سوريا تختنق بين فساد النظام وثقل العقوبات الغربية/ محمد فارس
يصطف المئات من أهالي قرى وادي بردى في ريف دمشق لساعات متذمرين أمام محطة الوقود، بانتظار أن يملأوا أوعية المازوت (الديزل) للمدافئ، أو يحاولوا تغيير أسطوانات غاز الطهي.
«البلد كله في انتظار. الانتظار مهنتنا. وفي الآخِر، لا نحصل على شيء،» يقول أبو منذر. حال كهذه تثير أسئلة عن وضع موارد الطاقة في سوريا في الذكرى الثامنة لاندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد في آذار/ مارس 2011.
وبعد أسابيع من الطهي والتدفئة على الحطب، وانتظار عشر ساعات أمام سيارة توزيع ترسلها الحكومة كل 25 يوماً، فشل أبو منذر (37 سنة)، في الحصول على أسطوانة غاز. والاعتماد على الحطب مكلف إذ يتراوح سعر الطن بين 70000 إلى 100000 ليرة سورية (160.55 إلى 229.35 دولار أميركي/ الدولار بـ436 ليرة). ومع أن سعرها الرسمي 2650 ليرة (6.07 دولار) للأسطوانة، لكن الموظف الحكومي اضطر إلى شرائها بـ 10000 ليرة (22.93 دولار) من السوق السوداء.
واعتاد أبو منذر كل شتاء أن يخزنه في براميل بسعة 1000 ليتر. لكن، ومنذ عام 2011، غدا الحصول على المازوت صعباً. ومع أن السعر الرسمي لليتر المازوت هو 181 ليرة (0.41 دولار)، إلا أن الرجل اشترى الليتر من السوق السوداء بـ500 ليرة (1.14 دولار). ويعلق بالقول: «الناس ماتت. الله يعين الناس الذين بلا عمل وبلا مأوى».
وأواخر العام الماضي، رسم وزير النفط، علي غانم، صورة مناقضة لوضع أبي منذر، فقال إن سوريا «تسير باتجاه التعافي في إنتاج الغاز حيث بدأت الاختناقات تنخفض تدريجياً وهي لا تدوم عادة أكثر من أيام»، مؤكداً أن الإنتاج المحلي من الغاز ارتفع، ليغطي 50 في المئة من الطلب. لكن الأمور في الواقع ليست كما صورها الوزير.
معاناة وشطارة
ونشرت صحيفتا «تشرين» الحكومية و«البعث» التي يديرها«حزب البعث» الحاكم، صوراً لطوابير الغاز في مدن عدة. وحتى أعضاء مجلس الشعب الذي يسيطر «البعث» على حوالى 70 في المئة من مقاعده، اشتكوا من أزمة الغاز. وأدان بعضهم المسؤولين الفاسدين من دون تحديد أسماء.
وتبدو ارتفاعات أسعار الوقود طفيفة عبر السنوات إذا ما قيست بالدولار، إلا أن الفارق بالليرة ما يزال يشكل ضغطاً على أبي منذر، وهو موظف حكومي يتقاضى 38000 ليرة شهرياً (87.15 دولاراً). وخفضت الحكومة في آب/ أغسطس 2015 سعة أسطوانة الغاز من 12 كلغ إلى 10 كلغ. وصار كيلو الغاز بـ65 ليرة (0.60 دولار بسعر الدولار اليوم)، مقارنة بـ20.83 ليرة (0.37 الدولار بـ 55 ليرة)، وهو سعرها مطلع عام 2012. ونقلت صحيفة «الوطن»، التي يملكها ابن خال الأسد، رجل الأعمال رامي مخلوف، شكاوى عن تقاضي تجار بريف دمشق 1000 ليرة (2.29 دولار) لقاء كيلو الغاز.
وبحسب دراسة حكومية صدرت في شباط/ فبراير، وصل متوسط إنفاق الأسرة السورية شهرياً لعام 2018 إلى 325000 ليرة (745.41 دولار)، في حين لا يصل أعلى راتب موظف إلى 100000 ليرة (229.35 دولار). ووفقاً للأمم المتحدة، فإن ثلثي السوريين يعيشون في «فقر مدقع» إذ ينفق 90 في المئة منهم نصف دخلهم على الأقل لشراء الغذاء، لذلك هناك قدرة محدودة على التأقلم مع زيادات الأسعار. كما انعكس نقص الوقود ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية نظراً لارتفاع تكاليف النقل وانخفاض قيمة العملة في مناطق سيطرة النظام.
