خلاصة عن سميرة ورزان ووائل وناظم بعد انهيار إمارة جيش الإسلام/ ياسين الحاج صالح
قضيتُ شهوراً في تركيا بين صيف وخريف هذا العام بغرض متابعة قضية سميرة ورزان ووائل وناظم، ومقابلة أكبر عدد من الناس من المُهجّرين من دوما والغوطة الشرقية في ربيع 2018. وكان في خطتي أن أدخل إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية من شمال سورية للقاء المُهجرين إلى هناك، ومنهم أصدقاء شخصيون، إلا أن الأمر لم يتيسر لأسباب قد أُبيّنها في وقت آخر.
لكنّي التقيتُ بنحو عشرين من المهجرين، وجمعتُ معلومات من أشخاص لم أتمكن من لقائهم مباشرة. وفي هذه الإحاطة المختصرة خلاصةُ ما هو مؤكد بخصوص الجريمة المستمرة.
لم يكن هناك شخص واحد بين من قابلتهم أو سمعت منهم، ومنهم من كانوا في مواقع نافذة في جيش الإسلام، لا يؤكد أن جيش الإسلام هو الجهة الجانية دون وجود أي احتمال آخر. ويبدو أن الجماعة بالذات لا يخفون الأمر في الدوائر القريبة منهم. لم يكن لدي أي شك في ذلك يوماً، لكن إن كانت هناك أي جهات عامة تتذرع بعدم التأكد فيمكن أن تتقصى الأمر بنفسها، فهذا لم يعد مُتعذراً اليوم.
لم أتوصّل إلى معلومات قطعية عن مصير المرأتين والرجلين. كان عليَّ أن أسمع أسوأ التقديرات والترجيحات، بما فيها كلام على تصفية الأربعة، بعضُ قائليه يقولون إنه وقع بعيد الخطف بقليل، لكن هناك من يقولون إن من الأربعة، أو الأربعة كلهم، كانوا حتى شباط من هذا العام في سجون جيش الإسلام. وهناك من رجّحَ التسليم للنظام، لكن ليس بيدنا دليل على ذلك. أرجو أني لست في حالة إنكار عندما أقول إن الاحتمالات الأسوأ ليست قطعية.
هناك من لا يزالون يخافون من جيش الإسلام من بين المُهجرين حديثاً الذين خبروا قسوة إجرامه وقدرته على الإيذاء، ولا يزال هناك من يخشون الكلام عن القضية وغيرها أو من يمكن أن يتكلموا إذا أمنوا الأذى.
تكونت لدي صورة أوضح عن تركيبة جيش الإسلام. لهذا التشكيل مكون أمني ومكون شرعي ومكون إداري ومالي، والنواة الصلبة دينية مخابراتية، يقوم الدين فيها بدور لغة مشتركة ومصدر لتسويغ أفعال تتراوح بين التحريض والتهديد والإفساد وتصل إلى التعذيب والاغتصاب والاغتيال. هناك مشاريع تجارية بالملايين في اسطنبول ومدن تركية أخرى لقياديين في جيش الإسلام يستطيعون التحرك بين شمال سورية ومدن تركية، وجرى شراء أراض بالملايين في مناطق الشمال السوري من قبل التشكيل الأمني الديني. والجماعة يعرضون اليوم نفسهم على تركيا للإيجار. ويبدو أن السلطات التركية تعتبرهم ورقة قد تنفع يوماً. وهذا ما يحولُ دون إظهار الحقيقة في شأن هذه الجريمة وكثيرات غيرها.
الجناة المباشرون معروفون بالاسم، والهيكل القيادي، الأمني السياسي الديني، معروف بقدر وافٍ من التفاصيل، ومن شأن تحقيق جديّ أن يُظهر الحقيقة في شأن قضية الأربعة وجرائم أخرى كثيرة دونما صعوبات خاصة.
تكوين التشكيل إجرامي وفاسد بعمق، فهو في مظهره الخارجي تشكيل ديني متشدد يتدخل في تفاصيل الحياة اليومية للناس ويفرض نظاماً متشدداً على المجتمع الذي يحكمه ويتحكم فيه، في دوما بخاصة، لكن في دوائره العليا والداخلية هو عصابة دينية منحلّة، منحطة في أخلاقيتها، وحشية في قسوتها، فاسدة الضمير، عابدة للمال ومهووسة بالجنس، يعيش قادته في أوضاع منعمة وبالغة الامتياز، وقت كان عامة الناس يجوعون في دوما والغوطة.
وهم بعد ذلك يكيدون لبعضهم، ولا يثق معظمهم بمعظمهم، ويمسك كل منهم أشياء على غيره، بما فيها فيديوهات، لحماية نفسه.
ويبدو أن نسبة عالية من أهالي دوما بقيت في المدينة وقت التهجير تخلصاً من جيش الإسلام، وإن بالوقوع تحت قبضة النظام.
يهمني أخيراً القول إن قضية سميرة ورزان ووائل وناظم لن تُطوى، لا اليوم ولا في أي يوم، قبل كشف غوامضها ومعرفة الحقيقة كاملة في شأنها، والعقاب العادل للمجرمين. وبقدر ما إن سورية صارت جنّة للإفلات من العقاب بفعل استئناس المجرمين بسوابق مجرمين غيرهم، فإن في العمل على كشف جرائم هذا التشكيل ما يحمي فرص العدالة في سورية وضد الجناة الآخرين. وما قد نحصل عليه من معرفة مفصلة عن عصابة متعصبة ومنحلة في آن، بالغُ الفائدة للإطلال على عالم مثيلات لها تُشكِّلُ استمراراً للأسدية بلحى طويلة.
موقع الجمهورية