المتخيّل في “كان صرحاً من خيال”/ رشا عمران
تحكي رواية “كان صرحا من خيال” عن قصة الحب بين الشاعر أحمد رامي وأم كلثوم. كتبها بالفرنسية اللبناني الفرنسي سليم نصيب، تحت اسم “أم”، اختصارا لأم كلثوم، وترجمها الشاعر الراحل بسام حجار، وصدرت في طبعتها الأولى عام 2010 عن داري شرق غرب ودار العين، وصدرت في طبعتها الثانية عن دار العين قبل أيام. تفترض الرواية هيام أحمد رامي بـ “الفلاحة”، كما يتردّد دائما في الرواية التي أصبحت أشهر وأهم مطربة عربية، وهذه إحدى السرديات المروية والمنتشرة، حتى ليقال إن رامي لم يكتب لها سوى ما أراد دائما أن يقوله من عشقه وحبه لها.
يختلط التاريخي بالتخييلي في الرواية التي تجري أحداثها على لسان أحمد رامي كما يقترح الكاتب. ومع أن “كان صرحا من خيال” لا تقدم أي معلومة جديدة عن حياتي أم كلثوم وأحمد رامي، سوى اكتشاف أن سرد الراوي لم يكن سوى رسالة وجهها أحمد رامي إلى حفيده طارق (شخصية تظهر في نهاية الرواية)، إلا أنه يمكن القول إن هذا العمل وثيقة مهمة عن تداخل الحياة السياسية والثقافية والفنية في ذلك العصر، سيما بعد هزيمة 1967، وقبلها ما جرى عند ثورة يوليو 1952 وموقف الشخصيتين منها، وعن تلازم المسار الاجتماعي في ذلك الزمن مع مسار قصة الحب بين رامي وأم كلثوم.
ولا يعيب الرواية تلمس القارئ أن الكاتب لم يكن شديد الإعجاب بأم كلثوم. أو على الأقل فهمتها أنا القارئة هكذا، فهو حمّل الراوي (أحمد رامي) رأيه النفسي والثقافي بشخصية أم كلثوم، وتركيبتها الأنثوية الغامضة، بحيث يقول رامي في الرواية عنها: إنه يراها “خنثى”، ليست امرأة كباقي النساء، وليست حتما ذكرا. هي، حسب الكاتب، تجمع صفات الجنسين النقيضين بقوة، عدا عن تسلّطها وحبها للسيطرة الذي يجعل منها “إلهة خنثى” كما وصفها. وهنا يعتمد الكاتب على سردية يتناقلها العرب عن أم كلثوم، عشقها النساء. ويظهر تأثر الكاتب بهذه السردية، في وصف إحدى زيارات رامي لها، حين دخل غرفة نومها، من دون أن يمنعه أحد، ووجدها في قميص نوم مكشوف الظهر، معها مربيتها سعدية، وثلاث من صديقاتها المقرّبات، في وصف للمشهد بلغة ممتلئة بالغواية، تدلّ، صراحة، على إيروتيكية أنثوية، كانت تحدث تلك الليلة، وتجعل من أم كلثوم غارقة في السعادة والضحك، على الرغم من أنها كانت، تلك الفترة، تتعرّض لحملة إساءة في الصحافة المصرية، تقف وراءها سلطانة الطرب منيرة المهدية التي كانت قد بدأت تشعر بأن “الفلاحة” أم كلثوم تسحب منها اللقب والوهج، بمقدرتها الصوتية المذهلة، وبذكائها باختيار القصائد التي ستغنيها، وبقوة شخصيتها التي كانت تجذب أهم الملحنين والكتاب، في ذلك القرن، ليكونوا رهن طلباتها.
الغريب في الرواية عنوانها الذي اختاره المترجم بسام حجار “كان صرحا من خيال”، وهو الشطر الثاني من مطلع قصيدة الأطلال، لإبراهيم ناجي، التي غنتها أم كلثوم عام 1966، فلماذا لم يختر العنوان من إحدى قصائد أحمد رامي لها، طالما الرواية بلسانه وعن سيرته معها وهيامه بها؟ هل أراد بذلك أن يقول إن الحب الذي جمع بينهما لم يكن سوى خيال بالغ الوهج يشع في وجدان الشاعر، كي يبقى دائما شغوفا بها، ويكتب عن هذا التوْق الغريب لوصالها الذي لم يحدث أبدا، بحيث بقي حبّه لها المتن الرئيس في حياته منذ لحظة تعرّفه عليها، وكل ما تبقى في حياته مجرد هوامش تدور في فلك ظلها الهائل؟ وبالتالي لم يسقط هذا الصرح من الحب إلا بعين شاعر آخر هو إبراهيم ناجي؟ أو ربما وجد المترجم أن العنوان الأصلي للرواية “أم” لا يعبر عن شخصية أم كلثوم أبدا، سوى بوصفه اختصارا لاسمها. كما أن هذه الكلمة حيادية وعامة، لا تشبه شخصية أم كلثوم المتطرّفة وبالغة الفرادة والخصوصية، وتحيل مباشرة إلى الحنان والاحتضان والعطاء والتضحية، وهي صفاتٌ لا تحملها أم كلثوم في الرواية، إلا حين يتحدّث أحمد رامي عنها في الرواية، ويقول إنها أم “لأن العبارة الأولى في اسمها: أم، أم الجميع، وأم بدون ولد”.
يبقى القول إن لغة السرد في الرواية ممتعة ومثقفة من دون مبالغة وادعاء، وبسيطة من دون شعبوية وابتذال. وربما ساهمت ترجمة بسام حجار لها بذلك، فهو صاحب لغة خاصة في شعره: بسيطة وعميقة ومثقفة.
العربي الجديد