عن موت محمد مخلوف -مقالات مختارة-
======================
—————————
عندما غيّرت أنيسة قدَر أخيها محمد/ عمر قدور
توفي محمد مخلوف، خال بشار الأسد، قبل ثلاثة أيام عن عمر ناهز الثمانية والثمانين. ليس مهماً ما إذا كانت الوفاة بسبب الإصابة بكورونا كما أشيع، سنّ الرجل يحتمل أسباباً عديدة للوفاة الطبيعية، والخبر الأهم ربما وفاته في سوريا، إما لعودته إليها بداعي الاحتضار أو لقدومه إليها بعدما نصت الأقاويل على وجوده في الخارج كواحد من علائم ونتائج الشقاق بين عائلتي الأسد ومخلوف. شيخوخة الرجل لم تفسح المجال لافتراضات حول تصفيته، وهكذا نعِمَ بنهاية وادعة أحدُ الرموز الكبار لعصر الأسدية الذهبي.
فور ذيوع خبر رحيله، انتشرت على وسائل التواصل نعوة مفبركة تصفه على سبيل السخرية بباني اقتصاد سوريا الحديثة، وانطلت النعوة على كثر رغم الخطأ الفادح في التواريخ الهجرية والميلادية للوفاة، ورغم نقص المعلومات التي تُذكر عادة من أسماء عائلة الميت. النعوة الحقيقية لن تنتشر كنظيرتها المفبركة، مع أنها تكشف معلومات غير دارجة، منها “والدة الفقيد: سعدة سليمان علي الأسد”، أي أن المصاهرة بين آل مخلوف والأسد لم تبدأ بزواج حافظ الأسد من أنيسة مخلوف، من دون أن نغفل الفارق بين الحالتين فزواج الرجل “الأعلى مكانة اجتماعياً” من عائلة “أدنى مكانة” لا يلقى الممانعة التي تثيرها الحالة المعكوسة.
في نعي محمد مخلوف نقرأ أيضاً: زوجتا الفقيد: السيدة غادة مهنا- السيدة هلا ماغوط. ويرد بين أسماء أبنائه اسم أحمد، بدون أي لقب “علمي أو وظيفي” على غرار إخوته، ما يشير إلى حداثة سنه وكونه من الزواج الثاني. الابن الأكبر والأشهر رامي نشر على صفحته باقتضاب خبر الوفاة، ولم ينشر صورة عن النعي الذي يحمل تلك التفاصيل التي ربما لا تروق له، ومن الشائع في مثل هذه الحالات امتزاج الاعتراض على الزواج الثاني للأب بما سيقتطعه الزواج الجديد من الإرث العائلي.
بالعودة إلى النعي المفبرك الساخر حول كونه “باني اقتصاد سوريا الحديثة”، عُرف محمد مخلوف على نطاق واسع بأنه رجل الفساد الأول، خاصة بعد أفول شمس رفعت الأسد في الثمانينات. وخارج دائرة منطقة الساحل، حيث تسمح صلات القربى بتداول المعلومات شفاهياً، بالكاد نعرف شيئاً عن شخصه وعن طباعه. هو، بسيرة مختزلة صارت شائعة، موظف صغير في المطار ابتسم الحظ له بانقلاب زوج شقيقته واستلامه الرئاسة، ليعيّنه مديراً لمؤسسة التبغ ثم للمصارف العقارية، وليصبح خازن أموال حافظ الأسد، مورّثاً المهمة لابنه رامي.
بحسب معلومات أقل شيوعاً، غيّرت أنيسة قدَر أخيها محمد، إنما في وقت أبكر من انقلاب زوجها. القصة بدأت مع تسلم حافظ الأسد منصب وزير الدفاع، وحينها كان محمد مخلوف يعيش في بيروت متزوجاً من امرأة مغاربية، يُقال أن له بنتاً منها، ويبدو أن عمل الزوجة لم يكن مما يرضي عائلة محافظة أو شبه محافظة في ذاك الزمن، أي أنه كان أقرب إلى الابن الضال الذي يسير وراء رغباته ونزواته. بعد تسلمه وزارة الدفاع، سيكلف حافظ الأسد رئيسَ مكتب الشحن والاستطلاع في بيروت، وهو من عائلة مخلوف أيضاً، بجلب الابن الضال، لتُطوى نهائياً صفحة زواجه الأول، ويتزوج من العروس المهيأة سلفاً من قِبل صهره أو أخته مع توظيفه في المطار.
من المتوقع أن يكون الابن الضال قد خضع للترهيب والترغيب ليودّع حياته السابقة المحببة، وليضعه قدَر شقيقته على سكة مغايرة تماماً، السكة التي ستصرف طاقاته إلى الفساد. لا أحد يعلم لماذا وقع الاختيار على زوجته، لكن اسم عائلتها “مهنا” سيصادفنا في أكثر من مكان بسبب المصاهرات التي هي طرف فيها من دون أن تحظى بشهرة عائلات السلطة الأخرى كالأسد ومخلوف وشاليش. الاسم الوحيد المعروف من بين ذكور العائلة هو غسان مهنا، شقيق الزوجة غادة، وسيلمع اسمه لاحقاً في عالم النفط كمدير لشركة الفرات، وهي الشركة التي مثّلت سيطرة محمد مخلوف وباسل الأسد في حينه على قطاع النفط. إلا أن اسم العائلة سيرِد في سيرة العديد من المسؤولين، فمثلاً زوجة قائد الحرس الجمهوري السابق علي محمود حسن تنتمي إلى العائلة، وابنها يظهر حتى الآن كمرافق أول لبشار الأسد، ورئيس اتحاد الطلبة حامد حسن متزوج من العائلة والأهم أنه سيوفَد سفيراً إلى طهران بما للعلاقة معها من خصوصية.
إذاً، ستتعاظم ثروة محمد مخلوف مع تردي أحوال مؤسسة التبغ التي يرأسها، وهي مؤسسة تحتكر شراء التبغ الخام “بالأسعار التي تقررها” وتحتكر تصنيعه وبيعه، وفي عهده صارت تحتكر استيراد وبيع الأصناف الأجنبية منه. كانت مؤسسة التبغ تُعدّ الأكثر ربحاً قبل أن تتقدم عليه الاتصالات في زمن الخليوي، باستثناء النفط “المجهول” الذي بقي لعقود خارج الميزانية الرسمية. كونها منجم للأموال يوضّح سبب إسناد إدارتها إلى محمد مخلوف، ولاحقاً إلى فيصل سماق الذي تكتمل دلالة اسمه عندما يصبح مقروناً بزواجه من أحد أفرع عائلة مخلوف. من مؤسسة التبغ إلى إدارة المصارف العقارية، أهم ما سيفعله محمد مخلوف في الأخيرة أنه سيوقف لسنوات القروض السكنية التي يحصل عليها أصحاب الدخل المحدود، ثم لتنتشر الأقاويل عن مغادرته المنصب وفي حوزته ثلاثة مليارات لا أحد يتجرأ على مطالبته بها.
