“داعش”يسلم6 أطنان من الذهب ل”التحالف”..والبغدادي هرب/ محمد حسان
أمام خيمته التي توسطت مخيم هجين، جلس أبو خلف، 53 عاماً من أهالي بلدة الباغوز بكامل نشاطه. كأس الشاي المُحلى وسيجارة “غازي”، خير بداية ليوم جديد بعد الخلاص من الحرب الدائرة فوق رأسه.
عيناه عادتا لشكلهما الطبيعي، بعدما كانتا كثيرتا الاحمرار نتيجة السهر والخوف. يقول أبو خلف، لـ”المدن”: “أنه ينام منذ ثلاثة أيام بشكل عميق، لا قصف ولا إطلاق رصاص، ولا طيران في سماء المنطقة”، وذلك بعدما توقفت المعارك بين “قوات سوريا الديموقراطية” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، بموجب الهدنة المتفق عليها بين الطرفين.
ابو خلف، يتلفّت يمنةً ويسرة، داعياً المارة بين الخيام التي بدأ دخان المدافئ يتسلل منها، لشرب الشاي معه. حتى أنه فاجأ زوجته فاطمة، بقوله: “حبيبتي ام خلف ضبضبي غراضك، كم يوم راجعين لبيتنا، ونخلص من الخيمة”.
تطبيق الشروط
تستمر الهدنة بين “داعش” و”قسد”، لليوم الثالث على التوالي، بعدما اتفقا على استسلام مقاتلي “داعش” وإطلاقهم لسراح المعتقلين لديهم، وتسليم كميات من الذهب كانت بحوزتهم لقوات “التحالف الدولي”، مقابل ضمان الأخير محاكمة عادلة لعناصر التنظيم، وفق الشرائع الدولية، وإعادة جميع عائلات وأطفال المقاتلين إلى بلدانهم.
وشهد، الأحد، بدء تطبيق أهم بنود الاتفاق، بتسليم التنظيم 20 معتقلاً إلى قوات “التحالف الدولي” بينهم 10 مقاتلين من “قسد” أُسروا في وقت سابق خلال المعارك مع التنظيم، والبقية مدنيون، أحدهم من أبناء عشيرة الشعيطات معتقل منذ قرابة 5 سنوات.
وسلّم التنظيم جزءاً من الذهب التي بحوزته لقوات “التحالف”، وتشير مصادر “المدن” إلى أن الكمية تبلغ حوالي 6 أطنان. وقامت طائرات مروحية بنقلها إلى قاعدة الشدادي العسكرية، أهم القواعد الأميركية، شمال شرقي سوريا.
ومن المرجح أن يتم استكمال بقية شروط الاتفاق خلال الساعات المقبلة على خطوات؛ أولها إطلاق سراح المعتقلين لدى التنظيم على دفعات والمقدر عددهم بأكثر من 300، و تسليم بقية الذهب لدى التنظيم، ثمّ تسليم 450 عنصراً من التنظيم لأنفسهم على دفعتين؛ الأولى من 250 والثانية 200 عنصر، متواجدين حالياً في مخيم الباغوز، وغالبيتهم من الأجانب.
معركة مؤجلة
اتفاق الهدنة المبرم مع “قسد”، عقده الطرف الأقوى ضمن تنظيم “الدولة”، والذي يرغب أنصاره بالاستسلام لقوات “التحالف الدولي”.
وهناك قسم لا بأس به، ما زال مصراً على الاستمرار بالقتال، ولكنه يؤجل المعركة حتى خروج القسم الأول. ومعظم مقاتلي القسم الثاني، والذي كان يعتبر من “الخوارج” ضمن التنظيم، من دول شرق آسيا، ممن يعتبرون متشددين، وبينهم أشخاص سبق واعتقلهم التنظيم في وقت سابق، على إثر محاولة الانقلاب على البغدادي، لكنه اضطر مؤخراً لإطلاق سراحهم.
وتمارس هذه المجموعة، أعمال شغب داخل مناطق التنظيم، في كل فترة، وكان آخرها عندما قتلت، ليل الأحد/الإثنين، خمسة عناصر من “داعش” أثناء محاولتهم الهرب لتسليم أنفسهم لـ”قسد”. ومن بين القتلى فرنسيان، وأذربيجانيان، ولبناني.
مواجهة الجماعة المتشددة من التنظيم، لن تكون مهمة صعبة على “قسد”، إذ قد تكتفي بالقصف المركز على نقاطها، بعد خروج الراغبين بالاستسلام، ثم التمشيط البري.
إخلاء البغدادي
تتوقع كثير من وسائل الإعلام المحلية والدولية، وجود زعيم التنظيم و”خليفة المسلمين” أبو بكر البغدادي، مع مجموعة من وزرائه مختفين في انفاق تحت الأرض، في جيب التنظيم المتبقي.
لكن المعلومات التي أفصح بها عناصر التنظيم الذين سلموا انفسهم لـ”قسد”، تُشير إلى عدم وجود البغدادي في المنطقة التي دخلها بعد هزيمة التنظيم في الموصل أواسط العام 2017.
