الإدارة الكردية تستولي على أملاك الغائبين -مقالات تناولت الامر والوضع في شمال شرق سورية
=======================
———————————
سرقة الغائبين، بقانون/ هنادي زحلوط
فيما كان السوريون في داخل البلاد وخارجها، والمنطقة قاطبة، مشغولة بتضميد جرح لبنان النازف جراء الانفجار الحاصل في مرفأ بيروت, والذي خلف خسائر بشرية ومادية, كما معنوية لا تقدر بثمن, كان المجلس العام للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا يصدر القانون رقم ٧ للعام ٢٠٢٠, تحت اسم (قانون حماية وإدارة أملاك الغائب).
في القانون المكون من واحد وعشرين مادة يتفنن من سن القانون, بتعريف الغائب, وهو حسبهم (كل من يحمل الجنسية السورية أو من في حكمها, ويقيم إقامة دائمة خارج حدود سوريا, ولايقيم أحد من أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية في سوريا).
وبحسب القانون السيء, فإن سوريا بهذه الظروف, يلزمها فقط قانون تقوم بموجبه, لجنة وقيمون بإدارة ممتلكاته, تحت اسم (حماية وإدارة) فتطلق يد هؤلاء دون وجه حق في أملاك الغائبين!
ولا أدري بأي وجه حق يعطي المجلس العام للإدارة الذاتية نفسه الحق بوضع يده على أملاك سوريين, يعترف هو نفسه في نص قانونه العتيد بأنهم هم وعائلاتهم غائبون وليسوا موجودين, ليعترضوا أصلا على تصنيف القانون, والقانون ولجانه وقيميه, ويعترضوا على إدارة أملاكهم من قبل من ليس له الحق في ذلك!
ولا نبالغ ان ذهبنا إلى أن هذا القانون يكمل الجريمة التي بدأها النظام السوري بتهجير السوريين واجبارهم على الرحيل عن بيوتهم وهجر ممتلكاتهم, بل إن هذا القانون هو نسخة عن قوانين النظام التي وضعها ليتمكن من اطلاق يده في املاك من تسبب هو ذاته بتهجيرهم!
وبدلا من التصدي لمهمة أن تكون الإدارة الذاتية مثالا يحتذى في المنطقة , وسوريا, من حيث ديمقراطيتها وحفاظها على ممتلكات المواطنين القاطنين على أراضيها, وحماية حقوقهم, على تنوع منابتهم العرقية والطائفية, فإن هذه الإدارة تنحو مع هذا القانون لتكون أسدية بالقدر نفسه كالأسديين, بل وتتفنن في التفوق عليهم.
أود فعلبا إلى أن أنوه لخطورة هذا القانون, خصوصا مع الحساسيات القائمة في المنطقة, حساسيات يجب أن تدفع كل سلطة قائمة هناك على التفكير مليا قبل أي خطوة على الأرض.
وإذا كان المجلس العام للإدارة الذاتية قد استجاب اليوم لطلب الناشطين والمجتمع المدني, ونظرا للجدل الذي أثاره هذا القانون, فقام بالتراجع عنه, فإن ذلك يعد خطوة جيدة على الطريق الصحيح, وشجاعة في التراجع عن الخطأ يجب أن يتحلى بها كل قائم على خدمة مصالح السوريين, ويجب أن يجعل المشرع يفكر مليا, قبل أن يقدم على اجتراح قانون, خوفا من التراجع السريع عنه.
إن ما تحتاجه المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا, وما تحتاجه سوريا كلها, هو مثال جيد في الحكم, مثال نزيه يثبت لنا أننا طلاب عدالة وأننا قادرون على بناء دولة قانون, وعلى حماية حقوق السوريين أينما حلوا. وإنه ليس هنالك من كارثة أفظع من إدارة وحكم تعلن عكس ما تتضمنه قوانينها, إذ تسمي القانون بحماية ممتلكات الغائبين, وتطلق يد رجالها في أملاك من لا يستطيع أن يعلم أصلا بما حل بأملاكه ولا يستطيع الاعتراض!
نحتاج مثالا جيدا للحكم, يراعي الاختلافات العرقية ولا ينتقم على ثارات قديمة, وإلا فإن لدينا في النظام الحالي ما يكفي من السرقة تحت عنوان تحقيق العدالة, ومن التمييز تحت شعارات المساواة البراقة.
باستطاعة الإدارة الذاتية أن تكون نظاما يحتذى, ولا أعتقد أنه ينقصهم الخبرات, ولكن ربما لم تنضج الأمور بعد لنرى قوانين وممارسة تنسجم مع الرؤى, وهذا هو الأمل لدى كل سوري.
وقبل سن قانون لإدارة أملاك الغائبين, حبذا لو التفت الإخوة في المجلس العام للإدارة الذاتية للرد على الانتهاكات التي تسجل, وحبذا لو عالجوا الأمور كما يتمنى مواطنو المنطقة, كردا وعربا وآشوريين و..
لن يكون أي منا حزينا, لو استطاعت الإدارة الذاتية أن تجلب لنا قوانبن عصرية, تخدم مصالح السوريين, وحبذا لو يفعلون, حبذا لو تكون الأحزاب الكردية والقيادات هناك مثالا في تطبيق الديمقراطية في ذاك المجتمع المتعدد, وحبذا لو حملت القوانين هناك الرقي للوعي الجمعي, فهذا هو بالضبط ما يخدم فعليا القضية الكردية بكونهم أقلية مضطهدة وسط مجتمع متنوع متعدد, وليس هنالك كمثل العدالة رد على ظلم وقع باتجاه جماعة فلم ترده ظلما أكبر, بل فكرت في مستقبلها ومستقبل المجتمع الذي تتآلف فيه مع الآخرين وحاولت أن ترفع من سويته,وتعمل على ايقاد فكره ورفع قيمه الايجابية عاليا.
العدالة هي واحدة من أشد حاجات الكرد السوريين, ومن أشد حاجات السوريين المضطهدين كلهم, وحدها العدالة تجعل من العيش المشترك سوريا واقعا ممكنا, وإلا فإن الانتقام سيكون سيد الموقف, وقانون الغاب هو من سيسود, فأي مستقبل لأي فرد أيا كانت قوميته في مجتمع كهذا قائم حقا في ظل مزرعة الأسد?
العدالة قيمة هامة للغاية, لا تتحقق إلا بالمساواة, ومن أجل هذا قامت ثورة كان أحد مخرجاتها, أو مفرزاتها أو أحد هياكلها هذه الإدارة الذاتية, فهل نتنكر لقيم الثورة? ولقيم الحق والعدلوالمساواة?
هنادي زحلوط-كاتبة سورية
الأراء الواردة في المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتبة.
نواة
———————————
تحالفات واتفاقات سورية إنفصالية/ محمود الوهب
كلما مرَّ بنا، نحن السوريين، حدث ما سيّئٌ يوجع بلادنا، لا نستحضر صورة بشار الأسد الذي، برعونته، حوَّل حياة السوريين إلى جحيم، بل غالباً ما نذهب إلى أفعال أبيه سيئة الذكر، ولعلَّ الأسوأ فيها وصيته بتولية ابنه الحكم لمتابعة إذلال الشعب السوري ونهبه، والأهم التغطية على الجرائم التي ارتكبت في ذلك العهد. أما سوءات الأب فكثيرة، لا يسمح المقام بذكرها أو المفاضلة فيما بينها، ولكن ستأتي المقالة على واحدة منها في سياق الحديث عن “إعلان جبهة السلام والحرية” الذي صدر في الجزيرة السورية في 28 الشهر الماضي (يوليو/ تموز).
اليوم وقد كثُرَتْ البيانات السورية/ السورية، والإعلانات والأحزاب والتيارات، وكثرت التحالفات والاتفاقات، بينما المأساة السورية سائرة بخطو بطيء وتعقيد أكثر! وكأنما هؤلاء الذين انخرطوا في الثورة السورية، أو تنطعوا لقيادتها، يجهلون ما رموا إليه من سعيهم أو أنهم أخطأوا الطريق، إذ رأوه ارتماءً في هذا الحضن أو ذاك من أحضان كثيرة فتحت لهم، فكانوا في سعيهم هذا والنظام الذي عملوا على إسقاطه سواء.
وإذا كانت بعض تلك المشاريع قد جاءت إضاءات، رغب إليها مثقفون وطنيون دونما أي خلفيات، لعلها تقود إلى توافقات بين السوريين، فإنَّ بعضها الآخر يخفي وراءه ما يخفيه، ومنها “إعلان جبهة السلام والحرية” في منطقة الجزيرة السورية الذي صدر عن أربع مجموعات معارضة: المجلس الوطني الكردي، تيار الغد (أحمد الجربا)، المنظمة الآثورية، المجلس العربي للجزيرة والفرات. .. ومجرد إعلان تحالف مناطقي يعني أنه بعيد عن الروح الوطنية السورية، وروح المواطنة التي يطمح إليها السوريون في إطار وحدة الأرض والشعب السورييْن. فهل يمكن لمنطقة الجزيرة أن تشكل كياناً مستقلاً بذاته؟! تحمل دعواتٌ كهذه، في عمقها، التقسيم، وإن على المدى البعيد. وعلى الرغم من أن البيان الصادر باسم “إعلان جبهة السلام والحرية” حاول أن يصوغ عباراته بدقة، إلا أن الروائح الانفصالية تفوح من مفرداته وأناقة عباراته التي تقول بمفهوم اللامركزية السياسية، فما الذي يعنيه هذا المفهوم؟ اللامركزية مفهوم في الإدارة، وهو مطلب ديمقراطي سوري يسمح لمجالس المدن والبلدات التصرّف بما يتوافق مع خصوصيتها التنموية في إطار الدولة الواحدة.. كذلك أكد البيان على “هوية الشعب الكردي”، وكأن سورية هويات تغاير في مفهومها الهويةً الوطنية السورية. أليس الكرد قوماً سوريين؟! نعم لهم لغتهم الخاصة، ولهم بعض عادات وتقاليد تغاير جزئياً عادات باقي السوريين وتقاليدهم، وهذا طبيعي، وهو موجود حتى ضمن المدن الكبرى الواحدة.
اللغة جزء من الهوية، وقد حُرِمَ الكُرْدُ وغيرهم من لغاتهم المكتوبة في المدارس حيث يوجدون، وهذا يمكن حله في إطار نظام تعليمي/ ثقافي يأخذ في حسابه تعدّد الطيف السوري، ويحل كما حلت مسألة اختلاف الأديان في المدرسة الواحدة.. وهو، في النتيجة، حالة إغناء للهوية السورية بكاملها، فبعض هذه اللغات في أصل تكوينها متقاربٌ، وثمة تاريخ مشترك بين اللغات العربية والسريانية/ الأشورية في الجزيرة، وكذلك الآرامية الأم، في ريف دمشق (معلولا). وجميعها عند جذر اللغات السامية.
أما بيت القصيد ففي المنطقة التي استقل بها الأميركان في خضم اختلاط الأحداث المأسوية، ليكون لهم نصيب في الكعكة السورية، فقد وجدوا في حزب الاتحاد الديمقراطي متكأ مناسباً لهم. ولا تخفى أصابع بعض العرب في تحريض زعماء العشائر كـ”تيار الغد” الذي يقوده الرئيس السابق لأئتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، أحمد الجربا، إضافة إلى بعض زعماء العشائر. ثمَّ إنَّ هذا الكيان “جبهة السلام والحرية” غير متكافئ في مكوناته وعناصره، ففي وقتٍ يشكل الكرد فيه طرفاً موحداً، يدرك تماماً ما يرمي إليه في الجزيرة السورية كلها، وقد سبقت ذلك مباحثات كردية كردية جاءت على حق تقرير المصير وغنى المنطقة بالثروات النفطية والزراعية. وفي المقابل، لا يوجد طرف متماسك يكافئ الجانب الكردي، على الرغم من أن صراعاً متوقعاً قد ينشأ بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والمجلس الوطني حول من يمثل الكرد. أما العرب فمجموعتان تمثلان أنفسهما، وقد رُكِّبتا لهذا الغرض، وواضحٌ أن الطرف الآثوري لا يمكن أن يكون ندّاً لأحد! وذلك كله بعيد عما يحتاجه السوريون، وهو صوت سوري موحد، يحمل خطاباً ديمقراطياً أمام العالم، ويستردّ، في الوقت نفسه، حقوق كل الأطراف التي تأثرت بحكم حزب البعث، فتصحيح أخطاء النظام السابق لا يعني تغييراً في الجغرافيا أو الديمغرافيا السورية، وإلا كان مدّعو الثورة وجهاً آخر للنظام.
وإذا كان هذا الإعلان بعربه وكرده، وبقية الموقعين عليه، يمهِّد للانقسام، فإن الاتفاقية التي وقعت بين حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، بشخص قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، وشركة “ديلتا كريست إينرجي” الأميركية لاستثمار النفط السوري في الجزيرة السورية هي الأسوأ، ومن هنا بالذات سوأة حافظ الأسد الكبرى، وهي رعايته في وقت مبكر (1979) حزب العمال الكردستاني في سورية ولبنان، وتأمين مستلزماته المدنية والعسكرية، بغرض إزعاج تركيا أولاً، وللوقوف بوجه الأحزاب الكردية الأكثر اعتدالاً، وكذلك في وجه الشيوعيين الذين تبنوا حقوقاً ثقافية للأكراد السوريين. ولكن حافظ الأسد طرد رئيس الحزب، عبدالله أوجلان، حين هدّده الأتراك بدخول المنطقة، حيث تنطلق عناصر الحزب، وثمّة من قال إنهم دخلوا من نقطة غازي عنتاب، ما دفع الرئيس المصري في حينه، حسني مبارك، إلى التوسط وتوقيع بين الطرفين، وتوقيع اتفاقية أضنة التي قبلها الأسد كما وضعها الجانب التركي.
استمر بشار الأسد في التعاون مع الحزب (اللغم) ذاته، وزاد في تعاونه، بل اعتمد عليه لدى تفجر الأوضاع السورية، متخلياً له عن بعض المناطق السورية لحمايتها من فصائل المعارضة، معتبراً إياه حليفاً، وتعامل معه كما مع “داعش” (شراء النفط والقمح..). واليوم يأتي التهديد الأكبر بتقسيم سورية من جهة الجزيرة وذلك الحزب، بعيداً عن رأي السوريين، كل السوريين، فهل يفعل النظام شيئاً ويذهب إلى حل سلمي وفق قرار مجلس الأمن 2254، وينهي المأساة التي بدأها منذ نحو عشر سنوات، أم أنه يتمثل بيت المتنبي: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام..؟
العربي الجديد
——————————————–
خلافات داخل البيت الكردي السوري: حملة لإقصاء قائد “قسد”/ أمين العاصي
ظهرت أخيراً نذر خلافات جوهرية داخل حزب “العمال الكردستاني” الذي بات له يد طولى في الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بمنطقة شرقي الفرات، التي باتت في قلب المشهد السوري المعقد، في ظل محاولات، تؤكد المعطيات أن النظام وبعض قيادات هذا الحزب تقف وراءها، لتأليب أبناء المنطقة العرب ضد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي يتعرض قائدها مظلوم عبدي لـ”حملة تخوين” من أجل تحييده، عقب محاولاته كما يبدو تقليم أظافر “العمال الكردستاني” في سورية.
وأكد الكاتب السوري الكردي هوشنك أوسي، على صفحته على “فيسبوك”، أن حزب “العمال الكردستاني” يحاول تحييد القائد العام لـ”قسد” مظلوم عبدي، الذي يُنظر إليه على أنه الرجل القوي في الشمال الشرقي من سورية، ورجل أميركا في منطقة شرق نهر الفرات. ووفق هوشنك، فإن الرجل الثاني في هذا الحزب جميل بايق يقود حملة لإحراج عبدي أمام المجتمع الدولي، بالتعاون مع النظام السوري، “ما يعني أن الخلاف بين مظلوم عبدي ورفاقه وصل إلى مرحلة اللاعودة”.
وأكد أوسي أن “عمليات الاغتيال التي تطاول رموزاً عشائريّة عربيّة في منطقة الجزيرة، يقف وراءها نظام بشار الأسد، بهدف تأليب العرب على مظلوم عبدي”. وأعرب عن اعتقاده بأن المناطق الكردية في شمال شرقي سورية “مقدمة على مرحلة ساخنة وحاسمة”، مشيراً إلى أن الجهود التي بذلها سياسيون أكراد لـ”اقناع مظلوم عبدي بالعودة إلى الحزب والالتزام بقراراته وأجندته، باءت بالفشل”. وأضاف “جميل بايق يحضر لانقلاب على مظلوم عبدي، وربما يكون هذا الانقلاب بالتنسيق مع نظام الأسد”. وبيّن أن هناك “حملة تخوين ممنهجة ضد مظلوم عبدي ورفاقه”، موضحاً أن القيادي السوري الكردي آلدار خليل يقود هذه الحملة، ومشيراً إلى أن الأخير حسم خياره وبات رجل بايق في سورية.
وكشف أن قائد حزب “العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان، المسجون في تركيا منذ عشرين سنة، كان أكد أن جميل بايق “مجرم حرب” بسبب قتله “رفاقه الجرحى”، وجرحى أتراكاً في المعارك التي كان يخوضها الجيش التركي مع الحزب في جنوب شرقي تركيا في تسعينيات القرن الماضي. واعتبر أن القصف الجوي التركي الحالي على جبال قنديل، التي تعد معقل “العمال” على الحدود المشتركة ما بين تركيا والعراق وإيران، “عبثي”، مشيراً إلى أن هذا الحزب “لم يبق إلا على مجموعات صغيرة جداً من قواته في جبال قنديل، وأنه أدخل الجزء الأكبر من مجاميعه المسلحة إلى كردستان إيران، ومنطقة سنجار ومخيم مخمور، بالتعاون مع بغداد وطهران”، مؤكداً أن قيادات الحزب موجودة في منطقة نفوذ حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني”، في منطقة السليمانية في شمال العراق، بالتنسيق مع النظام الايراني.
ويعد مظلوم عبدي (53 سنة) أبرز القيادات الكردية السورية اليوم، حيث يقود “قوات سورية الديمقراطية”، المدعومة بشكل كبير من قبل التحالف الدولي بقيادة أميركا، منذ تأسيسها أواخر العام 2015 لمحاربة تنظيم “داعش” في شرق نهر الفرات. كما يُعد عبدي، واسمه الحقيقي فرهاد عبدي شاهين والمتحدر من إحدى قرى منطقة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي الشرقي، المطلوب رقم واحد من الجانب التركي بسبب انتسابه إلى حزب “العمال الكردستاني” أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وعلا نجم عبدي أثناء الحرب ضد تنظيم “داعش”، والتي انتهت بداية 2019 بالسيطرة على جيب الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، حيث تلقى دعماً سياسياً من واشنطن، رغم مطالبة أنقرة بتسلّمه لمحاكمته بتهمة قتل جنود ومدنيين أتراك.
وذكرت مصادر كردية سورية مطلعة، لـ”العربي الجديد”، أن عبدي يحاول منذ عام الخروج من تحت عباءة حزب “العمال الكردستاني”، والسير في طريق سياسي مختلف، كي يكون جزءا من الحل في سورية، مشيرة إلى أن عبدي نسج خيوط علاقة متينة مع العرب، الذين يشكلون جل سكان منطقة شرقي نهر الفرات، من خلال استقباله شيوخ العشائر والوجهاء، لمعرفته أن المكون العربي وحده من يستطيع حسم مستقبل المنطقة وليس “العمال”. وبيّنت المصادر أن عبدي يقود حملة بمساندة من واشنطن لفصل الملف الكردي السوري عن ملفات أخرى يوليها حزب “العمال الكردستاني” اهتمامه، منها الملف الكردي في تركيا. وقالت “هذا الأمر ربما يجلب عليه نقمة الحزب، الذي يحاول أن يكون فاعلاً في الملف السوري، للحصول على مكاسب سياسية في سورية وتركيا على حد سواء”.
ومنذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي ارتبط حزب “العمال الكردستاني” بعلاقات وثيقة مع نظام حافظ الأسد، الذي سمح له بافتتاح معسكرات تدريب له في سورية لمناكفة الجانب التركي. كما أقام أوجلان في دمشق تحت رعاية النظام السوري، الذي وجد نفسه في العام 1998 في مواجهة “غضب الجيش التركي”، الذي كان على وشك اجتياح الشمال السوري لولا تدخل الرئيس المصري الراحل حسني مبارك. واضطر الأسد إلى توقيع اتفاق أضنة الذي تعهد به النظام السوري بقطع صلته بحزب “العمال الكردستاني” وطرد رئيسه من سورية. ومع بداية الثورة السورية في ربيع العام 2011 سمح النظام لحزب “العمال” بالعودة إلى سورية لمحاصرة الحراك الثوري في الشمال الشرقي من سورية، تحت عباءة حزب “الاتحاد الديمقراطي”. وسرعان ما أسس هذا الحزب “وحدات حماية الشعب” الكردية بدعم من النظام السوري وقد سيطرت على كل المناطق ذات الغالبية الكردية في شمال وشمال شرقي سورية. وتشكل هذه الوحدات اليوم الثقل العسكري الرئيسي في المنطقة، خصوصاً لجهة القيادة والتوجيه في “قسد”، التي يحاول قائدها اليوم فصلها عن حزب “العمال الكردستاني” بدعم من أميركا، التي ترعى حواراً كردياً من أجل تشكيل مرجعية سياسية واحدة للأكراد السوريين.
