أيُّ كتابٍ عن الشرق الأوسط الأوسع، قديماً كان أم جديداً، تنصحون بقراءته هذا الصيف؟/ مايكل يونغ
ناثان ج. براون | باحث أول غير مقيم في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
كتاب Khirbet Khizeh رواية خيالية موجِعة – ولو أن أحداثها قد لاتكون بالكامل من نسج الخيال – عن طرد أبناء إحدى القرى الفلسطينية قبل سبعين عاماً. يزهار سميلانسكي الذي كتب الرواية في العام 1949، بُعيد وقوع الأحداث التي يصفها في كتابه، مستخدِماً الاسم المستعار س. يزهار، يضع الراوي في مستقبلٍ كان لايزال بعيداً آنذاك، مدّعياً الكتابة عن زمن “ولّى منذ فترة طويلة”. تارةً يشعر الراوي بالاضطراب الشديد من أفعاله، وطوراً لا تثير لديه هذه الأفعال أي اضطراب، وهذا مدعاة للقلق. وهو يتنقّل أيضاً بين المشاركة في قسوة الطرد وبين النأي بنفسه عنها. في الرواية، الضحايا هم ضحايا لا أكثر: يعرف الراوي النزر اليسير عنهم، وبالكاد تؤثّر أفكارهم وكلماتهم ومشاعرهم في القصّة.
الغريب أن دور الرواية ودور يزهار في الحياة العامة الإسرائيلية يعكس نبرة الكتاب بحد ذاته. كان الكتاب، الذي أُدرِج في المنهاج الدراسي الإسرائيلي في الستينيات، جزءاً مقبولاً من المكتبة الأدبية، حتى لو أن مضمونه تعارض بشدّة مع السردية المتعارف عليها عن أصول “مشكلة اللاجئين”. لقد وضع مؤلّفه أعمالاً أدبية أخرى، لكنه كان أيضاً سياسياً نَشِطاً، على صلة وثيقة بديفيد بن غوريون. وكانت قد انقضت ثلاثة عقود على صدور الرواية عندما بدأت السجالات تُثار حولها. ولم تُترجَم إلى اللغة الإنكليزية إلا بعد ستة عقود.
اليوم، تُقرأ الرواية كسردٍ كامل وحازم لأحداث باتت الآن حقاً من زمنٍ “ولّى منذ فترة طويلة”، حتى ولو كانت آثارها لاتزال حيّة جداًّ.
كريم سجادبور | باحث أول في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي
غالباً ما يُختزَل الأشخاص الذين قُتِلوا على أيدي دكتاتوريين مصابين بجنون العظمة في الشرق الأوسط – مثل صدام حسين، وآية الله روح الله الخميني، ومعمّر القذافي، وحافظ وبشار الأسد، وما إلى هنالك – بأرقام رتيبة. إنما ليست هناك بيانات عن ملايين العائلات التي يتسبّب مقتل هؤلاء الأشخاص بانفراط عقدها. لكن مذكّرات الروائي الليبي هشام مطر “العودة: الآباء والأبناء والأرض بينهما” (The Return: Fathers, Sons and the Land in Between) تروي الحكاية المؤثِّرة لواحد من هذه “الأرقام”.
في العام 1990، اختُطِف والد مطر، جاب الله، وهو معارِض ليبي منفي، من شقّته في القاهرة على أيدي الشرطة السرّية التابعة للحكومة المصرية – حليفة الولايات المتحدة في المنطقة منذ فترة طويلة – و”سُلِّم إلى القذافي”. وقد كرّس مطر، بعد بلوغه سن الرشد، حياته بكاملها للعثور على والده – أو معرفة ما حلّ به. يكتب: “عندما يكون والدك مخفيّاً منذ تسعة عشر عاماً، رغبتك في العثور عليه تساوي خوفك من العثور عليه. يتملّكك صراعٌ داخلي مُخزٍ”.
تُوثّق رواية مطر، من دون مرارة، ليس فقط القسوة التي يعجز اللسان عن وصفها في ليبيا القذافي والاضطرابات اللاحقة، إنما أيضاً التواطؤ الواسع – الغربي وغيره – الذي أتاح للقذافي أن يبقى في الحكم طوال أكثر من 40 عاماً. لقد طلب مطر، عن طريق صديق مشترك، من نلسون مانديلا – الذي كان حليفاً مقرّباً من القذافي – أن يسأل عن مكان والده. فكان ردّ صديقه: “يقول لك مانديلا ألا تطلب منه أبداً مثل هذا الأمر مجدّداً”.
لؤلؤة الرشيد | مديرة مشارِكة للبرنامج حول العلاقات المدنية-العسكرية في الدول العربية في مركز كارنيغي للشرق الأوسط
يقدّم كتاب “نظرية عن الدولة الإسلامية: العنف السياسي وتحوُّل النظام العالمي” (A Theory of ISIS: Political Violence and the Transformation of the Global Order) الذي وضعه المؤرّخ المتخصّص بالعلاقات الدولية محمد محمود ولد محمدو، عرضاً مقنعاً عن أصول وطبيعة ومسار هذا التنظيم الذي كان، لفترةٍ من الزمن، التنظيم الإرهابي الأكثر نفوذاً في العالم. وهكذا، يُدرج المؤلّف العلوم الاجتماعية في تصوّرٍ مفاهيمي عن تنظيم الدولة الإسلامية، بعيداً من طبيعته الجيوسياسية والإسلامية المتطرّفة.
