السويد: حرمان أطفال سوريين من عائلاتهم “لحمايتهم من العنف”/ عبداللطيف حاج محمد
“بعدما ضربت ابنتي كان الأمر طبيعاً حيث أكملنا يومنا، وفي اليوم الثاني ذهبت الطفلة إلى المدرسة وأبلغتهم بذلك وما كان من المدرسة إلا أن أبلغت السوسيال، ليتطور الأمر إلى خلاف، ما أدى إلى قرار سريع من السوسيال بسحب الفتاة”
في ضاحية هوسكفارنا قرب مدينة يونشوبينغ وسط السويد، وصل عدد من موظفي مكتب الخدمات الاجتماعي أو ما يعرف بـ”السوسيال” إلى مدرسة الطفلة سارة (15 سنة)، وعلى الفور طلب أحد الموظفين منها مرافقته في أمر مهم، ومنذ ذلك اليوم لم تعد إلى مدرستها هذه.
بعد ساعات من الحادثة علمت والدتها أنها نقلت إلى منزل عائلة مسجّلة لدى دائرة الخدمات الاجتماعية، بصفة عائلة مضيفة، في مدينة ثانية لكي تعيش معها، بدلاً من أسرتها الأصلية، كما تروي الأم.
سارة التي لجأت من ريف إدلب شمال سوريا مع عائلتها إلى السويد هرباً من ويلات الحرب، هي واحدة من 12 حالة تم توثيقها في هذا التحقيق الذي يرصد عمليات وضع اليد على الأطفال من قبل دائرة الخدمات الاجتماعية في السويد، لأسباب عدة، أهمها العنف الجسدي والنفسي، وعدم أهلية الأهالي. وتحوّل الموضوع في الأعوام الأخيرة إلى ظاهرة، خصوصاً في أوساط الوافدين الجدد من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مخلفاً ألماً ومعاناة بين أوساط اللاجئين الجدد، ومواطني المستقبل.
تعتبر الخدمة الاجتماعية، أو دائرة الشؤون الاجتماعية، أو “السوسيال” في السويد، السلطة المسؤولة قانونياً عن ضمان تنشئة الطفل في بيئة “آمنة”، وفي حال شكّت هذه المؤسسة بوجود خطر على حالة الطفل الصحية أو النفسية، يحق لها أخذ الطفل بقوة القانون ووضعه عند عائلة أخرى “مضيفة”.
بمعنى آخر، تنتقل الحالة القانونية وبموجب قرار صادر عن المحكمة الإدارية في كل بلدية، من الوالدين إلى دائرة الخدمات الاجتماعية، وفق القانون.
تشير الفقرة الثانية، من قواعد القانون رقم 1990:52 الخاصة المتعلقة برعاية القُصر (تحت الـ18 سنة)، إلى أنه يتم فرض الرعاية (على الطفل) بناء على سوء المعاملة النفسية أو الجسدية، والاستغلال غير المناسب، وغياب الرعاية الصحية أو أي ظرف آخر في منزل الحاضنين، يمكن أن ينعكس على سلامة الطفل وصحته.
وبحسب الفقرة الثالثة، يتم اتخاذ القرار بشأن الرعاية “إذا تعرضت صحة الطفل إلى خطر أو إيذاء، بسبب تعاطي مواد الإدمان أو الأنشطة الإجرامية أو أي سلوك اجتماعي مهين آخر”.
وعند أخذ الطفل، ينتقل من وصاية والديه ليكون نزيلاً لدى أحد المؤسسات الاجتماعية التي يشرف عليها موظفون، حتى يختاروا له عائلة تقبله، ويتم نقله من بلدية إلى أخرى يجهلها الأهل، ومن دون التصريح عن مكان إقامته ومع من يعيش.
وفق الناشطة الاجتماعية، إليزابيت بروم، تحصل العائلة المُستضيفة على راتب ما بين 20 ألف كرون (2300 دولار) و40 ألف كرون (4600 دولار) شهرياً من دون أن تدفع ضرائب.
نعتمد في هذا التحقيق على مقابلات مع أشخاص من عائلات سوريّة غيّرنا أسماءهم الحقيقية، ويقيمون في مدن سويدية مختلفة، وكانوا يشعرون بالخوف والقلق على مصير ينتظر أطفالهم، وكان من الصعب إقناعهم بالتحدث إلينا.