وفيما تقاضى أبو منذر 21000 ليرة (381.81 دولار/ الدولار بـ55 ليرة) عام 2012، كان سعر الأسطوانة الرسمي سعة 12 كلغ في كانون الثاني/يناير من ذلك العام 250 ليرة (4.54 دولارات). بينما وصل سعرها في السوق السوداء إلى 1000 ليرة (18 دولاراً) تقريباً. فيما بلغ السعر الرسمي لليتر المازوت في الفترة ذاتها 15 ليرة (0.27 دولار)، مقابل 35 ليرة (0.63 دولار) تقريباً في السوق السوداء.
إنتاج وخسائر واحتياطيات
وانخفض إنتاج سوريا من النفط وفقاً للحكومة من 385000 برميل يومياً عام 2010، إلى 2000 برميل يومياً بداية عام 2017. وعاد الإنتاج للارتفاع إلى 24000 برميل يومياً في في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وفق الوزير غانم. وتسعى سوريا إلى الوصول بالإنتاج النفطي إلى 219000 برميل يومياً مع نهاية 2019.
وتجاوزت خسائر القطاع النفطي حتى شباط 68 مليار دولار. وتعزو الحكومة الخسائر إلى «استهداف القطاع من قبل العصابات الإرهابية وقوات التحالف الدولي (ضد تنظيم الدولة الإسلامية – داعش)».
وانخفض إنتاج الغاز من نحو 21 مليون متر مكعب قبل عام 2011، إلى ما يقرب من 6.5 ملايين متر مكعب يومياً من الغاز بداية عام 2017. وقارب إنتاج الغاز السوري في كانون الأول الماضي 16.5 مليون متر مكعب يومياً وفقاً لوزير النفط. وتسعى سوريا إلى إنتاج 29 مليون متر مكعب من الغاز يومياً عام 2023.
وقدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) احتياطي النفط الخام لسوريا بـ2.5 مليار برميل حتى كانون الثاني/ يناير 2017. وعام 2015، قدرت الوكالة استهلاك سوريا من المشتقات البترولية المكررة بـ140000 برميل في اليوم. كما قدرت CIA احتياطي الغاز الطبيعي المؤكد لسوريا بـ240 ملياراً و700 مليون متر مكعب حتى كانون الثاني 2017. بينما قدرت الوكالة استهلاك سوريا من الغاز بـ4 مليارات و300 مليون متر مكعب في السنة، عام 2015.
ووفقاً لوزير النفط، بلغت احتياجات البلاد اليومية في كانون الأول الماضي من المازوت 6 ملايين ليتر، ومن الفيول 7000 طن ومن البنزين 4.5 مليون ليتر والغاز المنزلي 1200 طن. ووصل حجم الدعم اليومي للمشتقات النفطية، وفقاً للوزير، إلى مليار و200 مليون ليرة (458715.59 دولار).
وكما يبلغ إنتاج سوريا من الغاز في منطقة جنوب غربي نهر الفرات نحو 16.5 مليون متر مكعب يومياً. وكان إنتاج سوريا من المنطقة ذاتها قبل عام 2010 بحدود 11 مليون متر مكعب من الغاز يومياً. وتقول الحكومة إنها استطاعت أن تصل إلى إنتاج نفس الكمية في كانون الأول الماضي في ظل خروج الحقول الواقعة شرق النهر عن سيطرة دمشق.
حصار وبدائل وتكاليف مخفية
وضرب نقص النفط والغاز كلاً من الأفراد والاقتصاد السوري عموماً. وأدى الحظر النفطي الذي فرضته الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي العام الماضي إلى زيادة كبيرة في تكلفة الوقود لأغراض التدفئة والطهي وتوليد الكهرباء. ومع انخفاض الدعم الحكومي منذ عام 2011، ازدادت معاناة السوريين الأكثر فقراً. وحتى أواخر عام 2011، كانت سوريا تنفق نحو 4 مليارات دولار سنوياً على الدعم لخفض أسعار المنتجات النفطية للمستهلكين العاديين.