كما هو معلوم، سيسيطر الابن الأكبر رامي مخلوف، نيابة عن تحالف الأسد/مخلوف، على قطاع الاتصالات الخليوية الأكثر ربحية منذ تأسيسه حتى أشهر قليلة خلت. أما قدَر الأب “المرتبط بشقيقته” فيمكن القول أنه شهد دفعة جديدة مع منتصف الثمانينات، فمع إعفائه من إدارة مؤسسة التبغ عام 1985 كان رفعت الأسد يُجبر على مغادرة البلاد، ليُفسح مجالٌ أوسع لمحمد مخلوف على أكثر من صعيد، بما في ذلك الاستفراد بقطاع النفط بالشراكة مع باسل الأسد. مشروع توريث الأخير أتى على طبق من ذهب لآل مخلوف، مثلما من المتوقع أن إقصاء رفعت لأجله يوافق هوى أمه أنيسة، وينبغي ألا ننسى في السياق صعود الحرس الجمهوري الذي سينتزع مكانة سرايا الدفاع التابعة لرفعت، الحرس كان حينها برئاسة عدنان مخلوف الذي لن يغيب اسم ابنه خلدون كواحد من أعلام امبراطورية مخلوف الاقتصادية الكبرى.
كنا في مقال سابق في المدن، بعنوان “قتل الأب محمد مخلوف”، قد توقفنا عند الدور الذي سيلعبه إثر وفاة باسل ومرض حافظ الأسد الذي منعه من الإشراف على تأهيل بشار الذي لم يكن معدّاً لتسلم السلطة. ذلك الدور يستكمل القدَر الذي وضعه في مكان مغاير لما استهل به حياته كابن ضال، كواحد من الشبان السوريين الذين استهوتهم بيروت في الستينات. القدر الذي رسمته له شقيقته أنيسة سيغلب على ما عداه، إذ بالمقارنة مع مكانته في السلطة ومشاركته في فسادها لم يعد مهماً ما يذكره مقرَّبون من السلطة نفسها عن ولعه الذي لم ينقطع بالنساء أو بالمقامرة. ربما كان زواجه الأخير بمثابة اعتزال لما سبق من نزواته، أملاه التقدّم في السن، وربما يكون إطلاق اسم أبيه على ابنه الأصغر بمثابة عودة أخيرة عن ذلك الابن الذي نقلته السلطة من ضلاله البسيط إلى الضلال الأوسع.
المدن
————————————————-
قتل الأب محمد مخلوف/ عمر قدور
ما يُقارب ربع قرن قد مضى على مقتل باسل الأسد الذي كان مرشحاً لوراثة أبيه. كالمعتاد لم يعرف السوريون حينها تفاصيل ما جرى بشكل موثّق أو رسمي، فتولت الأقاويل مهمة سد النقص، ولا يندر في سوريا أن يكون مقرّبون من السلطة أو مشاركون فيها هم مصدر الروايات الشفوية، إما عن قصد أو بسبب تحدثهم في حلقاتهم الخاصة الصغيرة التي ما تلبث أن تتوسع. في أحد الأمثلة على ذلك، كان واحد من أهم الأسئلة التي طُرحت آنذاك: مَن الذي تجرأ على إخبار حافظ الأسد بمقتل ابنه وخليفته المنتظر؟
استقرت الأقاويل حينها على أن خال القتيل محمد مخلوف هو من تولى إبلاغ حافظ الأسد بالخبر، وبصرف النظر عن دقتها فإن طرح اسم الرجل يحمل دلالة واضحة على مكانته ضمن الأسرة الحاكمة، أو بالأحرى ضمن الصندوق الأسود لها. اسم محمد مخلوف كان قد بدأ بالبروز والصعود منذ منتصف الثمانينات، تحديداً منذ إقصاء رفعت الأسد وظهور مشروع توريث باسل. ولأن الهاجس الأمني هو الأقوى لدى الأسرة الحاكمة، يمكن الاستدلال بموقع الرجل كمشرف على تقوية “الحرس الجمهوري” كقوة بديلة عن سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت وتم حلها، وبحيث يكون الحرس الجمهوري تحت الإشراف المباشر لأسرة الأسد الأضيق “حافظ وأبنائه”.
بسبب مرض حافظ، كان محمد مخلوف شريكاً كاملاً في مشروع توريث باسل، ويمكن الاستدلال أيضاً بهذه الشراكة على الدور الصاعد لشقيقته أنيسة التي لم يكن اسمها قيد التداول العام قبل مرض زوجها وصدامه مع شقيقه رفعت. ولعل أول حدث تداول فيه السوريون تأثير أنيسة هو زواج ابنتها بشرى من آصف شوكت، فحينها سرت الأقاويل عن رفض باسل وماهر ذلك الزواج، وعن أن الأم كانت الداعمة له مع التنويه بدلال خاص تتمتع به لدى الأب الابنةُ الوحيدة بين الذكور بشرى. بعد اندلاع الثورة ستتحدث تقارير غربية عن سطوة الأم، وعن مشاركتها في اتخاذ القرار الأمني ضمن الحلقة الضيقة التي لا يُستبعد أن يكون أخوها محمد واحداً منها.
في الجزء الأخير من تلك الفترة، كان بشار الأسد قد أنهى دراسته في كلية الطب، وكأنما ذلك من تقاليد الأسرة كان قد تطوع في الجيش بصفته طبيباً، وراح يكمل دراسته العليا كطبيب في مشفى تشرين العسكري. لم يكن اسم بشار تحت الأضواء، فباسل هو الوريث المنتظر لحافظ، وسينضم إليه لاحقاً شقيقه ماهر كضابط يذكّر السوريين بعمه رفعت حتى قبل أن يذيع صيت الفرقة الرابعة التي يسيطر عليها وتذكّرهم بسرايا الدفاع التي كان يقودها العم.
في أثناء دراسته وعمله في مشفى تشرين العسكري، كان بشار يقدّم صورة مغايرة لصورة شقيقيه، فهو نظرياً وعملياً خارج الترتيبات المستقبلية للخلافة. وفق ما ينقل عنه زملاؤه في تلك الأيام، كان يتأفف من المرافقة الأمنية المفروضة عليه، بل كان يكثر البقاء والمبيت في المشفى وكأنه يفضّل الأخير على نعيم القصر الرئاسي. تلك الصورة، أي صورة المتواضع الزاهد، ستتولى أجهزة السلطة ترويجها على نحو مباشر أو غير مباشر لتعويمه كخليفة جديد لأبيه بعد مقتل باسل.
لو قُدّر لباسل العيش لربما بقيت صورة بشار كما كانت، لكن تعطشه للسلطة الذي ظهر لاحقاً، والبطش والوحشية اللذين واجه بهما الثورة وإصراره في أكثر من ظهور إعلامي على تحمل مسؤوليتهما شخصياً، كل ذلك يؤشر إلى صورة مختلفة عن صورة الزاهد أو المتواضع. بعبارة أخرى، أغلب الظن أن الصورة السابقة هي قسرية، بمعنى أنها ابنة واقعه السابق حيث لم يكن مؤهلاً ليصبح حافظ الأسد أو رفعت الأسد. وإذا تحرينا الواقع السابق سنجده وسط قوى تمارس عليه الضغط، فلا هو الابن الذكر البكر كباسل ليكون مرشحاً للخلافة، ولا هو مثل ماهر الطامح، ولا هو في منزلة بشرى الابنة الوحيدة. على ذلك تصح قراءة الذين كانوا يرون في تهربه من المرافقة الأمنية تهرباً من سطوة باسل الذي كان يعين أولئك المرافقين، ويكون ابتعاده عن جو الأسرة نأياً عن مكان يمثّل فيه أضعف الحلقات أو الأركان.