يُظهر محمدو أن معنى العنف الذي تمارسه الدولة الإسلامية في المناطق التي تسيطر عليها، وكذلك على المستويَين الإقليمي والعابر للأوطان، مضمَّن في ثلاثة عوامل: الرواية الاستعمارية التي تربط المشرق وشمال أفريقيا بالغرب؛ والعولمة التي تتّسم بالانسياب والحدّة، والتي تضخّم لجوء التنظيم الدراماتيكي إلى العنف، ومحاولاته السطحية لبناء دولة؛ ومرحلة مابعد الحداثة، مع استخدامها المتكرر للإعلام وتكنولوجيا الاتصالات على خلفية ثقافة شبابية مدينية، ونزعة فردية تجارية، وغربة مجتمعية. يعتبر محمدو أن الأثر التراكمي لهذا كلّه أدّى إلى ظهور حركة هجينة أعادت العنف إلى مرسِله.
مهنّد الحاج علي | مدير الاتصالات والإعلام في مركز كارنيغي للشرق الأوسط
يستكشف كتاب حازم قنديل “مثلث القوة: العسكر والأمن والسياسة في تغيير النظام” (The Power Triangle: Military, Security, and Politics in Regime Change) التبايُن في حظوظ ثلاثة بلدان شهدت انقلابات عسكرية في القرن العشرين، وهي إيران وتركيا ومصر. في إيران، ظهر نظام ملَكي سلطوي أطاحته لاحقاً ثورةٌ إسلامية. وطوّرت تركيا، بدورها، “ديمقراطية محدودة” بعد محاولات متتالية لإجراء إصلاحات. وأصبحت مصر دولة بوليسية قادرة على التكيّف.
الصراع على النفوذ بين المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية، أو “مثلّث القوة”، وفق ما يسمّيه قنديل، هو الدافع الأساسي للاختلافات القائمة بين البلدان الثلاثة. يُقدّم الكتاب عرضاً تاريخياً مفيداً جدّاً عن التجاذبات والتحالفات في مثلّثات القوة في إيران وتركيا ومصر. في حالة مصر، نستشفّ قيمة الهندسة الأمنية التي وضعها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في إرساء أنظمة محصَّنة ضد الانقلابات. وهذا الأمر يعزوه قنديل، إلى حد كبير، إلى زكريا محي الدين، أحد “الضباط الأحرار” المصريين الذي توفّي قبل ستة أعوام عن سن الـ93، من دون كشف الكثير عن الدور الذي لعبه. وقد شبّهه قنديل بالصندوق الحديدي مُحكَم الأقفال، في إشارةٍ إلى صمته الدائم.
بغض النظر عن مدى صوابية الحجّة الأساسية التي يسوقها قنديل، يقدّم الكتاب رواية مفصّلة وغنيّة بالمعلومات عن علاقات القوة في كلٍّ من البلدان الثلاثة التي يتناولها، فضلاً عن اقتباسات ثاقبة. وتُعطينا أحد هذه الاقتباسات لهانا آرندت فكرة وافية عن نظرة قنديل إلى القوة في الدول السلطوية: “فوق الدولة وخلف واجهات القوة الظاهرية… تكمن نواة القوة في البلاد، والتي تتمثّل بالأجهزة فائقة الفاعلية والكفاءة التابعة للشرطة السرية”.
مايكل يونغ | محرّر مدوّنة “ديوان”
كتاب ستيف كول الجديد “المديرية إس: وكالة المخابرات المركزية وحروب أميركا السرية في أفغانستان وباكستان” (Directorate S: The CIA and America’s Secret Wars in Afghanistan and Pakistan)، يوجّه تحذيراً من ميل الولايات المتحدة إلى التدخّل في بيئات معقّدة في الخارج، وتوقُّعها أن ترضخ هذه البيئات للأولويات الأميركية، لتكتشف لاحقاً أن البلدان تملك أولوياتها الخاصة.
عندما دخلت الولايات المتحدة أفغانستان بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، ركّزت في شكل أساسي على مكافحة الإرهاب وإلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة. لكن إطاحة نظام طالبان أفرزت تداعيات سلبية على باكستان التي كانت، حتى ذلك الوقت، سمسارة النفوذ الأساسية في البلاد، ولاسيما في عدواتها مع الهند. وسرعان ما بدأت استخبارات الخدمات البينية المشتركة (ISI)، وهي مديرية المخابرات الباكستانية الأكثر نفوذاً، في دعم حركة طالبان بصمت ضد الولايات المتحدة، من خلال “المديرية إس”.
اليوم، الولايات المتحدة عالقة في أفغانستان. وهي تخشى، في حال انسحابها، أن يشي ذلك بهزيمة منظومة سياسية قدّمت لها الدعم طوال أكثر من عقد ونصف العقد، لكن الطريق ليس معبّداً أمامها لتحقيق النصر. هكذا تُصنَع مستنقعات التورُّط في الدول. الأهم من ذلك، تعلّم الأميركيون أنه لا يمكنهم أن يقولبوا العالم بما يتناسب مع رغبتهم في الحدّ من خسائرهم. فمن خلال دخولهم إلى أفغانستان، حرّكوا وكراً للدبابير طالت تأثيراته المصالح الباكستانية والإيرانية والروسية والصينية. يُقدّم كول خدمةً عبر تسليطه الضوء على تعقيدات الوضع. فأميركا هي أسيرة معضلة يتعذّر حلّها، وتكمن المفارقة في أن هذا الأمر يحدث بعد مرور ثلاثة عقود فقط على مساهمتها في زجّ روسيا في معضلة مماثلة في أفغانستان.
مركز كارينغي للشرق الأوسط