوات. بإصدار شهادات وفاة بأسباب طبيعية لهم”.
وذكرت عضوة “هيئة المفاوضات العليا” المعارضة أليس مفرج، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هذه القوائم التي يتزايد تسليمها إلى دوائر السجل المدني بأسماء معتقلين ليتم توفيتهم، غالبيتها لرواد الحراك السلمي اللاعنفي، الذين اتخذوا خيارهم منذ بدية الحراك والذين كانوا يشكّلون الخطر الأكبر والحقيقي على وجوده”. واعتبرت أن “شهادات الوفاة الأخيرة هي ضمن استراتيجية النظام، الذي رفض طوال الفترة الماضية فتح ملف المعتقلين، الذي يؤكد ارتكابه جرائم حرب في المعتقلات، وتهرّب من التحقيق الذي سيطاوله، على اعتبار أن هؤلاء المعتقلين هم الشاهد الحقيقي على الجرائم والانتهاكات المرتكبة في المعتقلات، حتى يتم طي ملف المعتقلين، وتنظيم الترتيبات الأخرى بتواطؤ المجتمع الدولي، بالتزامن مع إعادة النازحين على أساس أنه ضمن توطيد الأمن والاستقرار، ببسط سيطرته على باقي المناطق السورية تحت راية محاربة الإرهاب واستمراره بهذه الدعاية”.
وتابعت “دخل النظام مرحلة التعافي المبكر وهذا مرتبط بإعادة الإعمار، وإلزام الجميع بالتعاون معه. طبعاً هذا الحل المشوه اليوم يرضي المجتمع الدولي، الذي يعمل على توافقات لإنجاز حلول مشوهة واسقاط المساءلة والمحاسبة الخاصة بالإبادة الجماعية والممنهجة بحق المعتقلين، مع العلم أنها جرائم لا تسقط بالتقادم”.
ولفتت إلى أن “هذا يأتي بالتزامن مع عقد اجتماعات غرفة العمل المشتركة بملف المعتقلين، وهي مخرج عن مؤتمر أستانة وبمشاركة الأمم المتحدة التي تساهم بالدم السوري، عبر تخليها عن مسؤولياتها من خلال التناقض مع القرارات الدولية التي تؤكد أن الملف هو من ضمن البنود الإنسانية، ويجب حله فوراً، وإقرار خضوعه إلى التفاهمات”.
وشككت في أن “عملية توفية المعتقلين حصلت بالخضوع لقرار إعدام جماعي صادر عن محكمة خاصة سرية، أو تصفيتهم تحت التعذيب”، مضيفة “يبدو أن النظام قام بالتخطيط للأمر عبر التلاعب بالسجلات المدنية، وبمخالفة واضحة للقوانين الناظمة”. وقالت إن “هناك قوائم ترد إلى مختلف المناطق السورية تضم الناشطين السلميين، ولكن هناك أسماء لسياسيين قد تكون مرتبطة بتوافقات، ما زالت مجهولة المصير، وتمّ استخراج قيد نفوس لهم لكن لم يتم التحقق أنهم من بين القتلى”.
وبيّنت أن “غرفة العمل المشتركة الخاصة بالمعتقلين بوجود الأمم المتحدة أنجزت 3 اجتماعات في أنقرة، إلا أنها تعمل بشكل بطيء جداً، وإجراءات النظام تسبقها بخطوات، بالتزامن مع عدم الموافقة على نقل ملف المعتقلين إلى جنيف، الذي يتم العمل على إنهائه من قبل المجتمع الدولي، عبر دعم سوتشي وأستانة، وبالتالي تسييس الملف، خصوصاً أن الأمر يترافق مع إعادة النازحين وتجنيد الشباب بمناطق التسوية، والعمل على ترتيب ما في إدلب وريف اللاذقية”.
هذا ويبلغ عدد المعتقلين بداريا بحسب فريق التوثيق الخاص بالمدينة 2809 معتقلين منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، تم توثيق 68 منهم قضوا تحت التعذيب وتم إبلاغ ذويهم بوفاتهم قبل صدور القائمة الأخيرة، التي تضم نحو ألف معتقل تمت توفيته. وكشفت مصادر لـ”العربي الجديد”، أن “هناك قائمة أخرى خاصة بمعتقلي داريا ستصدر قريباً”. ما يعني أن نحو 40 في المائة من معتقلي مدينة داريا تم الكشف عن قتلهم تحت التعذيب حتى الآن، فيما تؤكد مصادر حقوقية في المدينة أن “الرقم مرشح لزيادة هذه النسبة لتصل لنحو 70 في المائة. ما يعني أن النظام قد قام بالتخلص من معظم المعتقلين بقتلهم تحت التعذيب وأن شهادات الوفاة التي سيصدرها خلال الفترة المقبلة ستعد بعشرات الآلاف”.
يشار إلى أنه لا يوجد رقم دقيق حول عدد المعتقلين المتواجدين في معتقلات النظام، ففي حين تقول مصادر إعلامية وحقوقية أن العدد يقدّر بنحو 200 ألف معتقل، بينما يقول النظام إن لديه نحو 30 ألف موقوف ومحكوم، على خلفية أحداث 2011.
وكان نائب مدير قسم الإعلام والصحافة في الخارجية الروسية، أرتيوم كوجين، قال في مؤتمر صحافي “تستضيف مدينة سوتشي يومي 30 و31 يوليو/تموز الحالي، الاجتماع الدولي الـ10 حول سورية في إطار منصة أستانة”، مشيراً إلى أن “هذه الفاعلية تأتي بمشاركة نواب وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا بصفة الدول الضامنة لعملية أستانة الخاصة بالإسهام في التسوية السورية، ووفدين من الحكومة السورية والمعارضة السورية، ومراقبين من الأمم المتحدة والأردن، وتم كذلك توجيه دعوة مماثلة للولايات المتحدة”، التي أعلنت عبر وزارة خارجيتها عدم مشاركتها. وأوضح كوجين أن “اجتماع سوتشي سيركز اهتماماً خاصاً على الأوضاع الإنسانية في سورية وعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”. وكان الموفد الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، أطلع مجلس الأمن الدولي، يوم الأربعاء الماضي، على التحضيرات من أجل عقد المحادثات السورية المقبلة في مدينة سوتشي.
10 وجوه مغيّبة في سجون الأسد/ أحمد إبراهيم
لم يتردد النظام السوري في اعتقال عشرات آلاف السوريين في محاولة يائسة لوأد الثورة السورية التي انطلقت منتصف مارس/آذار 2011، فامتلأت المعتقَلات بالناشطين الثوريين من كل المدن والبلدات السورية، والذين قضى عدد كبير منهم تحت التعذيب، من دون أي تحرك دولي فعال لوضع حد لمأساة آلاف المعتقلين، تؤكد المعطيات أن النظام تخلص من أغلبهم.
ويسابق النظام الزمن لحل “مشكلة” المعتقلين السوريين في سجونه، مفرجاً عن قوائم آلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب. وسلّمت الأفرع الأمنية التابعة للنظام دائرة النفوس في ريف دمشق، منذ أيام، قائمة جديدة بأسماء المعتقلين من أبناء مدينة داريا، الذين قُتلوا تحت التعذيب في أقبية الأفرع الأمنية. وكان النظام قد بدأ بتسليم دوائر النفوس في المحافظات السورية أسماء المعتقلين الذين قُتلوا تحت التعذيب، بعدما كان مصيرهم مجهولاً لسنوات، غير أنه لم يعترف بمقتلهم تحت التعذيب، بل ادعى أنهم توفوا نتيجة أمراض مختلفة من دون تقديم أي أدلة طبية، بما في ذلك جثث المتوفين ليتم عرضها على الطب الشرعي وتأكيد سبب الوفاة.
وقالت مصادر متطابقة من أهالي المعتقلين المتوفين من داريا، لـ”العربي الجديد”، إن “قائمة تضم أسماء ما يُقارب الألف مُعتقل من مدينة داريا بريف دمشق، وصلت من الأفرع الأمنية إلى دوائر النفوس بريف دمشق”، موضحةً أن “دوائر النفوس بدأت بتغيير حالة المعتقلين من حي إلى متوفٍ على أنظمتها الإلكترونية”. ووصلت الدفعة الأولى من أسماء المعتقلين المتوفين تحت التعذيب في محافظة الحسكة في إبريل/نيسان الماضي، تبعتها دفعة أخرى في مدينة المعضمية بريف دمشق، ثم الزبداني وحماة ويبرود وغيرها من المناطق والمدن السورية.
ويُعدّ ملف المعتقلين من أكثر الملفات التي تئن من وطئها الذاكرة السورية التي تحتفظ بآلاف الصور التي سُربت لمعتقلين ماتوا تحت التعذيب في عام 2014، ولكن من دون القيام بإجراءات تضع حداً لإجرام النظام السوري الذي فتك ولا يزال بالسوريين على مرأى ومسمع من العالم. وعمل النظام منذ بدء الثورة على اعتقال الناشطين المدنيين والمعارضين الذين يطالبون بتغيير سياسي سلمي، كي لا يؤدوا دوراً في تحريك الشارع السوري، وأطلق في الوقت نفسه سراح سجناء متطرفين يحملون فكراً جهادياً مناقضاً تماماً لمطالب السوريين بالتغيير، كي يضرب الجوهر المدني والأخلاقي للثورة.
وتُعتبر قضية المعتقلين في سجون النظام من أهم القضايا التي تصر عليها المعارضة في المفاوضات والمحافل الدولية، ولكن النظام يتهرب لأنه يدرك أن فتح هذا الملف سوف يقود رموزه إلى المحاكم الدولية، وهو ما يحاول تجنّبه من خلال الإفراج عن قوائم المعتقلين المتوفين تحت التعذيب بشكل تدريجي في محاولة للتحايل والخداع. ورفض النظام مناقشة هذا الملف في مفاوضات أستانة وجنيف، وهو ما يؤكد قيامه بقتل عدد كبير من المعتقلين تحت التعذيب.
وتُعد معتقلات النظام الأقسى على مستوى العالم، بحسب منظمات دولية أكدت في تقارير لها أنها “مسلخ بشري”. وقالت منظمة العفو الدولية العام الماضي إن حوالي 13 ألف سجين أُعدموا في سجن صيدنايا شمال شرقي دمشق، غالبيتهم من المدنيين المعارضين منذ عام 2011. وأوضحت المنظمة أنها استندت في تقريرها إلى تحقيق معمّق أجرته على مدى سنة من ديسمبر/كانون الأول 2015 إلى ديسمبر 2016، وتضمّن مقابلات مع 84 شاهداً، بينهم حراس سابقون في السجن، ومسؤولون ومعتقلون وقضاة ومحامون، بالإضافة إلى خبراء دوليين ومحليين حول مسائل الاعتقال في سورية. واتهمت المنظمة الحقوقية في تقريرها نظام بشار الأسد بانتهاج “سياسة إبادة” من خلال تعذيبه المساجين بصورة متكررة وحرمانهم من الطعام والماء والعناية الطبية”. وأكد التقرير أنه في سجن صيدنايا كان السجناء يتعرضون للاغتصاب أو يتم إجبارهم على اغتصاب بعضهم بعضاً، أما عملية إطعامهم فتتم عبر إلقاء الحراس الطعام على أرض الزنزانة التي غالباً ما تكون متسخة ومغطاة بالدماء. وبحسب التقرير فإن هؤلاء السجناء كان يتم اقتيادهم من زنزاناتهم وإخضاعهم لمحاكمات عشوائية وضربهم ثم شنقهم “في منتصف الليل وفي سرية تامة”.
وإضافة إلى سجن صيدنايا هناك سجون علنية وأخرى سرية، تُمارَس فيها “الإبادة الجماعية”، كما أن مليشيات محلية، وأخرى إيرانية، باتت لها معتقلات خاصة لا تتوفر معلومات كافية عما يجري داخلها. ولا يزال يقبع في سجون النظام ومعتقلاته عدد كبير من رموز الحراك الثوري من مختلف المحافظات. وعلى الرغم من مرور سنوات على اعتقالهم، لا تتوافر معلومات عن مصير هؤلاء، ومنهم محامون، وأطباء وصحافيون وفنانون، وناشطون ثوريون، وحقوقيون، أكانوا رجالاً أو نساء، كانوا يطالبون بتغيير سلمي، وهو ما شكّل خطراً على النظام الذي كان حريصاً على عسكرة الثورة وتطييفها، وأسلمتها من خلال إطلاق سراح متشددين من سجونه، كي يسهل عليه قمعها بوحشية. وفي ما يلي عشرة وجوه من المعتقلين في سجون النظام:
خليل معتوق
اعتُقل المحامي السوري خليل معتوق في أكتوبر/تشرين الأول عام 2012، وهو كان يوصف بأنه “ضمير السوريين”، وكان قد تولى الدفاع عن معتقلي الرأي قبيل الثورة وخلالها. شغل معتوق منصب المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، ورئيس المركز السوري للدفاع عن المعتقلين. ليست هناك معلومات مؤكدة عن مصير معتوق، إذ وردت أنباء أنه في سجن صيدنايا، في حين قال آخرون إنه في سجن درعا، ولكن المؤكد أن صحته تدهورت كثيراً في المعتقلات على مدى سنوات.