لقد أتى مقتل باسل بالنسبة لبشار كأنه مقتل الأب نفسه بسبب تشابه رمزية الاثنين، وبسبب انزياح ثقل السلطة الجاثم فوقه ليصبح مرشحاً للاستحواذ عليها. هنا أيضاً تبرز شخصية الخال محمد مخلوف، فوقت مقتل باسل كانت صحة حافظ الأسد تزداد تدهوراً، ولم يكن يستطيع الإشراف بنفسه على تأهيل وريث لم يتلقّ أي إعداد مبكر على غرار أخيه. إذاً تولى الخال مسؤولية إعداد الخليفة الجديد، رغم أنه بقي رجل الظل، في حين راح يلمع نجم ابنه رامي كممثل لفساد السلطة، وكخازن ومدير لجزء من ثروة بيت الأسد، وفي فترة تأهيل بشار راح يُنظر إليه كواجهة اقتصادية له شخصياً بينما يُنظر إلى محمد حمشو كواجهة اقتصادية لشقيقه ماهر.
لم يكن من باب الكذب المحض ما كان يقوله بشارفي بداية تسلمه السلطة لوفود يتم استدعاؤها من النقابات التابعة للسلطة أصلاً، وفحواه طي المرحلة السابقة، أي مرحلة أبيه. في العديد من المناسبات كان يفاجئ تلك الوفود بسقف أعلى مما يتوقعون في نقده مرحلة أبيه، بل استخدم أحياناً تعبير “العهد البائد” في الدلالة عليها أو “الحرس القديم” في الإشارة إلى بقاياها. من المرجح أنه في قرارة نفسه كان يتوق إلى “التحرر” من ظل أبيه، وبخلاف الفهم الشائع لم يكن ذلك التوق من أجل تغيير في طبيعة السلطة، وإنما من أجل الاستحواذ عليها خارج الذكرى المهيمنة لكاريزما الأب.
بتعبير نفسيٍّ، لم يكن بشار قادراً على قتل أبيه بأن يكون شخصاً مختلفاً عنه، ما تطلب منه أن يحاول ذلك بإثبات تفوقه عليه في المضمار ذاته، وهذا ما اتضح تماماً منذ بدء الثورة. لا ننسى هنا أننا إزاء جيلين من السلطة، جيلُ حافظ الذي قاتل من أجل الاستحواذ عليها، وجيل بشار الذي ورثها على طبق من ذهب، بكل ما لهذا الفارق من تبعات فادحة. من المنظور نفسه، كان محمد مخلوف بمثابة أب بديل خلال سنوات تأهيل بشار للسلطة، وهي مكانة لا تشفع له بقدر ما تضعه محل نقمة لمن يتوق إلى الانفلات من كل سلطة سابقة عليه، وقد يزيد من النقمة صندوقُ الأسرار التي يعرفها الرجل عن تلك السنوات.
بعد وفاة والدته، بما لها من تأثير صار يُحكى فيه علناً، بات التخلص من شقيقها الأب محمد مخلوف سهلاً. الأخبار الواردة عن تجريد أبناء مخلوف من امتيازاتهم، وفي مقدمهم ابنه رامي الذي كان دائماً واجهة لأبيه رجل الظل فوق دوره كواجهة اقتصادية لبشار، هذه الأخبار يصعب ردّها إلى أسباب من نوع طلب بشار مبلغاً من المال وامتناع رامي عن دفعه. ما حصل هو بمثابة طي للصفحة الأخيرة من إرث الأب حافظ، وفقط على سبيل المفارقة المرة قد نقول أن همّ القضاء على الأسدية التي أسسها الأب مشترك بين بشار والسوريين، إلا أن طريقته في ذلك تجمع بين التفوق عليها في الوحشية والرثاثة معاً.
المدن
———————————————
محمد مخلوف : الموظّف الذي أصبح إمبراطور المال الفاسد حين صاهره حافظ الأسد/ أحمد الأحمد
محمد مخلوف الأب وصل إلى درجة من النفوذ لم يمتلكها مسؤول في زمن حكم حافظ الأسد، إذ كان يدخل على حافظ، في أي وقت وفي أي مناسبة، كما يغري مسؤولي الدولة بهدايا باهظة.
في أواخر ستينات القرن الماضي، كانت حياة شاب سوري يُدعى محمد مخلوف رتيبة. كان مجرد موظّف في الشركة السورية للطيران، يعيش حياةً بسيطةً كغيره من الموظّفين محدودي الدخل في سوريا.
ولكنَّ تطوّراً طرأ على الميدان السوري، قذف بهذا الموظّف البسيط نحو المجد، وجعله يخلق دولة اقتصادية موازية للدولة السورية، فصهره (زوج شقيقته) الضابط في الجيش السوري حافظ الأسد، انقلب على رفاق السلاح نور الدين الأتاسي وصلاح جديد، وتمكّن من الوصول إلى سدّة الحكم في سوريا، في ما يُعرف بـ”الحركة التصحيحة المباركة”.
كان وصول حافظ الأسد إلى السلطة، علامة فارقة في حياة محمد مخلوف، الذي تمكّن بحكم علاقته الوثيقة مع الأسد من التدرّج على إدارة المؤسّسات الحكومية السورية، ثم تكوين ثروة طائلة ليبدأ بناء إمبراطوريته الاقتصادية، التي ورّثها على حياته، لابنه رامي.
ونعى أفراد من العائلة، محمد مخلوف، على مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أن يحدّدوا أي ظروفٍ عن مقتله، ولكن مصادر من العاصمة دمشق أكّدت وفاته في مستشفى الأسد الجامعي في العاصمة السورية دمشق مرجّحةً أن يكون فايروس “كورونا” سبب الوفاة، إلّا أن هذه المعلومات لم يتم تأكيدها.
وكتب رامي مخلوف أحد أبرز أبناء محمد مخلوف على “فايسبوك”: “ببالغ الحزن والأسى ودّعت والدي اليوم وحفاظاً على سلامة المعزّين المحبّين أهلنا لم نقم عزاء لظروف جائحة الكورونا”.
بالعودة إلى حياة محمد مخلوف، فقد أصبح الرجل واحداً من أثرى أثرياء سوريا، بدأ يجمع ثروته بعد تقلّده أول منصبٍ حكومي، عقب استلام صهره الأسد الأب رئاسة سوريا، فهو شقيق أنيسة مخلوف، زوجة حافظ الأسد.
