العشائر أدوات إضافية بيد النظام السوري/ محمد حسان
مع تهديد تنظيم “داعش” النظام السوري عبر خلاياه في البادية السورية، يبدو أن النظام مجبر على منح العشائر العربية، ذات الحضور الواسع سكانياً وسياسياً، الدور الأساسي في مواجهة التنظيم المتطرف.
طوال فترة الصراع السوري خلال السنوات الماضية، حاولت جميع أطرافه المتعاقبة كسب ولاء القبائل والعشائر السورية إلى جانبها، من النظام إلى المعارضة ومن ثم الجماعات الجهادية والقوى الكردية، إضافة إلى قوى دولية فاعلة في الملف السوري كروسيا وأميركا وإيران.
وفي جميع مراحل تناوب القوى المهيمنة ومحاولة بناء علاقتها مع العشائر، كانت تتسم تلك العلاقة بسمتين، الأولى أن جميع القوى التي مرت على مناطق النفوذ العشائري، سعت إلى الهيمنة على العشيرة وجعلها أداة وظيفية لتحقيق مصالحها، أما الأمر الثاني فكان براغماتية العشائر وتملصها من تحالفاتها وميلها إلى الطرف الأقوى دائماً.
النظام السوري، يعتبر من أهم الجهات التي استغلت العشائر، وعمل على الاعتماد عليها في الكثير من الملفات بخاصة ما بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، هذا الاعتماد زاد في الفترة التي عقبت نهاية عام 2017، بعد تمكنه من السيطرة على الكثير من مناطق شرق سوريا، ذات البيئة المجتمعية العشائرية.
وتركزت الأدوار التي أوكلت إلى العشائر من النظام السوري، على ثلاثة أدوار، الأول عسكري، والثاني جعل العشيرة أداة لتطويق الحركة المعارضة له، أما الدور الثالث فيتعلق بجعل العشيرة تواجه حالة التطرف داخلها وتسعى لحلول لها.
الدور العسكري
عام 2017 تمكن النظام السوري من تحقيق توسع جغرافي كبير، استعاد خلاله السيطرة على الكثير من المناطق خاصة التي كان يُسيطر عليها تنظيم “داعش”، في ريف حماة وحمص الشرقي ومحافظتي الرقة ودير الزور وأقسام من أرياف حلب الجنوبية والشرقية.
التوسع الجغرافي للنظام حتم عليه إيجاد العنصر البشري الكافي لتغطية تلك المساحات المكتسبة، بخاصة أن قواته العسكرية غير كافية ولديها مهمات عسكرية على جبهات مفتوحة في حلب وإدلب، ما دفعه للاعتماد على العشائر وإعطائها دوراً عسكرياً يتلخص في حماية تلك المناطق.
عمل النظام على تشكيل كتائب عسكرية من أبناء العشائر، ودعمها مالياً وعسكرياً وجعل تلك الكتائب تأخذ صفة قوات رديفة للمؤسسة العسكرية المتمثلة بالجيش السوري، وأوكل إليها في بادئ الأمر مهمة حماية مناطقها، وتكون كل كتيبة ذات خلفية عشائرية واحدة، وتقتصر مناطق عملها على نطاق جغرافية العشيرة التي ينحدر منها العناصر.
الدور العسكري في حماية المناطق المحلية للعشيرة لم يستمر على حاله، بل تطور عام 2019 ليشمل المشاركة في معارك خارج النطاق الجغرافي المحلي، نتيجة تطورات، أولها الانسحاب الأميركي من منبج ومناطق في الرقة والحسكة وانتشار النظام وحليفه الروسي داخلها، الثاني معركة إدلب وريف حلب، “معركة M4” والتدخل التركي إلى جانب المعارضة.
وفي الآونة الأخيرة ومع تزايد خطر تنظيم “داعش” في البادية السورية، بدأ النظام السوري الاعتماد على القوى العسكرية العشائرية، في مساندة وحدات الجيش في عملها على مطاردة خلايا التنظيم ومحاولة القضاء عليها، مستفيداً من معرفة أبناء تلك العشائر بجغرافية البادية وطرق التحرك داخلها.