عبدالعزيز الخيّر
يُعدّ الطبيب عبدالعزيز الخيّر أشهر المعتقلين في سجون النظام قبيل الثورة وخلالها، فهو كان من أبرز قيادات “رابطة العمل الشيوعي” في سبعينيات القرن الماضي. اضطر للتخفي سنوات طويلة، حتى اعتُقل في العام 1992، وحُكم عليه بالسجن 22 عاماً. خرج من المعتقل في العام 2005. أسهم في تأسيس هيئة التنسيق الوطنية بعد اندلاع الثورة عام 2011، حتى اعتقل مع رفيق له في 21 سبتمبر/أيلول 2012 خارج مطار دمشق الدولي بعد وصوله إثر زيارة إلى الصين.
رجاء الناصر
اعتقلت سلطات النظام أواخر عام 2013، المحامي والقاضي السابق رجاء الناصر، أمين سر هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير، في وسط العاصمة دمشق. الناصر هو ابن مدينة حلب، وعُرف بنشاطه السياسي منذ كان طالباً في المرحلة الثانوية، وكان قيادياً في صفوف حزب “الاتحاد الاشتراكي العربي”. الناصر كان من الداعين إلى الحل السياسي للأزمة السورية، ولكن ذلك لم يجنّبه الاعتقال على يد الأجهزة الأمنية للنظام والتغييب طيلة سنوات، فيما لم يُعرف مصيره حتى الآن.
زكي كورديللو
في أغسطس/آب من عام 2012 اعتقلت أجهزة النظام الأمنية الفنان المسرحي زكي كورديللو، وابنه مهيار الذي كان طالباً في المعهد العالي للفنون المسرحية إثر مداهمة منزلهما في منطقة دمر قرب دمشق. وكان زكي من أبرز المسرحيين السوريين، وقدّم أكثر من 20 عملاً مسرحياً، تمثيلاً وإخراجاً، فضلاً عن مشاركته في العديد من المسلسلات التلفزيونية السورية، وقد اعتُقل على خلفية موقفه المنحاز للثورة، ولا يزال مغيّباً حتى الآن.
عدنان الزراعي
اعتُقل الكاتب الدرامي المعروف عدنان الزراعي في بداية فبراير/شباط 2012، وجرى نقله بين عدة فروع أمنية، وتعرّض لتعذيب شديد وفق شهادة معتقلين كانوا معه، وبقي مصيره مجهولاً على الرغم من مرور سنوات على اعتقاله. في منتصف العام 2013 قام النظام باعتقال زوجته رهف الكردي لمدة ثم أطلق سراحها. الزراعي من خريجي قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، وكاتب سيناريو كان معروفاً بمعارضته النظام قبل الثورة وشارك في كتابة الكثير من سيناريوهات مسلسل “بقعة ضوء” الناقد.
طل الملوحي
هي من أشهر وأبرز معارضي النظام، ومعتقلة في سجونه قبيل انطلاق الثورة، إذ اعتُقلت عام 2009 بتهمة “التجسس لصالح دولة أجنبية”، علماً أن عمرها لم يكن يتجاوز الـ19 عاماً وقت صدور الحكم بحقها. وافقت محكمة الجنايات بحمص في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2013، على إطلاق سراحها. ولكن إدارة سجن عدرا أذعنت لقرار السلطات الأمنية القاضي باستمرار اعتقالها من دون أي مذكرة قضائية. وأكدت مصادر لـ”العربي الجديد” أنها لا تزال موجودة في سجن النساء بمنطقة عدرا شمال شرقي دمشق.
مهند عمر
فلسطيني سوري من مواليد مخيم اليرموك عام 1985، درس مهند عمر الأدب العربي في جامعة البعث في مدينة حمص، بدأ حياته العملية متنقلاً في عمله الصحافي في “مؤسسة القدس الدولية” ثم قناة “العالم” الإخبارية في دمشق، وعمل في صحف عديدة، منها: “قاسيون” و”النهضة” و”بلدنا” و”صوت فلسطين”. في 29 فبراير/شباط من العام 2012، اعتقلت المخابرات التابعة للنظام عمر من مكان عمله داخل مكتب قناة “العالم”، وبقي مغيباً حتى الآن من دون معرفة أي تفاصيل عن مصيره.
فائق المير
اعتقلت مخابرات النظام فائق المير أسعد، عضو الأمانة العامة لحزب “الشعب الديمقراطي السوري”، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2013. وكان المير من أبرز الوجوه التي تطالب بالتغيير السياسي، وهو من المعارضين المعروفين للنظام منذ السبعينيات، إذ اعتقل مرات عدة أيام حكم حافظ الأسد، وقضى سنوات في السجون. أعيد اعتقاله أثناء الثورة على يد أجهزة النظام بسبب استمرار نشاطه السياسي مع الثورة، وهو من المعتقلين الذين لا تتوفر معلومات عن مصيرهم الآن.
رانيا العباسي
في العام 2013 اعتقلت أجهزة النظام الأمنية الطبيبة رانيا العباسي التي كانت بطلة سورية والعرب في الشطرنج، مع زوجها، وأطفالها الستة، بسبب انحيازها للثورة وعملها في المجال الطبي. وذكرت منظمة العفو الدولية أنّ معتقلاً سابقاً في فرع 291 التابع للمخابرات العسكرية قال إنه شاهد العباسي وأطفالها في الفرع بعد نحو ثلاثة أسابيع من القبض عليهم. وأكد المحامي والحقوقي أنور البني لـ”العربي الجديد” أنه لا توجد معلومات عن مصير عباسي وزوجها وأطفالها منذ ذلك الحين.
جهاد محمد
اعتقل النظام السوري الصحافي جهاد محمد الذي كان يشغل منصب مدير تحرير جريدة “قاسيون”، أواخر عام 2012 على خلفية مشاركته في الحراك الثوري بعد أن ترك عمله في الصحيفة التي يملكها رئيس “منصة موسكو” حالياً قدري جميل. لم يُعرف مصير محمد منذ ذلك التاريخ، كما لم يُعرف مصير عدد من الصحافيين والناشطين الإعلاميين الذين كانوا الهدف الأبرز لأجهزة النظام الأمنية، ما دفع أغلب الإعلاميين السوريين إلى مغادرة البلاد.
المعتقلون السوريون… جرائم مخفية في سجون الأسد/ أحمد حمزة
مع بدء النظام السوري منذ أسابيع توزيع قوائم أسماء معتقلين في سجونه، للسجلات المدنية في مختلف المحافظات، على أنهم باتوا في عداد الموتى، عَلِمَ كريم. ق (62 سنة)، من خلال انتشار هذه الأخبار ومن أقاربه وأصدقائه بالأمر، فتوجّه الأسبوع الماضي (منتصف يوليو/ تموز الحالي)، إلى دائرة السجل المدني (النفوس) في شارع الثورة بدمشق، لاستخراجِ بيانٍ عائلي، عَلّهُ يعرف مصير ابنه محمد المُعتقل منذ خمس سنوات. يقول كريم، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه “حتى لو كان قد توفي ابني محمد… أريد أن أعرف. مضى على اعتقاله كل هذه المدة، ولا نعرف عنه شيئاً. ذهبت لاستخراج بيان عائلي، أريد معرفة مصيره مهما كان، لكن البيان العائلي لم يُظهر أنه مُتوفى. هذا يمنحني الأمل بأنه قد يكون ما زال حياً، ولكن هل هو حي فعلاً؟ لا نعرف شيئاً عن ابننا”.
وكانت زوجة محمد. ق (ابن كريم) حاملاً، عندما اعتقل زوجها من قبلِ حاجزٍ للأمن العسكري، قرب كفرسوسة بدمشق، في منتصف مايو/ أيار عام 2013، وفق ما يقول والده، لتنقطع، كبقية المعتقلين في سورية، أخباره تماماً منذ ذلك الحين. وقد بلغ الآن عمر ابنه خمس سنوات من دون أن يتعرف إلى والده.
وعلى الرغم من أنّ مصير محمد ما زال مجهولاً، إلا أنّ كلمات والده تشي بأنه شبه متيقّنٍ من مقتله في المعتقل، من خلال مجموعة رواياتٍ سمعها عن الفرع الذي اعتقل فيه محمد، وهو الفرع رقم 215 التابع للأمن العسكري والمعروف باسم “سريّة المُداهمة”.
وفي حين بقي مصير محمد مجهولاً، فإنّ أهالي مُعتقلين آخرين تيقّنوا من مقتل أبنائهم في أفرع أمنية مختلفة، بعد توجّههم خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى إدارة السجّل المدني في المحافظة التي ينحدرون منها، واستخراج بيانٍ عائلي، وجدوا فيه أن أبناءهم قد تمّ تسجيلهم على أنهم “مُتوفون”. حصل ذلك مع كثيرٍ من العائلات في مختلف المحافظات السورية، ومن بينها عائلة المصور الفلسطيني نيراز سعيد، الذي نعته الأسبوع الماضي زوجته لميس الخطيب على حسابها في موقع “فيسبوك” بقولها: “قتلوا حبيبي وزوجي، قتلوا نيراز، قتلوك يا روحي. نيراز استشهد بمعتقلات النظام السوري”.
يؤكد الحقوقي الفلسطيني – السوري، أيمن أبو هاشم، في حديث مع “العربي الجديد”، الأربعاء الماضي، أنّ من تبقّى من أسرة نيراز سعيد في دمشق علموا من خلال أقاربهم بوصول اسم نيراز مع قوائم القتلى في معتقلات النظام السوري إلى دائرة الأحوال المدنية التابعة لمؤسسة اللاجئين الفلسطينيين في منطقة عين الكرش بدمشق، ليضاف إلى قائمةٍ موثّقة بأسماء 605 فلسطينيين قتلوا في سجون النظام بعدما كانوا قد اعتقلوا خلال السنوات الماضية، ومنهم 40 خلال الأسبوعين الأخيرين فقط. ويضيف أبو هاشم أنّ “التجمّع السوري – الفلسطيني” (مصير)، وثّق 12 ألف حالة اعتقال لفلسطينيين في سورية، خلال السنوات السبع الماضية.
ونيراز سعيد، مصورٌ وثّق معاناة المدنيين في مخيم اليرموك بدمشق، وحصلت أعماله على جوائز عالمية، أشهرها جائزة “أونروا” لأفضل صورة صحافية عن صورة “الملوك الثلاثة”. كما أنتج فيلم “رسائل من اليرموك”. وعُرضت بعض أعماله في معرضين بمدينتي القدس ورام الله، قبل أن تعتقله دورية من استخبارات النظام، في دمشق، مطلع أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2015.
هل يُغلق النظام ملف المُعتقلين؟
قبل أيام قالت مصادر إعلامية في مدينة السويداء، جنوب سورية، إنّ والد المعتقل السياسي إيهاب طلال أبو صعب، من أبناء ريف المحافظة، علم قبل فترة وجيزة، عن طريق الصدفة، أنّ ولده المعتقل منذ مارس/ آذار 2013 قد قتل في مُعتقله، بعد عام واحد على اعتقاله من قبل الأمن العسكري، وذلك استناداً إلى بيان قيد عائلي استخرجه من السجّل المدني. وحصل الأمر نفسه مع عشرات العائلات بدمشق وحماة والحسكة ومحافظات سورية أخرى.
فمنذ مايو/ أيار 2018، تزايدت بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وتقارير أخرى، حالاتُ كشف عائلات المعتقلين تثبيت وفاة أبنائهم من دون علمهم في السجلات المدنية.
وبدأ النظام يلجأ في الآونة الأخيرة، بحسب حقوقيين سوريين، إلى حذف أيّ دلائل تخصّ المعتقلين، ومن الممكن أن تؤدي مستقبلاً إلى ملاحقته قانونياً، فـ”يتلاعب بالسجلات المدنية، وتتم توفية الشخص من دون الإشارة إلى أنّه كان محتجزاً”، بحسب ما تذكر مسؤولة قسم المعتقلين في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” نور الخطيب. وتوضح في حديث مع “العربي الجديد” أنّ سعي النظام لـ”إغلاق ملف المُعتقلين صعبٌ أن يحدث، بسبب وجود نحو 215 ألف معتقل ومختفٍ قسرياً بمراكز احتجاز النظام”.
وتقول الخطيب إنّ “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثّقت في سجلاتها مقتل 13066 معتقلاً تحت التعذيب في سجون النظام، مضيفةً أنّ هذا التوثيق يشمل الاسم الثلاثي للضحية، وتاريخ وملابسات اعتقاله، والجهة التي كان محتجزاً لديها. وتلفت إلى أنّ النظام يقوم بتوزيع قوائم بأسماء أشخاصٍ قتلوا في المعتقلات على دوائر السجلات المدنية، بمعنى أن تقوم سلطات النظام بتوفية الشخص، مُبيّنةً أنّ “شهادة الوفاة الصادرة عن النظام في هذه الحالة تُحدد زمان الوفاة ومكانها، بحيث يُكتب في خانة المكان فقط المحافظة التي حصلت فيها الوفاة، من دون أن يُذكر مكان الوفاةِ أو سببها تحديداً”.