اعتمدنا منهجية تستند إلى رواية الأهالي والتحقق من الاتهامات الموجهة إليهم، ورواية “السوسيال” حول أسباب أخذ الأطفال، بتتبع حالات أطفال في 5 مدن سويدية مختلفة هي: يونشوبيغ، مالمو، غوتينبرغ، هيلسنيوري، استكهولم، للتأكد من وجود نهج متكرر لأخذ الأطفال، وتحديد نطاق المسؤولية المباشرة، بدءاً من الشكوى وحتى صدور قرار المحكمة.
كما حصلنا على وثائق وصور ومقاطع فيديو، لن نتمكن من عرض بعضها حرصاً على السلامة الشخصية لمصادرها، وهم أشخاص لا يزالون يخوضون معارك قضائية مع دائرة الشؤون الاجتماعية، “السوسيال”.
يبلغ عدد اللاجئين السوريين في السويد منذ اندلاع الاحتجاجات السورية في 2011 لغاية أواخر عام 2016 أكثر من 166 ألف شخص، “ومن مجموعهم فإن 34 ألف شخص منهم ولدوا في السويد، وبذلك أصبح السوريون في السويد ثاني أكبر جالية بعد الفنلندية”، وفق موقع “الكومبس بالعربي”، في أيار/ مايو 2017.
تقول والدة سارة إن سبب وضع اليد على الفتاة، هو ورود تقرير من أحد معارف العائلة، أرسله إلى “السوسيال” يتهمها فيه بأنها “تفرض على الفتاة الحجاب بالقوة، وتتلقى معاملة سيئة وضرب”، وهو ما تنكره العائلة جملةً وتفصيلاً.
بعد شهرين من الحادثة، صدر قرار نهائي من محكمة غوتينبرع (يوتبرىوي) باحتفاظ “السوسيال” بحق رعاية الفتاة، بسبب وجود شكّ كبير حول أهلية الأم وقدرتها على توفير الرعاية الكافية للفتاة، إلا أن العائلة طعنت بالقرار وتخوض معارك قضائية لاستعادة ابنتها.
سهى عبد السلام، سيدة أربعينية من مدينة حلب حاصلة على حق اللجوء في السويد، وتقيم في إحدى المناطق القريبة من مدينة غوتنبرغ، انتزع مكتب “السوسيال” منها ابنتها البالغة من العمر 13 سنة، بعدما اعترضت على طريقة سلوك الفتاة بضربها.
تقول عبد السلام: “في اليوم ذاته، وبعدما ضربت ابنتي كان الأمر طبيعاً حيث أكملنا يومنا، وفي اليوم الثاني ذهبت الطفلة إلى المدرسة وأبلغتهم بذلك وما كان من المدرسة إلا أن أبلغت السوسيال، ليتطور الأمر إلى خلاف، ما أدى إلى قرار سريع من السوسيال بسحب الفتاة من المنزل ووضعها لدى عائلة ثانية”.
وتضيف: “لست ضد حضارتهم وطريقة تربيتهم، إنما نحن معتادون على طرائق مختلفة، وللأسف هم لا يقدرون ذلك”.
أمام سوء الفهم والاختلاف الثقافي الواضح وصعوبة تعلم اللغة بالنسبة للأهل، بادر المجلس الوطني للشؤون الإجتماعية، حملة توعية على مستويات البلديات بالتعاون مع مدارس المراحل المتوسطة والثانوية، التي تستقبل أبناء الوافدين الجدد، في المناطق المصنفة على أنها ذات طبيعة خاصة، بناء على عوامل اجتماعية، اقتصادية وثقافية وإثنية، الهدف من هذه الحملات الموجهة إلى طلاب المراحل المتوسطة والثانوية، على ما تعبر عنه مسؤولة مكتب الشؤون الاجتماعية في مقاطعة فستربوتين حنا ستوبليه.
وإلزام المجلس الوطني للشؤون الإجتماعية، الوافدين الجدد إلى السويد اتباع برنامج التوجيه الاجتماعي samhällsorientering، لما يوصف بتمكينهم من التعرف إلى حقوقهم وواجباتهم، وتسهيل اندماجهم في المجتمع السويدي، كما يتضمن البرنامج التوجيهي معلومات حول كيفية تعامل القانون السويدي مع القضايا الخاصة بالطفل ورعايته.
