سيمور هيرش في كتاب «قتل أسامة بن لادن والتدخل في سوريا»: هل نفّذَ باراك أوباما أجندة انتخابية؟/ سمير ناصيف
هل كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما يعتمد سياسة مزدوجة المعايير في سياسة بلاده الخارجية بحيث يصرح علنا بانه يسعى لنشر الحرية والديمقراطية في العالم فيما يعقد اتفاقات تخالف ذلك، هو ووزيرة خارجيته السابقة هيلاري كلينتون (التي ترشحت لخلافته) لاعتبارات انتخابية؟
وهل أدت هذه السياسات إلى أخطاء اُرتكبت وتمت التغطية عليها لأسباب مختلفة وإلى خلافات مع القيادة العسكرية الأمريكية ووزير الدفاع السابق روبرت غيتس الذي استقال من منصبه لاحقاً؟
يقول هيرش ان قائد منظمة «القاعدة» أسامة بن لادن كان، قد وقع في أيدي الاستخبارات العسكرية الباكستانية والجيش الباكستاني عام 2006 قبل قتله عام 2011 وكان الجيش الباكستاني آنذاك بقيادة الجنرال برفيز كيّاني فيما ترأس الاستخبارات الباكستانية «ISI» الجنرال احمد شوجة باشا. ويضيف ان القيادة العسكرية الباكستانية وضعت بن لادن في إقامة جبرية في مقر «آبوت آباد» على مقربة من مركز للاستخبارات وانه كان في صحة سيئة جداً، ويخضع للمراقبة الطبية المتواصلة.
ويشير في الصفحة (86) إلى ان مخبراً باكستانياً عسكرياً اطلع جون بانك مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية «CIA» في باكستان منذ عام 2010 على مكان وجود بن لادن وعلى وضعه، وان الاستخبارات الباكستانية عينت طبيبا عسكريا امير عزيز، للعناية به. كما يوضح ان باكستان كشفت هذه الوقائع بعدما أخلّت أمريكا باتفاقها معها حول سرية هذا الموضوع بسبب حساسية الوضع في باكستان.
وبالتالي، فعندما تمت عملية قتل بن لادن في «ابوت آباد» في أيار/مايو 2011، على أيدي مجموعة عسكرية أمريكية صغيرة كانت أمريكا وأجهزتها الاستخباراتية والرئيس الأمريكي أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون على علم بان بن لادن كان في وضع صحي سيء جداً ولم يكن قياديا وربما تم قتله لأسباب انتخابية قبل التجديد لأوباما في ولايته الرئاسية الثانية، وليس لأنه شكّل خطراً أمنياً.
ويقول الكاتب في الصفحة (94) ان قائد الجيش الباكستاني الجنرال كياني تردد في البداية في الموافقة على تغاضي الجيش الباكستاني وتسهيله تنفيذ العملية، ولكنه أعطى موافقة مشترطة عندما تم الاتفاق بين الجانبين الأمريكي والباكستاني على تنفيذها. ومن الشروط الأساسية ان تبقى جميع تفاصيل العملية سرية، وان تكون القوة العسكرية الأمريكية التي تنفذها قليلة العدد وألا تتم بضجة عسكرية وتفجيرات مدوية يشعر بها سكان المنطقة التي جرت فيها.
وقد أنكر كياني وباشا لمصدر مقرب من الكاتب تعاونهما مع الأمريكيين في هذه العملية خشية من محاكمتهما لاحقاً (وقد خضعا فيما بعد لمثل هذا التحقيق) كما أنكرا خوفا من انتقام قد ينفذه ضدهما مؤيدو بن لادن وطالبان في باكستان. وتم التوضيح لمصدر هيرش ان بن لادن اعتُقل في جبال كوندوش بعد رشوة رجال القبائل في تلك المنطقة عام 2006، وتقرر استخدامه كورقة ضغط على «القاعدة» وطالبان باكستان لمنع ارتكاب عمليات من المنظمتين في باكستان. وهُددت المنظمتان بإبلاغ أمريكا عن مكان وجود بن لادن إذا ارتكبتا مثل هذه العمليات (ص 96).
ومن شروط كياني وباشا حسب مصادر المؤلف، عدم إعلان أمريكا عن العملية إلا بعد أسبوع من تنفيذها.