العربي الجديد
—————————————-
الإدارة الكردية تستولي على أملاك الغائبين..سفهاء ومجانين؟
أثار قرار الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، بوضع يدها على أملاك الغائبين، ردود فعل مستهجنة، واعتُبر تجاوزاً على الحقوق الأساسية، مشبهين الإجراء بخطوات مماثلة كان قد أقدم عليها النظام السوري في مناطق سيطرته.
وأصدر المجلس العام في الإدارة الذاتية التابعة لقوات سوريا الديموقراطية (قسد) قانون”حماية وإدارة أملاك الغائب” لإدارة أملاك الأشخاص المقيمين خارج سوريا، في مناطق سيطرتها.
ووفقًا للقانون، يشمل مصطلح “غائب” كل شخص يحمل الجنسية السورية أو من في حكمه من مكتومي القيد المجردين من الجنسية السورية بإحصاء عام 1962، ويقيم إقامة دائمة خارج سوريا، ولا يقيم أحد من أقاربه من الدرجة الأولى أو الثانية في سوريا.
وكلّف القانون الجديد لجنة تعمل على حصر أملاك وأموال الغائبين، من أجل تأجيرها والانتفاع العام منها، من دون أن يكون لها الحق في بيعها أو التصرف بها.
وبحسب مواد القانون، يفقد الغائب حقه في ريع أملاكه إذا لم يحضر هو أو أحد أقاربه من الدرجة الأولى والثانية، خلال مدة أقصاها سنة لإثبات ملكيته، كما يعاقب القانون بالحبس مدة سنة مع غرامة لا تقل عن خمسة ملايين ليرة سورية “كل من تستّر أو تصرف أو أجّر أملاك الغائب خلافاً له”.
وأثار القانون موجة استياء واسعة، خاصة وأن نسبة كبيرة من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية من المهجرين، وبعضهم نازح إلى مناطق أخرى داخل سوريا، وبعضهم بات لاجئاً في دول أخرى، ولا يمكن للكثيرين العودة في ظل الظروف الأمنية والسياسية الحالية، من أجل إثبات ملكيته.
وإذا كان ما سبق ينطبق على السكان من جميع المكونات بما فيهم الأكراد، فإن القانون الجديد يُعتبر، حسب الكثيرين، استهدافاً مباشرا للمكونات الأخرى التي هاجر الكثير من أبنائها من المنطقة بعد عام 2011، بينما يعيش عدد غير قليل منهم خارج البلاد مع عوائلهم وجميع أقربائهم في الخارج منذ عقود، وخاصة الغائبين من السريان والأثوريين.
وشبّه النشطاء القانون الجديد بقرارات النظام التي تستهدف الاستيلاء على عقارات وأملاك المهجرين، وخاصة المعارضين منهم، الذين لا يمكنهم العودة إلى مناطق سيطرته.
كما اعتبره آخرون مشابهاً لقرار حكومة الإنقاذ التابعة ل”جبهة النصرة” في إدلب، والذي قضى بوضع يده على أملاك الغائبين أيضاً، وفي مقدمتهم المسيحيين، وحصر حق الانتفاع منها بمكتب تابع لها تمهيداً للاستيلاء عليها.
قانونياً، فنّد المحامي أكرم شمو القانون الذي يتضمن الكثير من المخالفات الحقوقية والاجرائية، حسب تأكيده، بدءاً من المادة (٦) التي تقرر تعيين “قيّم” على الأملاك التي لا يتواجد أصحابها في موطنهم حالياً، مشيراً إلى أن القيمّ، بحسب القانون السوري والشرائع والأعراف في معظم الدول، هو القائم على إدارة أموال المجانين والمعتوهين والسفهاء أو المغفلين، وهو بمثابة الولي والوصي في إدارة أموال القاصرين، وبهذا فإن القانون يمنح سلطات الوكيل الى القيم ويعامل الغائب معاملة المجنون والمعتوه والسفيه والمغفل.
وأضاف شمو على “فايسبوك”، أنه “في المادة (٧) يُعطى للغائب المتضرر من القانون حق الاعتراض ورفع الدعوى، وهذا مستحيل، اذ كيف يكون المتضرر غائباً ويرفع دعوى اعتراض، وكيف سيتم تبليغ هذا الغائب؟ ثم هل للإدارة مصدرة القانون سفارات وقنصليات بالخارج حتى يتم مراجعتها وتقديم الاعتراض على احكامها فيما لو تبلغ الغائب بالاجراءات التي يفرضها هذا القانون على أملاكه وأمواله؟”.
كما اعتبر المحامي شمو أن حصر الاعتراض بالمالك الغائب أو أحد أقاربه الرئيسين، وأهمال حق التوكيل يعتبر مخالفة واضحة لأبسط حقوق الانسان.
أما في ما يتعلق بالمادة (١٠) التي تقول بوضع ريع الأملاك في خدمة تنمية المجتمع، فهو تعدٍ صريح وواضح على حق الملكية المصان بالقوانين والأعراف الدولية والشرائع السماوية والإعلان العالمي لحقوق الانسان. كما أنه مخالف لنظام الغائب المعمول به في الكثير من الدول والشرائع، لأنه عادةً يجب وقف ريع أموال الغائب إلى حين عودته أو ثبات وفاته، وعندها تذهب إلى ورثته، أما أن يُصادر ربع الأموال لصالح المجتمع فهذا ابتكار جديد وسابقة خطيرة في التجاوز على حق الملكية، حسب المحامي أكرم شمو.
المدن
—————————————–
سورية .. سجال نمطي ضارّ/ علي العبدالله
أثار الإعلان عن قيام تحالف سياسي جديد في منطقة شرق الفرات في سورية، تحت اسم “جبهة السلام والحرية”، ضم كل من “المجلس الوطني الكردي في سوريا” و”المنظمة الآثورية الديمقراطية” و”تيار الغد السوري” و”المجلس العربي في الجزيرة والفرات”، ردود فعل عصبية، وتقويمات متسرعة، واتهامات سياسية خلفيتها ثوابت سياسية ومواقف نمطية. وجاءت معظم ردود الفعل هذه من قوى وشخصيات عربية استفزّها قول الرؤية السياسية “إن سورية دولة متعدّدة القوميات والثقافات والأديان”؛ واعترافها الدستوري بهوية الشعب الكردي القومية، وتحديدها هدفها: بناء نظام ديمقراطي تعدّدي لامركزي.
ذهب بعض معارضي “الرؤية” إلى اعتبارها دعوة انفصالية، و”تقسيم سورية إلى شعوب وأقاليم”، و”تعمّق الشرخ والانقسام بين مكونات الشعب السوري”، كما في بيان “هيئة القانونيين السوريين”. وذهب بعض آخر إلى اعتبارها دعوة “منحرفة ومشبوهة”، ومدخلا إلى نظام محاصصة إثنية وطائفية، واعتبار ما ورد في الرؤية السياسية عن تعدّد قومي في سورية اختلاقا لمسألة جديدة، وفق ما نقله موقع بلدي نيوز يوم 29/7/2020 عن الباحث مهند الكاطع. وذهب بعض ثالث إلى اعتبارها دعوة انفصالية، فقد اعتبر رئيس المجلس المركزي للكتلة الوطنية الديمقراطية، مروان الأطرش، في تعليق له جبهة السلام والحرية “قسد جديدة” (قوات سوريا الديمقراطية)، وبالتالي “تجربة انفصالية”. ورفض هذا، ودعا إلى مشروع وطني مضاد بقوله: “المشروع الوطني المضاد يكمن في العمل على أن تكون سورية دولة موحدة بسيطة، وألا يسمح ببلقنة سورية أو لبننتها بديمقراطية توافقية تستدعي تمثيلا للمكونات، فهذه مشروعات تنهي سورية الدولة؛ وليس النظام الذي دمّر الدولة”، موقع رسالة بوست: 29/7/2020، في حين اعتبر الباحث مخلص الصيادي “في تحليل القوى المكونة لهذه الجبهة لا نرى فعلا إلا المشروع السياسي الانفصالي الكردي، والباقي مجرّد تزيين وتحسين لهذه الصورة، وفي هذا المشروع لا نرى أيضا إلا الظلال الكثيفة لحزب العمال الكردستاني الكردي، ولو بأسماء متعدّدة”. ورد على “الرؤية” بطرح معايير ومحددات لسورية التي يريدها، وقال إن “سوريا وطن واحد موحد، لكل أهله، وهي غير قابلة للتجزئة أو التقسيم”، “فإن سوريا لا تحتمل أي تقسيم إداري ذي صبغة سياسية أو عرقية أو مذهبية أو دينية”، و”الدولة السورية المبتغاة دولة واحدة تتمثل وحدتها في وحدة السلطة، ووحدة الجيش ووحدة أجهزة الأمن الرئيسية، ووحدة المجلس التشريعي، ووحدة التمثيل الخارجي، ووحدة العلم، ووحدة النشيد الوطني”، (مقالة “تعليقًا عل بيان تأسيس جبهة السلام والحرية”، موقع ملتقى العروبيين بتاريخ 30/7/2020).
مشكلة الملاحظات والتحفظات والاعتراضات السياسية والفكرية أعلاه ليست في طرحها أو تبنّيها، فهذا حق مشروع لكل قوة أو إنسان، وإنما في طبيعة تعاطيها مع المواقف والأفكار المختلفة، مشكلتها في طبيعة النقد، في ارتكاز النقد على قراءة هذه المواقف والأفكار وتفسيرها وتأويلها ونقدها بدلالة هذا القراءة والتفسير والتأويل الموجّه، فبيان “هيئة القانونيين السوريين” رفض ودان “الرؤية”، بعدما اعتبرها دعوة “انفصالية”. لم تحترم “الهيئة” خلفيتها القانونية التي تقرّ بحسم وجزم أن اللامركزية لا تعني الانفصال أو تقسيم سورية إلى شعوب، إنها نظام سياسي معروف وشائع في عدد من الدول، قائم على توزيع السلطات بين المركز والأقاليم، بحيث تشارك الأقاليم في القرار السياسي والاقتصادي الوطني. وكان حسن عبد العظيم، وهو محام قديم وقدير، قد وقع في المطب القانوني نفسه، عندما اعتبر في تعليقه على مبادرة “إعلان سورية الاتحادية” دعوة إلى تقسيم سورية، وشبّهها بما فعله الانتداب الفرنسي على سورية في عشرينيات القرن الماضي، بتحويلها إلى خمس دول، لم يلحظ الفارق بين إقامة دول وإقامة أقاليم في دولة؛ كما في النظام الاتحادي.
تنطبق الملاحظة أعلاه على رأي الكاطع الذي اعتبر اللامركزية مدخلا لنظام محاصصة إثنية وطائفية؛ مع أن الفارق بينهما واضح وصارخ، وأن العمدة في تجنب المحاصصة مرتبط بطبيعة العقد الاجتماعي الذي يرتكز النظام السياسي عليه؛ بغض النظر مركزيا كان أو لامركزيا. واللامركزية المطروحة مجرّد دعوة يتوجب إقرارها، وتحديد طبيعتها والقانون الناظم لاشتغالها عبر مفاوضاتٍ سورية ــ سورية تحدد العقد الاجتماعي وطبيعة النظام، وتضمين ذلك كله في دستورٍ يقرّه مؤتمر وطني جامع واستفتاء شعبي، والذي أنكر وجود تعدّد قومي في سورية مع أنه قائم وملموس. وتنطبق الملاحظة كذلك على رأيي مروان الأطرش ومخلص الصيادي، لانطلاقهما من فكرة مسبقة: “الانفصالية الكردية” و”تقسيم سورية”، والرد بالرفض والإدانة من دون تدقيق في الفكرة وقابليتها. لم يلتفتا إلى معنى اللامركزية ونماذجها والقوانين الناظمة لعملها، والبحث في مدى صلاحيتها لإدارة الدولة والمجتمع السوريين. إنها الانفصالية المرذولة والمرفوضة؛ وكفى الله المؤمنين شر القتال. قال الصيادي: “لا ندري ماذا يعني وجوب إقرار الدستور الجديد بأن سوريا دولة متعدّدة القوميات والثقافات والأديان، وبالتالي يجب أن تكون متعدّدة اللغات، وكيف يمكن البحث عن حل ديمقراطي وطني لهذا التعدّد وفق القوانين الدولية، وهل هناك دولة في العالم يمكن أن نتخذها نموذجا لهذا القول، هل ألمانيا أو تركيا، أو إسبانيا، أو فرنسا، أو روسيا، أو الولايات المتحدة، أو أي دولة أخرى هي كذلك؟”. لم يكلف نفسه عناء البحث عن نماذج سياسية قائمة تعتمد لامركزية إدارية ولغوية في آن، ولو بحث لكان وجدها في بلجيكا وسويسرا، ولم ير في قيام “الجبهة” إلا اصطناع واقع “كما تم اصطناع “قسد”، و”مسد” (مجلس سوريا الديمقراطي). وهو يستهدف تمرير غايات الانفصالية الكردية، بثوب فضفاض، وهذا أمر لا يجوز أن يمر، ولا يجوز القبول به تحت أي اعتبار”. لم يسأل نفسه، مجرّد سؤال، عن طبيعة الدولة اللامركزية، وهل هي دولة موحدة أم مقسمة، وهل تتعارض اللامركزية مع المواطنة والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان، علما أن دعوة الدولة الاتحادية ليست جديدة، هي مطلب تقليدي للأحزاب الكردية المنخرطة في “المجلس الوطني الكردي”. ثم ما مدى دقة قوله “السوريون جزء من محيطهم، وهويتهم جزء من هوية محيطهم. ومحيطهم، وتاريخهم، وبيئتهم، وثقافتهم، وعطاؤهم، ومساهمتهم في البناء الحضاري المستمر منذ 1400 سنة على الأقل، جرى كله في الإطار العربي الإسلامي، هذه هي هوية المجتمع السوري”، ألم تتغير هذه المعطيات، هل المحيط قبل الحرب العالمية الأولى مثل المحيط بعدها؟ ألم تنهر السلطنة العثمانية، وتنته دولة المسلمين المشتركة، وتنخرط شعوبها في توجهات قومية؟ ألم ينشأ محيط جديد بقيام الكيانات السياسية الجديدة، محيط عربي، ومحيط شرق أوسطي، ومحيط إسلامي؟
بالعودة إلى تشكيل “جبهة السلام والحرية”؛ ورؤيتها السياسية، معظم ما جاء في هذه الرؤية قديم ومطروح في وثائق المعارضات السورية وتصوراتها، بما في ذلك وثائق المعارضة المعترف بها إقليميا ودوليا: الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والهيئة العليا للمفاوضات، والجديد فيها تركيزها على قضية التعدّد القومي والديني في سورية، والمطالبة بالإقرار بذلك وبالحقوق المترتبة عليها دستوريا، وأنها (الرؤية السياسية) تشكو من تناقضات ونقاط ضعف، لعل أولها التعارض بين المواطنة وحقوق الإنسان والحقوق القومية، فإقرار المواطنة وحقوق الإنسان يلغي الحاجة إلى الإعلان عن حقوق قومية والدعوة إلى الإعتراف بها دستوريا، فالحقوق في دولة المواطنة فردية، وثانيها تمييز الكرد في فقرةٍ تعلن الاعتراف بحقوقهم القومية، فتمييزهم يخلق مشكلةً سياسية، ويستدرج توترات وصراعات بين أطراف الجبهة أنفسهم، فللعرب تطلعاتهم القومية، والمنظمة الآثورية تتحدّث باسم السريان والكلدان الذين ينظرون إلى أنفسهم قومية متميزة وعريقة وصاحبة المنطقة الأصلية، وللتركمان كذلك تطلعات قومية، وبين الجبهة والقوى السياسية خارجها.
تبقى النقطة المركزية والسؤال الرئيس لماذا تشكّلت “الجبهة”، طالما أنها تعتبر نفسها جزءا من المعارضة الوطنية السورية، ومعظم مكوناتها منخرطة في إطاري المعارضة المعترف بهما: “الائتلاف” و”الهيئة العليا للمفاوضات”، وهل الهدف إيجاد توازن سياسي شرق الفرات، يسمح للمجلس الوطني الكردي تمرير القسم الأكبر من رؤيته السياسية في المفاوضات الكردية الكردية، خصوصا أن مفاوضات تشكيل “الجبهة” بدأت بالتوازي مع المفاوضات الكردية الكردية، وهذا ما التفتت إليه “الإدارة الذاتية”؛ وعبر عنه عضو العلاقات الدبلوماسية في حزب الاتحاد الديمقراطي، دارا مصطفى، بتحذيره في حديثه لـ “باسنيوز” يوم 1/8/2020 من استخدام “المجلس” هذا التشكيل لفرض واقع سياسي جديد لتخريب المحادثات” (يقصد المفاوضات الكردية الكردية)، وتحفّظه على إعلان تشكيل “الجبهة”، بدعوى عدم اتباعها الطرق القانونية، يقصد الحصول على موافقة من مؤسسات “الإدارة الذاتية”، وقول الكاتب الكردي المقرب من “المجلس”، شفان إبراهيم، تعليقا على تشكيل “الجبهة”: “هذا الجسم سيعني منافسةً قوية على الصعيد السياسي والتمثيل الشعبي لمكونات شرق الفرات أمام “مجلس سوريا الديمقراطية”، والإدارة الذاتية”، (مآلات جبهة السلام والحرية في شرق الفرات، العربي الجديد: 1/8/2020). هذا كله في لحظة سياسية دقيقة وحساسة آيتها تحرّك أميركي متصاعد لصياغة توازنات جديدة شرق الفرات، أساسها رعاية مفاوضات كردية كردية، والضغط لإخراج كوادر حزب العمال الكردستاني من سورية، وتعزيز دور “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وقائدها مظلوم عبدي على حساب الجناح السياسي “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، من خلال توقيعه على الاتفاق النفطي مع شركة أميركية، وهي مهمة من حق السياسيين لا العسكر، وتوسيع دور المكون العربي، ومنحه مكانة مناسبة عبر إصرار وزارة الخارجية الأميركية على الاجتماع برئيس الوزراء السوري المنشق، رياض حجاب، الموجود في الولايات المتحدة لعمل جراحي، والاجتماع حضره المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، السفير جويل رايبورن، ومسؤولون من وزارة الخزانة الأميركية.
تقتضي السياسة والحصافة التوجه نحو حوار وطني شامل، للوصول إلى حلول توافقية حول الملفات الخلافية والعالقة، ونزع فتيل التوترات والصراعات، لأن الجميع متضرّر وخاسر فيها.
العربي الجديد
—————-
مآلات جبهة السلام والحرية في شرق الفرات/ شفان إبراهيم
تحرّكت المياه الراكدة في المسرح السياسي لشرق الفرات في سورية، عبر حدثين متداخلين في التوقيت والتوجهات، ففي فبراير/ شباط الماضي بدأت حوارات بين المجلس الوطني الكُردي والمنظمة الأثورية وتيار الغد والمجلس العربي للجزيرة والفرات، لتشكيل جسم سياسي برؤيةٍ موحدةٍ بشأن مصير المنطقة. تزامن معه بدء الحوار الكُردي – الكُردي برعاية الولايات المتحدة، ثم فرنسا. وكانت السرّية والكتمان العنوان الأبرز لهما، إلى أن أعلن عن اتفاق الكُرد على رؤية سياسية موحدة، ثم ما جاء إعلان جبهة السلام والحرية، في 29 الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، من مؤشرات على إمكانية أن تتحول هذه الجبهة، بعد توسيعها، إلى منصة مستقلة تمثل مكونات المنطقة، بما فيها دير الزور والرّقة، حيث غالبية العشائر العربية المنضوية في المجلس العربي هم من عشائر الرقة ودير الزور وعشائر من العرب في الحسكة. أول المؤشرات أن ما تم هو من الأحداث السورية البارزة خلال السنوات الماضية، حيث لا تدخلات خارجية، ولا اعتراضات إقليمية، ولا توجيهات عابرة للحدود السورية، وهو ما كان واضحاً في وثيقة الإعلان عن التأسيس، والتمسّك بالقرار السوري الداخلي، وبل جاء نتيجة لحوار المكونات في شرق الفرات، وستشهد الجبهة توسيعاً في عدد المكونات، في حال نجاح الحوار الكُردي – الكُردي، حيث ضم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إليها، بعد إعادة فك الإدارة الذاتية وتركيبها، لتمثل مكونات المنطقة بشكل منطقي وحقيقي، واحتمال أن تتحوّل إلى منصةٍ مستقلةٍ ضمن أروقة المعارضة، وهو ما سيعني إمكانية إيجاد جسم سياسي معارض جديد، يقوم على أنقاض الائتلاف السوري المعارض.
وثاني المؤشرات أن الجسد السياسي الجديد سيشكل ورقة ضاغطة في إحداث تغيرات في موازين القوى داخل أروقة المعارضة السورية، فالكُرد والآشوريون يملكون أربع ممثلين مناصفة، وخمس أعضاء لمنصة القاهرة ضمن اللجنة الدستورية، إضافة إلى وجود الأطر الثلاثة في هيئات التفاوض، ويبلغ عدد ممثلي منصة القاهرة أربعة أعضاء، إضافة إلى عضو للمجلس الكردي ومثله للمنظمة الأثورية، ما يعني تشكيل قوة سياسية تتمكّن من خلط الأوراق، وإعادة إيجاد تموضعات جديدة ضمن المعارضة السورية، سواء براهنيتها الحالية، أو في حال التوجه صوب إيجاد كتلة سياسية جديدة للمعارضة السورية.