وتوضح الحقوقية السورية أنه عندما تُقدم “عائلة من عائلات المعتقلين بعد علمها بوفاة ابنها على محاولة اتخاذ أي إجراء قانوني لتحديد سبب أو مكان وفاة ابنها، أو حتى المطالبة بجثمانه، فإنها تُعرّض نفسها لملاحقات وتهديدات، كون الموضوع برمته مرتبطاً بأفرع الاستخبارات، التي تُغلق بشتى الوسائل الطرق القانونية كافة على أهالي الضحايا” من المعتقلين والمُعتقلات بسجون النظام.
ووفقاً لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، فإنه بالإضافة إلى عشرات آلاف المعتقلين فإن النظام يحتجز في معتقلاته أكثر من ثمانية آلاف امرأة، بينهنّ من قُتلن تحت التعذيب، وفق ما كشفت صور “القيصر”. و”القيصر”، هو الاسم المستعار لمصوّر في الشرطة العسكرية التابعة للنظام، يبلغ عمره نحو خمسين عاماً، وسرّب قبل أكثر من خمس سنوات، أكثر من ثلاثة وخمسين ألف صورة، تُثبت وفاة نحو أحد عشر ألف شخص، قتلوا في معتقلات النظام السوري. وقد أكد هذه الأرقام، في الأسبوع الماضي، لصحيفة “بيلد” الألمانية، التي أجرت لقاءً معه في دولةٍ أوروبية.
وقبل بدء النظام في الأسابيع الماضية بتوفية معتقلي سجونه في سجلاتهم المدنية من دون علم أهلهم، لم يكن أمام هؤلاء طرق كثيرة يسلكونها، للاستقصاء عن مصير أبنائهم.
ووفقاً لمسؤولة قسم المعتقلين في “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فإنه “لا إجراءات قانونية في سورية يُمكن لأهالي المُعتقلين اتباعها للاستقصاء عن حالة أبنائهم وأقاربهم. لا يستطيع الأهل توكيل محامٍ مثلاً بسبب السياسة الأمنية التي يتبعها النظام السوري اتجاههم”. وتشير إلى أنّه “في بعض الحالات، يذهب الأهالي لمقرّات الشرطة العسكرية ويسألون عن المعتقل مرات عدة، ليحصلوا على جوابٍ، إمّا بمكان المعتقل إن كان مثلاً في سجن صيدنايا، أو إعطاء الأهل شهادة وفاة، تتضمّن سبباً مزعوماً للوفاة ومكانها (توقّف قلب مفاجئ وما شابه)”، وهذا ما اعتبرته الحقوقية السورية بمثابة “اعترافٍ من الشرطة العسكرية بأنّ الشخص قد توفى في أحد مراكز الاحتجاز”، لكنها أشارت إلى أنّ هذه الحالات محدودة، قياساً بأعداد القتلى في هذه المراكز.
مصير مجهول لعشرات آلاف المُعتقلين
وإشكالية مسألة استخراج شهادات وفاةٍ للمعتقلين الذين لم يوفّيهم النظام في سجلاته، وتيقّن أهلهم بصورة أو بأخرى من مقتلهم هي قضيةٌ مُعقدة وتشكّل معاناةً إضافيةً لأهالي الضحية، الذين سيضطرون بعد سنوات لتوفية أبنائهم قانونياً لأسباب مختلفة، منها إذا كان المعتقل متزوجاً، بالإضافة إلى مسألة الميراث.
اعتقلَ لؤي. ق (تاجر، عمره 38 عاماً)، زَوج سوسن. ح، سنة 2012، من مكان عملهِ في دمشق من قبل الاستخبارات الجوية، للاشتباه بكونهِ ناشطاً في الثورة السورية. وبعد اعتقال لؤي ولمدةٍ تجاوزت 15 شهراً، زارَ عددٌ من السماسرة وضباط في الأمن والده، الذي يسكن في حي المالكي، أكثر أحياء العاصمة ثراءً، عارضين عليه إخراج ابنهِ من المعتقل، في حال دفع لهم مبالغَ مالية كبيرة تصل إلى عشرات آلاف الدولارات.
كان أبو لؤي يطلب منهم أن يثبتوا فقط مكان ابنه ليتمكّن من زيارته، حتى يدفعَ ما يطلبونه من مال، وذلك قبل ظهور صور “القيصر”، التي اتضح فيها مقتل لؤي غداة اعتقاله مباشرةً، إذ إن ملامح وجهه وجسده في الصورة كانت ما تزال تُظهر صحته الجيّدة، من دون ظهور أي علامات تدهور على صحته أو بمعالم وجهه الممتلئ. وهو ما يعني أن لؤي كان مقتولاً أثناء مفاوضة بعض ضباط الأمن وسماسرتهم لوالده، بحسب ما ذكرت سوسن، زوجة لؤي، لـ”العربي الجديد”.
وتقول سوسن: “عشت على أمل عودته كل يوم إلى حين رأيت صورته مقتولاً بعد نشر صور القيصر على الإنترنت. قُطِعَ الشك باليقين، وانتهى الأمر. قتلوه فور اعتقاله، أو على الأكثر بعد أقل من 4 أسابيع”. وتروي الشابة العشرينية، في حديث مع “العربي الجديد”، أنّ شاباً تقدّم للزواج منها سنة 2017، فتقدّمت بدعوى إلى القاضي الشرعي في دمشق، تطالب بتوفية زوجها، مشيرةً إلى أنّ “المحامي نصحنا بألا نذكر للقاضي أي شيء عن اعتقال زوجي أو رؤيتنا لصورته، فالنظام لا يعترف بصور القيصر، ويقول إنها مزوّرة، كما أن القاضي إذا علم أنّ زوجي كان معتقلاً، سيُحيل الأمر للقضاء العسكري، ولوزارة الداخلية للتيقّن من مصيره”.
تروي سوسن أنّ “المحامي قدّم الدعوى على أساس أنّ زوجي مفقودٌ منذ ما يزيد عن أربع سنوات، حيث استدعى القاضي شهود عيان، لحلف اليمين، بأنّه لم يحدث أيّ تواصلٍ مع زوجي منذ ذلك الحين. تأخّرت القضية لأشهر، قبل أن يبتّ القاضي بالأمر ويقرّر توفية زوجي”.
لكنّ آلافاً من أهالي المعتقلين، الذين ثبت لديهم بطريقة ما مقتل أبنائهم المعتقلين، عليهم أن يتبعوا طرقاً أكثر صعوبة ليتمكّنوا من الحصول على شهاداتِ وفاة، وليس أكيداً أنهم سيتمكنون من تحصيلها.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث السوري محمد منير الفقير، وهو مُنسّق “رابطة معتقلي صيدنايا”، حيث كان مُعتقلاً في السابق، إنّ أسر المعتقلين الذين ثبت مقتلهم في معتقلات النظام، يتبعون طرقاً عدة لاستخراج شهادات وفاة لأبنائهم، علاوة على طريقة توفية المعتقل عن طريق حكم محكمة. ويوضح الفقير، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إحدى الطرق “أن يتقدّم الأهل بطلبٍ للقضاء العسكري في المزة لكشف مصير المعتقل، فيتم في بعض الحالات إعطاؤهم ورقة لمراجعة الشرطة العسكرية في القابون، وهناك يتم البحث في سجّلات إدارة السجون العسكرية، التي قد تُخبر الأهل بمصير المعتقل. فإما أن يُقال لهم إنه ليس له اسم في السجلات، أو يتم إخبارهم بأنّ اسمهُ موجود من دون تحديد مكان اعتقاله أو حالته إن كان حياً أم لا، أو يتم إعطاؤهم ورقة بوفاته مختومة من الطبيب الشرعي، إذ يتوجهون بها في هذه الحالة إلى مستشفى تشرين العسكري، التي تمنحهم شهادةً بوفاته، وتُعلل الوفاة غالباً بتوقّفٍ مفاجئ للقلب أو التنفّس وما شابه”.
ويضيف الباحث السوري أن الجواب في الشرطة العسكرية في القابون “يكون أحياناً بأنّ الشخص الذي يسألُ أهله عنه، قد جاء لسجون الشرطة العسكرية وتم تحويله إلى الاستخبارات الجوية”، مبيّناً أنه “في هذه الحالة يكون الشخص قد أعدمَ بالغالب في المحاكم الميدانية، ولكن لا يُمنح أهله أي ورقةٍ بذلك”.
ويشير الفقير إلى أنّ “بعض أهالي المعتقلين عند عدم وصولهم إلى معلومةٍ حول مصير ابنهم في الشرطة العسكرية، يتوجّهون إلى مكتب الأمن الوطني في دمشق، الذي لديه سجلاتٌ بكامل قوائم المعتقلين وحالتهم إن كانوا أحياء أم لا، ومكان اعتقالهم أو دفنهم، ولكن ليس مؤكداً أن يُمنح الأهل إجابات عن مصير أبنائهم بكل الأحوال”، فالأمر يتوقّف على عوامل عدة، منها حالة المُعتقل، والجريمة المُتهم بها، ومدى تمكّن أهله من الوصول إلى شخصية نافذةٍ في النظام لتساعدهم بالأمر وغير ذلك.
ويبقى، بحسب حقوقيين سوريين، عشرات آلاف المعتقلين في السجون التابعة للنظام، مجهولي المصير، مع عدم توفية النظام لهم، ومع استحالة وصول أهاليهم إلى أي معلومةٍ حول مصير أبنائهم.
قائمة تضم ألف معتقل قتلهم النظام تحت التعذيب بداريا/ عمار الحلبي
علم “العربي الجديد” من مصادر مطلعة، أن الأفرع الأمنية التابعة للنظام، سلّمت دائرة النفوس بريف دمشق، صباح اليوم الجمعة، قائمة جديدة بأسماء المعتقلين من أبناء مدينة داريا، الذين قُتلوا تحت التعذيب في أقبية الأفرع الأمنية.
وقالت مصادر متطابقة من أهالي المعتقلين المتوفين من داريا لـ”العربي الجديد” إن “قائمة تضم أسماء ما يُقارب ألف مُعتقل من مدينة داريا بريف دمشق، وصلت من الأفرع الأمنية إلى دوائر النفوس بريف دمشق”، موضحةً أن دوائر النفوس بدأت بتغيير حالة المعتقلين من حي إلى متوفي على أنظمتها الإلكترونية.
وأوضحت المصادر أن الأهالي يعرفون تباعاً بأسماء المُعتقلين، بعد أن تقوم أفرع النظام الأمنية بإرسال أسماء المعتقلين الذين قُتلوا تحت التعذيب.
وتُعتبر هذه القائمة هي الأضخم من نوعها منذ أن بدأ نظام الأسد بإرسال قوائم بأسماء المُعتقلين في عدّة مدن وبلدات سورية.
وكان النظام قد أرسل قائمة سابقة تضم أسماء العشرات من المعتقلين الذين قتلهم تحت التعذيب، من بينهم الناشط السلمي يحي شربجي.
وبحسب “مجموعة معتقلي داريا”، فإن عدد المعتقلين من داريا يبلغ نحو ألفي معتقل، أي أن النظام قتل العدد الأكبر منهم تحت التعذيب في الأفرع الأمنية.
من جهتها، ذكرت “تنسيقية أهالي داريا في الشتات” أنها تمكّنت اليوم بالتعاون مع “فريق التوثيق” من إحصاء 68 قتيلاً موثّقين بالأسماء، قتلهم النظام السوري تحت التعذيب في الأفرع الأمنية السوري.
وقال مصدر في التنسيقية لـ “العربي الجديد” إن “سبعة من أصل الضحايا الـ68 قُتلوا بعد أن أعدمتهم قوات الأسد في سجن صيدنايا العسكري بتاريخ 15 يناير/ كانون الثاني من عام 2013”.
وبحسب ما نقلت التنسيقية عن مصادر من السجل المدني في داريا، فإن “النظام قام بإرسال قائمة فيها أسماء الشهداء الذين استشهدوا تحت التعذيب وفيها ما بين 950 و1000 اسم، على أن يكون هُناك قائمة ثانية سترسل بعد فترة”.
وبلغ عدد المعتقلين قبل استصدار إخراجات القيد 2809 معتقلاً موثقين بالاسم، بالإضافة إلى 122 مفقودا، إلا أن الجهات الحقوقية تتوقّع أن يكون الرقم بحدود 3400 معتقل.
30 شهيداً تحت التعذيب في يبرود
في سياق مواز، سلّمت قوات النظام السوري، أول من أمس، قائمة إلى دوائر النفوس والسجل المدني في القلمون الغربي تضم أسماء 30 معتقلاً قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري.
وقال موقع “صوت العاصمة” (سوري محلي): “إن القوائم تم تعليقها في دائرة نفوس يبرود، مع انتشار أخبار عبر سكان البلدة تُفيد بضرورة مراجعة الدائرة لاستكمال مُعاملة الوفاة”.
ويزعم مسؤولون في النظام السوري، أن هؤلاء المعتقلين، توفوا إما بسبب سكتة قلبية، أو أمراض أخرى، أو بسبب “القنص على يد العصابات الإرهابية المسلحة”، غير أنّها تُخفي كل الأدلة الحقيقية، ولا تقدّم دلائل على مزاعمها، بما في ذلك الجثث التي لم يعثر عليها ذوو المعتقلين.
