اليونان: ما زال حسين العلي ينتظر وثائقه/ محمد محمد
بعد مرور ثلاثة أعوام على ركوب اللاجئ السوري حسين العلي، البحر من تركيا إلى اليونان، لا زال ينتظر دوره في مكتب اللجوء الأقليمي في أثينا المعروف لدى الاجئين بـ”الموس”.
خرج العلي، مع بزوغ الفجر من منزله متوجهاً إلى مكتب “الموس”، بهدف الحصول على قرار وثيقة السفر، للمرة الثالثة على التوالي، مصطحباً معه نسخة عن محضر شرطة يثبت أنه تعرض لحادثة سرقة خسر فيه وثيقة سفره السابقة.
ورغم أنه استبق الفجر ليكون أمام مكتب اللجوء الأقليمي في منطقة “الموس”، إلا أنه وجد أكثر من 200 مهاجر يقفون بالطابور قبله. الدوام الرسمي لا يبدأ قبل الساعة الثامنة صباحاً. لم يعد يذكر تماماً كم مرة وقف في هذا الطابور.
حسين، 25 عاماً، كان طالباً في كلية الحقوق بـ”جامعة بيروت العربية” قبل العام 2011. ومع تطور الأحداث واشتداد الحرب، بات الطريق من الحسكة إلى بيروت محفوفاً بالمخاطر، فأوقف دراسته. ومع بدء حملات التجنيد والاعتقالات قطع حسين الحدود إلى تركيا، في العام 2014 حيث استقر في اسطنبول لعامين، مارس فيهما أعمالاً كثيرة كالكوي وخدمة الزبائن في المطاعم.
بعدها ودع حسين أهله مجدداً، ليقطع البحر تحت جنح الظلام في منتصف الليل، ويملأ قلبه أمل بلقاء قريب مع خطيبته، التي استقرت مع عائلتها في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن. سابق حسين الإجراءات الدولية لمنع الهجرة غير الشرعية قبيل تطبيق الاتفاق التركي–الأوروبي بشأن إعادة جميع اللاجئين الجدد، الذين وصلوا من تركيا إلى الجزر اليونانية اعتباراً من 20 آذار/مارس 2016.
لم يكن اللقاء مع خطيبته الحافز الوحيد لحسين لركوب البحر، فقد ضجر من قضاء كامل يومه في العمل الشاق من دون أي أفق مستقبلي. وإلى جانب خسارته دراسته الجامعية، لم يتمكن حسين من الحصول على جواز سفر لأنه كان مطلوباً للخدمة العسكرية الإلزامية.
مخيم موريا
عندما غادر حسين إلى مدينة أزمير التركية للعبور بقارب مطاطي نحو جزيرة متليني اليونانية، كان يخطط للذهاب إلى الدنمارك، لكنه وجد نفسه محتجزاً في مخيم موريا للاجئين، الذي بدا وكأنه معتقل أو على الأقل هذا ما أوحت به أسوار الثكنة العسكرية القديمة التي بني مكانها. التعامل القاسي مع نحو 4000 من اللاجئين من سوريا وأفغانستان والعراق، وسط أوضاع صحية سيئة للغاية، وتأخير المعاملات الورقية، دفعت بعضهم للانتحار.
أكد حسين أنه شعر في مخيم موريا باليأس، فشارك في تظاهرات داخله للاحتجاج على سوء الأوضاع فيه، لكن رجال الشرطة تعاملوا مع المحتجين بقسوة ومنعوا وسائل الإعلام من دخول المخيم.
ولإنهاء معاملاته الورقية، نام حسين مرات عند المكتب الأوروبي لدعم اللجوء “EASO”، المسؤول عن المقابلات وإعطاء أوراق الحماية. حاول حسين أن يكون أول المتقدمين للمقابلة، ولكن الموظفين كانوا يسمحون بدخول المحامين الموكلين من قبل بعض اللاجئين ويتركون الآخرين. قال حسين: “أبقى حتى الساعة الثانية بعد الظهر، لأعود مع خيبتي بسبب عدم قدرتي على توكيل محامٍ، ورفض المنظمات الموجودة مساعدتي بشأن ذلك”.