وأقام البغدادي في المنطقة شرقي الفرات، قرابة العام، منذ منتصف 2017 وحتى حزيران/يونيو 2018. ونفذ التنظيم عملية إخلاء له مع مجموعة من الشخصيات القيادية في مجلس شورى التنظيم، باتجاه مناطق سيطرته غربي الفرات في بادية ديرالزور الجنوبية.
وجاءت عملية الإخلاء عبر هجوم نفذه التنظيم في 6 حزيران/يونيو 2018، من محورين؛ الأول باتجاه بلدتي الجلاء والرمادي الخاضعة لسيطرة النظام غربي نهر الفرات، والثاني انطلاقاً من مدينة هجين عبر الفرات. وتمكن التنظيم خلال الهجوم من السيطرة على البلدتين لساعات، تم خلالها نقل البغدادي وأعضاء مجلس الشورى، بالإضافة الى معتقلين وأموال من مدينة هجين، عبر قوارب في نهر الفرات، إلى قريتي الرمادي والجلاء، ومنها إلى مناطق سيطرة في البادية الجنوبية لديرالزور.
خلاية نشطة
بينما يستعد التحالف الدولي وحلفائه في “قسد” لإعلان النصر العسكري، بدأت خلايا تنظيم “الدولة” عمليات انتقامية في مناطق مختلفة شرقي الفرات، خاصة في ديرالزور.
وهاجم مجهولون سيارة تابعة لـ”قسد”، مساء الأحد، بالقرب من مبنى بلدية الشحيل شرقي ديرالزور، ما تسبب بمقتل ثلاثة عناصر. وسبق ذلك هجوم مماثل على حاجز في بلدة ذيبان، ما اسفر عن مقتل عنصرين وجرح أربعة آخرين.
وطالت الهجمات شخصيات قيادية في “قسد” أبرزها محاولة اغتيال للناطقة بإسم “عاصفة الجزيرة” ليلوى العبدالله، بعد إطلاق النار على سيارتها على طريق ديرالزور-الحسكة. وقبلها بيوم واحد حاول مجهولون خطف قائد “مجلس ديرالزور العسكري” أحمد الخبيل، أثناء زيارته لقرية السعدة شمال ديرالزور، لكن مرافقيه أحبطوا الهجوم.
محاولات الاحتواء
نشاط خلايا التنظيم، دفع “قسد” و”التحالف الدولي” إلى محاولة احتواء تلك المجموعات و القضاء عليها، بعدما باتت هاجساً يؤرق المنطقة.
وبدأت الاستخبارات في “قسد” بتعقب خلايا التنظيم المنتشرة شرقي الفرات، خاصة في القرى التي شهدت عمليات اغتيالات متكررة خلال الفترة الماضية. وتمكنت “قسد” خلال اليومين الماضيين من اعتقال افراد يتبعون للتنظيم في قرى ذيبان والزر، كما تمكنت من قتل المسؤول عن عمليات الاغتيال في التنظيم بعد تعقبه داخل قرية الطيانة شرقي ديرالزور.
عمليات استهداف خلايا التنظيم شاركت بها قوات من “التحالف الدولي” التي نفذت عمليات إنزال جوي شرقي ديرالزور، واعتقلت فيها عناصر أجانب من التنظيم، وقتلت مسؤولاً إعلامياً للتنظيم، ممن كانوا متواجدين في قرية ذيبان.
ويستفيد “التحالف الدولي” و”قسد” في تحركاتهما ضد خلايا التنظيم، من معلومات استخبارتية يقدمها عناصر التنظيم الذين يسلمون أنفسهم من آخر الجيوب في الباغوز.
الاسلام الديموقراطي
الرئيس المشترك لـ”مجلس سوريا الديموقراطي” رياض درار، قال لـ”المدن”، إن “النصر العسكري لا يعني القضاء على التنظيم الذي تتواجد خلاياه في مناطق سيطرتنا والتي نحاول القضاء عليها، إنما النصر يكون بعد هزيمة التنظيم الفكرية، بعدما شابت أفكاره مجتمعات شرقي الفرات، التي لطالما كانت مجتمعات أبعد ما تكون عن حالة التطرف الديني”.
وأضاف درار: “مسؤولية المواجهة الفكرية للتنظيم تحتاج تضافر جهود دولية ومحلية عبر مؤسسات متخصصة، من خلال خطوات على رأسها ترتيب العملية التعليمية. ونحن كجهة مسيطرة سنركز على بناء مفهوم الإسلام الديموقراطي، وإيجاد المؤسسات القادرة على تعزيز هذه المفهوم”.
فاطمة ترغب بحياة أفضل
فاطمة تعي مخاطر المرحلة المقبلة. وهي لا تخفي أمنياتها بعيش حياة أفضل، والعودة لبناء منزلها مع زوجها، وعدم تكرار هذه التجربة المريرة التي عاشتها لسنوات، تحت حكم التنظيم.
تُعاتب زوجها، بنبرة حزينة غير مقصودة، بمجموعة من الأسئلة التي لم يجد لها أبو خلف جواباً، فاكتفى بالصمت. تقول فاطمة: “منزلنا قد دُمّر في القرية، فأين نسكن؟”، و”الألغام تملأ الشوارع والبساتين، ألا تخاف على أولادك؟”، و”لن يتركونا.. ما تزال خلاياهم تمارس الإجرام.. ما راح نخلص بانتهاء الباغوز؟!”.
المدن