وثالث المؤشرات أن الجبهة الجديدة لن تتعرّض لأي اهتزاز أو ضغوط إقليمية أو دولية، فهي تؤكد على الحل السياسي لسورية وفق قرار مجلس الأمن 2254، ما يعني عدّم الاعتراض الأميركي والتركي على تشكيله.
رافقت تلك المؤشّرات ثلاثة متغيرات، تتجه صوب خدمة أبناء المنطقة، في مقدمتها أن من أولويات هذه الجبهة السعي نحو تغيير النمطية السائدة لدى المكون العربي تجاه الكُرد، فالغلّ والاحتقان الحاصل نتيجة جملةٍ من المعطيات تجاه الكُرد، وزيادة حدّية التخاطب العربي تجاه الكُرد، ونجاح بعض وسائل الإعلام في حملات دعائية مستندة على عدم تقبل الآخر فكرا، متأسسان لدى شرائح عديدة ضمن المعارضة العربية، إضافة إلى حالة العداء العربي ضد “قسد” والإدارة الذاتية. نقل القضية الكُردية من حالة المظلومية إلى حالة الظالمة، وفق تصوراتهم هم، والأسوأ إنها لم تختص بعرب شرق الفرات فحسب، وبل اتسعت لتشمل قطاعات وكيانات وشرائح مختلفة من المكون العربي في سورية، على الرغم من عدالة القضية الكُردية ومظلوميتها الحقة. لذا إن وجود ممثلين عن أغلب العشائر العربية في مناطق كدير الزور والرقة وجزء من عرب الحسكة، مع ما يمثله أحمد الجربا بوصفه شخصية سياسية مقربة من تركيا ومصر والسعودية والكُرد والمسيحيين، يُمكن لها أن تكسر الجليد السميك الذي فصل بين المكونيْن العربي والكُردي، ويقي المنطقة من حرب عرقية، عملت جهاتٌ عديدة على إنتاجها وتغذيتها وتأجيج نارها.
والمتغير الثاني الذي جاءت به هذه الجبهة، لأول مرة يتحد مكونا المنطقة ضمن إطار سياسي، إذ لا أحزاب ولا كيانات سياسية معتبرة للعرب في عموم شرق الفرات، باستثناء العشائر العربية التي لا يمكن الاعتماد عليها بوصفها أطرا سياسية ذات شخصية اعتبارية.
المتغير الثالث المتعلق بالحوار الكُردي – الكُردي في سورية إن التوصل إلى نتيجة مُرضية، وإعادة التعريف بالهويّة السياسية والعسكرية لـ “قسد”، ستستتبعه إعادة هيكلة هذه القوات مع قوات بشمركة روج آفا وقوات النخبة العربية، وأبناء العشائر العربية، والآشوريين. وبغض النظر عن النسبة والتناسب ضمن الجيش المتوقع تشكيله، فإن نجاح هذا الإطار مع نجاح المساعي الأميركية لتوحيد الرؤية السياسية الكُردية، سيدفع صوب إعطاء ومنح خصوصية مغايرة عن كل سورية، وليس بعيدا أن تتحول هذه المنطقة إلى إقليم فيدرالي خاص، بعد موافقة السوريين، وإنْ كان يبدو صعباً نوعاً ما، على مستوى التسمية بالحد الأدنى من الصعوبة.
ترافق ذلك كله ثلاثة محددات للعملية السياسية السورية، أولها أن حالة الاستعصاء السياسي في سورية متجهة صوب الحل، والمتوقع أن يكون وفق القرار 2254، وإعادة إحياء مسار جنيف. وقد كسر هذا التشكيل السياسي الجديد النمطية التي تماهى معها الناس، وتحديداً في شرق الفرات، فإن هذا الجسم سيعني منافسةً قوية على الصعيد السياسي والتمثيل الشعبي لمكونات شرق الفرات أمام “مجلس سوريا الديمقراطية”، والإدارة الذاتية، حيث أدى غياب الغطاء الدولي عن “قسد” في معركتي غصن الزيتون ونبع السلام إلى إنهاء أي وجودٍ لتلك الكيانات في جغرافية المعركتين، إضافة إلى مناطق درع الفرات. ويعني هذا أن قضية التمثيل والتعبير عن مآلات المنطقة ما عادت مرتبطة بمن يمسك الأرض حاليا، وإن كانت المؤشرات كُلها تتجه صوب أن لا مزيد من الحرب، ولا تدخل تركياً في ما تبقى من شرق الفرات، إلا أن الغياب عن مسارات الحل السياسي التي رسمتها الفواعل الرئيسية في سورية سيعني مزيداً من الإنهاء للسلاح خارج المتفق عليه، ومزيداً من العزلة على الأطراف غير الموجودة في مسار الحل السياسي.
والمحدّد الثاني أن الأطراف اتفقت على اللامركزية من دون تحديد نوعها، ورُبما نجد لامركزية للأطراف كافة، إذ من الصعب جداً إعادة اللحمة السورية كما كانت قبل 2011. يعود هذا الطرح (اللامركزية)، في أحد أقوى أسبابه، إلى فوبيا الفيدرالية لدى عموم السوريين. ومن المحتمل أن نجد نظاما سياسيا لا مركزياً يمنح الأطراف حرية تشكيل هيئات تشريعية، وقضائية، وبرلمانية، وتشكيل برلمان مركزي بنظام الغرفتين.. إلخ، خصوصا أن نمطية التفكير لدى عموم السوريين أن الفيدرالية تعني التقسيم والانفصال.
المحدّد الثالث يخص الكُرد أكثر، وتحديداً المجلس الوطني الكُردي، فإن البنود الواردة في المبادئ العامة والأساسية، وإنْ تطالب بتثبيت دستوري للحقوق الكُردية، وضمان تمثيلهم البرلماني و… إلخ، لكن أعمق مشكلتين تتبلوران خلف هذه الوثيقة، تأتيان أولاً من التسمية التي لم تشر أبداً إلى ما يرمز إلى كُردية المنطقة، ومردّها على ما يبدو البحث عن مشتركات وتقاطعات مع باقي المكونات، لإيجاد ظرفٍ سياسي جديد. وربما كمرحلة أولية يُمكن التغاضي عن هذه النقطة. لكن في أثناء كتابة الدستور أو المرحلة المقبلة، سيعرّض غياب ما يُشير إلى ذلك المجلس الكُردي إلى إحراج وضغوط عميقة وكبيرة. والثاني: تم اعتبار المنطقة الكُردية في سورية وحدة جغرافية سياسية متصلة في الحوار الكردي – الكردي، في حين إنها تصطدم مع عدم تحديد أيَّ جغرافية سياسية للوجود الكردي في سورية، ضمن وثيقة جبهة السلام والحرية. وفيما لو نجح الحوار الكُردي، ووصل إلى خواتيمه، وانضمت “قسد” للجسد السياسي الجديد (السلام والحرية) ربما تكون الجبهة أو الوثائق الكُردية أمام تغيرات جذرية عميقة جديدة.
تتجه مكونات شرق الفرات إلى لم شملها في موقف سياسي موحد، وهي خطوة ستكتمل أكثر عبر نجاح الحوار الكُردي – الكُردي، وما يتطلبه من حصر القرار والوجود بالهويّات السورية فحسب، وإن كان العام الحالي (2020) يُعتبر بداية الحل السياسي لسورية، فإن الموقف الكُردي في الحفاظ على خصوصيته القومية جيوسياسياً يتطلب مزيدا من عقد الصلات والحوارات، وحتى الاتفاقيات مع الأحزاب العربية خارج الجغرافية التي يعيش فيها.
العربي الجديد
—————————————
غليان في ريف دير الزور: اغتيالات تشعل الغضب الشعبي/ أمين العاصي
أشعلت محاولة اغتيال واحد من أبرز شيوخ العشائر العربية في شرق سورية، موجة احتجاجات في بلدات ريف دير الزور الشرقي الخاضع لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، والتي اتهمت تنظيم “داعش” بالوقوف وراء الهجوم، بينما تصر المعارضة السورية على أن عمليات الاغتيال بحق الرموز القبلية والعشائرية في منطقة شرقي الفرات، ذات الغالبية العربية، هي من تخطيط وتنفيذ “الوحدات” الكردية المتحكمة في “قسد” المدعومة من التحالف الدولي.
وبينما يشهد هذا الريف حراكاً شعبياً غاضباً، أعلنت “قسد” أنها بدأت مع قوى الأمن الداخلي “حملة أمنية في بلدتي الشحيل والحوايج في ريف دير الزور الشرقي، تستهدف خلايا تنظيم داعش وخلايا جهات تحاول الاستفادة من هذه الأوضاع لإثارة الفتنة”، وفق بيان صدر الثلاثاء الماضي. وأشارت إلى أنه “تم تنفيذ مجموعة من العمليات الخاصة التي استهدفت الخلايا، وأدت إلى اعتقال أعداد من الإرهابيين والمشتبه بهم، وإصابة أعداد منهم، ومصادرة كميات من الأسلحة والذخيرة”، معترفة بمقتل اثنين من مقاتليها نتيجة الهجمات التي نفذتها خلايا التنظيم على مقراتهم، وإصابة ثلاثة مقاتلين بجراح. واتهمت هذه القوات، التي تهيمن عليها الوحدات الكردية، تنظيم “داعش” بالوقوف وراء التطورات التي يشهدها ريف دير الزور أخيراً، مشيرة إلى أن “مجموعات وأطرافا أخرى تحاول الاستفادة من هذا الوضع، وتحقيق أهداف على حساب دماء أبناء المنطقة”، في إشارة واضحة للنظام السوري والمؤيدين له في المنطقة.
وأشعلت محاولة اغتيال أبرز شيوخ العشائر في ريف دير الزور، وهو إبراهيم خليل عبود الجدعان الهفل، شيخ قبيلة العقيدات أكبر القبائل العربية في هذا الريف، الشرارة الأولى لموجة احتجاجات كبرى يشهدها هذا الريف. وأدت المحاولة، التي حصلت الإثنين الماضي، إلى مقتل مطشر حمود الهفل، وهو من وجهاء القبيلة المعروفين. واتجهت أصابع الاتهام إلى “قسد” بالوقوف وراء عمليات الاغتيال التي شهدها ريف دير الزور، في محاولة لـ”تفريغ المنطقة من المرجعيات القبلية والسياسية في هذا الريف”، وفق مصادر محلية. وذكرت المصادر أن ريف دير الزور يشهد احتجاجات شعبية كبيرة، مشيرة إلى أن مدن وبلدات هذا الريف شهدت تظاهرات حاشدة استنكاراً لمحاولة الاغتيال، واستياء من الأوضاع الأمنية والمعيشية التي تسود المنطقة.
وأمهلت قبيلة العقيدات في دير الزور قوات التحالف الدولي و”قسد” مدة شهر لتسليمها قتلة شيخها مطشر حمود الهفل. وجاء في بيان نشره الشيخ مصعب خليل عبود الهفل أنه “في حال لم يتم ذلك ستتصرف القبيلة كما تراه مناسباً لحماية الديار والممتلكات”، داعياً أبناء المنطقة من العشائر إلى “الوقوف صفاً واحداً من أجل حمايتها من كل من يستبيحون دماءها وينهبون ثرواتها، فالديار التي لا يحميها أبناؤها، لا يحميها الغرباء الطامعون”، وفق بيان.
من جهته، حمّل الائتلاف الوطني السوري ما أسماها بـ”مليشيات الـ PYD (اختصار لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يتخذ من الوحدات الكردية ذراعاً عسكرية) مسؤولية عمليات الاغتيال التي تحدث في شرقي سورية”، مشيراً، في بيان، إلى أن “عمليات الاغتيال هذه تهدف إلى خلط الأوراق وحرف الانتباه عن إجراءات تتم في المنطقة، من بينها التغيير الديمغرافي والسيطرة على ثروات البلد والتهجير”.
وفي خطوة لافتة، دانت السفارة الأميركية في دمشق الهجوم على الشيخ مطشر الحمود الجدعان الهفل، مشددة على أن “العنف ضد المدنيين غير مقبول، ويعيق الأمل في حل سياسي دائم للصراع في سورية، تماشياً مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254”. كما دانت وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة عمليات الاغتيال التي تطاول شيوخ العشائر والقبائل العربية في شمال شرق سورية، متهمة “وحدات حماية الشعب” الكردية بالوقوف وراء تلك العمليات والتخطيط لها. وقالت الوزارة، في بيان، إن عمليات الاغتيال التي يتعرض لها شيوخ العشائر لا يمكن أن تكون إلا من تخطيط وتنفيذ “الوحدات” الكردية التي “تعمل على التخلص من كافة الشخصيات الاعتبارية المؤثرة في الحاضنة الشعبية المناهضة لمشروعها الانفصالي المرفوض شعبيا”، وفق البيان.
من جهتها، دانت “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية” التي تتخذ من بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي مقراً لها “هذا العمل الإرهابي الجبان الذي يستهدف أرواح السوريين لتحقيق غايات وأجندات خبيثة”، مشيرة إلى أن الهجوم يهدف إلى “خلق الفتنة ما بين المكونات”، مشيرة إلى أن بعض الجهات “المعادية لمشروع الإدارة الذاتية”، تحاول لصق الاتهام بالإدارة الذاتية و”قوات سورية الديمقراطية” من أجل خلط الأوراق.
ومنذ سيطرة “قسد” على شرقي نهر الفرات اغتيل عدد من شيوخ العشائر المعروفين في المنطقة من جهات مجهولة، ولكن من المرجح أن تقف خلايا من تنظيم “داعش” وراء هذه العمليات التي طاولت الشيخ بشير فيصل الهويدي أحد رموز عشيرة العفادلة في محافظة الرقة أواخر عام 2018. واغتيل منتصف العام الماضي الشيخ عبيد خلف الحسان شيخ “البوعساف”، إحدى أكبر عشائر ريف الرقة الشمالي، وهو كان أحد مؤسسي جيش العشائر لقتال “داعش” سابقاً في مناطق ريف الرقة الشمالي بنهاية 2015.
ويشكل العرب الأكثرية من سكان منطقة شرقي نهر الفرات التي تضم أقلية كردية، خصوصاً في محافظة الحسكة، فيما تخلو محافظتا الرقة ودير الزور تقريباً من أي وجود سكاني كردي. وينتمي العرب إلى قبائل وعشائر عربية معروفة لا يزال غالبية أبنائها يتمسكون بعادات وتقاليد قبلية متوارثة. ولعل أبرز هذه القبائل والعشائر: شمّر، والجبور، والعقيدات، والبقّارة، والبوشعبان، والبونمر، والعدوان، وقيس، والنعيم، وطي، وسواها من القبائل والعشائر التي مرت منذ عام 2011 بتحولات كبرى في ظل تبادل للسيطرة على المنطقة بين عدة قوى.
وسبقت محاولة الاغتيال لشيخ قبيلة العقيدات حراكاً شعبياً كبيراً رافضاً لمنهاج دراسي تريد “الإدارة الذاتية” الكردية فرضه في منطقة شرقي نهر الفرات. ورأى أبناء المنطقة العرب أن هذا المنهاج محاولة للعبث بهويتها العربية الإسلامية. كما شهد ريف دير الزور، منتصف الشهر الماضي، ولادة “الهيئة السياسية لمحافظة دير الزور”، المؤلفة من ناشطين سياسيين وشيوخ ووجهاء عشائر عربية، اجتمعوا في بلدة الكشكية الخاضعة لسيطرة “قسد” تحت شعار “لا للتبعية، لا للوصاية، لا للتهميش”. وأعلنت هذه الهيئة رفضها عودة النظام إلى ريف دير الزور الواقع تحت سيطرة “قوات سورية الديمقراطية”، والتهميش الذي تمارسه “الإدارة الذاتية” بحق المكون العربي.
وعن هذه التطورات، رجح مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، لـ”العربي الجديد”، أن يتجه ريف دير الزور الشرقي الخاضع لـ”قسد” شمال نهر الفرات إلى مزيد من التصعيد، مستدركاً بالقول: ولكن لا أتوقع حدوث انفجار شعبي كبير. وأعرب عن اعتقاده بأن الجانب الأميركي سيعمل على احتواء ما يجري في المنطقة، مضيفاً في ظل الوجود الأميركي في المنطقة استبعد أي تدخل إقليمي يستهدف دعم هذا الحراك الشعبي. ورجح علاوي الوصول إلى توافق ينهي هذا التصعيد شيئاً فشيئاً، مضيفاً أن الإدانة الأميركية للهجوم مؤشر على أن الأميركيين بصدد احتواء ما جرى. وأشار علاوي، وهو من أبناء ريف دير الزور الشرقي، إلى أن محاولة اغتيال الهفل واغتيال ابن عمه كانت سبباً لتفجر الأوضاع في ريف دير الزور “ولكن ليست السبب الوحيد”، مضيفاً: هذه المنطقة تشهد منذ أكثر من عام حركة احتجاجات لأسباب معيشية. هناك تراكم مشاكل في المنطقة طفت إلى السطح عقب الهجوم.
وتسيطر “قسد” منذ مطلع عام 2019 على كامل ريف دير الزور الشرقي شمال النهر، والذي يضم عدة بلدات كبيرة، منها البصيرة وهجين، وبلدات عشيرة الشعيطات وهي الحمام والغرانيج والكشكية. ويضم هذا الريف كبريات حقول وآبار النفط والغاز في سورية، وفي مقدمتها حقل العمر، وهو أكبر الحقول النفطية في سورية، ويقع على بعد 15 كيلومتراً شرق بلدة البصيرة بريف دير الزور. وإضافة إلى “العمر”، يضم ريف دير الزور الشرقي حقول التنك، والورد، والتيم، والجفرة، وكونيكو (يضم أكبر معمل لمعالجة الغاز في سورية)، وكلها تقع تحت سيطرة “قسد”.
العربي الجديد
————————————–
تحرّكات أميركية لاسترضاء الأهالي: العشائر تفجّر غضبها في وجه «قسد»/ أيهم مرعي
تفجّرت، في خلال الأيام القليلة الماضية، حالة التوتر بين الأهالي و«قسد» في ريف دير الزور الشرقي، في صورة اشتباكات أظهرت علوّ كعب العشائر، وقدرتها على تبديل المعادلات. ولعلّ إدراك واشنطن لذلك الواقع هو ما دفعها سريعاً إلى محاولة استرضاء العشائر، خشية فقدان السيطرة على المناطق التي تتركّز فيها حقول النفط وآباره
لا تُعدّ التظاهرات والاشتباكات التي شهدها ريف دير الزور خلال اليومين الفائتين، احتجاجاً على موجة اغتيالات طاولت شيوخ العشائر العربية، السبب الوحيد للتوتر بين «قسد» والأهالي في المنطقة الشرقية، إذ ثمة تراكمات بدأت منذ وصول القوات الكردية إلى المناطق التي تعتبر خزّان سوريا النفطي، وفي الوقت نفسه مركز الثقل العشائري. ويشتكي السكان هناك من تدهور في الواقع المعيشي، وفقدان الخدمات العامة، في ظلّ اتهامات موجّهة إليهم من قِبَل «قسد» باحتواء خلايا لتنظيم «داعش». ولعلّ ما فاقم حالة التوتر الإعلان في واشنطن عن توقيع عقد بين شركة نفط أميركية وبين قيادة «قسد» لاستثمار المنشآت النفطية، من دون أيّ اعتبار للعشائر، التي يطالب بعضها بحصة من الأرباح.
نهار أمس، عاد الهدوء إلى ريف دير الزور الشرقي، بعد ساعات طويلة من الاشتباكات المسلحة التي اندلعت إثر تفريق مسلّحي «قسد» تظاهرات احتجاجية ضدّ الأخيرة، ما أدّى إلى مقتل مدنيَّين اثنين وإصابة آخرين. واندلعت التظاهرات، أول من أمس، بشكل متزامن، في كلّ من بلدات الحوايج، ذيبان، والشحيل، المتاخمة لحزام آبار النفط في ريف دير الزور الشرقي. وتمحورت مطالبات المتظاهرين لـ«قسد» حول الكشف عن مرتكبي عمليات اغتيال شيوخ العشائر ووجهائها ومحاسبتهم. وكان قد شهد الأسبوعان الفائتان عدّة حوادث اغتيال، طاول أبرزها الشيخ سليمان الكسار المتحدث باسم قبيلة العكيدات، ومطشر الهفل أحد كبار شيوخ القبيلة، والشيخ علي الويس من قبيلة البكارة.
وبحسب مصادر أهلية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن «عناصر حواجز قسد في المنطقة حاولوا تفريق المحتجّين بالرصاص، ما أدّى إلى إصابة عدد من المدنيين». وأضافت المصادر أن «الأهالي تجمّعوا من جديد، وهاجموا مقرّات قسد بالأسلحة الخفيفة، وسيطروا على كلّ مقرّاتها في الحوايج والشحيل وذيبان، احتجاجاً على استخدام قسد الرصاص الحي». وتابعت أن «الأهالي سيطروا على المقرّات لساعات وانسحبوا منها لاحقاً، كرسالة على قدرتهم على طرد قسد من المنطقة». وعلى إثر تلك التطوّرات، أعلنت «قسد»، أمس، حظراً تامّاً للتجوال في البلدات التي شهدت احتجاجات في ريف دير الزور الشرقي حتى إشعار آخر، مع نشر مئات من عناصرها عند مداخل ريف دير الزور الشرقي ومخارجه.