بلاغ بشتى الطرائق
عندما يقرر مكتب الخدمات الاجتماعية “السوسيال” أن أحد الوالدين أو كليهما غير قادر على رعاية وتربية الأطفال، يأخذ الطفل أو يضع اليد عليه بعدما تقوم أي جهة من جهات الدولة أو أي شخص يمكن أن يتقدم ببلاغ في حال وجود قلق بشأن شيء خاص بالطفل.
يكشف أحد موظفي الخدمات الاجتماعية (رفض الكشف عن اسمه)، عن آلية تقديم البلاغ: “التحقيق مع عائلة ما يحصل في حالتين، الأولى أن تقدم شكوى ضد العائلة من قبل طرف ثالث كالجار أو المدرسة التي يدرس فيها الأطفال تتعلق بسوء معاملة الأطفال، والثانية تكون في حال قيام أحد أفراد العائلة، كالطفل او أحد الوالدين في بعض الحالات بتقديم طلب بفتح تحقيق وذلك وفقاً للفصل 14 من قانون الرعاية الاجتماعية (14 kap 1 § Socialtjänstlagen)، وأن ما يفعله السوسيال هو تطبيق للقانون”.
هذه الآلية دفعت مجموعة من اللاجئين السوريين إلى التظاهر أمام دائرة الخدمات الاجتماعية في مدينة “إيخو” وسط السويد للمطالبة بما وصفوه استرجاع طفلتين سوريتين من الوافدين حديثاً الى السويد، وبعد ساعات من الوقفة، عاد الجميع إلى بيوتهم من دون جدوى، بينما بقي أمام البناء رجل يبدو أنه تجاوز الثلاثين بقليل وإلى جانبه سيدة غطى البكاء ملامح وجهها.
في ما بعد علمنا أن الرجل من ريف دمشق أتى إلى السويد منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2016 مع عائلته، سألناه عن سبب البقاء فقال: “آخر مرة شاهدت فيها أطفالي كانت عند نقلهم إلى المركز الطبي عندما كانت تبكي بسبب وجع أصابع يدها اليمنى، فذهبنا بها إلى أحد المستوصفات في المدينة، وهناك لم يتمكن الطبيب من كشف ما بها ليتم تحويلها إلى أحد المستشفيات”.
ويتابع: “من خلال الصور الشعاعية لاحظ الأطباء وجود شِعر بسيط في الكوع، على رغم عدم وجود أي علامات تشير إلى ذلك، كما هو معتاد مثل الورم أو اللون الأزرق. في اليوم التالي عندما ذهبنا لرؤية طفلتنا والاطمئنان عنها، جاء موظفون من دائرة الرعاية الاجتماعية – قسم حماية الطفل وأخذوا طفلتنا من بين يدي أمها ثم جاءوا، بعد ساعات إلى منزلنا، وأخذوا الطفلة الثانية بحجة أنها معنفة، وعليهم حمايتها مع شقيقتها بعدما وصلهم تقرير من المستشفى عن تعرض الطفلتين للعنف”.
تقاطع السيدة زوجها وتقول: “لقد سرقوا أطفالي”.
تشير المعلومات التي حصلنا عليها إلى أنه وبعد استلام مكتب “السوسيال” البلاغ والتحقق منه يمكن أخذ الطفل فوراً من حضانة الأطفال، أو المدرسة من دون إخبار الآباء حول هذا الموضوع ويتم نقل الطفل فوراً إلى منزل موقت. ثم على السوسيال خلال أسبوع تقديم طلب للمحكمة بشأن الاحتفاظ بالطفل حتى تجد المبرر القانوني لذلك، حتى تحديد جلسة الاجتماع بشأن مسألة الاحتفاظ الإلزامي وما إذا كان يجب أن يستمر أم لا، وإذا قررت المحكمة أن “السوسيال” لم يخطئ، يوضع الطفل لدى أسرة حاضنة بدلاً من أسرته الأصلية.
تهم جاهزة
رامي، أب لثلاثة أطفال، أعمارهم بين الثامنة والسادسة، وضعت الخدمة الاجتماعية يدها عليهم، وتخوض الآن معركة قضائية لتثبيت قرارها.
قصة الشاب تبدأ من تهمة وجّهت إليه بأنه “متعاطف مع داعش”، لتجري المخابرات السويدية، المعروفة باسم “السيبو”، تفتيشاً للبيت وتفحص كل شيء هناك، وتعثر على فيديوهات تشير إلى وجود “شبهة إيديولوجية متطرفة” لديه.
