العثور على أكبر مقبرة جماعية لضحايا تنظيم “الدولة” على مشارف الرقة
الرقة (سوريا): على عمق قدمين، تحت أرض زراعية على مشارف مدينة الرقة، تم العثور على مقبرة جماعية تضم ما يصل إلى 3500 جثة هي شاهد على إرث تنظيم “الدولة” (داعش) وتعد الأكبر والأقدم حتى الآن.
علم رجال الإنقاذ بموقع هذه المقابر في ضاحية الفخيخة الزراعية، الشهر الماضي، أي بعد أكثر من عام على سيطرة القوات المدعومة من الولايات المتحدة على مدينة الرقة التي كان يسيطر عليها التنظيم المتطرف، ومع اقتراب هذه القوات من السيطرة على آخر بقعة لمقاتلي التنظيم في الباغوز جنوباً.
وهذا الكشف المتأخر عن هذه المقابر هو أكبر مثال حتى الآن على أن العنف الذي أشاعه تنظيم “الدولة” خلال حكمه ل”دولة الخلافة” سيترك آثاره لسنوات مقبلة، بحسب ما قال نشطاء ومشاركون في عملية نبش هذه القبور.
تنتشر عشرات أكوام التراب على جانب من أرض الفخيخة الزراعية، لتدل على أكثر من 120 جثة تم نبشها من قبل فريق الاستجابة السريعة التابع لجهاز الدفاع المدني في الرقة.
قال أسعد محمد (56 عاما) مساعد الطب الشرعي في الموقع “هذه قبور فردية، وهناك بجانب الشجر، المقابر الجماعية حيث دفن من تم إعدامهم على يد داعش”.
وأضاف “هذه المقبرة حدودها من 2500-3000 جثة، بينما المقبرة الخاصة تحتوي حوالى 900 إلى 1100 شخص. المجمل هو على الأقل 3500 شخص”.
وقد تم تحديد ثماني مقابر جماعية أخرى على مشارف المدينة الواقعة شمال سوريا، بما فيها واحدة أطلق عليها اسم “بانوراما” تم إخراج أكثر من 900 جثة منها.
وقال محمد “الفخيخة هي أكبر مقبرة جماعية في منطقة الرقة وهي من بداية وجود التنظيم في المحافظة”.
جثث غير معروفة الهوية
في وقت سابق من هذا الأسبوع، قام حفارون يرتدون أقنعة طبية خفيفة، بانتشال شيء ملفوف بقطعة قماش رمادية رطبة.
وبعد أن أزالوا قطعة القماش، اكتشفوا جثة متحللة بفك متفحم. وقام محمد بفحصه.
وقال “العمر التقديري هو 35 عاما. وهي لشخص مصاب بحروق من الدرجة الثالثة”.
وباستثناء صوت التشريح الجزئي الذي يتم في الموقع، فإن الصوت الوحيد الآخر الذي يمكن سماعه هو صوت المجارف اليدوية التي تحفر في التراب، وصوت الرياح وهي تمر من خلال أشجار الصنوبر القريبة. وكتب الحفارون أية تفاصيل تحدد هوية الجثث في سجل، ووضعوا الجثث في سيارة شحن صغيرة “بيك اب” بيضاء ليعاد دفنها على بعد نحو عشرة كيلومترات في مقبرة مناسبة.
يقول محمد أن ذلك أصبح روتينا فظيعاً، مؤكداً أنه سيتكرر في الباغوز، البقعة الأخيرة المتبقية لتنظيم “الدولة”.
وقال “من المؤكد أن ما حدث هنا حدث هناك، وربما أكثر، لأن الذي حدث هناك أشرس مما حدث هنا، إذ أنه ليس لديهم مكان آخر ينسحبون إليه”.
أجانب مفقودون
منذ أن بدأ قسم الرقة عمله في يناير/ كانون الثاني 2018، قام بنبش أكثر من 3800 جثة، بحسب تركي العلي المشرف على الفوج.
ومن بين تلك الجثث تم التعرف على 560 منها وتسليمها إلى أقاربها لدفنها بالشكل اللائق.
وقد يساعد موقع الفخيخة في تحديد هوية عدد أكبر من الالاف الذين لا يزال مصيرهم مجهولا، ومن بينهم أجانب أسرهم تنظيم “الدولة”.
وقال العلي “لقد سمعنا روايات من سكان الفخيخة أنهم كانوا يشاهدون حشداً كبيراً ومعهم شخص يرتدي بدلة برتقالية”، في إشارة إلى الملابس التي كان التنظيم يجبر الأسرى الذين يعدمهم على ارتدائها.
وكان الصحافي الأمريكي جيمس فولي يرتدي بدلة بهذا اللون عند مقتله، ويعتقد محللون أن صورا من مقتله تدل على أنه ربما قُتل في مناطق الرقة.
ويعتقد أن أسيرة أخرى هي الأمريكية كايلا مولر قتلت قرب الرقة كذلك. ولم يتم العثور على جثتيهما.
توضح سارة كيالي من منظمة هيومن رايتس ووتش أن “هذه القبور الجماعية تحمل أجوبة عن مصير الأشخاص الذين أعدمهم مقاتلو تنظيم الدولة، والذين قتلوا في غارات جوية للتحالف، أو المفقودين”.
ومع اقتراب انتهاء المعركة مع تنظيم “الدولة” في آخر المناطق التي يسيطر عليها، فلا يزال هناك الكثير من العمل الواجب القيام به، بحسب كيالي.
وتضيف “مهما حاولوا الإنكار، فإن العمل ضد داعش لم ينته بعد. ومن المرجح أن العمل الصعب قد بدأ للتو”.
(أ ف ب)
القدس العربي