وبعد مرور سنة وثلاثة أشهر، حصل حسين على ورقة الحماية الدولية من المكتب الأوروبي لدعم اللجوء، وكان طلبه الأول قد قوبل بالرفض في البداية، فاستخدم حقه بالاستئناف والطعن بالقرار حتى نجح بالحصول على هذه الورقة ليزول عنه خطر الإعادة إلى مخيمات تركيا.
يقول حسين لـ”المدن”: “مع تسلم الكارت الأبيض (بطاقة طالب الحماية الدولية) ظننت أن المعاناة مع الجوع والمرض انتهت، وسينخفض معها مستوى الضغط النفسي لأنني سأغادر المخيم إلى العاصمة أثينا”. لكن حسين وجد نفسه مضطراً للمبيت في الشارع، عندما لم يجد في أثينا أي منظمة تستقبل اللاجئين وتساعدهم. انتظر حسين في شوارع أثينا ثلاثة أشهر حتى يحين موعد مقابلته بمكتب اللجوء الأقليمي في “الموس” في أثينا.
طوابير البرد في أثينا
وبعد مقابلة مكتب اللجوء الأقليمي في”الموس”، خاب أمل حسين، بإنهاء تلك المعاناة. إذ طُلِبَ منه الانتظار شهرين إضافيين، لدراسة طلبه للحصول على لجوء. ومن بعد الشهرين، جاءت الموافقة، لتبدأ فترة انتظار للحصول على إقامة في اليونان، استغرقت 4 أشهر بعد أن تكرر وقوفه بطابور مكتب اللجوء “الموس” ومركز شرطة الأجانب “الأضبون”.
يقول حسين: “تعرضت خلال هذه الفترة للاستغلال من قبل أصحاب العمل، بسبب جهلي باللغة اليونانية، وعدم حيازتي أوراقاً قانونية”. ورفضت المنظمات الإنسانية المختصة باللاجئين، طلبات قدمها حسين للحصول على المساعدة. فاضطر للعمل 12 ساعة يومياً، مقابل 10 يوروهات فقط.
بعد عامين ونصف حصل الشاب السوري على موافقة الحصول على وثيقة سفر من مكتب “الموس”، إلا أنها لم تكن إلا بداية طابور الانتظار أمام قسم الشرطة الأجنبية “الأضبون”. وحين حان دوره لتقديم طلبه أول مرة، كان يرتجف برداً بعدما تبلل تماماً بالمطر. الموظف أعطاه موعداً آخر بعد شهرين. لكن حسين عاد بعد 10 أيام، ووقف بالطابور ذاته لتقديم طلب الحصول على وثيقة السفر، مدفوعاً بما أخبره عارفون بهذا المجال. هذه المرة تمكن من الوصول واجراء المقابلة وتقديم أوراقه وصوره وبصم على الوثيقة.
بعد شهرين اتصلت به الإدارة المركزية لخدمة اللجوء، فيما اعتقد أنه لتسلم وثيقة السفر من مكتب “الموس”، لكنهم اعتذروا عن ذلك بسبب خطأ بأحد حروف الاسم. حسين عاد إلى طابور قسم الشرطة الأجنبية “الأضبون”، للمرة الثالثة، مع صور شخصية وصورة عن القرار بمنحه وثيقة سفر، منتظراً أكثر من شهر ونصف الشهر، لإجراء هذا التعديل على إسمه والحصول على وثيقة السفر جديدة على أمل السفر إلى الدنمارك لإجراء كتب الكتاب، وتحديد موعد الزفاف، ثم العودة إلى أثينا.
السرقة
حسين خطط لإنهاء عقد العمل المجحف الذي اضطر له، على أن يسافر قبل نهاية كانون الثاني 2019 إلى الدنمارك. لكن الحظ السيء ظل يطارده، إذ تعرضت جميع شقق البناء الذي يسكن فيه، للسرقة. حسين خسر وثيقة سفره، وكل ما جمعه من راتبه الضئيل، وهاتفه.
اتصل حسين بالشرطة اليونانية، فنصحوه بالحضور للإبلاغ عن السرقة، ثم التوجه إلى مكتب “ايموس” للبدء بإجراءات الحصول على قرار وثيقة سفر جديدة.
في طابور الانتظار الطويل أمام مكتب “الموس”، ما زال حسين منتظراً الحصول على موافقة جديدة لاستخراج وثيقة سفر، وستمر أربعة أشهر قبل أن يتوجه مجدداً إلى قسم “الأضبون” لاستصدار الوثيقة الجديدة.
العربي الجديد