ولد مخلوف الأب عام 1932 في قرية بستان الباشا التابعة لمدينة جبلة على الساحل السوري، لأسرة متواضعة اقتصادياً، وتزوّج مخلوف من امرأتين، الأولى غادة مهنّا وأنجب منها المهندس رامي والعميد حافظ، والعقيد إياد وإيهاب، أما زوجته الثانية التي تزوّجها خلال فترة إقامته في روسيا فهي هلا الماغوط وأنجب منها طفلاً اسمه أحمد.
وتدرّج في المناصب منذ عام 1972 إذ ترك العمل كموظف في الخطوط الجوّية السورية، وأصبح بشكلٍ مفاجئ مديراً عاماً لمؤسسة التبغ السورية المعروفة باسم “معمل الريجي”. هناك استخدم مخلوف الأب شعار “حماية الاقتصاد الوطني” للسيطرة على الاستثمارات في مجال الأدخنة مع الشركات الأجنبية، إضافةً إلى احتكاره إدخال السجائر المهرّبة إلى سوريا.
في “معمل الريجي”، حصر مخلوف جميع وكالات شركات السجائر الأجنبية المصنعة باسمه بدل أن تكون مع مؤسسة التبغ، واحتكر بنفسه شراء خطوط الإنتاج للسجائر المحلية، إضافةً إلى تصدير التبغ الخام السوري المطلوب عالمياً إلى شركات أجنبية بأسعار أعلى من السعر الحقيقي، مقابل إجبار المزارعين على بيع منتجاتهم من التبغ المزروع بأسعار منخفضة، لزيادة الربح.
في تلك الحقبة، فرض مخلوف على التجار والوكلاء الحصريين للسجائر الأجنبية المصنعة دفع “عمولة مالية” له تشبه الأتاوة مقابل السماح لهم بالعمل، فرفضوا دفع هذه العمولة، ما دفع بمخلوف لإصدار قرار بوقف استيراد السجائر الأجنبية المصنّعة عبر الوكلاء والتجار، وحصرها بمؤسّسة التبغ (معمل الريجي) ومن هذا الباب فرض مخلوف عمولة على الشركات الأجنبية قيمتها 10 في المئة، مقابل كل كمية مستوردة.
جمع مخلوف كميات غير معروفة من الأموال، طيلة هذه السنوات
عام 1985، كانت أخبار مخلوف انتشرت في كافة أنحاء سوريا بسبب حجم الفساد الذي مارسه في مؤسسة التبغ، الأمر الذي دفع بحافظ الأسد حينها، لترقيته بدلاً من إبعاده من الحكم، إذ عيّن مخلوف مديراً للمصرف العقاري السوري الحكومي، هناك وجد مخلوف بيئةً أكثر خصوبة لبناء ثروته المالية، فبدأ تحويل الأموال إلى مصارف أوروبية باسمه الشخصي بدلاً من أن تكون باسم المصرف العقاري السوري، ليسيطر على هذه الأموال في وقتٍ لاحق.
وفقاً لمصادر “درج” فإن مخلوف فور استلامه إدارة المصرف العقاري وضع تسعيرة للقروض التي يمنحها المصرف بمقدار 15 في المئة، وعلى أساس هذه التسعيرة منح مخلوف قروضاً بمليارات الدولارات ليستفيد من هذه التسعيرة لمصلحته الشخصية، إضافةً إلى وضع نسبة 10 في المئة لتأخّر سداد القروض أو طلب تمديد مدّة القرض.
في مؤسسة التبغ، وبعدها المصرف العقاري، جمع مخلوف كميات غير معروفة من الأموال، طيلة هذه السنوات.
عام 1980 انتبه مخلوف إلى أهمّية النفط السوري حديث العهد والأموال الطائلة التي يضخّها، فانتقل للعمل في هذا المجال، إذ دخل شريكاً في “شركة الفرات للنفط” وهي شركة مهمّتها التنقيب عن النفط واستثمار حقوله توزّعت حصصها بواقع 65 في المئة للحكومة السورية و35 في المئة لتحالف من شركات أجنبية، ترأسها شركة شل الهولندية، التي تولّى محمد مخلوف وكالتها في سوريا.
في العام ذاته، أسّس محمد مخلوف شركة “ليدز” للنفط، ومقرّها في العاصمة السورية دمشق، وكان يملكها مناصفةً مع قريبه نزار أسعد، وسجّل مخلوف حصّته باسم شقيق زوجته غسان مهنا، الذي كان موظفاً سابقاً في شركة النفط والغاز السورية ودخلت هذه الشركة على خط الاستثمار في مجال النفط.
واصل محمد مخلوف توسيع امبراطوريته المالية حتّى عام 2000، في تلك الفترة توفّي حافظ الأسد وورث ابنه بشار الحكم عنه، فقام محمد مخلوف بتوريث ابنه رامي امبراطوريته المالية، ليُعاد السيناريو للتكرار من جديد، وتنتقل السلطة السياسية والاقتصادية في سوريا من حافظ الأسد ومحمد مخلوف إلى بشار الأسد ورامي مخلوف.
بمجرّد وصول الأسد الابن إلى السلطة، كان رامي مخلوف من أوائل زوار القصر الجمهوري لتوطيد العلاقات مع النظام الجديد لاستمرار في مسلسل نهب الاقتصاد السوري، تمكّن رامي من كسب ثقة بشّار، واحتكار تأسيس أول مشغل خليوي في سوريا “شركة سيريتيل”، كما استحوذ رامي على مزيدٍ من المشاريع السياحية والتكنولوجية وفرض شراكته على الشركات الأجنبية التي تريد العمل في سوريا، لتزداد ثروة عائلة مخلوف وتزدهر أكثر في عهد رامي.
وُصف مخلوف الابن بأنّه أكثر صرامة من والده، كان حريصاً على عدم الظهور إعلامياً، إضافةً إلى عمله المستمر في سحب أكبر كمية من الأموال من سوريا.
يتشارك محمد مخلوف وابنه رامي سمة الابتعاد من وسائل الإعلام، فهم قليلو الظهور إعلامياً وكذلك الأمر لا تتوفّر لهما الكثير من الصور واللقاءات عبر الإعلام أو الانترنت.
المعلومات الشحيحة عن محمد مخلوف، ولا سيما امبراطوريته المالية، كشفتها الوثائق المسرّبة من حساب بنك HSBC في سويسرا عام 2015، إذ كشفت هذه الوثائق أن محمد مخلوف قدّم بياناته المصرفية إلى البنك، باعتباره وكيلاً لشركة التبغ الأميركية “فيليب موريس” التي تملك العلامة التجارية لسجائر “مالبورو” الشهيرة، إضافةً إلى أنّه الوكيل الحصري لشركة سيارات “ميتسوبيشي” اليابانية وشركة المياه الغازية “كوكا كولا”.
ضمن سلسلة العقوبات التي تعرّض لها أركان النظام السوري بعد اندلاع الثورة، تعرّض محمد مخلوف أولاً وابنه رامي بعدها لعقوبات من الاتحاد الأوروبي، بسبب صلاتهما الوثيقة مع النظام السوري.