وكان النظام قد بدأ بتسليم دوائر النفوس في المحافظات السورية، أسماء المعتقلين الذين قُتلوا تحت التعذيب، بعد أن كان مصيرهم مجهولاً لسنوات، غير أنه لم يعترف بمقتلهم تحت التعذيب، بل ادعى أنهم توفوا نتيجة أمراض مختلفة دون أن يقدّم أي أدلة طبية، بما في ذلك جثث المتوفين ليتم عرضها على الطب الشرعي وتأكيد سبب الوفاة.
ووصلت الدفعة الأولى من أسماء المعتقلين المتوفين تحت التعذيب في محافظة الحسكة في أبريل/ نيسان الماضي، تبعها دفعة أخرى في مدينة المعضمية بريف دمشق، ثم الزبداني وحماة ويبرود وغيرها من المناطق والمدن السورية.
سامح سرور كابتن منتخب سورية لكرة السلة ضحية التعذيب/ عبد الله البشير
سامح سرور، لاعب منتخب سورية ونادي الجيش لكرة السلة، اسم جديد يضاف لقائمة تطول من معتقلين قضوا تحت التعذيب في سجون النظام السوري.
أدرج اسمه في قائمة الأسماء التي سلمها النظام عن الذين قضوا في المعتقلات، لينضم الكابتن سامح سرور إلى قافلة ضحايا الرياضة السورية، الذين قدموا أرواحهم في سبيل ثورة الشعب السوري ضد النظام منذ 18 آذار 2011 وحتى اليوم.
سامح سرور، من مواليد عام 1989 ابن بلدة معربة في ريف درعا، اعتقل يوم السبت 14 أبريل/نيسان 2012 في مطار دمشق الدولي أثناء عودته من حلب مع فريقه الذي لعب أمام فريق الجلاء بمباراة ضمن بطولة كأس النخبة السورية.
لم يعرف مصير اللاعب أو هوية الجهة الأمنية التي ألقت القبض عليه أو التهمة الموجهة إليه، حتى الإفراج عنه بتاريخ 23 مايو/أيار 2012 لساعات قليلة فقط، قبل أن تعاود قوات النظام اعتقاله مجدداً، موجهة إليه تهمة إحراق مدارس حكومية في مدينة درعا. نقلت قوات النظام المعتقل سرور إلى عدة أفرع أمنية بين محافظتي دمشق ودرعا، ولم تظهر وسائل الاعلام الرياضية التابعة للنظام أية ردود فعل أو تعاطف مع اللاعب بل عتمت على الخبر في ظل الممارسات القمعية لأجهزة المخابرات على الإعلام السوري وهيمنتها على معظم مكوناته.
وكذلك زملاء اللاعب ظلوا صامتين حيال اعتقال سامح خوفاً من الاعتقال، باستثناء لاعب منتخب سورية رامي عيسى، الذي ظهر على صفحته في “فيسبوك” وهو يحمل قميص المنتخب الوطني السوري بكرة السلة، وكتب عليه “الحرية للكابتن سامح سرور”.
ويصف اللاعب السابق رامي عيسى، الكابتن سامح سرور، بـ “الهادئ والخلوق”، مؤكداً أن هذه الصفات كانت تبرز لديه حتى خلال اللعب، فلم يكن عنيفاً أو مؤذياً كما غيره من اللاعبين، ولعب في فريق الجيش. ويضيف “بحسب ما علمت أن سبب اعتقاله جاء بعد أن زاره أحد المطلوبين للنظام ونام عنده في البيت، لكن هذا الأمر ليس سبباً لاعتقاله من وجهة نظري، ويمكن أن تكون هناك أسباب أخرى لكننا لا نعلم بها”.
ويتابع عيسى حديثه لـ “العربي الجديد”، “كان هناك تخاذل عام من إدارة نادي الجيش، ونعلم أنهم متخاذلون، وكذلك لاعبو الفريق والمنتخب، فلم يسع أي منهم للإفراج عن سامح أو معرفة مصيره أو يواسي أهله. وهم يعرفون أنه اعتقل مظلوماً وبلا أي ذنب، لم يتعبوا أنفسهم ولو بكلمة على فيسبوك للأسف، وهذا عكس ما حصل عندما توفي باسل ريا في مايو من العام نفسه، وهو لاعب المنتخب أيضاً، بالطبع نحن لا نشمت بموت أحد، لكنهم ضجوا بوفاته على عكس قضية اعتقال سامح”.
ووفق شهادة أحد المعتقلين المفرج عنهم سابقاً، تعرّض سامح إلى أنواع شتى من التعذيب داخل فرع الأمن السياسي بمدينة درعا، ما أدى إلى كسر كتفه وإصابات في وجهه، نقل بعدها لدمشق.
ويقول عروة قنواتي، أحد مؤسسي الهيئة السورية للرياضة: “رغم أن الخبر مؤلم ومحزن للغاية، وخصوصاً في سلسلة قوافل الشهداء تحت التعذيب التي بدأت تصدر للعلن يومياً، إلا أنه أمر متوقع. يقوم النظام بتعذيب وتصفية النخب والشخصيات المبدعة في كل المجالات ومنها الرياضية، وهو يعلم تماماً مدى تأثير اللاعب السوري أو المدرب على الجماهير”.
ويضيف قنواتي “اليوم نخسر اللاعب المميز والشاب الخلوق سامح سرور، وكنا على أمل عودته كما أهله ومحبوه منذ 6 سنوات لحظة اعتقاله الأول والثاني. قضى شهيداً طيب الذكرى مثل زملائه الذين سبقوه منذ بداية الثورة وحتى اليوم، وما زلنا على أمل أن يكون باقي الرياضيين المعتقلين بخير ومنهم عامر حاج هاشم لاعب نادي الشرطة بكرة القدم، ومحمد حاج سليمان لاعب مصفاة بانياس بكرة القدم، وطارق عبد الحق لاعب نادي تشرين، والدكتورة رانيا العباسي وعائلتها، وعدد كبير من الرياضيين الأبطال. رحمة الله على الشهيد سامح سرور”.
وفي وقت سابق ذكرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بتقرير لها وثَّقت فيه مقتل 253 رياضياً على يد قوات النظام السوري، بينهم 4 أطفال و57 من مقاتلي فصائل المعارضة، و10 بسبب التعذيب، إضافة إلى إصابة ما لا يقل عن 117 رياضياً بإصابات متفاوتة. ورصدت أيضاً في التقرير حالات حوَّلَت فيها قوات النظام السوري عدداً من المنشآت الرياضية إلى ثكنات عسكرية ومقار احتجاز للمعتقلين.
وبيّنت الشبكة “أن أطرافاً من مليشيات تابعة للنظام استهدفت بعضَ الأندية والملاعب والصالات الرياضية”. وذكر تقريرها أن أول ضحايا الحراك الشعبي على الإطلاق كان لاعب نادي الشعلة محمود قطيش الجوابرة الذي قُتل على يد قوات أمن نظام الأسد في 18 مارس/آذار 2011.
القتيل رقم 3335 بسجون الأسد.. التهمة مدّ المحاصرين بالأدوية/ عبد الله البشير
ثلاثة أيام كانت كافية لموته تحت التعذيب في معتقل للنظام السوري، ليصبح صورة بين مجموعة صور للقتلى تحت التعذيب، تحمل الرقم 3335، وهي آخر ما نالته أسرته من ذكراه المؤلمة.
مروان عبد الوهاب الحسين الذي ولد عام 1962 في مدينة دير الزور التي توصف بـ”عروس الفرات”، نشأ في مدينة داريا بالغوطة الغربية بريف دمشق وترعرع فيها. تخرج من جامعة دمشق باختصاص الأدب الفرنسي، ويحمل إضافة لها شهادة في التمريض والإسعافات الأولية. كان والده مدير مركز البريد والهاتف في داريا، وحمل منزله رقم هاتف 85 أورثته العائلة لاحقا لمشفى “خيري”، أداره شقيق مروان الأكبر الدكتور إحسان الحسين.
شكلت سمعة العائلة رصيدا أخلاقيا وأدبيا في داريا، وعمل مروان مدرسا بداية في ثانويتها “ثانوية الغوطة الغربية” ثم استقال لاحقا ليعمل في الخدمات الطبية والأدوات الجراحية.
“كان لطيفاً ومحبوباً يسارع إلى تقديم الخدمة لجميع المحتاجين”، هكذا يصف الدكتور عبد الرزاق الحسين، أخاه مروان، ويقول لـ “العربي الجديد”: “عندما قامت الثورة ولوحق كل من يقدم معونة او إغاثة، أغلق المكان الذي كان يعمل به مروان ثم سرق ودمر، واجتاحت الفرقة الرابعة داريا لترتكب فيها مجزرة ذهب ضحيتها على الأقل 1200 مدني غالبيتهم من النساء والأطفال والشيوخ، ثم حوصرت بدءا من الثلث الأخير من عام 2012 على من تبقى من ساكنيها الخمسة آلاف من أصل ربع مليون هجروا قسرا”.
ويتابع عبد الرزاق “هنا بدأت معاناة داريا من الجوع والقصف، وكان مروان يعمل من خارج السور الذي يحاصر داريا دون انتماء لأي جهة، وكانت فكرته التي ألح على من كان داخل سور الحصار لتنفيذها، وهي فتح جميع المستودعات الطبية وأماكن تخزين الأدوات وتقديمها للجان الطبية لتوضع تحت تصرفها”.
ويضيف شقيق مروان: “كانت المواد تتناقص في الحصار وكان لا بد من تأمين النواقص والمواد الإسعافية، ومن الضروري اختراق السور بأي طريقة كانت، وبالفعل عمل مروان سرًّا على هذه المهمة ليؤمن أدوية ومستلزمات طبية للمحاصرين، وشخصيا كنت على تواصل معه انصحه بالهدوء، لكنه كان يسخر مني، وكان في هذا الوقت يتابع أيضا وضع أخينا غسان الصحي لإجراء جراحة له في القلب”.
ويقول: “الاثنان كانا يردان على كلامي دائما بقولهما: هناك ما هو أهم يا زواد، وزواد هو لقبي كوني الأصغر سنا بينهم”.
ويردف عبد الرزاق قائلاً: “في ليلة 8/7/2013 وصلت لي أخبار عن اختراق السور، وإشارة لتورط مجموعة من الثوار بالفساد والارتباط مع النظام، خفت على مروان واتصلت به بعد منتصف الليل من شدة قلقي، وقلت له انتبه أرجوك، فرد عليّ ساخراً: والناس يلي عم تموت جوا نتركها، كأنك يا أخي ما رضعت من نفس الصدر معي من أمك”.
ويتابع “كان جواباً قاصماً لي بصراحة، واعتذر مني وقال عليه الذهاب لأنه تلقى اتصالاً بأمر لا يحتمل التأخير. كانت الساعة نحو الواحدة ليلا حين أنهى الاتصال، وبعد ربع ساعة تماما داهمه عناصر من الفرع 215 في حي ركن الدين بدمشق، وهو يهم لأداء واجبه الذي كان في الحقيقة فخا من المخابرات”. ويوضح أن مروان “تعرض للتعذيب ثلاثة أيام متواصلة، لترتقي روحه ليل 12 يوليو/تموز 2013، حاولنا مرارا استلام الجثة لكن دون جدوى، وأحالونا لإصدار شهادة وفاة تحت عنوان ذبحة صدرية”.
قصة مروان هي قصة واحد من مئات آلاف المعتقلين يحاول نظام الأسد طمس قضايا اعتقالهم، وإخفاء أدلة موتهم تحت التعذيب في معتقلاته، دون تسليم جثثهم لذويهم، والاكتفاء بإصدار شهادة وفاة ملفقة لهم، أو الإبلاغ فقط عن طريق اتصال هاتفي أو رسالة نصية.
شهادات ناجين… أساليب التعذيب في سجون النظام السوري/ عبد الله البشير
“كنا نتمنى الموت ونطلبه كلّ لحظة”، هذا ما يؤكده ابن مدينة خان شيخون في إدلب، شمال سورية، معتصم عبد الساتر، وهو يتحدث عن فترة اعتقاله وتنقله بين عدة معتقلات وسجون تتبع لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. يضيف: “رأينا مشاهد قد تصيب حتى من يسمع بها فحسب بالرعب. قصتي بدأت عند اقتيادي مع آخرين إلى فرع الأمن العسكري بدمشق. دخلنا إلى غرفة التحقيق أولاً وطلبوا منا الاعتراف بجرائم لم نفعلها، فرفضت الاعتراف، وكنت مصراً على أنّي أقول الحقيقة، فأخذوني إلى قبو تحت الأرض، مغمض العينين بقطعة قماش. أول ما فعلوه بنا تعريتنا تماماً. ثم بدأوا في ضربنا بأنابيب المياه البلاستيكية الخضراء، في أيّ مكان من أجسادنا. كنا نُضرَب يومياً طوال ساعات حتى فقدنا الإحساس من شدة الضرب، وهنا بدأت المعاناة، فقد مات شخص تجاوز الخمسين، مثلي، من شدة الضرب… جسده كان متورماً بشكل لا يصدق، وكانت لديه أضلاع مهشمة”.