ولا تُعدّ التظاهرات والاشتباكات الأخيرة الحدث الأمني الأبرز منذ سيطرة «قسد» على المنطقة، إلا أن تزامنها مع حوادث الاغتيال ولّد ردود فعل واسعة في الأوساط العشائرية. وسبق أن شهدت غالبية قرى ريف دير الزور الشرقي وبلداته تظاهرات ضدّ ممارسات «قسد» والواقع المعيشي السيّئ في المنطقة، كان أعنفها في أيار/ مايو من العام الماضي، بعد مقتل سبعة مدنيين خلال مداهمة «قسد» حيّ الكتف في بلدة الشحيل.
وبالعودة إلى حوادث الاغتيال، وجّه شيخ مشايخ قبيلة العكيدات، إبراهيم خليل الهفل، في تصريحات إعلامية، أصابع الاتهام إلى «قسد وخلايا داعش»، معتبراً أن «داعش وقسد يسعيان للتخلّص من كلّ وجهاء العشائر الذين يرفضون مشاريع الطرفين، وخصوصاً في ريف دير الزور الشرقي». ودفع الزخم الإعلامي المرافق لعمليات الاغتيال، الولايات المتحدة، إلى إصدار بيان دانت فيه «الهجوم على مشايخ قبيلة العكيدات». وقالت السفارة الأميركية في دمشق، على صفحتها على موقع «فيسبوك»، إن «العنف ضدّ المدنيين غير مقبول، ويعيق الأمل في حلّ سياسي دائم للصراع في سوريا». من جهتها، اتهمت «الإدارة الذاتية»، في بيان، «أياديَ إرهابية تتبع لأجهزة استخباراتية وأمنية باستهداف السيارة التي كانت تقلّ شيوخ العشائر»، متوعّدة «باجتثاث جميع هذه البؤر في مناطق الإدارة الذاتية أينما وجدت». كما كان لافتاً سيل البيانات العشائرية من غالبية عشائر سوريا، وخاصة المتمركزة في مناطق سيطرة «قسد»، والتي أعلنت «التضامن مع قبيلة العكيدات، والاستعداد للوقوف بجانبها بكلّ الإمكانات المتاحة».
وأعادت هذه الحوادث تسليط الضوء على علوّ كعب العشائر، وقدرتها على التأثير في المشهدين الأمني والعسكري، وهو ما ظهر من خلال التعزيزات المسلحة التي وصلت إلى ريف دير الزور لمؤازرة الأهالي ضدّ «قسد». ومن المتوقع أن يسعى «التحالف الدولي» و«قسد» إلى الاجتماع بشيوخ العشائر ووجهائها من أجل امتصاص الغليان الشعبي في المنطقة، وإعادة الحياة إلى طبيعتها تدريجياً. وتدرك كلّ من واشنطن و«قسد» أن أيّ تمرّد منظّم من العشائر ضدّها سيهدّد سيطرتها على أهمّ آبار النفط وحقوله، والتي تتركّز جميعها في مناطق عشائرية تشهد انتشاراً لقبيلتَي العكيدات والبكارة. كما أن عجز الولايات المتحدة عن ضبط الأوضاع في تلك المناطق سيجعل من قواعدها ودورياتها هدفاً لأبناء العشائر، والذين سبق أن اتهموا الأميركيين بالوقوف إلى جانب «قسد» ضدّهم.
وكانت وفود عشائرية طالبت، خلال لقائها ممثل الخارجية الأميركية في سوريا وليام روباك وممثلين عن «التحالف الدولي» في حقل العمر مطلع هذا العام، بـ«إخراج قسد من مناطقها، وتسليم إدارتها لأبنائها». وفي هذا السياق، يؤكد مصدر عشائري لـ«الأخبار» أن «العشائر تلقوا وعوداً أميركية بتخفيف سطوة الأكراد على القرار في دير الزور، وإعطاء صلاحيات عسكرية ومدنية لأبناء العشائر». ويضيف المصدر أن «الأميركيين وعدوا بمشاريع تنموية تساعد في تحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي، لكن ذلك لم يحصل حتى الآن». ويلفت إلى أن «ريف دير الزور يعاني من فقدان الكهرباء والمراكز الصحية، وشحّ في المياه والخبز، وتوقّف للنشاط الزراعي بسبب تعطّل شبكات الريّ»، معتبراً أن «المأساة الكبرى هي عدم توفر المحروقات في المنطقة التي تعوم على آبار من حقول النفط». ويتوقع المصدر أن «تتصاعد الاحتجاجات في حال بقيت مطالب أبناء العشائر دون آذان صاغية من التحالف وقسد».
——————————–
تحذيرات من صراع كردي ـ عربي شرق سوريا
موسكو تصعّد في إدلب وتستبعد معركة شاملة
تصاعدت التحذيرات من حدوث صراع كردي – عربي في شمال شرقي سوريا، أمس، بعد أيام على اغتيال زعيم عشائري بمناطق شرق الفرات، التي تسيطر عليها «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية – العربية.
وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أمس، إن «قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فرضت حظراً للتجول في مناطق الشحيل وذيبان الحوايج بريف دير الزور الشرقي، منعت من خلاله الأهالي من التنقل. كما أبلغت عبر مكبرات الصوت أصحاب المحال التجارية في بلدة الشحيل بإغلاقها حتى إشعار آخر»، وذلك بعدما أصدرت قبيلة العكيدات بمحافظة دير الزور بياناً أمهلت فيه «قوات سوريا الديمقراطية» والتحالف الدولي شهراً لتسليم قتلة شيخها مطشر حمود الهفل. وأشار «المرصد» إلى مظاهرات «خرجت في مدينة البصيرة وقرية أبو النيتل في ريف دير الزور، بسبب تحميل (قسد) مسؤولية اغتيال الشيخ مطشر حمود الهفل وتصاعد الاحتقان الشعبي».
على صعيد آخر، نددت موسكو مجدداً بـ«استفزازات متكررة من جانب المسلحين في إدلب»، فيما شكك خبراء روس في احتمال توسيع نطاق الضربات الجوية التي وقعت أخيراً، وإطلاق عملية عسكرية شاملة. ونفت فصائل سورية معارضة وجود مخزن للسلاح في المناطق التي قصفها طيران روسي قرب بنش قبل يومين.
وقال رئيس «مركز المصالحة بين الأطراف المتحاربة» في سوريا، ألكسندر شيربيتسكي، إن «إرهابيي تنظيم (جبهة النصرة) جددوا قصف مناطق سكنية في محافظتي حلب وإدلب».
ولفت، في إيجاز صحافي، إلى أن موسكو سجلت خلال الساعات الـ24 الأخيرة «عمليات قصف المناطق السكنية في أورم الكبرى بمحافظة حلب، والملاجة في محافظة إدلب، من مواقع (جبهة النصرة)».
——————————-
تحذيرات من صراع عربي ـ كردي شرق الفرات/ كمال شيخو
استنكرت «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا اغتيال الشيخ امشطر جدعان الهفل وإصابة زعيم قبيلة «العكيدات» العربية الشيخ إبراهيم جدعان الهفل، وأدانت الحادثة ووصفتها بـ«العمل الإرهابي الجبان»، وحذر مسؤول بارز في «قوات سوريا الديمقراطية» من خطر انزلاق المنطقة إلى صراع عربي – كردي وضرب التعايش المشترك، واتهم خلايا تنظيم «داعش» المتشدد بتنفيذ عمليات الاغتيال التي طالت 3 من شيوخ العشائر العربية خلال الأسبوع الماضي.
وقال رئيس الإدارة الذاتية عبد حامد المهباش: «نتقدم بخالص العزاء لأهلنا من عشيرة العكيدات الأصيلة باستشهاد الشيخ امطشر جدعان الهفل، وتمنياتنا بالشفاء العاجل للشيخ إبراهيم الهفل شيخ العشيرة»، وأضاف: «ندين ونستنكر هذا العمل الإرهابي الجبان، الذي يبتغى من ورائه خلق الفتنة بين المكونات، وسارعت بعض الجهات المعادية لمشروعنا إلى لصق الاتهام بالإدارة وقواتها العسكرية».
واغتال مسلحون مجهولون الشيخ امشطر جدعان الهفل وسائقه دعار الخلف قبل 3 أيام، وتعرض إبراهيم جدعان الهفل شيخ مشايخ «العكيدات» للإصابة، بعد استهداف موكبهم عند أطراف قرية الحوايج بريف دير الزور الشرقي، وطالت عمليات الاغتيال خلال الأسبوع الماضي؛ الشيخ علي الويس مختار قرية الدحلة بريف دير الزور شيخ عشيرة «بو رحمة – قبيلة البكارة»، والمتحدث باسم قبيلة «العكيدات» الشيخ سليمان الكسار.
وشدد المهباش على أن قوات الأمن الداخلي في دير الزور بدأت التحقيقات، وأنها «لن تهدأ حتى تلقي القبض على الجناة، ومعرفة الجهات التي تقف خلف اغتيال شيوخ العشائر، وتسليمهم للعدالة ومحاسبتهم بأسرع وقت ممكن، وسنعمل على سد الثغرات الأمنية ومواجهة الجهات التي تحاول المساس باستقرار المنطقة»، وأشار إلى أن هذا «العمل الإرهابي هو استهداف لجميع مكونات شمال وشرق سوريا، ومحاولة يائسة وجبانة لضرب أسلوب التعايش المشترك وأخوة الشعوب، لخلق الفتنة وزعزعة الأمن».
وساد الهدوء بلدات الشحيل وذيبان والحوايج بريف دير الزور، بعد ساعات من خروج مظاهرات مناوئة لاغتيال الشيخ امطشر الهفل، وقطع المشاركون الطرقات واستهدفوا نقاطاً عسكرية تابعة لـ«قوات سوريا الديمقراطية» التي أعلنت الحظر الجزئي على بلدة الشحيل، كما بدأت حملة أمنية واسعة، وقالت في بيان أمس: «تم تنفيذ مجموعة من العمليات الخاصة استهدفت الخلايا، واعتقلت (القوات) أعداداً من الإرهابيين والمشتبه بهم، وأصيب عدد منهم أثناء محاولتهم التصدي لقواتنا». وكشفت القوات أن اثنين من عناصرها قتلا أثناء الحملة.
وحذر مصطفى بالي، المتحدث باسم «قوات سوريا الديمقراطية»، من خطر انزلاق المنطقة إلى صراع عربي – كردي، وقال: «مؤخراً نفذت قواتنا جملة من العمليات وحملات التمشيط استهدفت خلايا (داعش) وألحقت بهم ضربات موجعة»، واتهم التنظيم بتنفيذ العمليات التي طالت شخصيات عشائرية معروفة من أبناء المنطقة، لافتاً إلى أن «(داعش) بعد فشله في مخططاته الإجرامية، يلجأ اليوم لإحداث فتنة كردية – عربية بين مكونات المنطقة}.
وإحداث شرخ بين المكونات المتعايشة منذ مئات السنين، وضرب الاستقرار والأمان ومحاولة إعادة الفوضى للمنطقة»، وكشف بالي عن أن كثيراً من الجهات والأطراف تسعى إلى الاستفادة من التوترات بغية تحقيق أهدافها على حساب دماء أبناء المنطقة، وزاد: «تحاول استغلال مشاعر وعواطف الناس لتحويل الأنظار عن إرهاب التنظيم، وتحريض الناس ضد الإدارة الذاتية وقواتها العسكرية، ونحن مصممون أكثر على تنفيذ عملياتنا وتفكيك خلايا (داعش) والقضاء عليها بشكل كامل».
——————————————–
===============================
تحديث 20 آب 2020
—————————————-
شرق الفرات بين أحجار رحى عديدة/ علي العبدالله
لا يمكن قراءة اغتيال شخصيتين وازنتين في أكبر قبيلتين عربيتين في محافظة دير الزور في سورية، الشيخ علي الويس من قبيلة البكارة والشيخ مطشر الهفل من قبيلة العكيدات، بمعزل عن صراع القوى في سورية وعليها، وتركّز الصراع في هذه المرحلة في منطقة شرق الفرات، لما لها من أهميةٍ جيوسياسيةٍ واقتصادية، الموقع والموارد الطبيعية، نفط وغاز ومياه وطاقة كهربائية وزراعة وتربية مواشٍ، وقد تحولت ساحة رئيسة للصراع بين القوى الفاعلة، بمصالحها المتباينة وخططها للحل السياسي في سورية؛ وساحةً لاختبار الآليات والتكتيكات وممارسة الضغوط المتبادلة، وسعي كل قوة لدفع الأوضاع في سياقٍ يخدم مصالحها.
جاءت الاغتيالات في مناخ سياسي واجتماعي مشحون وظرف دقيق وحساس: إنهاء سيطرة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) على منطقة شرق الفرات، تعديل القرار الأميركي من الانسحاب إلى تقليص عدد القوات والتموضع حول آبار النفط والغاز وعلى الحدود السورية العراقية، حماية المنطقة بحظر جوي أميركي، تفرد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بالتحكّم في المنطقة والاستئثار بمواردها الطبيعية، تصعيد روسي إيراني ضد الوجود الأميركي في سورية، تعزيز القدرات الروسية شرق الفرات بإرسال معدّات وجنود وزيادة عدد الدوريات، وفق إعلان قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال كينيث فرانكلين ماكنزي جونيور، مصحوباً باختباراتٍ لمدى ثبات قرار الإدارة الأميركية البقاء العسكري عبر الاحتكاك بالقوات الأميركية على الطرق، وفي المواقع العسكرية المتناثرة؛ وتكرار محاولات الوصول إلى حدود العراق؛ ومحاولة إبعاد الكرد عن الولايات المتحدة من خلال التركيز على عدم شرعية الوجود الأميركي، وما يرتبه انسحابهم المحتمل من مضاعفات على الكرد وقضيتهم، والدفع إلى إجراء مفاوضات بين النظام و”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، توقيع عقد نفطي بين قائد “قسد”، مظلوم عبدي، الذي بات يعتبر رجل أميركا في المنطقة، وشركة “دلتا كروسنت إنيرجي” الأميركية برعاية من وزارة الخارجية الأميركية، يتوقع رفع إنتاج المنطقة إلى 150 ألف برميل يوميا؛ ما يعني ثروة هائلة لمنطقة صغيرة سكانيا، تشكيل تجمعات وتحالفات محلية من عرب المنطقة، “التحالف العربي الديموقراطي في الجزيرة والفرات”، استعدادا للمساومة الكبرى على حكم المنطقة، سعي محموم من القوى الفاعلة شرق الفرات، الولايات المتحدة، روسيا، تركيا، إيران، النظام السوري، لاستقطاب العشائر العربية، وتشكيل أطر عسكرية من أبنائها ووضعهم في مواجهة بعضهم بعضا، مشاركة قوات التحالف الدولي في عمليات “قسد” في القرى والبلدات العربية واعتداؤها على المواطنين وممتلكاتهم، بذريعة ملاحقة خلايا “داعش” النائمة، ما أثار حفيظة العرب ضدها، رد “قسد” على احتجاجات العرب على سوء الخدمات وتهالك البنية التحتية واقتحام القرى واغتيال مطشر الهفل بإطلاق الرصاص على المحتجين وقتل وجرح عدد منهم. ظهور مؤشّرات على التصوّر الأميركي لمستقبل المنطقة، عكسته رعاية الخارجية الأميركية الحوار الكردي بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي وتحالف أحزاب الوحدة الوطنية الكردية، الموالية له، ومباركتها تشكيل “جبهة السلام والحرية” من المجلس الوطني الكردي والمجلس العربي في الجزيرة والفرات والمنظمة الآشورية الديمقراطية وتيار الغد، الدفع باتجاه إنهاء دور حزب العمال الكردستاني في الملف الكردي السوري، والمراهنة على قائد “قوات سوريا الديمقراطية”، مظلوم عبدي، لتحقيق هذا الهدف مع الضغط على قيادة “الحزب” في جبال قنديل لتسهيل العملية، ما يشي بفحوى التوجه الأميركي: تشكيل كيان سياسي شبه مستقل بتوافق القوى المحلية: العرب والكرد والسريان/ الكلدان، مع تحجيم الطموحات الكردية من خلال غض النظر عن السيطرة التركية على منطقة عفرين، ومنح تركيا موطئ قدم شرق الفرات، المنطقة الحدودية من تل أبيض إلى رأس العين (سري كانية، والسماح بدخول قوات روسية وأخرى تابعة للنظام السوري إلى المنطقة، واستخدام الاسم الجديد للمنطقة: شرق الفرات.
لم تنجح محاولات روسيا استدراج الكرد للعمل معها ومع النظام السوري، فالوساطة بين قيادة “مجلس سوريا الديمقراطية” والنظام السوري لم تأت أكلها على خلفية التعارض الحاد بين موقف الطرفين وتناقضات الموقف الروسي: الإصرار على عودة سيطرة النظام على منطقة شرق الفرات والتحاق “قوات سوريا الديمقراطية” بجيش النظام كأفراد، وإدراج الحقوق الكردية في الدستور السوري، تغطية التحرّك التركي ضد الكرد غرب نهر الفرات وأجزاء من شرقه واستخدام الورقة الكردية للضغط على تركيا في الوقت نفسه، ما دفع الكرد إلى المراهنة على العلاقة مع الولايات المتحدة وتعليق آمال كبار عليها، خصوصا بعد طي قرار الانسحاب، وقد جاء التوقيع على اتفاقية تطوير حقول نفط المنطقة واستثمارها لتثير ردة فعل حادة وغاضبة من كل من روسيا وإيران وتركيا والنظام السوري، كل لحساباته الخاصة، خصوصا روسيا التي فقدت فرصة الاستثمار في نفط المنطقة وتوظيف عائداته في إعادة الإعمار، لاستكمال نصرها العسكري، كما فقدت ورقة مساومتها مع الكرد في ضوء ما ينطوي عليه اتفاق النفط من اعتراف سياسي بـ “قوات سوريا الديمقراطية” وقائدها، مظلوم عبدي، في مواجهة ضآلة ما يمكن أن تحصل عليه من خلال وساطة روسية مع النظام، وليغلق الباب أمام محاولاتها استدراج الكرد للتحول بعيدا عن الأميركيين.
فجّرت عمليات الاغتيال غضبا كامنا بين أبناء العشائر العربية في محافظة دير الزور، تناغمت معه عشائر الرقة، غضب تراكم بفعل ممارسات “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التسلطية والتمييزية: فرض الخدمة الإلزامية على شباب المحافظتين وسوقهم بالقوة، التمييز داخل “قوات سوريا الديمقراطية” بين الكرد وغير الكرد بالمناصب والقرارات والامتيازات، فرض وجود كفيل كردي للسماح بدخول العرب منطقة سيطرة “قسد”، فرض برامج تعليم حزبية، مصادرة أملاك الغائبين وإدارتها، الاستئثار بعائدات الموارد الطبيعية المالية الضخمة، وعدم إيلاء المطالب الخدمية والاقتصادية والإدارية للسكان العرب الاهتمام المناسب، حيث عكس سلوك قيادات “قسد” الميدانية تناقضا صارخا بين نظرية “الأمة الديمقراطية” التي تتبناها والممارسة العملية القائمة على التمييز والقسر، تناقض بين مستدعيات وشروط ممارسة كيان سياسي ديمقراطي وممارسة كيان سياسي عقائدي مغلق، بالإضافة إلى ما تثير الممارسات الثأرية والانتقامية بين الكرد والعرب، على خلفية المظلومية التاريخية والتنافس على الجغرافيا والتاريخ من سلبيات وكوارث، فكانت الاغتيالات “القشّة التي قصمت ظهر البعير”، والتي دفعت إلى فتح ملف الحقوق والواجبات والممارسات السياسية والميدانية والإدارية في المنطقة وعدم تنفيذ مشاريع من عائدات المنطقة، الغنية بثرواتها الطبيعية والزراعية، للنهوض بالواقع المعيشي والاقتصادي والخدمي من “الإدارة الذاتية”، والمطالبة بتسليم المنطقة لأصحابها لإدارة قراهم وبلداتهم وثرواتهم الطبيعية ووقف اعتقال المدنيين بذريعة الانتماء لـ “داعش”، والإفراج عن المعتقلين الأبرياء وإخراج النساء والأطفال من المخيمات، وتسليم القتلة للعدالة خلال شهر واحد، وإخراج قوات “قسد” منها، وأخذ المكون العربي دوره كاملا.