عمل محمد مخلوف على الطعن في هذه العقوبات التي تمنعه من السفر إلى أوروبا وتجمّد أصوله، بحجّة أنّها “تخرق الخصوصية” وتمنعه من مستوى الحياة الاجتماعية الذي اعتادت عائلته عليه لكن المحكمة العامة الأوروبية رفضت هذا الطعن، ثم عاد مخلوف واستأنف الطعن عام 2015 من دون أن ينجح في إزالة العقوبات.
وفقاً للمعلومات الشحيحة التي ظهر البعض منها في كتاب “تاريخ العلويين في بلاد الشام من فجر الإسلام إلى تاريخنا المعاصر”، فإن محمد مخلوف الأب وصل إلى درجة من النفوذ لم يمتلكها مسؤول في زمن حكم حافظ الأسد، إذ كان يدخل على حافظ، في أي وقت وفي أي مناسبة، كما يغري مسؤولي الدولة بهدايا باهظة.
وكان فراس طلاس، وهو ابن وزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، كشف أن محمد مخلوف استعان بخبراء من لبنان وبريطانيا في تأسيس إمبراطورية النفط الخاصة به، إذ كان يفرض نسبة مئوية من أي صفقات نفطية تتم في سوريا، مستخدماً قرابته مع العائلة الحاكمة.
ابتعد محمد مخلوف من الواجهة بعد تولّي ابنه رامي إدارة أموال العائلة، وطيلة فترة حكم الأسد الابن، كان رامي يتمتّع بصلاحيات مطلقة، فهو قادر على فعل كل ما يريده في سوريا، ولكن منذ ربيع 2020، ظهر خلاف هو الأوّل من نوعه بين رامي مخلوف ورأس النظام بشار الأسد وزوجته أسماء، إذ طالب النظام مخلوف بدفع مبالغ مالية كبيرة كضرائب إلى “الهيئة الناظمة للبريد والاتصالات السورية”، ما دفع مخلوف للظهور على وسائل التواصل الاجتماعي للمرّة الأولى، والحديث عن “تعرّضه للظلم” بسبب هذه الضرائب، وأن هناك من يريد انتزاع ملكية شركة “سيريتيل” منه وكشف أيضاً عن اعتقال موظفين تابعين له لإخضاعهم.
التحليلات التي خرجت بها وسائل الإعلام السورية المقرّبة من النظام، هي أنّه بعد وفاة أنيسة مخلوف والدة بشار الأسد عام 2016، ثم المرض الذي أصاب شقيقها محمد مخلوف، بدأت أسماء الأسد العمل على نقل أموال البلاد من عائلة مخلوف إلى أسرتها، كمحاولة لانتزاع النفوذ المالي منهم.
وهذه النزاعات لا تزال مستمرة …
درج
—————————-
وفاة محمد مخلوف..من سيردع بشار الأسد عن رامي؟
مع إعلان عائلة مخلوف رحيل مدبّرها على مدى العقود الخمسة الماضية، محمد مخلوف، يمكن القول عملياً وبشكل جدي هذه المرة، أن مرحلة آل مخلوف قد شارفت على نهايتها بشكل كامل من الحياة العامة في سوريا.
فمخلوف الأب الذي رافق زوج أخته، حافظ الأسد، منذ سيطرته على الحكم عام 1970 كواجهة اقتصادية للسلطة السياسية، والرجل الذي كان مناطاً به إدارة أموال وثروات الأسد من مواقعه، بداية في مؤسسة التبغ ووزارة النفط، ولاحقاً في المصرف العقاري، وبعده في مرفأ اللاذقية والمناطق الحرة،، يغادر وعلاقة عائلته مع عائلة الأسد في أسوأ حالاتها.
والواقع أن تدهور العلاقة بين الأسرتين لم يبدأ عندما أطل رامي مخلوف، خليفة والده منذ العام 2000 في إدارة أموال الأسرة الحاكمة، في أول تسجيل يشتكي فيه الظلم ويوجه من خلاله التهديدات للنظام، في أيار/مايو الماضي، بل كانت إرهاصاته قد بدأت تتضح قبل ذلك بثلاثة أعوام تقريباً، مع الإعلان عن وفاة أنيسة مخلوف، والدة رئيس النظام وعمة رامي، عام 2016.
لاحظ الكثيرون إثر ذلك جفاءً في العلاقة بين الشباب من أبناء الأسرتين، ثم على صعيد الكبار الذين بدأت زياراتهم المتبادلة تصبح أكثر محدودية وفي المناسبات الرسمية فقط، وهو ما لم يكن بحاجة إلى تفسير بالنسبة للمطلعين على تفاصيل هذه العلاقة، الذين كانوا يعلمون عن خلافات مالية بين آل الأسد وآل مخلوف، الخلافات التي كانت ستتطور سلباً وفي وقت مبكر جداً لولا أن والدة رئيس النظام تدخّلت للحد من تفاقمها على الطريقة التي جرت بها لاحقاً.
لكن البداية الحقيقية للأزمة بين الجانبين يعيدها المطلعون إلى العام 2012، عندما شعر العجوز محمد مخلوف بالمرض، وقد بلغ حينها الثمانين من عمره، فقرر التوجه إلى روسيا من أجل الراحة والعلاج، وهناك طاب له العيش بعيداً عن صخب الحرب في سوريا، وجدل المال والسياسة الذي تركه وهو يظنه آمناً بين يدي الأبناء.. بشار الأسد ورامي مخلوف.
غادر مخلوف الأب وآخر ما كان يفكر به أنه يمكن لهذه العلاقة الصلبة بين الأسرتين، التي امتدت على مدى نصف قرن من تحالف السلطة والمال، أن تتعرض لهزة تزعزها، ولذلك وجد نفسه مضطراً من حين لآخر للتدخل بين أبنائه وابني أخته لحل اشكالات كان آل الأسد يقبلون بحكمه فيها احتراماً لمكانته، لا عن رضى وتسليم.
ورغم أن العام 2016 شكل نقطة التحول الكبرى على صعيد هذه العلاقة من جهة الأسد، ليس فقط بسبب وفاة أنيسة مخلوف وبالتالي تخففه من جزء كبير من أسباب مهادنته ابن خاله رامي مخلوف، بل وكذلك بسبب تفاقم مرض خاله الذي ظل يُظهر كمّاً معتبراً من الاحترام له حتى رحيله، لكن تدهور حالته الصحية ابتداءً من ذلك العام جعل رامي مخلوف يخسر الكثير.
تختلف التقديرات حول أسباب انقلاب أبناء الأسد على آل مخلوف، لكن الرواية الأرجح هي شعور بشار الأسد بتضخم دور أولاد خاله خلال فترة الحرب بشكل يهدد سلطته، خاصة بعد أن جرى إتهام العميد حافظ مخلوف، شقيق رامي مخلوف ورئيس اللجنة الأمنية المسؤولة عن حماية دمشق بالمسؤولية عن اقتحام “جيش الإسلام” لمدينة عدرا العمالية “للتغطية على صفقة فساد كبيرة تتعلق بشراء الحكومة أطنان من القمح لم تصل إلى البلاد، وذهبت قيمتها لجيب العميد حافظ مخلوف عام 2014”.