إن التشكيلات العسكرية العشائرية تتميز بصفات تجعل منها قوى تفقد الجدوى العسكرية، أولها أن دافع أفرادها القتالي لا يرتكز على أي أساس وطني أو عقائدي أو حتى الإيمان بقضية معينة، وانما هو دافع مادي بخاصة أن البلد يفتقد فرص العمل والوضع الاقتصادي في أسوأ حالاته، أو لأسباب أمنية، إذ يعمد الكثير من المتخلفين عن أداء خدمة العلم أو لديهم مذكرات توقيف من الأجهزة الأمنية، إلى التطوع في تلك القوى العشائرية لتجنب الملاحقة الأمنية.
تطويق الحركة المعارضة للنظام
عمل النظام السوري عبر وزارة المصالحة الوطنية منذ تأسيسها، على تشكيل لجان محلية في المدن والقرى والبلدات التي شهدت احتجاجات شعبية مناوئة له، كان الهدف من تلك اللجان، اختراق البنية المجتمعية لقوى المعارضة قبل تنظيم حركتها، كما أراد من خلال تلك اللجان تأكيد استمرار سيطرة السلطة المركزية على بنية الدولة والمجتمع السوري.
هذه اللجان لم توفق في عملها خلال مراحل كثيرة وفي مناطق متنوعة كالمناطق ذات البنية العشائرية المنتشرة في الأرياف، بسبب خروج تلك المناطق عن سيطرة النظام العسكرية، وانتفاء حاجة المجتمعات المحلية للعلاقة مع النظام، بخاصة في مرحلة تمدد المعارضة السورية عسكرياً وسيطرتها على أجزاء واسعة من الجغرافية السورية.
لكن عودة النظام خلال الأعوام الثلاثة الماضية، أعاد عمل تلك اللجان إلى الواجهة، إذ أوكلت لها مهمات إجراء المصالحات المحلية، وكان للعشائر واللجان المحلية المنبعثة منها والتي شُكلت بناء على طلب النظام، دور كبير في هذا الصدد.
عملت تلك اللجان على تطويق الحركة المعارضة للنظام السوري وبخاصة للمنحدرين من تلك العشائر، عبر دعوتهم لإجراء عمليات مصالحة والعودة إلى مناطقهم، بضمانة من تلك الجهات العشائرية، مقابل تخلي الأفراد المصالحين عن نشاطهم المعارض للنظام.
النشاط العشائري في عمليات المصالحة، وفر النظام الكثير من المقومات المساعدة لنجاحه، أولها اعطاء لجان المصالحة العشائرية ميزات سلطوية لإظهارها الضامن الحقيقي لتعزيز قدرتها على استقطاب أبنائها المعارضين للنظام، مستفيداً من حالة اليأس التي أصابت كثيرين بعد الانحسار الجغرافي لمناطق الثورة، وغياب أي بوادر دولية للمساعدة في إنهاء النظام الحالي.
وأكثر ما عزز دور العشيرة في عمليات المصالحة، هو وجود الجانب الروسي كطرف ضامن لعمليات المصالحة، مثل ما حصل ويحصل في الشرق السوري في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، حيث يُشرف الجانب الروسي على عمل تلك اللجان ونحج حتى الآن في كونه ضامناً لجميع من أجرى عمليات المصالحة، بخاصة أن كثيرين لا يثقون بالنظام السوري.
العشيرة تمكنت من تحقيق نجاح نسبي في هذا الدور الموكل إليها، وعمليات استقطابها أبناءها المعارضين مستمرة، فقد عاد الآلاف منهم خلال سنوات عملها الماضية من بينهم شخصيات كانت تتمتع بنفوذ واسم داخل مؤسسات المعارضة السورية، مثل نواف البشير شيخ قبيلة البقارة.
إن هدف النظام من عمليات المصالحة في المناطق العشائرية يتركز على إعادة بناء شبكات اجتماعية أمنية له بعدما تسببت الاحتجاجات الشعبية بتكوين ما يشبه الحد الفاصل بين حقبة حكم وأخرى، إضافة إلى المساهمة بتعزيز الحالة الشعبية المساندة له قبل أي استحقاق سياسي أو انتخابي مستقبلي.