نصف زيتونة
يقول عبد الساتر: “بعد فترة من الاعتقال اقتادوني إلى التحقيق وأصروا على أن أعترف بالجرائم. كنت على يقين أنّ الموت ينتظر الأشخاص الستة والعشرين الذين جرى اعتقالهم معي في المكان نفسه. بقيت مصراً على أنّي لم أفعل شيئاً، فأنزلوني إلى القبو، وضربوني وصعقوني بالكهرباء، وبعدها شبحوني، أي كبّلوا يديّ وعلقوني بهما بينما جسدي متدل في الهواء. في هذا الوقت، كان يجري شبح المعتقلين يوماً أو يومين أو حتى ساعات، لكنّهم تغافلوا تماماً عني، وتركوني مشبوحاً فاقد الوعي في معظم الأحيان. وبحسب ما علمت، فقد تجاوزت شهراً كاملاً على هذه الحال أغذى بما يبقيني على قيد الحياة فحسب، فقدّر لي أن أبقى حياً، وأعود إلى المهجع لأجد أنّ عدد الموتى تحت التعذيب أصبح أربعة أشخاص، من بينهم شخص كانت جثته لا تزال في المهجع، ولا شيء لدينا لنغطيها به. أما السجانون فلا يجيبون على صراخنا بإخراجه. كنا ننام والجثة بيننا، حتى جرى إخراجها بعد أيام”.
يتابع عبد الساتر شهادته: “في هذه الفترة، ومن شدة التعذيب والجوع والقذارة التي نعيش فيها، إذ إنّ المراحيض تقع في المكان نفسه الذي ننام فيه، تفشى الجرب بيننا. كنا نحلم بالمياه النظيفة، لكنّها بالفعل بقيت حلماً، فقد كنا نشرب من صنبور المرحاض عندما يقرر السجانون فتحه لنا، إذ عشنا أياماً بلا ماء. أثّر كلّ ذلك فينا، فكنا نتشاور بين بعضنا البعض أنّ الانتحار هو السبيل الوحيد للنجاة. وقد طلبت من أحد المعتقلين أن يخنقني بينما أخنقه، لكنّنا فشلنا إذ لم نقوَ على القتل. كانت هناك طريقة أخرى للانتحار من خلال ضرب رؤوسنا بجدران السجن، لكنّ الدماء كانت تسيل منا ويغمى علينا لنعود بعدها إلى وعينا، بلا فائدة”. يضيف لـ”العربي الجديد”: “من أكثر المشاهد وحشية طلبهم من أحد الشبان ونحن عراة ضرب رجل مريض، بادئ الأمر رفض، فانهالوا عليه بالضرب فوقع أرضاً وركلوه، ثم أمروه مرة أخرى بضربه ففعل، وبعدها بدأوا بضرب الاثنين معاً، وبعد ساعات كان الرجل المريض قد فقد بصره تماماً، ولم يعد قادراً على المشي، فلم يتحمل المشي ووقع بيننا في الممر، فظنّه السجانون يمثّل عليهم، وكان أحدهم يصرخ به: تحرك يا حيوان تحرك… لكنّه لم يجب، فقلبوه وتأكدوا أنّه مات. كانوا يفرحون عند موت أحدنا داخل القبو”.
يقول عبد الساتر: “هناك مشهد لا يفارق ذهني مطلقاً، وهو كيف كنا نقسم حبات من الزيتون بيننا لتكفينا، فقد كنا نضعها على الأرض، ونبتعد قليلاً ثم نقارن بينها إن كان هناك اختلاف في أحجامها لنتقاسمها بالتساوي بيننا. كان الواحد منا يحصل في أيام الرخاء على نصف حبة زيتون. عندما نقلونا إلى أحد السجون بدمشق، وأدخلونا إلى المهجع، انتابتني حالة فرحة كبيرة، إذ كان هناك ضوء أصفر يتخلل المهجع المظلم، فذهبت فوراً للجلوس مقابل هذا الضوء، وبقيت على هذه الحال أكثر من ثلاث ساعات، لكنّ الضوء لم ينحرف أبدا كما يحدث للشمس، وهنا علمت أنه ضوء إنارة المهجع الذي لا ينطفئ، والذي يهدف إلى منعنا من النوم”.
يختم عبد الساتر شهادته: “أخرجوني من سجن صيدنايا على النقالة بعد ثلاثة أعوام من تنقلي بين المعتقلات، وكان وزني حينها 26 كيلوغراماً، وكنت أقرب إلى الموت من الحياة. قضى 14 شخصاً تحت التعذيب خلال فترة سجني، أما بقية من كانوا معي في البداية، فلا أعرف عنهم شيئاً، وأظن أنّهم ماتوا أيضاً لأنّ خروجي حياً كان غريباً كفاية”.
حقنة هواء
عن تجربة اعتقاله، يوضح الباحث في “مركز عمران للدراسات” ساشا العلو، في شهادته لـ”العربي الجديد”، أنّها تجربة مريرة ومؤلمة، فقد اعتقل في فرع المنطقة المعروف بالفرع 227 في نهاية عام 2013 ليفرج عنه عام 2014. يقول: “كنا نسمع عن سخرة الطعام في السجون، فهناك عمل للمعتقلين بتقديم الطعام لغيرهم بشكل دوري، لكن كان هناك نوع آخر من السخرة هي سخرة الموت، إذ كان علينا أن ننقل جثث المقتولين تحت التعذيب إلى ساحة خارج السجن كلما مات أحدنا، فكنا نضع الجثة على بطانية ونمسكها من الزوايا الأربع وننقلها إلى الساحة لتأتي سيارة وتنقل الجثث إلى مكان لا نعرفه. أسباب الموت كانت كثيرة، منها التعذيب، فبعض الأشخاص لا يحتملون الضرب الشديد، ومنهم من يموت مباشرة، وبعضهم يعيش لأيام يعاني من مضاعفات التعذيب الذي كان يجري باستخدام الكرسي الألماني (ينام الضحية على بطنه ويوضع كرسي في ظهره، قوائمه تحيط بجسد الضحية وعموداه العلويين تحت إبطيه، ليُشدّ إلى الخلف) فيصاب الضحية بتمزق الأحشاء الذي يتسبب بانتشار الفيروسات في جسده ويؤدي إلى وفاته بعد فترة”.
يضيف العلو: “بالنسبة إلى من يعانون من أمراض مزمنة كان الكثيرون منهم يموتون لعدم تحملهم الوضع المأساوي داخل المعتقل. أذكر أنّ فتى في الرابعة عشرة كان مصاباً بالسكري، وحصلت معه نوبة شديدة بعدما تعرض للتعذيب وكان من دون طعام، فأعطاه طبيب حقنة أنسولين ليموت على الفور بسبب التدني الشديد في نسبة السكر في دمه، فشتمنا الطبيب وأهاننا وقال: لماذا لم تخبرونا أنّه بلا طعام… مع أنّه كان يعلم ذلك”.
عن أكثر المشاهد رعباً، يقول العلو: “كانت الجثث تملأ حمامات السجن، إذ يتكدس بعضها فوق بعض. كنا نضعها هناك لعدم توفر مساحة في المهجع الذي لا يكفينا كي ننام حتى، وفي السجن كان هناك صراع حقيقي من أجل البقاء يمنع علاج المصابين بالصدمة خصوصاً من يدخلون حديثاً ويشاهدون هذا المنظر. يهذي هؤلاء ويتحدثون مع أنفسهم، فلا يبقى من علاج لهم غير تأمين مكان ينامون فيه مع عناية ليومين أو ثلاثة، وهو أمر نادر الحدوث، إذ كان السجانون يضربونهم أكثر من غيرهم لعدم استيعابهم الأوامر، ما كان يتسبب بوفاتهم في النهاية. أذكر أنّني دخلت في هذه الحالة بعد يوم كنت فيه ضمن سخرة نقل الموتى، وبينما كنا ننقل الجثث إلى الساحة شعرت بجثمان يتنفس بينما ننقله، فلم أتمالك نفسي وأعلنت أنّي سأخبر الضابط، وبالفعل قلت له إنّ الشاب ما زال على قيد الحياة، فردّ: اتركه سيموت لاحقاً في سيارة النقل. عدت بعدها إلى المهجع ولم أكن أتخيل ما الذي حدث حينها، إذا عاد إلى وعيه تماماً. أما أنا فقد دخلت في حالة الهذيان طوال ثلاثة أيام، وهيّأ الله لي أشخاصاً كي يعتنوا بي طوال تلك الفترة، لأصحو وأعود إلى طبيعتي”.
مما شاهد العلو أيضاً داخل المعتقل من أمور مرعبة وقاسية، غرفة العزل التي يقول عنها: “هذه الغرفة كان يودع فيها المرضى والمصابون. هم أشخاص شجّت رؤوسهم، وتعرضوا لجراح بليغة في أماكن من أجسادهم ومنهم من تعفنت جراحه، وآخرون مصابون بأمراض سارية ومعدية. مشهدهم في هذه الغرفة يبعث القشعريرة والخوف ما يؤدي إلى هذيان البعض”. يذكر أيضاً أنّه في مرحلة من المراحل رأى جثثاً لا تحمل أيّ آثار تعذيب أو كدمات، لأشخاص كانوا قد اعتقلوا حديثاً، متسائلاً في نفسه عن كيفية قتل هؤلاء، فافترض أنّهم قتلوا بكسر أعناقهم. لكن بعد فترة من الاستفسار، اكتشف من سجناء من أصحاب السوابق ممن ليست لديهم علاقة بالثورة، وكانوا ممن شاركوا في قتل أولئك المعتقلين، أنّ “طريقة القتل كانت عبر حقنهم بحقن هواء، ما يؤدي إلى موتهم من دون ترك أي أثر للتعذيب مطلقاً، وهي طريقة إعدام لم تكن تخطر في بال أحد، وتأكدت منها بعد مطابقة عدة شهادات لأشخاص كانوا في المعتقل”.
اغتصاب جماعي
من جهتها، تقول آمال (33 عاماً) من حماة، إنّ مشهد الموت بات مألوفاً لديها داخل السجن. تؤكد في شهادتها لـ”العربي الجديد” أن لا خطوط حمراً مطلقاً في التعامل مع النساء؛ من الكلام البذيء إلى الضرب المبرح، إلى قص الشعر، وصولاً إلى اغتصاب السجانين الجماعي لهن.
تضيف: “ما يثير رعبي حتى الآن هو مشهد تعذيب إحدى طالبات كلية الآداب، من درعا. كانت فتاة حسناء وخلوقة اسمها هالة. عند دخولها إلى الفرع كانت في حالة صدمة، إذ خلعوا حجابها وعرّوها من ملابسها كما هي العادة بحجة التفتيش، وهي ذريعة لإذلال النساء. بعد أيام من سجنها وضربها وإهانتها، نزل أحد عناصر الأمن إلى الزنزانة، وكان يفتخر أنّه من بلدة القبو في ريف حمص الشمالي ويردد دائماً عبارة بشار الأسد هو ربكم”. تقول آمال إنّه كان يبحث عن الفتيات الجميلات ليمضي مع بقية العناصر السهرة معهن، ووقع اختياره على هالة، فاقتادها من شعرها وكان يحمل السيجارة بيده ويقول لها “هذه ليلة عمرك وستكونين بضيافتي”.
تتابع القصة: “بعد ساعات، وكانت الساعة قد اقتربت من الرابعة فجراً، نزلوا وهم سكارى ففتحوا باب السجن ورموها وهم يضحكون ويشتمونها. كانت الفتاة بكراً وهي في العشرين من عمرها، ملطخة بالدم، وتنزف، وغير قادرة على المشي مطلقاً. لم يكن لدينا ما نوقف به نزيفها، ولم نتمكن من انتشالها من حالة الصدمة، وكلّ صراخنا وطرقنا على باب الزنزانة لم يجدِ نفعاً إذ فارقت الحياة بعد ساعتين تقريباً. وعندما جاؤوا لنقل جثتها، سخر بعضهم وقال: كانت جميلة. وصرخوا بنا أن نحملها ريثما يأتي العناصر لنقلها إلى الخارج، وقال أحدهم لنا: لا تخفن، السهرة في الأسبوع المقبل، وعليكن أن تكنّ قويات كي لا تمتن، كما ماتت هالة”. تختم آمال: “ببرود، كانوا يتكلمون، كأنّنا مجموعة من الأثاث أو الجدران أو الحيوانات. هؤلاء الأشخاص مجردون من الأحاسيس، ولا يحملون في قلوبهم الرحمة أو الشفقة… القتل هو الشيء الوحيد الذي يجيدونه”.
إسلام دباس… ناشط سلمي قضى تعذيباً بمعتقلات النظام السوري/ مجد أمين
إسلام دباس، ابن مدينة داريا في ريف العاصمة السورية دمشق، ناشط سلمي قضى تعذيباً في معتقلات النظام السوري منذ سنوات من دون أن يعلم ذووه بوفاته إلّا قبل أسبوعين، ضمن حملة نشرت فيها أسماء ضحايا التعذيب التي تصل إلى أهالي الضحايا عبر دوائر النفوس.
إسلام، المولود في داريا عام 1989، قتل قبل أن يكمل ربيعه الرابع والعشرين، بعد مرور عامين على انطلاق ربيع عربي رأى فيه وكثيراً من رفاق دربه فسحة من أمل تجاه التغيير في بلاد يحكمها نظام لا يعرف سوى لغة الحديد والنار، ولا يجيد غير القتل والتعذيب.