فتحت الاغتيالات ورد الفعل العشائري الحاد والعنيف، انشقاق بعض العرب عن “قسد” ومهاجمة قوى عشائرية لمواقع وحواجز “قسد” في جديد بكارة وجديد عكيدات وطردهم بعد الاستيلاء على أسلحتهم، فتحت الباب واسعا لاستثمار القوى المناوئة للدور الأميركي، وللموقع المهيمن لقوات سوريا الديمقراطية وقائدها مظلوم عبدي شرق الفرات، بما في ذلك تيار من داخل “قسد” يعارض توجهات مظلوم للابتعاد عن حزب العمال الكردستاني التركي، فتتالت الإدانات والتنديدات والدعوات إلى التصدّي ل “قسد” والأميركيين، بيانات من القوى السياسية والعشائرية الموالية لتركيا وإيران والنظام السوري، النظام شكل من بعض شيوخ العكيدات في مدينة دير الزور مجلس قبيلة وجناحا عسكريا للتحرّك ضد “قسد” شرق الفرات، والتجييش ضد “قسد” والدفع نحو صدام واسع بينها وبين العشائر العربية، بهدف استثمار التوتر، ودفعه إلى أقصاه بخلط الأوراق والاصطياد في الماء العكر، مع أن لا دلائل أكيدة على مسؤولية “قسد” عن عملية الاغتيالات التي اتهمت النظام وتركيا بالوقوف وراء الاغتيالات لإثارة الفتنة؛ وادّعت تناميا في التحاق شباب العشائر العربية بقواتها؛ وتأييد شيوخ عشائر عربية، البكير، لها، ورفضت طلب سحب قواتها من هناك.
لن تنتهي التوترات، ولن يشهد ريف دير الزور استقراراً ما لم تغيّر “قسد” سياستها وتلبي مطالب سكان المنطقة وعشائرها في شراكة حقيقية ودور فعلي في إدارة المنطقة وحصة مناسبة من مواردها الطبيعية.
العربي الجديد
—————————–
«داعش» في شرق سوريا/ فايز سارة
تكاثرت في الأشهر الأخيرة الأنباء والتقارير عن «تنظيم داعش» في سوريا، وحسب المعلومات، فإن مناطق الشرق السوري، كانت المسرح الأهم لعمليات يقوم بها «داعش»، وشهدت أيضاً عمليات ضده من أطراف مختلفة، وشاركت في العمليات المتبادلة إضافة إلى «داعش» قوات نظام الأسد، والميليشيات الإيرانية، برعاية ودعم روسي من جهة، و«قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة، وقوات التحالف الدولي من جهة ثانية.
ويتطلب الحديث عما تشهده المنطقة من عمليات، وقفة مدققة عند الظروف المحيطة بالمنطقة، ووضعية سكانها، والقوى المسلحة الأساسية المتحكمة فيها، الأمر الذي يمكن أن يلقي الضوء على ما يحدث، ويبين حقيقة الوضع هناك، وما يمكن أن يصير إليه في المرحلة المقبلة.
تشكل محافظة دير الزور نقطة المركز في منطقة الشرق السوري، ويحدها من الشرق خط الحدود السوري – العراقي، متضمناً معبري البوكمال والقائم، وتحدها من الشمال محافظة الحسكة، ومن الغرب محافظتا الرقة وحمص، وتجاورها الأخيرة إلى جانب أراضٍ عراقية من الجنوب، ويجعلها موقعها محصورة بين مناطق تسيطر عليها بالكامل أطراف موصوفة بالعداء المعلن لتنظيم «داعش» وتتشارك في الحرب الشاملة ضده. حيث تنتشر في الشرق القوات العراقية، تشاركها فصائل من «الحشد الشعبي» العراقي، التي أقامت في العام الماضي قواعد لها قرب الحدود السورية – العراقية، ويشمل الانتشار العسكري في محافظة دير الزور ومدينتها قوات من طرفين؛ الطرف الأول يضم قوات نظام الأسد، وقوات إيرانية، وبجانبهما ميليشيات إيرانية، وجميعها تحظى بدعم القوات الروسية، والطرف الثاني مؤلف من «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عصبها الرئيسي، وتدعمها القوات الأميركية الموجودة في المنطقة، وقوات التحالف الدولي ضد «داعش».
وتعرضت منطقة الشرق السوري طوال السنوات الماضية لحروب ومعارك، دفعت جزءاً من سكانها للنزوح، وجعلت الباقين منهم وقوداً للحرب، سواء التي شنّها التنظيم على سكان المنطقة، كما في حربه ضد عشائر الشعيطات في العام 2014، والتي انتهت بسيطرة «داعش» على المنطقة، أو في حروب الأطراف المختلفة على «داعش»، والتي تجنبت أو تجاهلت لأسباب مختلفة التمييز بين «داعش» وأهالي المنطقة، وقد حوّلهم التنظيم إلى دروع بشرية على نحو ما كانت معارك الباغوز، التي أعلنت نهاية التنظيم في ربيع 2019. وقيل في حينها إن آلافاً من مدنيين كانوا محتجزين لدى التنظيم، قتلوا في معارك الباغوز، وكان ذلك تكراراً لما حدث خلال معارك تحرير مدينة الرقة من تنظيم «داعش» عام 2017، التي قتل فيها آلاف المدنيين، كان يحتجزهم «داعش» سجناء أو دروعاً بشرية في المدينة.
وإذا كانت معارك تحرير الشرق السوري، أدت إلى مقتل غالبية مقاتلي التنظيم، واعتقال من تبقى حياً، وخاصة المقاتلين الأجانب وقادة التنظيم الذين سلموا أنفسهم بدون معارك، والمشتبه بهم من المدنيين وإحالتهم إلى معتقلات التنظيم، فإن الأعداد القليلة من خلايا التنظيم النائمة، وفي ظل هزيمة التنظيم من جهة، والملاحقة المتواصلة من جهات متعددة، بمن فيهم أهالي ضحايا التنظيم، لا يمكن أن تساعد التنظيم على استعادة حضور «داعش» وعملياته في منطقة سيطرة خصومه إلا من خلال غضّ بصرهم، إن لم نقل بموافقتهم الضمنية، وهو أمر يشمل كل أطراف السيطرة العسكرية في الشرق السوري، ذلك أن ظهور «داعش» وشنّ عمليات وعمليات مضادة له في المنطقة، يلبي أهدافاً مشتركة لكل قوى السيطرة العسكرية، ولعل أهم وأول هذه الأهداف، سعي كل واحد من الأطراف إلى تشديد قبضته العسكرية في منطقة سيطرته تحسباً للمرحلة المقبلة، سواء شهدت صراعات محلية ميدانية، أو ذهبت الأطراف إلى توافقات أو تسويات سياسية، يعتمد فيها كل طرف على ما له من قوة سيطرة على الأرض، والهدف الثاني المشترك لقوى السيطرة، سعي كل منها إلى تأكيد موقفه، ليس فقط في استمرار حربه على الإرهاب، بل في محاربة «داعش» باعتباره موقفاً يخلق مشتركات بين قوى وأطراف، بينها اختلافات وصراعات في الموضوع السوري.
وثمة هدف ثالث مشترك لكل الأطراف، وهو استغلال موضوع «داعش» في المنطقة للتغطية على سياسات وإجراءات يتم القيام بها، ولا يريد أصحابها شيوعها والتفاعل معها، وليس هناك ما هو أكثر أهمية من موضوع «داعش» في إشغال الرأي العام، والتغطية على موضوعات مصنفة بأنها أقل أهمية، والأمثلة في هذا كثيرة، ولعل أبرزها أن دخول نظام الأسد على موضوع «داعش» في المنطقة، لا يؤكد وجوده فيها بما لها من أهمية وما فيها من ثروات، يتطلع النظام للمشاركة فيها أو وضع اليد عليها مجدداً، بل يتجاوز ذلك للقول إنه مشارك في الحرب على إرهاب «داعش» وهي نقطة تساهم في تقديمه للمجتمع الدولي، وإعادة التطبيع معه.
كما أن طرح موضوع «داعش» في المنطقة من شأنه التغطية على سياسات إيران وجهودها في دير الزور، والهادفة إلى تشييع سكان المنطقة، وتنظيمهم في ميليشيات، توفر سيطرة محلية لإيران، وتساعدها في السيطرة على معبر البوكمال مع العراق وامتداده في الطريق نحو العمق السوري سواء باتجاه دمشق أو باتجاه الساحل السوري، كما يغطي موضوع «داعش» على سياسات وممارسات «قوات سوريا الديمقراطية» في المنطقة، وخاصة موضوعين شديدي الأهمية؛ أولهما الحرب التي تشنها ضد العشائر العربية وعدد من شيوخها، والتي تربطها «قسد» بالحرب على «داعش»، بينما هي في الأصل جزء من تصادم السياسات بين العشائر العربية و«قسد»، التي تتابع سياسات عنصرية ومتطرفة ومتشددة رغم شعاراتها البراقة، ومنها الاستمرار في تجنيد الأطفال، وإصدار قرار إدارة أملاك الغائبين، الذي يعني الاستيلاء على ممتلكات سكان المنطقة المهجرين، وقد قوبل برفض واسع من كل الأطراف، بمن فيهم الأكراد، ما أجبر «قسد» على وقف تنفيذه.
إن أهمية حضور «داعش» في شرق سوريا، تبدو كبيرة وذات فائدة مشتركة ومتعددة النتائج لكل قوى السيطرة العسكرية هناك، ما يجعلها تسعى متشاركة لتثبيت «داعش» هناك، سواء عبر عودته أو استدعائه، خاصة في ظل مساعي أطراف محلية لإبراز تحالف سياسي جديد من أبناء المنطقة، يضم عرباً وأكراداً وآشوريين، تم تأسيسه مؤخراً باسم جبهة السلام والحرية، يمكن أن يساعد في تهدئة الصراعات المسلحة، ويشكل منافساً حقيقياً لـ«قسد» في المنطقة.
الشرق الأوسط
——————————
النظام السوري يحشد العشائر ضد القوات الأميركية و”قسد”/ عدنان أحمد
في إطار سعيه لكسب العشائر العربية في شرق الفرات إلى صفه، نظم النظام السوري مؤتمرا للعشائر العربية في شرق الفرات، اليوم الخميس، في مدينة حلب شمالي سورية، دعا في ختامه المشاركون إلى طرد “الاحتلال الأميركي وأعوانه من الأراضي السورية”.
وذكرت وكالة “سانا” الرسمية أن البيان الختامي لاجتماع “القبائل والعشائر السورية والنخب الوطنية الثالث” في حلب، حث على “دعم الانتفاضة والمقاومة الشعبية التي انطلقت في دير الزور وغيرها من المناطق السورية ضد المحتل ومرتزقته وأعوانه ومساندتها معنوياً ومادياً، حتى طرد المحتل وأعوانه من الأرض السورية”.
وأعرب المشاركون “عن رفضهم لأي وجود أجنبي غير شرعي على الأراضي السورية، ومحاربة المحتلين في الشمال والجزيرة بكل السبل المشروعة والمتاحة، حتى خروج آخر جندي محتل من سورية”.
ووفق “سانا”، فقد أكد البيان على “التمسك بالثوابت الوطنية التي لا حياد عنها مهما كلفت من تضحيات، وأن الجمهورية العربية السورية واحدة موحدة أرضاً وشعباً تحت العلم الوطني وقيادة الرئيس بشار الأسد”.
كما ندد المشاركون بما سمّته الوكالة “الاحتلال التركي” لـ”أجزاء من الأراضي السورية في الشمال والجزيرة”، مؤكدين أن “الثروات الطبيعية والاقتصادية هي ملك للشعب السوري كله، ولا يحق لفئة منه التصرف فيها، مثلما لا يحق لها التصرف في الأرض أو عقد اتفاقات بشأنها”.
من جهة أخرى، ذكرت “سانا” أن أهالي قرية الجسر بمنطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي شاركوا، اليوم، في مظاهرة احتجاجية على “الوجود غير الشرعي لقوات الاحتلال الأميركي وضد ممارسات مليشيا قسد بحق الأهالي”.
وفي الآونة الأخيرة، بات النظام السوري يشجع بصورة متزايدة على التظاهر والاحتجاج ضد القوات الأميركية وقوات “قسد”، فضلا عن اعتراض الدوريات الأميركية كما حدث قبل يومين في ريف القامشلي، مستغلا حالة الاحتقان الشعبي ضد “قسد” وممارساتها بحق الأهالي، مثل عمليات الاعتقال العشوائية وسوق الشبان للتجنيد في صفوفها، واستئثارها بالثروات النفطية وبالقيادة في مناطق ذات أغلبية عربية، مستقوية بالدعم الأميركي.
—————————-
احتجاجات «العشائر» في دير الزور مستمرة
ما يزال التوتر حاضراً منذ عدة شهور بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة، وبين أهالي وقيادات عشائرية في عددٍ من قرى وبلدات أرياف دير الزور الواقعة تحت سيطرة قسد. وتنوّعت أسباب التوتر، التي غالباً ما تفضي إلى تظاهرات أو إلى مناوشات مسلحة في بعض الأحيان، باختلاف الأحداث والأوضاع التي شهدتها المنطقة، وعلى رأسها حالات الاعتقال والتجاوزات والسرقة التي يقوم بها عناصر منخرطون في صفوف قوات سوريا الديمقراطية ضدّ الأهالي، فضلاً عن ما يعتبره أبناء المنطقة تهميشاً من قبل قسد لدورهم، وعدم إشراك أبناء المنطقة في إدارة مناطقهم، وملف النساء والأطفال من أبناء دير الزور المعتقلين في مخيمات تتبع لقسد في منطقة الجزيرة السورية؛ بذريعة أنهم «عوائل مقاتلين في تنظيم الدولة»، وصولاً إلى المناهج الدراسية التي فرضتها الإدارة الذاتية في المدارس، والتي اعتبر كثيرون من الأهالي أنها مسيئة أخلاقياً ولا تتّسق مع طبيعة المجتمع في المنطقة.
أمّا آخر فصول هذا التوتر، فقد جاءت على إثر اغتيال مطشّر حمود الهفل على يد مجهولين في الثاني من آب (أغسطس) الجاري، وهو أحد مشايخ قبيلة العگيدات التي يقيم عددٌ كبيرٌ من أبنائها في المناطق التي تسيطر عليها قسد من دير الزور. نجمَ عن حادثة الاغتيال أيضاً إصابة شيخٍ آخر من القبيلة كان بصحبة مطشّر، هو إبراهيم خليل عبود الهفل، شقيق شيخ مشايخ القبيلة المُقيم حالياً في قطر، والذي تم تنصيبه شيخاً لمشايخ القبيلة بعد أن توفي والده، غير أنّه لا يحظى بالتوافق نفسه الذي كان يحظى به والده. ونتيجة عدم وجوده في سوريا، فقد كلّف أخاه إبراهيم بشغل مكانه.
ليس هناك اتهاماتٌ معلنةٌ بوضوح صوب الجهة التي نفّذت عملية الاغتيال، غير أنّ قسماً من أبناء قبيلة العگيدات يُحمّلون قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي المسؤولية عنها؛ بحكم أنهم الجهات المسيطرة عسكرياً وأمنياً وإدارياً على المنطقة. وقد كان ذلك واضحاً في البيان الصادر عن القبيلة بتوقيع إبراهيم خليل الهفل عقب حادثة الاغتيال، والذي أمهل قوات التحالف مدة شهرٍ واحد أملاً في تنفيذ عددٍ من الشروط، من بينها التعامل مع التهديدات الأمنية وحوادث الاغتيال، وتسليم المنطقة لأبنائها وإطلاق سراح العوائل المعتقلة لدى قسد.
أما قسد، فهي تتّهم خلايا تتبع لتنظيم داعش، ما زالت عاملةً في المنطقة، بتنفيذ العملية، لا سيّما أنّ بياناً نُسب للتنظيم قبل ذلك، كان قد تبنّى عملية اغتيال سليمان الكسار نهاية شهر تموز(يونيو) الماضي، الذي كان المتحدّث باسم قبيلة العگيدات وممثّل عشيرة البكيّر في مجلس القبيلة. ويرى رياض درار، الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية، أنّ «أصابع لئيمة هي التي تؤجّج التوتر في المنطقة بغية الفتنة». وفي التصريحات التي أدلى بها درار على الموقع الرسمي للمجلس، فإن السبب في السعي إلى هذه الفتنة هو الصراع على النفط، ورداً على التوافق الكردي_الكردي الذي حصل في الآونة الأخيرة، وهذه الأطراف بحسب درار هي تشكيلات المعارضة المسلحة ومجلس العشائر المدعومين تركيّاً، بالإضافة إلى النظام السوري.
ويقول الصحفي فراس علاوي في حديثٍ للجمهورية إنّه، ورغم البيان الأخير الصادر عن إبراهيم الهفل وبعض شيوخ العگيدات، الذي طالبوا فيه التحالف الدولي برفع يد قسد عن دير الزور، فإنّ «شيوخ قبيلة العگيدات منقسمون فيما بينهم ومختلفو الولاءات، ورغم رفض قسمٍ منهم سيطرة قسد على المنطقة، إلا أنّ قسماً من أبناء العشيرة منخرطون في صفوف قسد، حتى أن قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل، المعروف باسم أبو خولة، هو من أبناء عشيرة البكيّر التي تنتمي إلى قبيلة العگيدات». من جانبه، يتفق الناشط سلامة الغرب مع فراس علاوي، ويضيف سبباً آخراً للانقسام هو أنّ «إبراهيم الهفل قريبٌ من النظام السوري، وعندما تعرّض لحادثة الاغتيال ذهب للعلاج في مدينة الميادين التي يسيطر عليها النظام. وبالنسبة لشقيقه مصعب المقيم في قطر، فإن جميع تصريحاته المتعلقة بالنظام حيادية، ولذلك فإنّ كثيرين من أبناء العگيدات الموالين للثورة ليسوا في صفّهم».
أما عن إمكانية أن تقبل قوات سوريا الديمقراطية بطرفٍ عربي يدير المنطقة عوضاً عنها، فيقول فراس علاوي «إنّ ذلك لا يناسب قسد، حتى أنها لا ترى في مجلس دير الزور العسكري التابع لها حليفاً موثوقاً لها بقدر ما تتعامل معه على أنه تابعٌ لا ينبغي أن يخرج على الخطوط المرسومة له، وهي لن تقبل بشريك عربي ذي وزن في المنطقة. ومن شأن أي طرف عربي يحاول الخروج عن استراتيجية قسد وخطوطها أن يلاقي نفس مصير مجلس ثوار الرقة، الذي قضت عليه قسد عندما أحسّت بخطورته».
ويرى علاوي أنّ «التحالف الدولي يأخذ الآن دور الوسيط بين العشائر وقوات سوريا الديمقراطية، وهو لن يسمح للأمور بأن تتأزّم في المنطقة بما يتسبّب بانعدام الاستقرار وخروج الأمور عن السيطرة، ولذا لا بدّ أنه سيفرض حلاً على جميع الأطراف». مضيفاً أنّ «العشائر تدرك جيداً أنه ليس بإمكانها مواجهة قسد عسكرياً، ولذلك ستقبل في نهاية الأمر بحلٍّ سلمي يجنّب المنطقة تصعيداً عسكرياً وعملياتٍ قتالية».
أما التوتّرات المستمرة، فقد امتدت خلال اليومين الفائتين إلى داخل قوات سوريا الديمقراطية بين المكونين العربي والكردي، وذلك على خلفية مشكلةٍ تتعلق بحادث سيارة وقع في قرية جديد بگارة، بحسب ما أفاد به للجمهورية الناشط سلامة الغرب المقيم في المنطقة، حيث حاول المدعو خليل الوحش، وهو نائب قائد مجلس دير الزور العسكري، التدخل لحلّه، ما تسبّب بخلافٍ مع دورية تتبع لقسد، تطوّر إلى تبادلٍ لإطلاق نار، الأمر الذي دفع المدعو لقمان، وهو أحد كوادر حزب العمال الكردستاني وقائد قوات الدفاع الذاتي في المنطقة، إلى استقدام تعزيزاتٍ من حقل العمر بهدف اعتقال خليل الوحش، لتتوسع بعدها الاشتباكات وتشمل قرى البريهة والصبحة والبصيرة.
عقب هذه الاشتباكات، طلب مظلوم عبدي الالتقاء ببعض وجوه العشائر في المنطقة، وبقيادة مجلس دير الزور العسكري، وكذلك مجلس دير الزور المدني الذي يديره غسان اليوسف، وذلك بهدف تهدئة الأمور. وقد تعهّد عبدي، بحسب أحد الذين حضروا الاجتماع وفضّل عدم الكشف عن هويته، بأخذ مطالب الأهالي على محمل الجد، وإشراك العشائر وأبناء المنطقة في إدارة شؤونها. ولكنّ المصدر أوضح للجمهورية أنّ إبراهيم خليل الهفل كان واحداً من الشخصيات التي دُعيت، غير أنه رفض الحضور إلى حقل العمر والالتقاء بمظلوم عبدي.
لا يبدو حتى الآن أنّ المنطقة يمكن أن تشهد حلاً قريباً ينهي حالة التوتر، لا سيما في ظل حالة الشد والجذب وتعارض المصالح والأجندات داخل صفوف القبائل ولدى القوى الموجودة في المنطقة، أو الساعية لتشكيل حضور من نوعٍ ما عبر استمالة الأهالي والزعامات العشائرية. لكنّ مجريات الأمور حالياً تشي بأنّ المنطقة ستبقى عرضةً لتوترٍ أكبر، طالما أنّ قسد لا تريد شراكةً حقيقيةً في السلطة على هذه المناطق.
موقع الجمهورية
———————
العكيدات”.. في حقل ألغام السياسة/ ورد فراتي
فتح مقتل الشيخ مطشر الهفل، أحد وجهاء قبيلة “العكيدات” في منطقة الجزيرة والفرات مطلع شهر آب/اغسطس الجاري، الباب مجدداً للحديث عن دور العشائر على الساحة السورية، حيث تعتبر “العكيدات” أحد أهم العشائر وأكبرها.