واعتمدت سوريا في تأمين المشتقات النفطية على الاستيراد حيث تقول الحكومة إنها تحتاج يومياً إلى 4.4 مليار ليرة (10091747 دولاراً) يومياً لتأمينها. وتقول الحكومة إنها تدعم المشتقات النفطية بما يقرب من مليار ليرة (2293577 دولاراً) يومياً. كما أنهت الحكومة في شباط احتكار الدولة لواردات الغاز والذي دام لعقود، حيث سمحت لغرف الصناعة باستيراد الغاز براً من الدول المجاورة.
وفي 23 آذار، كتب النائب البرلماني، فارس الشهابي، على صفحته على «فيسبوك» أن شروط استيراد المشتقات النفطية «تعجيزية تعرقل فك الحصار لصالح قلة قليلة من المستوردين». وتابع بالقول: «حتى هذه اللحظة عدد الذين استطاعوا استيراد المشتقات النفطية لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة! يبدو أن بعض الموظفين يطبقون علينا أيضاً العقوبات الغربية».
وفي كانون الأول الماضي، صرح مصدر في شركة «محروقات» بأنه تم توزيع ما يعادل 6.5 ملايين ليتر يومياً خلال تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 من المشتقات النفطية (بنزين ومازوت)، مبيناً أنه تم تخصيص القطاع الزراعي في المحافظات كافة بنحو 700000 ليتر يومياً ومازوت التدفئة بكمية 1.8 مليون ليتر يومياً. وأشار إلى زيادة مخصصات مادة مازوت التدفئة خلال كانون الأول لتصبح 1.9 مليون لتر يومياً بينما بقيت مخصصات القطاع الزراعي على حالها.
وعود وإجراءات وفساد
ورغم وعود السلطات بحل أزمة الغاز والإعلان عن تنظيم تدابير لمكافحة الهدر والفساد، تناقلت مواقع إخبارية موالية، خبر وفاة رجل بدمشق في طوابير الغاز. كما انتشر على موقع «يوتيوب» فيديو يظهر فيه عناصر الشرطة الحكومية أثناء إشرافهم على التوزيع بينما يتهجمون على مدنيين منتظرين في الطوابير.
وكررت السلطات وعودها بشأن حل أزمة الكهرباء، بالإعلان عن خفض التقنين. وأعلنت أنها تحضر لمشاريع توليد الطاقة من النفايات. كما وعد مصرف حكومي بإعادة إطلاق «قرض الطاقة» بسقف مليوني ليرة (4587.15 دولار). لكنها، وفي الوقت ذاته، عزت زيادة التقنين إلى العقوبات التي أوقفت واردات الفيول المخصص لتوليد الكهرباء، وانخفاض درجة الحرارة وزيادة الاستهلاك.
وفيما قال الأسد إنه يخوض حرباً عسكرية يرى إنجازاتها بفضل قواته المسلحة ومن يقف معها، أردف أنه يخوض حرباً اقتصادية هي حرب الحصار الغربي، وأن نظامه غالباً ينجح فيها. لكنه اعترف في الوقت ذاته بوجود «فاسدين» يشنُّ حرباً ضدهم.
ازدواجية توزيع وفساد
وحلت سوريا في المرتبة 178 من أصل 180 دولة على مؤشر مدركات الفساد لعام 2018 الصادر عن «منظمة الشفافية» السنوي، كواحدة من أكثر الدول فساداً في العالم.
وأشار مسؤول مؤسسة غاز دمشق وريفها، منصور طه، إلى أن هناك «ازدواجية» في التوزيع وأنه يتم «بآلية ليست واضحة وبشكل غير دقيق». وأفاد مدير التجارة الداخلية بريف دمشق، لؤي السالم، بأن المديرية نظمت منذ بداية العام أكثر من 290 ضبطاً لمخالفات إتجار واحتكار للغاز وبيعه بسعر زائد، وحجزت 1558 أسطوانة من السوق السوداء، وألغت تراخيص الغاز لأكثر من 10 معتمدين مخالفين.
واشتدت قسوة «برامج التقنين» مع سوء الأحوال الجوية. وبدأ العمل باستخدام «البطاقة الذكية» التي تسمح بشراء 500 ليتر شهرياً من المازوت المدعوم. لكن الابتكار مشوب بالمشكلات، ما زاد من إحباط المنتظرين. كما أعلنت وزارة النفط أنه ستتم «أتمتة» توزيع الغاز المنزلي في دمشق عبر «البطاقة الذكية»، اعتباراً من 25 آذار. وكانت الوزارة بدأت توزيع الغاز عبر «البطاقة الذكية» في شباط الماضي، انطلاقاً من محافظة اللاذقية.