عبد الرحمن دباس، شقيق إسلام، يوضح لـ”العربي الجديد” أن الثورة كانت تشتعل داخل جسد شقيقه، وهو الذي كان يحلم بغد أفضل لوطن يحبه. ويقول “كان لدى إسلام نشاط كبير، وأهداف عظيمة. عام 2011 كان إسلام يكمل سنته الثالثة في كلية هندسة العمارة، بالإضافة إلى الدراسة في إدارة الأعمال، كما كان يتابع دراسة اللغة الإيطالية في أحد المعاهد المختصة في العاصمة دمشق”.
اقتيد إلى عدد من الأفرع المخابراتية السورية المنتشرة على مساحة العاصمة دمشق وريفها لتستقر به التنقلات في سجن صيدنايا، ذي الصيت السيئ، حيث سيلقى حتفه بصمت.
استطاعت عائلة إسلام أثناء وجوده في صيدنايا زيارته مرتين فقط؛ الأخيرة كانت في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، ويروي عبد الرحمن تفاصيل المرة الأخيرة التي رأى فيها أخاه قائلاً: “التقيت بأخي إسلام في زيارتنا الثانية له، كانت في أواخر عام 2012 قبل شهرين من استشهاده، وكانت صحته جيدة ومعنوياته جداً عالية. ما زلت أذكر القميص البنفسجي الذي كان يرتديه، مع عبارة عليه بالإنكليزية: لأجل الحرية. فوجئت حينها من الكتابة وسألته: حتى وأنت هنا يا إسلام؟ أجابني: كي تعلموا أنّنا نكمل المسيرة”.
بغصة الأخ المكلوم وبعد جملة الترحم التي يحافظ عليها عبد الرحمن قبل كلّ مرة يذكر فيها اسم أخيه، يستذكر قصة حدثت لإسلام مع والده المعتقل أيضاً وما زال في سجون النظام: “بقدرة الله، اجتمع أبي المعتقل قبل إسلام بعشرين يوماً بأخي في قاعة المحكمة الميدانية بسجن صيدنايا في شهر سبتمبر/ أيلول 2012، بعد العناق بادر إسلام إلى الاعتذار من أبي من متاعب يظن أنّه سبّبها له، طالباً منه أن يرضى عنه. حينها تبسم والدي وأخبر إسلام أنّه فخور به وراضٍ عنه وأنّ لكلّ منهما قضيته التي أوصلته إلى المعتقل”.
ويضيف شقيق إسلام “وصلتني خلال عام 2016 معلومات عن استشهاد أخي، وبعض من كانوا معه في السجن أكدوا لي ذلك، وأنّ السجانين اقتادوه في وقت عادة ما يقتاد فيه المعتقلون إلى الإعدام، لكن رغم هذه المعلومات كان لدينا بصيص من الأمل أن نستيقظ يوماً ما لنجد إسلام بيننا. لكنّ هذا الأمل تبدد تماماً منذ أسبوعين، عندما علمنا عن طريق النفوس وإدارة السجلات المدنية بوفاة أخي”. ويتابع “رغم توقعنا الخبر فإنّه صادم نشر الحزن وسط أسرتنا المنتظرة والمتأملة، فقد تأكدنا أنّ بقية حياتنا ستكون من دون أخي إسلام”.
وعن حال والدته يقول عبد الرحمن: “فجعت كحال أمهات الشهداء جميعاً، لكنّ الشيء الوحيد الذي خفف عنها هول الفاجعة هو أنّ أخي قضى فقط بعد شهرين من آخر زيارة لنا إليه عندما كان بخير، وأنّ مدة عذابه لم تطل لسنوات كشهداء آخرين، وأنّه وفق ما علمت من رفاق له في السجن بقي لآخر لحظاته بكامل عقله وبتمام علاقته مع الله عزّ وجلّ”.
رحل إسلام، أو” أبو الهدى”، كما كان يحبّ أن يلقب، مع مجموعة من رفاق دربه، رحلوا بصمت من دون ضجيج داخل أسوار سجون كانوا يوماً يسعون إلى هدمها وتحرير من في داخلها.
شقيقة الناشطَيْن السورييْن يحيى ومعن شربجي: قتلهما النظام/ ريان محمد
تقيم عائلة الناشطين السوريين يحيى ومعن شربجي مجالس عزاء للشقيقين، حيث يقيم أفرادها خارج سورية، بعد علمهم، أمس، بخبر قتلهما في المعتقل منذ عام 2013، من خلال السجل المدني. وكان الاعتقال والموت مصير الشابين اللذين رفضا مغادرة سورية منذ بدء الثورة عام 2011، وانخرطا في الحراك الشعبي، إيماناً منهما بحق الشعب السوري في الحرية والكرامة.
وتوضح بيان شربجي، شقيقة يحيى ومعن، لـ”العربي الجديد”، أن عائلتها المقيمة في ليدز في بريطانيا، ووالديها الموجودين في مصر، سيقيمون مجالس عزاء، كل في مكانه، لابنيهما.
وتقول بيان: “عائلتي لم تكن تفكر في السفر خارج سورية، إلا عندما ساء وضع داريا جدا”، مضيفة “والداي تجاوزا السبعين، وأعال والدي من عمله في التجارة أسرة من عشرة أبناء، ستة صبيان وأربع بنات، منّا من أكمل تعليمه الجامعي ومنّا من لم يتابع الدراسة. وجميعنا آمنّا بالحراك منذ يومه الأول، ولم أسمع والديّ ولو لمرة أن قالا لأحدنا، خاصة يحيى ومعن، سافروا واتركوا البلد، لكن اليوم جميع أفراد العائلة خارج البلاد”.
وتستحضر بيان ذكرى لقائها الأخير مع شقيقيها وتقول: “آخر مرة رأيتهما فيها كانت في بيتي في داريا، قبل سفر زوجي بيوم واحد إلى بريطانيا، جاء معن ويحيى إلى منزلي، رغم أنهما كانا ملاحقَين وفي خطر، كان الخوف بادياً عليهما، والخشية من الاعتقال كانت سيد الموقف، كل ما كنت أفكر فيه في ذلك اليوم هو أن يغادرا نحو مكان آمن، خفت أن يكون عناصر الأمن يراقبون بيتي ويداهمونه في أي لحظة، كان ذلك قبل اعتقالهما بـ25 يوما”.
وتتابع “أذكر يومها قول يحيى لزوجي، كلكم سافرتم، لمن تتركون البلد؟ كان حزيناً لسفر بعض الناس، خصوصاً أحد أصدقائه. كان يتمنى بقاء الكل في هذه الظروف، وكانت هذه قناعته، وكنت أعلم أنه لا مجال لنقاش أمر المغادرة معه. لم يكن يعترض من يريد السفر، بل بالعكس كان يقول لي في هذه الثورة كل شخص يمثل نفسه”.
وتكمل حديثها بالقول: “الأسابيع الأخيرة قبل اعتقالهما، كانت فترة ملاحقة شديدة ليحيى ومعن، لم نكن نستطيع الاتصال بهما أو حتى نعرف أرقام هاتفيهما، كانا يغيّران الأرقام على الدوام. لذلك كانا يتصلان بنا إذا أرادا شيئاً ما”.
وعن معن تقول بيان: “كان معن يأتي خفية ليرى زوجته وأولاده لمدة قصيرة جدا، كان يتميز بطبعه الدمث وسعة صدره واهتمامه الكبير بأسرته”. وتشير إلى أن “ابن معن الصغير يقلّب صور والده يومياً ولا يمل منها، ويسأل باستمرار متى سيعود بابا؟ حتى جاء يوم ملّ الانتظار وقال لوالدته أنا سأكبر وأتزوج وبابا ما رجع”. وتشير إلى أن عائلة معن غادرت داريا بعد مرور أكثر من عام تقريباً على اعتقاله، وقبل وقوع مجزرة داريا بأيام قليلة.
وتؤكد “كان خبر موتهما صادما جدا لكل العائلة، رغم أننا توقعنا حدوث ذلك، لكن كان لدينا أمل في أن يعودا إلينا. لم نستطع إخبار أولاد معن الصغار خوفاً عليهم، فهم متعلقون بوالدهم جداً”. وتوضح بيان أن “العائلة تعرضت للابتزاز مرات عدة، إذ حاول بعض الناس إغراء والدي بتوفير معلومات له عن يحيى ومعن إن هو دفع لهم المال، لكن نحن كنا نعرف مكر النظام وأتباعه”.
وتعيد التأكيد على ما قالته لـ”العربي الجديد” أمس الثلاثاء، أن الأسرة عرفت يوم 23 يوليو الجاري بخبر وفاة شقيقيها عند مراجعة السجل المدني، وسمعت قبل أسبوعين تقريباً أن النظام يقوم “بتوفية” جميع المعتقلين الذين قُتلوا في المعتقلات تحت التعذيب أو أعدموا أو ماتوا لسوء الوضع الصحي. وإن محامين وناشطين كانوا يطلبون من عائلات المعتقلين أو أقاربهم، مراجعة السجل المدني واستخراج بيان عائلي أو إخراج قيد للمعتقل، بهدف معرفة مصيره. وتختم “ونحن عبر دائرة النفوس علمنا أن يحيى متوفى منذ 15 يناير/كانون الثاني 2013، ومعن توفي يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2013”.
يحيى ومعن شربجي شقيقان قتلهما النظام السوري في المعتقل/ ريان محمد
يبدو أن الزهور والمياه التي وزعها يحيى شربجي وشقيقه معن خلال المظاهرات السلمية في مدينتهما داريا مع بدايات الثورة السورية في عام 2011 لم تشفع لهما، بل غيّبهما النظام السوري في معتقلاته لأنهما طالبا بالحرية والكرامة. ظُلمُ الاعتقال وألمُهُ تضاعفا حين اكتشفت عائلة الشابين أمس الإثنين، أن يحيى ومعن قُتلا في معتقلهما منذ عام 2013، وإن وفاتهما موثقة في السجل المدني. وهكذا تحقق مراد يحيى الذي قال في وقتٍ سابق “أن أكون مقتولاً أفضل من أكون قاتلاً”.
وأعلنت شقيقة يحيى ومعن عبر صفحتها على موقع “فيسبوك” خبر مقتلهما في المعتقل، قائلة “ولا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون. وصلنا خبر استشهاد أخوي يحيى شربجي بتاريخ 15/1/2013 ومحمد شربجي (معن) بتاريخ 13/12/2013. نسأل الله أن يتقبلهم في الشهداء وأن يعلي مقامهم وأن يعيننا على متابعة طريق الحرية والكرامة الذي استشهدوا فيه وأن يجمعنا معهم في مستقر رحمته”.
وأفاد العديد من الناشطين السوريين بأن يحيى شربجي هو ناشط سياسي، من مواليد 21 يناير/كانون الثاني عام 1979 في مدينة داريا بريف دمشق. درس في كلية العلوم بجامعة دمشق، إلا أنه لم يكمل دراسته، جراء اعتقاله مع مجموعة من أصدقائه في مايو/أيار 2003، على خلفية عضويته في مجموعة سُمّيت حينها ” شباب داريا” ونشطت بين عامي 1989 و2003، وهي مجموعة شباب إسلامية، تهدف لحل مشكلات مجتمعية في كافة قطاعات الحياة. وشملت نشاطات يحيى دراسات فقهية حملت أفكاراً تجديدية في الفقه والعقيدة، ترافقت فيما بعد بنشاطات اجتماعية وأهلية مثل حملات توعية ضد الرشوة والتدخين وحملات لتنظيف الشوارع، كما نظم “شباب داريا” مسيرة صامتة ضد غزو العراق.
وحُكم يحيى بالسجن 4 سنوات قضى منها نحو عامين ونصف العام حتى عام 2005، الأشهر الأولى من سجنه أمضاها في أقبية المخابرات، قبل أن ينقل إلى سجن صيدنايا سيء السمعة، حيث قبع 4 أشهر في الانفرادي. وخرج من السجن مجرداً من حقوقه المدنية والسياسية وممنوع من السفر، وملاحقاً من قبل الأمن على الدوام.
شارك يحيى باكراً في الحراك الشعبي المطالب بالحرية والكرامة والعدل في عام 2011، فكان واحداً ممن شاركوا في اعتصام معتقلي الرأي أمام وزارة الداخلية السورية بدمشق. يومها أخذ منه الأمن السوري هويته وجواله، إلا أنه استطاع الفرار، ومع تسارع الأحداث وتوسع المظاهرات ووصولها إلى داريا، كان يحيى من أوائل المنظمين للمظاهرات وإبقائها سلمية.
واعتقل يحيى في السادس من سبتمبر/أيلول 2011، في كمين نصب له من قبل المخابرات الجوية مع أخيه الناشط معن وصديقه الناشط غياث مطر. وأجبرت قوات النظام شقيقه معن على استدراجه عبر الاتصال به وإخباره أنه مصاب بطلق ناري وأنه بحاجة للمساعدة.