وبغض النظر عن صحة هذه الرواية، إلا أن الثابت هو إقالة حافظ مخلوف من منصبه في أيلول/سبتمبر من ذلك العام، ليغادر فوراً إلى روسيا، بعد أن سمح له بشار الأسد بإخراج جزء من أمواله فقط وليس كلها، رغم أن قراره الأولي كان مصادرة جميع ممتلكاته، لكن تدخل والده محمد مخلوف وعمته أنيسة مخلوف خفّفا من شدة العقوبة.
يروي مقربون من رامي مخلوف عن إفصاح الأخير عن جفاء بدأ يعامله به بشار الأسد منذ ذلك الوقت، لكنه كان يعتقد أن إبن عمته لن يستطيع إلحاق الضرر به، ليس فقط بسبب وجود كل من والده وعمته إلى جانبه، وهما اللذان لا يرفض الأسد الابن طلباً لهما، بل وكذلك بسبب حاجته الماسة إليه، كما اعتقد دائماً، لحيازته كافة الأوراق المالية التي تمتلكها العائلتين بيده.
وإلى جانب ذلك، بدأ رامي مخلوف بالتحرك لبناء قاعدة شعبية يمكن أن تسانده في أي لحظة اضطرارية داخل الطائفة العلوية، بهدف تقوية أوراقه في أي مفاصلة كان يراها قادمة لا محالة بينه وبين آل الأسد، خاصة إذا ما توفي الشخصان الذان كانا يكفان يد بشار عنه. وكان تقدير مخلوف الابن أن ضعف النظام العسكري وتعرضه لضربات مؤلمة قد يكون فرصة بالنسبة له من أجل بناء قوة عسكرية موازية لحمايته في المستقبل، خاصة وأن هذا خياراً كان من السهولة بمكان بحيث أصبح أي أحد قادر على تأسيس ميليشيا تحت شعار “الدفاع عن الوطن ومحاربة الإرهاب”.
في أيلول/سبتمبر عام 2015 شعر رامي مخلوف بجرعة إضافية من النشوة مع إعلان روسيا تدخلها العسكري المباشر إلى جانب قوات النظام في سوريا، وحسب مقربين منه، فإن ابن خال “الرئيس” بات يتحدث عن أنه هو ووالده صاحبا الفضل في إقناع الروس بهذا التدخل، بسبب العلاقة الخاصة التي تجمعهما بموسكو، وخاصة ب”يفغيني بريغوجين” المعروف ب”طباخ بوتين”، وما يجعل من هذه الرواية ذات مصداقية، هو الهجوم الذي شنته وسائل الإعلام التابعة ل”بريغوجين” على بشار الأسد والنظام منذ تصعيدهما ضد رامي مخلوف ابتداء من أيار/مايو 2020.
بل إن رامي مخلوف، ودائماً حسب المصادر ذاتها، بدأ يتصرف على هذا الأساس الذي أقنع نفسه به، وهو أن الروس لم يكن ليأتوا إلى سوريا لولا عائلته، فبدأ بالعمل على زيادة أعداد الميليشيا العسكرية التابعة له، وفي إغداق الأموال على ذوي قتلى وجرحى الجيش والشبيحة من الطائفة العلوية، الأمر الذي يثير حفيظة بشار الأسد بلا شك.
واجه الأسد ابن خاله بضرورة التوقف عن التصرف بهذه الطريقة، لكن رامي مخلوف تجاهل الأمر في البداية، قبل أن يظهر بعض التحدي لاحقاً، ورغم أن وفاة عمته أنيسة قد اعتبر بمثابة خسارة إحدى أهم نقاط القوة بالنسبة له، إلا أنه استمر في المواجهة.
ومع شعور بشار الأسد بعدم استجابة ابن خاله لتعليماته، أمر بالتحرك ضده لأول مرة عام 2017، وكانت البداية بفرض ضرائب على شركاته بشكل يحدث للمرة الأولى، ثم من خلال مؤسسة البستان الخيرية التي كان مخلوف يستخدمها كواجهة لبناء شعبية له داخل الطائفة العلوية، حيث جرى اعتقال مديرها وإقالة مجلس إدارتها، وتعيين أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام على رأسها، وأخيراً بقرار حل الحزب القومي السوري الذي كان قد أعاد رامي مخلوف شطره عام 2013 ليستحوذ على الجزء الفاعل منه ويستقطب آلاف الشباب إليه باغداق الأموال عليهم، وهي إجراءات كان يمكن أن تذهب في التصعيد أكثر لولا أن خال الأسد، محمد مخلوف، كان يتدخل بين الحين والآخر لتهدئة الأجواء.
تقول المصادر إن بشار الأسد كان يعد خاله بالتوقف عن إلحاق الضرر برامي، لكن وعوده تلك لم تكن سوى لإظهار الاحترام له، أما عملياً، فإنه كان يتخذ خطوات تصعيدية متتالية. ومع اشتداد مرض الأخير عام 2019، قرر رئيس النظام الذهاب في تحطيم ابن خاله حتى النهاية، وهو ما حصل بالفعل خلال النصف الأول من العام الجاري 2020.
ومع ذلك، فقد كان يمكن لبشار الأسد أن يمضي أبعد من ذلك في مواجهة رامي مخلوف، وصولاً ربما إلى سجنه أو حتى تصفيته، وهو الأمر الذي كان وجود خاله على قيد الحياة يمنعه من تنفيذه.
لا خلاف على أن لمحمد مخلوف دوراً مهماً جداً في احتواء الأزمة التي انفجرت بين الأسرتين خلال العامين الماضيين، وبالتالي فإن وفاته السبت الماضي، تفتح الباب على تطورات جديدة يمكن أن يشهدها ملف رامي مخلوف، بل وجميع أفراد عائلته، التي لم يبقَ منها داخل أروقة الشأن العام سوى الأخ الأصغر إيهاب، الذي كان قد سارع إلى إعلان ولائه المطلق لآل الأسد، وتخليه عن شقيقه رامي منذ حزيران/يوليو، لتتم مكافأته بمنحه عقد استثمار المناطق الحرة الشهر الماضي.
——————————
من سيرة آل الأسد: شبكة القرابات المتداخلة/ حسام جزماتي
لم يكن سليمان الوحش يعلم أنه يصوغ سوريا الحديثة فيما هو يتزوج وينجب ويرتبط بمصاهرات عديدة في القرداحة والقرى المجاورة، عبر ابنيه الذكرين وبناته السبع. فحفيده حافظ، الذي سيصبح رئيس الجمهورية، سيولد عام 1930، بعد وفاة جده بست سنوات، وبعد أن تحولت كنية العائلة إلى «الأسد» بثلاثة أعوام.
في الوثائق الشخصية النادرة، لا سيما في تلك الجبال الساحلية القصية حينها؛ ستحمل العائلة في البداية اسم مؤسسها سليمان ككنية ورقية، طالما أنه هاجر من مكان مجهول ودون اسم عائلة معروف. وهي الكنية التي ستحملها رَحلة، ابنة سليمان الوحيدة من زوجته الثانية فضة، والمولودة عام 1892، حين ستقترن بإسماعيل ناصيف من قرية دباش شمال القرداحة، ذات سنة عجفاء أثناء الحرب العالمية الأولى المعروفة شعبياً بالسفربرلك. أما أختها سعدة، ابنة سليمان من زوجته لطيفة، والمولودة عام 1895؛ فستظل مشتهرة بسعدة الوحش في قرية بستان الباشا التي انتقلت إليها عندما تزوجت أحمد مخلوف أوائل عشرينيات القرن الماضي.