وقبل مغادرة عناصر فريق التفتيش المنزل، رأوا جرحاً على يد ابنه العائد من المدرسة، فما كان منهم إلا أن أرسلوا بلاغاً للسوسيال في تشرين الأول 2018.
وفق قانون الــLUV، الصادر عام 1990 والذي ينظم عمل مجلس الخدمات الاجتماعية في السويد في الفقرة الأولى، إنّ كل موظف في الدولة ملزم بأن يرسل إلى الخدمة الاجتماعية، السوسيال، بلاغاً في حال رأى ما يشتبه بأنه اعتداء على طفل، أو ظروف غير مناسبة يعيشها الطفل.
بدأ “السوسيال” التحقيق في ما وصل إليه من معلومات، ومن دون التأكد من قصة جرح يد الابن وحرق يد البنت، بحسب الوالدة، سارعوا إلى وضع يدهم على الأطفال، بمن فيهم الطفل الرضيع، وسحبوا الجميع في الرابع من آذار/ مارس الماضي بعدما ربطوا بين “الاشتباه بالتطرف” الذي وجّه للأب، مع ما حصل للأطفال على أساس أنه ناتج عن “عنف التطرف”.
بموجب القانون فإن الخدمة الاجتماعية تستطيع سحب جميع أطفال العائلة، إذا ما تعرض أحدهم لظروف تعتبرها الخدمة الاجتماعية غير مناسبة ضمن الإطار العائلي، مثل العنف، أو عدم القدرة على إعطاء الطفل ما يحتاجه من أساسيات.
ورغم ذلك يفرض الفصل 5 ، القسم 1 ، SOL ، على اللجنة الاجتماعية ضمان نمو الأطفال في ظروف آمنة وجيدة، إضافة لتحمل اللجنة مسؤولية كبيرة عندما يتعلق الأمر برعاية الشباب في منازل الأسرة. كما يتوجب على اللجنة أن تسهم في ضمان حصول الطفل على رعاية وتربية جيدة ونمو جيد وتعليم مناسب ورعاية صحية ضرورية وما إلى ذلك. ومتابعة الرعاية في منزل العائلة من خلال الزيارات الشخصية ، والمحادثات مع الشاب ،والمحادثات مع والدي الطفل، إلا أن أهالي الأطفال يتهمون الشؤون الاجتماعية ( السوسيال) بالتقصير وعدم تنفيذ الالتزامات المتوجبة عليهم.
يقول يورغن اندرسون وهو محامي متخصص في شؤون الأسرة وقضايا السوسيال لفريق التحقيق: ” يجب على اللجنة الاجتماعية مرة واحدة على الأقل كل ستة أشهر أن تنظر فيما إذا كانت الرعاية لا تزال ضرورية وكيف ينبغي توجيه الرعاية وتصميمها. هذا يعني أيضًا أن اللجنة الاجتماعية يجب أن تقرر ما إذا كانت وضع اليد مناسبة أم لا. وإن اللجنة الاجتماعية نفسها هي التي تقرر المكان الذي ينبغي أن يقيم فيه الطفل خلال فترة الرعاية. كما لا يمكن الطعن في قرار اللجنة إلا من قبل والديه من خلال محامي مختص للترافع نيابة عن والدي الطفل، بالإضافة إلى مترجم يتقن اللغتين العربية و السويدية وهو ما توفره الشؤون الاجتماعية لوالدي الطفل”.
يعلق رامي بخصوص الربط بين وضعه وقرار أخذ أطفاله: “بعد 6 أشهر على الحادثة واتهامي بالتطرف، هل من المعقول أن يتركوني إذا كنت مذنباً، اليوم أنا في منزلي ولا يوجد أي دليل على اتهامهم بما لفقوه لي ولعائلي، المسألة واضحة هم يريدون سحب أطفالي فقط!”.