أما شقيق يحيى محمد شربجي المعروف باسم “معن أبو عبيدة” فهو من مواليد داريا عام 1970، هو أب لأربعة أطفال، كانوا حتى بداية الأسبوع الجاري منتظرين عودة والدهم، الذي كان يعرف في داريا بنشاطه وصدقه. وكان معن من أوائل الشباب الذين رفعوا صوتهم في داريا، وصرخ بوجه إمام مسجد داريا خلال خطبة يوم الجمعة في 25 مارس/آذار 2011، قائلا: “كفاك نفاقا”، بعد أن راح الإمام يدعو لرئيس النظام، وكانت أخبار درعا مهد الثورة تلهب مشاعر السوريين.
كما شارك معن في أول مظاهرة خرجت من جامع عبد الكريم الرفاعي في حي كفرسوسة الدمشقي في الأول من شهر أبريل/نيسان 2011، لكن أمن الدولة اعتقله خمسة أيام، خرج عقبها وآثار التعذيب ظاهرة على جسده. وسرعان ما عاد إلى التظاهر وتنظيم المظاهرات، كما عُرف عنه دعمه لأهالي الشهداء والمعتقلين مادياً ونفسياً.
يشار إلى اكتشاف عائلتي يحيى ومعن حديثاً بأنهما قتلا في المعتقلات قبل سنوات، مشابه لحال كثير من الأسر التي علمت بمقتل أبنائها من كثير من دائرة السجل المدني. ويتضح أن النظام سجل وفاة عدد كبير من المعتقلين بالسجل المدني، دون تبليغ عائلاتهم أو تسلم جثثهم أو حتى أغراضهم الشخصية.
ولا تتوفر إحصائيات دقيقة لعدد المعتقلين الذين قضوا في المعتقلات إما بأحكام الاعدام أم تحت التعذيب أم جراء تفشي الأمراض، إلا أن ناشطين يقدرون أعدادهم بعشرات آلاف القتلى.
إبراهيم المطلق …”عين الحقيقة” التي تحدت نظام الأسد بتدمر/ عبد الله البشير
“ما اطلع منك يا تدمر لو هالروح تروح” عبارة كان يرددها الناشط إبراهيم عبد الرزاق المطلق على الدوام خلال مشاركته في المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام في مدينة تدمر، حيث عمل مع ناشطي المدينة على تنظيمها والإعداد لها.
ولم يكتف المطلق بنقل المظاهرات وإنما ذهب أبعد من ذلك، إذ كان يغطي من منطقة غوطة تدمر أو كما تعرف بمنطقة “البساتين” قصف قوات النظام للمدينة واستهدافها للمناطق الأثرية ومنها معبد بل، قبل أن يتم اعتقاله عام 2013 بكمين لقوات النظام، وقضى في السجن تحت التعذيب، وتم إبلاغ أسرته بوفاته في سجون النظام يوم 16 سبتمبر/أيلول 2014.
“إبراهيم كان يحلم أن يصبح مصورا مشهورا، ويدخل أبواب العالمية، وينقل بالكاميرا الخاصة به صورا جميلة لأطفال يلعبون أو مشاهد تحمل في طياتها جمال الإنسانية”، هذا ما يقوله صديقه الناشط الإعلامي هشام الفهد الذي رافقه في تغطيته للمظاهرات.
ويؤكد الفهد لـ”العربي الجديد” رفض إبراهيم الخروج من مدينة تدمر مع أول هجوم شنته قوات النظام على المدينة عام 2012، وإنه بقي مصرا على البقاء فيها ليصور ممارسات تلك القوات بحق الأهالي في المدينة، متجاهلاً كل تحذيراتنا له ومطالبتنا إياه بالخروج.
ويضيف “كلمته باتصال هاتفي وطلبت منه الخروج قبل اعتقاله بأسبوع تقريبا، لكنه رفض وبالفعل بقي في المدينة، ووثق مشاهد تحبس الأنفاس من بين الأزقة والشوارع فيها لتمركز الدبابات والقصف وانتشار قوات النظام والاعتقالات”.
ويقول بشار عقيل الذي تشارك مع إبراهيم معاناته في نقل المظاهرات وتغطية القصف على مدينة تدمر بحديث لـ “العربي الجديد”: “كان خلوقاً ومحبوبا لدى جميع نشطاء المدينة، وكان الجميع يكن له الاحترام والتقدير، لتواضعه وتفانيه المنقطع النظير وشجاعته”.
ويتابع “قضى إبراهيم عاماً كاملاً في منطقة البساتين ملاحقاً من قبل قوات النظام وعمل خلالها إلى جانب تغطية الأحداث في المدينة على مساعدة الكثير من المنشقين عن النظام بالتواصل مع ذويهم، ليقع بعدها بكمين نفذته مجموعة من الشبان ادعوا أنهم بحاجة للمساعدة، ليقتاده الأمن العسكري بعدها للسجن”.
ويصف أيمن (32 عاماً) لـ”العربي الجديد” إبراهيم بـ”عين الحقيقة”، ويقول عنه “كان نشطاء المدينة يطلقون عليه لقب عين الحقيقة لنقله الأحداث التي تجري في المدينة بالقرب من سجن تدمر الرهيب سيئ السمعة، حيث كان يخفي النظام جثث معارضيه كما حدث في مجزرة 1982”.
ويشير إلى أن “إبراهيم حاول جاهدا فضح خفايا وحقائق أخفاها النظام في المنطقة الأشد خطورة في سورية نتيجة الطوق الأمني والغموض الذي يلفها، وكثير من زملائه شعروا بالخوف من أن يجبر النظام إبراهيم على البوح بأسمائهم خلال التحقيق معه فغادروا المدينة. لكن شجاعته وحبه لأصدقائه حالت دون ذلك، وحسب ما سمعناه من معتقلين رفض الاعتراف بأي شيء”.
ويضيف “أم إبراهيم تعيش حالة حزن وكآبة منذ تلقت خبر وفاته، كانت تعيش على أمل عودته إليها سالما، لا سيما أنها فقدت أخاه بقصف قوات النظام على مدينة تدمر قبل أن يصلها نبأ وفاة إبراهيم بأشهر، وهي حتى الآن لديها أمل في رؤية جثته. حاول أقاربه وأخوته ذلك ودفعوا مبالغ مالية كبيرة لكن النظام رفض تسليمهم الجثة، وأعطاهم ورقة عليها رقم جثته بعد مراجعتهم سجن القابون، اكتفوا بالقول لهم إن سبب الوفاة مجهول، ولم يُعترف بمقتله تحت التعذيب”.
وإبراهيم من بين مئات الناشطين من مدينة تدمر قضوا تحت التعذيب في سجون النظام دون تسليم جثثهم لذويهم، ومنهم خالد الشحيدة، وعمر فرجاني، وغنام السبتي، ومحمد التركي.
محمود العلي… الرياضي الذي قضى تعذيبًا بسجون الأسد/ عبد الله البشير
أسماء جديدة لضحايا قضوا تحت التعذيب تصل تباعا لدوائر النفوس في المدن السورية، وأحدثها تلقي مدينة الحسكة قائمة جديدة بأسماء أبنائها المعتقلين، ومن بينهم لاعب نادي فريق “الجزيرة” السوري لكرة القدم، محمود العلي. نعاه نشطاء ورياضيون سوريون، ودانوا قتله تحت التعذيب من قبل النظام السوري، مستنكرين محاولات النظام طمس جرائمه البشعة ضد المعتقلين، ورفضه تسليم جثث الضحايا لذويهم.
ويقول رئيس اتحاد كرة القدم التابع للهيئة الرياضية السورية نادر الأطرش، في شهادته عن العلي لـ”العربي الجديد “: “اللاعب محمود العلي أعرفه منذ كنت في الاتحاد السوري لكرة القدم قبل انشقاقي عنه، كان لاعبا في نادي الجزيرة وتدرج في فئاته من الناشئين إلى الشباب ووصل إلى مرحلة الرجال. اعتقل لأسباب مجهولة بعد تقرير أمني بشهر أغسطس/آب 2014، وبقيت أخباره مفقودة وغامضة عن سبب اعتقاله والجهة التي اعتقلته. وحسب المعلومات الأولية، فإنه احتجز في فرع التحقيق العسكري، وتفاجأنا للأسف بنبأ وفاته”.
وتابع “لمحمود شقيقان شعيب العلي لاعب نادي الوحدة والآخر لاعب نادي الجزيرة، وسبق لشعيب أن أخذ ضمانات من رئيس اتحاد كرة القدم السوري فادي الدباس، بالبحث عن مصير أخيه ومساعدته في الإفراج عنه، لكن النظام أثبت أنه بلا ذمة أو ميثاق أو ضمير، ومن المفترض كما يقولون لا علاقة للسياسة بالرياضة، وأحد اشقاء اللاعب يمثل منتخب سورية وهم لم يأخذوا بموقف شقيق اللاعب وتمت تصفيته تحت التعذيب”.
وأضاف الأطرش: “لم أحتك بمحمود شخصيا لكن كنت أراه خلال المباريات، ومحمود العلي ابن بيئة بسيطة طيب المنشأ، وكان طموحا ويسعى للاحتراف الداخلي، وكانت أندية الشمال السوري والمنطقة الشرقية أندية فقيرة، فكان الطموح دائما بتطوير مستواهم ضمن أنديتهم للانتقال لأندية أخرى. وكان محمود من بين هؤلاء وبذل مجهودا في هذا الاتجاه، كان من اللاعبين ذوي المستقبل الجيد، لكن الاعتقال أنهى هذا الطموح ليقضي تحت التعذيب في معتقلات النظام”.
“كان محبوبا وذا خلق طيب ومعروفا لدى أهالي الحسكة بهذا”، هذا ما أوضحه أحد لاعبي فريق نادي “الجزيرة” لكرة القدم لـ”العربي الجديد”، رافضا ذكر اسمه لدواع أمنية وحرصا على أهله. وقال اللاعب: “خلال فترة سيطرة الجيش الحر على حي غويران بمدينة الحسكة كان اللاعب محمود في اللاذقية مع باقي فريق الجزيرة، وكان يأتي لحي المرديان في المدينة خلال زياراته للحسكة، واستمر على هذه الحال حتى خرج مقاتلو الجيش السوري من حيّ غويران، فكان من بين كثيرين من الناس الذين توجهوا فورا إلى الحي لتفقد منازلهم وممتلكاتهم فيه، وبالفعل عاد وتفقد منزله وبشكل طبيعي دون أي مضايقات”.
وتابع “بعد فترة كان محمود متجها لمحل هواتف محمولة معروف في الحسكة، يتردد إليه كالعادة لشحن رصيد جواله الخاص، ليتفاجأ هذه المرة بمداهمة رجال الأمن للمحل واعتقاله، وذلك بتقرير كيدي من أحد عملاء رجال الأمن دون معرفة فحوى أو ماهية التقرير وأسباب الاعتقال”.
وأضاف “هنا بدأت معاناة أهله وبدأوا بالبحث عن وسيلة للإفراج عنه، منها عبر رئيس الاتحاد الرياضي لكرة القدم فادي الدباس الذي كان يطمئن إخوته أن محمود بخير وسيتم الإفراج عنه، وأنه يسعى بذلك، ومنها عن طريق دفع رشاوى ومبالغ مالية كبيرة لرجال أمن وعناصر من المخابرات لمعرفة أخباره وأين هو ومحاولة الإفراج عنه وإخراجه من السجن، لكن بحسب معلومات عدة فإن موت محمود لم يكن بهذه الفترة إنما قضى تحت التعذيب في عام 2015، الأمر الذي عرفناه أخيرا، وكان أهله يجهلونه”.
وقال “اللاعب”: “في الفترة التي سبقت اعتقال محمود كان يتطور في اللعب تطوراً متسارعا وملحوظا، وسعى جدياً ليثبت وجوده كلاعب سوري متميز، وتلقى عرضا من نادي جبلة وآخر من نادي النواعير، ليبدأ بمسيرة الاحتراف الداخلي، لكن كان لديه شغف وحب لنادي الجزيرة وعلمه، فرفض هذه العروض حينها وبقي متمسكا بالحفاظ على مكانه في النادي وسعى عبره للمنافسة والتطور”.
وفي سياق حديثه قال: “صراحة لا ندري ما الذي كان يقاسيه في السجن وكيف قضى تحت التعذيب، كانت أخباره منقطعة، ولا أعلم إن تمكن أخوه شعيب العلي لاعب نادي الوحدة السوري من معرفة شيء عن محمود، فسنوات اعتقاله كافية حقيقة لتحطيم جبل وليس إنسانا رقيقا وطيبا كمحمود، يتمتع بأخلاق رياضية لا مثيل لها في الملعب. نسأل الله الصبر والسلوان لأهله”.
ويذكر أن الكثير من لاعبي كرة القدم في سورية قتلوا تحت التعذيب أو لوحقوا من قبل قوات النظام السوري، ومنهم لاعب المنتخب السوري وفريق نادي الكرامة جهاد قصاب الذي قضى تحت التعذيب بسجن صيدنايا في شهر سبتمبر/أيلول عام 2016.