وخلال الربع الثالث من عام 2016، أي خلال ثلاثة أشهر فقط، بلغ هدر رئاسة مجلس الوزراء من مادتي البنزين المازوت ما قيمته 5300000 ليرة (10251 دولاراً/ الدولار في آب 2016 بنحو 517 ليرة).
عقوبات وبدائل
ويدور نقاش حول تحديد أسباب الأزمة والمسؤولية عن حدوثها. وتتهم السلطات السورية دولاً غربية بشن «حرب اقتصادية»، بينما يقول خبراء سوريون إن المسؤول هو نظام الأسد. ويُرجع بعضهم الأسباب إلى مزيج من الخلل الاقتصادي والفساد والعقوبات الغربية.
ويقول خبراء اقتصاديون إن ندرة الوقود لهذا الشتاء ترجع في أغلبها إلى فرض عقوبات أميركية جديدة، وهما أمران متعلقان بانسحاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، واتخاذه إجراءات ضد قطاع النفط السوري.
وحظرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي شراء النفط السوري بعد أن بدأ الأسد بقمع المتظاهرين منذ عام 2011. واستحوذ الاتحاد الأوروبي حتى عام 2011 على 95 بالمئة من صادرات النفط السورية؛ لذا فإن الحظر الذي فرضه في أيلول/ سبتمبر 2011، على صناعة النفط في البلاد كان قاسياً، والكثير مما تبقى عاد فانهار لاحقاً بسبب الأعمال العسكرية والنهب وتوقف أعمال الصيانة.
وفي تشرين الثاني الماضي، أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على أصول الطاقة والشحن الإيرانية، ما يعني أنه لم يعد بمقدور ناقلات النفط الإيرانية الحصول على التأمين في السوق الدولية. كما أكدت أنها «ستستهدف بقوة» شركات الشحن إذا استمرت في نقل النفط إلى الحكومة السورية.
وقد تضررت من جراء ذلك، الشحنات الإيرانية التي تزود سوريا بحاجتها من النفط عبر البحر الأحمر، والمدفوعة من خلال الخط الائتماني الإيراني. وتلك الشحنات من أهم السبل الرئيسية لحصول سوريا على النفط.
ويرى الباحث الاقتصادي السوري والأستاذ المشارك في جامعة القصيم السعودية، عماد الدين المصبّح، في حديث لـ«درج»، أن التحذير الأميركي أثبت جدواه بحيث استجابت الكثير من ناقلات النفط التي تخدم الموانئ السورية وانسحبت من الصفقات مع النظام. لكنه أردف أنه من المهم الأخذ في الاعتبار أن ازدياد الطلب على الكهرباء والمنتجات النفطية في فصل الشتاء.
وبين المصبّح أن إيران لم تعد تستطيع توريد النفط لسوريا بعدما وجهت الولايات المتحدة مصر بإغلاق قناة السويس أمام البواخر الإيرانية المتجهة إلى البحر المتوسط، في إطار حملتها لحصار إيران اقتصادياً. ونفت مصر في شباط منعها عبور سفينة إيرانية محملة بالنفط إلى سوريا.
وقال المصبّح إن النظام غير قادر على الاستيراد والتوريد لأنه لا يملك أموالاً كافية لاستيراد النفط من الخارج. وأضاف: «إن أحد أهم أسباب أزمة الطاقة في سوريا هي أن المناطق الغنية بالنفط صارت تحت سيطرة الولايات المتحدة بعدما كانت تحت سيطرة «داعش» الذي كان يمد نظام الأسد بالنفط والغاز بأسعار مخفضة».
ولا يزال بعض النفط يأتي من الشمال الشرقي السوري، والذي يسيطر عليه الأكراد، عبر وسطاء مرتبطين بالنظام. ويقدر خبراء تلك الكمية بنحو 20000 إلى 22000 برميل من النفط الخام يومياً؛ وهو أقل بكثير من حاجة البلاد. وقالت وسائل إعلام في كانون الثاني، إن «هيئة تحرير الشام» أرسلت 13 شاحنة كبيرة محملة بأسطوانات من الغاز المنزلي، إضافةً إلى 5 قاطرات تحتوي خردوات حديد إلى مناطق سيطرة النظام السوري عبر معبر مورك في محافظة حماة.