وعلى رغم أنه يتوجب على المحكمة كل ستة أشهر مراجعة القرار لمعرفة إمكان الاحتفاظ بالطفل أم لا من قبل “السوسيال”، أو نتيجة الطعن من قبل الأهل ضد هذا القرار من خلال الاستعانة، إلا أن رامي لم يتمكن من استعادة أولاده، وقدمت الخدمة الاجتماعية فيديو جديد للمحكمة وصفته بـ”اعتداء نفسي على الطفل”، يتضمن الشريط المصور دقيقة ونصف الدقيقة، يقول خلالها الأب لأحد أطفال “بدي أخذك عبيت الفئران” فيما الطفل يبكي، وصدر قرار المحكمة بناء على ذلك، بأن هناك تعذيباً نفسياً وتعذيباً جسدياً محتمل.
إغراءات للأطفال
تقول الناشطة إليزابيت بروم، في ندوة حول أخذ الأطفال من قبل دائرة الشؤون الاجتماعية “السوسيال”، في العاصمة السويدية ستوكهولم، العام الماضي، “إن دائرة السوسيال لا تقوم بتطبيق القانون كما هو مكتوب وأن تقاريرها تتم المصادقة عليها في المحكمة بنسبة تقارب 98 في المئة”.
وتوضح أنها عندما قرارها مع حوالى 40 محامياً الاحتجاج على “السوسيال” لتعسفه وعدم التزامه، لم يجدِ نفعاً، فتوجهت إلى المحكمة الاوروبية ولم يسمح لهم بالكلام هناك لتسليط الضوء على هذه القضية سوى لمدة خمس دقائق فقط.
وتابعت“عام 2010 تم سحب 17200 طفل وهذا رقم مخيف، وحتى عام 2014 تم سحب 32000 طفل”. وأضافت أن الحكومة تصرف أموالاً باهظة للعائلات التي يوضع عندها أطفال وتقدر بالملايين، وهناك وضع غير صحيح لأن “السوسيال” يعمل على إغراء الطفل المحتجز ويقدم له ما يريد من أجل ألا يعود لأهله.
ويتمتع الطفل في السويد بحقوق أساسية تم نصها من قبل معاهدة الأمم المتحدة لحقوق الطفل، وتعتبر السويد أحدى الدول الـ 139 الموقعة على المعاهدة. وتضم المعاهدة 53 بنداً، يتوجب احترامها من قبل أفراد المجتمع وليس فقط الأبوين.
هناك أربعة أعمدة أساسية تضم حقوق الطفل وهي: حق الطفل في الحياة، الحق في التطور، الحق في التعلم، والحق في التعبير. فمثلاً يجرم القانون أي شخص يتعامل مع الطفل بطريقة عنصرية لاختلاف لونه أو انتمائه الديني، ويلزم الآباء مراعاة وقت اللعب للطفل وتوفير ما يلزمه لتطوره العقلي والجسدي، فهو يجب أن يعامل معاملة طفل ويحرم استغلاله لأي غرض آخر. كما أنه يتوجب على الأبوين والجميع التعامل مع الطفل وأخذ رأيه بما يرغب فيه، وذلك لتنمية مبادئ الديمقراطية، وتأهيله للمشاركة السياسية والميدانية المبنية على الحكم الصحيح.
سلطة مكتب الخدمات الاجتماعية
يجاهر من سحب أطفالهم منهم واللاجئون في السويد بالقول إن السلطات تريد وضع يدها على الأطفال فقط، فيما ينفي يوهان كلينغبوري، مدير مكتب الخدمات الاجتماعية “السوسيال” في بلدية فالكنبري ذلك، بالقول: “المجتمع السويدي لديه التزام بأن نوضح القواعد والقوانين المتبعة والمتعلقة بحقوق الأطفال، كما لدينا التزام أيضاً بمساعدة الأشخاص الوافدين إلى السويد على فهم ثقافة البلاد. لا يكفي إعطاء تعليمات حول المسموح والممنوع، إنما الموضوع يتعلق بشرح آلية عمل النظام في السويد، وهذا تحدٍ كبير للمجتمع بأسره”.
وبحسب رأيه، تختلف أسس تربية الأطفال في السويد بشكل جذري عن مثيلاتها في البلدان الأخرى، لا سيما الشرقية والشرق أوسطية، لذلك فإن كثيراً من اللاجئين المنحدرين من تلك الأصول، يواجهون صعوبات حقيقية في التكيف مع تلك الأسس والتماشي معها، إذ يبقون متمسكين بأعرافهم الموروثة، التي من الصعب أن تجد قبولاً في مجتمع كالمجتمع السويدي.