ستنجب رَحلة علي ناصيف عام 1922، وأختها سعدة محمد مخلوف بعد عشرة أعوام في 1932. غير أن ولَدي الخالة سيكونان على موعد واحد مع الموت، يوم السبت 12 أيلول 2020، عندما سيطغى خبر رحيل أبو رامي على وفاة أبو جهاد.
لم يكن هذا ظالماً، في الحقيقة، بالنظر إلى الشراكة الفعلية في الحكم التي حظي بها محمد مخلوف في عهد حافظ، صهره وابن خاله. وهي القرابة التي يغفل عنها الكثيرون عندما يتحدثون عن زواج النقيب الطيار الذي سيصبح رئيساً بأنيسة مخلوف. فهي ابنة عمته سعدة التي تكفّلت بمصاريف ابني أخيها اليافعين، حافظ ورفعت، عندما سكنا في اللاذقية بقصد الدراسة.
عندما استولى حزب البعث على السلطة، في آذار 1963؛ بدأت مسيرة الأخوين بالصعود فعلياً. ومثل غيرهما من العسكريين من أصول ريفية، المتنفذين وقتها في أجهزة الحكم، اعتمدا القرابات وسيلة مضمونة لبناء شبكة متنامية من الموالين، في ظل صراع لا يرحم خاضه الرفاق الأعداء وأنهاه حافظ الأسد بوصفة سحرية: «الحركة التصحيحية» عام 1970، مستأثراً بالسلطة حتى توريثها عقب وفاته لابنه بشار.
بصعود الأسد ترقى نسيبه محمد مخلوف، مثبتاً أنه مؤتمن وكُفؤ. ليصبح الرجل، الذي بدأ حياته رتيباً (صف ضابط) في الدرك، مديراً عاماً لإدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، أكثر جهات القطاع العام إدراراً للعملة الصعبة عبر تصدير التبغ الخام للغرب وقتها. ثم ليغادر هذه الإدارة دون أن يتركها، بتعيين أحد محاسيبه، وينتقل إلى موقع صار حساساً أكثر في إدارة المصرف العقاري في مرحلة تغيير أوصاف الأراضي وترقيتها، كما ليساهم في استثمار النفط عبر أهل زوجته من آل مهنا ووكيلهم نزار الأسعد.
شاخ أبو رامي ولم يتعب. غير أن الأزمنة الجديدة تحتاج إلى استثمارات عصرية مثلها في زمن الأبناء. وهكذا برز ولده البكر الشهير في قطاع الأعمال، مستعيناً بأخيه إيهاب، فيما اشتهر حافظ كعميد لا يرحم في المخابرات العامة، وإياد كعقيد في الجيش. حتى بدأت الشقوق بين عائلتي الأسد ومخلوف تضرب عميقاً وتظهر إلى العلن، كما هو معروف. ووصلت إلى درجة طلاق كندا بنت محمد من أيهم بن كمال الأسد رئيس غرفة تجارة وصناعة اللاذقية. لم يكن الخبر مفاجئاً لمن يعرفون الطبيعة المتمردة للزوجة الجميلة والمتعالية، غير أنه ليس بعيداً عن صراعات البلاط بالنظر إلى العلاقة الطيبة التي تربط أيهم بابن عمه اللواء ماهر، قائد الفرقة الرابعة.
الابنة الثانية لأحمد مخلوف وسعدة الأسد هي فاطمة، والدة عاطف نجيب ضابط الأمن السياسي الشهير الذي أهان وجهاء درعا مما أدى إلى تفجر الثورة.
وعبر السنوات ارتبطت العائلتان بزيجات عديدة قامت، في الغالب، على رجل من آل الأسد وامرأة من آل مخلوف. كما هو حال سلمى مخلوف، الزوجة الثانية لرفعت، وجميلة مخلوف، زوجة توفيق، وحالات أخرى أقل شهرة وأهمية.
على الضفة المقابلة لم يكن علي ناصيف، ابن عمة حافظ الآخر، يُقارَن بابن خالته ورفيقه في يوم انتهاء الأجل محمد مخلوف. بل إن علياً لا يقارَن بشقيقة له عمّت شهرتها الأجواء. هي نسيمة في الوثائق الرسمية، ياسمين في البيت وداخل العائلة، وأم أنور في «الحياة العامة». ولدت نسيمة عام 1918، وتزوجت أحمد بن علي الأسد، الأخ الأكبر لحافظ، وأنجبت عدداً من الأولاد والبنات والأحفاد ذوي النفوذ الذين اشتهر منهم مؤخراً هلال وهارون ابنا أنور، ويسار وبشار ابنا طلال، متزعّما القرداحة حالياً.
أما من أبناء علي فيتذكر كثير من السوريين اسم ثانيهم معين ناصيف. الضابط الذي وثق به رفعت، قائد سرايا الدفاع، للقيام بمجزرة تدمر الشهيرة، عندما قاد الرائد معين قواته في اللواء 40، وسواها، لقتل قرابة 1000 من السجناء الإسلاميين. ولم تكن مكانة ناصيف في السرايا وعند قائدها بعيدة عن القرابة التي وصلت إلى زواجه من تماضر ابنة رفعت الأثيرة. في حين تزوج محمد منير الأسد، مدير فرع مؤسسة التجارة الخارجية باللاذقية، من هالة شقيقة معين. وحين كبُر أبناء المصاهرات تزوج رفعت (دون شك)، ابن معين وتماضر، من ابنة عمته فيء، بنت محمد وهالة. وتزوج علي، بن معين ناصيف وتماضر الأسد، من تالا كامل مخلوف.
تحت قمة جبل السلطة الأسدية، المتشكّلة أصلاً من قرابات لا يمكن التستر عليها، تكمن شبكة واسعة من صلات عائلية تخفيها كنى غير مرتبطة ظاهرياً والشهرة باسم الأب ككنية أحياناً، ويحميها سور من التكتم. والحال أنه في بنية قرابية شرقية تقليدية بالأساس، ومع مجموعة محلية عصبوية جغرافياً وطائفياً بالخصوص، يرتفع تأثير روابط الدم والنسب والجوار حتى فوق الدرجة العالية المعروفة.
تلفزيون سوريا
——————————
مؤسس اقتصاد الإستبداد السوري صريعا بفايروس كورونا!!/ أحمد الخليل
لو قيض لمخرج استثنائي كفرانسيس كوبولا أن يخرج فيلما عن محمد مخلوف وأسرته هل كنا سنشاهد فيلما مذهلا كفيلم العراب ؟ لكن بشرط توفر كاتب بموهبة فذة يشبه ماريو بوزو كاتب رواية The Godfather….!! وهل تتضمن قصة نجاح مخلوف وانشاء امبراطورية اقتصادية …أقول هل تتضمن مفاصل درامية تثير شهية منتجي السينما لصنع فيلم بالتأكيد سينال الكثير من جوائز الاوسكار !