وكشف رئيس جمعية معتمدي الغاز بدمشق، صبري الشيخ، عن وصول ناقلتي غاز نهاية الأسبوع الثاني من آذار محملتين بما يقرب من 5000 طن من الغاز المنزلي من دون الإشارة إلى مصدرهما. وتوقع أن يؤدي ذلك إلى إزالة توفير الغاز للمستهلك خلال أسبوعين.
وأعلن ابن عم الرئيس الأسد، وسيم، أن أزمة الغاز «فتنة خارجية» ووضع «الشعب العاقل» أمام خيارين هما أن يُترك لمسلحي المعارضة لـ«ينتهكوا أعراضه»، أو أن يعاني من انقطاع الغاز. وزعم في تسجيل مصور نشره في كانون الثاني الماضي أن الولايات المتحدة «أغرقت» سفينة و«صادرت» اثنتين، كانت تحمل الغاز إلى سوريا من دون أن يعطي تفاصيل عن الحادثتين. وبحسب تسريبات إعلامية، فإن وسيم، (39 سنة)، مطلوب للسلطات بجرائم مختلفة.
سياسات ومسؤوليات
وأرجع موقع «سيريا ريبورت» (Syria Report) الاقتصادي السوري المستقل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المأساوية إلى دمار البلاد الذي حمل مسؤولية معظمه للنظام السوري وروسيا. وعدد الموقع عوامل أخرى كهروب رأس المال والطبقة الوسطى، وانخفاض قيمة الليرة، وتفتت البلاد، واحتكارات القلّة، وشبكات النظام الفاسدة.
كما حمل الموقع في مقالة منشورة في 6 آذار المسؤولية لسياسات الحكومة متواطئة مع حلفائها الأجانب. ومن تلك السياسات، وفقاً للموقع، تجديد الحكومة عام 2014 تراخيص مشغلي الهاتف المحمول لمدة 20 عاماً، بشروط تجرد خزينة الدولة والشعب من أموال هم بأشد الحاجة إليها. ووفقاً لحسابات أجراها «سيريا ريبورت»، تم تسليم نحو 450 مليون دولار من خزينة الدولة لمساهمي الشركتين بين عامي 2015 و2018 من دون مبرر مالي أو قانوني. كما تنازلت الحكومة لشركة «سترويترانزغاز» (Stroytransgaz) الروسية عن 70 في المئة من إيرادات إنتاج وتصدير الفوسفات لمدة 49 عاماً. وخفضت الحكومة الدعم على المنتجات النفطية وخصصت أموالاً لتطوير العقارات الفاخرة على حساب مشاريع الإسكان الاجتماعي الأكثر إلحاحاً.
واعتبرت الخارجية السورية العقوبات الغربية «سلاح حصار اقتصادياً» بيد دول «المشروع الاستعماري الجديد»، من أجل «تدمير دول المنطقة». وشدد الأسد في 10 آذار على أن مكافحة الإرهاب في سوريا، هي جزء من حرب واسعة على الساحة الدولية وهي التي تؤدي إلى حل سياسي في النهاية، ورأى أن أي حديث عن حلول سياسية في ظل انتشار الإرهاب، هو وهم وخديعة.
إعادة الإعمار
وتربط دول غربية إمكان تخصيص مساعدات لإعادة إعمار سوريا بموافقة الأسد على مرحلة انتقالية سياسية وصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات حرة. وقال الأسد إن الدستور غير خاضع لمساومات أو مجاملات أو تهاون، وأن نظامه لن يسمح بفرض تشكيل لجنة دستورية أو فرض آليات عملها، يما يسهل وصول «الدول المعادية إلى غاياتها». ودعت روسيا القوى العظمى إلى المساعدة في إنعاش اقتصاد سوريا ورفع العقوبات عنها وعدم ربط ذلك بإجراء تغييرات سياسية في النظام.
وفي تموز/ يوليو الماضي، قال السفير الفرنسي في الأمم المتحدة، فرنسوا دولاتر: «لن نشارك في إعادة إعمار سوريا ما لم يحصل انتقال سياسي فعلي بمواكبة عمليتين دستورية وانتخابية». وأضاف أنه من دون استقرار «لا سبب يبرر لفرنسا والاتحاد الأوروبي تمويل جهود إعادة الإعمار».
وعلى رغم هذا التأثير الاستنزافي على المواطنين في مناطق سيطرة النظام، ينفي دبلوماسيون غربيون مسؤولية الاتحاد الأوروبي عن معاناة المدنيين. ويدافع هؤلاء عن العقوبات باستغلال الحكومة النفط لأغراض عسكرية.