ومن هنا بدأت بعض الجمعيات الأهلية تعي أهمية تأهيل العائلات اللاجئة بأهمية القانون وأسس تربية الأطفال وفق أسس سويدية، يقول مدير “جمعية أطفال وأسر تحت المجهر” في تصريح نقله موقع الكومبس السويدي في 24 آب/ آغسطس 2018 أن هدف جمعيتهم “تأهيل العائلات التي فقدت أطفالها عن طريق تعليم الأهل أساليب التربية من خلال دورات تخصصية حتى يكونوا قادرين على استعادة أطفالهم من حضانة السوسيال”.
لكن الطبيبة النفسية المتخصصة في شؤون الطفل، أنا أندرسون، ترى “أن عدم الاطلاع الواسع للمشرفين في مؤسسات رعاية الأطفال في السويد على الثقافة الأصلية للأطفال وعائلاتهم وبخاصة الوافدين من الشرق الأوسط والبلاد العربية إضافة إلى ضعف التواصل اللغوي، وسع من انتشار الظاهرة ولم يحقق الهدف المرجو من أخذ الأطفال، كما أن أطفالاً كثيرين، هم يتقدمون بشكوى لمدرستهم عما يحصل”.
استرجاع الأطفال
“في الطريق للقاء فلذة قلبي أبني”، هذه جملة كُتبت تحت صور أطفال على صفحة لاجئة سورية في السويد في موقع “فيسبوك”.
بدأت قصة رهام (38 سنة) وهي أم لخمسة أطفال، عندما قررت مثل كثر من السوريين مع زوجها وأطفالها اللجوء في مدينة “هلسنبوري” وسط البلاد.
تعيش اليوم رهام مع زوجها بعيداً من أطفالها ولا تعلم مصيرهم بعدما أخذ “السوسيال” جميع أطفالها، بحسب شهادتها.
تقول: “زوجي عصبي جداً ووضعه النفسي غير مستقر بسبب الحرب وفقدان أخوته في سوريا، ويصرخ في وجه الأولاد بشكل مستمر ولاحقاً أخبر أولادي مدرستهم وهي أخبرت السوسيال ومن ثم تم أخذ جميع أطفالي، ووجهت لنا دعوى في المحكمة بأن الأبناء يشعرون بخوف شديد من والدهم ويرفضون رؤيته”.
تمكنت رهام من استعادة اثنين من أطفالها من دائرة “السوسيال” بعد جلسة المحاكمة الثانية، وتضيف: “كنت أعلم أن أبنائي لا يقولون ذلك عني، لهذا السبب قررت لقاءهم من دون إذن دائرة رعاية الشباب، على رغم تحذيرات المحامي لي من القيام بذلك. وبالفعل تمكنت من رؤية اثنين منهم وفوجئت بكلامهما، ورغبتهما العارمة بالعودة للبيت، بالفعل تمكنا في جلسة المحاكمة الثانية من استعادة حق الحضانة على اثنين من أبنائي 13 و12 سنة، وبانتظار أبنائي الآخرين. لقد انفطر قلبي عليهم”.
في مدينة مالمو (وسط البلاد)، رفعت هدى (اسم مستعار) وهي سيدة خمسينية شكوى ضد زوجها لمكتب الخدمات الاجتماعية تبلغ أنه يضربها بسبب خلاف بينهما، عقب ذلك تم اصطحاب الزوجة مع الأطفال إلى سكن حماية، وبعد أسابيع من الحادثة لم تعجب الزوجة الحياة الجديدة في سكن الحماية، وأرادت العودة الى بيتها وزوجها.
تقول: “رفضت الخدمات الاجتماعية طلبي بالعودة الى زوجي مع الأطفال وأعطوني الخيار بالبقاء مع أطفالي منفردة أو العودة لزوجي من دون أطفالي، وقالوا إنه لا يحق لي أخذ الأطفال معي الى البيت باعتبار أنه حصل عنف في المنزل، وفي حال مخالفة ذلك سيتم نقل الأطفال إلى عائلة أخرى حتى انتهاء التحقيقات وإصدار قرار المحكمة إذا كان قرار السوسيال صائباً أم لا”.
عادت هدى إلى منزلها مع الأطفال، لكن لم تنتهِ القصة، فبعد بأيام، وصل عدد من موظفي الخدمة الاجتماعية مع رجال الشرطة وأخذوا الأطفال.