ومنذ سيطرة قوات سوريا الديموقراطية، مدعومة من قوات التحالف الدولي على أجزاء واسعة من محافظة ديرالزور أواخر العام 2017، والمنطقة تشهد تغيراً ملحوظاً في دور العكيدات، العشيرة التي انتقلت من كونها مجرد انتماء صوري خلال العقود الماضية، إلى مؤسسة مجتمعية تتمتع ببنية أولية تضم قيادة تتشكل من وجهائها ومشيختها التقليدية.
وقد شكلت مساعي الشيخ “جميل رشيد الهفل” (الستيني) للمنافسة على مشيخة العشيرة، العامل الأبرز في تنظيم دورها الحركي مؤخراً، حيث عمل من مضافته في قرية مويلح التابعة لناحية الصور على تشكيل بنية تمثيلية يتزعمها هو، مستثمراً ومستجيباً لحركة الاحتجاجات التي شهدتها المنطقة بدايات عام 2019، والتي تعاملت معها قوات “قسد” بحملة اعتقالات، استضاف على إثرها اجتماعاً لوجهاء العشيرة في مضافته في نيسان/أبريل من العام نفسه، طالبوا فيه بالإفراج السريع عن المعتقلين، مهددين بسحب أبناء العشائر المنضمين إلى قوات “قسد” في حال عدم الاستجابة.
توالت بعدها الاجتماعات التي نظمها “جميل الهفل” لحشد العشيرة عند كل حدث أو تطور تشهده منطقة الجزيرة، حتى وصلت هذه المساعي ذروتها في تشرين الأول/أكتوبر 2019، بعد تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن سحب قوات بلاده من سوريا، واجتماعات “قسد” آنذاك مع القوات الروسية كبديل محتمل للوصاية على المنطقة في حال انسحاب الولايات المتحدة، حيث عقد جميل الهفل اجتماعاً في مضافته لعدد من وجهاء العكيدات، لمناقشة التطورات التي تحدث في المنطقة، واتخاذ موقف موحد تجاهها.
كان هذا الاجتماع نقطة فارقة في الحراك العشائري في المنطقة، فقد كانت المرة الأولى التي تبرز فيها مسميات كهذه، مؤذنة بتشكل ملامح بنى تنظيمية داخل العشيرة، تمكنها من حراك سياسي أكثر فعالية.
والحقيقة أن حراك جميل الهفل كان تحدياً للمشيخة الرسمية للعشيرة التي آلت إلى الشيخ الشاب مصعب خليل عبود جدعان الهفل الذي يقطن في قطر بعد وفاة والده عام 2016، من دون أن يصرح جميل الهفل بموقفه من تنصيب مصعب شيخاً للعشيرة، والذي يبدو أنه لم يكن موافقاً عليه، حيث كان يرى نفسه أحقّ منه بزعامة العشيرة.
كما كان مصعب قد بدأ يتوجس خيفة من الدور المتنامي لجميل الهفل، لذلك وبعد استضافة الأخير وجهاء العشائر للمطالبة بالمعتقلين؛ عيّن مصعب الهفل أخاه ابراهيم، الذي يقيم في بلدة ذيبان، شيخاً بالإنابة عنه، ونفى في تسجيل مصور أن يكون لشيخ العشيرة ممثل آخر غيره.
تزايدت منذ بدايات العام 2019 انتهاكات قوات “قسد” بحق المجتمعات المحلية في ريف ديرالزور على الضفة اليسرى لنهر الفرات، بحجج عدة أبرزها ضرب خلايا تنظيم “داعش”، وتزايدت معها احتجاجات أبناء المنطقة، وهو ما دفع قوات التحالف للاهتمام بالقيادات المجتمعية التي برزت في هذه الاحتجاجات، متمثلة بشيوخ العشائر ووجهائها، لتعقد عدداً من الاجتماعات التنسيقية معهم استجابة لمطالبهم.
أبرز هذه الاجتماعات ذلك الذي استضافه حقل العمر النفطي أواسط العام 2019، إثر بيان أصدره وجهاء العكيدات رداً على مجزرة ارتكبتها “قسد” والتحالف في قرية الشحيل، حيث اجتمع وفد أميركي ضم المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جيمس جيفري ومسؤولين دبلوماسيين وعسكريين أميركيين مع مسؤولَي الإدارة المدنية المشتركة في ديرالزور، ومع ممثلين عن عشائر البكارة وجميل الهفل عن عشيرة العكيدات.
هذا الاهتمام المتزايد بدور جميل الهفل لم يكن يشكل قلقاً بالنسبة للمشيخة الرسمية لعشيرة العكيدات فقط، بل ولقوات “قسد” التي دفعت عدداً من وجهاء عشيرة العكيدات في الحسكة لإصدار بيان في كانون الأول/ديسمبر عام 2019، يعلنون فيه تأييدهم لقوات “قسد”، رداً على تحركات جميل الهفل، إلا أن هذا البيان لم يغير شيئاً من واقع الحال.
شيئاً فشيئاً كان دور “جميل الهفل” في المنطقة كشيخ للعشيرة يطغى على دور مصعب الهفل وأخيه إبراهيم، ليس شعبياً فقط، بل ومن ناحية اهتمام قوات التحالف بالوجهاء العشائريين، حتى جاءت حادثة اغتيال الشيخ مطشر الهفل في 2 آب، والذي يُعتبر من وجهاء مضافة ذيبان وبيت المشيخة الرسمي، حيث أصيب في الحادثة نفسها نائب شيخ العشيرة إبراهيم الهفل، لتشتعل المنطقة باحتجاجات واسعة وصلت حد التهديد بحرب مفتوحة ضد “قسد”، التي اتهمها أبناء العشيرة بالوقوف وراء الحادثة.
ردّت الأخيرة بحصار بلدات ذيبان والشحيل والحوايج وقرى أخرى، مع فرض حظر تجوّل فيها، وليأتي بيان عشيرة العكيدات رداً على هذه الحادثة وما تلاها، مطالباً قوات التحالف بفحوى البيانات السابقة التي كان يتلوها جميل الهفل، المتمثلة بتسليم إدارة المنطقة لأصحابها، على أن يأخذ المكون العربي دوره الكامل، بعيدًا عن أي وصاية أو نفوذ.
لم يحضر جميل الهفل الاجتماع الذي صدر عنه بيان العشيرة في بلدة ذيبان، لكنه قام بإصدار توضيح أكد فيه تأييده ما جاء في البيان، وعزا عدم قدرته على التواجد في الاجتماع إلى سوء الأوضاع الأمنية.
لا يبدو أن الأيام القادمة ستحمل أي جديد في ما يخص حالة التنافس على مشيخة العكيدات بين المضافتين، لكنها وبكل تأكيد ستشهد تنامي دور المشيخة الرسمية خاصة مع حالة التجاوب الشعبية مع بيانها الأخير، بينما يبقى السؤال الأهم هو ما إذا كان هذا الحرك مقدمة لعودة العشيرة إلى الفاعلية الاجتماعية والسياسية في سوريا.
المدن
———————————-
——————————————
الجزيرة السورية بين الحلم الكردي والرفض العربي/ سليمان يوسف يوسف
الجزيرة السورية، أو ما بات يعرف بـ(منطقة شرق الفرات)،الخاضعة لسيطرة ما تسمى بـ” قوات سوريا الديمقراطية – قسد) المقادة كردياً والمدعومة أمريكياً، شهدت في الأشهر الماضية مظاهرات احتجاجية تطورت الى (مواجهات دامية) بين مسلحي (قسد) و(أبناء العشائر العربية) المستائين من سياسة التهميش و تردي الوضع المعيشي والخدمي والأمني في مناطقهم وسوق الشباب بالقوة للتجنيد والقتال في صفوف قسد واستبدال (مناهج التعليم) الحكومية، بمناهج “الادارة الذاتية ” الكردية، الغير معترف بها وبمناهجها ، التي تروج لـ(المشروع الكردي) من خلال إدراج خريطة ما تسمى بـ”كردستان الكبرى” تضم مناطق واسعة من سوريا. اغتيال مشايخ عرب في ريف ديرالزور الشرقي، زاد الوضع توتراً واحتقاناً. وجهاء العشائر، في بيانٍ لهم، حملوا (المحتل الأمريكي) و(قوات سوريا الديمقراطية – قسد) مسؤولية اغتيال مشايخهم والفوضى الأمنية . طالبوا بتشكيل (لجنة) تحقيق لمعرفة الجناة وتسليمهم للعدالة، وتسليم إدارة منطقة دير الزور إلى “أصحابها” العرب . في حين اتهمت قيادة (قسد)، النظام السوري وخلايا (داعش)، بالوقوف خلف عملية اغتيال المشايخ و استهداف مقاتلي قسد، بقصد إثارة الفتن والفوضى في المنطقة .
دخول النظام السوري وحلفاءه على خط النزاع ودعمهم لتشكيل (جناح عسكري) للقبائل، توكل اليه مهمة مقاومة (المحتل الأمريكي) و(قسد) ، دفع بالقائد العام لقسد (مظلوم عبدي) لتكثيف لقاءاته مع وجهاء ومشايخ القبائل والعشائر العربية، والحديث عن مرحلة جديدة من الانفتاح والعمل الجاد على تلبية احتياجات سكان المنطقة وضبط (الوضع الأمني) . في ذات السياق (إلهام أحمد)، القيادية في (مجلس سوريا الديمقراطية – مسد)- الجناح السياسي لقسد – قالت ” إن الحوار الداخلي بين أبناء ومكونات المنطقة بات أمراً عاجلاً وضرورياً لتعزيز دور الإدارة وتقويتها، بعد توجيه انتقادات حول أدائها ومناشدات بتطويرها “. إلهام ، تحدثت عن الحاجة ” لتوسيع الإدارة الذاتية وتطويرها ووضع ميثاق وطني جديد ” .
وقفة العشائر العربية بوجه قسد وداعمها (المحتل الأمريكي) ورفضها لما يمارس بحقها من تهميش وإقصاء ، جعل (حزب الاتحاد الديمقراطي)، له تتبع (قسد ومسد) ، يستشعر خطر التمرد العربي ويدرك باستحالة تجاوز (المكون العربي) في تقرير مصير ومستقبل منطقة الجزيرة ، حيث يشكل العرب الغالبية الساحقة من سكانها . لكن، من غير المعروف ، فيما إذا كانت وعود قادة (قسد ومسد) هي مقاربة جديدة وجدية للحالة العربية وللوضع في الجزيرة السورية عموماً ؟؟ . أم إنها مجرد (تكتيك و مناورة ) لاحتواء غضب الشارع العربي ولاستمالة العشائر العربية الى جانبها لتمرير (الاتفاق النفطي) الذي وقعه القائد العام لقسد (مظلوم عبدي) مع (شركة نفطية أمريكية) لتطوير واستثمار حقول (النفط والغاز) في المناطق الخاضعة لسيطرة قسد ؟؟. تراجع ترامب عن قرار سحب قواته من سوريا، مع فرض(حظر جوي) غير معلن على الطيران الحربي السوري في منطقة (شرق الفرات)، فتح شهية أكراد الجزيرة على ما يرفضه عربها وآشورييها وبقية مكوناتها. بمعنى آخر، تعزيز أمريكا لوجودها العسكري في سوريا وربط رحيلها بالحل السياسي للأزمة السورية ووفق شروطها ، دفع الأكراد للتشدد بموقفهم ورفع سقف مطالبهم وأحلامهم وصولاً الى مطلب (الانفصال) ، وفق ما جاء في (وثيقة التفاهم) بين ما تسمى بـ(احزاب الوحدة الوطنية) بزعامة الاتحاد الديمقراطي وأحزاب (المجلس الوطني الكردي) ” منح الأكراد السوريين جميع حقوقهم القومية ، بما فيها حق تقرير المصير”. هل من تفسير لـ”حق تقرير المصير” سوى ” الانفصال” ؟؟. رغم الشكوك بالنوايا الأمريكية تجاه المستقبل السياسي للأكراد ورغم تواطؤ (إدارة ترامب) مع تركيا في عدوانها واحتلالها لكثير من المناطق السورية الحدودية كانت بيد الأكراد، عاد(حزب الاتحاد الديمقراطي)، من جديد ووضع جميع بيضاته في (السلة) الأمريكية. أكراد البيدا يتأملون من (صفقة/ الاتفاق النفطي) ، أن تكون خطوة و مقدمة لاعتراف (سياسي) أمريكي بإدارتهم الذاتية، التي باتت (دويلة) داخل (الدولة السورية) بفضل الحماية الأمريكية.
يبقى اللافت في المشهد الكردي، أن (أكراد البيدا) ليسوا على (قلب رجل واحد) فيما يخص العلاقة مع الأمريكان والموقف من النظام السوري. الاتفاق النفطي الذي وقعه (عبدي) مع (شركة نفطية) أمريكية، والذي جاء مخالفاً لكل القوانين والأعراف الوطنية والدولية، كشف عن وجود (خلاف عميق) بين قيادة (حزب العمال الكردستاني – pkk ) ، وبعض قيادات فرعه السوري( حزب الاتحاد الديمقراطي- pyd ) . الرئيس المشترك لـ(منظومة المجتمع الكردستاني) (جميل بايق) ،القائد الفعلي لـ(حزب العمال الكردستاني)، وفق مصادر كردية، في مقابلة له مع فضائية (ستيرك) التابعة للحزب، أعلن عن رفضه للاتفاق النفطي . قال : ” الاتفاقية غير قانونية، ومن حق الحكومة السورية رفضها ” . موقف بايق يأتي متوافقاً مع موقف الحكومة السورية، ولا يخلو من رفضٍ وتحدي لـ(السياسة الأميركية) في سوريا . وفق ذات المصادر الكردية،(مظلوم عبدي)، القائد العام لـ (قسد)، بتشجيع أمريكي، يسعى للانفصال عن حزب “العمال الكردستاني”- المصنّف على لوائح الارهاب الأمريكية – الأوربية – ليصبح(عبدي مع قواته) جزءاَ من المشهد السوري، بشقيه العسكري والسياسي. لهذا من غير المستبعد أن تقوم قيادة (pkk) بعزل(عبدي)، قبل أن يستكمل خطواته الانشقاقية عن الحزب، الذي نشأ وترعرع في مدارسه (الفكرية والسياسية والعسكرية).
ما يحصل في الجزيرة السورية لا يمكن فصل أو عزله عن صراع القوى (الاقليمية والدولية) الفاعلة في الأزمة السورية، خاصة تلك المحتلة لأجزاء من سوريا. في إطار هذا الصراع يمكن إدراج تشكيل ما سمي بـ ( جبهة السلام والحرية)، التي اعلن عنها يوم 28 تموز الماضي ، تضم كل من ( المجلس الوطني الكردي – تيار الغد السوري – المنظمة الآشورية الديمقراطية – المجلس القومي العربي لأبناء الجزيرة والفرات). تشكيل هذه الجبهة، يندرج في اطار محاولات تركية ،قديمة جديدة، لإيجاد تكتل (سياسي- عسكري)، مرتبط بها، يوازي وينافس تكتل (قوات سوريا الديمقراطية – قسد )، التي تقودها وتهمين عليها ما تسمى بـ”قوات حماية الشعب الكردية”، الذراع العسكري لـ (حزب الاتحاد الديمقراطي) ، تعتبره تركيا “منظمة ارهابية” والذراع السوري لعدوها الداخلي( حزب العمال الكردستاني). طبعاً، لأكثر من سبب وسبب ، لا يمكن لجبهة (السلام والحرية) أن تنافس أو تزاحم قسد في ميدانها ، وأن تحقق الغاية التي وجدت من أجلها.
الآشوريون (سرياناً كلداناً) يشكلون المكون الثالث بعد العرب والأكراد في الجزيرة السورية. ليس سهلاً عليهم أن يجدوا اليوم أنفسهم ضحية صراع (عربي – كردي) على (الجزء السوري) من موطنهم التاريخي(بلاد ما بين النهرين). رغم تراجع وانحسار الوجود الآشوري، كان يمكن للآشوريين أن يشكلوا رقماً فاعلاً ومؤثراً في مسار الصراع وفي تقرير مصير ومستقبل جزيرتهم. لكن للأسف اصطفافاتهم الغير مدروسة والغير محسوبة ، انقساماتهم وتشرذمهم السياسي، بين النظام و المعارضة وسلطة الأمر الواقع الكردية وبقية الأطراف والقوى السورية، جعلتهم تابعين عاجزين (مسلوبي الارادة والقرار) و خارج (اللعبة السياسية) التي تدار في المنطقة. كان يمكن للآشوريين أن يحافظوا على استقلالية قرارهم ، لو توحدت قواهم وأحزابهم ومنظماتهم وتجمعاتهم وفعالياتهم القومية والسياسية في مقاربتها للأزمة السورية وتبنت خطاب(وطني – قومي) موحد، بعيداً عن الاصطفافات والتكتلات، خاصة العسكرية منها، مستقلاً عن خطاب السلطة والمعارضة. كان المنتظر والمفيد (خطاب آشوري) يتمحور حول المسالة الوطنية السورية وحول قضية الآشوريين السوريين وحقوقهم المشروعة. للأسف، هذا لم يحصل . بقيت الأحزاب والتنظيمات السريانية الآشورية، مفصولة عن الواقع الآشوري ، أسيرة مصالحها الحزبية الضيقة. بالنسبة للمجتمع الآشوري ، الغير متحزب، فقد ثقته بالجميع . بالسلطة والمعارضة ، بالقوى العربية و الكردية والسريانية الآشورية. مع انسداد أفق (البديل الوطني الديمقراطي الليبرالي) في سوريا ، تبقى خيارات آشوريي ومسيحيي الجزيرة السورية محدودة ، أحلاهما مر . إذا ما خرجوا من تحت (الاستبداد العربي) ، ينتظرهم (الاستبداد الكردي).
. باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
ايلاف
———————————–
الشمال السوري… من لم يمت بالقصف مات بكورونا!/ كارثة قادمة.. هل يمكن احتواؤها؟/ أحمد عبيد
كيف وصل الفيروس إلى هذه المنطقة المعزولة بفعل واقعها العسكري؟ وكيف انتشر بين قاطني المنطقة بشكل تدريجي؟ ما هي الإجراءات التي اتخذتها السلطات الحاكمة للتصدي للفيروس؟ ما هي القدرة الطبية في المنطقة للمواجهة؟ كيف ساهمت منظمات المجتمع المدني في مواجهة الفيروس؟ وكيف أثّر انتشاره على الأهالي اقتصادياً واجتماعياً؟ هذه الأسئلة وغيرها، يحاول هذا التحقيق الإجابة عنها.
“عملية تطبيق التوصيات للوقاية من الفيروس أمر شبه مستحيل في ظل انعدام أدنى مقومات الحياة الكريمة في المنطقة، فكيف نستطيع تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي في خيمة يقطنها 15 شخصاً بسبب عدم وجود مكان آخر يلجؤون إليه؟”. هذا ما يقوله لحكاية ما انحكت نقيب الأطباء الأحرار في الشمال السوري الطبيب وليد التامر، واصفا أحوال المخيمات في الشمال السوري بعد انتشار كورونا، حيث لم يفلح “العزل” الذي يعيشه قاطني الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، بحمايتهم من انتشار فيروس كورونا فيما بينهم، رغم انقطاعهم عن معظم دول العالم منذ سنوات.
فما إن مرّت أشهر قليلة على إعلان الإصابة الأولى بفيروس كورونا، وبدأ بالاقتراب إلى حدود المنطقة شيئاً فشيئا، حتى أعلنت السلطات الصحية في محافظة إدلب، تسجيل الإصابة الأولى بالفيروس (9 تموز ٢٠٢٠)، فكيف وصل الفيروس إلى هذه المنطقة المعزولة بفعل واقعها العسكري؟ وكيف انتشر بين قاطني المنطقة بشكل تدريجي؟ ما هي الإجراءات التي اتخذتها السلطات الحاكمة للتصدي للفيروس؟ ما هي القدرة الطبية في المنطقة للمواجهة؟ كيف ساهمت منظمات المجتمع المدني في مواجهة الفيروس؟ وكيف أثّر انتشاره على الأهالي اقتصادياً واجتماعياً؟ أسئلة يعالجها هذا التحقيق الذي أعدته حكاية ما انحكت من مناطق سيطرة فصائل المعارضة شمالي غرب سوريا.
كيف وصل الفيروس إلى إدلب؟
أعلنت الحكومة السورية المؤقتة، في التاسع من تموز 2020، تسجيل أول إصابة بفيروس كورونا المستجد في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمال غربي سوريا، وكانت قادمة من الأراضي التركية عبر معبر باب الهوى الحدودي، على عكس ما كان يتوّقعه الأهالي بوصول الفيروس إلى مناطقهم عبر المعابر التجارية مع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري في ريفي حلب وإدلب.
وأصدرت “وحدة تنسيق الدعم” العاملة في مناطق سيطرة المعارضة، بياناً قالت فيه إن الإصابة الأولى في الشمال السوري، سُجلت لطبيب يعمل في مستشفى باب الهوى، كان قد دخل إلى الأراضي السورية في الخامس والعشرين من حزيران 2020.