وقال ديبلوماسي من إحدى دول الاتحاد الأوروبي، تحدث إلى «درج» شريطة عدم الكشف عن هويته، إن نظام الأسد يتحكم في توزيع الطاقة. وأضاف أن في سوريا نخبة متأثرة بالنقص، وهم المقربون من النظام.
وشدد الديبلوماسي على أن «آلة النظام العسكرية والأمنية لم تتوقف» وأن ذلك «سبب أساسي لنقص الوقود في الوقت الحالي». وسأل عن زعم النظام بوجود أزمة بسبب العقوبات، في حين يصدر الكهرباء إلى لبنان ويشغل محطات توليد كهرباء تعمل بالغاز. لكنه أكد أنه، وعلى رغم صعوبة قياس فاعلية العقوبات، يبدو أنها فعالة لأن «الأسد اعترف بذلك وسماها حرباً اقتصادية، على رغم أنه برر النقص بسوء توزيع وفساد في حكومته». كما استدل الديبلوماسي على ذلك بزيارة الأسد الأخيرة إلى إيران، قائلاً إن هناك شيئاً متعلقاً بالغاز والنفط في تلك الزيارة. كما أشار إلى أن السماح للشركات باستيراد الغاز يظهر درجة يأس النظام. ودافع عن العقوبات بقوله: «هل سيكون النظام أقوى أم أضعف مما هو عليه لو لم يكن هناك عقوبات؟».
وأضاف الديبلوماسي أن العقوبات الأوروبية على نظام الأسد، والذي يُتهم كثير من رموزه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، هي «إشارة له إلى أن سياسته القمعية ضد شعبه مرفوضة». وختم قائلاً إن على نظام الأسد «أن يغير سلوكه ويساهم في تسوية دائمة للنزاع».
وختم بالقول: «تقوم العقوبات على مقاربة محددة. نسعى حتى لا تتأثر الجهود الإنسانية بالعقوبات. ولنرفع العقوبات، نريد أن نلمس تغيراً حقيقياً في سلوك النظام بشأن قمع الناس».
ولم تستجب سفارة الولايات المتحدة في الأردن لطلب «درج» الرد على أسئلة حول العقوبات على سوريا.
اقتراحات ومستقبل
وأوضح موقع «سيريا ريبورت» أن الادعاء بأن العقوبات تقوي الشبكات غير القانونية والفاسدة للنظام مبالغ فيها، فقد كانت تلك الشبكات موجودة قبل عام 2011، وكانت تزيد من سيطرتها على الاقتصاد.
ونصح الموقع باستخدام العقوبات لانتزاع تنازلات سياسية حول مصير المحتجزين لدى النظام، وتقديم ضمانات أمنية لعودة اللاجئين وإلغاء الاستملاكات. كما حث على إلغاء التدابير التي تضر بالسكان كتدابير شحن النفط لسوريا، وتسهيل حركة البضائع بما في ذلك المواد الإنسانية وقطع الغيار الخاصة بالبنية التحتية المدنية. وأوصى بالمحافظة على العقوبات التي تستهدف الأفراد والكيانات وتوسيع نطاقها لتشمل النخبة التي ظهرت خلال الحرب، والتي تواصل نهب البلاد وتكديس الثروة. كما أشار إلى ضرورة الإبقاء على التدابير على القطاع المصرفي لأن إزالتها تعيد أماكن غسل الأموال، وتسهل على النظام تمويل ميليشياته. وختم بالقول إنه لا تنبغي إعادة العلاقات الديبلوماسية مع دمشق.
وعادة ما يعود الطلب على الوقود للزيادة في فصل الصيف الذي يبدو أنه سيكون حاراً. فالولايات المتحدة تعتزم فرض عقوبات أشمل، ما يعني أن أزمة نقص النفط والغاز السوري قد لا تكون في طريقها إلى انفراج قريب.
ويرى المصبّح أن الحل الجذري لمشكلات البلاد يتلخص بـ«استقالة الحكومة، وتقاعد نظام الأسد». ويضيف: «على النظام أن يخلي سبيل السلطة للناس ليمارسوا حقهم في العيش في ظل دولة ديموقراطية، بحيث تصل إلى سدة الحكم حكومة منتمية تمثيلية، تستطيع أن تتلمس المشكلات وتعالجها وفق سياسة اقتصادية ناجعة».
درج