عقبات بيروقراطية
حاولنا الحصول على إحصاءات عن عدد الأطفال المسحوبين من ذويهم من قبل مكتب الخدمات الاجتماعية، في الأعوام الثلاثة الأخيرة والتي تصنف تحت بند معلومات سرية، ولا تخضع لقانون حق الحصول على المعلومة.
تواصلنا مع مكتب الإحصاء المركزي، الذي بدوره نصحنا، بطلب البيانات من الإدارة المركزية للخدمات الإجتماعية. وفي سؤال القائمين على مكتب الخدمة الاجتماعية في مقاطعة كالمار، حول الحالات التي تم توثيقها ومواجهتهم بما تم التوصل إليه، رفضوا الإدلاء بأي شيء، وقالوا إنهم لا يتكلمون عن حالات محددة، وأبدوا استعداداً للحديث عن موضوع “وضع اليد على الأطفال” عموماً.
آن غاردي ستروم، من الوحدة الاستراتيجية في قسم الشؤون الاجتماعية في بلدية ستوكهولم، تلفت إلى أنه “يمكن في بعض المرات أن يتم تطبيق قرار المحكمة بشكل فوري، في ما إذا كان هناك خطر حقيقي على الفرد، كأن يكون معرضاً للعنف أو الاعتداء الجنسي والجرائم الجنائية أو الإدمان. ما يعني أن اللجنة الاجتماعية أو سياسيي اللجنة أو رئيسها، يمكنهم أخذ قرار في ما إذا كانت هناك حاجة فورية للمساعدة، ويتطلب تطبيق القرار أربعة أسابيع، حتى تنهي الخدمات الاجتماعية تحقيقاتها والتوصل إلى مقترح بهذا الخصوص”.
استرجاع الأطفال
على رغم أن التشريع القانوني في السويد يفرض على “السوسيال” إعادة الأطفال الى منازلهم إذا كان ذلك ممكناً وبأسرع وقت، إلا أنه ومن كل عشر حالات يعود طفل أو طفلة مجدداً إلى العائلة الأصلية، أو تنتظر الأخيرة حتى يبلغ الطفل 18 سنة حتى تمكنه العودة مجدداً إلى عائلته كما حصل مع سارة وعائلتها. فالفتاة هربتبعد أشهر من أخذها إلى بيت جديد وعادت إلى عائلتها وانتظرت لمدة سنة حتى بلغت السن القانونية، وباتت قادرة على اختيار مكان إقامتها بعيداً من “السوسيال”، بيد أن كثيرين ما زالوا صغاراً وغير قادرين على اتخاذ قرار بهذا الخصوص، بخاصة أن حياتهم الجديدة قد تجذبهم أكثر.
في المقابل، يشير تقرير للتلفزيون السويدي إلى وجود أخطاء في دائرة الشؤون الاجتماعية “السوسيال”، تلحق الأذى بمئات الأطفال المسحوبين من عائلاتهم.
التقرير يؤكد أن حوالى 150 طفلاً من الأطفال الذين تم سحبهم من عائلاتهم في السويد خلال 2016 -2018 أصيبوا بأمراض وحوادث خطيرة بسبب الإهمال وسوء الرعاية، مع ظهور أكثر من حالة وفاة بين الأطفال، والسبب أن الخدمات الاجتماعية السويدية كانت مخطئة، هذا لأنهم يفتقرون إلى الموارد الصحيحة أو الروتينية أو المهارات اللازمة لسحب الاطفال من عائلاتهم.
وتتمثل تلك الأخطاء بنقص في الإجراءات، وفي المهارات اللازمة للتعامل مع مثل هذه القضايا.
وكان التلفزيون السويدي، طلب من مصلحة الرقابة على الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية، Ivo المعنية بالأمر، جميع التحقيقات التي قامت بها بخصوص رعاية الأطفال خلال الفترة من عام 2016 وحتى شهر أيلول/ سبتمبر من عام 2018 واستندت إلى 324 قضية تتعلق بـ994 طفلاً.