ويرتبط نجاح العشائر في توسيع عملها على المصالحات وتطويق الحركة المعارضة للنظام من أبنائها، بقدرة النظام وحلفائه على توفير ضمانات مستقبلية تتقاطع مع شروط الراغبين في العودة، والذين يتخوفون من مصير مشابه للانقلاب على عمليات مصالحة سابقة مثل تلك التي حدثت في حلب وريف دمشق.
مواجهة حالة التطرف
تعتبر قضية احتواء العناصر المتطرفة، التي يمثل مصيرها معضلة تواجه الأطراف المحلية والدولية في سوريا، أمراً بالغ الأهمية، في حال سعت تلك الأطراف إلى إنهاء الصراع الدامي في البلاد، ضمن أي حالة توافقية مستقبلية.
وجود مناطق سيطرة تنظيم “داعش” السابقة ضمن مناطق بيئية عشائرية شرق سورية، جعل العشائر تتحمل أعباء إضافية بعد عودة النظام السوري وغيره إلى تلك المناطق، من خلال دفعه العشائر لحماية نفسها عبر التشكيلات العسكرية التي تألفت من أبنائها كما ذكرنا سابقاً، إضافة إلى محاولة النظام دفع العشيرة إلى مواجهة المتطرفين من أبنائها وحل معضلتهم المتفاقمة.
مساعي العشائر لمواجهة حالة التطرف انقسمت إلى قسمين، الأول عسكري عبر مشاركتها في قتال تلك التنظيمات بشكل مباشر خلال مرحلة زمنية مختلفة، والأمر الثاني سعيها إلى احتواء المنتمين إلى التنظيمات المتطرفة من أبنائها، وتقديمهم على أنهم أشخاص غرر بهم وانضموا إلى تلك التنظيمات تحت الضغط، مقابل انتزاع موافقة من النظام تتيح العفو عنهم.
النظام السوري لم يستجب لمساعي العشائر في عملية احتواء أبنائها المنتمين للجماعات المتطرفة بشكل فعلي، ولا تزال عمليات الموافقة التي تمنح لإجراء بعض المصالحات من المنتسبين لجماعات متطرفة، تقتصر على بعض الشخصيات ذات الثقل الاجتماعي والعشائري، التي عملت مع تنظيمات متطرفة كـ”داعش”.
يسعى النظام للاعتماد عسكرياً على العشائر في الحرب المباشرة، وهو فتح المجال لها لمحاولة إيجاد مخرج للعناصر المنحدرين من تلك العشائر أو حتى من السوريين، ضمن شروط العودة أو حتى القتال في صفوف النظام، لتبقى قضية المقاتلين الأجانب رهينة القضاء عليهم عسكرياً.
ففي عامي 2018 و2019، عادت إلى مناطق محافظة دير الزور الخاضعة للنظام السوري، 13 شخصية عشائرية واجتماعية، هذه الشخصيات معظمها كان ضمن مجلس العشائر التابع لتنظيم الدولة، ويعود سبب تركيز النظام على نوع الشخصيات المستقطبة، لما لها من دور اجتماعي يخدم مصالحه أمام المجتمعات المحلية التي تتأثر بتلك الشخصيات.
دور مكافحة حالة التطرف دور جديد كلياً على المجتمعات العشائرية، فهي لا تملك الخبرة الكافية في التعامل معه وإنجازه بشكل يجنبها أي تبعات قد تؤثر في أمنها واستقرارها مستقبلاً. لكن أمر نجاحها يرتبط بشكل مباشر بحالة التضييق التي تمارس على تلك التنظيمات، والتي سوف تضطر للإذعان عندما تدرك هزيمتها الحتمية في المواجهة، وعدم توافر خيارات بديلة كالهرب أو إيجاد أي مأوى لها.
ما دون ذلك تكون نتائجه سلبية سوف تنعكس على العشيرة بشكل مباشر من خلال وضعها بحالة مواجهة مع التنظيمات المتطرفة، كما حدث مع عودة التنظيم بعد هزيمته على يد العشائر العراقية “الصحوات” عام 2007.
درج