وفي الصفحة (101) يذكر هيرش ان ضابط مخابرات باكستانيا رافق المجموعة الأمريكية العسكرية التي دخلت إلى المنزل وقتلت بن لادن ووجهها نحو الطابق الثالث المنشود الذي كان بن لادن فيه. كما أمرت الاستخبارات الباكستانية بقطع الكهرباء عن المبنى قبل ساعات من تنفيذ العملية (ص 99). وقد تم إطلاق النار على بن لادن «مباشرة ودون تعقيد» ولم يقتله العسكريون الأمريكيون دفاعا عن أنفسهم ولم يكن بن لأدن يحمل سلاحاً. (ص 102).
ومن الأمور التي يذكرها هيرش ان مؤخرة إحدى الطائرات المروحية التي استُخدمت للعملية ارتطمت بجدار خارجي لمنزل احتجاز بن لادن وتم احتراق هذا الجزء منها.
ويشدد هيرش على ان وزير الدفاع الأمريكي آنذاك روبرت غيتس لم يوافق على هذه العملية ولا على الطريقة التي أجريت فيها ولا على طريقة الإعلان عن تنفيذها. وذكر غيتس ذلك في مذكراته وفي أحاديثه الخاصة مع مصادر هيرش الموثوقة. وبالتالي يرى المؤلف ان أوباما خدع غيتس حول الاتفاق المسبق مع القيادة العسكرية الباكستانية. وعندما نُفذت العملية شدد غيتس على رغبته التمسك بالاتفاق مع الباكستانيين ولكن أوباما بادر بالإدلاء بالتصريحات المتسرعة والمتناقضة حول ما حدث قبل وخلال وبعد قتل بن لادن لأهدافه الخاصة (ص 104 ـ 106).
ويعتبر الكاتب ان مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية آنذاك ليون بانيتا، ومستشار مكافحة الإرهاب الذي أصبح مديراً للوكالة لاحقا جون برينن ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أيدوا ما تم تنفيذه لأنه يساهم في رفع شعبية أوباما والحزب الديمقراطي الأمريكي قبل الانتخابات الرئاسية (ص 107).
ويضيف ان وزارة الدفاع الأمريكية أشارت إلى ان بن لادن لم يحمل سلاحا لدى قتله ولم يستعمل إحدى زوجاته لحمايته وان المجموعة التي قتلته لم تجد صعوبة في الدخول إلى مقره. بالإضافة إلى ان القيادة السياسية الأمريكية استخدمت شهادتين مزورتين لعسكريين اثنين قالا انهما شاركا في العملية ووصفاها أمام لجنة للكونغرس كما وردت في الرواية الرسمية (ص 110). وهذا في رأي الكاتب تزييف للحقيقة.
ويرى ان رواية العثور على معلومات ووثائق قيمة في شقة بن لادن التي روجت لها الصحف الأمريكية كـ»واشنطن بوست» و»نيويورك تايمز» اختلقها البيت الأبيض لتظهر انه كان شخصاً فاعلاً لدى اغتياله. كما اختلقت هذه الروايات ما سُمي عملية إجراء مراسم الدفن على الطريقة الإسلامية قبل رمي جثمان بن لادن في البحر في رأي الكاتب، وكما ورد في مجلة «فانيتي فير». (ص 118).
ويؤكد ان خرق الاتفاق السري بين الاستخبارات العسكرية الباكستانية وأمريكا والتصريحات التي تلت من الجانب الأمريكي أدت إلى وقف التعاون بين الجانبين لمدة أربع سنوات، ولكنها عادت عندما قررت باكستان ضرورة عودة التعاون مع أمريكا أمنياً بعد عام 2015 وبعد انتشار «تنظيم الدولة الإسلامية» في مناطقها. وقد أُحيل كياني وباشا إلى التقاعد. وقيل انهما خضعا للتحقيق حول دورهما في عملية قتل بن لادن.
في الفصل الثاني، يحاول هيرش تطبيق نظريته حول الازدواجية في سياسات أوباما الخارجية على تردد الرئيس الأمريكي السابق في قراره ضرب سوريا عسكريا في صيف عام 2013 قبل التجديد له في الولاية الرئاسية الثانية في خريف تلك السنة.