عبد الهادي قاشيط… كاتب سوري قتله النظام بسبب كلماته/ عبد الله البشير
“أكتب كي أكون حيث الكتابة في دمي وكينونتي، ففي البدء كانت الكلمة، أكتب لأن الكلمة تخيف الطغاة أكثر من رصاصة، أكتب من أجل الحياة، الخير، الحب، الجمال، والإنسان الذي يختزن كل هذه القيم النبيلة في داخله، أكتب كي يكون الإنسان إنسانا، أكتب لأن الكتابة صنو الحياة… وتركها صنو الموت”، بهذه الكلمات افتتح الصحافي عبد الهادي قاشيط لقاءه مع موقع “حلب” الموالي للنظام السوري عام 2008، ولم يكن يعلم أن ثمن هذه الكلمات سيكون غاليا عند نظام يجسد روح الطغيان والاستبداد، ليعتقل ويعذب حتى الموت ثمنا لموقفه.
تردد اسم عبد الهادي قاشيط ضمن قوائم طويلة لسوريين قضوا في معتقلات النظام السوري تحت التعذيب، مع العلم أن خبر وفاته في المعتقل ورد في الثامن من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2013، وكان فرع المخابرات الجوية في مدينة حلب آخر مكان وُجد فيه عبد الهادي قبل مفارقته الحياة.
ويصف الكاتب السوري نجم الدين السمان الذي عرفه، وكان يتردد لزيارته في محله بالحديث لـ”العربي الجديد” عن قاشيط قائلا: “كان شاباً طيباً وذا ثقافة، بنى نفسه من لا شيء تقريبا، كان يعمل بدكان تعود ملكيته لوالده حسب ما أذكر يعيش منه، وانطلق بمحاولات الكتابة هنا وهناك، وصراحة لم نكن نتوقع منه هذا الموقف الجريء والحماسي في الثورة ضد النظام، وكان لموقفه هذا ثمن كبير دفعه رحمه الله”.
ويتابع “هكذا موقف من هذا الشخص بمدينة حلب المنقسمة على نفسها لم يكن سهلا، وهو انحاز للفقراء والمهمشين فيها ليقول كلمته، وأعلن موقفه ضد السلطة عندما كان أغلب الناس يخونون مواقفهم، لأسباب متعددة منها الخوف”.
ويضيف: “كان لعبد الهادي نهفات فيقول مثلا: بس ممدوح درويش قال هيك. أحيانا كنا نصحح ونقول: تقصد محمود درويش، فيبتسم. كان شخصا بسيطا وعفويا”. ويتابع “أحيانا نكتشف قوة داخلية في أناس مثل عبد الهادي قاشيط لم نكن نتوقعها، وخاصة في مدينة مثل حلب حيث تغلب المصلحة على المبادئ عند شريحة كبيرة من الناس”.
ويوضح مدير مركز الحريات برابطة الصحافيين السوريين إبراهيم الحسين، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنه “لا بد أولاً من القول بأن الحريات الإعلامية في سورية كانت منذ ما قبل الثورة منتهكة بشدة، وإبان انطلاق الثورة ازداد حجم الانتهاكات واتسع، ومارس النظام قمعاً غير مسبوق أدى إلى مقتل عدد كبير من الإعلاميين، واعتقال كثيرين جرت تصفية بعضهم لاحقاً تحت التعذيب. ووثقنا في المركز السوري للحريات الصحافية برابطة الصحافيين السوريين مقتل ثلاثين إعلامياً على الأقل تحت التعذيب لغاية آخر يوليو/تموز 2018”.
وعن أحوال الصحافيين المعارضين لنظام الأسد يقول الحسين: “الوضع مأساوي حقيقة ليس فقط بالنسبة للإعلاميين الذين صنفهم النظام على أنهم معارضون له، بل حتى لمن يعمل في المؤسسات الإعلامية التابعة له أو العاملة في المناطق الخاضعة لسيطرته، لأننا جميعاً نعلم حجم الرقابة المفروضة على الإعلامي والمحاذير الكثيرة المرسومة له والتي لا يتجرأ أي إعلامي على تجاوزها لأن ثمن هذا التجاوز سيكون بالتأكيد إما التصفية أو الاعتقال”.
ويتابع “في المرحلة الحالية لدينا قلق كبير على الزملاء الإعلاميين في المناطق التي يعيد النظام سيطرته عليها كما هو الحال في درعا، لأن هناك العشرات ممن لا يستطيعون الخروج من مناطقهم ويخشى أنهم سيكونون عرضة للانتقام من جيش النظام وأجهزة استخباراته. ونبذل كل جهودنا بالتعاون مع المنظمات الدولية المهتمة بالشأن الإعلامي لتأمين سلامتهم أولا،ً ومن ثم تقديم كل العون لهم ليبقوا ممارسين لمهنتهم، وبنفس الوقت نحن نثير دائماً موضوع المعتقلين في كل مناسبة، والملف بطبيعة الحال يشمل الإعلاميين الذين لا يزالون معتقلين أو مختفين قسرياً”.
والصحافي قاشيط، الذي يصفه زملاؤه بـ”الخلوق” ولد في مدينة حلب عام 1967، وعمل بجريدة البعث مشاركا في صفحات دروب الإبداع في عام 1991، واشتهر بكتاباته المتميزة للقصة القصيرة ومقالات النقد الأدبي والمسرحي. وشارك في أمسيات ومهرجانات ومسابقات ونال جوائز عدة منها الجائزة الأولى لاتحاد الكتاب العرب بمدينة حلب عام 1998عن قصته “رسالة إلى السيد المدير العام”، كما صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “تداعيات في حضرة الضمير”، وكانت هي المجموعة الأولى والأخيرة له قبل أن ينهي النظام حياته تحت التعذيب.
ثوّار معذّبون حتى القتل في سورية
رغم اللون الأحمر المنتشر على كل بقعة من الأرض السورية، ظلّ الموت تحت التعذيب الفاجعة الكبرى لدى أبناء الثورة السورية، وباتت زنازين النظام السوري، أو المسالخ البشرية أسوأ مكان على وجه الخارطة، فيما بقي عالقاً في الذهن، جماجم المعتقلين، والرقم المذيل على قماش مهترئ.
في أوائل شهر مارس/ آذار، 2011، بدأت تتوارد أنباء قصة مجموعة من أطفال المدارس في مدينة درعا جنوبي سورية، قاموا بكتابة عبارة “فليسقط النظام”، و”إجاك الدور يا دكتور”، على أحد الجدران، وما كان من قوات النظام السوري إلا أن قامت باعتقال هؤلاء الأطفال وسجنهم وتعذيبهم، وعند استفسار أولياء الأمور عن مصير أبنائهم، رفض النظام الإفراج عنهم، بل وقام بإهانة آبائهم.
بعدها، وفي الخامس عشر من شهر مارس/ آذار 2011، تفجرت الثورة السورية العظيمة، حيث انطلقت في حيين بالعاصمة دمشق، وبعد ثلاثة أيام، كان الخلاف بين أهالي درعا والنظام قد وصل إلى ذروته، على خلفية قصة الأطفال، ومع رفض قوات النظام إخراج المعتقلين من السجن، انطلقت تظاهرات في عموم أنحاء درعا تطالب بالإفراج عن المعتقلين، والحرية والكرامة، وسالت أول قطرة دم سوري، بسقوط شهيدين.
مع اتساع رقعة التظاهرات ضد النظام في المدن السورية، وبينما كان سلاح المتظاهرين الزهور، كان هناك سلاح وحيد يتقنه عناصر النظام، الرصاص والضرب والاعتقال، وبدأت حملة الاعتقالات تملأ السجون السورية.
ولم تنفع المياه ولا الزهور يحيى شربجي وشقيقه معن، ولا غياث مطر وآخرين من أبناء مدينة داريا خلال المظاهرات السلمية، حيث غيبهم السجن وبعد ذلك الموت تحت التعذيب، موت تمناه يحيى، الذي قال يوماً “أن أكون مقتولاً أفضل من أكون قاتلاً”.
ولم يكن ما كشفه قيصر، وهو اسم مستعار لمصور سوري سابق كان يعمل في مركز التوثيق للشرطة العسكرية بسورية، والذي التقط آلاف الصور لجثث شوهها التعذيب في مراكز الاعتقال والسجون بين 2011 و2013، إلا جزءاً يسيراً مما يحصل في المسالخ البشرية.
ومع امتلاء زنازين الموت بالمعتقلين، أضحى النظام السوري يتفنن في أساليب التعذيب، في ظل غياب أي رادع للمحاسبة.
وذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير أن نظام بشار الأسد نفذ منذ بداية الثورة السورية وإلى 2015 حوالى 13 ألف عملية إعدام جماعية وسرية في سجن صيدنايا ذائع الصيت.
وبغية التخلص من ملف المعتقلين، وللإفلات من العقاب ولو لحين، اخترع النظام السوري أخيراً، كذبة “الأزمة القلبية”، مع بدئه منذ أسابيع توزيع قوائم أسماء معتقلين في سجونه، للسجلات المدنية في مختلف المحافظات، على أنهم باتوا في عداد الموتى.
هؤلاء القتلة وراء “قوائم الموت” في سجون النظام السوري/ أحمد الإبراهيم
مع وصول أسماء آلاف القتلى الذين قضوا في معتقلات النظام السوري، يعود إلى الواجهة اسم الضابط السوري جميل حسن، الذي يرأس إدارة جهاز المخابرات الجوية، والذي يعتبر أحد أبرز المسؤولين عن عمليات القتل، التي وصلت إلى نحو 3700 حالة، في الأسبوع الأخير فقط، بينها 1000 من مدينة داريا بريف دمشق.
اللواء حسن، البالغ من العمر 65 عاماً، من مواليد مدينة حمص وشارك في مذبحة حماة عام 1982، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في حمص، ثم انتسب إلى الكلية الحربية عام 1972، في المدينة ذاتها، وتخرج منها عام 1976، برتبة ملازم جوّي.
كان في عداد القوات العسكرية التي أرسلها رئيس النظام السوري الراحل، حافظ الأسد، واقتحمت محافظة حماة الثائرة عليه، عام 1982، وأعملت فيها قتلاً وتدميراً، إذ سويت بيوتها بالأرض، وبلغ عدد قتلاها نحو 30 ألفاً.
تسلّم حسن إدارة المخابرات الجوية، منذ عام 2009، خلفاً للواء عبد الفتاح قدسية، مع أنه كان من أصحاب النفوذ فيها قبل تسلّمه إداراتها.
ومع اندلاع الثورة السورية على نظام بشار الأسد، عام 2011، لمع نجمه، وعرفت عنه ميوله لتكرار سياسة حافظ الأسد في محافظة حماة، إذ كانت المخابرات الجوية أول قوة تصطدم مع المتظاهرين السلميين، بعدما اعتقلت وعذبت وقتلت عشرات الآلاف منهم.
وحسن مدرج ضمن قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي إلى جانب كبار مسؤولي النظام السوري منذ عام 2011، وصدرت بحقه مع عدد من الشخصيات التابعة للنظام أول مذكرة توقيف دولية، بعد شكوى جنائية قدمها معتقلون سابقون إلى الادعاء العام الألماني، بالتعاون مع “المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان” و”المركز السوري للإعلام وحرية التعبير”.
ويتهم بأنه المسؤول عن فكرة البراميل المتفجرة التي يستعملها النظام في قصفه مواقع المعارضة السورية، التي قتلت الآلاف من المدنيين.
ولشدة ولائه وخدمته لنظام الأسد فقد تم تجديد رئاسته قبل نحو ثلاثة أسابيع لفرع المخابرات الأشهر، وفق ما نقلت مواقع سورية محلية مقربة من النظام.
فرع المخابرات الجوية
تنقسم الأجهزة الأمنية في سورية إلى أربعة أجهزة رئيسية؛ هي شعبة المخابرات العسكرية، وإدارة المخابرات الجوية، وشعبة الأمن السياسي، وإدارة أمن الدولة (المخابرات العامة)، ويُقدّر عدد عناصرها بنحو 100 ألف عنصر وضابط، لكن المخابرات الجوية احتلت مكانة خاصة في هيكلة أجهزة الأمن السورية، إذ شُكّلت على يد حافظ الأسد عندما كان يترأس سلاح الجو العربي السوري في ستينيات القرن الماضي.
ويقع مقرّه في مطار المزة، ويعتبر مسؤولاً عن أمن المطار الرئاسي، والطائرة الرئاسية، وعن المهام الاستخبارية المتعلقة بالأمن الشخصي للأسد أثناء تنقلاته في الخارج.
وساهم الجهاز في تنظيم صعود الأسد الأب إلى الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1970، وكانت مهمته حماية سلاح الجو السوري، إضافة إلى طائرة الرئيس، وأمن الرئيس خلال وجوده خارج البلاد، كما يختص بمراقبة عناصر وضباط القوى الجويّة والدفاع الجوي، وأمن المطارات العسكرية والمدنية.
ولم يكن للفرع تدخل في الأمور المدنية قبل اندلاع الثورة عام 2011؛ إلا أنه برز للواجهة بشكل كبير، وكمدافع رئيسي عن الحكم وأركانه، ضدّ أبناء الشعب ووصمهم بصفة الإرهاب.
وشنّ عناصر الفرع حملات اعتقال كبيرة، وملأوا السجون بالمتظاهرين ومارسوا بحقهم أبشع أنواع التعذيب، ضرباً واغتصاباً وصعقاً بالكهرباء، وقدّر عدد القتلى فيه بالعشرات كل أسبوع.