وأشارت وحدة تنسيق الدعم في بيانها إلى أن الطبيب المصاب، والبالغ من العمر 39 عاماً، خضع للحجر الصحي في المشفى العامل فيه فور ظهور أعراض الإصابة بالفيروس عليه، مؤكدةً أنّ جميع الأطباء والمراجعين المخالطين للطبيب المصاب، أجري لهم اختبارات الكشف عن الإصابة، وأنها تتبع الحالة الصحية للأطباء المخالطين بانتظام.
وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة “مرام الشيخ” قال في تغريدة عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” آنذاك: “يؤسفنا اليوم أن نعلن عن تسجيل أول حالة إيجابية لفيروس كورونا، لأحد الكوادر الصحة العاملة في أحد مشافي إدلب”، مضيفاً: “تم إغلاق المشفى وإغلاق السكن الخاص بالمشفى وتتبع المخالطين، وأخذ مسحات منهم وحجرهم، والدعوة لاجتماع طارئ لخلية الأزمة لتفعيل خطة الطوارئ”.
سرمين أولى المناطق المعزولة، والكوادر الطبية أوائل المصابين!
بلغت حصيلة المصابين بفيروس كورونا في مناطق سيطرة فصائل المعارضة، لغاية الثالث عشر من آب/ أغسطس، خمس وستين إصابة، بينها اثنتي عشر حالة نشطة، واثنتي وخمسين حالة تماثلت للشفاء، وحالة وفاة واحدة، في حين بلغ عدد المسحات التي أجريت لقاطني المنطقة خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعين مسحة، وفقاً لبيان مختبر الترصد الوبائي التابع لبرنامج شبكة الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة في وحدة تنسيق الدعم.
وتوزعت الإصابات بفيروس كورونا في محافظتي حلب وإدلب حتى تاريخ العشرين من آب/ أغسطس، بحسب الخريطة التي نشرتها وحدة تنسيق الدعم، على مدن إعزاز والباب وعفرين وجرابلس بريف حلب الشمالي، ومدينتي إدلب وحارم وبلدة جبل سمعان بريف إدلب.
مدينة سرمين في ريف إدلب، سجّلت أولى المناطق التي تخضع للعزل الكامل منذ الإعلان عن الإصابة الأولى بفيروس كورونا في الشمال السوري، بعد إعلان مخبر الترصد الوبائي عن دخول سلالة خطيرة من الفيروس إلى المحافظة، في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو، بعد اكتشاف إصابة في المدينة تعود لسيدة سورية دخلت سرمين قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري في مدينة حلب، بطريقة غير شرعية.
مسؤول العلاقات العامة في وزارة الداخلية التابعة لحكومة الإنقاذ في إدلب، “أحمد الخضر” أوضح أن قرار عزل مدينة سرمين جاء بعد الكشف عن إصابة دخلت المدينة قادمة من مناطق سيطرة النظام في حلب، عبر مدينة عفرين بريف حلب الشمالي.
وأضاف الخضر: “تأكّدت وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ من مخالطة السيدة المصابة لأكثر من مئة شخص من سكان المدينة منذ وصولها، ما دفع الصحة لفرض الحجر الصحي الكامل عليها، ريثما يتم تعافي المصابين والتأكد من سلامة الآخرين”.
في اليوم السادس لعزل المدينة الكامل، أعلن المجلس المحلي في سرمين، في الأول من آب/ أغسطس عن افتتاح معبرين للمدينة بهدف تخفيف الحجر الصحي عنها، الأول من الجهة الشمالية والثاني من الجهة الشرقية، محدداً ساعات عمل المعبرين بين التاسعة صباحاً والتاسعة مساءً.
رئيس المجلس المحلي في مدينة سرمين، علي طقش، قال إن قرار تخفيف الحجر تزامن مع سلسلة إجراءات اتخذها المجلس، كتثبيت نقطة للتعقيم، وأخرى لفحص حرارة المارّة، إضافة لمراقبة الأعراض التي تظهر على الأهالي، مؤكداً أن حركة الدخول والخروج ستبقى محظورة على كبار السن الذين تجاوزوا الستين من عمرهم، بحسب ما نقله موقع تلفزيون سوريا.
وبيّن رئيس المجلس المحلي في منشور عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إن القرار جاء نتيجة التشاور بين المجلس ووزارة الصحة والمعنيين في سرمين، مستنداً إلى نتائج المسحات الأخيرة التي أكّدت سلامة المخالطين، مشيراً إلى أن فتح الطرقات وإلغاء الحظر الكامل يتوقف على مدى التزام السكان بقواعد السلامة وعدم ظهور حالات جديدة.
وعاد المجلس المحلي في الرابع من آب/ أغسطس، لنشر بيان عبر صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أعلن فيه بدء رفع الحجر الصحي عن المدينة تدريجياً، بعد تعافي المصابين من الفيروس، وذلك عقب التشاور مع وزارة الصحة في حكومة الإنقاذ، مطالباً الأهالي بإبلاغ منظومة الإنذار المبكر أو المشفى حال ظهور أي من أعراض الإصابة على أحد منهم، لا سيما المخالطين.
بعد يومين على رفع العزل عن مدينة سرمين، تناقل ناشطون أنباء تُفيد بتسجيل إصابة جديدة لسيدة في بلدة أرمناز بريف إدلب الشمالي، في السابع من آب/ أغسطس، كانت قادمة من مناطق سيطرة النظام السوري بدمشق.
ومن جهتها، أعلنت إدارة مشفى أرمناز عن إغلاق المشفى وفرض الحجر الصحي المؤقت على كادره الطبي، بعد مراجعة السيدة المصابة إلى المشفى، ومخالطة الكادر الطبي فيه، إضافة لحجر ستة من أفراد عائلتها.
وقال مدير مشفى أرمناز، الطبيب، أيمن العموري، إن العمل في المشفى توقف للحالات الباردة فقط، مؤكداً أن استقبال الحالات الإسعافية لا يزال مستمراً، إضافة لعزل الكادر المخالط لسيدة قادمة من دمشق، كانت تُعاني من أعراض ذات الرئة.
كيف استعدت السلطات الحاكمة في الشمال لمواجهة الفيروس؟
كغيرها من بلدان العالم التي اتخذت سلسلة من الإجراءات الوقائية والاحترازية للتصدي لفيروس كورونا، أطلقت الحكومة السورية المؤقتة، جملة من الإجراءات التي من شأنها الحفاظ على سلامة قاطني المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري شمالي غرب البلاد، مع اقتراب الفيروس من حدودها.
وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة المعارضة، مرام الشيخ، قال لـ “حكاية ما انحكت”: “اتخذنا في وزارة الصحة، جملة من القرارات التي من شأنها الحرص على عدم وصول الفيروس إلى المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمالي سوريا في الدرجة الأولى، وأخرى هدفها تحقيق التباعد الاجتماعي بين الأهالي، والحفاظ على سلامتهم قدر الإمكان”.
وأضاف الشيخ: “القرار الأول صدر عن الحكومة المؤقتة بتاريخ السابع عشر من آذار/ مارس 2020، وقضى بإغلاق ثلاثة معابر مع مناطق سيطرة النظام السوري، وهي معابر “الحمران وعون الدادات، وأبو الزندين”، وتبعه توجيهات بعدم التساهل مع أي عملية تهريب، سواء أكانت للأشخاص أو البضائع، ولا تزال المعابر مغلقة حتى اليوم”.
وتابع وزير الصحة: “بما يخص المعابر الحدودية مع تركيا، فقد اتخذنا كافة الإجراءات والتدابير الاحترازية لمنع انتقال الفيروس إلى الشمال السوري، تجسدت بالأساليب الوقائية المشددة، وذلك بالتنسيق مع إدارات المعابر الحدودية”.
وبيّن الشيخ أن الحكومة السورية المؤقتة أصدرت قراراً آخراً بتاريخ السادس عشر من نيسان/ إبريل، وعمّمته على كافة الجهات الحكومية التابعة لها، نصّ على إيقاف حركة العبور للأشخاص والمركبات بين مدن وبلدات المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، إضافة لمنع تجوّل من هم دون عمر الثانية عشر، وفوق الخمسة وستين عاماً، مشيراً إلى أنّ القرار لم يهدف إلى عزل المناطق، إنما كانت الغاية منه تطبيق سياسة التباعد الاجتماعي.
وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة أتبعت قراراتها بخطوات برزت في تشكيل خلية أطلقت عليها اسم “خلية الأزمة”، لتعمل بمهام شبيهة بتلك التي كُلف بها الفريق الحكومي المختص باتخاذ الإجراءات الخاصة بالتصدي لفيروس كورونا في مناطق سيطرة النظام السوري، إلى جانب الحملات التوعوية التي قدمت من خلالها نصائح إرشادية يومية باللغتين العربية والإنجليزية، من خلال المقاطع المرئية والصور والإنفوغراف الدوري، بحسب قول وزير الصحة لنا.
وأشار الوزير إلى أن وزارته دعمت أربعة مشافي يحتوي كل منها على خمسة وعشرين سريراً، وثمانية مراكز حجر صحي، يبلغ عدد الأسرة الإجمالي فيهم ثلاثمائة وثلاثين سريراً، إضافة لتأمين سبعين جهاز تنفس اصطناعي موزعين على جميع المراكز.
وعن الالتزام بالقرارات الصادرة، قال الشيخ إن الشرطة المحلية في ريف حلب، أخذت على عاتقها متابعة تطبيق القرارات الصادرة عن الوزارة بالتعاون مع مديرية صحة حلب، في حين توّلت مديرية الصحة في إدلب التابعة للوزارة مسؤولية تطبيق القرارات.
استجابة ناقصة!
ولكن من جهة أخرى، إن نقيب الأطباء الأحرار في إدلب، الطبيب وليد التامر، رأى أن الاستجابة لقرارات إغلاق المعابر مع مناطق سيطرة النظام السوري ناقصة جداً، وأن خاصرة المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة تعتبر رخوة للغاية.
يقول نقيب الأطباء لـ “حكاية ما انحكت”: “تُشكّل المعابر بين الشمال السوري ومناطق سيطرة النظام السوري، الخطر الأكبر على المنطقة، وبات الالتزام بإغلاقها بشكل نهائي حاجة ملحة لمنع انتقال العدوى إلى مناطقنا، لا سيما أن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام باتت موبوءة بحسب التقارير الصادرة عن الوسائل الإعلام المحلية والعالمية”.
ويتابع التامر: “صدرت عدّة توصيات بهذا الخصوص، لتفادي كارثة طبية في حال انتقال العدوى، لا سيما وأنّ بعض المعلومات تتحدث عن عدم التزام سائقي الشاحنات بالإجراءات الطبية”.
ومن جهته، رأى مدير فريق منسقو الاستجابة الطارئة في إدلب، المهندس محمد حلّاج، أن إجراءات الاستجابة للقرارات على مستوى المؤسسات كانت جيدة حيث علقت مديرية التربية الدوام بشكل كامل لفترة معينة، الأمر الذي التزمت به أيضاً مديرية الصحة التي أقامت خيماً للعزل، وأخرى للفحص والتقييم الأولي، فضلاً عن اتخاذ أعلى درجات الحيطة في المشافي بشكل كامل، فيما لم يظهر المجتمع تجاوباً كبيراً بسبب عدم تنبه الناس لخطورة الفيروس.
وأضاف حلّاج في حديثه لـ “حكاية ما انحكت”: “افتتحت المنظمات الطبية مشاف خاصة، وخيم لعزل المصابين (أربعة مشافي خاصة، يحتوي كل منهم على أسرة يتراوح عددها بين عشرة إلى خمسة عشر سرير، ومخيمين للعزل يضم كل منهما قرابة الخمسين خيمة، كل منها تحوي سريرين)، ولكن القطاع الطبي يعاني من هشاشة كبيرة نتيجة استهداف المشافي بالقصف، وخروج عدد كبير منها عن الخدمة، وخسارة المناطق التي كانت تتواجد فيها مشاف تصلح لتقديم الخدمات الطبية، ما زاد مهمة مواجهة الفيروس صعوبة في المنطقة”.
تجهيزات طبية
تحاول المنظومة الطبية في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة شمالي غرب سوريا، مواجهة خطر تفشي فيروس كورونا، والاستجابة لاحتياجات قاطني المنطقة الطبية، وسط ظروف سيئة جداً نتجت عن الحملة العسكرية الأخيرة التي شنّها النظام السوري وحلفاؤه على ريف إدلب الجنوبي، وما نتج عنها من نزوح قرابة المليون ومائتي ألف شخصاً، وخروج أكثر من سبعين منشأة طبية عن الخدمة، منذ نيسان/ إبريل 2019 وحتى اليوم.
يقول منسق الصحة العامة في مديرية صحة إدلب، الطبيب عبد الحكيم رمضان: “تضم محافظة إدلب قرابة الأربعين مستشفى قيد العمل، لكنها جميعاً تحت معايير أسفير الإنسانية بكثير، وبعدد أسرة يقسم بنسبة سرير واحد لكل ألف وخمسمئة واثنين وتسعين مدنياً”.
ويُضيف رمضان في حديثه لـ “حكاية ما انحكت”: “خصّصت مديرية الصحة ستة مشافٍ للاستجابة للحالات الحرجة والخطيرة من المصابين بفيروس كورونا، منها أربعة جاهزة للعمل بشكل مباشر، واثنتين قيد التجهيز، تضم جميعها ستة وعشرين جهاز تنفس اصطناعي للبالغين، إضافة لأربعة مراكز حجر صحي بدأت باستقبال الحالات المتوسطة والخفيفة، وستة وعشرين مركزاً لم ننته من تجهيزهم بعد، ليكون العدد الكلي في إدلب، ثلاثين مركزاً، في حين افتتحت حكومة الإنقاذ مركزين للحجر الصحي أيضاً، أحدهما في منطقة باب الهوى، وآخر في مدينة جسر الشغور، بالقرب من الحدود السورية التركية”.
ويتابع رمضان: “لدينا في إدلب مخبر واحد لإجراء الاختبارات الطبية اللازمة للكشف عن الإصابة بالفيروس، تقوم المنشآت الطبية بالطلب من المخبر إرسال فريق طبي لأخذ عينات الحالات المشتبه بإصابتها، فيما تعمل منشآت أخرى على أخذ العينات وترسلها بدورها إلى المخبر لإجراء الاختبارات اللازمة”.
وبحسب منسق الصحة في إدلب، فإن المديرية أقامت تدريبات نوعية لنحو ستمئة شخص من كوادرها الطبية، بين طبيب وممرض وآخرين من العاملين في المنشآت الطبية، على أن يكون هناك تدريبات إضافية في المرحلة القادمة.
ومن جهته، رأى نقيب الأطباء الأحرار في الشمال السوري الطبيب وليد التامر، أنّ غياب التنسيق بين الكوادر الطبية في مناطق سيطرة المعارضة من جهة، والسلطات الطبية التركية من جهة أخرى، يشكل العائق الرئيسي في مواجهة الفيروس، مشيراً إلى أن أعداد الحالات المسموح بإدخالها إلى تركيا محدودة جداً، وتحتاج لموافقة السلطات التركية، لاسيما في ظل الإجراءات المشددة على الحدود التركية بعد انتشار الفيروس فيها، في الوقت الذي لا تعادل وحدات العناية المشددة في الشمال السوري بأكمله، عدد تلك الموجودة في مشفى واحد في تركيا.
وقال نقيب الأطباء لـ “حكاية ما انحكت”: “لا يمكن تطبيق المعايير الطبية الوقائية التي طالبت بها منظمة الصحة العالمية للحد من انتشار كورونا، نظراً للكم الهائل من القاطنين في المنطقة، خاصة بعد تدمير ما يعادل 60% من المنشآت الطبية خلال الهجوم العسكري الأخير، ما ينذر بكارثة طبية بسبب الأعداد المتوقعة للمصابين في حال انتقل الفيروس إلى هذه الرقعة”، مبينا استحالة تطبيق توصيات التباعد الاجتماعي، خاصة في المخيمات، “فكيف نستطيع تطبيق مبدأ التباعد الاجتماعي في خيمة يقطنها 15 شخصاً بسبب عدم وجود مكان آخر يلجؤون إليه؟”، مضيفا بنفس الوقت أنه: “يمكن تطبيق التوصيات لجهة الحد من التجمعات في المساجد، والأسواق، والبازارات، والمدارس، والجامعات، ويجب إصدار قوانين تلزم الناس بالالتزام بعدم التجمع”.
وعن مسألة إعلان الأعداد الصحيحة للمصابين بفيروس كورونا يوّضح نقيب الأطباء: “لا مصلحة لأحد بإخفاء الإصابات، وأرى أن خدمات المنشآت الطبية في القطاع العام أفضل من المشافي الخاصة، والقطاع الطبي في مناطقنا أفضل بعشرة أضعاف من القطاع الطبي في مناطق سيطرة النظام السوري”.
وختم التامر: “أدعو لتفعيل اللجنة الوطنية للكورونا، لتوحيد الداتا بين المنظمات بحيث يتم إنشاء المراكز بحسب التوزع الجغرافي والسكاني، بالإضافة إلى التنسيق من حيث التجهيز، وإصدار النتائج من قبل الجهة المخوّلة إصدارها تفادياً للفوضى”.
ما رأي الشارع؟
سرور الشيخ نجيب، أحد أبناء مدينة إدلب، وهو طالب في معهد التمريض بجامعة إدلب (35 عاماً) رأى أن الجهود المبذولة من قبل مديرية صحة إدلب، والكوادر الطبية فيها كبيرة جداً بالنسبة للإمكانات المتوفرة، على الرغم من قلة المشافي المجهزة وأجهزة التنفس ومراكز الحجر الصحي في المحافظة.
وقال الشيخ نجيب لحكاية ما انحكت: “رغم قلة الإمكانات المتوفرة في مناطقنا، إلا أنّ الكوادر الطبية استطاعت إنشاء مراكز للحجر الصحي، وعملت على تجهيزها قدر المستطاع، ما يساعد في الحد من انتشار الفيروس، فضلاً عن إخضاع المصابين للعلاج، ولا يمكن للفرق تقديم أكثر مما تقوم به حالياً”.
بينما قال مفيد عبيدو، وهو مصور في مؤسسة شام الخيرية (26 عاماً): “الثقة بالقطاع الطبي في الشمال السوري الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة ضئيل بعض الشيء، ولا يمكن تعميمه على المستشفيات ككل، فلدينا بعض المشافي جيدة نسبياً، واستطاعت كسب ثقة الأهالي، وقسم آخر اكتسب صفات السوء من الناحية الطبية والرعاية”.
ويضيف عبيدو لحكاية ما انحكت: “هذه الحالة كانت قبل انتشار الفيروس، لكن جميعنا نعلم الإمكانات المحدودة في مشافي المنطقة بما يخص علاج المصابين وتقديم الرعاية الطبية لهم، فمن قبل انتشاره كانت تركيا هي وجهة الحالات الطبية المُعقدة، أما اليوم فإن الدخول إليها بات من أصعب الخطوات”.
منظمات المجتمع المدني تُساند القطاع الطبي
تزامناً مع الإجراءات الطارئة التي اتخذتها مديريات الصحة التابعة للحكومة السورية المؤقتة المعارضة في محافظتي إدلب وحلب، أطلقت منظمات المجتمع المدني العديد من الخطط التي من شأنها المساهمة في الحفاظ على سلامة الأهالي من الإصابة بفيروس كورونا.
مدير منظومة الدفاع المدني السوري المعروفة باسم “الخوذ البيضاء” رائد الصالح، يقول لحكاية ما انحكت إن عمل المنظومة ينحصر في سياق الوقاية والتوعية بالدرجة الأولى، بالإضافة للتنسيق مع الجهات الطبية لجهة إنشاء مراكز حجر صحي، وتجهيز منظومة إسعاف خاصة بالتعامل مع المصابين بالفايروس، أما الخطوات الطبية المباشرة لمواجهة الفايروس من مخابر تحليل، وتجهيز مشافٍ، فهي مسؤولية القطاع الطبي.
ويضيف الصالح: “أطلق الدفاع المدني السوري في الثامن عشر من مارس/آذار 2020، حملة تطهير للوقاية من الفايروس ضمن سلسلة إجراءات تهدف لحماية المدنيين من الفيروس، شملت المرافق العامة من مدارس، ومشافي، و مخيمات، ومراكز إيواء، ومنشآت عامة، وذلك عبر قيام فرق مدربة تابعة للمنظومة برش مادةbenlı ، المعقمة”.
ويتابع مدير الدفاع المدني: “تم تعقيم أكثر من سبعة آلاف مرفق حيوي، إضافة إلى ألف ومئتي واثني وستين مخيماً، ونحو ألف وخمسمئة مدرسة، وأكثر من ستمائة نقطة طبية ومشفى، ومئات المرافق الحيوية الأخرى، خلال الحملة التي استمرت ثمانية أيام، وذلك تزامناً مع إطلاق حملة توعية تضمنت تنفيذ وقفات تحت عنوان “خليك ببيتك” بهدف حث المدنيين على الالتزام قدر المستطاع بالمنازل، وعدم الخروج إلا في حالات الضرورة، إضافة لنشر ملصقات تعرّف بالفايروس، وأعراضه، وسبل الوقاية منه، ناهيك عن قيام متطوعين ومتطوعات من الخوذ البيضاء بتوعية المدنيين بشكل مباشر، في ألف وثمانمائة وتسع وسبعين نقطة بين مخيمات وأماكن أخرى”.