ويوضح ان القادة العسكريين الأمريكيين (وخصوصا القائد السابق للأركان العسكرية مارتن ديمبسي) اقنعوا أوباما بان استخدام القوة العسكرية الأمريكية بحجة قيام وحدات من الجيش السوري باستخدام السلاح الكيميائي ضد المعارضة السورية هو أمر خطير، لأن أي هجوم أمريكي عسكري على سوريا قد يؤدي إلى مواجهة إقليمية وربما عالمية أو قد «يوصل المنظمات الجهادية المتطرفة إلى الحكم لأنهم هم بالفعل من يقود المعركة العسكرية ضد النظام بدعم تركي عسكري وسياسي». (ص 127 ـ 128).
وفي هذا الفصل، يطرح هيرش مواقف حول تهريب السلاح من ليبيا (بعد اسقاط نظام القائد الليبي معمر القذافي بإشراف أمريكي ـ بريطاني ـ عربي) إلى تركيا وبعد ذلك إيصاله إلى المعارضة السورية الميدانية وان «السلاح الكيميائي ربما وصل إلى المعارضة السورية المسلحة عبر هذا الخط التمويني العسكري بعلم المخابرات الأمريكية والبريطانية بهذا الأمر منذ ربيع 2013» (ص 129).
ويضيف بانه كان مقرراً ان تلعب فرنسا وبريطانيا دورهما في الهجوم العسكري على سوريا الذي كانت أمريكا أوباما قد قررت تنفيذه في أيلول/سبتمبر 2013 وعَدَلت عنه بعد ضغوط من القيادات العسكرية الأمريكية، وبعد معارضة البرلمان البريطاني تنفيذ مثل هذا الهجوم (ص 133 ـ 134).
إذن، فالكاتب يحاول الإشارة إلى ان نظام أوباما وهيلاري كلينتون كان مستعداً لاتخاذ الخيارات العسكرية الخطيرة للوصول إلى أهدافه الانتخابية والتراجع عنها مهما كانت النتائج. وكما جازف في ارتكاب عملية قتل أسامة بن لادن في «أبوت آباد» فقد كاد ان يقوم بمجازفات خطيرة أخرى في سوريا، علماً ان في الكتاب إشارات إلى أخطاء ارتكبتها قيادة أمريكا أوباما ـ هيلاري في ليبيا وشاركتها فيها بريطانيا وفرنسا وكان بالإمكان تفاديها (ص 133 ـ 142).
وفي الفصل الثاني أيضا، يقول الكاتب ان قرار نظام أوباما ـ هيلاري كلينتون وقف نقل الأسلحة إلى المعارضة السورية المسلحة عبر «CIA» وحلفاء أمريكا ترك الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مكشوفاً سياسياً وعسكرياً مما اضطره إلى تبديل خطته في سوريا وأصبح يتعرض لضغوط من قبل الجهاديين (ديمغرافية وسياسية) (ص 148)، دفعته إلى تبديل سياساته.
ويقول ان أوباما حذف معلومات استخباراتية كان يمتلكها حول الموضوع السوري حتى بعد قراره التراجع عن اعتماد الخيار العسكري وفعل ذلك في خريف 2013 قبل التجديد له في ولاية رئاسية ثانية بفترة قصيرة.
وبالتالي، فان تعهدات باراك أوباما نشر الديمقراطية والحرية في العالم، خضعت في مناسبة اغتيال بن لادن وفي التعامل مع الوضع السوري لاعتبارات متناقضة ومترددة وغير حاسمة، وهي ربما ساهمت في خسارة هيلاري كلينتون الانتخابات الرئاسية الأمريكية في خريف عام 2017 أمام دونالد ترامب.
وفي الصفحات (182 ـ 186) يشير إلى ان الاستخبارات الأمريكية تعاونت مع الاستخبارات السورية في تبادل المعلومات حول منظمة «القاعدة» ومثيلاتها ودورها في سوريا والعراق وهذا الأمر أتاح موافقة دمشق في عام 2013 (في عهد أوباما) على تبادل المعلومات السرية في هذا الشأن (ص 185) ولكنه يقول أيضا ان قيادة الجيش الأمريكي اشترطت على النظام السوري بعض الأمور قبل القيام بالاتصال المباشر مع الجيش السوري والقيادة وهي أمور متعلقة بدور حزب الله وإيران في سوريا.
سيمور هيرش: «قتل أسامة بن لادن والتدخل في سوريا»
ترجمة وتقديم د.محمد جياد الأزرقي
الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت 2016
222 صفحة.
سمير ناصيف
القدس العربي