وعلى رغم الصعوبات التي يواجهها الأهالي في استعادة أطفالهم، إلا أن هناك أهالي تمكنوا من استعادة أطفالهم حقاً كحالة سهى العلي، التي دخلت في ماراثون تحقيقات مع موظفي الخدمات الاجتماعية لمدة شهرين، محاولةً استعادة ابنتها البالغة من العمر 17 سنة، بعدما وصل خبر إلى المدرسة بأن الطفلة ستسافر إلى بلدها الأم خلال عطلة الصيف بقصد الزواج بالقوة. فنقلت المدرسة القصة إلى موظفي الخدمة الذين وصلوا إلى المدرسة فوراً واتصلوا بسهى وزوجها وأخبروهما أن ابنتهما بحاجة إلى حماية وأن حياتها مهددة بالخطر.
بناء على ذلك تقول سهى: “المشرفون على القضية كانوا يجرون تحقيقاً متوازياً بيني وبين ابنتي، ليتأكدوا من تطابق أقوالنا، لكن أعتقد أنهم لم يتمتعوا بأقل معايير الحيادية والموضوعية في كتابة المحاضر الخاصة بي، إذ وصل إلى ابنتي أننا لا نريدها في السويد، ونرغب في تسفيرها وتزويجها، إضافة إلى ذلك منعونا من اللقاء المباشر طوال فترة التحقيق”.
بعد انتهاء مدة التحقيق، ونقل الفتاة إلى سكن الرعاية، تمكنت من التواصل مع عائلتها بواسطة سيدة مُسنة ساعدتها في الوصول إلى العائلة بحسب ما تؤكد والدتها، وتضيف “بدورنا أخبرنا المحامي الموُكل بالقضية، وأبلغنا الشرطة، لإظهار حُسن النية، وأننا نرغب في التعاون، وبالفعل وصلت الشرطة واقتادت ابنتنا بصفتها هاربة”.
وتكمل “العامل المساعد أن ابنتنا، أكملت الـ18، بعد أيام من سحبها من قبل الشرطة وإعادتها إلى كنف “السوسيال”، وبموجب القانون، أصبحت كاملة الأهلية القانونية، ولها حق تقرير المصير، فاختارت ابنتنا العودة إلينا”.
الأهل… ضحية
يؤكد مختصون التقيناهم أن القرار النهائي بانتزاع الأطفال، يكون وفق مراحل وإجراءات، وفي حالات عدة، يكون الأهل هم ضحية قلة المعلومات حول القوانين والتعليمات الاجتماعية.
وتعتقد الباحثة الاجتماعية في جامعة يوتوبوري، فريدة بيلو “أنه ومن المهم للوالدين والكبار بذل جهد كبير من أجل الحصول على معلومات عن المجتمع الذي جاءت العائلة إليه، وأن يفهموا أنّ التحديات في الحياة اليومية الجديدة والبيئة المعيشية للطفل ستصبح أيضاً جزءاً من شخصيتهم. سلامة الطفل هي مهمة الوالدين، سلامة الطفل في المنزل وخارج البيت وفي أوقات الفراغ والمشاركة في النشاطات الرياضية والثقافية كلها تقع ضمن مسؤولية الوالدين”.
أما المحامي سامر طلب، فيؤكد “أنّ المشكلة تبدأ من المدارس والروضة، ربما تكون لديهم شكوك غير واقعية حول أن طفلك يتعرض للضرب أو الإيذاء في المنزل، أو ربما طفلك يقول أكاذيب أو قصصاً عن معاملة سيئة في المنزل من الأب أو الأم، بدافع المراهقة والانتقام من الأهل، أو الفضول، أو الحصول على حرية ومنافع، أو زميل أو زميلة شجعت أبناءك على فعل ذلك، لذلك عليك لو تعرضت للوقوع بمشكلة مع “السوسيال”، بسبب شكوك غير حقيقية من المدرسة والروضة أو لأن ابنك أبلغ عنك، عليك التعامل مع التحقيقات بهدوء، وأن تشرح لهم أن هناك خطأً كبيراً في ما يقوله”.
يعتبر اللاجئون السوريون في السويد أن الظاهرة مستمرة وتزداد بشكل واضح إلا أن الارتفاع هذا المتمثل في وضع اليد من قبل “السوسيال” على الأطفال مرتبط بزيادة عدد الأسر السورية اللاجئة إلى السويد ومشكلات الآباء، إضافة للمشاكل المتأصلة في ثقافة العقاب للطفل عند الوافدين الجدد.
تم إنجاز هذا التحقيق عبر الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – “سراج”، وبإشراف الزميل علي الإبراهيم وبدعم من منظمة Open Society Foundation.
درج