ولكن هل من منافس ما لآل مخلوف خلال مسيرتهم من أسرة عادية، الأب فيها موظف في شركة الطيران، الى أسرة شكلت خلال خمسين عاما أهم امبراطورية اقتصادية في سورية ؟ وان لم يتواجد المنافس الذي يولد الصراع ستنعدم عناصر الدراما وبالتالي سنكون أمام فيلم عادي لا تشويق فيه ولا أكشن!
الصعود الصاروخي لامبراطورية المال المخلوفية لم يكن ليحصل لولا عامل حاسم: إنه السياسة ….!!
مع استيلاء حافظ الأسد على السلطة عام 1970، كان لا بد له أي الأسد لاستمرارية سلطته من الاعتماد على أشخاص أوفياء يدعمون سلطته ،وبنفس الوقت يبقون تحت جناحه مع نزع أي طموح سياسي لهم، فكان أن اعتمد العصبوية العائلية كعامل أساسي ومضمون في تحصين السلطة من أي خطر أو مطامع كما كان يحصل قبل عام 1970!
الريجة
الموظف الصغير في قسم المحاسبة لشركة الطيران السورية محمد مخلوف سيبتسم له الحظ بانقلاب صهره الأسد، واستيلائه على السلطة… وبعد فتره ليست بالطويلة وتحديدا 1972يتسلم مخلوف إدارة شركة التبغ التي تحتكر صناعة واستيراد الدخان في سورية والمشهورة باسم (الريجة) ومن هنا سيبزغ نجم امبراطورية مخلوف..
مخلوف حصر جميع وكالات شركات الدخان الأجنبية بإسمه بدل أن تكون محصورة في مؤسسة التبغ ، فقام بشراء تجهيزات مستعملة وخطوط إنتاج لتصنيع السجائر المحلية وبيعها على أنها جديدة وبأسعار مرتفعة، وتصدير التبغ الخام السوري إلى شركة يونانية وهمية بأسعار منخفضة، بينما يتم بيع الدخان السوري في اليونان إلى شركات أجنبية بأسعار أعلى من السعر الحقيقي التي تم شرائه من مؤسسة التبغ، وبنفس الوقت كان مخلوف يفرض الأسعار التي يريدها على المزارعين في الساحل السوري، كما فرض على التجار والوكلاء الحصريين للدخان الأجنبي دفع عمولة مالية له…وعندما رفض الوكلاء مساومات مخلوف لهم ورفعوا شكوى الى رئيس الحكومة آنذاك عبد الروؤف الكسم….رد مخلوف على الشكوى بإصدار قرار أوقف بموجبه استيراد السجائر الأجنبية وحصر استيرادها بمؤسسة التبغ مع فرض عمولة على هذه الشركات مقابل كل كمية مستوردة من مؤسسة التبغ …..
وهذا ما قاد لنشوء مافيات تهريب الدخان والتي عرفت باسم الشبيحة وجل قادتها من أسرة الأسد، فكان أن تم احتكار تهريب الدخان أيضا!
ونتيجة مشاكل مؤسسة التبغ والصراعات التي فجرها مخلوف صدر قرارا من رئيس الحكومة انذاك 1985عبد الرؤوف الكسم بنقل مخلوف الى البنك العقاري بوظيفة مدير عام أيضا !!
قروض وهمية
وضع محمد مخلوف عمولة للقروض التي يمنحها المصرف بمقدار 15% !! وخلال عهده منح البنك قروض بمليارات الليرات الى أسماء وهمية وعقارات وهمية لان القرض يمنح بناء على مستند عقاري أو تجاري لضمان حق البنك بحال عدم التسديد ، كما وضع عمولة لمن يطلب تأخير التسديد أو طلب تمديد مدة القرض أو تمديد مدة الإعفاء من الرسوم المضافة عليه .
قطاع النفط والمصارف
أسس محمد مخلوف شركة تعمل في مجال الخدمات النفطية ( تامين عقود استخراج النفط و البحث واستكشاف عن آبار نفطية و نقل النفط الخام – حفر آبار نفطية ….. ) واسم هذه الشركة ( ليد للخدمات النفطية ) وحصته في هذه الشركة 50% والنصف الأخر باسم المهندس نزار الأسعد وحصة محمد مخلوف مسجلة باسم شقيق زوجته غسان مهنا بينما المالك الحقيقي مخلوف …تولت هذه الشركة جميع أعمال الخدمات في قطاع أعمال النفط بالإضافة الى عقود استيراد معدات وتجهيزات النفط وعقود تصدير النفط ، وحققت هذه الشركة أرباحاً طائلة منذ عام 1980، كما أسس شركة شحن بحرية مقرها في اليونان تعنى في مجال شحن النفط والغاز والمواد الخام، وفي عام 1980 تم تأسيس شركة الفرات للنفط وتقوم بأعمال التنقيب عن النفط واستثمار حقول النفط تملك الحكومة 65% و35 % تملكها مجموعة شركات أجنبية برئاسة شركة شل الهولندية والتي كان وكيلها محمد مخلوف …
بعد صدور مراسيم افتتاح بنوك خاصة تعمل داخل الأرضي السورية , كان محمد مخلوف أول المساهمين في البنوك الخاصة ومن أمثلة عمله كمساهم في ملكية المصارف بنك بيبلوس اللبناني حيث كان يملك 166 ألف سهم أي ما يعادل 41 % هذا غير بنوك أخرى …
كما امتد نشاط مخلوف الى قطاعات النسيج والكهرباء…..فهو قد أصبح مع أبنائه (الملك المالك الاله)، فلم يكتف بإنشاء امبراطورية الفساد المساندة للسلطة وقوتها المالية الضاربة بل كان يساهم في تعيين أي شخص له تأثير ولو صغير في مسار الاقتصاد السوري….
مخلوف سلم الراية لأبنائه حين تقدم به السن، لاستمرار هذه الامبراطورية المالية، التي تشبه في مسارها مسار السلطة السياسية، التي رسمها الأسد الاب المؤسس لإحدى أعتى الديكتاتوريات في العالم …وكلا المسارين شكلا خلال الخمسين سنة المنصرمة عماد الحكم في سورية …
هل كان يتخيل مخلوف تسلل فايروس صغير (كورونا) لا يرى بالعين المجردة لانهاء حياته، في سياق دراما الأبناء (بشار –رامي) والصراع على قطاع الاتصالات المزراب الجديد لذهب السلطة ؟
مات العراب مع نعوة مزركشة تشي بأفول امبراطورية المال المخلوفية لتفسح في المجال لسطوع نجم عائلة جديدة ترث تركة الأب الروحي لمملكة الموت والفساد (سوريا الأسد)!!
ترى كيف كان كوبولا سيتخيل سيناريو موت (امبراطور المال السوري) ليكون نهاية لفيلمه المتخيل ؟ وهل كان سيرضى بهكذا نهاية لا تراجيديا فيها ولا صدمة…؟
——————————–
==========================