المنظمات المدنية، والإنسانية، والطبية، العاملة في الشمال السوري، بينها الدفاع المدني السوري، أطلقت فريقاً حمل اسم “فريق الاستجابة الوطنية لجائحة الكوفيد -19 في سوريا” في الحادي والعشرين من أبريل/ نيسان 2020، لتنسيق الجهود ومتابعة الخطط، وضمان تسخير كل الموارد البشرية والمادية والمعرفية لمكافحة الفايروس في الشمال السوري، عبر التنسيق والتواصل مع كافة المعنيين في القطاع الصحي والقطاعات الأخرى، والتواصل مع الأمم المتحدة ومنظماتها، بحسب الصالح.
وبيّن الصالح أن مجموعة من المؤسسات والمنظمات السورية العاملة في الشأن الإنساني، أعلنت في السابع والعشرين من أبريل/ نيسان الفائت، إطلاق حملة إنسانية تحت اسم “نتكافل” بهدف دعم السوريين الذين أثقلت كاهلهم سنوات الحرب، وضاعفت معاناتهم خلال الفترة الحالية ظروف الوقاية من الفايروس في الداخل السوري وفي بلاد اللجوء المجاورة، والتي تهدف بشكل مباشر لتأمين دعم نقدي عاجل للعوائل، لاسيما نازحي المخيمات، والسّيدات المعيلات لعائلاتهن، وذوي الاحتياجات الخاصة، وكبار السّن، إضافةً إلى المعلمين في الداخل السوري ودول الجوار في لبنان، والعراق ، والأردن، وتركيا، وتسليط الضوء على أهم الاحتياجات الإنسانية لأولئك الذين يعانون من تردي الأوضاع المعيشية.
ماذا لو تفشّى الفيروس؟
وعن الخطوات البديلة للعمل في حال تفشي الفايروس، يشير الصالح إلى أن التنسيق مع القطاع الطبي جارٍ على قدم وساق لجهة تجهيز سيارات إسعاف، ونقاط إخلاء للمصابين بالفايروس إلى مراكز الحجر الصحي، كما يعمل الدفاع المدني على عدة مشاريع لمواجهة كورونا منها: استخدام الطابعات الثلاثية لصناعة أجهزة التنفس الصناعية، وقد انتهى من صناعة أول جهاز، وهو الآن ضمن مرحلة الاختبارات.
ويضيف الصالح أن الدفاع المدني بصدد صناعة واقيات وجه بلاستيكية، بعد الانتهاء من الاختبارات النهائية الخاصة بأجهزة التنفس الصناعية لمتابعة هذا المشروع. ويؤكد أن الدفاع المدني يمتلك القدرة على صناعة 2000 قطعة يومياً للكوادر الطبية وكوادر الخوذ البيضاء، فيما ما زالت تجارب أخرى قيد البحث: منها إنشاء أماكن تعقيم للأشخاص، وأخرى لصناعة خوذ قادرة على كشف حرارة الجسم وكشف المصابين عن بعد.
من جهته، يقول مدير مكتب إدلب في الهيئة العالمية للإغاثة والتنمية، محمد نجار، لحكاية ما انحكت إن الهيئة أنشأت فرقاً تطوعية ودربتها من أجل توعية الناس على مخاطر فايروس كورونا وكيفية الحد من انتشاره، بالتعاون مع مديرية الصحة في إدلب، كما قامت بتوزيع منشورات لتوعية الناس على مخاطر الفايروس، وزودت عدداً منهم بما أسمته “سلة كورونا”، وتحتوي هذه السلل على ما يقارب خمس وعشرين ألف كمامة، ومعقمات، وبعض الأدوية، كما حاولت الحد من حركة السكان عبر إنشاء فريق يهتم بتلبية حاجاتهم الخدماتية، ولكن هذه الخطة فشلت.
وعن سبب فشلها، يقول لحكاية ما انحكت: “فشلت بسبب عدم التزام الأهالي بشروط المبادرة والتخفيف من حركتهم، إضافة لرفضهم فكرة طلب تأمين المواد اللازمة من الفرق المخصصة والانتظار ريثما يتم تقديمها لهم، خاصة أن احتياجات الأهالي تقتصر على الآنية وليس التموينية، فتكون الطلبات قليلة جداً وطارئة نتيجة أوضاعهم الاقتصادية التي لا تمكنهم من الحصول على كميات كافية لعدة أيام من المواد الغذائية والمستلزمات المعيشية، إضافة لمشكلة الاتصالات التي يعاني منها قاطنو الشمال السوري الذين يعتمدون بشكل رئيسي على شبكة الانترنت الفضائي، وبالتالي فيتوجب عليهم الانتظار ريثما تصل الفرق المخصصة إلى أماكن تتيح لهم الحصول على شبكة الانترنت، كالمكاتب والمنازل”.
الناشطة الإنسانية “أحلام الرشيد” التي اختيرت بين أكثر مئة امرأة مؤثرة في العالم لعام 2017 من قبل بي بي سي، قالت لحكاية ما انحكت إن المراكز المخصّصة للمرأة والدعم النفسي اتخذت خطوات بديلة لعملها، حيث أصبحت منصة “كلاستر” تعتمد برامج معينة، تقدم أنشطة أون لاين للمراكز، سواء للمرأة أو للطفل، وتهتم بالدعم النفسي، ودعم الأسر، بالإضافة إلى أن معظم الدورات التدريبية أصبحت تقام أون لاين، وسيكون هناك برامج أكثر تطوراً بالنسبة إلى إدارة الحالة، واستقبال الحالات في الأزمة الراهنة.
وأوضحت الرشيد أن العمل المدني والفعاليات السياسية في الشمال السوري لا يزال سار، مشيرةً إلى أن تأثير الفيروس على الجوانب النفسية كان أكبر من تأثيره على الجوانب الصحية.
وأضافت الرشيد: “استطاع كورونا أن يرخي بظلاله على الحالة النفسية للمدنيين في تلك المناطق، بالإضافة إلى الحالة الاقتصادية والوضع الاجتماعي بشكل عام، حيث انحصر عمل المنظمات بجلسات التوعية بشكل فردي، كما توقف الكثير من الأنشطة التي كانت تقدمها المنظمات بشكل جماعي سواء داخل المراكز، أو خارجها، أو حتى ميدانياً كخطوات وقائية، لذلك خفضت بعض المنظمات عملها، فيما خفض البعض الآخر عدد الكوادر، واختار قسم منها مزاولة الأنشطة أون لاين، أو القيام بأنشطة توعوية بشكل فردي، كما شملت التدريبات، إن وجدت، أعداداً ضئيلة جداً لا تتجاوز عشرة أشخاص في القاعة الواحدة، بعد عمليات تعقيم، وارتداء ألبسة واقية”.
ومن جهته، رأى أحد أعضاء إدارة فريق منسقو الاستجابة الطارئة في الشمال السوري، أن مؤسسات المجتمع المدني لم تلعب دوراً في مسألة محددات حركة المدنيين بين مناطق درع الفرات، وإدلب، والريف المحيط بها، موضحاً أن هذا القرار عائد للسلطات المحلية التي تتحكم بحركة المعابر ومواقيت فتحها، الأمر الذي أدى إلى ازدحام على المعابر، خاصة عندما تم فتحها لساعات محددة فقط، وقامت حينها المنظمات بفحص حراري للمسافرين، إلا أن أعدادهم الكبيرة حالت دون تمكن المنظمات من فحص الجميع.
ولفت مدير الفريق إلى أن اقتطاع المنظمات لجزء من ميزانياتها بهدف رش مواد معقمة في المخيمات خطوة خجولة لأنها لا تحمل فائدة كبيرة لقاطني المخيمات مثل تزويدهم بالكمامات، وأدوية التعقيم، مضيفاً: “هذه الخطوة تهدف إلى جلب الدعم، والعمل يجب أن يكون ممنهجاً ومنظماً، كزيادة الوعي والارشادات عبر مكبرات الصوت، وتوزيع مواد تنظيف وكمامات، وبناء مراحيض منفردة في المخيمات”.
وكشف مدير الفريق عن عودة أعداد كبيرة من العائلات لمناطق سيطرة النظام، مرجعاً السبب إلى عدم توفر سكن ملائم في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، وغلاء الإيجارات، وعدم توفر الخدمات، مؤكداً أن أعداد العائدين بلغت حوالي مئة وسبعين ألفاً من ريف حلب الغربي، وما يقارب مئة وخمسين ألفاً من قرى جبل الزاوية بريف إدلب. والفترة تشمل ما بين تفشي الفيروس في مناطق النظام، وإعلان الحالات الأولى في الشمال السوري.
هل أثّر انتشار الفيروس على الأوضاع الاقتصادية؟
تأثير انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي الذي خسر على المستويين المحلي والعالمي أكثر من 100 مليار دولار، انعكس سلباً على قاطني الشمال السوري، لا سيما تراجع وتيرة الحوالات المالية التي ترد إليهم من ذويهم المقيمين خارج سوريا بالدرجة الأولى، إضافة لارتفاع الأسعار الجنوني جراء تقييد حركة السفر والتجارة بعد إغلاق الحدود البرية، والبحرية، والجوية لمعظم البلدان، بحسب قول الباحث الاقتصادي “نيبال قلعة جي” لحكاية ما انحكت.
ويلخص قلعة جي تأثير كورونا على الشمال السوري بتوقف المساعدات التي تأتي للنازحين، بالإضافة إلى إغلاق المعابر مع كل من تركيا، والنظام، وقسد، وهذه العوامل تعني تراجع دخل المواطن في الشمال السوري بنسبة 20% على الأقل، الأمر الذي يمكن حلّه عبر زيادة ساعات العمل لتعويض نقص الإنتاجية والخسائر التي حلَت.
ويؤكد قلعة جي أن انهيار سعر صرف الليرة السورية غير مرتبط بإجراءات الحجر، إنما بقانون قيصر، وسياسات النظام القائمة على الفساد، بالإضافة إلى استنزاف موارد الدولة في الحرب على الشعب السوري، بالإضافة إلى إجراءات الحجر التي أدت إلى تراجع الطلب، وتراجع الاستثمار، بالإضافة إلى مداخيل الناس، الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي على وشك التحول إلى كساد اقتصادي.
(في سوق مدينة إدلب دون اتخاذ أية إجراءات وقائية/ خاص حكاية ما انحكت)
من جهتها ترى أحلام الرشيد في حديثها لحكاية ما انحكت، إن وجود الفيروس انعكس سلباً على الوضع الاقتصادي للبلد، والوضع الاجتماعي للناس، وعلى مدى إنتاجية العمل وجودته، حيث اضطر الكثير من المدنيين للعمل من داخل المنازل نتيجة تعطيل المدارس، وتوتر العائلات، وهذا أدى إلى ضغوط نفسية كبيرة على العاملين وعلى المنظمات بشكل عام، فقد زادت الأعباء بشكل أكبر، وهذا ما صرح عنه الموظفون خلال استفتاء، أكدوا من خلاله أن العمل من المكتب أسهل بكثير من العمل في المنزل.
وهو ما يوافقها به قلعجي، إذ يقول: “ضرر كورونا لم يكن معتدلاً على الاقتصاد المحلي بل كبيراً، فالاقتصاد المحلي منهك أساساً، ولا يتمتع بمناعة لمواجهة أزمة كورونا، بعكس الاقتصاديات الأخرى التي يعتبر وضعها طبيعياً، وذلك يعود لتدهور الاقتصاد السوري بسياسات النظام الاقتصادية القائمة على الفساد، ناهيك عن قانون قيصر، بالإضافة إلى توجيه النظام لمعظم موارد الدولة نحو القطاع العسكري”.
وبحسب قلعة جي، فإن تعامل السلطات مع تفشي كورونا يختلف بين دولة وأخرى، ولكن الشكل العام للتعامل تمثل بدعم للقطاعات الاقتصادية المتضررة، ودعم جزئي كدفع أجور العمال العاطلين عن العمل، كالنموذج التركي الذي تمثل بدعم العمال المسجلين في التأمينات الاجتماعية، بالإضافة إلى دفع جزء من رواتب العمال خلال فترة الأزمة.
سمر جيرو وهي عاملة صحة نفسية في منظمة إنسانية (30 عاماً) المقيمة في مدينة جسر الشغور بريف إدلب الغربي، رأت أن الفئة التي تضرّرت من انتشار فيروس كورونا في الشمال السوري قليلة جداً، وأن انتشاره لم يؤثر مطلقاً على أوضاع الأهالي الاقتصادية، مؤكدةً أن الأهالي استمروا في أعمالهم دون توقف، لاسيما العاملين في مجال الزراعة، كون محاصيلهم لا تزال تُباع في أسواق عفرين وريف حلب الشمالي بأسعار جيدة، مع التزام قسم منهم بالتدابير الوقائية.
فيما رأى قصي الحسين خلال حديثه لحكاية ما انحكت، وهو صاحب مكتب صرافة وتحويل الأموال في مدينة إدلب (27 عاماً) أن ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي أثّر على حوالي 90% من السكان، باستثناء قلة قليلة منهم، من العاملين في المنظمات ويتقاضون رواتبهم بالدولار، أو الذين تأتيهم حوالات مالية من أقربائهم في الخليج والدول الأوروبية.
كيف أثر انتشار الفيروس على الحياة الاجتماعية؟
في الواقع العام للحياة الاجتماعية في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، فإن المنطقة كافة تأثرت بفيروس كورونا، منذ بدأ بالتفشي في تركيا حتى تسجيل الإصابات الأولى في إدلب. إلا أنها، بالمقارنة مع أي منطقة أخرى داخل أو خارج سوريا، فإنها المنطقة الأقل تأثراً اجتماعياً، فالالتزام بالقواعد الاجتماعية المنصوص عليها كإجراءات وقائية هو أمر طوعي، ولا قانون يُلزم الأهالي بالتقيّد فيها.
إبراهيم السلوم وهو مدرس في مدرسة أطمة شمال إدلب (32 عاماً)، والمقيم في الشمال السوري بالقرب من الحدود السورية التركية، يقول لحكاية ما انحكت: “قبل ظهور الفيروس كنا نتمتع بعلاقات اجتماعية متماسكة، لا تخلو من الزيارات واللقاءات بشكل شبه يومي، إلا أنّ الوضع لم يبقى كذلك مع بدء تسجيل الإصابات في تركيا، كونها البلد الأقرب إلينا…، فانقطعت الزيارات بين معظم الأهالي بشكل كامل، ولاسيما بعد تسجيل الإصابة الأولى في إدلب”.
فيما بيّن فيصل العكلة وهو مهندس مدني (58 عاماً) المقيم في بلدة الدانا بريف إدلب الشمالي، أن تخوف الأهالي من انتشار الفيروس أقل من تخوّف القاطنين في المحافظات السورية الأخرى، أو حتى في جميع أنحاء العالم، كون المنطقة معزولة عن العالم بشكل تلقائي بسبب الواقع العسكري الذي تعيشه، مضيفاً: “على الرغم من التخوف القليل من انتشار الفيروس، إلا أن قسم كبير من الأهالي يتخذون التدابير الاحترازية كالالتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات والتعقيم المستمر، إضافة لكون التربية أغلقت المدارس خلال الفترة السابقة لمنع انتشار كورونا بين الأطفال فيها أثناء الدوام الدراسي”.
ومن جهته، رأى حازم وهو بائع مواد بناء (35 عاماً) المُقيم في مدينة سرمدا بريف إدلب، أن حياة الأهالي قبل انتشار الفيروس كما بعده، فلم يتغير أي شيء على صعيد الحياة الاجتماعية لقاطني الشمال السوري، والإجراءات الاحترازية لن تلتزم بها سوى نسبة قليلة جداً، باستثناء الكوادر الطبية التي التزمت بها بشكل جيد منذ بداية انتشار الفيروس في تركيا.
التطورات العسكرية تزيد خطر الانتشار
“لا شك أن لتواجد قوات النظام السوري، والقوات الروسية، في محيط المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، تأثيراً كبيراً لإفشال الجهود الطبية في التصدي لانتشار فيروس كورونا في الشمال السوري، وأنها شكلت عائقاً أمام الفصائل المقاتلة في اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع تفشي الفيروس”، يقول المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير “النقيب ناجي مصطفى” لحكاية ما انحكت.
ورأى مصطفى أنّ الخروقات المستمرة لاتفاقيات وقف إطلاق النار في الشمال السوري، أدّت إلى تهجير المدنيين من القرى في جبل الزاوية وبعض القرى الأخرى باتجاه المخيمات الحدودية مع تركيا، ما جعل التجمعات السكانية كبيرة جداً، ويصعب ضبطها وإلزام قاطنيها بالإجراءات الاحترازية.
وتابع المتحدث باسم الجبهة الوطنية: “تحاول فصائل المعارضة مواجهة الجائحة من خلال توعية المدنيين والمقاتلين لاتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، فضلاً عن إيجاد آليات لمنع التجمعات، خاصة في بعض المؤسسات والمنشآت التي يضطر المدنيين أن يتجمعوا فيها للحصول على حاجياتهم”، مضيفاً: “نشرت الفصائل بعض أجهزة الكشف على الحواجز التي قد يتم العبور من خلالها لكشف أي إصابة في حال وجدت بين المسافرين والوافدين إلى هذه المناطق”.
وبيّن مصطفى أن التخوف من انتشار الوباء يتصاعد عند التجمع من أجل المظاهرات، ولكن إرادة الشعب السوري كانت أكبر من كل شيء في الحصول على الحرية، ورفض وجود القوات الروسية التي ارتكبت جرائم بالتعاون مع قوات النظام والميليشيات المساندة له، لا سيما بعد إعادة نشر الصور التي سربها الضابط السوري “قيصر” للشهداء تحت التعذيب.
وبحسب مصطفى، فإن السلطات التركية قدمت بعض المساعدات الطبية إلى عدد من المنظمات، وبعض المجالس المحلية والمشافي لمواجهة الفيروس، مشيراً إلى أنّ انتشار الفيروس سيكون تأثيره كارثياً على الشمال السوري نظراً للكثافة السكانية في المخيمات، بالتزامن مع شح المعدات الطبية كأجهزة التنفس وغيرها.
وحذّر الناطق باسم الجبهة الوطنية للتحرير، من أي عمل عسكري على إدلب لما سيحمل من تأثيرات سلبية تتمثل في موجات نزوح كبيرة، وتجمعات سكانية جديدة، مما يفاقم الكارثة الإنسانية في ظل شح المعدات الطبية والمساعدات الإنسانية المقدمة من المجتمع المدني، بحسب قوله.
سجون دون وقاية، وتحذيرات من كارثة محتملة!
مسؤولة ملف المعتقلين في الشبكة السورية لحقوق الإنسان “نور الخطيب” بيّنت لحكاية ما انحكت أن سجن إدلب المركزي يُعد من أكثر السجون ازدحاماً بأعداد السجناء والمحتجزين.
وأكَّدت الخطيب أن الشبكة لم تسجل اتخاذ أي تدابير وقائية للحد من انتشار الفيروس بين المحتجزين من قبل إدارة السجن، مضيفة: “على العكس تماماً، حصلنا على شهادات من معتقلين أُفرج عنهم مؤخراً، تبين من خلالها أن المهاجع لا تزال مكتظة بالموقوفين، إضافة لعدم الاهتمام الصحي وسوء التهوية في كامل السجن”.
وأضافت مسؤولة ملف المعتقلين: “ظروف سجن إدلب المركزي تنطبق على جميع السجون ومراكز الاحتجاز في إدلب وريفها، ولا شك أن هذه الظروف تتجه نحو الأسوأ بحسب اختصاص كل منها، فالسجون المخصصة لاحتجاز المتهمين بقضايا أمنية أو معتقلي الرأي وانتقاد هيئة تحرير الشام، تكون عادة عبارة عن أقبية ومغاور منعزلة تماماً، وتحت سطح الأرض، ما يجعل الشروط الصحية فيها شبه معدومة، وبالتالي فذلك يزيد احتمالية تفشي الفيروس بين المحتجزين”.
وختمت الخطيب: “لم تتخذ حكومة الإنقاذ المسؤولة عن السجون في إدلب، أي إجراء لإطلاق سراح المحتجزين كإجراء احترازي لنمع انتشار الفيروس، إنما كان إطلاق سراحهم مبني على عفو أصدرته حكومة الإنقاذ بمناسبة عيد الفطر لهذا العام، على خلاف ما روّج له”.
عشرات الإصابات سُجلت في الشمال السوري الخاضع لسيطرة المعارضة المسلحة، عقب الإعلان عن تسجيل الإصابة الأولى، معظمها كانت ناجمة عن الاختلاط بمصابين قادمين من مناطق سيطرة النظام في دمشق وحلب، رغم التصريحات الرسمية بإغلاق المعابر الواصلة بين مناطق سيطرة الطرفين، في الوقت الذي بيّن فيه نقيب الأطباء في إدلب أن الاستجابة لقرارات إغلاق المعابر ضئيلة جداً، وأن خاصرة المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة تعتبر رخوة للغاية، وسط ندرة الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية لمنع تفشي الفيروس من قبل قاطني المنطقة، لعبت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فيها الدور الأبرز في منع الأهالي من الالتزام بها، فضلاً عن غياب الدور التوعوي الكافي لتجنب الإصابة بالفيروس.
كاتب وصحفي سوري مقيم في اسطنبول
(تم دعم هذا التحقيق من خلال برنامج Check Global COVID-19 microgrants,، وبدعم من موقع ميدان)
حكاية ما انحكت
————————————-
==============================